
رسائل المتحابين.
تقليص
هذا موضوع مثبت
X
X
-
رسائل المحبين .. الرسالة السابعة.
قبل ظهيرة اليوم، سمعتُ أحدهم يخربش عند باب بيتي، ظننته قطًّا يعبث ويلهو بحشائش الحديقة، فتجاهلت الأمر ولم أخرج لأرى، ولكن بعد بضع دقائق تنبّهت أنّها قد تكون رسالتك التي وصلت عبر ساعي البريد، فخرجت وإذا بي أجدها أمامي مثل وردة نضرة للتو قُطفت.
تقولين: "هنئًا لنا هذا التقدُّم الكبير"، وأنا أقول مُبارك لنا على جزّ رقبة الانتظار الطويل، هذا الملعون الّذي غمر رؤوسنا بالقلق، والإعياء، وكثرة التفكير.
فهمتكِ الآن، ولكن مهما تكن الدوافع والرغبات لا يصح له تركنا في قارعة الحياة، مُهملين، لا يحقّ له أن يُفكّر في سعادة نفسه فقط، هذه أنانية مقيتة. أتصوّر ينبغي لنا أن نكتفي بهذا القدر من الحديث عنه.
تسأليني هل أحببت أنثى من قبل؟ وسأجيبك بصراحة، حُبّ وحيد وكان من طرف واحد أيضًا، فتلك الأنثى لم تبادلني العشق قطّ، فهي كانت تراني شخصًا غير جديرًا بها، كوني مُعذّبًا ومنهكًا من الحياة، وكونها تتطلّع إلى الذوق الجيّد من الرجال. وقد شاءت تصاريف الزمان أن أعيش بضع سنوات وصورتها لم تكن تُفارق خيالي. أتذكّر، أتوق، أتألم، هذه الثلاث كانت عنصرًا قويًا في حياتي آنذاك. ولكن لا أدري كيف ذهب حُبّها من قلبي، فلم أجتهد في نسيانها، هكذا رحمة من ربّ السّماء.
ابن الماء.
التعديل الأخير تم بواسطة سامي الشريم; الساعة 22-02-2020, 21:52.
تعليق
-
-
رسائل المتحابين.. الرسالة الثامنة.
معك كُلّ الحقّ يا ابن الماء في وصف الانتظار بالملعون، فهو لا يختلف مثقال ذرة عن الشيطان وصنائعه في شيء، فكلاهما يورث الوسوسة والقلق، ويبث في النفس الكآبة والأسى، والشاهد على ذلك هو ما أذقناه أنت وأنا في الأشهر الفائتة من متاعب وويلات، وانزعاجات ذهنية لا عِداد لها، من جرّاء هذا اللعين البغيض، الوجه القبيح من الشرّ.
اكتفينا، اكتفينا من الكلام عن والدك، وأعدك لن أنبس بكلمة واحدة عنه، ولن أكتب لك شيئًا يعود بالذكرى إليه أبدًا، أبدًا، أبدًا. أتفهّم جيدًا بواعث منعك لهذا.
غير معقول ! لم تقع في الغرام سوى مرّة واحدة طوال سنين عُمرك ! ويا ليته كان حُبًا متبادلاً بينكما، وإنّما من جهتك فقط ! هذا عذاب يكوي الفؤاد كيًا. ولكن على كُلّ حالٍ، الحمدلله أنّك خرجت من تلك الرحلة المؤلمة سالمًا، وأكملت درب حياتك دون أن تُفكّر بها. إنّه الخلاص الجميل.
إنّي لا أعرف عنك سوى لقبك، ابن الماء، وقصة حياتك التي ذكرتها لي في رسائلك الماضية، ولكنك حتّى الساعة لم تُخبرني عن تفاصيل دقيقة جدًا، وهي بالنسبة لي في غاية الأهمية، مثل اسمك الحقيقي، وعُمرك، وماذا تُحب ؟ وما هي هواياتك؟ وما الأشياء التي تطمح إليها في هذه الدُنيا؟ لا تنس أنّ ردّك عليّ وإفادتي عمّا سألت، يقرِّبني منك كثيرًا، كثيرًا، ويجعلني أتعرُّف عليك على نحوٍ أوضح وأفضل.
