كتب مصطفى بونيف
اسمحوا لي أن أتكلم في الدين ...!!!!

أتذكر أن أول درس ديني أخذته في حياتي كان في كتاتيب زاوية الهامل عندما كنت في سن الخامسة من عمري ، كان الشيخ سي رابح رحمة الله عليه يعلمني الحروف الأبجدية ليس من أجل أن أتعلم كتابة رسالة أو قصيدة أو رواية ، ولكنه علمني الحروف الأبجدية حتى أقرأ كتاب الله وأحفظه . فقرأت القرآن الكريم ...وأنا مقتنع بأنه لا خير فيمن لم يبدأ تعليمه بكتاب الله ، بل وإنني من أشد الداعين إلى ضرورة أن تبدأ المراحل التعليمية الأولى لأطفالنا بتلقينهم سور القرآن الكريم التي تفتح أذهانهم وتعدها لتلقي العلوم والمعارف ، فلا لغة ولا بلاغة أسمى من آيات الكتاب الكريم .
وليس صدفة بأن كبار الأدباء والمفكرين العرب تعلموا في الكتاتيب ، لتصبح كتبهم ودراساتهم مراجعا تعد بها رسائل الدكتوراه في جامعات العالم . فهذا الأديب الكبير عباس محمود العقاد والذي لم ينل قسطا كبيرا من التعليم الأكاديمي أصبح فيما بعد الهرم الأكبر في الأدب والفكر العربي . ، وكذلك عميد الأدب الدكتور طه حسين الذي بدأ حياته بتلاوة وتدريس القرآن الكريم في كتاتيب الصعيد المصري .
أتساءل أين اختفت الكتاتيب التي كانت تفتتح بعد صلاة الفجر إلى غاية الساعة الثامنة صباحا ؟...ومن الذي اختفى بالضبط ...هل هم معلمو القرآن الكريم ، أم الأطفال الذين يرغبهم أهلهم في حفظ كتاب الله ، أم أن الغائب هو القرآن الكريم ؟ .
لم نعد نجد في مساجدنا ذلك الشيخ الوقور الذي يجلس بين الأطفال وفي يده العصا ، فيعلم هذا سورة العلق ، وذاك سورة الأضحى ، وتلك سورة النور ، ويضرب المتأخر الفلقة على قدميه ، فيخرج لنا جيلا يحمل كلام الله بين جوانحه ، يخرج لنا جيلا وقد نقشت في جمجمته آيات بينات من الذكر الحكيم .
لم يعد المسجد سوى مصلى يقيم فيه الناس صلواتهم ، ويقفلون بابه آخر صلاة العشاء ، وبهذا لم يعد للمسجد دور في تربية وتكوين الفرد المسلم ، فلا نكاد نجد مسجدا ينعم بمكتبة زاخرة بأمهات الكتب في التفسير والبلاغة ، ولا نكاد نجد مسجدا يفيد الناس بدورات لتعليم الفقه المبسط ، وفتاوى النساء ، وإن حدث وأن وجدنا حلقة في مسجد نجدها حكرا على جماعات حزبية في أساسها ، وجمعيات ينفر منها المواطن البسيط . فالكارثة الكبرى أن تنقطع الثقة بين المسلم والمسجد ، وهنا يجب أن تتدخل وزارة الشؤون الدينية في سبيل رأب الصدع بين الناس والجامع ، وأن لا تترك بيوت الله حكرا على جماعات معينة تسعى لنشر مذهب بذاته ، وحزب بعينه . فلا يجدر أن تدخل أدران السياسة وأوساخها بيوت الله التي أمرنا أن يرفع فيها ذكره .
