الممارسة تكسب الإتقان.
[align=justify]سيدتي الفاضلة أم المثنى : أهلا بك مثنى و ثلاث و رباع إلى تساع و إلى ما لا نهاية !
أولا و قبل أي كلام: أشكرك جزيل الشكر على ثقتك بي و حسن ظنك بشخصي الضعيف، فما أنا إلا طويلب علم قد عرف شيئا و غابت عنه أشياء و أشياء.
و ثانيا: أعتذر إليك عن التأخر في التعليق على مداخلتك الكريمة و الإجابة عن سؤالك أو تساؤلك، و أنت تعرفين بعض أسباب هذا التأخر،
و ثالثا: لا تعتذري عن بث هواجسك، أو سكب حسراتك، هنا فالصفحة و غيرها صفحاتك و ما أنا إلا مجرد ضيف فيها، فهي بكم، أنت و غيرك من الزوار الكرام، و لكم و لولا حضوركم لما كانت.
أما فيما يخص النقد و أهله فأقول حسب رأيي المتواضع، إن النقد إبداع عن إبداع كما سبق لي قوله في بداية مقالتي، و الناقد أديب و مبدع قبل أن يصير ناقدا.
و قبل مواصلة الحديث في هذا الموضوع الشيق و الممتع، عندي على الأقل، أريد الإشارة إلى أن النقد، خارج ميدان الأدب، ضرورة حيوية نقوم بها عفوا في شؤون حياتنا كلها ما جل منها و ما ضؤل، ألا ترين أنك تنقدين الأشياء كلها و ما يكون اختيارك، لما ترضين و تحبين أو تكرهين و ترفضين في المطعم و المشرب و الملبس و المعارف (الأشخاص) إلا بعد نقد متسرع أو متأنٍ ؟
إن اختياراتنا اليومية ناتجة عن نقد إلا أننا نفعل ذلك تلقائيا و بدون شعور منا أننا ننقد، حتى الحيوانات، العجماء، "تنقد" بالغريزة و ما "ترضى" إلا بعد "نقد"، حتى الأسماك في البحر و دواب الماء عموما "تنقد" و تحلل محيطها أو بيئتها المائية لتمكث فيها أو ترحل ... و هكذا في كل شيء، نحن ننقد دون أن نقصد !!!
أما إذا جئنا إلى الأدب فالنقد فيه ضرورة أدبية أو فنية و نحن نقوم به تلقائيا دون أن نشعر كذلك، و أول الناقدين الكاتب، أو الأديب، ذاته، فهو لا يرضى عن كلمة أو عبارة أو جملة أو فقرة أو نص إلا بعد نقد سطحيا كان أو عميقا، و كثيرا ما رددت قولي "العين توحي و اليد تمحي" و هي إشارة إلى أن الكاتب، أو الأديب، ينقد نفسه بنفسه قبل أن يخرج عمله أو إبداعه إلى الملإ فينقدوه إما موضوعيا أو ذاتيا حسب الأذواق أو الأهواء !
و إذا ما حاولتِ تفسير رضاك، أو سخطك، عمّا تقرئين فستجدين أن رضاك، أو سخطك، ناتج عن "نقد" و لو بسيط.
