احتراق
تشاغبه مدن بعيدة ، فيسرع صوب النهر ، يتجاذب و إياه حديثا طويلا ، وحين لا يجد منه جوابا ، يخلع نفسه من ثيابه ، يخوض فى عالمه ، يبصر الشمس بين كفيه ، فيحتضنها كعاشق ، و يتغنى ، وهى تضحك على كفيه ، فتكشف له مدنا جديدة للسحر ، يقرأ نارها ،حبيبات روعتها تسيل ، خيطا خيطا تلفلف نفسها ، تدميه اندهاشا ، وهى تستحم معه ، وتنثنى بين ذراعيه ، فتأخذه رجفة ، ويبحر بها بعيدا ، صوب الأعماق !!
حين كشر الملك ، و أشتعل غضبه ، نهشت أظافره أكباد معارضيه .. و الذين فتكت بعقولهم آفة الحفر فى محاجر المجهول . كوت غلظته قلوبهم على ذويهم .. كان يختفي و ابنه في كهف سحيق ، اختبأ فيه طويلا ، تأتيه أخبار متفرقات ، عن غزوات الملك التي لا تنفض ، و لم تهدأ سورة غضبه إلى الآن ، بينما الولد يختنق ، يموت شغفا لمحبوبته ، فيخاتل أباه ، ويصعد خلسة ، ليكون معها ، يبثها لواعجه ، وشجونه ، فتكشف له جديدا ، وتعرى بقاع الأرض من حوله ، ثم يتسلل و الحمى تنهض فاتكة برأسه .
لم يكن يقين يسكنه ، بنجاته وولده ، فكان يعد عدته ؛ ليعبر المفازة ، و يكون خارج دائرة الموت .. فكر كثيرا .. فكر حتى ما عاد في رأسه شيء يصلح ، ليس إلا أزيز لدبابير ، تنهك تماسكه ، وتصليه حيرة و ارتباكا .
جاءته حين كان يهدهد ولده ، و يزرع شتلات أمل في روحه المحلقة ، في ارتحالها العميق ؛ حين دندن ، و النعاس يداعب أحلامه :" بي رغبة للتحليق .. للارتفاع إلى ما لا حدود يا ابتى ؛ لأصبح هناك فى سديم هذا الكون مع النجوم ، و لن أكتفي ، بل أكون أبعد و أبعد .. يجذبني غرام عجيب إلى كشف أسرار لا أعرفها .. أكاد ألمحها ، و لا أمسكها بيدي".. وأغلق دون انتظار لسماع رد والده ، هام في لجة غرامه !
لم ينم الأب ؛ حيث أشرقت المعاني ، وتجلت الحاجة ، نور لم يتوقعه ، ومن فوره كان خارج الكهف ، يلاحق رياش النسور ، و الجوارح ، و قفل عائدا فى جبين الفجر ، يحمل فوق رأسه خمرا لليلته ، كان حملا ضخما من الريش ، ملأ صدر الكهف ، و غطى قامته !
شيء محير ، فى الحبال يفكر ، و الحبال صعبة ، و ليست مجدية ، أيضا غير متوفرة ، جدائل شجر الصفصاف و السرو والليف ، سوف تحدث ثقلا ، و الأمر لا يحتمل .. ما العمل إذا ؟!
يكاد يخبط جمجمته فى نتوءات الحائط الصخري ، و أيضا أتت .. نعم أتت كوحى أوحى إليه ، رقص رقصا عجيبا ، وحده رقص بين كومة الريش ، فحمل حربته ، و تسلل ثانية ، و عاد تسبقه آنات ولهاث عال ، و كان على رأس الكومة يحمل غزالا .. وشع العقل حد الجنون !
أخيرا حلقا ، بعيدا كطائرين من عالم لا يمت لهذه البسيطة ، عبرا أراضٍ ، ومساكن ، وغابات ، وبحار ، حتى كانا بعيدين .. بعيدين عن قبضة الغضب ، فنادى ولده :"هيا نحتضن أرضنا الجديدة ".
