فرارُّ حذاء
الشمس على رحيل، ورائحة الصمت المعبئ بالغضب تملأ المكان، بعد أن توقفت أقذر حرب عرفناها في تاريخنا، أكثر شهدائها أطفال ونساء عزّل .. ونار الحزن والغضب في غليان، تكوي حواف القلوب، قررت أن أهرب إلى النوم، علّه يسعفني ببعض نسيان...
في خضم هذه الحرب، لم أنتبه إلى التغيير المفاجئ في معاملة حذائي ، حيث أنه كان مرة يضغط على مقدمة قدمي، ويعصرها كأنه يحتج على جرائم هذه الحرب، ومرة يطعنها من الخلف ، فيدميها، ومرة يحاصرها حتى أتمنى أن أخلعه وأمشي حافيا في الشارع، وعندما أخلعه في البيت أندم على ذلك ، لأنه يترك رائحة كريهة تكاد تفقدني وعيي!
وبينما أنا في غفلة عن هذا الحزن وهذا الغضب والقتل والقرصنة، وإذ بحذائي يقتحم هدوئي وصمتي ضاربا بعرض الحائط بملكيتي له، وولايتي لأمره، وبتضحياتي المالية والتنظيف والمسح والتلميع وتجنب الحجارة والغبار والوحل، وصيانتي المتواصلة له لأكثر من سنتين ، وأنا أعتبر جمال مظهره من جمال مظهري، وأناقته من أناقتي...رغم أقدميته واهتراء جوانبه...
ظننت أن الحرب تجددت.. وأنه جاء يحملني بعيدا عن مساقط القنابل والقذائف والموت...
ولمّا تبين لي أن شيئا من هذا لم يحصل ، سألته عن سبب ثورته وهيجانه واقتحامه لخصوصياتي بهذا الشكل المهين.... وأنا الهارب من شرور النفس والناس.. فقال:
_ يحق لي ما يحق لغيري من الأحذية!
قلت: وأكثر.. وهل قصرت معك بمسح أو تنظيف..أو !
_ : إفتح التلفزيون واسمع ما يجري في العالم..
_: وهل في العالم غير ما يجرح الأعصاب ويقطع نياط القلوب ويبكيها دما ووجعا !!؟
_: هناك ثورة أحذية في العالم تمتد من الصين شرقا فالعراق فالسويد فأمريكا!
_: وماذا تريد مني !؟
_: أريد، أُسوة بغيري من الأحذية، أن أقبل وجه رئيس أو وزير أو سفير، وحبذا لو كانت
وزيرة أو سفيرة، ولن أرضى بأقل من ذلك!!
_: أتريد أن تخرب بيتي، وتكسر عظامي، وترمي بي في ظلمات السجون آخر العمر!!؟
_: يحق لي ما يحق لأبنائك وأحفادك!
_: تأدب..! وإلاّ، والله العظيم، أقصُّ لسانك وأقتلع المسامير التي تنصب قامتك، وأجعلك خرقة
من الجلد يتفُّ الناس عليها، ويهربون من رائحتهاّّ
_: وهل أحذية العراق والسويد أحسن مني ...!؟ بصراحة أنت لا تحبني وأكثر من مرة تمنيت
أن تخلعني وتمشي حافيا في الشارع!!
_: لكننا لسنا في السويد ، ولا حتى في سويسرا !
_: إنكم تدعون بأنكم واحة من اليموقراطية !
_: وماذا في ذلك؟ شعار من شعارات هذا الزمن الهزيل..!
_: أريد أن أمارس حريتي الكاملة!
_: بعد أيام تجري انتخابات، إذهب وادلو بدلوك!
_: أتقبلها لي..!!؟؟
_: هذا ما عندنا..
_: سأهاجر...!
_: أن خرجت من الباب فلن تعود لهذا البيت !
وفعلا، خرج ولم يعد
ربما نزل في معتقل كمعتقل غوانتينامو أو أي معتقل ليس فيه تنظيف أو تلميع أو حتى نور مصباح!!!
