الدار اللي هناك

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • رشيد الميموني
    مشرف في ملتقى القصة
    • 14-09-2008
    • 1533

    الدار اللي هناك

    [align=justify]الدار اللي هناك - الجزء الأول -

    "الدار اللي هـناك" أغنـية شغـف بها جـدي كثيـرا وصارت مفضـلة عند أبي الـذي يردد مرارا أنها تذكره ببيت طالما تمنى الإقامة فيه مثلما حلم باقتـنائه العديـد من سكـان القريـة لجماله ورحابـته . ولكـم تمنـيت معرفة سـبب بقـاء ذلك البـيت مهجـورا حتـى تآكلت حيطانه وتساقط قرميده . لكنه ظـل شامخا محتفظا بكرمته المتفرعة في جميع الاتجاهات لتغطي السور العالي المحيط به وتطـل من بوابتـه التي صارت لا تكاد تبـين للقـادم نحـو القريـة من الجهـة السفلى . وكنـا نسمي هـذه الجهـة بالشط ، وهو عبارة عن جـرف سحيق يصير شلالا حين يمتلئ النهر المحاذي للقرية . وكان منزلـنا بالجهـة العلـيا حيـث الـدور الخاصـة بالجنـود . وكثـيرا ما سمعت أمي وهي تثني على القرية ، ليس لخيراتها الوفيرة فقط ، بل لأنها المكان الوحيد الذي نعمت فيه بالاستقرار بعد حل وترحال ونزوح من عدة مناطق بحكم عمل أبي كجندي بالقوات المساعدة .
    كانت تحيط بقريتنا جبال شاهقة تكسوها الثلوج في فصل الشتاء بحيث تنعزل عن العالم الخارجي ويصير الخروج منـها أو ولوجها مستحيلا لرداءة حالة الطريق المتفرعة عن الطريق الرئيسية المؤدية إلى الريف شرقا وإلى تطوان غربا . وكانت الأشجار و المزارع تكتنفها من كل جانب ، فصارت مرتعا أليفا لنا . إذ كنت أنطلق منذ الصباح مع زمرة من أبناء الموظفـين وثلة من القرويـين، لا رادع يردعنا ولا من يكبح جماح شقاوتنا . نذرع الروابي ونتسلق الجبال وننحدر إلى الوادي حيث الغدران ، فنسبح ونصطاد كـل ما يقع تحت أيدينا من يمام وعصافير قبل أن نعود منهوكي القوى . وفي طريق عودتنا نجني ما طاب لنا من كرز ومشمش وتين مما يزيد في بطء خطواتنا وعيائنا . ولكن ذلك لم يكن يمنعنا من متابعة اللعب حين يحل الظلام . فنتقمص أدوار الشرطة واللصوص ويـلذ لنا الاختباء فوق أغصان الأشجار أو خلف الأسوار ليفاجئ بعضنا البعض بتصويـب المسدسات الخشبـية أو البلاستيكيـة . وكثــيرا ما كنا نختبئ قرب حديقة المنزل المهجور فيعتريني شعور بالرهبة ولذة المغامرة ، وأقضي لحظات في تأمله ، خاصة الجهة التي تظللها شجرة تين عظيمة .
    ولا زلت أحتفظ ببعض الحكايات التي كان يرويها لي جدي قبل أن برحل عن هذه الدنيا ، وهي حكايات لم تزدني إلا فضولا ولهفة للاطلاع على أسرار الدار وخباياها... قال لي مرة ونحن جالسين على ضفة النهر القريب من منزلنا :
    - هذا المنزل محصن ، ولن ينفذ إليه أحد مهما بلغت شجاعته .
    - ألم يحاول أحد ذلك ؟
    - بلى ... حاول أحد المتشردين تسلق السور للمبيت وراءه كما يبدو ، لكن...
    قلت وقلبي يدق بعنف :
    - لكن ماذا ؟
    - لم يشعر المسكين إلا وهو يرمى بعيدا ، ليقضي أياما يئن من رضوض بجسمه لازما الفراش وهو يشير إلى ناحية السور.
    - مسكين... ماذا رأى ؟
    تنهد جدي وقال ساهما :
    - هذا ما لا يعلمه إلا الله... وليس هذا فحسب .
    وحين لزمت الصمت استطرد قائلا :.
    - هذه المرة ، كان تلميذا . تغـيب في حصـة الصباح ليستكشف ما بداخـل البـيت . لكـنه لم يـكد يقتعد السور وينـظر إلى ما خلـفه حتــى أسرع بالنزول وهو يصيح طالبا النجدة... ماذا رأى ؟ الله أعلم . إنما الذي يعرفه الجميع هو أن ذلك الغـلام صار يذرع الطرقـات ملوحا تارة ومقهقها تارة أخرى و باكيا أحيانا دون أدنى سبب . وحين يصل قبالة البيت المهجور يصيح صيحة كالعواء ثم يهرول بعيدا.
    وسكت جدي ، ولم أعقب أنا برد ولو بسؤال ، فالتفت إلي مبتسما وقال : - هل أخفتك ؟ أريدك شجاعا ، ثم... ادن مني ، سأسر إليك بخبر سيفرحك حتما... سيكون من حقك وحدك ولوج هذه الدار . لا تقل هذا لأحد ولا تسألني عن السبب . و عاد الصمت من جديد . ولم أعد أسمع سوى حفيف الشجر وأوراقه المتساقطة . وعند أقدامنا كان النهر ينساب هادئا... كم كان الخريف جميلا . لكنه حزين . إذ ما لبث جدي أن رحل عنا وبقيت وحيدا أسترجع ذكراه وما كان يرويه لي من حكايات غريبة لا أمل سماعها . وصارت الأفكار تتقاذفني ، ويعج رأسي بتلك الحكايات التي يضاهي بعضها البعض فظاعة وغرابة . ولكن ، هل فت ذلك مــن عضدي وأخمد نار الفضول في نفسي ؟... حقا ، في بعض الأحيان كنت أشعر بدبيب الخوف يسري في أوصالي وأنا أطلق العنان لخيالي ليزيد الحكايات غموضا وهيبة ، فلا أجد بدا من الالتجاء إلى أبي لتنهال عليه أسئلتي التي غالبا ما كانت تحرجه .
    ففي الوقت الذي حرص فيه على ألا أستسلم للخرافات والأساطير وألا أقع فريسة للـخوف من الجان والأشباح ، عمل جاهـدا على أن أتجنب ، كسائر أقراني ، محاولة ولوج البيت الغريب أو حتى الاقتراب منه ... سألته مرة :
    - لماذا ؟ هل هو مسحور ؟
    تردد قليلا ثم قال :
    - كلا... لكن سقطة في حفرة أو انزلاق ... أو لدغة أفعى قد تكون خطيرة . ثم ، أنت تعلم قدم البيت وتآكل حيطانه . وهذا أيضا خطير.
    - أو ضربة جني ؟
    - أوه كلا... كن مسلحا بالوضوء وأكثر من تلاوة القرآن ، وهذا يكفي .
    كان هذا رأي أمي التي كثيرا ما كانت تتوقف عن أي عمل لتشارك أبي توجيهاته وتكون له خير معين لإقناعي ، فتعقب قائلة:
    - لا تنس أن الشجاعة شيء والتهور شيء آخر..." ثم تصمت مدركة فهمي لتلميحها . ويبدأ الموسم الدراسي ، فألتقي بزملائي و يتجدد التنافس على أشده خصوصا بيني وبين لطيفة بنت القائد . لكني في يوم الدخول المدرسي كنت شارد الذهن ، مشتت الأفكار. فلم أنتبه لكلمات الفتاة التي غالبا ما كانت تستفزني فأرد عليها بقسوة تجعلها تبكي وتهـرع لتشكوني لأمها أو لأمي ، لكن لا أحد يعير اهتماما لخصوماتنا الصبيانية ، اللهم بعض العتاب من زوجة القائد حين نكون جميعا في نزهة فتقول ضاحكة :" لقد اشتكتك عروسك... وعليك بمصالحتها " ، فيحمر خداي وتلوي هي برأسها امتعاضا .
    هل أنبذ فكرة استكشاف الدار من ذهني ؟ كيف السبيل إلى ذلك وأنا أجد نفسي كمشدود إلى شباك تجره ، ولا حول له ولا قوة ؟ لكني ، وفي شرودي هذا ، انتبهت إلى معلمنا وهو يأمرنا بالسكوت ليعلن عن شيء هام :
    - اسمعوا جيدا يا أولاد... هذه السنة ستكون اختبارا لكم و لمجهوداتكم . أحثكم على حب الاستطلاع واستكشاف كل ما هو طريف وغريـب.
    وحين تطلعت إليه عيوننا في لهفة وتأكد من تأجج فضولنا تابع قوله :
    - ستقومون بإعداد موضوع حول أهم ما اكتشفـتموه من غرائب ، وسوف أرسل أجـود ما كتبتم إلى بعض المجـلات لنشره ... وهناك أيضا جوائز أخرى أتركها مفاجأة لكم .
    ضج الفصل استحسانا للفكرة ، وعبثا حاول المعلم إعادة الــهدوء بالضرب على المكتب بقبضة يده . فتركـنا نصيح ونعــلق على الفكرة وذهب إلى النافذة يتأمل الحقول الصفراء المنحدرة إلى الوادي السحيق ويداه وراء ظهره . وحانت مني التفاتة إلى الخلف حيث تجلس لطيفة محاطة برهط من صديقاتها ففاجأتها تنظر إلي متحدية ، فابتسمت بسخرية ثم لوحت بقبضة يدي متحديا أيضا . ولاحظت كيف احمر وجهها ، لكني انشغلت سريعا بالحديث إلى زميلي وهو يسألني عما نويت فعله ... الجميع كانوا متأكدين من انحصار التنافس بيني وبين لطيفة . ولم يدر معلمنا المسكين أنه يدفعني دفعا نحو البناية الموحشة ، لينضاف ذلك إلى ما أسر به إلي جدي من أحقيتي في ولوج البيت المهجور .
    إذن قضي الأمر وقر عزمي على ركوب المغامرة حالما تسنح الفرصة . وتوالت أيام الدراسة ببردها وأمطارها وثلوجها . وكم كانت محببة إلي تلك اللحظات التي كنا نتحلق فيها حول معلمنا في حجرة الدرس ليروي لنا أمتع الحكايات بينما تكاد السماء تنطبق على الأرض فيلمع البرق ويدوي الرعد ثم تصب السماء جام غضبها على الروابي والوديان . وفي بعض الأحيان كنت أجد نفسي وحيدا حين لا يتمكــن الآخرون من عبور النهر فأجلس إلى مكتب المعلم وأتفحص ما حواه الدرج من كتب التاريخ التي كنت شغوفا بها ، وأنهل منها ما أشاء أو أقف عند الباب لأتملى بمنظر الأمطار والوديان الهادرة .
    وبدأت العطلة . وانطلقنا من المدرسة في آخر يوم من الفترة الدراسية الأولى صائحين مبتهجين وملوحين بنتائجنا ، غير مبالـــين بالبرد القارس ... برد دجنبر. وقضيت أيام العطلة مع أسرتي ، ننتقل هنا وهناك . نزور عمة لي في تطوان ، ونقضي يومين أو ثلاثة عند خالتي في الشاون ، ثم نعود إلى قريتنا القابعة في وداعة عند سفح الجبل الشاهق .
    وكم من مرة حاولت إيجاد مبرر للتخلف عن أسرتي والبقاء وحيدا ، لكني لم أفلح . فصارت كل لحظة تمر وكل يوم ينقضي يؤججان في داخلي شعورا باليأس ونفاذ الصبر. وبدا لزاما علي ألا أضيع الوقت ، وأن أستغله في مراجعة كافة الحكايات والروايات الغريبة الــــتي تتناول المنزل بالوصف . لكني اكتفيت بما كان يرويه لي جدي من عجائب وغرائب . وكنت أتوقف دائما عند حكاية البوم الذي كان يعيــش حارسا لكنز وضعته إحدى الغجريات التي أقامت بالمكان ردحا من الوقت قبل أن يرحل الإسبان عن المنطقة . هذا البوم كان ينعق كل ليـلة من ليالي السمائم المقمرة والحارة ، ويختفي عند حلول البرد بينما تظل روحه تحوم حول المكان منذرة من يقترب بالويل والثبور .
    وجاءت الفرصة أخيرا ، فلم أتردد في استغلالها غير مصدق ما يحدث . فقد صدر أمر بنقل والدي إلى إحدى القرى بالريف . وهــذا شيء تعودنا عليه ، لكننا أحسسنا جميعا هذه المرة بأسى عميق لفراق القرية التي ألفناها وسكانها كما ألفنا غاباتها وحقولها ووديانــــها، بل وماشيتها وكلابها . وربما خفف من أساي أنني كنت مشغول الفكر بمغامرتي المقبلة . وكان على أمي أن ترافق والدي لإعداد الــمأوى الجديد قبل أن نرحل جميعا . فبقيت مع أخي الذي يصغرني ببضع سنين تحت رعاية جيراننا. وخلا لي الجو لأبدأ جديا في الاستـــعداد لتلك المغامرة . وأول شيء تبادر إلى ذهني الرفيق . هل أتخذ رفيقا ؟ من يكون ؟ وهل يقبل أن يجازف بنفسه مثلي ؟ ثم ، هل سيكون عونا لي أم على العكس ، سيسبب لي متاعب جمة ؟... فكرت في أخي وخطر لي البيت الشعري القائل:
    أخاك أخاك إن من لا أخ له ///// كساع إلى الحرب بغير حسام
    غير أني أشفقت عليه لما قد يصيبه من عناء أو أذى خاصة وأنه كان يصغرني بأكثر من أربع سنوات ، ولم يكن يــــفارق أمي إلا لماما، لذا أعرضت عن الفكرة وبدأت أستعرض وجوه بعض زملائي عساي أجد بينهم من يصلح لهذه المهمة... أحمد ، الملقب بالأرنب ؟ إنه لا يتقن سوى الصراخ عند الخروج من الفصل . اليزيد ؟ وهذا أيضا ، رغم صلابة عوده ، لا يقوى على العناء والشدة . لم لا يكـــــون الطيب ؟... حقا ، فيه مواصفات المغامر الجريء ، لكنه لا يقوى أبدا على كتمان السر . وقد نال عن جدارة و استحـــقاق لقب " الجـــوزة المثقوبة". ثم إني لا آمن أن تصل أسرار مغامرتي إلى لطيفة ، فينكشف الأمر وتضيع المفاجأة ويفقد موضوع إنشائي عنصر التشويق و الإثارة . أما باقي التلاميذ فهم إما ضعفاء البنية أو إناث .. وهنا توقف ذهني عند منافستي لطيفة ، فابتسمت وأنا أتخيل نفسي فائزا بأحسن موضوع إنشائي لما سيحويه من غرائب ، ثم ما سيكون عليه موقفها ورد فعلها . هل ستقر بالهزيمة أم أنها ، وكعادتها سوف تجد كل المبررات لتهون منها ؟
    بعد ذلك توجه اهتمامي إلى ما يجب حمله معي من معدات لاستعمالها عند الحاجة ، فأعددت حبلا ومصباحا وملقطا وحذاء رياضيا وقبعة ، إلى غير ذلك من الأشياء الضرورية للرحلة ، ولم يبق سوى توقيت عملية الانطلاق . وهذا أيضا وضعته في الحسبان منذ رحلتـنا الأخيرة إلى باب تازة حين كان القمر لم يكتمل بعد وفكرت حينئذ في ليلة منتصف الشهر الهجري، ولبثت منذ ذلك الحين أنتظر على أحــــر من الجمر خشية أن يحدث ما يقوض خطتي من أساسها ، كقدوم أبوي فجأة ، أو بعثهم لمن يصحبــنا إلى هناك . لكن، ولحسن الحــظ ، لم يقع شيء من هذا القبيل .
    كان الوقت فجرا حين انطلقت . وهو الوقت الذي عودني جدي على الاستيقاظ فيه للصلاة بصحبته. سررت لصفاء الجو، لكني لم أستطع مغادرة حجرتي دون أن ألقي نظرة حنو على وجه أخي ولثم جبينه ، ثم خرجت... كان الهدوء شاملا ولا يتخلله سوى وقع خطواتي على الحصى . ولو سئلت في هذه اللحظة عن شعوري وأنا أتسلل من بيت الجيران ، مارا بمنزلنا القابع في أقصى القرية، تاركا أخي يغط في نومه العميق ، لما استطعت الإجابة . فقد تنازعتني أحاسيس شتى... كنت أشعر بالفرحة ولذة المغامرة وبالخوف من المجهول ، ثــــــم بالأسف لفراق أهلي .. هذا الفراق الذي يمكن أن يكون أبديا ، ولما سوف أسببه لوالدي من حزن وقلق فيما لو تأخرت أوبتي . لكن شعورا بالأمل في التفوق على أقراني ، خصوصا لطيفة ، جعل تصميمي أقوى ، فاستسلمت لخطواتي مترنما بالأغنية التي صرت أعشقها:
    الدار اللي هناك عاليمين ///// على جنب الدالية الكبيرة
    قبالتهـــا دار ///// دار قديمـــة [/align]

