السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا فتاة لا زلت في الثامنة عشر من عمري وأعي تماما أن مشواري الأدبي طويل وشاق .. هذه أول محاولة روائية لي أضعها بين أيديكم .. لنقدكم .. ملاحظاتكم ونصائحكم .. سوف أضعها هنا كحلقات ... أرجو تثبيتها وأرجو أن تنال انتباهكم ..
وطن عثمان
الحلقة الأولى
وحدي بين جدران أحزاني .. وسط طيات ظلامي .. أطرق بوابات وحشتي .. أمسح الغبار عن رفوف الذكريات المكدسه فوق سرير الماضي . جلست هناك أتجرع كؤوس الألم ..
الجميع حولي ولا أجد أحدا ..
أحلامي ..! مجرد شائبة في طريق تغطرسهم ؛ فأنا مجرد حجر نرد على رقعة أيامهم ، يلوحون بي في الهواء ، ومن ثم يلقونني على الطاولة الصلبة ، فأرتد معلنة نصرهم من جديد .
أنا مجرد جندي أعزل في ساحة الحرب على رقعة شطرنج ، أتنقل بين المربعات الوهمية ، فتارة أجلس على مربع أبيض بلون صمتي الأبدي، وأخرى على مربع بلون حزني الأسود العميق .. وعبثا تذهب محاولاتي هباءً في اختراق حصونهم ، والجلوس في ربى حنانهم .
يا إلهي .. ما هذا الجدار المنيع الذي نصبوه على أعتابي ، لا أستطيع له نبشا ولا اختراقا ..
جلست على سريري مرة أخرى .. ألملم بقايا جروحي النازفة .. وأشلاء عباراتي ودموعي الحارة .. هذه ليست أول مره أتشح فيها معطف صمتي ولن تكون آخر مره أتكفن فيها بلوني الأبيض ..
فهذا اللون له بصمة متجذرة في تاريخي .. ماضيّ .. وحاضري !
فهو لون صمتي .. لون حزني .. لون فرحي .. لون أملي .. ولون ألمي ..وسيكون لون كفني عند موتي !
أتذكر طفولتي ، وأذرف الآهات على الماضي ، كنت هناك بين ربوع البراءة..ألعب بدميتي أنا وصديقاتي وعندما تلوح الشمس في كبد السماء يحين موعد حفل الشاي نحتسي الشاي من الأكواب الفارغة...ونوزع الحلوى الوهمية وعندما كنا نتنازع على دمية معينه كنّا نغضب ونبكي ولكننا نعود لنقبّل بعضنا بعضا ونكمل مشوار اللعب الأبدي كما كان يتراءى لنا في ذاك الوقت .
كبرت...
وتبيّن أن هذه السعادة الأبدية زائلة ، وأن البراءة أصحبت لونا من ألوان الماضي... نعم استمرت معاركنا ، ولكننا لم نعد لنقبّل بعضنا البعض ولم نعد نصفح عن زلاّت احدانا الأخرى فمتلأ الحقد أفئدتنا وأرواحنا وأصبحت الصداقة جوفاء بلا معنى .. أصبحنا نحتسي كؤوس الشاي المليئة بطعم اللؤم والحسد
حينها أدركت أن الحياة تغيرت وأن دنياي انقلبت رأسا على عقب ....
كنت في الصف الثامن حينما انضممت إلى صفوف المراهقين واعتليت مسرح الحياة الشاهق المخيف ... بدأت أرى أناسا يعتلون مقدمة المسرح تغمرهم الأضواء الساطعة وآخرين قابعين وراء الكواليس المظلمة ....لكنهم يحرّكون الحياه ...لم أدر ما هو دوري على هذا المسرح الرحب فعمدت فترة جلست فيها على مقاعد المراقبة والتفرج من بعيد بذلك كنت أتعلم درسا فى البشرية الغامضة كغموض الشتاء بالخريف ... فولجت عالما جديدا .. عالما مليئا بالمشاحنات والمصاعب ...