أما مفصل الثاني لتحريك الأمة هو الإعلام …خاصة وأن العالم يعيش ثورة جديدة وهي ثورة الاتصالات ، فلقد أصبح الفضاء مفتوحا ، وانتشرت الأقنية الفضائية بتنوعها ، وأخص بالذكر الفضائيات الدينية التي أصبحت تلقى رواجا وانتشارا واسعا في البيوت ، وهو أمر على قدر فائدته ونفعه هو مثير للمخاوف ، ويفتح القوس على جملة من المحذورات والمهالك ، ولعل المتابع للبرامج التي تبث على هاته الفضائيات يجد أنها بالأساس تعتمد على المحاضرات والدروس التي يقدمها مشايخ يختلفون جذريا عن أولئك تعودنا على قراءة كتبهم ونظرياتهم ، وشربنا من فكرهم ونبعهم الصافي النقي من أمثال الشيخ محمد الغزالي رحمه الله صاحب كتاب جدد حياتك ، والشيخ محمد سعيد رمضان البوطي ، وسيد سابق ، والسيدة زينب الغزالي رحمها الله ، والشيخ القرضاوي ، والشيخ محمد متولي الشعراوي الذي كان يتلهف الناس على كتبه ومقالاته ومحاضراته في تفسير كتاب الله ، ويسافرون للقائه ويقطعون المسافات الطويلة ليحظوا بشرف الجلوس في حلقاته ، وهكذا تلقى المشايخ الكبار علومهم ، بالسفر والكد والبحث والقراءة ، فأخرج لنا أبو حنيفة النعمان رضي الله عنه من حلقاته من أسسوا مدراس فقهية كبرى في تاريخ العقل البشري .
لم يعد المسلم يكلف نفسه عناء القراءة والمطالعة والبحث ، بل يفضل التمدد على الأريكة ويتجول من شيخ إلى شيخ بواسطة الريموت كنترول ، وما أكثر دعاة الفضائيات وما أشد سحرهم وتأثيرهم وهم تحت الأضواء ، والمؤثرات السمعية البصرية .
إن أشد من يضيق على نفسي هم المثقفون الذين أصبحوا يفتون ، فيحللون ويحرمون ، ليخبروك بأن مصدرهم في ذلك هو الشيخ الفلاني الذي يقدم برنامجا في الفضائية الفلانية ، فأي خير نترقبه من مثقف هجر الكتاب والقراءة ليتفرغ للفضائيات والمواقع الالكترونية والأقراص المضغوطة ، بل إنني أجد أن إخوتي من الشباب قد تفرقوا بين الشيوخ والدعاة .
حدث وأن دخلت مع أحدهم في مناقشة حول مسألة دينية ، فقال لي سأتصل بالشيخ الفلاني الذي يقدم برنامجا في الفضائية وسأسأله …فقلت له معاتبا المكتبات تعج بكتب الفقه وحتما ستجد الإجابة في متونها ، فلماذا تكلف نفسك ثمن مكالمة دولية باهضة ، ليصعقني صاحبي بأن قال " وهل هناك وقت للقراءة ؟" .
إنه ليس من الصدفة أن يأتي أمر الله الأول إلى هاته الأمة المصطفاة "اقرأ …" .
فالفضائيات هي وسيلة من وسائل العولمة …ولا أظن بأن الذين يمسكون بزمامها كانوا سيسمحون بأولئك الدعاة لو علموا بأن فيهم الخير لأمتنا وديننا ، بينما نجد هم يحاربون الكتب ويمنعون نشرها وتداولها ، مثلما أصبح يحدث مع مؤلفات سيد قطب و حسن البنا ، بل إن بعض الدعاة ولأسباب سياسية أصبحوا ينظرون لتكفيرهم وعزلهم عن المجتمع .
ولا أظن بأن المسلمين قد انقسموا وتشرذموا في تاريخهم كله أكثر من هاته الفترة من الزمن ، وتعجبت كثيرا حينما سمعت من أحد تلاميذي بالثانوية وهو يقول " إن الشيخ الغزالي كان خطرا على الإسلام ، وبأن الشيخ الشعراوي قبوري وصوفي مبتدع وليس لأمثاله إلا جهنم .." …. ويقول لي آخر بأنه لا حل للقضية الفلسطينية سوى أن يترك الفلسطينيون أرضهم ويعدوا جيشا في الخارج يغزون به أرضهم ويحررونها من الصهاينة … هذه النظرية ينادي بها أحد النجوم المشايخ في الفضائيات ، فحسب وجهة نظره بأن يقتدي الفلسطينيون بالرسول صلى الله عليه وسلم الذي هاجر من مكة وكون جيشا قويا في المدينة …ليعود فاتحا بعد ذلك .
وهنا يأتي دور الأدب الساخر الذي تعوده القراء مني …تخيلوا معي هذا الجيش وهو يدخل مدينة القدس …فينادي مناد " من دخل المسجد الأقصى فهو آمن ، ومن دخل بيته وأغلق الباب فهو آمن ، ومن دخل دار أبي...فهو آمن …".
...
وللحديث بقية ...
