جروح المنتقم لا تضمد.

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد شهيد
    أديب وكاتب
    • 24-01-2015
    • 4295

    جروح المنتقم لا تضمد.

    إذا صدر منك سلوك - قولا أو فعلا، حقا أم ظلما - تعتقد أن شخصا ما - صديقا كان أم قريبا و غيرهما - قد تضرر بتصرفك هذا فأصيب على إثره بجروح نرجسية متفاوتة الأثر و الخطورة، ثم ماكان من الشخص ذاته إلا أن يرد عليك بإحدى الحسنين: إما بأن يغفر لك من القلب - خاصة في حالة اعتذارك إن أسأت أو تعليلك إن أصبت - أو، إن عز عليه الصفح، بأن يعمل بوصية
    الرجل الصالح كما نقلها الإمام الشافعي:رحم الله من كافأني على إساءتي من غير أن يزيد ولا يبخس حقا لي، فاعتبر نفسك ذا حظ عظيم فغريمك هذا ينتمي إلى صنف النوادر من فصيلة إنسية مهددة بالانقراض. بل دعني أهنئك صادقاً و أكرر أمامك نصيحة الشافعي البليغة:
    إذا كان لك صديق فشدّ بيديك به، فإن اتخاذ الصديق صعب ومفارقته سهل. وقد كان الرجل الصالح يشبّه سهولة مفارقته الصديق بصبي يطرح في البئر حجرا عظيما فيسهل طرحه عليه ويصعب إخراجه على الرجال. فهذه وصية الإمام (ووصيتي إليك) وإليك السلام ثم انتهى الكلام بمسك الختام.


    لكن. ربما سوف يتبين لك أن الأمور ليست دائما بهذه المرونة كما كان يشتهيها الرجل الصالح و لا على الشكل الذي نتمناها نحن من بعده. بل، إن المتمعن - من غير سذاجة مفرطة - في سلوكيات الآدميين و طبائعهم يدرك أن الانتقام أقرب للمكلوم من الكرم و أن الصفع أيسر على المجروح من الصفح. و التاريخ على مر العصور حافل كان - و لا يزال - مسرحا لوقائع دامية و نكبات سوسيوثقافية و أزمات جيوستراتيجية توثق للسلوك الانتقامي كمتلازمة توطيد لعلاقة الإنسان بالثأر و ميوله شبه الغريزي للانتقام.

    فإذا وُجد أنك فعلا أصبت شخصا بما لا يحب من قول أو فعل ثم ابتليت بشيء من الذي ابتلي به سيزار مع صديقه بروتوس، فخذ العبرة من عظماء منتقمي التاريخ و ترقّبْ موعد "رد الاعتبار". فإنني قرأت عند Francis Bacon بشأن الانتقام ما نصه: This is certain, that a man that studieth revenge, keeps his own woods green... (جروح المقبل على الانتقام لا تضمد).
    و مع فائض حظوظك، ربما كان المجروح على اطلاع بأدبيات الانتقام فيقتبس منها المتلازمة الأساسية: أن ينتقم منك في العلن. يبدو على أنها في نفس المنتقم أشد وطئا و أقوم. و هو ما أشار إليه Bacon كذلك و أكده التاريخ من قبل و من بعد. و لعلها الخديعة التي فطن إليها الخليفة المنصور في حادثة انتقام ذكرها صاحب "التذكرة الحمدونية" صفحة 215 جعلت الخليفة يتصدى لها بالخطة التي نهجها ضد غريمه آنذاك بقول ترجمه إلى فعل:

    إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة ... فإن فساد الرأي أن تترددا
    ولا تمهل الأعداء يوما بقدرة ... وبادرهم أن يملكوا مثلها غدا


    ففي غياب الرجل الصالح الذي يصفح عنك بعد الجرح، فكن، يا صديقي، يقظاً حذرا و تذكر: جروح المنتقم لا تُضمّد.
    وإليك السلام.


    م.ش.

    التعديل الأخير تم بواسطة محمد شهيد; الساعة 17-09-2019, 13:35.
  • سليمى السرايري
    مدير عام/رئيس ق.أدب وفنون
    • 08-01-2010
    • 13572

    #2



    الانتقام في حدّ ذاته مضرّ بالإنسان سوى المنتقم نفسه أو المنتقم منه
    بينما تظلّ الجراح التي سببها البعض للبعض، نازفة ولا تندمل حتى لو تظاهرنا بشفائها.
    هناك جراح لا تكفّ يا صديقي لكن الزمن كفيل بأن يغلفها بغلالة رقيقة لو نبشنا فيها ستطفو من جديد.
    موضوع قيّم وانا كبداية أحببت أن أحييك "وأياك ان تنتقم مني ذات غضب هههه فأموت وحيدة على مشارف الصمت"..
    -
    محبتي واحترامي
    لا تلمني لو صار جسدي فاكهة للفصول

