أخيرا صدق الناس أن العمدة يمكن له أن يموت ، صحيح ولم لا ؟
ما كان لهم أن يصدقوا لولا أن حسن .. وقف فيهم خطيبا : ( أيها الناس ..اسمعوا وعوا .. من عاش باش .. عدا ولا حياش ..ومن نام مات .. والتعلب فات فات .. وف جيبه بلح أمهات .. ) وعاد للناس إيمانهم لبلاغة الخطبة ، فلما سألوه عن فتواه التى زوج بموجبها العمدة صلاح من الجميلة سعاد ، وهى للأسف على ذمة المسكين شكرى أجاب بأنه هو نفسه كان محكوما بنص الآية الكريمة التى أخضع بها الزوج ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم ) . ولم يفتحوا كلاما حول قطعة الأرض التى حصل عليها مكافأة بعد هذه الزيجة .
أخيرا مات العمدة الغاصب لأراضيهم ومواشيهم ، مات فى اللحظة التى وضعت فيها زوجته ( المغصوبة)وليدها ، وغصت البلد بالاحتفالات وعلقت الزينات بأوامر من حسن لأن العمدة قد أكرمه الله ورزقه بولى العهد .
ثلاثة فقط يعرفون الحقيقة هم سعاد وشكرى والعمدة صلاح نفسه وهذا ما تسبب فى إصابته بالشلل على إثر جلطة فى المخ .. عافاكم الله
فى الجنازة شبه الرسمية تزاحم الناس حول محمد نوح كل منهم بعد أن يعزيه عزاء حارا فى أخيه صلاح يسأله فى أدب لعله يعيد إليه شيئا من أشيائه التى سلبها العمدة صلاح , ومحمد نوح يعدهم خيرا .
يبدو أن محمد نوح لم يتعود العناية بهندامه فاقترب منه أحدهم وراح يشد له طرف جلبابه من فوق كتفيه وآخر يفرد الكرمشة الواضحة على الكمين .
انقلبت موائد الأفراح بولى العهد إلى مظهر من مظاهر الحزن والحداد على العمدة المتوفى .. وامتلأت الحوائط بالآية الكريمة ( إنا لله وإنا إليه راجعون )
وغيرها من الآيات .
تم تنصيب محمد نوح عمدة وباركته الطوائف ثم عقد اجتماعه الأول مع سعاد وشكرى وقرروا إعادة الحقوق المسلوبة إلى أصحابها .
فى الصباح اصطحب الخفير النوبتجى إلى المقابر الست سناء الزوجة الحقيقية
ـ كانت ـ للمرحوم , ومعها عدد من النسوة للتقرية على روح الفقيد الغالى .
وحسب الأوامرأغلق عليهن حوش المقبرة وانصرف ، فلما اكتشفن ذلك الملعوب انخرطن فى صوات وبكاء مريرين .
نادى المنادى فى القرية ثلاثا وعشرين مرة بأن الأبواب السبعة للدوار مفتوحة لتسليم الحقوق لأصحابها بشرط أن يقرأ كل رجل أو امرأة أو طفل الفاتحة على روح العمدة صلاح اثنتين وعشرين مرة ليكون مجموع الفواتيح مائة ألف وهو عدد مبارك حسب فتوى الشيخ حسب الله .
وإنك لترى أفواج الأهالى وتقرأ الفرحة فى عيونهم كما لم تقرأها من قبل , وعلقت البنات مرايا الفرحة فى العيون والطرقات وانطلقت الزغاريد من كل أرملة استردت جاموستها , وابتسامة الرضا من كل رقيق الحال استرد قيراطيه.
وفى لحظات انكمشت تركة العمدة أكثر من مائة فدان وستمائة جاموسة غير الماعز والبط والفراخ وخلافه . تنهد محمد نوح وقال : الآن تستريح روحك ياأخى .
قالت سناء حين أخبرها طفل من بين قضبان بوابة حوش المقابر : عليه العوض فى الأرض وفى العمودية اللى طارت .
وهن يفكرن فى حيلة للفكاك من الحوش راحت تخبط بيدها على باب القبروتولول وتقول : قوم ياعمدة .. قوم يا سيد الناس , قوم شوف مراتك وعشيقها واخوك بيعملوا إيه .
