الحداثة وعولمة الأدب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • علي المتقي
    عضو الملتقى
    • 10-01-2009
    • 602

    الحداثة وعولمة الأدب

    [align=justify]الحداثة وعولمة الأدب




    مصطلحان متداولان في صحافتنا و ثقافتنا وحياتنا المعاصرة هما مصطلحا الحداثة و العولمة. وبتداولهما صارا معروفين ومألوفين في الأوساط الثقافية وشبه الثقافية. لكن هذه الألفة زادت من غموضهما إذ يستعملان بكثرة من طرف الجميع دون معرفة علمية صحيحة ودقيقة بهما. هكذا يتحدث الكل عن تحديث المجتمع وتحديث الاقتصاد و تحديث الوسائل و الأدب الحديث وحداثة العصر. لكن هذه الاستعمالات لا تكون دائما صحيحة وواضحة في أذهان مستعمليها ومتلقيها. فهل الحداثة هي استهلاك مختلف منتجات العصر والانخراط في صلب المغريات الإشهارية؟ هل الحداثة هي التقبل السلبي و الاستهلاكي للأنماط الثقافية المعاصرة؟
    ما قيل عن الحداثة يقال عن العولمة فقد انتشر المفهوم وصار من الاتساع والانتشار إلى درجة البحث عنه في التراث والدين بله الاقتصاد والثقافة و نمط الحياة .إلا أن ما تجب معرفته هو أن هذين المصطلحين العنكبوتين مرتبطان بخلفيات فلسفية وأيديولوجية قبل أن يغزوا مختلف الحقول و المجالات الحياتية. وقد يكونان معا وجهان لعملة واحدة وجهها الأول هو الحداثة الذي هيمن في القرنين التاسع عشر والعشرين، والوجه الثاني هو العولمة مفهوم القرن الواحد والعشرين. هذه العملة هي هيمنة الفكر الغربي اللبرالي على مختلف القيم والأفكار القومية والقطرية الأخرى، واعتباره الفكر الإنساني العالمي المتحضر الذي يجب أن يسود لكى يعيش العالم في أمن واستقرار وحرية وديموقراطية ورفاهية. فهما معا أي الحداثة والعولمة من إنتاج فكر مركزي واحد هو الفكر الغربي اللبرالي ولن يقبل بنا هذا الفكر كجزء من العالم إلا إذا كنا حداثيين بالمفهوم الغربي للحداثة. (فماذا يقصد بالحداثة وما علاقتها بعولمة الأدب. وكيف يمكن للأدب أن يكون عالميا لا تحده الحواجز الجمركية القطرية والقومية والحضارية.
    يقول يوسف الخال :"ما الحداثة زيا أو شكلا خارجيا مستوردا، وإنما هي نتاج عقلية حديثة تبدلت نظرتها إلى الأشياء تبدلا جذريا وحقيقيا انعكس في تعبير جديد." من هذا القول يتضح أن الحداثة كما فهمت نظريا في الفكر العربي لم تكن حداثة شعرية فحسب ولكنها حداثة عقل تغيرت نظرته إلى الوجود تغيرا جذريا. وحينما نقول التغير الجذري نقصد بذلك أساسا طريقة التفكير. وبتغير طريقة التفكير تتغير المسلمات والأدوات وبالتالي النتائج التي يمكن أن نصل إليها. ولأن العقل هو مصدر المعرفة فمن الطبيعي أن يلحق التغيير الجذري مختلف مجالاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية. و لأننا في حقل الأدب فسنقتصر على الحداثة في مجال الأدب وبشكل خاص مجال الشعر.
    لقد كان "تجمع شعر" من نادى في الثقافة العربية بحداثة الأدب وعولمته. وأقصد بالعولمة هنا أن يكون أدبنا عالمي الصفة، يعترف به الآخر و يراه جزءا من الآداب العالمية، فيتأثر به ويؤثر فيه . ويتكون هذا التجمع من مجموعة من الشعراء درست في الغرب وتشبعت بقيمه و أفكاره وعادت إلى لبنان وهاجسها الملح منذ الخمسينيات من القرن الماضي تحديث الشعر العربي والارتقاء به إلى مستوى العالمية المتحققة في آداب الغرب اللبرالي" ذي القيم العالمية الشمولية". إذن فهذه المجموعة ترى في الآداب الغربية آدابا عالمية على العكس من الآداب العربية التي ترى فيها آدابا قطرية قومية شوفينية ومتخلفة. ولن يكون أدبنا أدبيا عالميا إلا إذا تجاوز قطريته وإقليميته وشوفينيته وانخرط في القيم نفسها أي قيم الآداب الغربية اللبرالية.هل يعني هذا أن نعبر عن مشاكل الآخر و قيم الآخر وننسى مشاكلنا ؟ ألا يعني هذا تبعية وطمسا للهوية وارتماء في أحضان الآخر كما تصورت ذلك الاتجاهات القومية العربية والإسلامية.
    يرى تجمع شعر أن الانفتاح على الآداب الغربية ليس مجرد ارتماء تبعي في أحضان الحضارة الغربية وتجريب لتقنياتها الثقافية الشعرية كما تصور ذلك الوعي القومي العربي. فهذه القيم ليست قيما غربية و إنما هي قيم عالمية كونية ساهم الشرق و الغرب في بنائها. فقد أسسها الشرق وطورها الغرب " ففي الأصل لا غرب لا شرق، يقول أدونيس، في الأصل الإنسان سائلا باحثا. بدأ السؤال والبحث وجودا أو مصيرا في حوض المتوسط الشرقي ومن ضمنه سومر/ بابل، ثم أصبح نظاما فكريا ومشروع أجوبة متكاملة في أثينا ".، وما الغرب الحضاري إلا امتداد تاريخي لهذه الثقافة. " وبالانخراط فيها، نتجاوز التناقض بين كوننا شكلا في العالم الحديث، وبين كوننا جوهرا في خارجه".
    وبذلك فالثنائية الحضارية القائمة على التعارض بين الشرق والغرب كما يتصورها الفكر القومي العربي، من منظور تجمع شعر فكرة خاطئة، وثمرة من ثمرات المرحلة الاستعمارية، ونتيجة حتمية لعزلتنا عن العالم، وعدم المساهمة معه في حل مشاكله. بل أكثر من هذا ترى هذه الحركة في الإبداعات الغربية العظيمة رفضا لتقنية الغرب، وتجاوزا للثنائية الحضارية الوهمية. فأهم خصائصها وسماتها ذات أصول شرقية، كالنبوة والرؤيا والحلم والسحر والتخييل والباطن والميتافيزيقا والانخطاف والإشراق والشطح والكشف.
    الآداب الغربية إذن ذات أصول شرقية امتدت إلى الغرب فتطورت هناك، ثم آن الأوان لتعود مرة أخرى إلينا لنساهم في تطويرها. فما هي هذه القيم الكونية، و كيف يجب أن يكون أدبنا لكي يصبح جزءا من الآداب العالمية، ويندرج ضمن العولمة الأدبية التي تؤمن بأدب إنساني مطلق دون صفة تميزه وتمنحه قطريته أو قوميته.
    استمدت هذه القيم الشعرية الكونية من الأسس الفلسفية الوجودية الآتية.
    1 : ارتباط الحقيقة بالتجربة الفردية المعيشة.
    2 : الإنسان محور هذه التجربة وموضوعها الوحيد.
    3 : رفض العقل بوصفه أساس الحقيقة ومصدرها.
    4 : أسبقية الوجود على الماهية .
    هذه الأسس الأربعة هي الخلفية الفلسفية للحداثة الشعرية العربية فقد انتقل بها تجمع شعر من إطارها الفلسفي العام إلى الحقل الأدبي الشعري الخاص، ووضع له أسسا كبرى مشابهة حددها أدونيس على الشكل الآتي:
    أ ـ ارتباط الشعر بالحياة، والحياة لا تعرف التوقف أو التكرار أو العودة إلى الخلف. إنها حركة في اتجاه المستقبل، وطبيعي أن يكون الشعر كما الحياة التي يرتبط بها ويتولد عن تجاربها متحركا ومتجددا ومبتكرا باستمرار. أو كما قال يوسف الخال: "التعبير عن التجربة الحياتية على حقيقتها كما يعيها الشاعر بجميع كيانه، أو بعقله وقلبه معا". فالشعر وسيلة لمعرفة من نوع ما: معرفة الإنسان لذاته، واختباره لحياته اختبارا حيا وحقيقيا. هذه المعرفة الذاتية والاختبار الحقيقي وحدهما يسمحان للشاعر بوصفه إنسانا أن يحيا حياته الخاصة به لا حياة من سبقه. إن التجربة هي كل ما يتملك الإنسان من أحاسيس وعواطف ومشاعر وأفكار في صراعه مع رتابة الحياة وميكانيكيتها. أما التجربة الشعرية، فهي القدرة على نقل هذه الأحاسيس والمشاعر والأفكار إلى مستوى المطلق. إنها" تجربة كيانية يدخل فيها الشاعر باب الخلود" ، وذلك بكشف النقاب عما يقلقه بوصفه إنسانا لا بوصفه فردا يعيش في زمان ومكان محددين. ومصدر هذه الأحاسيس والمشاعر هو وضعية الإنسان الوجودية، إذ يوجد بين عالمين: عالم مزيف يعيش فيه ولا ينتمي إليه، وعالم حقيقي ينتمي إليه لكن لا يصل إليه. ومهمة الشاعر اكتشاف هذا الوجود الحق، فتتولد لديه مشاعر الفرح، فرح الكشف والنفاذ إلى عالم الغيب الكامن وراء المرئيات، كما تتولد لديه مشاعر القلق لأنه لا يستطيع اللحاق به. وكل شعر لا يعبر عن هذه الأحاسيس، في نظر تجمع شعر، لا يعتبر شعرا حديثا..
