[align=justify]هذه مقدمة رسالة يهوذا بن قريش (القرن التاسع الميلادي) إلى يهود فاس وفيها يبرهن على أهمية شرح التوراة من اللغتين الشقيقتين للعبرية: العربية والآرامية. وهذا الكتيب لابن قريش يتضمن نواة علم اللغة المقارن في اللغات الجزيرية التي كانت معرفتها في وقته مقتصرة على العربية والعبرية والآرامية. وسأتوقف فيما بعد عند مضمون الرسالة إن شاء الله. وأقتصر الآن على عرض المقدمة وشرحها.
[/align]
בשם אל חי וקים לעלמים
(بسم الله الحي القيوم للأبد)
رسالة يهوذا بن قريش إلى جماعة יהוה (يهوه: الله) فاس
في الحض على تعليم الترجوم والترغيب فيه
والتغبيط بفوائده وذمّ الرفض به
(بسم الله الحي القيوم للأبد)
رسالة يهوذا بن قريش إلى جماعة יהוה (يهوه: الله) فاس
في الحض على تعليم الترجوم والترغيب فيه
والتغبيط بفوائده وذمّ الرفض به
[align=justify]وأما بعد فإني رأيتكم قطعتم عادات الترجوم بالسرياني (1) على التوريه (2) من كنائسكم وأطعتم على الرفص به جُهالكم (3) المدعين بأنهم عنه مستغنون وبجميع لغة العبراني دونه عارفون (4)، حتى أنه لقد ذكرو (5) لي رجال (6) منكم أنهم ما قرو قط ترجوم الخمسة ولا النبيئيم (7) (أسفار الأنبياء). والترجوم أكرمكم الله هو شيء لم يضعه أسلافكم ولا رفض به قدماؤكم ولا أسقط بتعليمه علماؤكم، ولا استغنى عنه أوائلكم، ولا جهل نفعه آباؤكم، ولا فرط في تعليمه سابقوكم بالعراق ومصر وإفريقية والأندلس. ولما ذكرت لبعض من نافر الترجوم منكم ما هو موجود في المقرأ (8) من غرائب وما امتزج من السرياني بالعبراني وتشعب به تشعب الغصون في الأشجار والعروق في الأبدان، تيَقّظ لذلك تيقُّظا شديدا وانتبه له انتباه حديدا وفطن لما في الترجوم من فائدة وما يُدرك به المنافع الزائدة والتفاسير الرافدة والتبيانات الشاهدة، فندم عند ذلك على ما فاته من حفظه وأسف على عدمه لحلاوة لفظه. فرأيت عند ذلك أن أؤلِّف هذا الكتاب لأهل الفطن وؤلوي (9) الألباب، فيعلمو أن جميع לשון קדש (اللغة القدس: العبرانية) الحاصل في المقرأ قد انتثرت فيه ألفاظ سريانية واختلطت به لغة عربية وتشذذت فيه حروف عجمية وبربرية ولا سيما العربية خاصة فإن فيها كثير من غريب ألفاظها وجدناه عبرانيا محضا (10) ، حتى لا يكون بين العبراني والعربي في ذلك من الاختلاف إلا ما بين ابتدال الصاد والضاد (11)، والجيمل (حرف عبراني: ڱ) والجيم، والطِت (حرف عبراني: ط) والظاء، والعين والغين، والحاء والخاء، والزاي والذال. وإنما كانت العلة في هذا التشابه والسبب في هذا الامتزاج قرب المجاورة في البلاد والمقاربة في النسب لأن תֶרח (تِرَحْ) أبو אברהם (ابراهيم) كان سريانيا وלבן (لابان: حمو يعقوب) سريانيا. وكان ישמעאל (اسماعيل) وקדָר (قيدار) مستعرب من דוֹר הפלגה (زمان الاختلاف)، زمان البلبلة في בבל (بابل)، وאברהם (ابراهيم) وיצחק (إسحاق) وיעקב (يعقوب) عليهم السلام متمسكين بـלשון קדש (اللغة القدس: العبرانية) من אדם הראשון (آدم الأول). فتشابهت اللغة من قبل الممازجة، كما نشاهد في كل بلد مجاور لبلد مخالف للغته من امتزاج بعض الألفاظ بينهم واستعارة اللسان بعضهن من بعض، فهذا سبب ما وجدناه من تشابه العبراني بالعربي، غير طبع الحروف التي يفتتح بها في أوائل الكلام والحروف المستعملة في أوساط الكلام والحروف التي يختم بها في أواخر الكلام. (12) فإن العبرانية والسريانية والعربية مطبوعة في ذلك على قوالب واحدة (13) وسنأتي