يد القاتل
[align=justify]لقبه اصدقاؤه، أحمد أبو المشاوير وهو الذي لا يتواني لحظة عن حمل سلة صغيرة، تحملها عجوز عائدة من السوق فيلهج لسانها بالدعاء له.. ولم يتكاسل عن دفع سيارة سائق أجرة تعطلت سيارته، مقدما يد العون لكل من يحتاجها.
وهاجس والدته أن تظل قلقة عليه وعيناها ترقبان باب الدار بقلق وخوف حتى يعود.. ويكتم أبوه حسرته عن زوجته، والأفكار المخيفة تتلبسه ، حتى يسمع صوت ابنه يملأ البيت ضجيجا ومرحا، وضحكات الأم تملأ البيت سرورا بعودة ابنهما الوحيد من شوارع موتٍ، الخارج إليها أغلب الظن لن يعود.
وصباح الجمعة كان دائما مميزا، يذهب وصديقه عمر لشراء إفطار الجمعة المختلف، يتمازحان وصوت ضحكاتهما الصافية النابعة من القلب.. تضج بالحياة.. فيعودان للبيت وهما يحملان صحني القيمر والكاهي .
كان ذاك الصباح لم يزل يحمل نسمات الشتاء الباردة المبللة بندى الليل، والشارع يكاد يكون خاليا إلا من أناس قليلين.. وأحمد وعمر يتمايل جسماهما مع دعاباتهما التي بعثت روح المرح والحياة فيه.. بعد أن سكنه الموت، والظلام والجثث مجهولة الهوية.
مرت بقربهما سيارة مظللة مسرعة، استدار سائقها على عجل.. توقف.. فتح ركابها الأبواب بوقت واحد، وترجل منها رجال مسلحون ملثمون بأقنعة سوداء.
خفق قلباهما بعنف، وهما يريان الملثمين يتوجهون نحوهما مباشرة.. وأسلحتهم مصوبة باتجاههما.. اتسعت حدقتاهما ، ارتعشت يداهما، وتسمر جسداهما في المكان.
بلمح البصر، طوق الرجال الملثمون الشابين، قيدوهما بقيود بلاستيكية محكمة، وعصبوا أعينهما بعصابات سود، ورموهما داخل السيارة بقسوة.. كخراف تساق للسلخ .
لمحَ أحمد وشماً على يد أحد الملثمين، قبل أن تعصب عيناه، كان الوشم غريباً لم ير مثله سابقاً.. عقرب تلدغ فمٌ بشري.
ألجمت الفاجعة لسان عمر، وأحمد يسأله عدة مرات:
- من هؤلاء، لم اختطفونا نحن الاثنين؟ أتراهم مختطفين عاديين يأخذون فدية فقط، أم أنهم من المتطرفين.. نحن من طائفتين مختلفتين.. فكيف يحدث أن نختطف من قبل هؤلاء، عمر رد ما بك ، هل أنت بخير! ؟
مرّ وقت أحسه أحمد دهراً، قبل أن يرد عمر بصوت واهن يائس .
- لا أدري، لكني أتصور بأن هذا آخر يوم بعمرينا، قلبي يحدثني بأن اليوم مشؤوم.. لن يمر بسلام .
توقفت السيارة أمام أحد البيوت، أنزلوهما يدفعونهما دفعاً إلى غرفة واسعة فارغة.
ساد اللغط بين المختطفين، يتبارون فيما بينهم من يبدأ الحفلة مثلما أسماها صاحب الوشم.. وقرروا أن تبدأ حفلتهم بعمر.
ازدادت ضربات قلب عمر، أحسه سيخرج من بين ضلوعه حين تلقى أول ركلة على بطنه .
بعدها لم يعرف من أين تأتيه الضربات واللكمات، حتى انتفخت ملامحه ولم تعد تشبه ملامح البشر.. سالت الدماء غزيرة من أنفه وشفتيه، و شـُجَ رأسه بفتحةٍ كبيرة، وصدى صرخاته المتألمة، تدوي دوياً مخيفاً.