في المدرسه كنت مثال الطالبة المجدة المجتهدة في دروسها المحافظة على أخلاقها ومبادئها فكنت دائما الأولى في صفي أحصل على أعلى الدرجات وعلى أعظم تقدير من المدرسين والطلبة ...ولكن البيت كان قصة أخرى منبع الظلام في حياتي مركز الصراخ والمشاكل
عندما نضجت ... أبي تغيّر لم يعد يدللني ..يأخذني معه في مشاويره ولا يجلب لي الهدايا
أمي ...دائمة الصراخ في وجهي لا يعجبها مني خيرا كان أم شرا تهزأ بي وتقلل من قدري أمام الجميع
بدات رحلتي مع الأدب ... أدمنت المطالعة وقراءة الكتب والروايات ومن ثم كتابة الخواطر والأشعار القصيرة.. شجعني مدرس اللغه العربيه في مدرستي الاعدادية ومعلمون أخرون دعموني عمليا ومعنويا ، وحينما كنت أحدّث أهلي عن انتصارتي الابداعية تبدأ مسيرة الاستهتار، فتقول أمي بضحكتها الساخرة :
-"لتكوني مفكرة حالك فدوى طوقان ؟!" .
ويجيبها أخي :"لع .. لع بدنا انحطها أمير الشعراء بدل أحمد شوقي"
وكعادتي أجر أذيال الحزن المدقع وأدخل شرنقتي وأغلق على نفسي الباب ..فأسرد حكايا أيامي لدفتر مذكراتي المهترىء فقد كان ملاذ نفسي الوحيد وملجئي من حلكة الضياع !
نقاط متطايرة هنا وهناك وكأنها عبارات لا تنتهي.. كلمات تخنقها العبرة وسط زحمة المشاعر المتدفقة على ورقة بيضاء أبطال من ورق...وأحلام من رصاص تملأ تلك الصفحات بالحياة الكامنة وراء روح الكلمات...
وعندما أفرغ شحنات نفسي المكهربة أستسلم لمارد النعاس وأدخل عالم الأحلام الوردية ...
وفي ذات صباح استيقظت على صوت يرعد الفضاء ويشق صمت السكون "اغيثوا أخوانكم في الضفة وغزة ..اغيثوهم يا مسلمين" تحركت مشاعر الأخوة القابعه في قلبي ... وهويتي المبهمة بدأت تضح أمام عيني !
"فداك فلسطين "صرخت بأعلى صوتي.. لم أستطع إخماد ذاك الحماس الثوري المشتعل بفؤادي ...وذاك البركان المنفجر من روحي علّقت صوري انتمائي على جدران الغرفة البيضاء ..وذهبت إلى المدرسة وقد غنمت بالعدد الوفير من الأشعار الحماسية الخارجة من صميم القلب
.........
اعترتني تلك النظره المبهمه حينما دخلت غرفتي ...فقد رايتها تجردت من صوري المعلقه .... تجردت من ذاك البركان المنفجر ركضت مهرولة نحو المطبخ :
-"يما..يما مين الي شال الصور من على الحيطان؟!"
اجابت بغضب لم اجد له معنى في البدايه :
-"انا الي قمتهن شو انت مش لاقيتيلك شغله ... انت بدك تحبسينا"
-"بس..بس.."
-"مبسش اشي!!"
غصت داخل اعماق صمتي المعتاد ..عدت نحو غرفتي مع كل الوان الخيبة والاسى التي ملأت مهجتي حتى مبادئي اصبحت محرمه...كبت اشعاري وشعاراتي داخل روحي المضطربه ... ونفسي المشتعله ...
بدات رحلتي الصامته مع الوطن...فقد خططت اسمه بحبر سري على ذاكرة ايامي ..وواعدته سرا داخل قصور احلامي ...على مقاعد الهذيان جلست اجترع كؤوس حبّه ...هو الاول الذي لن يكون له ثانٍ هو دقة قلب محموم بحبه...هو همسه نفس شغوفه للقيا ترابه...هو عرق يوم وعبق زيتون هكذا كانت علاقتي بالوطن ...علاقة محرّمه بين ناقوس زمانٍ احياه سترتها بخرق الصمت الباليه ...