مصطفى بونيف
اسمحوا لي أن أتكلم في الدين ...!!!!

أتذكر أن أول درس ديني أخذته في حياتي كان في كتاتيب زاوية الهامل عندما كنت في سن الخامسة من عمري ، كان الشيخ سي رابح رحمة الله عليه يعلمني الحروف الأبجدية ليس من أجل أن أتعلم كتابة رسالة أو قصيدة أو رواية ، ولكنه علمني الحروف الأبجدية حتى أقرأ كتاب الله وأحفظه . فقرأت القرآن الكريم ...وأنا مقتنع بأنه لا خير فيمن لم يبدأ تعليمه بكتاب الله ، بل وإنني من أشد الداعين إلى ضرورة أن تبدأ المراحل التعليمية الأولى لأطفالنا بتلقينهم سور القرآن الكريم التي تفتح أذهانهم وتعدها لتلقي العلوم والمعارف ، فلا لغة ولا بلاغة أسمى من آيات الكتاب الكريم .
وليس صدفة بأن كبار الأدباء والمفكرين العرب تعلموا في الكتاتيب ، لتصبح كتبهم ودراساتهم مراجعا تعد بها رسائل الدكتوراه في جامعات العالم . فهذا الأديب الكبير عباس محمود العقاد والذي لم ينل قسطا كبيرا من التعليم الأكاديمي أصبح فيما بعد الهرم الأكبر في الأدب والفكر العربي . ، وكذلك عميد الأدب الدكتور طه حسين الذي بدأ حياته بتلاوة وتدريس القرآن الكريم في كتاتيب الصعيد المصري .
أتساءل أين اختفت الكتاتيب التي كانت تفتتح بعد صلاة الفجر إلى غاية الساعة الثامنة صباحا ؟...ومن الذي اختفى بالضبط ...هل هم معلمو القرآن الكريم ، أم الأطفال الذين يرغبهم أهلهم في حفظ كتاب الله ، أم أن الغائب هو القرآن الكريم ؟ .
لم نعد نجد في مساجدنا ذلك الشيخ الوقور الذي يجلس بين الأطفال وفي يده العصا ، فيعلم هذا سورة العلق ، وذاك سورة الأضحى ، وتلك سورة النور ، ويضرب المتأخر الفلقة على قدميه ، فيخرج لنا جيلا يحمل كلام الله بين جوانحه ، يخرج لنا جيلا وقد نقشت في جمجمته آيات بينات من الذكر الحكيم .
لم يعد المسجد سوى مصلى يقيم فيه الناس صلواتهم ، ويقفلون بابه آخر صلاة العشاء ، وبهذا لم يعد للمسجد دور في تربية وتكوين الفرد المسلم ، فلا نكاد نجد مسجدا ينعم بمكتبة زاخرة بأمهات الكتب في التفسير والبلاغة ، ولا نكاد نجد مسجدا يفيد الناس بدورات لتعليم الفقه المبسط ، وفتاوى النساء ، وإن حدث وأن وجدنا حلقة في مسجد نجدها حكرا على جماعات حزبية في أساسها ، وجمعيات ينفر منها المواطن البسيط . فالكارثة الكبرى أن تنقطع الثقة بين المسلم والمسجد ، وهنا يجب أن تتدخل وزارة الشؤون الدينية في سبيل رأب الصدع بين الناس والجامع ، وأن لا تترك بيوت الله حكرا على جماعات معينة تسعى لنشر مذهب بذاته ، وحزب بعينه . فلا يجدر أن تدخل أدران السياسة وأوساخها بيوت الله التي أمرنا أن يرفع فيها ذكره .
