فرار حذاء

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • أمين خيرالدين
    عضـو ملتقى الأدباء والمبدعين العرب
    • 04-04-2008
    • 554

    فرار حذاء

    فرارُّ حذاء

    الشمس على رحيل، ورائحة الصمت المعبئ بالغضب تملأ المكان، بعد أن توقفت أقذر حرب عرفناها في تاريخنا، أكثر شهدائها أطفال ونساء عزّل .. ونار الحزن والغضب في غليان، تكوي حواف القلوب، قررت أن أهرب إلى النوم، علّه يسعفني ببعض نسيان...
    في خضم هذه الحرب، لم أنتبه إلى التغيير المفاجئ في معاملة حذائي ، حيث أنه كان مرة يضغط على مقدمة قدمي، ويعصرها كأنه يحتج على جرائم هذه الحرب، ومرة يطعنها من الخلف ، فيدميها، ومرة يحاصرها حتى أتمنى أن أخلعه وأمشي حافيا في الشارع، وعندما أخلعه في البيت أندم على ذلك ، لأنه يترك رائحة كريهة تكاد تفقدني وعيي!
    وبينما أنا في غفلة عن هذا الحزن وهذا الغضب والقتل والقرصنة، وإذ بحذائي يقتحم هدوئي وصمتي ضاربا بعرض الحائط بملكيتي له، وولايتي لأمره، وبتضحياتي المالية والتنظيف والمسح والتلميع وتجنب الحجارة والغبار والوحل، وصيانتي المتواصلة له لأكثر من سنتين ، وأنا أعتبر جمال مظهره من جمال مظهري، وأناقته من أناقتي...رغم أقدميته واهتراء جوانبه...
    ظننت أن الحرب تجددت.. وأنه جاء يحملني بعيدا عن مساقط القنابل والقذائف والموت...
    ولمّا تبين لي أن شيئا من هذا لم يحصل ، سألته عن سبب ثورته وهيجانه واقتحامه لخصوصياتي بهذا الشكل المهين.... وأنا الهارب من شرور النفس والناس.. فقال:
    _ يحق لي ما يحق لغيري من الأحذية!
    قلت: وأكثر.. وهل قصرت معك بمسح أو تنظيف..أو !
    _ : إفتح التلفزيون واسمع ما يجري في العالم..
    _: وهل في العالم غير ما يجرح الأعصاب ويقطع نياط القلوب ويبكيها دما ووجعا !!؟
    _: هناك ثورة أحذية في العالم تمتد من الصين شرقا فالعراق فالسويد فأمريكا!
    _: وماذا تريد مني !؟
    _: أريد، أُسوة بغيري من الأحذية، أن أقبل وجه رئيس أو وزير أو سفير، وحبذا لو كانت
    وزيرة أو سفيرة، ولن أرضى بأقل من ذلك!!
    _: أتريد أن تخرب بيتي، وتكسر عظامي، وترمي بي في ظلمات السجون آخر العمر!!؟
    _: يحق لي ما يحق لأبنائك وأحفادك!
    _: تأدب..! وإلاّ، والله العظيم، أقصُّ لسانك وأقتلع المسامير التي تنصب قامتك، وأجعلك خرقة
    من الجلد يتفُّ الناس عليها، ويهربون من رائحتهاّّ
    _: وهل أحذية العراق والسويد أحسن مني ...!؟ بصراحة أنت لا تحبني وأكثر من مرة تمنيت
    أن تخلعني وتمشي حافيا في الشارع!!
    _: لكننا لسنا في السويد ، ولا حتى في سويسرا !
    _: إنكم تدعون بأنكم واحة من اليموقراطية !
    _: وماذا في ذلك؟ شعار من شعارات هذا الزمن الهزيل..!
    _: أريد أن أمارس حريتي الكاملة!
    _: بعد أيام تجري انتخابات، إذهب وادلو بدلوك!
    _: أتقبلها لي..!!؟؟
    _: هذا ما عندنا..
    _: سأهاجر...!
    _: أن خرجت من الباب فلن تعود لهذا البيت !
    وفعلا، خرج ولم يعد
    ربما نزل في معتقل كمعتقل غوانتينامو أو أي معتقل ليس فيه تنظيف أو تلميع أو حتى نور مصباح!!!
    [frame="11 98"]
    لأني أحبُّ شعبي أحببت شعوب الأرض

    لكني لم أستطع أن أحب ظالما
    [/frame]
  • د/ أحمد الليثي
    مستشار أدبي
    • 23-05-2007
    • 3878

    #2
    سبحان الله!
    هذا حذاء لديه كرامة، ولولا لذلك لرضي بالمشي خارج القدم، وإبقاء الحال على ما هو عليه. أما وقد عصى ولي أمره وخرج ولم يعد فلعله قد برأ من جميع أصحاب الأحذية الذين يضعون إخوانه في الخزانات للزينة.
    هذا يا أستاذنا حذاءٌ مجاهد.