وفجأة
ـ بس يانسوان بطلوا عياط اسمعوا
ووضعت أذنها على باب القبر لتتأكد
ـ سامعين اللى أنا سامعاه ؟
وضعن آذانهن
ـ إيوه ياحاجة بسم الله الرحمن الرحيم فيه خبط ودربكة جوه
ـ يعنى آنى موش مجنونة ؟؟؟؟
ـ اسم الله عليكى يااختى
ـ طب ياللا معايه اللى تقدر تكسر بإيدها او بأى حاجة
(بسم الله الرحمن الرحيم قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ) رحن يكررنها على سبيل الوقاية والاحتراز.
عندما ضرب الهواء البارد الفائح من بطن المقبرة وجوههن راعهن المنتصب كأنه برج ماليزيا يفك أربطة من على وجهه وينتزع قطعا من القطن استقرت فى أذنيه ومواضع أخرى حتى تمكن من الكلام .
شهقن فى نفس واحد : أه العمدة !
ـ شدى إيدى يا بت يا سناء
ـ أأا حا حا حا
فلما لم تتمالك نفسها قامت النسوة بإخراجه ثم جلس معهن لحظات ولم تترك الجلطة إلا أثرا خفيفا فى ذراعه الأيسر . ثم خططوا لما سيحدث .
* * *
فى المساء توافد الناس إلى ساحة الدوار حسب الأوامر. كان الخفراء بالزى الرسمى وسناء فى أبهى زينة ,وكانت سيارة الإسعاف قد نقلت شكرى إلى مستشفى للأمراض العقلية . أما سعاد فكانت تحت الإقامة الجبرية فى عشة البط ، ومحمد نوح تنازل عن ولاية العهد , وأما المولود فقد تسلمته سناء ليكتب باسمها برغم علمها بحقيقة نسبه .
افتتحت سناء جلسة العمدة مع أهل البلد بزغرودة مدوية .
قال حضرة العمدة : إخص عليكى بلد تاكلى ف خيرى وتعبدى غيرى ؟
آه يا غجر يا حوش .. ياناكرين الجميل .. يا .... بقى دى آخرتها ؟
أنا الحق عليا علشان با أحميكم من اللى يسوى واللى ما يسواش .....
طب دا أنا حايش عنكم بلاوى .. النقطة والمركز والأمن العام وأمن الدولة
والأمن الغذائى كده وللا لأ ؟
ـ كده ياعمدة
ـ وواخد بهايمكم عندى فى الحفظ والصون علشان ولاد الليل لايسرقوهم وللا يسمموهم موش كده وللا إيه ؟
ـ كده ياعمدة
ـ وواضع إيدى على أراضيكم علشان الدودة ما تا كلش الزرع كده وللا لأ ؟
ـ كده يا عمدة
ـ أسقط حسن دمعتين من عينيه ثم قال :
ـ دا حتى العمدة من طيبة قلبه خاف على البط بتاعكم والفراخ والوز والأرانب من أنفلونزا الطيور آم واخدها وحطها تحت عينه وفى حمايته فيه حب لأهل البلد أكتر من كده ؟
وارتفعت الحناجر بالهتاف
ـ يعيش العمدة الحنين
ـيعيش العمدة الحنين
ـ ياللا يا غجر اللى خد حاجة يرجعها تانى والليلة
ـ الليلة ياعمدة ؟
ـ الليلة
انتشر الخفراء ورجال العمدة وعائلة حسن وعائلة سناء فى البلد يجمعون ما تم توزيعه ويعيدون كل شيء إلى مكانه الصحيح .
فى الصباح امتلأت حوائط القرية باللافتات والكتابة بالزهرة الزرقاء فوق الجير الأبيض : نعم للاستقرار نعم للمواطنة نعم لحضرة العمدة
ومن يومها تغيرت صيغة السلام فلم تعد : السلام عليكم وعليكم السلام
ولا : صباح الخير صباح النور , ولكن :العمدة حى العمدة ما متش
* * *
كان ذلك فى غابر الزمان .
إلا أن أن الحفريات التى عثر عليها فى عصر العلم أثبتت أن هذا العمدة الصالح
لما مات موتا حقيقيا ـ وأنا ممن يؤمنون بحتمية الموت ـ اكتشفوا أنه كان قد باع كل شيء قبل موته واشترى نهرا فى البرازيل .
راح بعض شباب القرية ليطالبوا بحقهم فيه فغرقوا على السواحل اليابانية .
كانت الحكومة قد عينت رقيبا أول (سيرجنت ) يدير شئون القرية مؤقتا , والناس ينتظرون بفارغ الصبر إلى أن يمن الله عليهم بعمدة جديد ليستولى على ما تبقى تحت أيديهم من متاع .