وأحمد يستغيث الله أن يلهم صاحبه الصبر على التحمل، ترن برأسه صدى ضحكات المختطفين الهستيرية، وهو يتوسل إليهم أن يتركوا عمر، والقشعريرة تسري في بدنه، فارتجف حين سمع صوت آلة كهربائية تشبه صوت المثقاب، دوت بعدها صرخات ألم عارمة تصدر من عمر.
عم سكون لم يقطعه سوى صوت صاحب الوشم، الذي صرخ بصوت، أجش مليء باللؤم:
- أفيقوه، هيا بكل الطرق والوسائل.. ليرى ويسمع صوت رفيقه.. يتألم مثلما صرخ هو و تألم.. عجلوا قبل أن يغمى عليه.
كان أحمد يسمع صوت لهاث عمر وأنينه، حين أحس بأن هناك من يمسك بجسمه، يثبته على الأرض.
عاد صوت المثقاب مرة أخرى، فأيقن أن دوره قد حان!
استعان بالله بصوت مرتفع.
مرّ بذاكرته وجه أمه الحنون وابتسامة أبيه، وحزنهما حين يعرفان ما سيحدث له.. فبكاهما.. ارتجفت كل أعضاء جسمه، وهو يحس بقرب الآلة منه ، والمختطفون يسخرون من بكائه.. تأوه بصوت مدوٍ حين اخترق المثقاب كتفه الأيمن، صرخ بصوت متحشرج صرخات تشق عنان السماء، وهو يدعو الله أن يقبض روحه والمثقاب يدخل صدره ويخرج.. ازرقت سحنته، وارتعش جسده بردا من شدة النزف، وأوردته تنفض الدماء نفضا، والزبد يخرج من بين شفتيه المزرقتين، تلبس الوجع جسده تلبسا، فأخرس العذاب صوته ، ولم يعد يقوى على التنفس.
تسمرت عيناه بسقف الغرفة، بعد أن خرج المثقاب من الطرف الآخر لرأسه، وصورة صاحب الوشم مرسومة.. بعينيه.
شعر عمر إن جسده تبلل بمادة لزجة، خمن إنها دماؤه ودماء أحمد وقد امتزجتا.. خرج صوته متحشرجا واهنا وهو ينادي أحمد، ليطمئن عليه.. هوى صاحب الوشم بالمثقاب عليه، فتناثر المخ على الأرض والجدران، يرسم خارطة زمن لم يكتب مثلها التاريخ.
الأخبار شحيحة، والدقائق سنين عجاف، تجمع أهل عمر وأهل أحمد ، ينتظرون أخبارا بعد أن سمعوا من المارة حادثة اختطاف شابين من الشارع.. طال الانتظار، وساد الخوف على الوجوه حين عم الظلام، وعينا أم أحمد ترقب باب الدار برعب تنظر بين الفينة والأخرى إلى زوجها الذي لم يستطع النطق بحرف، خوفا على وحيده.
صارت الساعات جحيما، وهي تمرُ دون خبر.
مرّ الليل بطوله وعيناها لم تفارقا الباب.. تحجرت الدموع بمقلتيها، وتسمر جسدها النحيل على المقعد كتمثال رخامي، ولم تعد تستوعب شيئاً.
أذن المؤذن آذان الفجر.. فخرج الرجال للصلاة جماعة.. بكوا وهم يدعون الله أن يعيد أبنائهم.. بسلام.
تناهى لسمعهم صوت الكلاب المسعورة تنبح بقوة،
أجفل أبو أحمد وأبو عمر.. نظر أحدهما للآخر نظرة جزعة تفصح عن مخاوف متشابهة، هرول الجمع إلى مزبلة يعرفها أهل المنطقة ، ويعون معناها
أسموها المقبرة..