الشمس على رحيل، ورائحة الصمت المعبئ بالغضب تملأ المكان، بعد أن توقفت أقذر حرب عرفناها في تاريخنا، أكثر شهدائها أطفال ونساء عزّل .. ونار الحزن والغضب في غليان، تكوي حواف القلوب، قررت أن أهرب إلى النوم، علّه يسعفني ببعض نسيان...
في خضم هذه الحرب، لم أنتبه إلى التغيير المفاجئ في معاملة حذائي ، حيث أنه كان مرة يضغط على مقدمة قدمي، ويعصرها كأنه يحتج على جرائم هذه الحرب، ومرة يطعنها من الخلف ، فيدميها، ومرة يحاصرها حتى أتمنى أن أخلعه وأمشي حافيا في الشارع، وعندما أخلعه في البيت أندم على ذلك ، لأنه يترك رائحة كريهة تكاد تفقدني وعيي!
وبينما أنا في غفلة عن هذا الحزن وهذا الغضب والقتل والقرصنة، وإذ بحذائي يقتحم هدوئي وصمتي ضاربا بعرض الحائط بملكيتي له، وولايتي لأمره، وبتضحياتي المالية والتنظيف والمسح والتلميع وتجنب الحجارة والغبار والوحل، وصيانتي المتواصلة له لأكثر من سنتين ، وأنا أعتبر جمال مظهره من جمال مظهري، وأناقته من أناقتي...رغم أقدميته واهتراء جوانبه...
ظننت أن الحرب تجددت.. وأنه جاء يحملني بعيدا عن مساقط القنابل والقذائف والموت...
ولمّا تبين لي أن شيئا من هذا لم يحصل ، سألته عن سبب ثورته وهيجانه واقتحامه لخصوصياتي بهذا الشكل المهين.... وأنا الهارب من شرور النفس والناس.. فقال:
_ يحق لي ما يحق لغيري من الأحذية!
قلت: وأكثر.. وهل قصرت معك بمسح أو تنظيف..أو !
_ : إفتح التلفزيون واسمع ما يجري في العالم..
_: وهل في العالم غير ما يجرح الأعصاب ويقطع نياط القلوب ويبكيها دما ووجعا !!؟
_: هناك ثورة أحذية في العالم تمتد من الصين شرقا فالعراق فالسويد فأمريكا!
_: وماذا تريد مني !؟
_: أريد، أُسوة بغيري من الأحذية، أن أقبل وجه رئيس أو وزير أو سفير، وحبذا لو كانت
وزيرة أو سفيرة، ولن أرضى بأقل من ذلك!!
_: أتريد أن تخرب بيتي، وتكسر عظامي، وترمي بي في ظلمات السجون آخر العمر!!؟
_: يحق لي ما يحق لأبنائك وأحفادك!
_: تأدب..! وإلاّ، والله العظيم، أقصُّ لسانك وأقتلع المسامير التي تنصب قامتك، وأجعلك خرقة
من الجلد يتفُّ الناس عليها، ويهربون من رائحتهاّّ
_: وهل أحذية العراق والسويد أحسن مني ...!؟ بصراحة أنت لا تحبني وأكثر من مرة تمنيت
أن تخلعني وتمشي حافيا في الشارع!!
_: لكننا لسنا في السويد ، ولا حتى في سويسرا !
_: إنكم تدعون بأنكم واحة من اليموقراطية !
_: وماذا في ذلك؟ شعار من شعارات هذا الزمن الهزيل..!
_: أريد أن أمارس حريتي الكاملة!
_: بعد أيام تجري انتخابات، إذهب وادلو بدلوك!
_: أتقبلها لي..!!؟؟
_: هذا ما عندنا..
_: سأهاجر...!
_: أن خرجت من الباب فلن تعود لهذا البيت !
وفعلا، خرج ولم يعد
ربما نزل في معتقل كمعتقل غوانتينامو أو أي معتقل ليس فيه تنظيف أو تلميع أو حتى نور مصباح!!!
تعليق