    ( يتبع)
    التعديل الأخير تم بواسطة رشيد الميموني; الساعة 26-03-2011, 07:37.
  • جلال فكرى
    أديب وكاتب
    • 11-08-2008
    • 933

    #2
    سلمت اليد حاملة القلم جميل ..جميل..جميل
    شرفنى أن أكون أول القراء
    تمنيات بالتوفيق الدائم
    بالحب نبنى.. نبدع .. نربى ..نسعد .. نحيا .. نخلد ذكرانا .. بالحقد نحترق فنتلاشى..

    sigpicجلال فكرى[align=center][/align]

    تعليق

    • رشيد الميموني
      مشرف في ملتقى القصة
      • 14-09-2008
      • 1533

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة جلال فكرى مشاهدة المشاركة
      سلمت اليد حاملة القلم جميل ..جميل..جميل
      شرفنى أن أكون أول القراء
      تمنيات بالتوفيق الدائم
      أخي العزيز جلال
      لا أستطيع أن أصف لك وقع تعليقك على هذا الجزء من القصة الطويلة على نفسي .. ربما لأنها من أحب ما كتبت إلى نفسي باعتباري أعيش داخلها .. وتحمل جزءا غير يسيرمن طفولتي ..
      أرجو أن تشرف كل أجزائها بقراءتك إلى النهاية .. فهذا يشجعني ..
      دمت بكل المودة و التقدير .
      التعديل الأخير تم بواسطة رشيد الميموني; الساعة 21-01-2009, 13:58.