كتبت كلمات شعاراتي على قصاصات خبأتها في اقصى الدرج المنزوي واحكمت الاقفال عليها
ومع كل فجر جديد القاه كانت نفسي تزداد تعلقا بهذا الوطن ...بحجارته المفتته المتبعثره في ارجائه .. بلبناته المعتقه التي عددتها لبنه لبنه ...بتشعباته وتعرجاته ... بقلاعه الشامخه ببقايا بيوته المهدمه ... وبمخيماته المتناثره...
***************************************
"هل تعتقد بوجود يوتوبيا؟!"
سالته من جوف حيرتي وهو يطفئ عقب سجارته التي كان ينفث دخانها قبل قليل في منفضة السجائر الموضوعه على المنضده.. نظر الي بتعجب واجابني بعد هنينهات طويله :
"دائما تفاجئني تساؤلاتك ولا تخطر لي على بال "
تجاهلت تعليقه واردفت :
" ولكن .. احقا لها وجود ؟! "
اجاب:
" لا اظن ذلك .. فان هذه المدينه الفاضله من اختلاق مخيلة افلاطون .. ولكن لم هذا السؤال المفاجئ؟!"
قلت بتردد :
" اظن انها لو كانت حقيقه لكنت انضممت الى سكانها منذ زمن بعيد بلا تردد .."
وغصت مرة اخرى داخل اعماق حيرتي .. وعندما افقت من نفسي رايته يرقبني بنظراته الثاقبه فاعتلت الحمرة خداي .. اشاح نظره نحو زجاج النافذه وقد كان رذاذ المطر يتساقط في الخارج .. وغارت عينا ه فيما وراء الافق ..
كسرت حاجز السكون :
" لقد انهيت قراءة روايتك .. اخيرا "_
_" احقا ؟" اجاب واردف .. " وما رايك بها ؟!"
اجبته بعد اطراق طويل :
" اظن ان الغموض اكتنفها حتى عندما اتضحت معالم البطله .. وكانك تريد اخفاء بعض الاعترافات وراء الكلمات المترادفه المتراصه !"
علامة تعجب علت جبهته العريضه .. اجابني ضاحكا بصياغة الاستغراب :
" ولما ظننت ذلك ؟!!"
-" لا ادري .. ربما لانك اكثرت من التعبير " ارتدت وشاح صمتها الطويل !" "
نعم ..! فان هذا التعبير هو احد ابطال الورق لديه ..
اجابني ساخرا .. ضاحكا .. مدهوشا ..
" اظن انك خاطئه يا عزيزتي "
لكني علمت في اعماقي ان هذه البطله الخفيه .. ان هذه التي لا تخرج الا في ليالي الاشتياق على حواف ارصفة المشاعر .. تتشح وشاح الصمت .. هي حتما حقيقه واقعه لكنه لا يريد الاعتراف من تكون .. ولا ان يخبرني قصتها
غيّر الموضوع سريعا .. فهو خبير بذلك :
" قولي لي انت .. اين اصبحت في روايتك المزعومه ؟! "
اجبت :
" روايتي المزعومه !! .. ارى انني لا اعجبك ؟! "
اجابني متوترا :
" لا .. لم اقصد ذلك .. كنت امزح معك والان قولي لي يا " شاعرة العرب " اين اصبحت في روايتك ؟!"
ضحكنا عاليا وسط المقهى المزدحم .. ويال الاحراج حين نظر بعضهم نحونا ..
تنحنت ورفعت عيناي نحو السقف خجلا ..اجبته بعد حملقتي الطويله في السكون :
" لا ادري .. اظن اني اهيم على غير هدى في هذه الروايه .."