المُخلصة مايا.
التعديل الأخير تم بواسطة سامي الشريم; الساعة 29-03-2020, 05:42.
تعليق
-
-
الرسالة التاسعة..
لِمَ العجب؟ لا أرى فيما ذكرته لكِ عن حُبّي الوحيد، اليتيم ما يدعو إلى الاستغراب ورفعِ الحواجب. إنّ الرجال من أمثالي يا مايا الّذين وُلدوا ونشأوا وشبّوا في كنف العذاب والشقاء، والّذين انهالت على رؤوسهم النوازل بلا هوادة كالصواعق الحارقة، هؤلاء قيّض لهم ألّا يقعوا في حبائل الهوى سوى مرّة واحدة، وتلك المرّة غالبًا لا تقف في صفِّهم، ولا تكون في صالحهم أبدًا، كما حدث معي تمامًا.
سأشرع في الإجابة عن أسئلتك الواحدة تلو الأخرى، سأبدأ بالإسم، أظنني قد أخبرتكِ عن اسمي من قبل، فقد ذيّلته في آخر سطر من إحدى الرسائل الفائتة بجانب لقب ابن الماء، ولكنكِ لم تتنّبهي إلى ذلك. اسمي "نوح" وهو اسم أحد الأنبياء في الديانات السماوية، وقد سُمِّيت به بسبب واقعة، بعد أن نجا أبي من حادثة غرق قبل يوم مولدي بأسبوع واحد فقط. وأمّا عُمري فهو واحد وثلاثون عامًا، ما فتئت في سنّ الفتوة القوّة والشباب. وأمّا الأشياء التي أحبّها وثابتة في نفسي مُنذ أن وعيت على الدُنيا، ولم تتغيّر مع تغيّر الزمن وتقدُّم العمر، والتي أعدّها من هواياتي أيضًا، فهي مُطالعة الكُتب بشتّى أنواعها، وسقاية النباتات صغيرها وكبيرها، والعناية بالورود والأزهار بمختلف ألوانها، ومُراقبة حياة الحشرات، كطابور النمل، وجيوش النحل، والعناكب، وفراشات الحقول، وما إلى ذلك. وأما الأشياء التي أطمح إليها، فهي لا تعدّ ولا تحصى، منها ما هو خاصّ بي وحدي، كأن أترك أثرًا جليلاً في الأدب يدلّ على وجودي في هذه الحياة، ومنها ما يخصّ النّاس كأن أفتح مكتبة متوسطة الحجم في قلب كُلّ حيّ شعبي وفقير، وأدعو جميع من في تلك الأحياء إلى زيارتها، وإلى الجلوس فيها وقراءة الكُتب التي يرغبون، وإلى اقتناء أيّ كتاب يريدونه بسعرٍ زهيد جدًا، ومناسب لحالتهم الاجتماعية. هذا ما خطر ببالي الآن، وأتمنّى أن تكون إجاباتي كافية وشافية.
نوح، ابن الماء.
التعديل الأخير تم بواسطة سامي الشريم; الساعة 22-04-2020, 00:19.
تعليق
-
-
الرسالة العاشرة
إنّي فوجئت بصراحة من كونك لم تقع في الغرام سوى مرّة واحدة، فما أعرفه في الرجال أنّهم ميّالون بطبيعتهم إلى تكوين أكثر من علاقة عاطفية مع الجنس الآخر، فهم لا يكتفون بالتجربة الواحدة طوال حياتهم، بل يخوضون عشرات التجارب، ويدأبون في الحُبّ، وهذا ما يدفعنا نحن النسوة إلى عدم الثقة بإخلاصهم لنا.
نعم صحيح، لقد تفقّدت الرسائل الفائتة ورأيت وجود اسمك في إحداها، لا أدري كيف غاب عن عيني ذلك حين قرأت الرسالة أوّل مرّة ! أرجو أن تسامحني يا نوح.
سعيدة جدًا، جدًا لأنّك تكرّمت وأخبرتني عن تفاصيلك الخاصة، ولم ترني مثل بق الفراش متطفلة على شؤون حياتك، أشكرك من أعماق قلبي على هذا الإفصاح، فهو يعني لي الكثير.