ثم إذا حاولنا التمييز بين مستويات النقد، أو الكتابة عموما، و بين الإبداع الأدبي يجب أن نشير إلى أن هناك فرقا بين "الكاتب" و "الأديب"، فكل أديب كاتب حتما و ليس كل كاتب أديبا حتما، فبينهما عموم و خصوص كما يقول المناطقة (أهل المنطق)، أما إذا جئنا إلى النقد الأدبي كممارسة إبداعية فالناقد أديب مبدع قبل أن يصير ناقدا متمكنا كما قلت آنفا، ثم تتفاوت مستويات النقاد حسب ثقافتهم و تربيتهم و شخصياتهم و تمرسهم في النقد و أهدافهم أو غاياتهم، و كما يقال: "الممارسة تكسب الإتقان" و كذلك "تعاطي" النقد يورث "الإدمان" فالإتقان !!! و كما تعلمين أن الأذواق عموما تتفاوت بتفاوت الأشخاص فما بالك بالنقد في اختيار النصوص الأدبية و تذوقها و التمييز بين جيدها و رديئها و حسنها و قبيحها و رفيعها و دنيئها ؟ فهل تظنين أن أي شخص يستطيع التمييز بين النصوص ثم الحكم ثم إعلان الحكم ؟
ثم إذا جئنا إلى ما ينشر في "النت" من نقد فإننا سنجد تفاوتا بينا بين "نقد" هو أشبه بالتغرير بالمنقود منه إلى النقد الأدبي و بين نقد حقيقي ناتج عن قراءة متأنية و ثقافة مواتية، هل يستويان ؟ طبعا لا !!!
"النت" يمنح فرصا كبيرة و كثيرة لكل "كاتب" ما دام الحديث أو الكتابة من وراء حجاب، و حجاب كثيف جدا، و بعض الناس ينشرون كتاباتهم بأسماء مستعارة تضمن لهم "السرية" أو "الاستخفاء" حتى لا يفضحوا إن هم نشروا تخرصاتهم بأسمائهم الحقيقية، و هناك ظاهرة حقيقية و موضوعية و هي أن كثيرا من النقاد "المحترفين" الحقيقيين يفضلون نشر دراساتهم أو نقدهم في الصحافة الورقية أو الكتب ليستفيدوا من عائداتها المادية، و هذا من حقهم و نحن لا نناقشهم فيه، لأن النشر "النتي" لا مردود فيه ماديا إلا المردود المعنوي الذي لا يسمن و لا يغني من جوع، و لذا فلا عجب إذا نحن قرأنا "نقدا" لا يشبه النقد إلا من حيث التسمية فقط !
و كلامي هذا لا ينفي وجود نقاد حقيقيين كبار ينشرون أعمالهم، و إن شحت، على "النت" ابتغاء تشجيع الأدباء أو المبدعين تعميما للفائدة و تدعيما لنقد أدبي حقيقي.
و في الختام، و أظنني أطلت عليك، أقول إن على الكُتّاب الصادقين مع أنفسهم ألا يغتروا كثيرا بما يقال لهم عن أعمالهم ثم عليهم أن يقبلوا النقد "اللاذع" عنها حتى من غير النقاد "المحترفين" لأن النقد الموجع مفيد ما لم يكن "قاتلا" كالضرب المؤدب غير المبرح أو المشوه الذي يترك عاهة مؤقتة أو مستديمة أو الضرب القاتل للمضروب، أعاذنا الله جميعا من "النقاد" القراصنة القاتلين للمواهب و الذين يمارسون شهواتهم "النقدية" على الأعمال فيضرون و لا ينفعون، اللهم آمين !
جعلنا الله من النقاد الحقيقيين الذين ينقدون ليضيفوا و ليس ليسلبوا، و جعل نقدنا بناء يغني و لا يلغي، اللهم آمين يا رب العالمين !
أعتذر إليك أختي الكريمة، أم المثنى، على هذا الإطناب في التعليق من جهة، و أشكرك، من جهة أخرى، على الفرصة التي أتحتها لي للفضفضة عن مكنونات نفسي المرهقة ! و دمت على التواصل البناء الذي يغني و لا يلغي.
تحيتي و مودتي و تقديري.