    هذا التصور لمفهوم الشعر وطبيعته سينتج عنه بالضرورة تصور جديد لوظيفته، فالتركيز على التجربة الشخصانية المعيشة سيحرر الشاعر من أي التزام اجتماعي، فمهمة الأديب أن يصغي إلى صوت الحياة الحي، أن يشهد للخير ولكل ما هو حق وجميل. ذلك أن غاية الفن القصوى هي خلق صورة للإنسان تكون أعظم من الإنسان، وأن يسعى نحو ما يسميه نيتشه "بالإنسان الأعلى". ولا يختلف رأي يوسف الخال ومن معه عن هذا الرأي، إذ يرى أن شعارات القومية والثورة والاستقلال والكرامة صارت معبودا حقيقيا نحلل من أجله كل حرام، فنضطهد الإنسان ونسلبه حريته واعدينه بأننا إنما نعمل ذلك لبناء مستقبل أفضل".
    إن الإنسان في ألمه وفرحه، خطيئته وتوبته، حريته وعبوديته، حضارته وعظمته، حياته وموته، هو الموضوع الأول والأخير للشعر. وكل تجربة لا يتوسطها الإنسان المعاصر بوصفه إنسانا هي تجربة سخيفة مصطنعة لا يأبه لها الشاعر الخالد العظيم.
    ب ـ إن هذه الحياة فيها ما هو عام ومشترك بين الناس جميعا، أي ما هو غريزي ووراثي ومرتبط بجنس الإنسان بوصفه إنسانا. وفيها ما هو ذاتي خاص، أي التجربة الشخصانية، وتتعدد هذه التجارب بتعدد الأفراد. ولن يكون الشعر ذا قيمة معرفية وجمالية إبداعية عالمية إلا إذا ارتبط وعبر عن الخفي والمجهول والشخصي في التجربة الإنسانية المعيشة في غناها وتعددها.
    ج ـ في كل تجربة حياتية ما هو جوهري وإنساني وخالد، وما هو ظرفي وحادث. والشعر لا يرتبط إلا بالكوني والإنساني، أما الظرفي، فلحظي ومؤقت ومحصور في الزمان والمكان والمناسبة. وبذلك يرتبط الشعر بالتجربة الحية المعيشة الفردانية الجوهرية الخالدة والكونية.
    د ـ بقدر ما تتعدد التجارب الإنسانية بقدر ما تتعدد الأشكال التي تتجلى فيها. فالشعرـ كما الحياة في أشكالها التجريبية المعيشة ـ غير قابل للتقنين أو العلمنة أوالنموذجية. ذلك أن الشكل الشعري هو أولا كيفية وجود أي بناء فني، وهو ثانيا كيفية تعبير أي طريقة .
    هذه الأسس الأربعة بنيت على أنقاض مبادئ وأسس موروثة تم تجاوزها وتخطيها. فالأساس الأول تمرد على العقلية التقليدية التي تجد مثلها الأعلى في الماضي المكتمل والمطلق. فالقصيدة العمودية ذات شكل واحد لا يتغير، وظيفتها التأثير في النفوس غزلا كانت أم مدحا أم رثاء أم هجاء، ولغتها " لغة ذوق عام وقواعد نحوية وبيانية" .
    والأساس الثاني تمرد على المتداول والمألوف والمشترك. فالحقيقة لا توجد خارج الإنسان الذي يعيشها، وليست واحدة مطلقة. إنها متعددة بتعدد الأشخاص تولد معهم وتتطور بتطورهم وتنتهي بانتهائهم. من هذا المنطلق، يرى أدونيس أن الخضوع للثقافة الموروثة والجماعية بمرتكزاتها المطلقة "طاعة لا حرية، وتلق لا اكتشاف".
    والأساس الثالث تمرد على شعر الوقائع والمناسبات، إذ " هناك تنافر بين الحادثة والشعر"، وتمرد على الجزئية والواقعة.
    والأساس الرابع تمرد على كل قالب شكلي جاهز تصب فيه المضامين، وعلى كل فصل تعسفي بين الشكل والمضمون. "فالقصيدة لغة غير منفصلة عما تقوله، ومضمون ليس منفصلا عن الكلمات التي تفصح عنه. فالشكل والمضمون وحدة في كل أثر شعري حقيقي، وهي وحدة انصهار أصيل".
    انطلاقا من هذه الأسس سيصبح الشعر عند الحداثيين: تساؤلا جذريا يستكشف اللغة الشعرية ويستقصيها، وافتتاح آفاق تجريبية جديدة في الممارسة الكتابية، وابتكار طرق للتعبير تكون في مستوى هذا التساؤل. وشرط هذا كله الصدور عن نظرة شخصية فريدة للإنسان والكون".
    يحدد أدونيس في هذا التعريف للشعر الحداثي الأسس الآتية:
    الشعر رؤيا: والرؤيا كما يراها أدونيس ذات بعدين: بعد روحي ميتافيزيقي، وبعد إنساني كوني. هي ذات بعد روحي ميتافيزيقي لأنها تصدر عن تجربة حية شخصية وفريدة في تفاعلها مع الواقع. فالشاعر الحداثي لا يعنى بالواقع الخارجي، وإنما يغيب الأحداث بتفتيتها وإعادة بنائها وفق معايير ذاتية شخصية خارجة أي نسق عقلاني منطقي. وبذلك، يمكن الكشف عن عالم يظل في حاجة إلى الكشف. وللوصول إلى هذا المستوى من العرفان ينبغي التشويش على الحواس وتعطيلها وتجاوز معايير المعرفة المشتركة، والاعتماد كليا على الحدس والتخييل في اكتشاف الخفي والمجهول. ولأن الشعر يستكشف المجهول، ويستطلع المستقبل، فقد قرن بالنبوة والكهانة والحلم، لأنها كالشعر تصدر عن حساسية ميتافيزيقية تحس الواقع الخارجي إحساسا كشفيا.
    أما البعد الإنساني الكوني فيتجسد في الارتقاء بالحدث الواقعي الجزئي إلى مستوى الإنساني الكلي، وذلك عبر تنقيحه من كل ما هو ظرفي وطارئ، وتحريره من قيود الزمان والمكان، والتركيز على الجوهري والخالد فيه، وتحويله إلى وجود رمزي صرف. من هنا ، فالشعر الحداثي يجمع بين الرؤيا الفردية المتميزة، وبين الموضوع الكوني الإنساني .
    والقول برؤياوية الشعر الحداثي ينتج عنه القول بلازمكانية الحداثة. فعلى مستوى المكان نفى أدونيس التعارض بين الشرق والغرب، " ففي الأصل ـ يقول أدونيس ـ لا غرب لا شرق، في الأصل، الإنسان سائلا باحثا. في هذا الإطار، وبهذا التصور، يجيز أدونيس للشعرية العربية أن تأخذ إبداعات الغرب الحضارية، لكن بخصوصيات شرقية. أما على مستوى الزمان، فيرى أدونيس أن الزمنية ليست إلا وهما من أوهام الحداثة. فالشعر لا يكتسب حداثته بالضرورة من مجرد زمنيته، وإنما الحداثة خصيصة تكمن في بنيته ذاتها.
    ولكي يتخلص الشاعر من الزمان والمكان والحادثة، يجب أن يتخلص من العقل وأدواته، أي من الرؤية ليرتقي بشعره إلى الرؤيا، إذ بالرؤيا يستطيع النفاذ إلى الحقيقة الباطنية، فيكشف عما تخبئه المرئيات من معان وأشكال، فيقتنصها ويكشف نقاب الحس عنها.
    يستلزم الشعر الحديث بوصفه رؤيا متميزة وفريدة للإنسان والكون، وبوصفه معرفة ذاتية مناقضة للمعرفة المشتركة، لغة خاصة متميزة وفريدة غير تلك التي تتوسلها المعرفة العقلية. فهذه الأخيرة أداة للتواصل. لذلك دعا الحداثيون إلى تفجير اللغة وهدم قوانينها المرجعية، وإعادة بنائها بناء خاصا تصبح معه غير مألوفة وغير متداولة.
    إن عملية تفجير اللغة عبر هدمها وإعادة بنائها تعيد لها بكارتها التي فقدتها بالتداول وكثرة الاستعمال، وتسمها بما اصطلح عليه النقد المعاصر بظاهرة الغموض. لكن هذا الغموض ليس معدما أو مجانيا، إنه غموض ماسي "فكل شاعر كبير بالضرورة غامض غموضا ماسيا" ، أي غموضا شفافا يجعل الشعر الجديد حمال أوجه، وقابلا لتأويلات وقراءات متعددة .
    ويرى أدونيس أن هذا الغموض ناتج عن سمو الكلمة على ذاتها، "فليست الكلمة في الشعر تقديما دقيقا أو عرضا محكما لفكرة أو موضوع ما، ولكنها رحم لخصب جديد. ثم إن اللغة ليست كيانا مطلقا، بل عليها أن تخضع لحقيقتنا التي نجهد للتعبير عنها تعبيرا كليا ". وحينما تصبح اللغة ذاتية وشخصية جدا، تصبح غامضة كالعالم الداخلي الذي يتجلى فيها، توحي أكثر مما تقول، وتزخر بأكثر مما تعد به. وتتم عملية الهدم والبناء على كل المستويات الإيقاعية والتركيبية والدلالية.
    إيقاعيـا: تخلت القصيدة الجديدة عن أن تكون تمارين في الوزن والقافية، وأن تصب في قوالب علمية صارمة. ذلك أن تحديد الشعر بالوزن والقافية في تصور أدونيس تحديد خارجي وسطحي مناقض للشعر. إنه تحديد للنظم لا للشعر. وقد اختار الشعر الحديث حرية الاختيار بدل الالتزام بالعروض الخليلي، اختيار الشكل الملائم للتجربة الإنسانية. وبذلك يتحول الإيقاع إلى دال نصي نابع من خصائص الكلمات الصوتية أو الموسيقية .