أما مفصل الثاني لتحريك الأمة هو الإعلام …خاصة وأن العالم يعيش ثورة جديدة وهي ثورة الاتصالات ، فلقد أصبح الفضاء مفتوحا ، وانتشرت الأقنية الفضائية بتنوعها ، وأخص بالذكر الفضائيات الدينية التي أصبحت تلقى رواجا وانتشارا واسعا في البيوت ، وهو أمر على قدر فائدته ونفعه هو مثير للمخاوف ، ويفتح القوس على جملة من المحذورات والمهالك ، ولعل المتابع للبرامج التي تبث على هاته الفضائيات يجد أنها بالأساس تعتمد على المحاضرات والدروس التي يقدمها مشايخ يختلفون جذريا عن أولئك تعودنا على قراءة كتبهم ونظرياتهم ، وشربنا من فكرهم ونبعهم الصافي النقي من أمثال الشيخ محمد الغزالي رحمه الله صاحب كتاب جدد حياتك ، والشيخ محمد سعيد رمضان البوطي ، وسيد سابق ، والسيدة زينب الغزالي رحمها الله ، والشيخ القرضاوي ، والشيخ محمد متولي الشعراوي الذي كان يتلهف الناس على كتبه ومقالاته ومحاضراته في تفسير كتاب الله ، ويسافرون للقائه ويقطعون المسافات الطويلة ليحظوا بشرف الجلوس في حلقاته ، وهكذا تلقى المشايخ الكبار علومهم ، بالسفر والكد والبحث والقراءة ، فأخرج لنا أبو حنيفة النعمان رضي الله عنه من حلقاته من أسسوا مدراس فقهية كبرى في تاريخ العقل البشري .
لم يعد المسلم يكلف نفسه عناء القراءة والمطالعة والبحث ، بل يفضل التمدد على الأريكة ويتجول من شيخ إلى شيخ بواسطة الريموت كنترول ، وما أكثر دعاة الفضائيات وما أشد سحرهم وتأثيرهم وهم تحت الأضواء ، والمؤثرات السمعية البصرية .
إن أشد من يضيق على نفسي هم المثقفون الذين أصبحوا يفتون ، فيحللون ويحرمون ، ليخبروك بأن مصدرهم في ذلك هو الشيخ الفلاني الذي يقدم برنامجا في الفضائية الفلانية ، فأي خير نترقبه من مثقف هجر الكتاب والقراءة ليتفرغ للفضائيات والمواقع الالكترونية والأقراص المضغوطة ، بل إنني أجد أن إخوتي من الشباب قد تفرقوا بين الشيوخ والدعاة .
حدث وأن دخلت مع أحدهم في مناقشة حول مسألة دينية ، فقال لي سأتصل بالشيخ الفلاني الذي يقدم برنامجا في الفضائية وسأسأله …فقلت له معاتبا المكتبات تعج بكتب الفقه وحتما ستجد الإجابة في متونها ، فلماذا تكلف نفسك ثمن مكالمة دولية باهضة ، ليصعقني صاحبي بأن قال " وهل هناك وقت للقراءة ؟" .
إنه ليس من الصدفة أن يأتي أمر الله الأول إلى هاته الأمة المصطفاة "اقرأ …" .
فالفضائيات هي وسيلة من وسائل العولمة …ولا أظن بأن الذين يمسكون بزمامها كانوا سيسمحون بأولئك الدعاة لو علموا بأن فيهم الخير لأمتنا وديننا ، بينما نجد هم يحاربون الكتب ويمنعون نشرها وتداولها ، مثلما أصبح يحدث مع مؤلفات سيد قطب و حسن البنا ، بل إن بعض الدعاة ولأسباب سياسية أصبحوا ينظرون لتكفيرهم وعزلهم عن المجتمع .
ولا أظن بأن المسلمين قد انقسموا وتشرذموا في تاريخهم كله أكثر من هاته الفترة من الزمن ، وتعجبت كثيرا حينما سمعت من أحد تلاميذي بالثانوية وهو يقول " إن الشيخ الغزالي كان خطرا على الإسلام ، وبأن الشيخ الشعراوي قبوري وصوفي مبتدع وليس لأمثاله إلا جهنم .." …. ويقول لي آخر بأنه لا حل للقضية الفلسطينية سوى أن يترك الفلسطينيون أرضهم ويعدوا جيشا في الخارج يغزون به أرضهم ويحررونها من الصهاينة … هذه النظرية ينادي بها أحد النجوم المشايخ في الفضائيات ، فحسب وجهة نظره بأن يقتدي الفلسطينيون بالرسول صلى الله عليه وسلم الذي هاجر من مكة وكون جيشا قويا في المدينة …ليعود فاتحا بعد ذلك .
وهنا يأتي دور الأدب الساخر الذي تعوده القراء مني …تخيلوا معي هذا الجيش وهو يدخل مدينة القدس …فينادي مناد " من دخل المسجد الأقصى فهو آمن ، ومن دخل بيته وأغلق الباب فهو آمن ، ومن دخل دار أبي...فهو آمن …".
...
وللحديث بقية ...
مصطفى بونيف
تعليق