" لماذا ؟!" تسائل
-" لانها .. لانني . . لا ادري .. ربما لم اجد طريقي للحبكه بعد"
_" لكنني واثق بانك ستهتدين لذلك الطريق عمّا قريب "
_" ان شاء الله "
_" ان شاء الله "
***************
أنا فتاة لا زلت في الثامنة عشر من عمري وأعي تماما أن مشواري الأدبي طويل وشاق .. هذه أول محاولة روائية لي أضعها بين أيديكم .. لنقدكم .. ملاحظاتكم ونصائحكم .. سوف أضعها هنا كحلقات ... أرجو تثبيتها وأرجو أن تنال انتباهكم ..
وطن عثمان
الحلقة الأولى
وحدي بين جدران أحزاني .. وسط طيات ظلامي .. أطرق بوابات وحشتي .. أمسح الغبار عن رفوف الذكريات المكدسه فوق سرير الماضي . جلست هناك أتجرع كؤوس الألم ..
الجميع حولي ولا أجد أحدا ..
أحلامي ..! مجرد شائبة في طريق تغطرسهم ؛ فأنا مجرد حجر نرد على رقعة أيامهم ، يلوحون بي في الهواء ، ومن ثم يلقونني على الطاولة الصلبة ، فأرتد معلنة نصرهم من جديد .
أنا مجرد جندي أعزل في ساحة الحرب على رقعة شطرنج ، أتنقل بين المربعات الوهمية ، فتارة أجلس على مربع أبيض بلون صمتي الأبدي، وأخرى على مربع بلون حزني الأسود العميق .. وعبثا تذهب محاولاتي هباءً في اختراق حصونهم ، والجلوس في ربى حنانهم .
يا إلهي .. ما هذا الجدار المنيع الذي نصبوه على أعتابي ، لا أستطيع له نبشا ولا اختراقا ..
جلست على سريري مرة أخرى .. ألملم بقايا جروحي النازفة .. وأشلاء عباراتي ودموعي الحارة .. هذه ليست أول مره أتشح فيها معطف صمتي ولن تكون آخر مره أتكفن فيها بلوني الأبيض ..
فهذا اللون له بصمة متجذرة في تاريخي .. ماضيّ .. وحاضري !
فهو لون صمتي .. لون حزني .. لون فرحي .. لون أملي .. ولون ألمي ..وسيكون لون كفني عند موتي !
أتذكر طفولتي ، وأذرف الآهات على الماضي ، كنت هناك بين ربوع البراءة..ألعب بدميتي أنا وصديقاتي وعندما تلوح الشمس في كبد السماء يحين موعد حفل الشاي نحتسي الشاي من الأكواب الفارغة...ونوزع الحلوى الوهمية وعندما كنا نتنازع على دمية معينه كنّا نغضب ونبكي ولكننا نعود لنقبّل بعضنا بعضا ونكمل مشوار اللعب الأبدي كما كان يتراءى لنا في ذاك الوقت .
كبرت...
وتبيّن أن هذه السعادة الأبدية زائلة ، وأن البراءة أصحبت لونا من ألوان الماضي... نعم استمرت معاركنا ، ولكننا لم نعد لنقبّل بعضنا البعض ولم نعد نصفح عن زلاّت احدانا الأخرى فمتلأ الحقد أفئدتنا وأرواحنا وأصبحت الصداقة جوفاء بلا معنى .. أصبحنا نحتسي كؤوس الشاي المليئة بطعم اللؤم والحسد
حينها أدركت أن الحياة تغيرت وأن دنياي انقلبت رأسا على عقب ....
كنت في الصف الثامن حينما انضممت إلى صفوف المراهقين واعتليت مسرح الحياة الشاهق المخيف ... بدأت أرى أناسا يعتلون مقدمة المسرح تغمرهم الأضواء الساطعة وآخرين قابعين وراء الكواليس المظلمة ....لكنهم يحرّكون الحياه ...لم أدر ما هو دوري على هذا المسرح الرحب فعمدت فترة جلست فيها على مقاعد المراقبة والتفرج من بعيد بذلك كنت أتعلم درسا فى البشرية الغامضة كغموض الشتاء بالخريف ... فولجت عالما جديدا .. عالما مليئا بالمشاحنات والمصاعب ...