واحد وثلاثون! كنتُ أظنّك أصغر من ذلك، في منتصف العشرينات، قريب من عُمري، ولكن بالفعل ما زلتُ شابًا نشطًا ولا يزال أمامك الحياة كلها في المستقبل لكي تعيش فيها بالطريقة التي تُحبّها وتُرضيك. أخبرتني أنّك تعشق قراءة الكُتب، حتّى أنا أيَضًا مُغرمة بالقراءة من أقصائي إلى أقصائي، ولكن في الروايات، وفي بعض الكُتب العلمية، فهي التي تؤنس وحدتي، وتُغذي ذهني، وتطفئ الإملال وتُسلّيني في وقت فراغي. أُحبّ القراءة في الأعمال الروائية لبعض المؤلفين؛ ديكنز وهمنجواي، ودوستويفسكي، وفيكتور هوجو، الأخير تُعجبني واقعيته، وإنسانيته، فهو لا يشبه جُلّ الكُتّاب الفرنسيين الآخرين الّذين يغرقون في "التبرجز"، والبحث عن المُتع الفردية بمنأى عن أيّ التزام، ويتناسون البسطاء والمسحوقين في عصرهم. لقد كان فيكتور صادق مع نفسه ومع مجتمعه، لأنّه لم يحاول الإبهار في أعماله بقدر ما كان يُريد أن ينقل واقع قومه دون زيف، متماشيًا مع العبارة التي ذكرها ابن جِلدته الفنّان غوستاف كوربيه "الفن هو نقل الواقع".
الآن اتّضح لي يا نوح أنّ لدينا شيئًا مُشترك، وهو الاحتفال بالكائنات بديعة التكوين، ولكنني أهتم كثيرًا بزهرة التوليب وعبّاد الشمس، أشعر بالانتشاء حين أكون بقربهما.
لم أر مخلوقًا مثلك من قبل، هل تدرس علم الأنتومولوجيا؟ فلا إخالك تُضيِّع وقتك عبثًا في مراقبة تلك الكائنات ضئيلة الحجم! هل تجد وراء ما تفعل لذّة أو سعادة؟ إنّي أسأل فحسب !
مكتبات للفقراء، وترك أثر! طموحاتك نبيلة، أُحيّي فيك تلك الغايات الرفيعة، وأتمنّى بصدق ألا يُخيّب ربّ السماء والأرض مسعاك، وأن تنال كُلّ ما ترجوه في هذه الدُنيا.
مايا
التعديل الأخير تم بواسطة سامي الشريم; الساعة 22-04-2020, 00:15.
تعليق
-
-
الرسالة الحادية عشرة
لا تتفاجئين يا مايا، فأشباهي الّذين لم يحبّوا سوى امرأة واحدة، كُثر، لا عِداد لهم، ولكنهم يؤثرون الاختباء في جحور الصمت، والانزواء عن أعين النّاس، والعيش على ذكريات ذلك الماضي، لأنّهم ما زالوا جرحى من ذلك الحُبّ الوحيد.
بل أنا السعيد، لأنّ رسالتي الأولى وصلت إليك أنتِ، ولم تذهب إلى أيّ أحدٍ غيرك، فيعلم الله أنّي كُنتُ أخشى من هذه النقطة بالتحديد، لحظة رمي الزجاجة في الماء، أن يقرأ ما كتبت شخصًا قاسي الفؤاد، ضعيف الضمير، فقير الإنسانينة، لا يبالي بكلّ ما هو مكتوب، ولا يحفل بما ذكرته من شكوى وألم، فيمزّق الرسالة، ثمّ يضحك على بلاهتي وقلّة حيلتي. ولكني حمدتُ الله ألف مرّة ومرّة أن الزجاجة جاءت إليك من بين ملايين البشر، وكأنها تعرف إلى من تتجه إليه، إليك أنتِ يا طيية القلب، وجميلة الروح.
لا، لستُ أصغر سنًا كما ظننتِ، حتّى وإن كُنت صغيرًا في الظاهر، سأبقى شيخًا هرمًا في الباطن، فكما تعرفين ويعرفه كثير من النّاس أنّ التجارب الحياتية الوفيرة، والمِحن والنوائب الكثيرة، هي من تمنح المرء عُمره الحقيقي الّذي يستحقه. أشعر أنّي الآن في السبيعن من عُمري، فلا ينقصني شيئًا في هذه الساعة غير بضع أطفال ينادونني جدّي، ومرتّب تقاعد يصرف شهريًا من الدولة.