    تركيبيـا: فقدت علامات الترقيم وظيفتها في تقسيم النص إلى جمل نحوية ودلالية، وحلت محلها قوانين مرنة ترتبط بالانسجام الإيقاعي المتولد عن التجربة الشعرية.فجمال اللغة عند أدونيس يعود إلى نظام المفردات، وهو نظام لا يتحكم فيه النحو بل الانفعال والتجربة.
    دلاليـا: تفقد الكلمات في سياقها الشعري معانيها المعجمية لتشحن بمعان جديدة، كما تفقد الجمل معانيها العقلية المنطقية لتشحن بما لا يقبله التفكير المنطقي. فكما أن لغة الوحي ولغة الكهانة غامضة، وتحتاج دائما إلى وسيط يؤولها ويفكك شفراتها، فكذلك لغة الشعر، لا بد لها من قارئ مبدع قادر على قراءة صورها وتفكيك رموزها.
    كما رفضت الحداثة الرؤية والوزن والقافية واللغة المشتركة المتداولة، رفضت الأشكال التعبيرية الموروثة، لأنها أشكال قبلية تحد من حرية الشاعر وتخضعه للإنسان المعمم. والشاعر الحديث كما يرى أدونيس لا يريد أن يحيا حياة أي شاعر مهما بلغت من العظمة لأنه يريد أن يحيا حياته هو. وقبول الأشكال الموروثة يعني العيش في جلباب الأسلاف وأسبقية الماهية على الوجود، في حين أن الاتجاه الحداثي يرى العكس تماما. فالقصيدة الحداثية لا ماهية لها قبل تشكلها، أو كما قال أدونيس: "القصيدة الحديثة لا تسكن أي شكل، وهي جاهدة أبدا في الهرب من كل أنواع الانحباس في أوزان وإيقاعات محددة بحيث يتاح لها أن تكشف بشكل أشمل عن الإحساس بتموج العالم والإنسان الذي لا يدرك إدراكا كليا ونهائيا". انطلاقا من هذا التصور، انتقل الشعر من البيت العمودي المبني على منوال الخيمة العربية، إلى أشكال جديدة أهمها قصيدة النثر. فما هي خصائص هذه الأشكال الجديدة.
    الحداثة ومفهوم قصيدة النثر: ظهر هذا المصطلح في مجلة شعر سنة 1960 للدلالة على شكل تعبيري جديد انتهت إليه الكثير من الأشكال التجريبية التي جربها جيل النصف الأول من القرن العشرين، كالنثر الشعري والشعر المنثور والشعر الحر. ويعد في مرحلته بمثابة الثورة الأخيرة على عمود الشعر العربي في بعده الإيقاعي خاصة. و أهم خصائصه:
    أ ـ الوحدة العضوية، فقصيدة النثر بناء يصدر عن إرادة واعية، وليس مجرد مادة متراكمة تراكما غفلا، إنها كل غير قابل للتجزيء أو الحذف أو التقديم أو التأخير بين مكوناته.
    ب ـ المجانية: فهذا الشكل، شكل جديد لا علاقة له بكل أشكال الكتابة المعروفة من نثر وشعر، ورواية ومسرحية، حتى ولو وظف تقنيات هذه الأشكال، فهو شكل جديد لا غاية له خارج عالمه المغلق، أي، أنه مجاني ولا زماني .
    ج ـ الكثافـة: يبتعد هذا الشكل الجديد عن كل خصائص النثر من استطراد وإيضاح وشرح وإطناب، وتكمن خاصيته الشعرية في كثافته وإشراقه، وبعبارة أدونيس انه " كتلة مشعة مثقلة بلا نهاية من الإيحاءات قادرة على أن تهز كياننا في أعماقه، إنها عالم من العلائق" ويمكن أن نميز فيها بين نوعين: القصيدة الدائرية والقصيدة الإشراقية.
    عن الأولى يقول أدونيس:" أما قصيدة النثر فذات شكل قبل أي شيء، ذات وحدة مغلقة، هي دائرة أو شبه دائرة لا خط مستقيم، هي مجموعة علائق تنتظم في شبكة كثيفة ذات تقنية محددة وبناء تركيبي موحد منتظم الأجزاء متوازن، تهيمن عليه إرادة الوعي التي تراقب التجربة الشعرية وتقودها وتوجهها، إن قصيدة النثر تتبلور قبل أن تكون نثرا، أي أنها وحدة عضوية وكثافة وتوتر قبل أن تكون جملا وكلمات.".
    واضح من هذا القول حضور الشكل والنظام في قصيدة النثر كما نظر لها أدونيس، فهي ذات بنية دائرية، وهذه البنية تنبني أساسا على التكرار بمختلف أشكاله وأنواعه.مثل :
    ـ إعادة اللازمة عبر مسافات منتظمة لجعل الثابت محسوسا.
    ـ تكرار بداية الجملة في النهاية لإغلاق القصيدة وتدويرها .
    ـ تكرار الكلمات والانطباعات لاسيما في بداية المقاطع أو نهايتها.
    ـ تكرار الأصوات.
    وتستمد قصيدة النثر عند أدونيس إيقاعها من طريقة بناء الجملة،" وهو إيقاع متنوع يتجلى في التوازي والتكرار والنبرة والصوت وحروف المد وتزاوج الحروف وغيرها ". وبذلك تفرض على النثر هيكلا منظما، وتدخل الحياة والزمن في أشكال دائرية.
    أما النوع الثاني أي القصيدة الإشراقية فتتمرد على كل القوانين لتتجه كلية نحو الأشكال الأكثر فوضوية، والأقل قياسية، وبذلك يقطع الشعر أي علاقة له بوظيفة الاتصال بين الشاعر والقارئ ليصبح آلة جهنمية يرفعها الفرد ضد الكون والثقافة والعقل وآلياته من أجل بناء عالم آخر أكثر بريقا وأشد صفاء.
    فالشاعر الإشراقي يأخذ على كاهله العناصر الخام والساكنة التي يحملها إليه اللاوعي وتشويش الحواس، فيتضمنها في نظام متصل بالبنية الداخلية لعالم الكلمات، وبهذا النظام يصبح موقف الشاعر تجاه اللغة والحلم اتجاها إيجابيا وخلاقا، إنه يهدم ويزرع الفوضى في كل ما هو مشترك وعام، وفي الآن نفسه يعزز سلطة الفرد الساخطة وتنظيمه الجديد للكون. وبذلك تكون الفوضى هي النظام الذي يود إقامته على نظام الأشياء القائمة ليتولد عنها شكل أدبي لا اجتماعي جديد .
    وإذا كانت القصيدة الدائرية تسيطر على الزمن بصبه في أشكال دائرية، فإن القصيدة الفوضوية الإشراقية تتغيا بلوغ اللازمنية بنفي الزمن والتحرر منه وذلك بالقفز على المقولات الزمنية لتحقيق الاندفاع اللاشعوري اللانهائي. وذلك إما بإلغاء المقولات الزمنية لتصبح القصيدة بمعزل عن الزمان والمكان، أو بتقليص الديمومة واحتضان القرون في نظرة واحدة. وكما يتقلص الزمن تتقلص المسافات فتقترب الأشياء المتباينة والمتباعدة في ما بينها، وتنتفي المفاهيم المنطقية المرتبطة بمفهومي الزمان والمكان، وبذلك يتولد الحدس بعالم آخر غريب ومتوهج يسيطر فيه الإنسان على المادة بدلا من أن يخضع لها.
    إن نفي الزمان والمكان وما يرتبط بهما من مفاهيم منطقية ينتج عنه بالضرورة هدم الأسلوب والترتيب الفني وتسلسل الأفكار وترابطها لتمنح الأولوية للكلمة بشكل عام، وللاسم منها شكل خاص، لأنه دلالة على الشيء وإيحاء له في جوهره اللازمني. كما تتمتع الكلمة بكينونتها المستقلة التي لا تذعن لمنطق النحو، إذ " لم تعد تندرج في تنظيم الجملة لكي يعبر فيها المعنى كما يعبر التيار في سلك كهربائي، فإذا هي تلمع ببريقها الخاص الكوكبي المنعزل" .
    وعلى الرغم من أن النثر لا يسمح بهذه العزلة والاستقلالية للكلمة، فإن أدوات الترقيم ( خطوط صغيرة وبياض وتعيين الكلمات ونقط التعجب ...) وسائل تفصل الكلمات عن السياق وتطبعها بنوع من الدلالة الخاصة إلى جانب دلالتها السياقية في الجملة. يضاف إلى ذلك تفكيك الجمل، والعطف، والتكرار الذي يؤدي إلى نفس الأثر. إلا أن التنظيم الشعري الحاضر بالقوة في قصيدة النثر يخلق ترابطا خاصا بين الكلمات وفق قوانين كونية خاصة بكل قصيدة يحكمها منطق داخلي خاص.
    يقول أدونيس" إني لا أبحث عن الواقع الآخر، لكن أغيب خارج الواقع في الخيال والحلم والرؤيا. إنني استعين بالخيال والحلم والرؤيا لكي أعانق وأخفي الآخر، ولا أعانقه إلا بهاجس تغيير الواقع وتغيير الحياة ".
    بهذا التصور ، أي نفي الزمان و المكان والمناسبة والحادثة والجزئية والظرفية والإقليمية والوطنية والعقدية ، يمكن للشعر العربي أن ينخرط في الشعر العالمي ليصبح شعرا وحسب مرتبطا بشاعر يقتسم مملكته مع باقي الشعراء لا مع باقي مواطنيه وبذلك تتحقق عولمة الأدب كما تحققت عولمة الاقتصاد.