فكم من جثة ألقيت بليل هناك، وكل يوم يفتح للحزن باب جديد، لتبقى أبواب مدن الحزن مشرعة على مصاريعها. [/align]
[align=justify]لقبه اصدقاؤه، أحمد أبو المشاوير وهو الذي لا يتواني لحظة عن حمل سلة صغيرة، تحملها عجوز عائدة من السوق فيلهج لسانها بالدعاء له.. ولم يتكاسل عن دفع سيارة سائق أجرة تعطلت سيارته، مقدما يد العون لكل من يحتاجها.
وهاجس والدته أن تظل قلقة عليه وعيناها ترقبان باب الدار بقلق وخوف حتى يعود.. ويكتم أبوه حسرته عن زوجته، والأفكار المخيفة تتلبسه ، حتى يسمع صوت ابنه يملأ البيت ضجيجا ومرحا، وضحكات الأم تملأ البيت سرورا بعودة ابنهما الوحيد من شوارع موتٍ، الخارج إليها أغلب الظن لن يعود.
وصباح الجمعة كان دائما مميزا، يذهب وصديقه عمر لشراء إفطار الجمعة المختلف، يتمازحان وصوت ضحكاتهما الصافية النابعة من القلب.. تضج بالحياة.. فيعودان للبيت وهما يحملان صحني القيمر والكاهي .
كان ذاك الصباح لم يزل يحمل نسمات الشتاء الباردة المبللة بندى الليل، والشارع يكاد يكون خاليا إلا من أناس قليلين.. وأحمد وعمر يتمايل جسماهما مع دعاباتهما التي بعثت روح المرح والحياة فيه.. بعد أن سكنه الموت، والظلام والجثث مجهولة الهوية.
مرت بقربهما سيارة مظللة مسرعة، استدار سائقها على عجل.. توقف.. فتح ركابها الأبواب بوقت واحد، وترجل منها رجال مسلحون ملثمون بأقنعة سوداء.
خفق قلباهما بعنف، وهما يريان الملثمين يتوجهون نحوهما مباشرة.. وأسلحتهم مصوبة باتجاههما.. اتسعت حدقتاهما ، ارتعشت يداهما، وتسمر جسداهما في المكان.
بلمح البصر، طوق الرجال الملثمون الشابين، قيدوهما بقيود بلاستيكية محكمة، وعصبوا أعينهما بعصابات سود، ورموهما داخل السيارة بقسوة.. كخراف تساق للسلخ .
لمحَ أحمد وشماً على يد أحد الملثمين، قبل أن تعصب عيناه، كان الوشم غريباً لم ير مثله سابقاً.. عقرب تلدغ فمٌ بشري.
ألجمت الفاجعة لسان عمر، وأحمد يسأله عدة مرات:
- من هؤلاء، لم اختطفونا نحن الاثنين؟ أتراهم مختطفين عاديين يأخذون فدية فقط، أم أنهم من المتطرفين.. نحن من طائفتين مختلفتين.. فكيف يحدث أن نختطف من قبل هؤلاء، عمر رد ما بك ، هل أنت بخير! ؟
مرّ وقت أحسه أحمد دهراً، قبل أن يرد عمر بصوت واهن يائس .
- لا أدري، لكني أتصور بأن هذا آخر يوم بعمرينا، قلبي يحدثني بأن اليوم مشؤوم.. لن يمر بسلام .
توقفت السيارة أمام أحد البيوت، أنزلوهما يدفعونهما دفعاً إلى غرفة واسعة فارغة.
ساد اللغط بين المختطفين، يتبارون فيما بينهم من يبدأ الحفلة مثلما أسماها صاحب الوشم.. وقرروا أن تبدأ حفلتهم بعمر.
ازدادت ضربات قلب عمر، أحسه سيخرج من بين ضلوعه حين تلقى أول ركلة على بطنه .
بعدها لم يعرف من أين تأتيه الضربات واللكمات، حتى انتفخت ملامحه ولم تعد تشبه ملامح البشر.. سالت الدماء غزيرة من أنفه وشفتيه، و شـُجَ رأسه بفتحةٍ كبيرة، وصدى صرخاته المتألمة، تدوي دوياً مخيفاً.