__________________________
ملحوظة: كتبت لك أمس تعليقا غير هذا فضاع كما قلت آنفا إلا أن تعليق اليوم احتوى على فحوى ما قلته أمس و زيادة كبيرة أرجو أن تكون مفيدة فلكل يوم بركته و الله المستعان، و للحديث بقية، إن شاء الله تعالى، إن رغبت في مواصلة الحوار طبعا ![/align]
المشاركة الأصلية بواسطة روان محمد يوسف
مشاهدة المشاركة
أولا و قبل أي كلام: أشكرك جزيل الشكر على ثقتك بي و حسن ظنك بشخصي الضعيف، فما أنا إلا طويلب علم قد عرف شيئا و غابت عنه أشياء و أشياء.
و ثانيا: أعتذر إليك عن التأخر في التعليق على مداخلتك الكريمة و الإجابة عن سؤالك أو تساؤلك، و أنت تعرفين بعض أسباب هذا التأخر،
و ثالثا: لا تعتذري عن بث هواجسك، أو سكب حسراتك، هنا فالصفحة و غيرها صفحاتك و ما أنا إلا مجرد ضيف فيها، فهي بكم، أنت و غيرك من الزوار الكرام، و لكم و لولا حضوركم لما كانت.
أما فيما يخص النقد و أهله فأقول حسب رأيي المتواضع، إن النقد إبداع عن إبداع كما سبق لي قوله في بداية مقالتي، و الناقد أديب و مبدع قبل أن يصير ناقدا.
و قبل مواصلة الحديث في هذا الموضوع الشيق و الممتع، عندي على الأقل، أريد الإشارة إلى أن النقد، خارج ميدان الأدب، ضرورة حيوية نقوم بها عفوا في شؤون حياتنا كلها ما جل منها و ما ضؤل، ألا ترين أنك تنقدين الأشياء كلها و ما يكون اختيارك، لما ترضين و تحبين أو تكرهين و ترفضين في المطعم و المشرب و الملبس و المعارف (الأشخاص) إلا بعد نقد متسرع أو متأنٍ ؟
إن اختياراتنا اليومية ناتجة عن نقد إلا أننا نفعل ذلك تلقائيا و بدون شعور منا أننا ننقد، حتى الحيوانات، العجماء، "تنقد" بالغريزة و ما "ترضى" إلا بعد "نقد"، حتى الأسماك في البحر و دواب الماء عموما "تنقد" و تحلل محيطها أو بيئتها المائية لتمكث فيها أو ترحل ... و هكذا في كل شيء، نحن ننقد دون أن نقصد !!!
أما إذا جئنا إلى الأدب فالنقد فيه ضرورة أدبية أو فنية و نحن نقوم به تلقائيا دون أن نشعر كذلك، و أول الناقدين الكاتب، أو الأديب، ذاته، فهو لا يرضى عن كلمة أو عبارة أو جملة أو فقرة أو نص إلا بعد نقد سطحيا كان أو عميقا، و كثيرا ما رددت قولي "العين توحي و اليد تمحي" و هي إشارة إلى أن الكاتب، أو الأديب، ينقد نفسه بنفسه قبل أن يخرج عمله أو إبداعه إلى الملإ فينقدوه إما موضوعيا أو ذاتيا حسب الأذواق أو الأهواء !
و إذا ما حاولتِ تفسير رضاك، أو سخطك، عمّا تقرئين فستجدين أن رضاك، أو سخطك، ناتج عن "نقد" و لو بسيط.