في المدرسه كنت مثال الطالبة المجدة المجتهدة في دروسها المحافظة على أخلاقها ومبادئها فكنت دائما الأولى في صفي أحصل على أعلى الدرجات وعلى أعظم تقدير من المدرسين والطلبة ...ولكن البيت كان قصة أخرى منبع الظلام في حياتي مركز الصراخ والمشاكل
عندما نضجت ... أبي تغيّر لم يعد يدللني ..يأخذني معه في مشاويره ولا يجلب لي الهدايا
أمي ...دائمة الصراخ في وجهي لا يعجبها مني خيرا كان أم شرا تهزأ بي وتقلل من قدري أمام الجميع
بدات رحلتي مع الأدب ... أدمنت المطالعة وقراءة الكتب والروايات ومن ثم كتابة الخواطر والأشعار القصيرة.. شجعني مدرس اللغه العربيه في مدرستي الاعدادية ومعلمون أخرون دعموني عمليا ومعنويا ، وحينما كنت أحدّث أهلي عن انتصارتي الابداعية تبدأ مسيرة الاستهتار، فتقول أمي بضحكتها الساخرة :
-"لتكوني مفكرة حالك فدوى طوقان ؟!" .
ويجيبها أخي :"لع .. لع بدنا انحطها أمير الشعراء بدل أحمد شوقي"
وكعادتي أجر أذيال الحزن المدقع وأدخل شرنقتي وأغلق على نفسي الباب ..فأسرد حكايا أيامي لدفتر مذكراتي المهترىء فقد كان ملاذ نفسي الوحيد وملجئي من حلكة الضياع !
نقاط متطايرة هنا وهناك وكأنها عبارات لا تنتهي.. كلمات تخنقها العبرة وسط زحمة المشاعر المتدفقة على ورقة بيضاء أبطال من ورق...وأحلام من رصاص تملأ تلك الصفحات بالحياة الكامنة وراء روح الكلمات...
وعندما أفرغ شحنات نفسي المكهربة أستسلم لمارد النعاس وأدخل عالم الأحلام الوردية ...
وفي ذات صباح استيقظت على صوت يرعد الفضاء ويشق صمت السكون "اغيثوا أخوانكم في الضفة وغزة ..اغيثوهم يا مسلمين" تحركت مشاعر الأخوة القابعه في قلبي ... وهويتي المبهمة بدأت تضح أمام عيني !
"فداك فلسطين "صرخت بأعلى صوتي.. لم أستطع إخماد ذاك الحماس الثوري المشتعل بفؤادي ...وذاك البركان المنفجر من روحي علّقت صوري انتمائي على جدران الغرفة البيضاء ..وذهبت إلى المدرسة وقد غنمت بالعدد الوفير من الأشعار الحماسية الخارجة من صميم القلب
.........
اعترتني تلك النظره المبهمه حينما دخلت غرفتي ...فقد رايتها تجردت من صوري المعلقه .... تجردت من ذاك البركان المنفجر ركضت مهرولة نحو المطبخ :
-"يما..يما مين الي شال الصور من على الحيطان؟!"
اجابت بغضب لم اجد له معنى في البدايه :
-"انا الي قمتهن شو انت مش لاقيتيلك شغله ... انت بدك تحبسينا"
-"بس..بس.."
-"مبسش اشي!!"
غصت داخل اعماق صمتي المعتاد ..عدت نحو غرفتي مع كل الوان الخيبة والاسى التي ملأت مهجتي حتى مبادئي اصبحت محرمه...كبت اشعاري وشعاراتي داخل روحي المضطربه ... ونفسي المشتعله ...
بدات رحلتي الصامته مع الوطن...فقد خططت اسمه بحبر سري على ذاكرة ايامي ..وواعدته سرا داخل قصور احلامي ...على مقاعد الهذيان جلست اجترع كؤوس حبّه ...هو الاول الذي لن يكون له ثانٍ هو دقة قلب محموم بحبه...هو همسه نفس شغوفه للقيا ترابه...هو عرق يوم وعبق زيتون هكذا كانت علاقتي بالوطن ...علاقة محرّمه بين ناقوس زمانٍ احياه سترتها بخرق الصمت الباليه ...