    [/align]
    [frame="1 98"][align=center]أحبتي : أخاف من كل الناس ، وأنتم لا أخافكم، فالمجيئ إليكم متعه، والبحث عنكم فتنة ولذه، ولقاؤكم فرحة تعاش ولا تقال.[/align][/frame]
    مدونتي ترحب بمن يطرق أبوابها:
    http://moutaki.jeeran.com/
  • الهام ملهبي
    عضو الملتقى
    • 04-11-2008
    • 113

    #2
    [align=center]الأخ علي المتقي
    أود أن أشكرك على فتح نقاش قيم كهذا،
    كما أود أن أدلي ببعض أفكاري في الموضوع..

    1) إن النقاش الدائر حول الحداثة و الأدب في العالم العربي اتخذ مناحي عدة منذ منتصف القرن العشرين، و يمكن أن تكون طروحات أدونيس في هذا المجال هي أكبر مرجع يمكن اللجوء إليه . أيضا الشاعر يوسف الخال كان من المؤسسين لهذا النقاش عبر مجلة "شعر" التي لعبت دورا مهما في تلك المرحلة. غير أن المسألة التي تطرح نفسها اليوم بحدة هي مدى حداثة مجتمعاتنا . لا يمكن الحديث عن تحديث الأدب في معزل عن تحديث المجتمع. لأنه إن كان الكاتب يمثل النخبة فالمتلقي ليس دائما كذلك.
    الشعر موجه للنخبة أما الرواية و القصة ف – نسبيا- لا .
    لا يمكن لمتلق غير "حداثي" أن يتقبل أدبا حداثيا.

    2 ) و إن كنت أتفق شموليا مع مسألة تحديث الأدب ، فإني يمكن أن أهمس بيني و بين نفسي أسئلة أخرى : إلى أي حد يمكن أن تحضر عند الشاعر مسألة الحداثة و هو يكتب قصيدة؟
    أعتقد أنها تكون غائبة تماما . إن القصيدة حالة تصيب الشاعر و يبحث لها عن صيغتها اللغوية ، أحيانا يفشل و يكتب قصيدة رديئة ، أحيانا تعبر الحالة عن نفسها بجدارة و تميز ، أحيانا تفلت منه قبل أن يجد لها الصيغة اللغوية الملائمة... ، قد تسكن القصيدة الشاعر لأيام ، و قد تصيبه فجأة مثل سهم ، و قد تزوره في الحلم و يستيقظ مشبعا بالشعر مترنحا به. إذن ، و هو يعيش مثل هذه الحالة ، إلى أي مدى يمكن أن يستحضر الأسئلة الفكرية حول الشعر الحديث و القصيدة العالمية ، أعتقدها تحضر بشكل ضئيل.
    المطلوب ، إذن، هو أن يكون للشاعر ثقافة كونية ، حداثية ، شمولية ، حتى إذا نبعت القصيدة من داخله لا تحمل تناقضا فكريا.

    3) أما عن مسألة شكل القصيدة ، فأعتقد أن من لا زال يطرح الأسئلة حول مشروعية قصيدة النثر ، إنما هو شخص يدعو إلى خطو الخطوات إلى الوراء. إن الحفاظ على الثراث لا يعني البقاء بجانبه ، و إنما يعني الاستفادة منه ، و التشرب من كل ينابيعه ، دون التخلي عن الجسارة و الجرأة في الدفع بالبصر إلى الأمام و الخطو نحو المستقبل.

    شكرا مرة أخرى ، و دمت بألف خير.

    [/align]
    التعديل الأخير تم بواسطة الهام ملهبي; الساعة 21-01-2009, 14:19.
    [SIZE="5"][B][COLOR="Red"][CENTER]واصل معي يا صاحبي
    لا زال في القلب شيء يستحق الانتباه[/CENTER][/COLOR][/B][/SIZE]

    تعليق

    • علي المتقي
      عضو الملتقى
      • 10-01-2009
      • 602

      #3
      [align=justify]الأديبة المحترمة الأخت إلهام ملهبي : اشكرك على اهتمامك بالموضوع ، وعلى الأسئلة الملحة التي أثارت وما زالت تثير نقاشا منذ ظهور الحداثة وإلى اليوم .
      فيما يخص حداثة الأدب وحداثة المجتمع ، بالتأكيد هناك علاقة جدلية بين الأدب و المجتمع فالمجتمع الحداثي قد ينتج عنه أدب حداثي ، لكن الأدب الحداثي قد لا ينتج دائما مجتمعا حداثيا ، لكن يمكن للمجتمع مهما كانت ثقافته أن يقرأ أدبا حداثيا شعرا كان أم سردا على أساس أن يخاطبه هذا الأدب بلغته لا بلغة عاجية لا تقرأها إلا نخبة النخبة ، هذا ما نجده عند نزار قباني وهو شاعر حداثي بامتياز استطاع النزول باللغة من أبراجها العاجية ومن قواميسها المحنطة في كل نصوصه ، وزاد من جماهيريتها أصوات نجاة الصغيرة وعبد الحليم حافظ وماجدة الرومي وكاظم الساهر وغيرهم ممن تغنوا بشعره ونشروه على أوسع نطاق ، و نجده عند يوسف الخال وخاصة في ديوانه البئر المهجورة وصلاح عبد الصبور في دواوينه الأولى وخاصة الناس في بلادي . فقد تأثر هذان الشاعران بالأدب الأنجليزي الذي ينحو نحو اللغة اليومية دون أن ينزل بالشعر إلى الابتذال. أما أدونيس وأنسي الحاج وتوفيق صايغ ومن يشبههم، فقد تأثروا بالأدب الفرنسي فكتبوا للنخبة المثقفة، وتحتاج قراءة شعرهم إلى خلفيات نظرية، ومعرفة قبلية بتنظيراتهم الحداثية .
      فيما يخص أسئلتك الأخرى ، الشاعر وهو يكتب لا يستجيب إلا لذاته وإشراقاته، وليست الحداثة شيئا آخر غير ذاك ، إنها التعبير عن رؤيا فريدة للإنسان والكون ، لكن هذا التعبير يحتاج إلى دربة ومهنية ووعي ببناء الأنساق، ورغبة ملحة في الكتابة لا على مثال حتى تكون هذه الكتابة إبداعا متميزا ، ولن بتحقق ذلك إلا إذا استطعنا التخلص من المناسبة وارتقينا بالتجربة الفردية و المعاناة الخاصة إلى مستوى التجربة الإنسانية .
      فيما يخص قصيدة النثر ’ لا أعتقد أن أحدا اليوم يمكن أن يجادل في هذا الشكل الشعري،
      لكن في الآن نفسه لا بد من معرفة نظرية بخصائص هذا الشكل الشعري حتى لا يذوب في كتابات ومحاولات لا تمت إليه بصلة. وأحسن مرجع يمكن أن يرجع إليه في الموضوع كتاب سوزان برنارد قصيدة النثر من بودلير إلى أيامنا و الذي ترجمه إلى العربية أحد الكتاب المصريين.
      في الختام أعتذر عن الإطالة و أحيي فيك اهتمامك بالموضوع.
      د المتقي [/align]
      [frame="1 98"][align=center]أحبتي : أخاف من كل الناس ، وأنتم لا أخافكم، فالمجيئ إليكم متعه، والبحث عنكم فتنة ولذه، ولقاؤكم فرحة تعاش ولا تقال.[/align][/frame]
      مدونتي ترحب بمن يطرق أبوابها:
      http://moutaki.jeeran.com/

      تعليق

      • عبدالرؤوف النويهى
        أديب وكاتب
        • 12-10-2007
        • 2218

        #4
        ها نحن نستمتع بنقاش ثرى وثقافة نابضة بالعمق ورؤى نقدية خليقة بالرصد والمتابعة .
        بين باحثين قديرين ...يدور الحوار .
        بى شوق إلى المزيد ..ومستقبلاً ..لى رغبة متواضعة فى الحوار.