على شرح ذلك في مواضعه من آخر هذا الكتاب إن شاء الله. وهذا حين نبدأ بذكر السرياني الممازج للعبراني في المقرأ، ثم نتلو ذلك بذكر الحروف النادرة في المقرأ ولا تفسير لها إلا من לשון משנה ותלמוד (لغة كتب المشنى والتلمود)، ثم نتبع ذلك بذكر الألفاظ العربية الموجودة في المقرأ (14) وعند ذلك نشرح الحروف التي تساوت بين العبراني والسرياني والعربي في أوائل الكلام وأوساطها وأواخرها وليس ذلك بموجود في لغة من سائر لغات الأمم سوى لسان العبراني والسرياني والعربي. ونكتب ذلك كله على نظام حروف אלף בית גיםל דלת (ألف بيت جيمل دلت: الحروف الأربعة الأولى في العبرانية) ونسقها ليسهل بذلك كل حرف مطلوب بسهولة على موضعه إن شاء الله.
المصدر: http://en.wikipedia.org/wiki/Judah_ibn_Kuraish. والرسالة كاملة بحوزتي بالحرف العبري لكني استسهلت وجودها في ويكيبيديا منقحرة بالعربية.[/align][align=justify]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
[/align]
حواش وتعليقات
[align=justify](1) "الترجوم" تعني في سياق العهد القديم: "الترجمة والتفسير"، ترجمة التوراة إلى الآرامية من أجل الصلوات والعبادة. وقد نشأ هذا التقليد بعد موت اللغة العبرية التوراتية وطغيان الآرامية عليها وصيرورتها لغة لليهود. وكان اليهود قبل تدوين "الترجوم" يقرؤون التوراة في كنائسهم بالعبرية ثم يشرحونه مباشرة بالآرامية ترجمة وتفسيرا. بعد ذلك دون الترجوم. ويبدو أنه كانت ثمة "ترجومات" كثيرة في الماضي، إلا أن اليهود اختاروا منها "ترجومين" اثنين فقط هما "ترجوم أونقيلوس" للتوراة (الكتب الخمسة الأولى من العهد القديم) و"ترجوم يوناتان بن عوزيل" لأسفار الأنبياء في العهد القديم.
(2) "التوريه": تصحيف "التوراة".
(3) يقصد فرقة القرائين اليهود الذين يرفضون المشناه والترجوم والتلمود وسائر أعمال الأحبار اليهود ولا يعترفون إلا بأسفار العهد القديم. وبما أن "الترجوم" ــ بصفته ترجمة تفسيرية لأسفار العهد القديم ــ من أعمال الأحبار التي تلقي ضوءا على نص العهد القديم الذي يعتني به القراؤون أيما اعتناء، فلقد أراد يهودا بن قريش أن يبرهن عليهم بأن "الترجوم" الآرامي اللغة يلقي ضوءا على العهد من الناحية اللغوية أيضا. فالمقارنة اللغوية العلمية هنا مدخل واسع لمحاججة القرائين وإفحامهم لأن الأمر يتعلق بنص العهد القديم الذي لا يعترفون إلا به فلذلك نسبوا إليه ("قراؤون" نسبة إلى "المقرأ" أي أسفار العهد القديم. وانظر الحاشية رقم 8). أما العربية فلم يحتج إلى البرهنة على ضرورتها لأن القرائين كانوا مستعربين وهم أول من بدأ دراسة عبرية العهد القديم دراسة علمية منهجية بناء على المناهج اللغوية العربية. وعلى الرغم من أهداف بن قريش الجدل مع القرائين إلا أنه وفق في رسالته ــ لأول مرة ــ في مقارنة العربية بالعبرية بالسريانية مقارنة علمية بحتة، نجح فيها من اكتشاف الكثير من القوانين الصوتية التي توسع فيها مروان بن جناح ودونش بن لابراط وإسحاق بن برون فيما بعد، وأقرها كلها علم اللغة المقارن الحديث، فيكون ابن قريش السباق إلى تنظيم المقارنات اللغوية بين اللغات الثلاث التي بنى عليها المستشرقون فيما بعد علم مقارنة اللغات الجزيرية. كما يبدو من رسالته إلى يهود فاس أن القرائيين ـ وهم فرقة نشأت في بغداد ـ كانوا منتشرين في فاس، أو على الأقل كان تأثيرهم ملموسا في فاس، وهذا مجال خصب للدرس والبحث والتنقير في المراجع.