      تعليق

      • رشيد الميموني
        مشرف في ملتقى القصة
        • 14-09-2008
        • 1533

        #4
        الدار اللي هناك - الجزءالثاني -

        بيد أن ترنيمتي خفت وأنا أقترب رويدا رويدا من المنزل المهيب ، حتى صارت همسا . وما هي إلا لحظات حتى وجدت نفسي إزاء السور العظيم ، ووراءه بدت لي البناية وقد زادها نور القمر رهـبة وجلالا . وكان باستــطاعتي الالتــفاف حول السور من الجهة الخلفـــية
        والدخول من البوابة الموغلة في الغابة المجاورة . لكني فضلت تسلق السور ربحا للوقت وتجنبا للقاء أي مخلوق يمر عبر الغابة في طريق عودته إلى القرية ، مما قد يفسد علي مغامرتي ويحبط خطتي ، وبالتالي يبعدني عن الهدف منها .
        هاأنذا أنظر حولي من أعلى الجدار ، فلا أرى سوى المنزل وظله ، ثم الأعشاب هنا وهناك وقد اكتسى نصفها سوادا والنصف الآخر بياضا . أعجبني المنظر وأخذت في النزول بحذر شديد . أحس بالاطمئنان . فالبداية حسنة والأمور تسير على ما يرام ، فلأ فكر في الخطــوة التالية ... دنوت من الباب وتفحصته بنظرة شاملة . كان موصودا بقفل ضخم لا سبيل لفتحه إلا بتكسيره بسبب ما علاه من الصدإ . شملتــني رعدة وأنا أتخيل ما سيحدثه كسر القفــل من دوي في هذا الليل الهادئ . لكن ما العمل والنوافــذ كلها مسيجة بشبابيك متينة . أخــذت الملقط الذي بدا لي تافها أمام ضخامة القفل الذي أخذت أحركه يمينا وشمالا ، فلم أشعر إلا والسلسلة التي تشد حلقتي الباب تسقط عند قدمي محدثة رنينا مزعجا ، مما جعلني أغفل عن الــقفل وهو يـهوي ويرتـطم على أسفل الباب الحديدي . ارتج المكان بدوي القــفل ولم أدر ما حدث مـن حولي . تعالى النعيق وحفيف أجنحة منبعثة من الباب الذي فتح تلقائيا على مصراعيه محدثا صريرا رهيبا ردده الصدى من الداخل . خيل إلي أن أرواحا تنبعث منه فكدت يغمى علي ، وخانتني ركبتاي فأسندت ظهري إلى الحائط وقد زادت دقات قلبي عنفا ، واضطربت أنفاسي ... هل أتخلى عن كل شيء وأروم السلامة ؟ .. جلست القرفصاء وفكرت مليا ... هل أدخل ؟.. يجب ذلك ما دمت لم أعد أدراجي فورا .
        أمسكت بالمصباح وتقدمت على أطراف أصابعي متوقعا في كل لحظة مفاجأة ، وسلطت ضوء الكشاف في كل الاتجاهات ، فبدت لـــي سلالم تصعد إلى أعلى وأخرى تغوص في هوة دامسة . وخيل إلي أني أسمع صوتا أشبه بلحن أو ترنيمة ، فاقشعر بدني وبدأت أشعر بخوف حقيقي . لكن وصايا والدي وكلمات مدرسي ثم تحدي بنت القائد لي ، كل ذلك لم يدع لي مجالا للتردد .
        تقدمت نازلا السلالم و أنا أتمتم بآيات قرآنية حفظتها عن ظهر قلب ، وما لبثت أن وجدت نفسي في قاعة فسيحة الأرجاء مجهزة بأثاث رفيع ، من سجاد وأرائك وصوان ، ومزينة جدرانها بلوحات زيتـــية رائعة تمثل بعضها معــارك طاحنة و أخرى مناظر طبيعية خلابة . وفــي أقصى القاعة باب واسع يفضي إلى حديقة غناء كثيفة الأشجار، فولجتها وقد زادها ضوء القمر روعة والسكون مهابة .
        وفجأة تناهى إلى مسامعي وقع خطوات من داخل القاعــة . التفتت مذعورا لأبصر ظلا يمرق عبر الحائط ويختــفي . وقف شعر رأسي واضطربت يدي ، فوقع المصباح على الأرض وتكسر . اشتد هلعي من وجود مخلوقات غيري تتربص بي ، لكن ضوء القمر جعلني أرى جليا ما حولي ، وأرهفت أذني وأنا أنزوي وراء جذع شجرة كبيرة . وما هي إلا هنيهة حتى تعالـت الترنيمة من جديد . كم هــي شجية تلك النبرات وكم هــو حزين ذاك الصوت الذي ملك حواسي وأسال دمعي . تبــدد خوفي للحظات ثم انتبهت لنفسي وللخطر الذي يحــدق بي في هذا المكان المجهول ، فدنوت من إحدى النوافذ التي انبعث منها بصيص من النور ، واشرأب عنقي فوقع بصري على شيخ هرم يجلس القرفصاء وقــد ابيض شعر رأسه وطال كما طالت لحيته . كان يرتل القرآن بصوت عذب أنساني ما جئت من أجله . ثم أفقت من سهوي وفكرت في ما يجــب فعله ، فما راعني إلا والشيخ يرفع رأسه وينظر نحوي قاطعا ترتيلــه . جمد الــدم في عروقي وولـيت على أعقابي أروم الفـرار، لكــن قدمي تسمرتا على الأرض وأنا أسمع نداء الشيخ يشق سكون الليل :
        - تعال يا بني... أقبل ولا تخف .
        صعقت في مكاني ولم أحر جوابا ، فأعاد النداء :
        - لا تخش شيئا… هيا ، كن شجاعا ، فـلست مؤذيك .
        هدأ روعي قليلا وأخذ خوفي يتبدد شيئا فشيئا ، فدخلت القاعة من جديد وأنا أقدم رجلا وأؤخر رجلا أخرى . و كأني أكتشف الحجــرة لأول مرة ، فأخذت بروعتها ونقائها ، وقلت متلعثما :
        - السلام عليكم و رحمة الله .
        - وعليكم السلام ورحمة الله … أهلا بضيفي العزيز . اجلس … ألا تزال خائفا ؟
        لم أرد ، فقد كان ذهني مضطربا ، لكن العجوز تابع حديثه :
        - قل لي … لم انتظرت كل هذا الوقت لتزورني ؟
        نظرت إليه بدهشة وعادت إلى نفسي هواجسها . من يكون هذا الشيخ ؟ ساحرا أم جنيا ؟ … لكنه يقــرأ القرآن ، وقد رد التحية ، فلــم الخوف إذن ؟ ولا حظ هو حيرتي فتبسم قائلا :
        - لم أكن أظنك تخاف إلى هذا الحد .
        - عفوا… لقد قلت منذ قليل إنك كنت تنتظرني … لكني لا أعرفك .
        - أنا أعرفك جيدا ، وكنت أحسبك شجاعا مثل جدك .
        - جدي ؟ - صحت وأنا أحملق فيه مشدوها – هل … ؟
        - نعم – قاطعني بهدوء – كان - رحمه الله - نعم الرجل .
        لم يكمل حديثه، فقد تهدج صوته واغرورقت عيناه بالدموع ، ونظر إلي حزينا فزادت دهشتي وعظم عجبي ، وغلب فضولي على خوفي فدنوت منه متسائلا :
        - كيف ومتى عرفته ؟ ومن جاء بك إلى هنا ؟
        - تلك قصة طويلة سأحكيها لك ... لكن قل لي ... لم تأخرت في المجيء ؟
        - لم تسعفني الظروف ... ثم إن والدي كانا يعارضان ذلك .
        - حسنا فعلت بطاعتك لهما... لكن كيف سمحا لك أخيرا ؟
        أطرقت خجلا من إطرائه وكذلك من تلميحه الأخير وقلت :
        - لم أستطع مغالبة شعور يدفعني للمجيء .
        - كنت متيقنا من ذلك ... هذا ما كان يوده جدك .
        - لكنك لم تقل لي لحد الآن كيف عرفته .
        تنحنح قليلا ثم نهض متثاقلا وهو يقول :
        - لقد اقترب الفجر.. هيا اذهب وتوضأ لنصلي ، ثم نجلس في الحديقة ، فالجو ليس باردا.. أليس كذلك ؟
        - بلى – أجبت وفكري شارد – الجو جميل .
        كم كان شوقي عظيما لسماع الحكاية . غير أني كنت متلهفا أكثر للحديث عن جدي . فقد مر وقت طويل لم أذكره إلا لماما ، وجاء هذا الشيخ الغريب ليضاعف حبي له وحنيني لكلماته ومزاحه معي . وتبين لي أني لم أنسه قط ، بل على العكس ، كان دائم الحضور في فكــــري
        ووجداني . وإذا كنت لا أكثر من ذكره ، فلخجلي من دموعي التي كانت تسبقني . أما الآن فقد انهالت ذكرياتي معه دفعة واحدة تعيدني إلى كل لحظة رافقته فيها ، وتسمعني كل كلمة أو نصيحة بل كل عتاب رقيق على هفوة صدرت مني .
        حين انتهينا من الصلاة ، افترشنا سجادا عند جذع الشجرة وقد ساد السكون إلا من أصوات الصراصير وحفيف أوراق الشجر المنتصب حول المنزل . وتركني الشيخ لحظات لوحدي قبل أن يعود بصينية مربعة الشكل ، عليها إبريق صغير أزرق مسود القعر وكأسين مزخرفين ، وجلس قبالتي وهو لا يزال يهمهم بالتسبيح والحوقلة .
        - هي عادتي كل صباح ... الشاي منافعه لا تحصى .
        - جدي كان مثلك...
        كنت أتحين فرصة استدراجه للحديث عن جدي . وكأنه أدرك ذلك فابتسم وهو يفرك يديه وقد فاحت رائحة النعناع الممزوجة بأريج العنبر الذي يملأ الحديقة وقال :
        - أراك متلهفا لما سأقصه عليك... لا بأس..
        وارتشف الشاي ثم تابع قائلا :
        - اعلم أني وجدك رحمه الله ننتمي إلى قبيلة واحدة ، هي بني ورياغل في الريف . كنا لا نفترق في صبانا حتى بلغنا الشباب ونحن رفيقان في القسم وفي الطريق . وقد شهد لنا معلمونا بالنجابة والجدية ... لكن...
        تطلعت إليه بلهفة أستحثه على متابعة حديثه ، فأخذ رشفة ثانية من الشاي وأردف قائلا :
        - ذق الشاي... لن تجد لذة مثله في العالم... ماذا كنت أقول ؟ ... إيه... جاءت الحرب ليتوقف كل شيء . دمرت المدارس والمنازل وتشرد أهل القرى فلجأنا إلى أجدير .
        - أجدير ؟
        - نعم ، كانت مقر زعيم المقاومة الخطابي العظيم ... كم اشتد حماسنا لما رأيناه من إقدام وشجاعة أهل الريف .. رأينا كيف توافد المتطوعون من تفرسيت و مسطاسة وبني انصار ، فلم نملك إلا أن ننضم إلى المقاومين ونحن لا زلنا يافعين ... اشرب الشاي يا بني... اشرب .
        رشفت بدوري رشفتين ألهبتا شفتي دون أن أحيد بصري عن الرجل ، منصتا في شغف ... حدثني عن بطولات جدي وشهامته وروى لي كيف اقتحم معسكرا العدو دون أن يؤذي امرأة كانت تولول عند رأس زوجها الجريح ، أو يجهز على هذا الأخير . ثم ذكر لي الانتصار العظيـــم في أنوال ومساهمته هو وجدي في صنعه .
        - و ماذا كان من شأن الجريح وزوجته ؟- سألته مبهورا بأخبار البطولات .
        - تم أسره ، ثم افتداؤه ... لكنه لم ينس صنيع جدك ، وسترى أنه سيعمل جاهدا على رد الجميل .
        - حقا ؟... كيف ذلك ؟
        كنت مصغيا إليه بكل جوارحي ، بينما عيناي تتفحصان اللوحة الزيتية التي تمثل حربا ضروسا ، حتي خيل إلي أني أسمع سنابك الخـــيل وصهيلها ، وطلقات البنادق ، وصيحات المقاتلين تنبعث من الغبار الممزوج برائحة البارود ، هناك في أعالي الريف .
        - أراك ساهما ... هل أعجبتك الحكاية؟... تلك كانت أنوال ، وهناك امتزج دمي بدم جدك فزادت عرى الصداقة توطيدا بيننا... لقد جرحنا ، لكن جرحي كان أشد عمقا ، وكان ذلك إيذانا بافتراقنا .
        - كيف ؟
        - لم يحصل الفراق توا – استطرد الشيخ بعد أن تنهد – ولكني كنت أشعر بدنوه ، لأن جدك رحمه الله استهوته الحرب ورائحتها ... وإذا كان قد ركن للهدوء بعد الواقعة ، فإنما كان ذلك استراحة المحارب . فقد ظل على اتصال بذلك الجندي الذي جرح وأسر ، وبعد افتدائه ترقى وصـــــار ضابطا ساميا بتطوان . وكان يزوره هناك ويعود محملا بالهدايا الثمينة فيوزعها على الفقراء من بلدتنا ، ويخصني بالنصيب الأوفر ويقول لي دائما : " يعز علي فراقك ، لكني مضطر لذلك . سوف أخوض معمعة أخرى .". كان ذلك بعد أربعة عشر سنة من أنوال . فسألته :" حرب جديدة ؟... الله يلطف ... أين ؟ .".. فأجابني مهدئا :" اطمئن... سوف تقع خارج البلاد ، هناك في إسبانيا ... لقد عزم الزعيم – وكان يدعى " فرانكو" - على محاربة بعض الأعداء من أبناء جلدته ، وأخذ في جمع المتطوعين من شمال بلادنا .
        قاطعت الشيخ قائلا :
        - وهل نشبت الحرب ؟
        - نعم... بعد سنة واحدة من حديثنا .
        - وكيف لم تلحق به ؟
        تنهد مرة أخرى وقال :
        - لقد ترك جرحي عاهة في قدمي ... ألم تلاحظ أني أعرج ؟
        لم ألاحظ ذلك ، وسألته :
        - وهل سافر جدي إلى إسبانيا ؟
        - نعم... سافر مع مجموعة من الرجال ، ونشبت الحرب... لا يغرنك البطولات و الانتصارات ، فالحرب أسوء ما يلجأ إليه ... لقد مات معظم من سافر. أما الذين عادوا فهم إما مبتورو الأرجل أو مفقوؤو الأعين... ناهيك عن اليتامى والأرامل من أهل الريف .
        - و أنوال... أكانت حربا سيئة ؟... لماذا خضتموها إذن ؟
        - حين تكون الحرب من أجل الدين والوطن ، فتلك حرب مقدسة يجب خوضها .
        - وحرب إسبانيا ؟
        - كان على جدك ، مثله مثل الآخرين ، خوضها طائعا أو مكرها... إيه.. تلك الأيام... كانت حلوة رغم قساوتها .

        ( يتبع )
        التعديل الأخير تم بواسطة رشيد الميموني; الساعة 31-01-2009, 10:13.

        تعليق

        • رشيد الميموني
          مشرف في ملتقى القصة
          • 14-09-2008
          • 1533