من الرائع جدًا، أن تتشابه هواياتك مع هواياتي، أحسّ بشيء من التقارب الفكري والروحي بيني وبينك. أجد نفسي في قراءة الكٌتب، فهي تخلق لي عالمًا آخر، كلّه صفو وسموّ، كلّه علو وارتفاع عن صغائر الأمور، وعن نقائص الدنيا. كأنني حين أقرأ أشبه بمن ركب منطادًا كبيرًا فصعد إلى جسد السّماء، وراح يرنو إلى الأسفل، إلى جمال العالم، وروعة الحياة.
أِحبُّ علم الأنتومولوجيا منذ طفولتي، لستُ أدري ما سرّ ذلك الحُب، ولكن ما أعلمه حقًا أنّي أعشق كلّ كائن بحجم ذرة الرمل، تستهويني مراقبة حياة مثل هذه الكائنات الضئيلة التي تجد فيها ما لا تجده عند الكائنات البشرية؛ دأبها في العمل وسعيها الحثيث لكسب لقمة العيش، وادخارها للمأكولات في جحورها الضيّقة، وحُبّها للكفاح وعدم الاستسلام حتّى تحظى بما تريد، بخلافنا نحن البشر، فمعظمنا كسول وخامل، وينفق أكثر ممِا يدّخر، ويروق له أن يكون عالة على غيره، وبعضنا غير صبور تراه يستسلم في منتصف الطريق إن صادفته أيّ عائقة أو صعقته الأقدار بضربة.
طموحاتي رفيعة يا مايا، عاهدتُ نفسي ألا أخرج من الدُنيا إلا بعد أن أخذ حقي منها عنوة، حقي في السعادة، في بناء الإنسان الّذي يشاركني أنفاس الحياة، حقّي في المجد، في وضع بصمتي على جبين الأرض، فلم أُخلق لأرحل، وإنّما خُلقت لأترك أثرًا.
نوح.
التعديل الأخير تم بواسطة سامي الشريم; الساعة 19-07-2020, 22:07.
تعليق
-
-
الرسالة الثانية عشرة
رجعتُ اليوم مع ابنتي من رحلة قصيرة إلى أعالي الجبال، وشواطئ البحر، فوجدتُ رسالتك تنتظرني في صندوق البريد. أنت لا تدري يا نوح ماذا يحدث وراء صدري حين أتفقّد الصندوق فأعثر على رسالتك! أفراح وأهازيج وطبول وأعراس تُقام في قلبي. إنّ يومًا يأتيني برسالة واحدة منك لهو من أسعد أيّامي وأطيبها، ومن أطولها إشراقًا وجمالاً ونضارة.
كيف أنت وكيف حالك؟ هل أنت بخير وعافية كما أتمنّى أن تكون كذلك طيلة حياتك؟
تقول لي في مطلع رسالتك الفائتة، إنّ أشباهك كُثر ! بالنسبة لي لم أر سواك، ولم أعرف أحدًا غيرك، لذلك فوجئت بعد قراءتي لما ذكرته، لقد كان شيئًا جديدًا على مسمعي، وخبرًا غريبًا لم ألفه من قبل، فأنت تعلم أنّ باعث الدهشة الأوّل يكمن في طبيعة الإنسان التي فُطر عليها، والتي تميل إلى الغريب وغير المألوف من الأمور.
أأخبرك سرًّا يا نوح؟ مُنذ أوّل يومٍ فتحتُ فيه الزجاجة الأولى إلى آخر رسالة التي بين يدي الآن، وأنا أجد في أحاديثك وخطاباتك بعض التعزية والأنس والطمأنينة لي. بل ولأكون معك أكثر وضوحًا وصدقًا، أصرفُ الكثير من أيامي وأنا أصغي إلى أحاديثك، وإلى إعادة قراءة رسائلك ليلاً ونهارًا، وكأن العالم كُله لا يعيش فيه إلا أنا وأنت. لقد صرت بلادي وجميع قومي. إنّي أشكر السّماء كُلّ ليلة لأنّها أهدتني إنسانًا مثلك، ولأنّها جعلتني أشعر أنّ الدنيا بأسرها قد تختزل نفسها في شخص يُسمى "نوح".