        تثبيت

        تعليق

        • علي المتقي
          عضو الملتقى
          • 10-01-2009
          • 602

          #5
          [align=justify]الأستاذ الجليل والأخ الكريم عبد الرؤوف النويهي :ملاحظتكم الإيجابية حول الموضوع وما أثاره من حوار مع الزميلة إلهام رسخت في نفسي إحساسا طالما دعوت إليه في الكثير من المنتديات وهو أن أحسن خدمة نقدمها لأنفسنا و لشبابنا ـ بالإضافة إلى التشجيع طبعا ـ هو إغناء المنتدى بدراسات نظرية ومعرفة علمية بالأشكال الشعرية ومكوناتها البنائية وخصائصها الفنية ، حتى نتمكن من صقل تجاربنا الإبداعية . ثم قراءة النصوص التي يتم نشرها قراءة نقدية تبرز مكامن الإبداع فيها ، حتى تتم الاستفادة من نخبة الأساتذة والباحثين التي يزخر بهم المنتدى .
          في الختام أحيي فيكم اهتتمامكم بالأدب إلى جانب القانون ، وأشكركم على التثبيت. د المتقي[/align]
          [frame="1 98"][align=center]أحبتي : أخاف من كل الناس ، وأنتم لا أخافكم، فالمجيئ إليكم متعه، والبحث عنكم فتنة ولذه، ولقاؤكم فرحة تعاش ولا تقال.[/align][/frame]
          مدونتي ترحب بمن يطرق أبوابها:
          http://moutaki.jeeran.com/

          تعليق

          • محمد جابري
            أديب وكاتب
            • 30-10-2008
            • 1915

            #6
            الأديب: علي متقي؛ شكر الله لك هذه الإثارة مما يستدعي تفتح أفاق الفكر ونقده أو نقضه.
            ولكم تنتاب المرء غيرة غير معهودة كلما تناول كتابا أو مجلة أدب ؛ لما لبسته الكتابة الأدبية العربية من مركب نقص لا تستكمله إلا بذكر رمز من رموز الأدب المعاصر من غربيين ومستشرقين مع ما توحيه الدلالات من نبذ للقديم- فضلا عما اتصفت به الكتابة الأدبية من أوصاف تميزت بها واستعارتها من خارج بيئتها ومصطلحات دينها، (فهذا رومانسي وذاك كلاسيكي والآخر وجودي وهلم جرا) فليس الأمر على ما تجري به سفنا تنتقي الحكمة وفصل الخطاب وتجلبها بعملة نادرة إلى بلادها، إنما الأمر انصب على التحيز والتحجر على درب فلان الغربي وفلانة المستشرقة، وفلان المُغَرَّب مما يُنتج سلخا لهويتنا وطردا لانتمائنا وإمعانا في الشرود عن الحقائق اليقينية ؛ إذ لا يخفى بأن المرء على دين خليله، والمرء مع من أحب.
            عجيب أن ترى أديبا يمضي بشاعريته يحلل أنفاس الأدباء، وما تفيض به خلجاتها، ويهتز لكل نبرة تدغدغ المشاعر، ولكل خفقة قلب تسقي الذات بماء الحياة، ويتنسم من هذا وذاك فضلا عما أخذه من جمال أخاذ للوحة الفنية، جولات الوقائع في دنيا الناس بآلامها وآمالها، سواء في بيئته، أو في قطره أو في وطنه الكبير. وهنا منتهى أحاسيسه وحدود ما تكتشفه عبقريته من النص، وكأن الأحداث تدور في جزيرة خارج الكون، ولا تدور في رحيب كون الله الذي لا يعرف نظامه للعبثية معنى ولا مبنى.!!!
            لكم ترى الغافل في صعود وهبوط، وذهاب ومجيء، وأخذ ورد، شغل وانشغال وهم دائب وفكر وجهد، قد تنبهر العيون مما أنتجت الأيدي، وما أسفر عنه الفكر، لما جعل التجديد شعاره، والانضباط مبدأه، والسعي وراء الرفاه الدنيوي همته، ولسلطان الهوى والمغريات سُلَّم أمره ونهيه.
            فكر وجهد واجتهاد في حدود الدنيا، وستار الغفلة مضروب على باب الآخرة. هل الدنيا نهاية المطاف ؟ كيف يجول في عالم الدقة والانضباط في أرجاء هذا الكون الرحيب بعينين مغمضتين معصبتين عما وراء الحس الطبيعي ؟ كيف يغتم لضيق خلجات الأنفاس ولا يهتم برحيب كون الله ؟ كيف يسخر حواس جسده الظاهرة وتعمى وتموت حواس روحه الباطنة ؟
            كيف جمع هذا بين يقظة الحواس، وتنبه الذهن، وإحصاء خفقان القلب، وذبذبات الأذن، وخلجات الروح، وإيقاع الموسيقى، والهيام في درب الجمال، وبين الغفلة بالإغراق في الملاهي والملذات، وتخمير العقل عن الخوض في ما لا يدرك كنهه إلا بإرشاد مصادر الحق واليقين.؟
            تلك أهم الدواعي التي دعت لفكر ينبذ جحر الضب، ويتسم بسيمياء الأدب الإسلامي ليس في الشكل وحسب، وإنما شكلا ومضمونا وممارسة، قلبا وقالبا واعتقادا ، جسدا وروحا وانتسابا ؛ إذ ليس الأمر منوط بمن يكتب إنما هو منوط بما يكتب أهو منضبط بضوابط السنن الإلهية أو يناقضها روحا أو دلالة أو مضمونا.
            وتنفتح أمامنا سبيل ضوابط السنن الإلهية مقاسا وضابطا نفصل الكلم على وفقه لنندرج في فسيح كون الله في سجود قلب خضع لجلال مولاه خضوعا رفعه عن التبعية لغير نبيه، وحرره من براثين الذل والهوان للبشرية جمعاء.
            التعديل الأخير تم بواسطة محمد جابري; الساعة 22-01-2009, 08:35.
            http://www.mhammed-jabri.net/

            تعليق

            • الهام ملهبي
              عضو الملتقى
              • 04-11-2008
              • 113

              #7
              [align=center]تحية ود للأخ علي المتقي ،

              1) سؤال آخر يطرح نفسه بحدة :
              كيف يمكن الحديث عن الحداثة بمعزل عن الحرية؟
              الحرية بمعناها الشمولي : حرية التفكير ، و حرية التعبير ، و حرية الفعل.....
              جميعها من أساسيات وجود الأدب و استمراريته ، و ذات علاقة وطيدة بمدى تطوره.
              و الحرية –أيضا- بمعناها التفصيلي والتدقيقي ، أي الحرية كممارسة يومية ، و في علاقتها بالعيش في حد أدنى من حياة كريمة . في مجتمع تنتشر فيه البطالة بشكل مروع في صفوف الشباب ، كيف يمكن لهذا الشباب أن يكون مبدعا ؟ و إن كان مبدعا إلى أي حد يمكن أن يواكب مسيرة الحداثة ؟ ( حضرت يوما حوارا شيقا بين صديقين شاعرين ، أحدهما يشتغل بائعا في السوق قال للآخر : أنا أجلس كل يوم في السوق مع البياعين و آكل العدس ، كيف تطلب مني أن أكتب قصيدة عالمية؟ كان كلامه مزاحا ، و لكن يحمل أدق معاني الألم و المعاناة . يحمل الحقيقة.)
              أنا أيضا تحضرني مثل هذه الأسئلة مرارا ، عندما أغرق في العمل المنزلي الشاق أتساءل : كيف يمكن أن أكتب قصيدة وسط كل هذا القرف؟ و أعتقدها مشكلة تواجه جميع النساء المبدعات.
              أحيانا أحتاج للخروج ليلا لأتمشى في الظلام و برد الليل المنعش حتى أتمكن من استحضار قصيدة ، و لكن انعدام الحرية يمنعني و يحبسني في غرفة صغيرة خانقة.