    تعليق

    • محمد شهيد
      أديب وكاتب
      • 24-01-2015
      • 4295

      #3
      "الانتقام في حدّ ذاته مضرّ بالإنسان سوى المنتقم نفسه أو المنتقم منه"

      كل الصدق في كلامك هذا عن أضرار الانتقام : نار تحصد كل شيء، لا تبقي و لا تذر، حتى ما إذا أفنت ما في طريقها عادت للمنتقم نفسه تأكل منساته، ليخر مذموما مدحورا.
      ولا أدل على بشاعة عواقب الانتقام أكبر من الجرائم التي تشهدها ساحات "الثورات" في شتى مدن و قرى العالم. وبهذه المناسبة لا يفوتني أن أجدد التنديد بما يتعرض إليه المستضعون الروهينغا في ميانمار.

      أما عن "غضبتي" فلا تقلقي، صديقتي سليمى الرقيقة...لن يُكتب لك التصدي لها بإذن الله ههههه

      مودتي لك و كل التقدير

      م.ش

      تعليق

      • عمار عموري
        أديب ومترجم
        • 17-05-2017
        • 1300

        #4
        أتصور قوة رد الفعل (الانتقام في النص) تساوي قوة الفعل (الاعتداء)، وكما تعلم، هذا معروف فيزيائيا ومعترف به قضائيا. أما المبالغة في الانتقام، فهو مرض نفسي سببه الشعور بالألم الزائد، ولا يشفى صاحبه إلا بعد أن يرتكب إبادة جماعية، لا يقبل بها دين ولا ضمير إنساني.

        مع تحيتي الجميلة، أخي الحبيب محمد.

        تعليق

        • محمد شهيد
          أديب وكاتب
          • 24-01-2015
          • 4295

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة عمار عموري مشاهدة المشاركة
          أتصور قوة رد الفعل (الانتقام في النص) تساوي قوة الفعل (الاعتداء)، وكما تعلم، هذا معروف فيزيائيا ومعترف به قضائيا. أما المبالغة في الانتقام، فهو مرض نفسي سببه الشعور بالألم الزائد، ولا يشفى صاحبه إلا بعد أن يرتكب إبادة جماعية، لا يقبل بها دين ولا ضمير إنساني.

          مع تحيتي الجميلة، أخي الحبيب محمد.
          بما أنك ذكرت الإبادة الجماعية، فانظر، عزيزي عمار، كيف تعامل العظماء مع كتم الغيظ و وأد روح الانتقام حرصاً على حفظ الحرث و تفادياً لهلاك النسل:

          فهاك المشهد من قلب أحداث التوتر في الجزيرة العربية سوف تغير خريطة العالم الجيوسياسية إلى الأبد. و رسول البشرية ذو الخلق العظيم ينادي في ألد الأعداء بعد ماقدر عليهم (و ما خلق الله في بريته/أكرم ممن عفا إذا قدرا، كما أنشد بعضهم) ما أقتبسه لك من حديث رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه :

          لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ، أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَأَبِي سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَإِلَى الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، قَالَ ابْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَقُلْتُ: قَدْ أَمْكَنَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُمْ بِمَا صَنَعُوا، حَتَّى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَا قَالَ يُوسُفُ لِإِخْوَتِهِ: قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ



          و ذاك نيلسون مانديلا، الزعيم الأسطوري الغني عن التعريف، يخاطب جلاديه البيض الذين كانو يحكمون جنوب افريقيا فلم يتركوا وسيلة للتقتيل والتشريد والتعذيب إلا استعملوها ضد العشرين مليون مواطن أسود؛ بعد سبعة وعشرين سنة قضاها قابعا في سجون الجور، يقول مانديلا مخاطبا شعبه الثائر الغاضب الذي يطالب بالانتقام المشروع (و الغضب في حالتهم نتيجة جد معقولة): لقد سامحتهم - يقصد جلاديه البيض - رغم ما قاسيته و أهلي من وليات. ثم أردف كلماته الخالدات: If I can forgive them, then you can forgive them. والنتيجة نعرفها كما دونها التاريخ.

          صديقي، خلاصة الكلام :
          العفو شيمة العظام؛ أما الانتقام فيحسنه كل الأنام!

          مودتي

          م.ش.
          التعديل الأخير تم بواسطة محمد شهيد; الساعة 10-10-2019, 18:15.

          تعليق

          يعمل...
          X