          #5
          الدار اللي هناك - الجزء الثالث -

          سكت قليلا ليصب الشاي وهو يرفع الإبريق إلى أعلى لتتكون رغوة في الكأس ، ثم أضاف قائلا :
          - عاد جدك بعد ثلاث سنوات قضاها في الحرب ، واستقر في الأندلس بعض الوقت ... كان الضابط و زوجته متعلقين به وعرضا عليه الإقامة في " نيرخا " على الساحل ، لكنه أبى وفضل العودة ، فأعطاه الرجل وثائق وكتب وهدايا لا تحصى .
          - وثائق وكتب ؟
          - أراك مثـله ، تفضل الأدب على المال .. أما الوثائق فكانت تثبت ملكية بعض العقارات ..
          دق قلبي بعنف وسألته :
          - مثل ماذا ؟
          - يا لك من ذكي – قال مبتسما – انظر ما حولك .
          لم أنظر ما حولي ، بل شرد ذهني لعيدا وعادت بي الذكريات إلى حديث جدي.." سيكون من حقك ولوج هذه الدار." ثم رنوت إلى الشيخ مغرورق العينين وقلت بصوت متهدج :
          - وكيف لم يقم فيه وهو مالكه ؟
          تنهد العجوز وقال:
          - بعد أن حط الرحال بتطوان ، أودع كل حوائجه عند رجل بباب العقلة ، واحتفظ ببعض الهدايا للمنزل مثل اللوحات و السجائد ... كان يوما مشهودا.. رقصت وأنا لا أشعر بعاهتي هذه . و أقمت معه هنا .. إلى أن جاء اليوم الذي نغص علينا فيه صفونا أحد الأعيان ليدعـي أن المنزل في ملكه ، وقدم بعض الوثائق المزورة طبعا ، فتطور الموقف إلى المحاكم وطلب من جدك الإدلاء بما يثبت أحقيته في البيت .
          توقف الرجل ليرتشف الشاي من جديد ثم استطرد قائلا :
          - ذهب إلى تطوان وبحث عن الشيخ الذي ائتمنه على حوائجه فلم يجده .. قيل له إنه بدل مقر عمله واستقر بحي " المطامار".. وهنـــــاك أخبروه أنه مقيم بـ" فندق النجار". وهكذا طاف بأحياء المدينة العتيقة دون أن يجد للرجل أثرا .. لكن شخصا أخبره أنه ربما يكون قـــــــد رحل من المدينة ليقيم عند أهله ببني سلمان قرب قنطرة مشهورة هناك .
          - وهل ذهب جدي إلى هناك ؟
          - كان عازما على الذهاب لولا أنه فوجئ بالحكم يصدر لصالح منافسه ، فثارت ثائرته ونعت الرجل بالغش والظلم ، وعير الإسباني المؤيد له بـ" بورقعة" ، وهو لقب كان يلازم الإسبان بسبب فقرهم ، وأدى ذلك إلى سجن جدك في " باب تازة".
          - جدي... سجن ؟
          - نعم – أجاب متنهدا – لقد سجن ، لكن لبضعة أيام فقط . فقد كان معروفا عند الجميع بشهامته ومروءته . ثم إن بطولته في حرب الريف جلبت تعاطفا كبيرا من الناس ، ومنهم بعض رجال السلطة ... فأفرج عنه .
          - وعاد للبحث عن الوثائق ؟
          - نعم.. حاول البحث من البداية ، لكنه توقف وعاد بخفي حنين . فقد أخبره نجار بباب العقلة أن صاحب ودائع جدك قد مات في قبيلته هناك عند القنطرة.. فعاد يجر أذيال الخيبة ، وكله حسرة على سوء الطالع الذي يلازمه.. ثم أخبرني أنه نفض يده من البيت ، وأنه صرف النظر تماما عن الإقامة فيه . لكني شعرت أنه لم يكن يعني ما يقول ، وأنه كان يتحين الفرص للسيطرة عليه .
          - و إذن ، لماذا بقي المنزل مهجورا ؟ وأنت .. كيف استطعت الإقامة فيه ؟
          نظر العجوز إلى الأفق المتورد وقال :
          - بدأ النهار يطلع .. عليك بالذهاب حتى لا يقلق عليك أهلك .
          - لكنك لم تجبني عن سؤالي الأخير .
          - حسنا... بعد إعراض جدك عن البيت ، قررت الإقامة فيه وتحدي كل من تسول له نفسه منعي من ذلك .. وعزمت على صد كل من يفكر في اقتحامه دون أن أدري كيف . وشاءت الأقدار أن تسدي لي خدمة لم أكن أحلم بها . فقد بني البيت بطريقة خاصة لإرهاب كل فضولي يتجرأ على ولوجه . منها سراديب تحدث أصواتا كنعيق البوم ، ودواليب يبعث صريرها الهلع في النفوس . أما خارج البيت ، فقد نصبت فزاعات متقنة الصنع حتى يخالها الناظر إليها أشباحا حقيقية .
          - وجدي ؟
          - جدك ؟ .. بقينا على اتصال بعد أن حسب الناس أني هاجرت إلى الريف ... وفي أحد الأيام ، كنت على موعد معه ، لكنه لم يأت . وسوف لن يأتي في سائر الأيام الأخرى...
          سكت الرجل ، وسكتت أنا أيضا . كلانا عادت به الذكرى الحزينة إلى يوم الرحيل . كنت أغالب دموعي ، وأعلم أن الشيخ يفعل الشيء نفسه . وطال الصمت ولم تعد لي رغبة في الكلام . لكن فضولي لمعرفة بعض الأشياء جعلتني أسأل من جديد :
          - إذن لم يعد ثمة أمل في استرداد البيت .
          - لا أدري.. فأصحابه- أعني الذين اغتصبوه من جدك – رحلوا دون أن يظهر لهم أثر . ربما لأنهم اختلفوا أيضا حول ملكيته ، وهذه عاقبة كل ظالم ، فأعرضوا عنه . اسمع.. قد يكون الرجل الذي احتفظ بوثائق جدك قد أودعها في مكان ما .. هناك عند القنطرة . اذهب وابحث علك تجدها أو على الأقل تجد من يدلك عليها .
          - كيف أبحث عنها ونحن على أهبة الرحيل ؟ .. وعن أي قنطرة تتحدث ؟- قلت واليأس يملأ قلبي .
          - لن تعدم وسيلة للوصول إليها . لا أريدك أن تيأس . فما ضاع حق من ورائه طالب .. ثم ، انظر.. هذه الكتب التي تملأ الرفوف مليئة بالأسرار، والكثير منها يتحدث عن تلك المنطقة .. نقب عن كل شاذة و فذة ، ولا شك أنك ستظفر بكنز..
          - كنز...- قلت بسخرية دون وعي مني وأنا أتثاءب .
          - لا يجمل بك الاستهزاء بمحدثك .
          احمر وجهي خجلا وقلت مطرقا:
          - معذرة... لم أقصد ذلك .
          فنهض الشيخ وهو يمسح رأسي براحة يده وقال :
          - افعل ما نصحتك به.. واسترح قليلا ، ثم عد إلى أهلك . أما أنا فقد عملت ما علي .. اللهم فاشهد .
          - إلى أين ؟
          - إلى حيث يجب أن نذهب كلنا ..
          - ألن نلتقي ؟
          - هذا رهين بمشيئة الله .. كل ما أرجوه منك هو ألا تنسى عمك الفاضل ، و أن تدعو له ولجدك في كل صلواتك .
          - أعدك .
          - نم الآن ثم عد إلى أهلك في حفظ الله ورعايته .
          ونهض الفاضل . وشيعته بنظري حتى دخل القاعة دون أن أبدي حراكا . ولبثت كذلك مدة غير يسيرة ، ثم انتبهت إلى نفسي .. أين العجوز؟.. هل أنا في حلم ؟ .. نهضت ناويا مغادرة البيت . لكن الرفوف المليئة بالمجلدات استرعت انتباهي ، فعدت أدراجي وجلست في الحديقة أتصفح الكتاب تلوالآخر وأنا أحس بجسدي يتراخى وجفوني تطبق فأفركها . كنت أعمل جاهدا على قراءة أكبر عدد من الكتب . وقد وجدت فيها ما جعلني مشدودا إليها وإلى ما ترويه عن أشخاص ومناطق و أحداث . وأحسست أني أسافر على بساط سحري أجوب به القبائل والمداشر .. قرأت عن بني بوزرة وبني سلمان وبني منصور ، وتسلقت قمم تيزيران والأقرع ثم انحدرت إلى وادي القنار ورأيت القنطرة ، لكني لم أتذكر إسمها .. وتداخلت الرؤى فلم أعد أميز بين اليقظة والمنام . فأسندت ظهري إلى الشجرة ورحت في سبات عميق... رأيت جدي وارتميت في حضنه ، وعانقت عمي الفاضل و أخبرته بما نلته من جوائز قيمة بعد اختيار موضوعي كأحسن موضوع إنشائي ... رأيت دموع لطيفة وهي تهنئني بفوزي فشعرت بالشفقة والود تجاهها، ونسيت منافستها لي وخصامي لها . ثم وجدت نفسي أذرع البيت وقد عادت ملكيته لجدي الذي بكى فرحا . وتقدمت نحو والدي أرجو منهما الصفح لما سببته لهما من قلق و ضممت أخي لصدري ، ثم أقبل كلبي العزيز يلعق ثيابي وينبح غبطة وسرورا ، ولم ينقطع عن النباح، فأشرت له بالسكوت لكنه ، وعلى غير عادته ، زاد نباحا حتى ضايقني فكممت خطمه ،لكن نباحه انبعث من أذنيه . تركته وجريت ، فتبعني لاهثا ، عندئذ شعرت بالخوف منه وصحت مستغيثا بجدي :
          - جدي .. جدي .. أنقذني منه.. سيأكلني..
          لكن جدي اختفى ، وكذلك عمي الفاضل وأبواي .. وأخي ، ولم يبق قربي سوى الأشجار والطريق إلى القرية.. والمنزل على مقربة مني ببوابته المغطاة بالكرمة المتفرعة في كل اتجاه . كنت ملقى على الأعشاب وفوق رأسي كلب يتشممني . كدت أنتهره لكني انتبهت إلى ما حولي وقد تغير كل شيء . لم يكن الكلب كلبي ولكني عرفته . ولم تعد الحركة تملأ البيت الذي بدا لي من قبل بهيا ساحرا . بل وجدت نفسي كما لو أني أروم الدخول إليه لأول مرة ... إذن فلم يكن ما رأيته إلا حلما بعد أن غلبني النعاس قبل اقتحام البيت حين جلست أستريح .. عصرت ذاكرتي بلم أفلح في تذكر ما قد يخلصني من حيرتي .
          في تلك اللحظة ، أطل أول شعاع من الشمس من وراء الجبال البعيدة ، فنهضت أنفض عني الغبار وأنا ألتفت حوالي .. وكان الكلب قد يئس من ملاعبتي إياه ، فانصرف وهو يرمقني بنظرات تنم على خيبة الأمل ... ماذا أفعل ؟.. هل أعاود الكرة ؟ .. لكني انتبهت إلى اختفاء ما جلبته معي من لوازم وفكرت مليا قبل أن أخلص إلى نتيجتين :
          - إما أن ولوجي للبيت كان حقيقة ، وإما أني نمت قبل أن أخرج من بيت الجيران . وفي هذه الحالة سأكون قد خرجت نائما ، وهذا ما كان يحدث لي عندما كان لي من العمر خمس سنوات .
          أصابني إحباط كبير وخيبة أمل لا مثيل لها . كيف أقص ما حدث لي من غرائب ؟ .. هل أعترف أن كل ما جرى كان حلما ؟ أم أرويه كحقيقة ؟.. لكني أعرضت عن الفكرة الأخيرة رغم يقيني أن تنفيذها سوف يمهد الطريق للفوز.. وانبعث من داخلي صوت يصيح بشدة "الفائز الكذاب.. الفائز الكذاب .." عندئذ غلبني البكاء وجلست على صخرة أفكر في حالي ، وإذا برجل ينبعث من الغابة ويتقدم نحوي مستغربا قعودي وحيدا في هذا المكان المنعزل ونحيبي في صمت :
          - ماذا حدث أيها الصغير؟ ولم تبكي ؟
          مسحت دموعي بكم قميصي ولم أجب . كنت خجلا من نفسي ولم أرض أن يراني أحد أبكي . كانت كلمات جدي ترن في أذني:"إن الرجال لا يبكون .. الجبناء هم الذين يبكون..". ولما لم أرد ، أعاد الرجل السؤال وهو يربت على رأسي :
          - هل تهت ؟ .. ألست ولد الجندي ؟
          أشرت له برأسي أن نعم ، فسكت هنيهة وهو ينظر حواليه ثم يصوب نظره نحو البيت . و أخيرا تنهد وانحنى بتفرس في قائلا :
          - ماذا تفعل هنا ؟ هيا معي ، فالشمس قد تضرك وأنت لم تفطر بعد على ما يبدو.. ثم إن وجودك قرب هذا المنزل قد يعرضك للأذى .
          - لماذا ؟- قلتها متلهفا لمعرفة المزيد عن المكان- هل هناك خطر ؟
          تردد الرجل قبل أن يجيب :
          - هذا المنزل مسكون.. ألم ينبهك والدك لذلك ؟.. انهض وتعال معي .
          نهضت وتبعته نحو القرية وأنا ألتفت ورائي بين الفينة والأخرى ، فيخيل إلي أني أرى عمي الفاضل واقفا في إحدى شرفات البيت وأنني أسمع ترنيمته الشجية .. حتى وصلنا إلى منزل الجيران . هناك ، عند عتبة الباب ، وقفت جارتنا وقد بدا عليها القلق والتوتر:
          - أين كنت يا ولدي ؟ و إين ذهبت باكرا هكذا . ألا تعلم أن والديك أوصياني بالحرص عليك وعلى أخيك ؟.. لماذا تفعل بنا هكذا ؟
          وتغير صوتها حتى صار أقرب للبكاء ، فتقدم الرجل ودفعني إليها برفق وقال :
          - وجدته في الناحية الأخرى من... الدار .
          - الدار ؟... يا للمصيبة.. ماذا كنت سأقول لهما لو.. العياذ بالله.. تعال وادخل .. عما قليل سيصلان ... ماذا جنيت ياربي حتى أعاني كل هذا القلق والخوف ؟
          ضايقني لومها ووددت لو تصمت . فقد كنت في حالة يرثى لها من الذهول والإعياء ، ناهيك عن مشاعر الإحباط و اليأس . لكني كنت متفهما لحالتها خاصة وأني أعرف طيبتها وحرصها الشديد علينا ، حتى من عقاب والدي . ولا أدل على ذلك من كتمانها لما جرى حين عادا من رحلتهما . ولاحظت أمي تغير سحنتي فاستفسرت الجارة ، لكن أبي بادر يطمئنها باسما :
          - ماذا تنتظرين منه وقد تركناه وحيدا ؟ لا قرين يرعبه ولا رفيق يؤنسه...
          - لكن أخاه معه... لا.. لا شك أن شيئا حدث له .
          - حقا.. لكن فارق السن بينهما كبير شيئا ما ...
          التفت إلى الجارة وجلا فوجدتها تبتسم .. ولم تعقب . أما أمي فظلت تنظر إلي بريبة . وعندما لم تجد الجواب الشافي تركتني لشأني وانشغلت بأمور أخرى تتعلق بالرحيل . إذ لم يبق على انقضاء العطلة سوى يومين . وكان أبي قد رتب الأمور وحصل على إذن بانتقالي .