تمت
ما كان لهم أن يصدقوا لولا أن حسن .. وقف فيهم خطيبا : ( أيها الناس ..اسمعوا وعوا .. من عاش باش .. عدا ولا حياش ..ومن نام مات .. والتعلب فات فات .. وف جيبه بلح أمهات .. ) وعاد للناس إيمانهم لبلاغة الخطبة ، فلما سألوه عن فتواه التى زوج بموجبها العمدة صلاح من الجميلة سعاد ، وهى للأسف على ذمة المسكين شكرى أجاب بأنه هو نفسه كان محكوما بنص الآية الكريمة التى أخضع بها الزوج ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم ) . ولم يفتحوا كلاما حول قطعة الأرض التى حصل عليها مكافأة بعد هذه الزيجة .
أخيرا مات العمدة الغاصب لأراضيهم ومواشيهم ، مات فى اللحظة التى وضعت فيها زوجته ( المغصوبة)وليدها ، وغصت البلد بالاحتفالات وعلقت الزينات بأوامر من حسن لأن العمدة قد أكرمه الله ورزقه بولى العهد .
ثلاثة فقط يعرفون الحقيقة هم سعاد وشكرى والعمدة صلاح نفسه وهذا ما تسبب فى إصابته بالشلل على إثر جلطة فى المخ .. عافاكم الله
فى الجنازة شبه الرسمية تزاحم الناس حول محمد نوح كل منهم بعد أن يعزيه عزاء حارا فى أخيه صلاح يسأله فى أدب لعله يعيد إليه شيئا من أشيائه التى سلبها العمدة صلاح , ومحمد نوح يعدهم خيرا .
يبدو أن محمد نوح لم يتعود العناية بهندامه فاقترب منه أحدهم وراح يشد له طرف جلبابه من فوق كتفيه وآخر يفرد الكرمشة الواضحة على الكمين .
انقلبت موائد الأفراح بولى العهد إلى مظهر من مظاهر الحزن والحداد على العمدة المتوفى .. وامتلأت الحوائط بالآية الكريمة ( إنا لله وإنا إليه راجعون )
وغيرها من الآيات .
تم تنصيب محمد نوح عمدة وباركته الطوائف ثم عقد اجتماعه الأول مع سعاد وشكرى وقرروا إعادة الحقوق المسلوبة إلى أصحابها .
فى الصباح اصطحب الخفير النوبتجى إلى المقابر الست سناء الزوجة الحقيقية
ـ كانت ـ للمرحوم , ومعها عدد من النسوة للتقرية على روح الفقيد الغالى .
وحسب الأوامرأغلق عليهن حوش المقبرة وانصرف ، فلما اكتشفن ذلك الملعوب انخرطن فى صوات وبكاء مريرين .
نادى المنادى فى القرية ثلاثا وعشرين مرة بأن الأبواب السبعة للدوار مفتوحة لتسليم الحقوق لأصحابها بشرط أن يقرأ كل رجل أو امرأة أو طفل الفاتحة على روح العمدة صلاح اثنتين وعشرين مرة ليكون مجموع الفواتيح مائة ألف وهو عدد مبارك حسب فتوى الشيخ حسب الله .
وإنك لترى أفواج الأهالى وتقرأ الفرحة فى عيونهم كما لم تقرأها من قبل , وعلقت البنات مرايا الفرحة فى العيون والطرقات وانطلقت الزغاريد من كل أرملة استردت جاموستها , وابتسامة الرضا من كل رقيق الحال استرد قيراطيه.
وفى لحظات انكمشت تركة العمدة أكثر من مائة فدان وستمائة جاموسة غير الماعز والبط والفراخ وخلافه . تنهد محمد نوح وقال : الآن تستريح روحك ياأخى .
قالت سناء حين أخبرها طفل من بين قضبان بوابة حوش المقابر : عليه العوض فى الأرض وفى العمودية اللى طارت .
وهن يفكرن فى حيلة للفكاك من الحوش راحت تخبط بيدها على باب القبروتولول وتقول : قوم ياعمدة .. قوم يا سيد الناس , قوم شوف مراتك وعشيقها واخوك بيعملوا إيه .
