التّجاهل الوجودي لعلاج العته الوجودي (مقالة).

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • مادلين مدور
    عضو الملتقى
    • 13-11-2018
    • 151

    #16
    أستاذ حسين...
    آسفة كل الأسف لأنك تجرني إلى ما لا أريد
    خير عنوان لهذه الكلامية الظريفة هو
    أسرار النعامة في جلب النجاة والسلامة.

    أطرف ما في هذا السرد المنفوخ
    هو الجوهرة وسطوحها اللامعة المصقولة
    وحلم الكاتب في جعل قيمة ما يكتب من قيمة القرطاس
    وأن الحديث لم ينتهي بعد، وله تتمة.

    أنا أفهم كل كلمة تقولها، وأفهم دوافعك لهذا
    بل وما يجبرك عليه، أستاذي اللامع.
    ولا أرد بالمثل، حتى لا أدفعك إلى وضع الملتقى كله في قائمة التجاهل.

    يقيناً أن الكاتب تلقى علومه الأولى في الكتاتيب.
    بؤر الجهل التي زرعها الإستعمار الفرنسي في أنحاء مستعمراته.
    ليضمن أجيالاً على شاكلة الكاتب المنَعَّم.
    حتى ولو حازوا على أكبر الشهادات العلمية والأدبية.
    تبقى عصا شيخ الكتاب في عقولهم اللاواعية.
    تخيفهم وترهبهم ولو بلغوا من العمر عتياً
    يضربون بها على أيدي من لا يسمعون الكلام.
    ليس المهم أن نعرف، المهم أن نسوق ما نعرف ولا نبخس بضاعتنا.

    من المؤسف أن شابة تنصح عجوزاً
    التجاهل لن يحميك من الجهل.

    تحياتي ودعائي لك بالتوفيق.

    المشاركة الأصلية بواسطة حسين ليشوري مشاهدة المشاركة

    الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

    15) خلَصنا في حديثنا السابق إلى أن "العته الوجودي"، وإن لم نصرح بذلك، مرض فكري قبل كونه مرضا نفسيا لأن الإنسان، باختصار، هو مجموع أفكاره التي اختزنها منذ ولادته من خلال التنشيئة الاجتماعية التي تلاقاها وجراء التربية متنوعة المصادر التي استقى منها أفكاره وآراءه التي يصدر عنها في سلوكه ومواقفه وعلاقاته مع غيره من بني جنسه ومع الأشياء التي تحيط به.

    16) ولعلاج ذلك "العته الوجودي" حلول كثيرة يمكن اختصارها في ثلاثة علاجات فعَّالة أو الاستعاضة عنها بأخرى بديلة أقل فعالية ونجاعة من الأولى إن تعذر استعمال هذه، فأما الثلاثة الأولى فهي: 1- إثارة الوازع الديني، و2- تحريك الدافع الثقافي، و3- تفعيل الرادع القانوني، فإن "عجزتْ" هذه الثلاثة مجتمعة أو متفرقة يمكن الاستعاضة عنها بثلاثة أخرى: 4- الإعراض عن الجاهلين المتعصبين، 5- فضح المعاندين في الباطل، 6- تجاهل المعتوهين ألبتة كأنهم غير موجودين أصلا؛ وهذا هو الذي أسميناه "التجاهل الوجودي" لأنه يرتبط وجوديا بـ "العته الوجودي" المتحدث عنه؛ فكأن "التجاهل الوجودي" جاء جزاءً وفاقا لذلك "العته الوجودي" لأن القاعدة تقول: "الجزاء من جنس العمل"؛ وهذا التجاهل يكون ذهنيا طبعا أو شعوريا.

    17) وبناء عليه، فالناس أصناف، هذه حقيقة ثابتة ومؤكدة، فما ينفع مع بعضهم لا ينفع بالضرورة مع البعض الآخر، ولذا جاء التدرج في الحلول الثلاثة الأولى من إثارة الوازع الديني عند المخطئ المتدين، وتحريك الدافع الثقافي عن غير المتدين إن كان مثقفا يستحيي إن حُشِّم، وتفعيل الرادع القانوني ضد المعتدي إن لم ترده النصيحة بالحسنى، ولم يثنه التَّحشيم الأخلاقي عن غيه، ولذا قيل:"إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن"(1)، كما أن النهي عن المنكر جاء متنوعا ومتدرجا حسب الاستطاعة(2).