          تعليق

          • رشيد الميموني
            مشرف في ملتقى القصة
            • 14-09-2008
            • 1533

            #6
            الدار اللي هناك - الجزء الرابع -


            ثم بدأنا نحزم الأمتعة . ها قد انتهى كل شيء . وجدت نفسي أتعجل الرحيل حتى لا تبدو هزيمتي أمام الملأ . وأخذ فضولي يزداد حول ما أعدته لطيفة من جديد . وشعرت بدبيب الغيرة يسري إلى قلبي ، لكني تمالكت نفسي وأخذت أفكر جديا في ما حلمته . أليس هذا أفضل من لا شيء ؟ .. وعلى التو شرعت في الكتابة بكل حماس غير آبه بالحركة من حولي . وينتبه أبي لانشغالي فيتوقف و العرق يتصبب من جبينه ويقول مبتسما :
            - ماذا أعددت لمعلمك ؟.. لا شك أنك وجدت شيئا خارقا أثناء غيابنا .
            - لا شيء.. سأقص حلما رأيته أول أمس .
            - حلما ؟ .. لكنه طلب منكم واقعا..
            - سوف أخبره بحقيقة الأمر .
            - هذا أفضل .
            وعدت للكتابة وانصرف هو لحزم الأمتعة ، بينما أمي تعينه تارة وتعنى تارة أخرى بأخي الذي لا يكف عن الصراخ .. وهمت بخيالي أجول في المنزل المهجور الذي أحببته و ألفته ، بحيث لم يعد يخيفني .. أصف جنباته وما حوته من نفائس ، وحديقته و ما زانها من أشجار و أزهار . وتطرقت بالتفصيل إلى كيفية ولوجي للداخل في تلك الليلة التي لن أنساها... وفي تلك اللحظة قطع أبي علي حبل أفكاري وهو ينادي في حدة :
            - هيه... أين الملقط والحبل ؟.. ألم أنبه إلى عدم مس هذه الأشياء ؟ ها نحن محتاجون إليها... حتى المصباح اختفى .
            وقف شعر رأسي وجحظت عيناي .. ما معنى هذا ؟.. لملمت أدوات الكتابة و أسرعت أعدو كالمجنون صوب المنزل هناك على ضفة النهر . كان فكري منصبا على شيء واحد .. هل أجد الحبل والملقط والمصباح عند أسفل السور ؟ .. إذا لم أجدها فذلك يعني... أني لم أكن أحلم ، وأن ولوجي المنزل كان حقيقة .. يا للفرحة .
            حين وصلت ، بحثت وقلبي يخفق بعنف . في نفسي أمل بعدم العثور على تلك الأدوات .. وفعلا لم أجد شيئا . توقفت عن البحث وجسمي ينتفض.. مهلا.. ألا يكون عابر مر من هنا والتقطها ؟.. خمد حماسي قليلا ، لكني تشبثت بالأمل وعدت أدراجي مترنما بالأغنية "الدار اللي هناك.. عاليمين..." . وجدت أمي لا تزال تهدئ من روع أخي الباكي ، بينما أبي يواصل حزم الأمتعة في عصبية واضحة .
            - أين كنت ؟ وأين ذهبت مسرعا ؟
            - ذهبت لأبحث عن الحبل والملقط والمصباح.. ربما كانت هناك .. قرب النهر .
            - قرب النهر ؟ و من الذي أخذها إلى هناك ؟
            - لا أدري.. ولكن ..
            - يبدو أن انغماسك في كتابة أحلامك قد أثر عليك.. هيا خذ هذه الحقائب وضعها عند عتبة الباب .. عما قليل سيأتي جارنا بالبغال..
            - سنركب البغال ؟
            - أجل..- قال وهو يشير إلى قمة الجبل المجاور للقرية من الناحية الشرقية – انظر.. من هنا طريقنا.. سترى أن امتطاء البغال أمتع من ركوب السيارة .. ثم.. هاهي فرصة حقيقية لإعطاء موضوعك متعة وتشويقا واقعيين .. سوف نمر بمناطق لم تشاهدها من قبل .
            سهمت قليلا قبل أن أجيب مكلما نفسي :
            - حقا.. من يدري؟.. لعل الحلم يصير حقيقة .
            نظر إلي أبي مبتسما رغم عيائه ، ثم هز رأسه وعاد لعمله ، ووقفت أنا أنتظر صاحب البغال حتى أتى . ولكي أبدو جريئا سألته:
            - هل تستطيع هذه البغال السير حتى الريف ؟
            - الريف ؟..- قال الرجل وهو يغرق في الضحك حتى أربكني – اسمع ما يقول ابنك .. الريف ؟
            وانتبه أبي لحرجي فقال دون مبالاة :
            - هو بالنسبة إليه كل المنطقة ريف.. فهذه الجبال جبال الريف كما درسوا ..أليس كذلك يا بني ؟
            - أجل- قلت بسرعة – ونحن الآن في الريف الغربي .
            وضحك أبي وهو يغمزني بعينيه . وفي اللحظة التي شدت فيها الأحمال وتهيأنا لامتطاء البهائم ، تراءت لنا سيارة جيب آتية نحونا ثم توقفت . خفق قلبي بعنف حين رأيت القائد يترجل ، فيهرع إليه أبي مصافحا ، ثم ابتعدا قليلا ليخوضا في أمور تخص القيادة . التفت إلى السيارة لأجد لطيفة هناك مع أمها . كانت تبتسم ، ولم تكن ابتسامتها تحمل أي تحد أو عداء . ابتسمت بدوري ولوحت لها بيدي مودعا فلوت رأسها . ولمحت أمها تشير إلي بالاقتراب ..
            - كيف حالك يا بني ؟.. يبدو أنكم راحلون اللحظة .
            - نعم .. وكنا على وشك الانطلاق .
            - سوف نفتقدكم كثيرا.. أين أمك ؟
            - في الداخل تطعم أخي .. هاهي قادمة .
            ونزلت المرأة من السيارة وسرعان ما هرعت أمي نحوها لتتعانقا ، و لم أعد أسمع إلا شهيقا ونحيبا.. كانتا تتبادلان القبلات وتهمسان بصوت مختنق..و التفتت إلى لطيفة .. كانت هي الأخرى تبكي في صمت ، فتقدمت نحوها قائلا في تجلد :
            - هل أعددت شيئا لمعلمنا ؟
            - نعم.. و أنت ؟
            - وأنا كذلك .. لكني لا أدري ما الفائدة منه الآن .. ربما لن يثير اهتماما .
            ابتسمت قائلة وهي تجفف دمعها بمنديل :
            - هذا ما أحسه أنا كذلك.. وقد لا أجرؤ على تقديمه .
            اختفت كلمات الخصام و التحدي من حديثنا ، و شعرت لأول مرة بأن لطيفة هي أولا و قبل كل شيء زميلة لي يجدر بي احترامها و مساعدتها.. وأحسست بالندم لما بدر مني تجاهها في الماضي ، فاستجمعت شجاعتي وقلت وأنا أغض بصري :
            - كنت أريد أن أقول لك شيئا..


            - أعرف.. أنا بدوري فكرت في ذلك.. لكن .. كما ترى .. ها نحن معا.. لا حاجة لأي اعتذار ..
            كانت تتكلم جاهدة على أن يظل صوتها طبيعيا ، لكنها لم تفلح في إخفاء تهدجه ، فكان له وقعا على نفسي و غلبتني دموعي أنا أيضا ومددت لها يدي مصافحا :
            - رغم كل شيء .. أعتذر عما مضى..
            - لا تعتذر..ألم أقل ألا حاجة لذلك ؟
            - بلى .. و لكني..
            - لا تقل شيئا..خذ.. هذه هدية أعددتها لك من قبل.. و الحمد لله أننا لحقناكم قبل الرحيل .
            مدت إلي بأوراق ملفوفة بعناية وقالت :
            - لا تقرأها إلا و أنت بعيد عن هذا المكان .. عدني بذلك .
            - أعدك.. لكني..
            ابتسمت في حنو وقالت وهي تربت على كتفي :
            - هديتك قبلتها .. مع السلامة .. هاهو والدك يناديك .
            وقفت مشدوها و أردت أن أستفسرها ، لكنها كانت قد ابتعدت ولحقت بأمها ،ولم أشعر إلا و أبوها يدنو مني ويضع يده على رأسي قائلا:
            - لطيفة تشكرك على لطفك وظرفك .. لا تنس أن تكتب أليها وتخبرها عن أحوالكم.. مع السلامة .
            وتحرك الموكب.. ما أصعب الفراق . الكل كان يبكي.. أمي.. زوجة القائد..لطيفة.. أنا ، وأخي الصغير أيضا . وأخذت القرية تبتعد شيئا فشيئا حتى صارت عبارة عن بقعة صغيرة بيضاء ننظر إليها من أعلى الجبل . وما هي إل لحظات حتى اختفت حين أخذنا ننحدر وراء الجبل المطل عليها لنستقبل وديانا وأخاديد سادها السكون .
            وأراد أبي أن يخفف عنا وطأة الفراق عن قريتنا الوديعة وأهلها فقال :
            - انظروا.. هذا الطريق يؤدي إلى الساحل .. سنعبر واد القنار وستشاهدون أغرب قنطرة صادفتموها .. ليس لها مثيل .
            انتبهت من شرودي وسألته :
            - أية قنطرة ؟ هل ما زالت بعيدة ؟
            و كأنما تشجع أبي بسؤالي فاغتنمها فرصة ليضفي علينا جوا من التسلية والمرح فأجاب :
            - سنصل إليها قريبا.. هذه منطقة مليئة بالألغاز والأسرار . هنا كانت تعيش عرافة تكشف عن المستقبل .. طبعا هذا مستحيل ، لأن الغيب لا يعلمه إلا الله – قال ذلك مبتسما لعلمه بتحفزي لمحاجته – وأيضا عاشت هنا فتاة اشتهرت بوصفتها الشهيرة لمن يريد الإقلاع عن التدخين . لم يهمني حديث قدر ما أهمني موضوع القنطرة ، فعدت أسأل أبي عنها متوقعا أخبار مثيرة عنها فقال:
            - يسميها أهلها " قنطرة ربي "..
            - إسم جميل وغريب.. لكن لماذا هذه التسمية ؟
            - حين نصل إليها سترى بأم عينيك وسوف تخمن سبب ذلك .
            كم كان أبي رائعا في سرده لحكاياته .. يزيدها متعة وتشويقا .. تلك كانت عادته .. وكنت متوقعا لذلك . ولكي أقطع الصمت الذي ران من جديد سألته :
            - ألم يكن الأولى أن نذهب إلى الريف عبر الطريق الرئيسية ؟
            - بلى .. ولكن علي المكوث بالجبهة بضعة أيام ريثما أسترد بعض حاجياتي عند عمك هذا ، ثم أرد بعض الودائع إلى أصحابها .
            وكيف الوصول إلى الريف من هناك .. هل نعود أدراجنا ونمر من جديد على "المجرى" ؟
            - كلا- أجاب ضاحكا وكأنه قرأ أفكاري – ولكننا سنذهب من هناك إلى " باب برد" حيث الطريق الرئيسية .. هل اشتقت لقريتك ؟
            لم أجب ، وشعرت بغصة في حلقي ، بينما نظرت أمي بعيدا وهي تمسح دمعها بكفها ، فقال أبي متنهدا :
            - سوف تألفون المكان الجديد .. إنه ينضح بالمياه و الخضرة .. ثم – وقال موجها لي الخطاب - لا تنس أن أصل أبيك من هناك..
            - من بني ورياغل ؟
            التفت إلي مشدوها وقال :
            - من قال لك ذلك ؟
            ثم نظر إلى أمي فوجدها شاردة الفكر ، بينما عادت بي الذكريات إلى تلك الليلة الغريبة وما سمعته من الشيخ ،فلم أرد على أبي . وساد الصمت إلا من وقع حوافر البغال ونحنحتها بين الفينة والأخرى . وفي لحظة من اللحظات ، انتبهت إلى توقف الركب لأجد نفسي على حافة جرف لم أر مثله من قبل . سحرني امتداد الوادي السحيق بأشجاره الكثيفة و صخوره الناتئة ، فقال أبي بحماس :
            - هاهي القنطرة .. أنظر هناك .. قنطرة ربي ..
            أحسست بشعر رأسي ينتصب وبقلبي يخفق بعنف . وخيل إلي أن المكان بعج بأصوات وطنين . هل هي نهاية اللغز ؟.. وهل أكتشف شيئا ذا بال يتوج مجهودي ؟.. لم أعد أفكر في الفوز بأحسن موضوع ، وانتفى شعوري بالتحدي تجاه لطيفة... لطيفة ؟ أين تكون الآن ؟ منذ لحظة الفراق الحزينة لم أعد أشعر نحوها سوى بالمودة وشيئا قليلا من الندم على معاملتي لها في الماضي .. ما أهنأها الآن في قريتها الوديعة .. لم يعد إذن كل همي التفوق والفوز ، بل صار اهتماما خاصا بالبيت المهجور و أحقيتي فيه .
            وفي اللحظة التي كان أبي يترجل فيها مشيرا بالتحية إلى أحد البدويين الذي أقبل مهرولا نحونا فاتحا ذراعيه ،انشغلت بالنظر إلى القنطرة وقد شملها السكون وأحاطت بها شجيرات و أعشاب تكاد تخفيها عن النظر . وخيل إلي وأنا أتأملها أني أسمع صوت عمي الفاضل وهو يحثني على البحث و التنقيب للحصول على ملكية البيت . ولم أنتبه إلى أمي وهي تناديني وقد نفد صبرها . فترجلت بدوري واتجهت إلي باحة المنزل القروي وقد أعدت المائدة بما لذ وطاب . ولم يكف صاحب البيت عن الترحاب وهو يتنقل بين المائدة و"بيت النار" حيث لم تتوقف زوجته من الطبخ.. فهذا دجاج محمر ، وهذا بيض مقلي بالسمن ، وهذه زبدة وعسل ، وهذا لبن و قطائف ..
            التعديل الأخير تم بواسطة رشيد الميموني; الساعة 19-03-2009, 18:36.