    دمت سالمــاً.
    د. أحمد الليثي
    رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
    ATI
    www.atinternational.org

    تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.
    *****
    فعِش للخيرِ ، إنَّ الخيرَ أبقى ... و ذكرُ اللهِ أَدْعَى بانشغالِـي.

    تعليق

    • زهار محمد
      أديب وكاتب
      • 21-09-2008
      • 1539

      #3
      الأخ أمين
      موضوع رائع روعة مؤثرة في النفوس
      بوركت وبورك قلمك
      [ღ♥ღ ابتسم فالله ربك ღ♥ღ
      حين تبتسم سترى على وجهك بسمة لم ترى أحلى منها ولا أنقى
      عندها سترى عيناك قد ملئتا دموعاً
      فتشعر بشوق عظيم لله... فتهب إلى السجود للرحمن الرحيم وتبكي بحرقة رغبةً ورهبة
      تبكي وتنساب على خديك غديرين من حبات اللؤلؤ الناعمة الدافئة

      تعليق

      • أمين خيرالدين
        عضـو ملتقى الأدباء والمبدعين العرب
        • 04-04-2008
        • 554

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة د/ أحمد الليثي مشاهدة المشاركة
        سبحان الله!
        هذا حذاء لديه كرامة، ولولا لذلك لرضي بالمشي خارج القدم، وإبقاء الحال على ما هو عليه. أما وقد عصى ولي أمره وخرج ولم يعد فلعله قد برأ من جميع أصحاب الأحذية الذين يضعون إخوانه في الخزانات للزينة.
        هذا يا أستاذنا حذاءٌ مجاهد.

        دمت سالمــاً.
        د/أحمد الليثي المحترم
        حقا تشرفت بقراءتك
        شكرا على مرورك
        الحذاء الذي لا يقبل بأقل من وزير أو وزيرة لا يخلو من الكرامة
        الحمد لله ان احذيتنا لا تقبل ما يقبله الرابضون على صدور هذه الأمّة
        شكرا لك ولك كل مودتي
        [frame="11 98"]
        لأني أحبُّ شعبي أحببت شعوب الأرض

        لكني لم أستطع أن أحب ظالما
        [/frame]

        تعليق

        • أمين خيرالدين
          عضـو ملتقى الأدباء والمبدعين العرب
          • 04-04-2008
          • 554

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة زهار محمد مشاهدة المشاركة
          الأخ أمين
          موضوع رائع روعة مؤثرة في النفوس
          بوركت وبورك قلمك
          الكاتب زهار محمد
          كلماتك الموجزة تكفي لتجعل قصتي متألقة
          وشهادة على نجاحي بإيصال الرسالة
          شكرا لك على مرورك
          ولك خالص مودتي
          [frame="11 98"]
          لأني أحبُّ شعبي أحببت شعوب الأرض

          لكني لم أستطع أن أحب ظالما
          [/frame]

          تعليق

          • عائده محمد نادر
            عضو الملتقى
            • 18-10-2008
            • 12843

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة أمين خيرالدين مشاهدة المشاركة
            فرارُّ حذاء