              2) أتفق معك في حديثك عن القصيدة و علاقتها بالحداثة ، إن الأمر يتطلب الصدق و الجمال الداخلي ، أن يكون القلب مرآة للعقل ، و العقل امتداد للقلب. أما إن عم التناقض هنا فالنتيجة تكون شعرا جافا خاليا من الجمال و من الروح الانسانية.
              إن قصائد الشاعر بسام حجار – التي قد تبدو للعديد أقرب إلى القصة من الشعر- ليمكن أن تكون أكثر شعرية من أي قصائد أخرى تحمل وزنا و إيقاعا و لكن خالية من الروح ، كذلك قصائد سركون بولص . و هذه فقط أمثلة عن شعراء زينوا المكتبة الشعرية بكلمات من ذهب .
              هنا سيحيلنا النقاش إلى مسألة شعرية النص الشعري ، طبعا ليس هناك مقياس علمي ل "الشعرية" ، و لكنها تقاس بالروح و القلب و العقل ، ثلاثتهم دون انفصال
              .[/align]
              التعديل الأخير تم بواسطة الهام ملهبي; الساعة 22-01-2009, 17:29.
              [SIZE="5"][B][COLOR="Red"][CENTER]واصل معي يا صاحبي
              لا زال في القلب شيء يستحق الانتباه[/CENTER][/COLOR][/B][/SIZE]

              تعليق

              • علي المتقي
                عضو الملتقى
                • 10-01-2009
                • 602

                #8
                [align=justify]الأستاذ الجليل محمد جابري : تحية و احتراما وبعد : أشكر لكم اهتمامكم بالموضوع ،وما أثرتموه من تساؤلات تعبر عن وجهة نظر محترمة لا يمكن رفضها أو الدعوة إلى دحضها وذلك للاعتبارات الآتية:
                إننا في مجال الأدب ، وهو مجال اختلاف بامتياز الرأي فيه لا يلغي الرأي الآخر، و إنما يغنيه ويثريه، وتعدد الآراء دليل على حيوية المجتمع وتعدديته و إبداعيته .
                إن الحداثة ليست خاصة بأدب دون آخر، ولا بأمة أو عقيدة دون أخرى ، وإنما هي نتاج عقلية تؤمن بنظرة جديدة للحياة تنبني على الأسس الآتية :
                : ارتباط الحقيقة بالتجربة الفردية المعيشة.
                2 : الإنسان محور هذه التجربة وموضوعها الوحيد.
                3 : رفض العقل بوصفه أساس الحقيقة ومصدرها.
                4 : أسبقية الوجود على الماهية .
                ـ فقد لا تختلف معي أخي أن الشعر تعبير عن تجربة إنسانية عاشها الشاعر في لحظة محددة ، تجربة فريدة لا تشبه أي تجربة أخرى عاشها شخص آخر ، ولن يكون الشعر شعرا حقا ما لم يكن مرتبطا بهذه التجربة ومعبرا عنها بعد تخليصها من كل ما هو ظرفي وطارئ والارتقاء بها إلى مستوى التجربة الإنسانية التي تهم كل إنسان بما هو إنسان دون الالتفات إلى هويته وعقيدته ، فعندما نتألم إزاء موت طفل لا نتألم لأنه فلسطيني أساسا ،ر وإنما لأنه طفل و إنسان يستحق أن يعيش في أمن و أمان و أن يسعد ويدرس ويلقى الحب والرعاية كباقي أطفال العالم ، ولا شك أن التعامل مع الظاهرة بوصفها ظاهرة إنسانية لا فلسطينية أو إسلامية يكسبها تعاطف شعوب العالم كله لا تعاطف الشعوب العربية والإسلامية وحدها ، وهذا لا يتناقض مع التصور الإسلامي الذي كرم الإنسان بوصفه إنسانا فحرم قتل الأطفال والشيوخ والنساء حتى في الحروب .
                ـ قد لا تختلف معي أيضا أن التجربة الشعرية لن تكون تجربة حقيقية ما لم تتمحور حول الإنسان في علاقته بذاته أو في علاقته بالله عز وجل أو في علاقته بالطبيعة المحيطة به، فتعبر عن آلامه وآماله وخيره وشره وحبه وحقده وحقارته وعظمته وماضيه وحاضره وحياته وموته وهي مواضيع إنسانية تهم كل إنسان أيضا بوصفه إنسانا لا بوصفه مسلما أو يهوديا أو ملحدا ، وإن كنا نختلف في نظرتنا لهذه المعضلات الكيانية ومعاناتنا وتعاملنا معها.
                ـ قد لا تختلف معي ثالثا أن العقل وحده لا يمكن أن يكون مصدرا للحقيقة ، بل إن العقل أبعد ما يكون عن الحقيقة ، لأن وسيلته في الوصول إليها هي الحواس والحواس بطبعها تخدعنا وتعجز عن إدراك الحقيقة ، ففي الدين الحنيف نجد الوحي أيضا مصدر الحقيقة ، وفي الإبداع القلب والإحساس وحده مصدر الحقيقة فالشاعر يستفتي قلبه ويعبر عن الحقيقة كما يراها هو عارية من أي قناع يمكن أن يشوش عليها ، ولسنا مطالبين كقراء أن نؤمن بهذه الحقيقة أو نصدقها، فهي حقيقته وحده يشرك القارئ في اكتشافها و التعرف عليها وله أن يقبلها أو يرفضها .
                ـ و إذا كان أسلافنا و قدماؤنا يكتبون على منوال نموذج معين اختاروه بأنفسهم وفصلوه على منوال الخيمة العربية على حد تأويل الناقد الفذ حازم القرطاجني في منهاج البلغاء ، فلنا أيضا أن نكتب وفق الشكل الذي نختاره دون أن يعني ذلك مسا يقيمة الشكل القديم أو الحط من قيمته أو حتى تجاوزه ، فالأشكال الجديدة لا تلغي الشكل العمودي القديم ولن تلغيه حتى ولو أرادت، و إنما تغنيه بأشكال جديدة وجدت فيها الأجيال الجديدة شكلا ملا ئما لتعبر به عن تجاربها وإحساساتها.
                الزميل المحترم : إن الحداثة لا ترفض القديم لأنه قديم ، ولا تدعو إلى الجديد لأنه جديد ، وإنما تدعو إلى تجاوز النمطية في الكتابة و التعبير عن التجربة كما تعيشها وكما تحسها وأن تتنفس الحرية في أبهى أشكالها ، أما أن تؤمن بشيء وتحسه وترغب فيه فتخفيه وتفتعل أخلاقا ترغب أنت في طرحها ونبذها ،فذاك نفاق وليس إيمانا . الإيمان الحق أن تعبر عن الحقيقة وعن التجربة كما تحسها وتعتقدها . وكثيرة هي النصوص الشعرية القديمة الراقية التي تحس وأنت تقرأها بصدق الإحساس وقمة الإبداع ، من بين هذه النصوص التي تشدني إليها شدا قصيدة الشاعر الجاهلي عبدو يغوث التي مطلعها
                [align=center]ألا تلوماني كفى اللوم ما بيا فما لكما في اللوم خير ولا ليا[/align]وقصيدة الشاعر الإسلامي مالك بن الرايب التي مطلعها:
                ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بجنب الغضا أزجي القلاص النواجيا
                دون أن أذكر نصوصا كثيرة لبشار وأبي نواس وأبي تمام والمتنبي وفيلسوف العربية أبي العلاء وغيرهم من كبار شعراء أدبنا العربي القديم . فهؤلاء الشعراء كلهم عبروا عن تجاربهم و أحاسيسهم بصدق، فأبدعوا نصوصا لا يرفضها الحداثيون أنفسهم. ويكفي العودة إلى ديوان الشعر العربي لأدونيس وكذلك كتابه مقدمة الشعر العربي لتكتشف أن الحداثة موجودة في القديم كما في الحديث .
                لكن حبنا لشعرنا القديم و إحساسنا بجماله و إعجابنا بنصوصه لا ينبغي أن يحولنا إلى جزيرة مغلقة لا تفعل وتنفعل بالتجارب العالمية غربها وشرقها، دون أن يعني ذلك استلابنا ورؤية الخير كل الخير في ما هو غربي والشر كل الشر في ما هو شرقي قديم .إننا جزء من العالم وليس جزيرة كما قال الشاعر الفلسطيني محمود درويش رحمه الله .
                إن الحداثة ليست الخير كله و ليست الشر كله، كما الأدب القديم ليس الخير كله وليس الشر كله ، ففي الشعر القديم إلى جانب النصوص الرائعة التي تحدثت عنها نصوص رديئة باعتراف القدماء أنفسهم ، وفي الشعر الحداثي نصوص جميلة و أخرى بائرة لا تقرأ ، وقد تبعث على الغثيان . وفيه نصوص إسلامية جميلة تستحق القراءة من بينها نصوص الشاعر الفلسطيني مفلح والشاعر المغربي حسن الأمراني وغيرهما كثير .
                خلاصة القول : لنصنع حداثتنا بالشكل الذي نريده ، فمبادئها التي حددها الغرب ليست وحيا منزلا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وإنما هي نظرة إلى الوجود لنا أن نأخذ بها ولنا أن نعدلها ولنا أن نضرب عنها صفحا دون أن نمس بحرية الآخرين في التعبير والتفكير و الحياة ، والحمد لله الذي جعلنا أحرارا في اختياراتنا وحملنا مسؤولية اختياراتنا .
                في الختام لك مودتي وتقديري واحترامي لكل الأفكار والآراء، لأننى أومن بالتعايش في مجتمع متعدد فيه المسلم والمسيحي و اليهودي والملحد وغير هؤلاء ، ويكفي أن يجمعنا وطن واحد ، أما ما نختلف فيه فالله عز وجل يحكم بيننا غدا في ما كنا فيه نختلف. ولله الأمر من قبل ومن بعد .
                [/align]
                التعديل الأخير تم بواسطة علي المتقي; الساعة 22-01-2009, 20:36.
                [frame="1 98"][align=center]أحبتي : أخاف من كل الناس ، وأنتم لا أخافكم، فالمجيئ إليكم متعه، والبحث عنكم فتنة ولذه، ولقاؤكم فرحة تعاش ولا تقال.[/align][/frame]
                مدونتي ترحب بمن يطرق أبوابها:
                http://moutaki.jeeran.com/