            تعليق

            • رشيد الميموني
              مشرف في ملتقى القصة
              • 14-09-2008
              • 1533

              #7
              [align=center]
              (5)
              [/align]
              [align=justify]
              كان المساء قد أقبل وأخذ الظلام يلف المكان شيئا فشيئا . شعرت بشيء من الوحشة ، لكني سرعان ما استأنست بالحديث الذي كان يدور بين أبي و صاحب البيت . وبينما كانت جفوني تغالب النوم إذا بمجرى الحديث وقد تحول إلى القنطرة و أسرارها . أرهفت سمعي ، لكني كدت أقفز من مكاني والرجل يقول :
              - ...كان شيخا هرما . قدم عندنا منذ أيام وطلب ضيف الله . كان متعبا ومريضا . سألناه عن وجهته فلم يعطنا جوابا شافيا . قال إنه جاء إلى القنطرة للبحث عن أحد الأشخاص الذي قد يكون مؤتمنا على وثائق تهمه . لقد عرفنا الشخص المطلوب ، لكننا لم نستطع فعل شيء لأنه كان قد غادر المنطقة منذ زمن طويل ...و أظن أن يأسه من لقاء الشخص قد أثر في صحته . إذ سرعان ما تدهورت و ما لبث أن وافاه الأجل .

              - هل كان يسمى الفاضل ؟
              هتفت دون وعي مني ، و التفت إلي الجميع مستغربا فلم أجد بدا من التظاهر بالنوم وعدت أضع رأسي على الوسادة وقلبي ينتفض مما
              سمعته . أيكون هذا حلما لكثرة تفكيري في الموضوع أم أن الأمر حقيقة و أني قاب قوسين أو أدنى من بلوغ مأربي ؟

              - إنه يتحدث في بعض الأحيان وهو نائم خصوصا إذا تعب كثيرا ..- قال أبي وهو يربت على رأسي بحنو.
              - غريب هذا الأمر.. ألا تعلم أن الشيخ المتوفى كان اسمه كما قال ابنك ؟-
              - كيف ؟
              صاح والدي بصوت واحد تقريبا ، بينما انتفض جسمي متأثرا بما سمعت .. عمي الفاضل كان هنا إذن ؟ .. واحسرتاه عليه .. أجهشت بالبكاء وانتبه إلي أبي فأقبل نحوي والدهشة لا تزال بادية على وجهه . تبادلنا النظرات فابتسم . ابتسمت بدوري فسألني :

              - هل لك أن تفسر لي ما سمعت ؟
              وانبرى مضيفنا يقول متحمسا :
              - ليس هناك تفسير ولا أي شيء آخر سوى أن ابنك هذا سيكون وليا من أولياء الله...
              كدنا ننفجر ضحكا ،لكن أبي ، ومراعاة لأدب الحديث نبهني إلى وجوب ضبط النفس ، فتنهد و أجاب وهو يستدير نحوه :
              - كل شيء بمشيئة الله .
              - ونعم بالله – رد الرجل بخشوع .
              - وأين دفنتم الرجل ؟
              - هناك في أعلى الجبل ، نزولا عند وصيته .. صعب على المرء زيارة قبره .. فهناك الخنازير والذئاب فضلا عن انتشار المصائد والفخاخ .
              بعد ذلك لم أعد أعي ما يقال. فقد أخذ التعب مني كل مأخذ و سرعان ما بدأت الأحلام تنهال علي متداخلة متشابكة . وأستيقظ لأجد نفسي جالسا على حافة السرير و أنا أتصبب عرقا ، لا أدري هل أنا في يقظة أم لا زلت أغط في سباتي . ألتفت حولي لأتأكد من صحوتي ثم أستلقي على ظهري فلا أجد سوى الظلام الدامس يملأ الغرفة .. و أظل على هذه الحال إلى أن يلوح لي بصيص من نور ينبعث من كوة في أعلى الغرفة المطلة على الوادي .. أخيرا بزغ الفجر . علي أن أنهض و أملي نظري بمنظر الطبيعة الهادئة وهي تستقبل يوما جديدا .
              قصدت القنطرة في وجل .. كانت هناك ، مستلقية في سكينة . خلتها تبتسم لي في ترحيب . توغلت قليلا في ما يشبه أجمة صغيرة كي تطأ قدمي تربتها الندية . شعرت بانتعاش يسري في ساقي وهب في نفسي إحساس بأن روح عمي الفاضل تحوم حول المكان حاثة إياي على المضي قدما في بحثي و إصراري على بلوغ مأربي .
              جلست على حافة القنطرة وتركت رجلي تتأرجحان في الفضاء و أنا أرمي الغدير الساكن بحصى .. لذني وقعها على صفحة الماء الصافي وأخذتني السنة و أنا أنظر إلى التموجات المنبعثة من وقع الحصى . وفي تلك اللحظة اقترب مني كلب يتشمم حذائي في توجس وحذر . مددت يدي لأربت على ظهره فانكفأ هاربا . صفرت له مشيرا إليه بالاقتراب، فتشجع ودنا مني ، لكن التوجس لم يفارق عينيه . ذكرني بالكلب الذي أفقت على نباحه عقب استيقاظي في ذلك الصباح الذي تلا مغامرتي الليلية في الدار المهجورة .
              وحين أطل أول شعاع من الشمس وراء الجبال ، نهضت وأنا أشعر بالجوع يقرص معدتي ، ودخلت المنزل لأجد المائدة وقد حوت ما لذ وطاب من الطعام . ولولا خشيتي من سوء الأدب في الأكل لأقبلت على الكل بشراهة و لازدردت القطيفة المعسلة دفعة واحدة . لكني تمالكت نفسي وجلست بعد أن ألقيت التحية على الجميع ، و لاحظت غياب والدي.. ربما كان ، مثلي ، انطلق يسبر أغوار الغابة والوادي المجاور.

              - هيه.. هل أعجبك المكان ؟- سألني الرجل - قل ماذا تفضل.. قريتك "المجرى" أم بلدتنا ؟
              التفت إلى أمي لأجدها منهمكة في حديث طويل مع صاحبة المنزل .. أثار سؤال مضيفنا الشجن في نفسي وأطرقت برأسي دون أن أجيب. لم يلح الرجل علي ، لكنه لم يتوقف عن حثي على الأكل عارضا علي في كل مرة قطيفة أو خبزا ..

              - أين ذهب أبي ؟
              - أبوك ؟- رد الرجل مقهقها – سيعود بعد قليل ، عسى أن يكون في غيابه خير . لقد ذهب ليقابل "المقدم" .. أمور إدارية .. لا غير .
              ماذا يعني ؟.. نظرت إلى أمي . كانت عيناها تلمعان ببريق لم أعهده فيهما منذ صدر الأمر لأبي بالانتقال . كانت نظرتها تشي بالأمل. ماذا يحدث ؟ وماذا يخفون عني ؟.. وحاولت مداراة فضولي بسؤال عابر فالتفت إلى الرجل و سألته :
              - وذاك الشيخ ؟ ألم يحمل معه شيء ؟
              مثل ماذا ؟-
              في سؤاله رنة غريبة .. نظر إلي مليا وأشار إلى المرأتين بالصمت ، ثم إلى زوجته أن انتبهي إلى ما يقال . أما أنا فقد أجبت ببساطة:
              - كتب .. مثلا .
              - كتب ؟.. ما أدراك بذلك ؟ - قال ذلك دون أن يرفع بصره عن زوجته و كأنه يشهدها على ما أقول .
              و قبل أن أجيب دخل علينا أبي و إمارات البشر على وجهه .. أما أمي فقد امتقع لونها في بداية الأمر ، لكن سرحان ما تورد خداها و دمعت عيناها .. لم أدر ما حصل . كان ذهني مشتتا بين استغراب الرجل لكلامي و بين غياب أبي وما أحدثه حضوره من أثر . أما الرجل فهب واقفا و أشار إلينا جميعا أن نتبعه . قادنا إلى سلالم ضيقة وفتح بابا صغيرة بجانبها ثم أفسح لنا الطريق .