    18) لكن هذه الحلول الثلاثة قد لا تجدي نفعا مع كثير من الناس لضعف الوازع الديني، ولفشو الجهل بنوعيه: المعرفي والأخلاقي، ولغياب وسائل الردع القانوني لكثير من المخالفات الشرعية أو لعدم نص القانون عليها أصلا، ولذا تجد الناس يظلم بعضهم بعضا وهم آمنون مطمئنون لا يخافون ولا حتلا يحذرون القمع ولاسيما إن اندرج الفعل السيء تحت مسمى "الحريات الفردية"، أو "الاختيارات الثقافية" أو "القناعات الدينية أو الفكرية أو السياسية".

    19) فعندما تفشل الحلول الثلاثة الأولى يُلْجَأُ إلى الثلاثة الأخرى كما ذكرت آنفا عساها تفيد؛ فالإعراض عن الجاهلين حلٌّ يعود على المتجاهل بالراحة النفسية وإن كانت نسبية لأنه لا يمكن تجاهل المسيئين تجاهلا كليا إذ يبقى من إساءتهم شيء يحز في النفس؛ وأما فضح المعاندين بالباطل حتى يحذرهم الناس فيحتاج إلى نضال شديد قد لا يستطيعه كثير من الناس، وكما قيل:"اذكُروا الفاسقَ بما فيه كي يحذرَه النَّاسُ"(3)؛ وأما "تجاهل المعتوهين" ألبتة كأنهم غير موجودين أصلا فيحتاج إلى قدرة نفسية وسيطرة على الانفعال نادرتين، فمن يستطيع أن يكون "باردا" كالمرآة الصماء تنساك ألبتة كأنك لم تقف أمامها أبدا؟ ولذا احتاج هذا الحل إلى قدرة نفسية كبيرة تصير صاحبها كأنه "مرآة" ينسى الجاهلين كلية كأنهم لم يكونوا أبدا.

    20) محور كلامنا الأساسي هو ما أسميته "التجاهل الوجودي" لعلاج "العته الوجودي" وهو تدريب النفس على تجاهل أولئك "المعتوهين" الذين بينت مواصفاتهم قبلا في الفقرة "14"؛ والعجيب في الأمر أن أولئك "المعتوهين" لا يدرون أنهم "معتوهون" وقد جاء في بعض المقولات: "إن المجنون الذي يعرف أنه مجنون فهو مجنون قد شُفِي" (un fou qui sait qu'il esy fou est un fou guéri)، ولذا وجب على العقلاء أن يعالجون العته بما يستطيعون من العلاجات المتنوعة، فإن عجزت تلك العلاجات الخمسة لُجِئَ إلى الحل الأخير: "التجاهل الوجودي" لعلاج "العته الوجودي" كما نص عليه عنوان المقالة ابتداءً.

    21) "التجاهل الوجودي" هو أن تجعل بينك وبين الجاهل، المعتوه، حاجزا نفسيا، أو سدا منيعا، يقيك شر الجهل ويصونك منه، وهذا الحل كالماسة الثمينة، النفيسة، لها عدد من الوجوه وهي واحدة وقيمتها في تعدد وجوهها الصقيلة المتمثلة في:
    1- حمد الله تعالى على أن عافاك مما ابتلى به كثيرا من خلقه، وهذه نعمة تستوجب الشكر المستمر لتدوم وتستمر؛
    2- دعاء الله تعالى ألا يجعلك فتنة للناس فيضلوا بسببك، أو أن يستمروا في غيهم وعنادهم وتعنتهم بسببك كذلك؛
    3- تبيين ما يجب الحذر منه للناس لتوقيه كما قيل:"عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه = فمن لم يعرف الشر من الناس وقع فيه"؛
    4- التفقه في الإسلام بنصوصه الصحيحة الصريحة؛
    5- طلب الزيادة من العلم والتوفيق للعمل به.

    هذا، وللحديث بقية، إن شاء الله تعالى، إن كان في العمر بقية، وقراءة ممتعة.