وأحمد يستغيث الله أن يلهم صاحبه الصبر على التحمل، ترن برأسه صدى ضحكات المختطفين الهستيرية، وهو يتوسل إليهم أن يتركوا عمر، والقشعريرة تسري في بدنه، فارتجف حين سمع صوت آلة كهربائية تشبه صوت المثقاب، دوت بعدها صرخات ألم عارمة تصدر من عمر.
عم سكون لم يقطعه سوى صوت صاحب الوشم، الذي صرخ بصوت، أجش مليء باللؤم:
- أفيقوه، هيا بكل الطرق والوسائل.. ليرى ويسمع صوت رفيقه.. يتألم مثلما صرخ هو و تألم.. عجلوا قبل أن يغمى عليه.
كان أحمد يسمع صوت لهاث عمر وأنينه، حين أحس بأن هناك من يمسك بجسمه، يثبته على الأرض.
عاد صوت المثقاب مرة أخرى، فأيقن أن دوره قد حان!
استعان بالله بصوت مرتفع.
مرّ بذاكرته وجه أمه الحنون وابتسامة أبيه، وحزنهما حين يعرفان ما سيحدث له.. فبكاهما.. ارتجفت كل أعضاء جسمه، وهو يحس بقرب الآلة منه ، والمختطفون يسخرون من بكائه.. تأوه بصوت مدوٍ حين اخترق المثقاب كتفه الأيمن، صرخ بصوت متحشرج صرخات تشق عنان السماء، وهو يدعو الله أن يقبض روحه والمثقاب يدخل صدره ويخرج.. ازرقت سحنته، وارتعش جسده بردا من شدة النزف، وأوردته تنفض الدماء نفضا، والزبد يخرج من بين شفتيه المزرقتين، تلبس الوجع جسده تلبسا، فأخرس العذاب صوته ، ولم يعد يقوى على التنفس.
تسمرت عيناه بسقف الغرفة، بعد أن خرج المثقاب من الطرف الآخر لرأسه، وصورة صاحب الوشم مرسومة.. بعينيه.
شعر عمر إن جسده تبلل بمادة لزجة، خمن إنها دماؤه ودماء أحمد وقد امتزجتا.. خرج صوته متحشرجا واهنا وهو ينادي أحمد، ليطمئن عليه.. هوى صاحب الوشم بالمثقاب عليه، فتناثر المخ على الأرض والجدران، يرسم خارطة زمن لم يكتب مثلها التاريخ.
الأخبار شحيحة، والدقائق سنين عجاف، تجمع أهل عمر وأهل أحمد ، ينتظرون أخبارا بعد أن سمعوا من المارة حادثة اختطاف شابين من الشارع.. طال الانتظار، وساد الخوف على الوجوه حين عم الظلام، وعينا أم أحمد ترقب باب الدار برعب تنظر بين الفينة والأخرى إلى زوجها الذي لم يستطع النطق بحرف، خوفا على وحيده.
صارت الساعات جحيما، وهي تمرُ دون خبر.
مرّ الليل بطوله وعيناها لم تفارقا الباب.. تحجرت الدموع بمقلتيها، وتسمر جسدها النحيل على المقعد كتمثال رخامي، ولم تعد تستوعب شيئاً.
أذن المؤذن آذان الفجر.. فخرج الرجال للصلاة جماعة.. بكوا وهم يدعون الله أن يعيد أبنائهم.. بسلام.
تناهى لسمعهم صوت الكلاب المسعورة تنبح بقوة،
أجفل أبو أحمد وأبو عمر.. نظر أحدهما للآخر نظرة جزعة تفصح عن مخاوف متشابهة، هرول الجمع إلى مزبلة يعرفها أهل المنطقة ، ويعون معناها
أسموها المقبرة..
فكم من جثة ألقيت بليل هناك، وكل يوم يفتح للحزن باب جديد، لتبقى أبواب مدن الحزن مشرعة على مصاريعها. [/align]
تعليق