              - ما هذا ؟- سأل أبي وهو يتفرس في أكوام من المجلدات الضخمة – و ما شأننا به ؟
              - اسأل ابنك .
              - ابني ؟ وما دخله في هذا؟
              تقدمت بدوري و أنا أرتجف . الآن تيقنت من صحة ما رأيته في تلك الليلة . وصار من الممكن أن أروي ما حدث لي بكل طمأنينة و دون خشية من أية سخرية أو اتهام بالجنون . وجدت نفسي أمام ما يشبه مخزن صغير ، مليء بكتب كفيلة بإسالة لعاب كل من يهوى القراءة أو البحث في التراث . هي نفس الكتب التي كانت تزين الحجرة الكبيرة التي كان عمي المفضل يترنم فيها بتلاوة القرآن في البيت المهجور . علي الآن وقبل أي شيء أن أوضح ، أمام نظرات الاستفهام المحيطة بي ، كل ما حدث في تلك الليلة .
              [/align]


              </i></b></i>

              تعليق

              • رشيد الميموني
                مشرف في ملتقى القصة
                • 14-09-2008
                • 1533

                #8

                [align=justify]
                كان الصمت تاما و أنا أحكي بالتفصيل ما جرى منذ تكليف المعلم لنا بكتابة موضوع إنشائي ، بل عدت أكثر إلى الوراء ، إلى حيث كان جدي يحدثني عن المنزل و أحقيتي فيه . وهنا انتبهت إلى أبي و تعابير وجهه تحمل لأول مرة معاني الألم و الحسرة . وتبين لي إلى أي مدى كان شغوفا بالبيت ، وفهمت معنى تعلقه بأغنية " الدار اللي هناك" .
                حين انتهيت من السرد ـ تقدم أبي وضمني إلى صدره محاور إخفاء تأثره و مغالبا دموعه . ثم انتقلنا إلى حجرة الأكل وأنا لا أزال ألتفت إلى المجلدات الضخمة . ولمح المضيف ذلك فقال وهو يقتعد وسادة :
                - لا تهتم .. فهي ، على كل حال ، لك .
                لي ؟-
                - أجل.. وهذا من وصايا الشيخ ... لقد تأكدت الآن أنك الطفل المنشود .. حكايتك مطابقة تماما لما حدثني به .. هنيئا لك .
                كان أبي واقفا يتأملني تارة ، وتارة أخرى ينظر إلى الكتب المكدسة ، وقد علت محياه فرحة لم يستطع إخفاءها .. فرحة فاقت تلك التي رأيتها على وجهه لحظة عودته من عند المقدم .. و التفت إلى الآخر قائلا :
                - الله يبارك فيك يا أخي ويرزقك الذرية الصالحة .
                - آمين .. عسى ألا ينسانا ابنك هذا أن يدعو لنا بالمثل .
                المسكين .. كان اعتقاده راسخا بأني ولي من أولياء الله .. و أن أمنيته في أن يرزق بولد صارت قريبة المنال .. ولمحت أبي ينظر إلي ففهمت ما ينتظره مني ، وقلت بصوت متهدج :
                - سأدعو لك في كل صلواتي أن يرزقك الله أولادا وبنات ..
                على رسلك يا بني – قاطعني الرجل ضاحكا – فقط ولد أو ولدين .. و .. بنت . -

                رغم هذا الجو المرح ، ورغم كل ما حصلت عليه ، كان تفكيري الدائم في قرب الرحيل ينغص علي صفوي . لكن الأيام مرت ونحن لا نزال في ضيافة صديق أبي . و تكرر غياب أبي .. فكان ينهض باكرا في بعض الأحيان ويجد في انتظاره المقدم ممسكا ببغل .. ماذا يحدث ؟ ولم هذا التأخر في الرحيل..؟ بل وما هو هذا العمل الذي يستوجب غياب أبي جزءا كبيرا من النهار بعد أن انتهت مهمته في هذه المنطقة ؟ كل هذه التساؤلات سرعان ما تلاشت حين وجدت ما يصرفني عن التفكير في إمكانية الإجابة عنها .
                أجل.. صرت أقضي النهار كله في التجوال عبر الأحراش و الأودية .. أتسلق الأشجار و أتلذذ بأكل الفواكه المختلفة من مشمش و كرز وإجاص وتين .. ثم أختار موقعا يشرف على الوادي والقرى المنتشرة عبره ، و أجلس لأتفحص أحد المجلدات الذي أحمله معي كلما خرجت للتنزه بعيدا عن المنزل .. عندئذ ، ووسط سكون شامل لا يتخلله سوى زقزقة العصافير و حفيف أجنحتها ، أو خوار بقرة آت من بعيد ، أبدأ في قراءة المجلد بنهم .. كم هي ممتعة الحكايات والوقائع التي لا تمل النفس من قراءتها مرارا.. أشخاص و أحداث و مناطق وصفت بتدقيق، حتى يخيل إلي و أنا أجيل النظر بعيدا أني أعيش تلك الأحداث و أقابل أولئك الأشخاص . وأنظر دون وعي مني إلى موطئ قدمي فأحسب الأرض لا تزال تحمل آثارهم . لم أكن أدري أن المنطقة تعج بهذا العدد الهائل من العلماء و الأبطال و المواقع البطولية .. و أخذت ذاكرتي تستوعب كما هائلا من أسماء الأماكن التي كنا نمر عليها في كل سفر و علاقتها بمعركة أو شخص .. فقد قرأت في أحد الكتب عن قرية الحمراء ومعركتها الشهيرة ، ثم عن المسجد الذي بناه أول الفاتحين .. وتحدث أحد الفصول عن قرية " الشرافات" وسبب تسميتها كذلك .
                كنت أقرأ بنهم غير عابئ بمرور الوقت . لم يعد يراني أحد إلا متسلقا الجبل ، باحثا عن أقصى مكان لا يؤمه الغادون و الراحون من أهل المنطقة ، أو جالسا على مائدة الطعام . كنت أقرأ معدل مجلد في يومين . وكثيرا ما أجد نفسي ساهما وقد آذنت الشمس بالمغيب ، فأطوي الكتاب و أضمه بحنو إلى صدري ثم أنحدر نحو البيت . وكم من مرة توقفت أتلمس الطريق بسبب هبوط الظلام ، ويبدو لي شبح مقبل نحوي . إنه صاحب البيت جاء يبحث عني بعد أن أسرت إليه أمي بقلقها من تأخري في العودة .
                - أين كنت ؟ .. لا تقل لي إنك ذهبت لزيارة القبر .. ادخل الله يهديك .

                لا يبدو على أمي أنها منفعلة رغم تأنيبها الخفي .. وجهها ، وعلى غير عادتها منذ مغادرتنا القرية ، منفرج الأسارير.. أما أبي فهولا زال لم يعد بعد من خرجاته اليومية الطويلة . هاهو يدخل .. يجلس في إعياء والابتسامة العريضة تملأ وجهه . وأقبل صاحب البيت سائلا :
                - هيه.. أيها القبطان .. هل نهنئ ؟

                لم يجب أبي ، بل اكتفى بهز كتفه ، بينما أشار إلى أمي بحركة أن كل شيء على ما يرام .. ماذا يعني ؟ وما هذا الألغاز التي تلف حديثهم منذ مدة ؟.. نظرت معاتبا إلى أبي فقال :
                - اذهب وتوضأ وصل ثم تعال نتحدث قليلا على السطح ، فالجو رائع في الخارج .
                لم أدر كيف تم الوضوء والصلاة لشدة لهفتي إلى سماع ما سيقوله أبي . إذ سرعان ما وجدت نفسي جالسا على الزربية أرنو في شغف تارة إلى أبوي وتارة إلى مضيقنا وزوجته . و أخيرا نطق الرجل قائلا :
                - أظن أن الوقت قد حان لإخباره بكل شيء .. أليس كذلك أيها القبطان ؟
                - أجل – رد أبي باسما – ولكنه سوف يعذرنا ، لأن لكل مقام مقال .
                ثم التفت إلي معتدلا في جلسته ، وتنحنح قبل أن يقول :
                - اسمع يا بني .. لقد كانت وجهتنا محددة ، لكن مشيئة الله أبت غير ذلك ...

                هنا ، تسارعت خلايا ذهني في تخيل ما حدث و ما سيحدث .. كان أبي يحدثني عن ترقيته إلى رتبة قبطان ، وتصادف ذلك مع وفاة قائد الحامية بمركز القيادة . شرد ذهني ولم أعد أستطيع كبح جماحه ،فانطلق يرتع عبر الأودية و الربى متغلغلا في الغابات قبل أن يحط الرحال في قريتي الوديعة على ضفة نهرها الصغير.. الغدير .. الشط .. و البيت المهجور.. لا ، لم يعد مهجورا.. لقد جعلته الكتب يفيض حيوية . إنه بيتي وبيت أبي كما كان بيت جدي من قبل .. ولطيفة ؟.. لو علمت كيف سها فكري عنها طول هذه المدة لاستاءت مني .. الآن .. يمكنني تعويض ما بدر مني تجاهها .. ثم ، ألم يكن الأجدر بي أن أفض هديتها و أعرف ما هو مكتوب على الورقة ؟
                وأفقت من شرودي و أبي مسترسل في سرده . انتظرت حتى أكمل حديثه ثم استأذنته في الانصراف للحظات فأذن لي . وانطلقت نحو حقيبة ملابسي أفتش عن الورقة ، فلم أجد عناء في العثور عليها . كان طيف زميلتي يملأ المكان و العبير ينبعث من هديتها . فضضت الغلاف فوجدته يحوي ورقة ومنديلا ملفوفا بعناية . اقتربت من النافذة حيث انبعث ضياء القمر المطل من وراء الجبل . كانت الرسالة ملونة وقد ازدانت حواشيها برسوم الأزهار والنجوم ، و انسابت سطورها تحمل بين طياتها عبارات الصداقة و الوفاء . أحسست بوخز ضميري لكني تابعت القراءة ثم أخذت المنديل أقلبه بين يدي . لمست يدي شيئا صلبا . كانت بين طيات المنديل قلادة معدنية تمثل حملا .. برج لطيفة. تذكرت أنها كثيرا ما كانت تحمل القلادة متباهية بها بيننا .. كانت شغوفة بها .. وها هي تهديها إلي .. أليس هذا منتهى اللطف ؟
                لملمت المنديل والرسالة ودسستهما بعناية بين طيات ملابسي في الحقيبة ثم التحقت بالمجلس حيث أعدت مائدة العشاء . جلست بجانب أبي و سألته :
                - إذن سوف نعود إلى قريتنا المجرى ؟
                - طبعا .. يبدو أن ذهنك شرد كثيرا .
                - أجل ، و لا زلت غير مصدق أني في يقظة .. لكن.. منزلنا .. ألم يسلم للموظف الجديد ؟
                - منزلنا ؟ - رد أبي ضاحكا - لا تهتم .. سوف نقيم في منزل آخر .
                وعقب مضيفنا قائلا :
                - منزل يليق بالقبطان الجديد .
                ماذا يعني ؟.. طافت مخيلتي بأرجاء القرية باحثة عن المسكن المقصود فلم أجد واحدا يليق بنا . زادت حيرتي وخاصة حين شعرت من
                جديد بالنظرات مصوبة إلي .. ماذا يعني كل هذا ؟ و هل هناك لغز آخر علي بفكه ؟ ألا يكون أبي يقصد .. ؟ مستحيل .. نظرت إليه فوجدته يتفحصني بعيون تحمل ألف معنى وتصرخ مجلجلة في ابتهاج وحبور . و التفت إلى أمي فأدارت وجهها لتخفي تأثرها . هكذا هي أمي . قليلة الكلام سريعة التأثر . تغلبها دموعها لأدنى انفعال.. لم أسأل كيف ولماذا ومتى.. كانت خشيتي كبيرة في أن أستيقظ من حلم جميل وأجد نفسي كما كنت .. أستعد للرحيل ، مغادرا إلى الأبد قريتي الوديعة ..
                في الأيام التي تلت كل هذه الأحداث .. قضيت أغلب الأوقات في تدوينها وتسجيل كل ما رواه لي أبي عن المنزل وكيف سلم له بناء على طلبه . وكان وصولنا إلى القرية صباح يوم جميل من أيام شتنبر الزاهية . لكني لن أنسى ما حييت عشية عودتنا . كان شعورنا عكس ما كنا نحس به يوم رحيلنا عن القرية . وكانت أمي أكثرنا حركة وانشغالا بحزم الحقائب ، بل وكانت تسابق أبي في وضعها على البغال . ولولا أخي الصغير و طلباته التي لا تنتهي ، ثم تنبيه أبي لها بعدم الإجهاد لحملت وحدها كل الحقائب والرزم . وجاء الليل ، فلم يستطع أحد منا النوم لشدة لهفتنا إلى العودة وشوقنا للقرية . أما أنا فقد اغتنمت فرصة انهماك الجميع في الحديث و خرجت متسللا نحو القنطرة . كانت مستلقية كما عهدتها في سكون ووقار ، وقد غشاها ضوء القمر الساطع . تمشيت قليلا عليها ثم أخذت حفنة من ترابها أتشممه في انتشاء . بعد ذلك أدرت ظهري نحو الجبل الجاثم على الوادي و هتفت في ما يشبه الهمس :
                - رحمة الله عليك أيها الشيخ الجليل .. لن أنسى جميلك ما حييت .
                وقبل أن أعود أدراجي إلى البيت ، التفت إلى القنطرة مودعا إياها في صمت وقد غلبتني دموعي ، ثم دخلت محاولا إخفاءها عن الحاضرين . لم أكن اشعر بالجوع ، ولذا طلبت الإذن من والدي للذهاب إلى فراشي، وتمددت إلى جانب أخي الصغير وقد غط في نوم عميق. كانت ملامح وجهه تشي بالطمأنينة . شعرت نحوه بالعطف لانشغالي عنه طيلة الرحلة ، بل منذ بدأت مغامرتي في القرية ، وقر عزمي على توفير وقت كاف مستقبلا لمصاحبته وملاعبته . كنت سعيدا فلم يجد النوم طريقه إلىعيوني . تذكرت نصيحة أبيلي بوجوب شكر الله على نعمة الطمأنينة فقمت أتوضأ و أصلي في السحر.. ما ألذ اليقظة في هذا الوقت من الليل . كل شيء ساكن وجميل .. الليل.. الطبيعة ..النجوم..
                [/align]

                التعديل الأخير تم بواسطة رشيد الميموني; الساعة 30-08-2010, 10:01.