أُحبُّ روحك الطامحة، ونفسك الشغوفة التي بالرغم من كُلّ ما مرّت به من ويلات ونكبات إلّا أنّها راغبة بقوّة في تحقيق ما تصبو إليه، وفي ألا تخرج من الدُنيا إلا بعد تقوم بواجبها على أكمل وجه.
ماياالتعديل الأخير تم بواسطة سامي الشريم; الساعة 19-07-2020, 22:16.
تعليق
-
-
الرسالة الثالثة عشرة..
إنّي فرحٌ جدًا يا مايا من أقصاي إلى أقصاي بقراءة هذا الاعتراف الجميل منك، هذا الاعتراف الّذي يفتح في الروح نوافذ، وفي القلب أبواب جديدة ينفد منها نور السّماء، ونور روحك النقيّة والعذبة. بتّ أؤمن الآن أنّ لا شيء في الحياة ألذ وأطيب من سماع كلمات حانية ودافئة وصادقة من إنسان بات يعني لك الكثير والكثير والكثير.
تسألين عن حالي وعن صحتي، وأنت أدرى خلق الله بما يتربّص فيها من سوء، ولكني سأجيبك على أيّة حال، صحتي لا بأس بها، وحالي أحسن من الأمس بتغيّر طفيف قد لا يلحظه سواي. ثمّ لا يحقّ لكِ أن تسأليني هذه الأسئلة وأنتِ ترين بعينيك الجميلتين ما وراء الموانع والحُجب، وتعرفين أسراري وأسرار كُلّ الخليقة في لحظة تأمُّل خاطفة في أحوال أهل الأرض، فلا فرق عندي بينك وبين الملاك، فكلتاكما ابنة السّماء، تحسّ بكلّ الأشياء، وتعرف كلّ الأشياء، وتنظر إلى الحياة بعين الإله.
ما أجمل هذا اليوم، وما أعظمه في قلبي يا مايا! إنّكِ سخية معي جدًا جدًا مثل الغمامة الصيفية التي لا تضنّ بخيراتها على أبناء الأرض وما عليها. لقد تكرّمتِ عليّ ببعض الاعترافات والأسرار التي لم أدرِ أنّها مخبأة بصدرك طول هذا الوقت. لستُ أدري ما أقول والله، فقد انطفأ الكلام من فمي، ولكن كلامك ظلّ كما هو مطبوع في غلاف قلبي، وسوف يظلّ كذلك حتّى نهاية عُمري.
وإن كُنتِ تحبين نفسي الطموحة، وما أتوق إليه من الأمور العظيمة والنبيلة والجميلة، فأقول لكِ أمام السّماء والأرض أنّ كُلّ ما فيّ يُحبّ قُربك، وجمال روحك، وعذوبة ألفاظك، وسِحر كلماتك، وأزيد على ذلك بأنّي لم أعد بعد الآن ذلك الرجل المستوحد، الّذي يقتات على ظلمات وحدته، وعذابات عُزلته، وإنّما صرتُ في هذه اللحظات المُباركة؛ ثنائي الفكر، والقلب، والروح.
نوح.
تعليق
-
-
هذا غيضٌ من فيض، سأخبرك باعترافات أخرى خبأتها عنك أيضًا لتُدرك مدى قوّة تأثيرك عليّ، لم أكن أشعر قطّ بأنّي أعيش مثل كائنٍ كامل إلا بعدما تعرّفتُ إليك، وصرتَ شُغلي الشاغل وأوّل اهتماماتي. إنّك يا نوح قد أعدتَ الحيوية إليّ، لقد صار كُلّ شيء نقيّ لديّ بسبب وجودك في حياتي، بتُّ أحس من بعدك أنّ الأيّام رقيقة وعذبة مثل لآلئ شمس تشعُّ على صفحة بحيرة هادئة. إنّي أخبرك بصِدق، لولاك لما استطعتُ أن أدخل هذا العالم الجديد الّذي يدلّني على الضياء، على النور العالي في الأفق الّذي يحرّرني دائمًا من ظلّي، ومن أمسي، ومن وحدتي وأتراحي. إنّي مدينة لك، وقسمًا بخالق الكون مدينة بكل ما أنا فيه الآن من جمال وصفاء إليك وحدك.