            الشمس على رحيل، ورائحة الصمت المعبئ بالغضب تملأ المكان، بعد أن توقفت أقذر حرب عرفناها في تاريخنا، أكثر شهدائها أطفال ونساء عزّل .. ونار الحزن والغضب في غليان، تكوي حواف القلوب، قررت أن أهرب إلى النوم، علّه يسعفني ببعض نسيان...
            في خضم هذه الحرب، لم أنتبه إلى التغيير المفاجئ في معاملة حذائي ، حيث أنه كان مرة يضغط على مقدمة قدمي، ويعصرها كأنه يحتج على جرائم هذه الحرب، ومرة يطعنها من الخلف ، فيدميها، ومرة يحاصرها حتى أتمنى أن أخلعه وأمشي حافيا في الشارع، وعندما أخلعه في البيت أندم على ذلك ، لأنه يترك رائحة كريهة تكاد تفقدني وعيي!
            وبينما أنا في غفلة عن هذا الحزن وهذا الغضب والقتل والقرصنة، وإذ بحذائي يقتحم هدوئي وصمتي ضاربا بعرض الحائط بملكيتي له، وولايتي لأمره، وبتضحياتي المالية والتنظيف والمسح والتلميع وتجنب الحجارة والغبار والوحل، وصيانتي المتواصلة له لأكثر من سنتين ، وأنا أعتبر جمال مظهره من جمال مظهري، وأناقته من أناقتي...رغم أقدميته واهتراء جوانبه...
            ظننت أن الحرب تجددت.. وأنه جاء يحملني بعيدا عن مساقط القنابل والقذائف والموت...
            ولمّا تبين لي أن شيئا من هذا لم يحصل ، سألته عن سبب ثورته وهيجانه واقتحامه لخصوصياتي بهذا الشكل المهين.... وأنا الهارب من شرور النفس والناس.. فقال:
            _ يحق لي ما يحق لغيري من الأحذية!
            قلت: وأكثر.. وهل قصرت معك بمسح أو تنظيف..أو !
            _ : إفتح التلفزيون واسمع ما يجري في العالم..
            _: وهل في العالم غير ما يجرح الأعصاب ويقطع نياط القلوب ويبكيها دما ووجعا !!؟
            _: هناك ثورة أحذية في العالم تمتد من الصين شرقا فالعراق فالسويد فأمريكا!
            _: وماذا تريد مني !؟
            _: أريد، أُسوة بغيري من الأحذية، أن أقبل وجه رئيس أو وزير أو سفير، وحبذا لو كانت
            وزيرة أو سفيرة، ولن أرضى بأقل من ذلك!!
            _: أتريد أن تخرب بيتي، وتكسر عظامي، وترمي بي في ظلمات السجون آخر العمر!!؟
            _: يحق لي ما يحق لأبنائك وأحفادك!
            _: تأدب..! وإلاّ، والله العظيم، أقصُّ لسانك وأقتلع المسامير التي تنصب قامتك، وأجعلك خرقة
            من الجلد يتفُّ الناس عليها، ويهربون من رائحتهاّّ
            _: وهل أحذية العراق والسويد أحسن مني ...!؟ بصراحة أنت لا تحبني وأكثر من مرة تمنيت
            أن تخلعني وتمشي حافيا في الشارع!!
            _: لكننا لسنا في السويد ، ولا حتى في سويسرا !
            _: إنكم تدعون بأنكم واحة من اليموقراطية !
            _: وماذا في ذلك؟ شعار من شعارات هذا الزمن الهزيل..!
            _: أريد أن أمارس حريتي الكاملة!
            _: بعد أيام تجري انتخابات، إذهب وادلو بدلوك!
            _: أتقبلها لي..!!؟؟
            _: هذا ما عندنا..
            _: سأهاجر...!
            _: أن خرجت من الباب فلن تعود لهذا البيت !
            وفعلا، خرج ولم يعد
            ربما نزل في معتقل كمعتقل غوانتينامو أو أي معتقل ليس فيه تنظيف أو تلميع أو حتى نور مصباح!!!
            الزميل الرائع
            أمين خير الدين
            رائع وأكثر
            أبصم لك بعشرة أصابعي
            كم كان حذائك شجاعا
            سيكون منذ اليوم هذا الحذاء صديقي!!
            تحياتي لك وودي
            الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

            تعليق

            • أمين خيرالدين
              عضـو ملتقى الأدباء والمبدعين العرب
              • 04-04-2008
              • 554

              #7
              [QUOTE=عائده محمد نادر;151751]الزميل الرائع
              أمين خير الدين
              رائع وأكثر
              أبصم لك بعشرة أصابعي
              كم كان حذائك شجاعا
              سيكون منذ اليوم هذا الحذاء صديقي!!
              تحياتي لك وودي
              [/QUOTE
              [frame="15 98"] الأخت الكريمة عائدة محمد نادر
              أبصم وأقسم وأتعهد أن تكوني لي أختا أعتز بأخوّتها، وإن لم تلدها أمي
              أنت التي يتشرف صاحب الحذاء بكلماتها وصداقتها
              فاقبلي صداقتي وأخوتي وشكري[/frame]
              [frame="11 98"]
              لأني أحبُّ شعبي أحببت شعوب الأرض

              لكني لم أستطع أن أحب ظالما
              [/frame]

              تعليق

              يعمل...
              X