                تعليق

                • رشيد الميموني
                  مشرف في ملتقى القصة
                  • 14-09-2008
                  • 1533

                  #9
                  [align=center]الحلقة الأخيــرة[/align]
                  بدت لنا قرية المجرى ونحن نجتاز آخر قمة جبلية قبل أن نبدأ في الانحدار . كانت الشمس تشرق في هذه الأثناء ، وكانت كل العيون مشدودة إلى القرية . لا أحد يتكلم . بل كان كل واحد منا يتكلم في السر ، كنا نصرخ ونضحك ونبكي فرحا ، لكن في السر . لم يكن يجرؤ أحد على النظر إلى الآخر . ودون وعي مني سألت أبي :
                  - أيكون القائد مستيقظا ؟
                  - ربما – أجاب ضاحكا – هل تريد مقابلته ؟
                  شعرت بالدم يكاد يفور من وجهي ، وسكتت ، بينما كانت البغال تمر بمحاذاة النهر . هاهو البيت . انتفت عنه تلك الوحشة وبدا لي أليفا كأني أقطنه منذ زمن طويل . وحانت مني التفاتة حيث إقامة القائد . لم يكن هناك سوى الخادم يكنس عتبة الباب . أسرعت إليه محييا فأقبل مرحبا بنا . وددت لو طلب منه أبي مناداة القائد للتحدث لكن شيئا من ذلك لم يحدث ، فقررت أن أصبر و أقضي الوقت في تفقد المنزل..كان كل جزء منه مألوفا عندي . لكني حين اجتزت القاعة الفسيحة شعرت بالرهبة و أنا أتذكر أول لقائي بعمي الفاضل .
                  بعد تناول الفطور خرجت إلى النهر. لم يكن فيه سوى القليل من الماء وعلت حناياه بقع خضراء كنا نسميها روث الضفادع . جلست على الضفة و أخذت أتسلى برمي الحصى على الغدير .
                  - أهذا ما كنت تشتاق إليه بعيدا عن القرية ؟
                  لم ألتفت إلى مصدر الصوت . فقد طغت على نفسي فرحة غامرة وأجبت :
                  - كل شيء في القرية افتقدته ..
                  جلست لطيفة بجانبي و أخذت بدورها ترمي بالحصى .. أدركت أنها ملمة بسبب عودتنا المفاجئة، مادامت لم تسألني ..لاشك أن أباها القائد أخبرها بذلك..
                  - ألم تسافري ؟
                  - بلى ، ولكننا عدنا مساء أمس .
                  - أمس ؟ يا للمصادفة !
                  - أية مصادفة ؟
                  - عدنا في نفس الوقت تقريبا .
                  - هذا يعني أننا على موعد مع سنة أخرى من العمل و...
                  - و ماذا ؟
                  - والشقاوة .. و التحدي .
                  - لا تجعليني أحس بالذنب من جديد .. لقد اعتذرت لك و..
                  - وقبلت اعتذارك .. قل لي .. هل انتهيت من إنشائك ؟
                  - أجل ، ولم يبق إلا أن أنقله في ورقة أخرى .. و أنت ؟
                  - و أنا كذلك .. لكن ما كتبته هو أقرب للخيال منه إلى الواقع ..
                  - لقد شوقتني لقراءته .. لا بأس.. الموسم الدراسي على الأبواب ..
                  - لا .. سوف أحكي لك عما جرى بعد رحيلكم ثم نقرأ سويا الموضوعين .. ما رأيك ؟
                  - فكرة جيدة .. هيه .. هاتي ما عندك .
                  اعتدلت لطيفة في جلستها ثم أخذت تتحدث .. في البداية لم يكن حديثها يحمل شيئا ذا بال .. لكن ذكرها لأحد الضيوف الذي نزل عندهم غداة رحيلنا ، استرعى انتباهي . تحدثت عن سؤال الرجل عن أحد الشيوخ وعن وثائق تخص البيت المهجور، وذكره لمناطق عديدة لم تذكر منها سوى قنطرة.. ثم حكت ما قامت به من زيارة استكشافية للبيت واطلاعها على محتوياته وما أحست به من رهبة وهي تجوب قاعات المنزل .. وحديقته الشاسعة . و حين انتهت من حكايتها ،التفتت إلي قائلة :
                  - ما رأيك ؟.. هل في ما قصصته ما يثير ؟
                  لم أرد ، وبقيت ساكتا أتأمل الغدير . لم أعد أرمي بالحصى .. وطال صمتي فأعادت السؤال :
                  - هيه.. أين سهمت ؟ .. لا تتحرج في إبداء رأيك كيفما كان .
                  - لطيفة..اسمعي .. هناك شيء لا يصدقه العقل .. سوف ترين ذلك بعد قراءتك لموضوعي .. هل تذهبين معي لأخذه ؟
                  - كما تريد .. ولكن ما هو هذا الشيء الذي لا يصدقه العقل ؟
                  - قلت لك سوف ترين ذلك بعد قراءتك للموضوع .. هيا بنا .
                  أسرعت إلى المنزل و أخرجت أوراقي من الحقيبة ثم ناولتها للطيفة وعدنا نجلس على ضفة النهر. تركتها تقرأ دون أن أنبس ببنت شفة. كان جسمي ينتفض من شدة تأثري لما حصل.. هل يعقل أن تتوارد الصدف بهذا الشكل ؟.. أحسست بلطيفة تنظر إلي فالتفت إليها . لبثنا هكذا بضع لحظات قبل أن أسأل :
                  - أرأيت ؟
                  - فعلا – أجابت لطيفة في سهوم .. شيء لا يصدقه العقل .. ما العمل الآن.. الموضوعان متشابهان تقريبا .. شيء محير.
                  - أنا أرى عكس ذلك .. ألم يقل لنا المعلم أنه يمكن كتابة موضوع مشترك ؟
                  - بلى .. ولكن ، والحق يقال ، إنشاؤك أكثر إثارة .. و ليس من العدل أن..
                  - هل تذكرين أني اعتذرت عن عدم تقديمي هدية لك ؟.. هاهي فرصتي لأعوض عن ذلك .. ما رأيك في تقديم موضوع إنشائي واحد مذيل باسمينا ؟
                  احمر وجه لطيفة و أطرقت وهي تخط على التراب خطوطا متشابكة ، ثم قالت دون أن تنظر إلي :
                  - شكرا لك .. الآن تيقنت من أنك نسيت ما كان بيننا من..
                  - سامحك الله.. أكنت لا تزالين تشكين في إخلاصي ؟..
                  - لم أقصد ذلك .. هو سوء في التعبير فقط .. قل لي هل أعجبتك الهدية ؟
                  - طبعا .. و هاأنذا أحملها حول عنقي .. لا تقولي إنك ندمت عليها ..
                  وضحكنا معا ، ثم نهضنا . وقد زاد حر شمس الضحى ، وافترقنا على موعد باللقاء في ساحة المدرسة وعدت إلى المنزل سعيدا مترنما :
                  الدار اللي هناك عاليمين //////على جنب الدالية الكبيرة
                  قبالتها دار ////////دار قديمة
                  التعديل الأخير تم بواسطة رشيد الميموني; الساعة 26-03-2011, 07:34.

                  تعليق

                  • مصطفى شرقاوي
                    أديب وكاتب
                    • 09-05-2009
                    • 2499

                    #10
                    حقاً : أنت أديب أمتعنتي بقصةٍ طويلة للمرة الأولى أقضي هذا الوقت أمام قصة لا أمل .... أبدعت حقاً

                    تعليق

                    • رشيد الميموني
                      مشرف في ملتقى القصة
                      • 14-09-2008
                      • 1533

                      #11
                      المشاركة الأصلية بواسطة مصطفى شرقاوي مشاهدة المشاركة
                      حقاً : أنت أديب أمتعنتي بقصةٍ طويلة للمرة الأولى أقضي هذا الوقت أمام قصة لا أمل .... أبدعت حقاً
                      العفو أخي الغالي أستاذ مصطفى ..
                      شرفتني بلقب أديب ولو أني قد لا استحقه .. لكني أقبله منك .(ابتسامة)
                      أخي الحبيب .. كما قلت في أحد ردودي السابقة ، لهذه القصة المطولة تأثير خاص على نفسي لأنها تحوي قبسا من طفولتي و مناطق لا تزال تعشش في مخيلتي وقلبي .
                      شكرا لمرورك و بصمتك و أتمنى أن يروقك الجزء الثاني الذي أنا بصدد نسخه بعد أن أكملت كتابة جميع حلقاته .
                      تقبل مني كل محبتي اللائقة بك .

                      تعليق

                      • ريما ريماوي
                        عضو الملتقى
                        • 07-05-2011
                        • 8501

                        #12
                        ماذا أقول وكيف أعبر عن تقديري الكبير لكل حرف قرأته هنا،
                        اســـتغربت أنك وضعته في أدب الطفل..

                        فعلا تحولت إلى طفلة وكما حضرتك تلذذتَ بكنزك من كتب، أنا
                        أيضا تلذذت بكنزي في مطالعتك، أنت وجدت كنوزا سواء الدار
                        أو لطيفة أو الفاضل أو أمك وأبيك.. وأنا أيضا كانت فرصة لي
                        بإستعادة ذكرياتي، وكنوزي الجميلة مع أجدادي، وغلبني الحنين
                        لأيام ذهبت ولن تعود، لدرجة الدموع وأنا أقرأك.

                        تفاعلت بكل حرف، تشوقت وانفعلت... يا للجمال... قصتك هذه
                        أعتبرها أحد الكنوز الجميلة التي وجدتها..

                        محظوظة كنت لقراءة كافة الأجزاء على دفعة واحدة، وسعيدة
                        أكثر أني وجدتها... كنت قد قرأت الجزء الأول ولم أكتف،
                        وأحسست أنها يجب أن تستوفى فشكرا لك على عدم تخييب
                        ظني...

                        سعيدة أنا بتعرفي على أديب مبدع مثلك...
                        كن بخير وصحة وعافية...

                        مودتي واحترامي وتقديري.

                        تحيتي.


                        أنين ناي
                        يبث الحنين لأصله
                        غصن مورّق صغير.

                        تعليق

                        • رشيد الميموني
                          مشرف في ملتقى القصة
                          • 14-09-2008
                          • 1533

                          #13
                          وماذا عساي أن أقول سيدتي ريما وأنا أجد نفسي أمام هذا الزخم الهائل من كلمات الثناء ..
                          سأسر إليك بشيء .. حين ذكرت الدموع ، أدركت أني فعلا كتبت شيئا ذا قيمة لأني أيضا كلما عدت إلى قراءتها اغرورقت عيني بالدموع في عدة فصول منها وعادت بي الذكريات إلى تلك الفترة الطفولية الجميلة رغم ما طبع بعض فتراتها من أسى ..
                          كوني بالجوار أختي العزيزة وتقبلي مني باقة ورد تليق بك .

                          تعليق

                          يعمل...
                          X