                تعليق

                • علي المتقي
                  عضو الملتقى
                  • 10-01-2009
                  • 602

                  #9
                  [align=justify]الأستاذة المحترمة إلهام : الحرية شرط وجود لا للحداثة وحدها ، وإنما للإبداع أيا كان داخل الحداثة وخارجها ، فإذا لم نتنفس الحرية بملء رئتينا نكون قد وضعنا كتابتنا على سرير بروكست لنقيسه على مقاسه ،وفي هذه الحالة فإن ما نكتبه لن يكون إلا مرآة مشوهة لأحاسيسنا وتجاربنا . ويكفي الالتفات إلى الوراء قليلا ،ونتأمل الكتابات الإبداعية في الاتحاد السوفياتي في المرحلة الستالينية التي كان فيها الكتاب والأدباء خاضعين لرقابة الحزب، لنجد أن هذه الكتابات هجرت ولم يعد أحد يلتفت إليها .
                  وقد حملت مجلة الآداب البيروتية لواء الحرية والمسؤولية في الخمسينيات لمواجهة الواقعية الجديدة في الثقافة العربية، لكن هذه الحرية تبقى محكومة بقاسم الولاء للوطن وللعقيدة وللمجتمع التي سيتلقى هذا النوع من الكتابة، أي أن تكون الحرية داخل دائرة معينة،فهل يعقل أن يمجد كاتب فلسطيني الاحتلال ؟ إنه إن فعل لن يجد من يقرأه إن لم يرجم بالأحذية حتى الموت .
                  يتطلب الإبداع أيضا التخلص من ميكانيكية الحياة ورتابتها ، لأن الرتابة ضد الإبداع إن لم تقتله ، فعلى الكاتب والمبدع أن يكون حداثيا في حياته قبل شعره لأن الحداثة ليست شعرية فحسب ، وإنما هي نظرة جديدة للكون بما فيه الإبداع .
                  تبقى مسألة أخيرة : أود أن أفتح نقاشا حول ما كتب من قصائد شعرية حول أحداث غزة الأليمة ، إن هذه النصوص أو جلها لا يعتبر شعرا حداثيا من منظور الحداثة ، وإنما هو شعر مناسبات يثير فينا انفعالا في هذا الظرف العصيب ، لكن سرعان ما يخبو وينطفئ بمرور المناسبة ، ولكي يتحول إلى شعر إنساني كوني يجب أن نحول التجربة التي عشناها جميعا من تجربة خاصة تهمنا نحن العرب و المسلمين إلى تجربة إنسانية تهم الإنسان بوصفه إنسانا . ولكم واسع النظر. [/align]
                  [frame="1 98"][align=center]أحبتي : أخاف من كل الناس ، وأنتم لا أخافكم، فالمجيئ إليكم متعه، والبحث عنكم فتنة ولذه، ولقاؤكم فرحة تعاش ولا تقال.[/align][/frame]
                  مدونتي ترحب بمن يطرق أبوابها:
                  http://moutaki.jeeran.com/

                  تعليق

                  • محمد جابري
                    أديب وكاتب
                    • 30-10-2008
                    • 1915

                    #10
                    أخي علي متقي حفظك الله،
                    أدرك جيدا ما الحداثة، وأطلعك بأنني كتبت كتابا تحت عنوان العقل بين الحداثة والربانية وهو في انتظار الطبع وطبعت كتابا تحت عنوان "السنن. الإلهية ضوابط النقد الأدبي".
                    وأتفهم جيدا مداخلتك الأخيرة والتي أشكرك على نبلها ومقصدها ورفيع شرفها، إلا أنني أقول ما دام لدينا مقاس للأدب الإسلامي وهي سنن الله جل علاه، فكيف نسترشد بقول فلان وعلان؟...
                    صحيح أن فقه السنن الإلهية لا زال في البداية يحاول شق سبيله، وكشف مجالاته ليمكنه إسداء خدمات جليلة على كل صعيد فهي تعتبر علم للآلة بها يستوي الفكر ويستقيم أو يبدي اعوجاجه وانحرافه.
                    والسنن الإلهية هي عهود ربانية لا تتبدل ولا تتغير ولا تحول ولا تزول وكلما بدت مقدماتها تأكد لدينا نتيجتها مما يجعلها باطرادها معادلات رياضية تدخل أبواب العلوم من أوسع بابه.
                    وقد كتبت سلسلة كتب رأت النور في كون السنن الإلهية ضوابط لكل العلوم والمعارف ومن جملتها الأدب.
                    وإذا تيسر لنا هذا المقاس وهذا الضابط فكيف بنا نستعير من لدن غيرنا أفكارا قد تصلح أو لا تصلح مقاسا لكل العلوم والمعارف.؟
                    http://www.mhammed-jabri.net/

                    تعليق

                    • علي المتقي
                      عضو الملتقى
                      • 10-01-2009
                      • 602

                      #11
                      [align=justify] الأستاذ الجليل محمد جابري:شكرا على تقويمك الذي ينم عن نبل في الأخلاق واحترام لآراء الآخر حتى ولو خالفكم الرأي ، وأنا بدوري أحترم رأيكم وأقدره و إن خالفتكم الرأي ، فالتصور الإسلامي للكون وللحياة وللثقافة عامة وللإبداع خاصة تصور ضمن تصورات أخرى ممكنة ينبغي معرفته وفهمه ، وهذا لا يتعارض مع معرفة التصورات الأخرى والاستفادة منها في تطوير تجاربنا مالم تتناقض مع قيمنا وعقيدتنا وعروبتنا . فينبغي أن نتخلص من عقدة الآخر و عقدة التعامل معه بوصفه نقيضا لنا ، وضرورة التعامل معه بوصفه إنسانا له تجربته وله حضارته وله ثقافته ، والحضارات والثقافات لا تتطور إلا في تلاقحها بعضها ببعض .
                      إن قدماءنا لم يقفوا في تطوير أدواتهم وآليات قراءتهم للنصوص بما فيها القرآن الكريم عند حدود الموروث عن عصر النبوة ، إنما قرأوا حضارة الهند وترجموا كليلة ودمنة، وقرأوا حضارة الفرس وحضارة اليونان فيما بعد .وكيفوا كل ذلك لخدمة ثقافتهم ولغتهم فبرعوا في مختلف العلوم ، لذا، فإنني أفضل الاستشهاد بكل رأي أقنعني حتى ولو كان لعدوي مادام هذا الرأي يخدم أفكاري وآرائي و لايتناقض مع قاسم الولاء الذي أقتسمه مع مواطني الذين أكتب لهم .كما أستشهد بقدمائنا في الآن نفسه إذا وجدت في كتاباتهم ما يروي عطشي المعرفي ، وما أكثر الآراء الجريئة التي لا تقل قيمة عن آراء الغرب المعاصرة .
                      في الختام أقول : إن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية ، فأهلا بك أخا كريما ،وقارئا مشاكسا بالمفهوم الإيجابي للمشاكسة ، ودمت محبا للعلم والمعرفة ولعقيدثنا السمحاء.[/align]
                      [frame="1 98"][align=center]أحبتي : أخاف من كل الناس ، وأنتم لا أخافكم، فالمجيئ إليكم متعه، والبحث عنكم فتنة ولذه، ولقاؤكم فرحة تعاش ولا تقال.[/align][/frame]
                      مدونتي ترحب بمن يطرق أبوابها:
                      http://moutaki.jeeran.com/

                      تعليق

                      • محمد جابري
                        أديب وكاتب
                        • 30-10-2008
                        • 1915

                        #12
                        عزيزي علي المتقي أسأل الله جلت قدرته أن يجعلك اسما على مسمى؛
                        تبا للمشاكسة من أجل المشاكسة، وإنما أريد أن أوضح نصحا لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم وهذا واجب كل مسلم نحو أخيه.
                        أقترح على أخي الكريم ولو إطلالة على ملتقى البلاغيين والنقاد العرب لتجد هناك كتابات تصب فيما نحن بصدد مناقشته من فكر للسنن الإلهية، ولتعلم بعدئد أيمكنك ان تصد عنها أم تقتنصها سبيلا وتسلك بها مسلكا؟
                        وقد سبق لي القول أعلاه " فليس الأمر على ما تجري به سفنا تنتقي الحكمة وفصل الخطاب وتجلبها بعملة نادرة إلى بلادها، إنما الأمر انصب على التحيز والتحجر على درب فلان الغربي وفلانة المستشرقة، وفلان المُغَرَّب مما يُنتج سلخا لهويتنا وطردا لانتمائنا وإمعانا في الشرود عن الحقائق اليقينية ؛ إذ لا يخفى بأن المرء على دين خليله، والمرء مع من أحب."
                        مع خالص الشكر والامتنان لردودك النبيلة
                        http://www.mhammed-jabri.net/