(4) يقر ابن قريش، شأنه في ذلك شأن جميع اللغويين اليهود قديما وحديثا، بأن أسفار العهد القديم لا تفسر من خلال العبرية وحدها، وأنه لا بد من ولا غنى عن تفسير ما غمض منها من اللغات الجزيرية الأخرى عموما، والعربية خصوصا. والباعث الرئيسي على كتابة رسالة ابن قريش هو البرهنة على هذه الحقيقة ضد القرائين الذين يرفضون تراث الأحبار المدون جله بالآرامية (الترجوم وخصوصا التلمود)، إلا أنه شمل العربية في بحثه لأهميتها القصوى في تفسير أسفار العهد القديم. وقوله "المدعين بأنهم عنه مستغنون وبجميع لغة العبراني دونه عارفون" يشير بصريح العبارة إلى ذلك.
(5) هذا النص منقحر من الكتابة العبرية إلى العربية. ولا يثبت النص بالكتابة العبرية الألف الفارقة التي تكون بالعربية (مثلا: ذكروا). وقد وردت في المقدمة الأفعال التالية بدون ألف فارقة: (ذكرو؛ قرو وأصلها قرؤوا؛ فيعلمو).
(6) [كذا]. رسالة بن قريش ومنها وهذه المقدمة مثال أنموذجي "للعربية اليهودية" أو Judeo-Arabic وهي العربية التي كتب بها جمهور اليهود المستعربين. من مميزاتها الرئيسة: (1) استعمال الأبجدية العبرية بدلا من الأبجدية العربية؛ (2) الكتابة بالعربية كما كانت تحكى وقته وليس بالفصحية (ويشذ عن ذلك كبار أدباء اليهود مثل مروان بن جناح واسماعيل بن النغريلة وغيرهما).
(7) "ترجوم الخمسة": هو "ترجوم أونقيلوس" للتوراة (الكتب الخمسة الأولى من العهد القديم). أما "ترجوم النبيئيم" فهو "ترجوم يوناتان بن عوزيل" لأسفار الأنبياء في العهد القديم.
(8) المِقرأ: اسم الآلة من الفعل العبري "قرا" أي "قرأ". وقد اشتقه اليهود المستعربون من العبرية تأثرا بلفظة "القرآن" في العربية. وقد استعملها القراؤون في البداية، كما استعمل جمهور اليهود المستعربين وقها لفظة "قرآن" العربية ذاتها للدلالة على كتب العهد القديم أيضا.
(9) كذا والصواب: أولي الألباب.
(10) يقصد أن الفرق بين العربية والعبرية ضئيل جدا وأنه يمكن استنباط الفروق بسهولة بعد اكتشاف القوانين الصوتية التي أشار إليها بمقارنته بين الحروف العربية والعبرية في الجملة التالية.
(11) مثلا: "صبي" في العبرية = "ظبي" في العربية ومثله كثير.
(12) يقصد بناء "فعل" في الجذور والأصول اللغوية. ويقصد بقوله "الحروف التي يفتتح بها في أوائل الكلام والحروف المستعملة في أوساط الكلام والحروف التي يختم بها في أواخر الكلام" فاءات الأفعال وعيناتها ولاماتها.
(13) يقصد أن بناء الكلام في هذه اللغات على مبان صرفية واحدة مطردة. لتمثيل ذلك، انظر المشاركة رقم 4 على الرابط التالي: http://www.atinternational.org/forum...hread.php?t=56.
(14) يقصد الكلمات المشتركة بين العربية والعبرية وكذلك الكلمات العربية الدخيلة في التوراة خصوصا في سفر أيوب الذي يرجح أنه كتب أولا بالعربية ثم ترجم إلى العبرية فيما بعد.
[/align]
تعليق