أنتَ تستحق الفرح والنجاح كثيرًا يا نوح، وأنا اتمناهما لك من أعمق أعماق قلبي.
اكتب لي دومًا، أرجوك لا تتوقف. أُحبُّك.
مايا
التعديل الأخير تم بواسطة سامي الشريم; الساعة 05-09-2020, 22:19.
تعليق
-
-
الرسالة الخامسة عشرة.
هل قلتِ لي في ذيل الرسالة "أُحبُّك"؟ هل أحلم أنا، أم أنّ عينيّ اضطربتا من كثرة القراءة، ولم تعد تريان بشكل واضح الكلمات المكتوبة؟! نعم هي الأحرف الأربعة ذاتها التي تحمل دلالة ذلك المعنى الوحيد الّذي يحوم في ذهني ( أ، ح، ب، ك).
إنّ أفكاري تتراقص في داخلي يا مايا، إنّ قلبي على وشك أن يثوب من صدري ليحلّق في حضن السّماء. يا الله، يا الله ! إنّ رسالتكِ عجيبة، مُدهشة، ساحِرة، مفاجئة بالنسبة لي، لقد ظننتُ أنّي سأفنى من الوجود ولن أسمع هذه الكلمة من أحد أبدًا، فلم أكن أتصوّر قطّ أن تُحبّني امرأة وأنا أعيش هذا الوضع الكارثي والبائس، أن تُحبّني برغم كُلّ الانعطافات السيئة لحياتي ! كُنتُ مريضًا، مُصابًا بالحمّى، حين وصلتني رسالتك، وبعد أن فتحتها وقرأتها شُفيت تمامًا، وكأني لم أصب بأيّ داء. رسالتك شفتني، ربطتني بجذور الحياة، حوّلتني من إنسان متشائم أخرق إلى إنسان وجد باعثُا للأمل والتفاؤل، إلى شخص يركض نحو حُرّيته.
ما قلتيه في آخر الرسالة، أقوله أنا أيضًا، إنّ الكلمة كانت مخبوءة وراء أضلعي زُهاء شهر، ولكني لم أبح لكِ بذلك لأنّي خشيت أن تغدو ردّة فِعلك قاسية نحوي فتهجريني كما يهجر الطير عشّه ويسافر بعيدًا إلى موطنٍ آخر. كنتُ أخاف جدًا خسارتك يا مايا إن صرّحتُ لكِ بكلّ ما أحمله من مشاعر الحُبّ ناحيتك. إنّي أعترفُ لكِ بصدق، لقد كُنتُ جبانًا طول تلك المدّة، لقد أطبقتُ فمي حتّى لا أُضيّعك من بين يدي.
إنّي أقولها لكِ الآن بكلّ ثقة، وفرح، وطمأنينة تامّة؛ أحبُّكِ، أحبُّكِ، أحبُّك.
نوح
تعليق
-
-
رسائل جميلة جدا
أسجل إعجابي بهذا النوع من الأدب
lettres épistolaires - 1 - La première lettre Ecrite par Mounira Fehri Très cher C'était un matin de Novembre, je venais de rentrer après une longue croisière avec mes parents.Nous étions sur le port.Soudain , j'ai senti le besoin de tourner la tête...et je t' ai vu...Tu avais les yeux fixés sur moi...Tu étais
تعليق
-
-
المشاركة الأصلية بواسطة منيره الفهري مشاهدة المشاركةرسائل جميلة جدا
أسجل إعجابي بهذا النوع من الأدب
http://www.almolltaqa.com/vb/showthr...pistolaires-(1
شُكرًا لك، والشُكر أيضًا موصول لمن قام بتثبت الرسائل هُنا
تعليق
-
ما الذي يحدث
تقليص
الأعضاء المتواجدون الآن 106264. الأعضاء 6 والزوار 106258.
أكبر تواجد بالمنتدى كان 409,257, 10-12-2024 الساعة 06:12.
تعليق