وفجأة
ـ بس يانسوان بطلوا عياط اسمعوا
ووضعت أذنها على باب القبر لتتأكد
ـ سامعين اللى أنا سامعاه ؟
وضعن آذانهن
ـ إيوه ياحاجة بسم الله الرحمن الرحيم فيه خبط ودربكة جوه
ـ يعنى آنى موش مجنونة ؟؟؟؟
ـ اسم الله عليكى يااختى
ـ طب ياللا معايه اللى تقدر تكسر بإيدها او بأى حاجة
(بسم الله الرحمن الرحيم قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ) رحن يكررنها على سبيل الوقاية والاحتراز.
عندما ضرب الهواء البارد الفائح من بطن المقبرة وجوههن راعهن المنتصب كأنه برج ماليزيا يفك أربطة من على وجهه وينتزع قطعا من القطن استقرت فى أذنيه ومواضع أخرى حتى تمكن من الكلام .
شهقن فى نفس واحد : أه العمدة !
ـ شدى إيدى يا بت يا سناء
ـ أأا حا حا حا
فلما لم تتمالك نفسها قامت النسوة بإخراجه ثم جلس معهن لحظات ولم تترك الجلطة إلا أثرا خفيفا فى ذراعه الأيسر . ثم خططوا لما سيحدث .
* * *
فى المساء توافد الناس إلى ساحة الدوار حسب الأوامر. كان الخفراء بالزى الرسمى وسناء فى أبهى زينة ,وكانت سيارة الإسعاف قد نقلت شكرى إلى مستشفى للأمراض العقلية . أما سعاد فكانت تحت الإقامة الجبرية فى عشة البط ، ومحمد نوح تنازل عن ولاية العهد , وأما المولود فقد تسلمته سناء ليكتب باسمها برغم علمها بحقيقة نسبه .
افتتحت سناء جلسة العمدة مع أهل البلد بزغرودة مدوية .
قال حضرة العمدة : إخص عليكى بلد تاكلى ف خيرى وتعبدى غيرى ؟
آه يا غجر يا حوش .. ياناكرين الجميل .. يا .... بقى دى آخرتها ؟
أنا الحق عليا علشان با أحميكم من اللى يسوى واللى ما يسواش .....
طب دا أنا حايش عنكم بلاوى .. النقطة والمركز والأمن العام وأمن الدولة
والأمن الغذائى كده وللا لأ ؟
ـ كده ياعمدة
ـ وواخد بهايمكم عندى فى الحفظ والصون علشان ولاد الليل لايسرقوهم وللا يسمموهم موش كده وللا إيه ؟
ـ كده ياعمدة
ـ وواضع إيدى على أراضيكم علشان الدودة ما تا كلش الزرع كده وللا لأ ؟
ـ كده يا عمدة
ـ أسقط حسن دمعتين من عينيه ثم قال :
ـ دا حتى العمدة من طيبة قلبه خاف على البط بتاعكم والفراخ والوز والأرانب من أنفلونزا الطيور آم واخدها وحطها تحت عينه وفى حمايته فيه حب لأهل البلد أكتر من كده ؟
وارتفعت الحناجر بالهتاف
ـ يعيش العمدة الحنين
ـيعيش العمدة الحنين
ـ ياللا يا غجر اللى خد حاجة يرجعها تانى والليلة
ـ الليلة ياعمدة ؟
ـ الليلة
انتشر الخفراء ورجال العمدة وعائلة حسن وعائلة سناء فى البلد يجمعون ما تم توزيعه ويعيدون كل شيء إلى مكانه الصحيح .
فى الصباح امتلأت حوائط القرية باللافتات والكتابة بالزهرة الزرقاء فوق الجير الأبيض : نعم للاستقرار نعم للمواطنة نعم لحضرة العمدة
ومن يومها تغيرت صيغة السلام فلم تعد : السلام عليكم وعليكم السلام
ولا : صباح الخير صباح النور , ولكن :العمدة حى العمدة ما متش
* * *
كان ذلك فى غابر الزمان .
إلا أن أن الحفريات التى عثر عليها فى عصر العلم أثبتت أن هذا العمدة الصالح
لما مات موتا حقيقيا ـ وأنا ممن يؤمنون بحتمية الموت ـ اكتشفوا أنه كان قد باع كل شيء قبل موته واشترى نهرا فى البرازيل .
راح بعض شباب القرية ليطالبوا بحقهم فيه فغرقوا على السواحل اليابانية .
كانت الحكومة قد عينت رقيبا أول (سيرجنت ) يدير شئون القرية مؤقتا , والناس ينتظرون بفارغ الصبر إلى أن يمن الله عليهم بعمدة جديد ليستولى على ما تبقى تحت أيديهم من متاع .
تمت
تعليق