كتبت كلمات شعاراتي على قصاصات خبأتها في اقصى الدرج المنزوي واحكمت الاقفال عليها
ومع كل فجر جديد القاه كانت نفسي تزداد تعلقا بهذا الوطن ...بحجارته المفتته المتبعثره في ارجائه .. بلبناته المعتقه التي عددتها لبنه لبنه ...بتشعباته وتعرجاته ... بقلاعه الشامخه ببقايا بيوته المهدمه ... وبمخيماته المتناثره...
***************************************
"هل تعتقد بوجود يوتوبيا؟!"
سالته من جوف حيرتي وهو يطفئ عقب سجارته التي كان ينفث دخانها قبل قليل في منفضة السجائر الموضوعه على المنضده.. نظر الي بتعجب واجابني بعد هنينهات طويله :
"دائما تفاجئني تساؤلاتك ولا تخطر لي على بال "
تجاهلت تعليقه واردفت :
" ولكن .. احقا لها وجود ؟! "
اجاب:
" لا اظن ذلك .. فان هذه المدينه الفاضله من اختلاق مخيلة افلاطون .. ولكن لم هذا السؤال المفاجئ؟!"
قلت بتردد :
" اظن انها لو كانت حقيقه لكنت انضممت الى سكانها منذ زمن بعيد بلا تردد .."
وغصت مرة اخرى داخل اعماق حيرتي .. وعندما افقت من نفسي رايته يرقبني بنظراته الثاقبه فاعتلت الحمرة خداي .. اشاح نظره نحو زجاج النافذه وقد كان رذاذ المطر يتساقط في الخارج .. وغارت عينا ه فيما وراء الافق ..
كسرت حاجز السكون :
" لقد انهيت قراءة روايتك .. اخيرا "_
_" احقا ؟" اجاب واردف .. " وما رايك بها ؟!"
اجبته بعد اطراق طويل :
" اظن ان الغموض اكتنفها حتى عندما اتضحت معالم البطله .. وكانك تريد اخفاء بعض الاعترافات وراء الكلمات المترادفه المتراصه !"
علامة تعجب علت جبهته العريضه .. اجابني ضاحكا بصياغة الاستغراب :
" ولما ظننت ذلك ؟!!"
-" لا ادري .. ربما لانك اكثرت من التعبير " ارتدت وشاح صمتها الطويل !" "
نعم ..! فان هذا التعبير هو احد ابطال الورق لديه ..
اجابني ساخرا .. ضاحكا .. مدهوشا ..
" اظن انك خاطئه يا عزيزتي "
لكني علمت في اعماقي ان هذه البطله الخفيه .. ان هذه التي لا تخرج الا في ليالي الاشتياق على حواف ارصفة المشاعر .. تتشح وشاح الصمت .. هي حتما حقيقه واقعه لكنه لا يريد الاعتراف من تكون .. ولا ان يخبرني قصتها
غيّر الموضوع سريعا .. فهو خبير بذلك :
" قولي لي انت .. اين اصبحت في روايتك المزعومه ؟! "
اجبت :
" روايتي المزعومه !! .. ارى انني لا اعجبك ؟! "
اجابني متوترا :
" لا .. لم اقصد ذلك .. كنت امزح معك والان قولي لي يا " شاعرة العرب " اين اصبحت في روايتك ؟!"
ضحكنا عاليا وسط المقهى المزدحم .. ويال الاحراج حين نظر بعضهم نحونا ..
تنحنت ورفعت عيناي نحو السقف خجلا ..اجبته بعد حملقتي الطويله في السكون :
" لا ادري .. اظن اني اهيم على غير هدى في هذه الروايه .."
" لماذا ؟!" تسائل
-" لانها .. لانني . . لا ادري .. ربما لم اجد طريقي للحبكه بعد"
_" لكنني واثق بانك ستهتدين لذلك الطريق عمّا قريب "
_" ان شاء الله "
_" ان شاء الله "
***************
تعليق