ثم إذا حاولنا التمييز بين مستويات النقد، أو الكتابة عموما، و بين الإبداع الأدبي يجب أن نشير إلى أن هناك فرقا بين "الكاتب" و "الأديب"، فكل أديب كاتب حتما و ليس كل كاتب أديبا حتما، فبينهما عموم و خصوص كما يقول المناطقة (أهل المنطق)، أما إذا جئنا إلى النقد الأدبي كممارسة إبداعية فالناقد أديب مبدع قبل أن يصير ناقدا متمكنا كما قلت آنفا، ثم تتفاوت مستويات النقاد حسب ثقافتهم و تربيتهم و شخصياتهم و تمرسهم في النقد و أهدافهم أو غاياتهم، و كما يقال: "الممارسة تكسب الإتقان" و كذلك "تعاطي" النقد يورث "الإدمان" فالإتقان !!! و كما تعلمين أن الأذواق عموما تتفاوت بتفاوت الأشخاص فما بالك بالنقد في اختيار النصوص الأدبية و تذوقها و التمييز بين جيدها و رديئها و حسنها و قبيحها و رفيعها و دنيئها ؟ فهل تظنين أن أي شخص يستطيع التمييز بين النصوص ثم الحكم ثم إعلان الحكم ؟
ثم إذا جئنا إلى ما ينشر في "النت" من نقد فإننا سنجد تفاوتا بينا بين "نقد" هو أشبه بالتغرير بالمنقود منه إلى النقد الأدبي و بين نقد حقيقي ناتج عن قراءة متأنية و ثقافة مواتية، هل يستويان ؟ طبعا لا !!!
"النت" يمنح فرصا كبيرة و كثيرة لكل "كاتب" ما دام الحديث أو الكتابة من وراء حجاب، و حجاب كثيف جدا، و بعض الناس ينشرون كتاباتهم بأسماء مستعارة تضمن لهم "السرية" أو "الاستخفاء" حتى لا يفضحوا إن هم نشروا تخرصاتهم بأسمائهم الحقيقية، و هناك ظاهرة حقيقية و موضوعية و هي أن كثيرا من النقاد "المحترفين" الحقيقيين يفضلون نشر دراساتهم أو نقدهم في الصحافة الورقية أو الكتب ليستفيدوا من عائداتها المادية، و هذا من حقهم و نحن لا نناقشهم فيه، لأن النشر "النتي" لا مردود فيه ماديا إلا المردود المعنوي الذي لا يسمن و لا يغني من جوع، و لذا فلا عجب إذا نحن قرأنا "نقدا" لا يشبه النقد إلا من حيث التسمية فقط !
و كلامي هذا لا ينفي وجود نقاد حقيقيين كبار ينشرون أعمالهم، و إن شحت، على "النت" ابتغاء تشجيع الأدباء أو المبدعين تعميما للفائدة و تدعيما لنقد أدبي حقيقي.
و في الختام، و أظنني أطلت عليك، أقول إن على الكُتّاب الصادقين مع أنفسهم ألا يغتروا كثيرا بما يقال لهم عن أعمالهم ثم عليهم أن يقبلوا النقد "اللاذع" عنها حتى من غير النقاد "المحترفين" لأن النقد الموجع مفيد ما لم يكن "قاتلا" كالضرب المؤدب غير المبرح أو المشوه الذي يترك عاهة مؤقتة أو مستديمة أو الضرب القاتل للمضروب، أعاذنا الله جميعا من "النقاد" القراصنة القاتلين للمواهب و الذين يمارسون شهواتهم "النقدية" على الأعمال فيضرون و لا ينفعون، اللهم آمين !
جعلنا الله من النقاد الحقيقيين الذين ينقدون ليضيفوا و ليس ليسلبوا، و جعل نقدنا بناء يغني و لا يلغي، اللهم آمين يا رب العالمين !
أعتذر إليك أختي الكريمة، أم المثنى، على هذا الإطناب في التعليق من جهة، و أشكرك، من جهة أخرى، على الفرصة التي أتحتها لي للفضفضة عن مكنونات نفسي المرهقة ! و دمت على التواصل البناء الذي يغني و لا يلغي.
تحيتي و مودتي و تقديري.
__________________________
ملحوظة: كتبت لك أمس تعليقا غير هذا فضاع كما قلت آنفا إلا أن تعليق اليوم احتوى على فحوى ما قلته أمس و زيادة كبيرة أرجو أن تكون مفيدة فلكل يوم بركته و الله المستعان، و للحديث بقية، إن شاء الله تعالى، إن رغبت في مواصلة الحوار طبعا ![/align]
تعليق