                        تعليق

                        • علي المتقي
                          عضو الملتقى
                          • 10-01-2009
                          • 602

                          #13
                          [align=justify]الأستاذ المحترم : جعلنا الله وإياكم من المتقين الذين يستمعون القول ويتبعون أحسنه . أشكركم جزيل الشكر على توجيهي نحو منتدى البلاغيين ، وستجدني إن شاء الله أحد زواره بل أحد أعضائه ، فأنا أيضا من المهتمين بالبلاغة العربية وبالبلاغة القرآنية بشكل خاص التي ما زلت أشغل كرسيها إلى اليوم.
                          إن حواركم ليس مشاكسة من أجل المشاكسة ، إنها مشاكسة إيجابية أكون سعيدا حينما ألتقي بصاحبها فأفيد وأستفيد و أقنع وأقتنع .[/align]
                          [frame="1 98"][align=center]أحبتي : أخاف من كل الناس ، وأنتم لا أخافكم، فالمجيئ إليكم متعه، والبحث عنكم فتنة ولذه، ولقاؤكم فرحة تعاش ولا تقال.[/align][/frame]
                          مدونتي ترحب بمن يطرق أبوابها:
                          http://moutaki.jeeran.com/

                          تعليق

                          • الهام ملهبي
                            عضو الملتقى
                            • 04-11-2008
                            • 113

                            #14
                            [align=center]تحية مجددا للدكتور علي المتقي ،
                            ممتع الاستمرار معك في هذا النقاش.

                            أتفق معك كليا في ما طرحته حول مسألة القصيدة المباشرة المناسباتية. هي قصيدة تبدأ كبيرة ثم تشرع حدودها تضيق شيئا فشيئا حتى تتلاشى مع تلاشي الحدث. كما أن الصيغة المباشرة تنشر الجفاف في أرجاء القصيدة ، و الجفاف أكبر عدو للشعر.
                            مازلنا نتابع هذه الأيام القصائد الغزيرة التي كتبت عن غزة ، و التي بالملاحظة الأولية نجد قسطا مهما منها يتشابه بشكل كبير ، يكفي – مثلا – أن يضع صاحب القصيدة هذه الكلمات : غزة العزة – الصهاينة – قاتلهم الله – الصمود – الشهداء – الدماء و الاشلاء- خيانة – النصر . و يحاول أن يربط بينها و يركبها في جمل صغيرة متراصة ، و إن اقتضى الحال ينهي هذه الجمل بنفس الحرف حتى يضفي عليها إيقاعا ما ، لتكون النتيجة قصيدة حماسية تؤثر بشكل كبير في المتلقي لأنها مرتبطة بقضية دامية مؤلمة ، و لكنها في ظروف أخرى كانت لن تؤثر حتى في المتلقي "العادي" غير النوعي .
                            إن الشعر يشترط الحرية كي يتنفس ، و إذا لم تتوفر له الحرية الداخلية يكون عدوا لنفسه ، منتقما من وجوده ، و يكون بالتالي مصير هذا النوع من القصائد هو الموت ، الموت النابع من الداخل و ليس من الخارج.
                            القضية الفلسطينية مستمرة منذ أزيد من قرن من الزمان ، و قد اكتسبت البعد الانساني و تحولت من قضية شعب إلى قضية عالمية ، إذن لماذا نجعل شعرنا المكتوب عن هذه القضية ضيقا إلى هذا الحد.
                            و الشعر لا يشترط الخطاب الحماسي و نون الجماعة حتى يحمل رسالة الجماعة ، بل يمكن أن يكتب الشاعر بضمير المتكلم دون أن يخرج عن الذات الجمعية ، لا يشترط أن تظهر نون الجماعة في الخطاب و لكنها يمكن أن تستشف من أنفاس السطور و دبدبات الكلمات.
                            ربما تكون كتابات محمود درويش الأخيرة( منذ نهاية التسعينات حتى مغادرته ) قد نحت هذا المنحى ، خاصة في ديوانه " لا تعتذر عما فعلت" . خرج درويش عن الخطاب الجماعي و اعتمد ضمير المتكلم و ضمير المخاطب ( الذي يمكن أن يكون هو الأنا الآخر) في جميع قصائده ، غير أن الذات الجمعية كانت حاضرة بشكل ضمني.

                            إذا كان الشعر القديم أدى إلى نتيجة أن " الشعراء أمراء الكلام" كما سماهم الخليل بن أحمد ، لأن الضرورة الشعرية كانت تعطيهم الحق في التجاوزات اللغوية . فإن الحداثة اليوم تجعل الشعراء أمراء الكلام أيضا ، مع فارق حرية أكبر . قديما كان الشعراء يتجرأون على القواعد اللغوية و لكن يخضعون لسلطة الوزن و القافية / للضرورة الشعرية ، و يكفي أن تستعمل كلمة " ضرورة " حتى تختفي الحرية . اليوم الشاعر حر في أن يجعل المدينة تضحك ، و الجدار ينزف ، و اللوح يرتعش ، و اليأس يتأنق ، و الصبح يتبرج .... ، له الحرية في أن يسخر المعاني اللغوية كما يشتهي ، و حتى الأساليب و تراكيب الجمل له الحق في أن يطوعها و يخلق منها ما يشاء ، دون الخضوع لأي سلطة داخلية . إذن مادمنا نملك هذه الحرية في أن نكون أسياد اللغة و أن ننزع عنها بعضا من قسريتها ، فلماذا نكتب قصيدة مباشرة ؟ لنمارس غرورنا على اللغة و نسخر سلطة الخيال أيضا بين أناملنا حتى يكون لما نخلقه تميزه و تفرده ، و يكون بالتالي للقصيدة منطقها و روحها الخاصة.

                            دمت بألف خير
                            [/align]
                            التعديل الأخير تم بواسطة الهام ملهبي; الساعة 26-01-2009, 12:52.
                            [SIZE="5"][B][COLOR="Red"][CENTER]واصل معي يا صاحبي
                            لا زال في القلب شيء يستحق الانتباه[/CENTER][/COLOR][/B][/SIZE]

                            تعليق

                            • عبدالرؤوف النويهى
                              أديب وكاتب
                              • 12-10-2007
                              • 2218

                              #15
                              [align=justify]أُدرك حق الإدراك ،أن بضاعتى فقيرة ، لكنها مقبولة وتستطيع التبيشير بما أرغب وأرنو إليه.

                              "الحداثة فى آفاق الوعى الذى صاغها،ليست مجرد إنتاج نص شعرى حديث،بقدر ماهى الطموح لإنضاج تجربتها فى بنية إقتصادية -إجتماعية-ثقافية شاملة " محمد جمال باروت - الحداثة الأولى إتحاد كتاب وأدباء الإمارات ط1 1991

                              هذا التعريف الذى آخذ به وأركن إليه وأزعم أنه يحوز القبول من معظم نقاد الأدب.
                              ومن محفوظاتى "الحب فى هذا الزمان " للشاعر /صلاح عبدالصبور

                              تسألنى رفيقتى :ما آخر الطريق؟
                              وهل عرفت أوله
                              نحن دمى شاخصة
                              فوق ستار مسدله

                              .................
                              الحب يارفيقتى ،قد كان
                              فى أول الزمان
                              يخضع للترتيب والحسبان
                              "نظرة ،فابتسامة،فسلام
                              فكلام، فموعد ،فلقاء"
                              اليوم ..وياعجائب الزمان
                              قد يلتقى فى الحب عاشقان
                              من قبل أن يبتسما
                              ..
                              الحب فى هذا الزمان يارفيقتى
                              كالحزن ،لايعيش إلا لحظة البكاء
                              أو لحظة الشبق
                              الحب بالفطانة اختنق

                              كنت أقرأ هذه السطور وأجدنى جاداً فى مقصدى :الشاعر يعيش عصره الردىء،بل صار فيلسوفاً حكيماً، يحكم بكلمات قاطعة فى قضية شائكة ، ألا وهى قضية الحب وما اعتورها من تغيير واختلاف عن ماضٍ تولى .
                              فأمير الشعراء أحمد شوقى ..كان يعيش عصره ،يمتلك البلاغة والبيان ويشدو بأعذب الأبيات وتنساب بين يديه إيقاعات البحور الفراهيدية ، هادئة مطمئنة . أليس هو بشاعر الأمير وما بمالقليل ذا اللقب
                              ويعيش زمناً هادئاً .
                              فنراه يقول :
                              خدعوها بقولهم حسناء ***والغوانى يغرهن الثناء
                              ...
                              نظرة فابتسامة فسلام *** فكلام فموعد فلقاء

                              أزعم أن الشاعر بقدر ما يستطيع التعبير عن واقعه وعصره وما يعتريه من تغيرات وتقلبات ،هو شاعر حداثى ،بل أظن أن النواسى كان من طلائع الحداثثين فى القصيدة العربية.[/align]

                              تعليق

                              يعمل...
                              X