    الْبُلَيْدَة، يوم السبت 15 محرم 1441 ه الموافق 14 سبتمبر 2019 غ.
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
    (1) ينسب الأثر إلى أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله تعالى عنه.
    (2) استنادا إلى الحديث:"
    مَن رَأَى مِنكُم مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيَدِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسانِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وذلكَ أضْعَفُ الإيمانِ"، رواه الإمام مسلم، رحمه الله تعالى، عن أبي سعيد الخدري، رضي الله تعالى عنه.
    (3) ذكر هذا الأثر الإمام الطبراني بإسناد حسن، والله أعلم.


    التعديل الأخير تم بواسطة مادلين مدور; الساعة 24-09-2020, 00:57.
    لا أُصَدِّقُ من يقولُ لا وقتَ لدي.
    بِهِ أفعلُ كُلَّ شيءٍ، والفائضُ أستمتِعُ بإضاعته.

    تعليق

    • فاطمة الزهراء العلوي
      نورسة حرة
      • 13-06-2009
      • 4206

      #17
      تقديري الكبير لمقالكم الرائع
      هناك أناس مهيأون لاستثمار السواد كلية دون وساطة بياض
      لقد بدانا من البياض / الجنة / واستفحل فينا الجانب الترابي العقيم
      اليوم أستاذنا الحسين لا يكفي أن نشير بالاتهام إلى الوالدين ، فالمحيط مسوس محيط الخارج وهو اليوم / وللأسف ومع الأسف / يؤقلم مسطرة / اللاأخلاقيات / الزفت

      تحيتي وتقديري
      لا خير في هاموشة تقتات على ما تبقى من فاكهة

      تعليق

      • حسين ليشوري
        طويلب علم، مستشار أدبي.
        • 06-12-2008
        • 8016

        #18
        المشاركة الأصلية بواسطة فاطمة الزهراء العلوي مشاهدة المشاركة
        تقديري الكبير لمقالكم الرائع
        هناك أناس مهيأون لاستثمار السواد كلية دون وساطة بياض؛ لقد بدانا من البياض / الجنة / واستفحل فينا الجانب الترابي العقيم؛ اليوم، أستاذنا الحسين، لا يكفي أن نشير بالاتهام إلى الوالدين، فالمحيط مسوس محيط الخارج وهو اليوم / وللأسف ومع الأسف / يؤقلم مسطرة / اللاأخلاقيات / الزفت.
        تحيتي وتقديري
        ولك تحياتي وتقديري أختنا الفاضلة لالَّة فاطمة وعساك بخير وعافية.
        فعلا، أختي الكريمة، لم يعد الوالدان يكفيان في تنشئة الأجيال بل هناك مؤثرون كثر يساهمون في التنشئة الاجتماعية وقد يكون تأثيرهم أخطر وأكبر من تأثير الأبوين.
        وأنا بصدد هذا الحديث أذكر أنني في التسعينيات من القرن المنصرم كتبت تعليقا في بعض الجرائد اليومية الجزائرية على كتاب هيلاري كيلنتون "يلزم قرية كاملة لتربية طفل" (Il faut tout un village pour élver un enfant) [
        It Takes a Village: And Other Lessons Children Teach Us] وهذا صحيح تماما لتداخل "التربيات" (!) المختلفة والمتنوعة في تنشئة طفل، ومن الطفل نتحدث عن الأسرة ومنها عن المجتمع، ومنه عن الأمة في سلسلة مترابطة الحلقات؛ وكما يقال: "إن قوة السلسلة بقوة أضعف حلقة فيها" وأضعف حلقة في سلسلة المجتمع، أو الأمة، إنما هو الطفل، وما أدراك ما الطفل؟

        لا لوم على الأبوين وحدهما فلم يعودا المسئولَيْن الوحيدَيْن في تنشئة الطفل ومن ثمة في ثقافته، والثقافة مفهوم واسع وشاسع جدا لا يتسع المقام لمناقشته.

        أشكر لك تفاعلك المثمر مع كتاباتي المتواضعة ودمت على التواصل البناء الذي يغني ولا يلغي.

        تحياتي الأخوية.

        sigpic
        (رسم نور الدين محساس)
        (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

        "القلم المعاند"
        (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
        "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
        و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

        تعليق

        يعمل...
        X