كانت مفاجأة ، لم تخطر بباله ، وقت سمع رفضه ، و أطلق العنان لارتفاعه ، بينما الأب يصرخ فيه ، بله بكى استعطافا ، عله يحن ، لكن الولد لم يسمع له ،و أشرق في صدره شيء خارق ، لم يدر كنهه ، وظل يرتفع .. يرتفع ، غير مدرك ، أنه فى رحلة الصعود يلزمه الكثير ؛ يلزمه إلى جانب عشقها وعشقه لها!
احتضنته الشمس ، و في حضنها السخن ، العنيف لهذا المعشوق ، أطارت ريش الجناحين ، فهوى كأوراق خريفية ، بينا تتخلى عن عناقها ، تلتقط أنفاسها لمعاودة الالتصاق به ، إلا أن العاشق تفلت منها .. تهاوى ، وهو يفتح لها جناحيه ، ويصرخ فيها :" أين ما وعدت به .. خنت عهدا بيننا ؟! ".
بكت الشمس ، دارت :" لم تكن على قدر جنوني ؛ فاذهب .. أشعلتني ؛و أنت أضعف من أن تتحمل احتراقي بك !! " .
تشاغبه مدن بعيدة ، فيسرع صوب النهر ، يتجاذب و إياه حديثا طويلا ، وحين لا يجد منه جوابا ، يخلع نفسه من ثيابه ، يخوض فى عالمه ، يبصر الشمس بين كفيه ، فيحتضنها كعاشق ، و يتغنى ، وهى تضحك على كفيه ، فتكشف له مدنا جديدة للسحر ، يقرأ نارها ،حبيبات روعتها تسيل ، خيطا خيطا تلفلف نفسها ، تدميه اندهاشا ، وهى تستحم معه ، وتنثنى بين ذراعيه ، فتأخذه رجفة ، ويبحر بها بعيدا ، صوب الأعماق !!
حين كشر الملك ، و أشتعل غضبه ، نهشت أظافره أكباد معارضيه .. و الذين فتكت بعقولهم آفة الحفر فى محاجر المجهول . كوت غلظته قلوبهم على ذويهم .. كان يختفي و ابنه في كهف سحيق ، اختبأ فيه طويلا ، تأتيه أخبار متفرقات ، عن غزوات الملك التي لا تنفض ، و لم تهدأ سورة غضبه إلى الآن ، بينما الولد يختنق ، يموت شغفا لمحبوبته ، فيخاتل أباه ، ويصعد خلسة ، ليكون معها ، يبثها لواعجه ، وشجونه ، فتكشف له جديدا ، وتعرى بقاع الأرض من حوله ، ثم يتسلل و الحمى تنهض فاتكة برأسه .
لم يكن يقين يسكنه ، بنجاته وولده ، فكان يعد عدته ؛ ليعبر المفازة ، و يكون خارج دائرة الموت .. فكر كثيرا .. فكر حتى ما عاد في رأسه شيء يصلح ، ليس إلا أزيز لدبابير ، تنهك تماسكه ، وتصليه حيرة و ارتباكا .
جاءته حين كان يهدهد ولده ، و يزرع شتلات أمل في روحه المحلقة ، في ارتحالها العميق ؛ حين دندن ، و النعاس يداعب أحلامه :" بي رغبة للتحليق .. للارتفاع إلى ما لا حدود يا ابتى ؛ لأصبح هناك فى سديم هذا الكون مع النجوم ، و لن أكتفي ، بل أكون أبعد و أبعد .. يجذبني غرام عجيب إلى كشف أسرار لا أعرفها .. أكاد ألمحها ، و لا أمسكها بيدي".. وأغلق دون انتظار لسماع رد والده ، هام في لجة غرامه !
لم ينم الأب ؛ حيث أشرقت المعاني ، وتجلت الحاجة ، نور لم يتوقعه ، ومن فوره كان خارج الكهف ، يلاحق رياش النسور ، و الجوارح ، و قفل عائدا فى جبين الفجر ، يحمل فوق رأسه خمرا لليلته ، كان حملا ضخما من الريش ، ملأ صدر الكهف ، و غطى قامته !
شيء محير ، فى الحبال يفكر ، و الحبال صعبة ، و ليست مجدية ، أيضا غير متوفرة ، جدائل شجر الصفصاف و السرو والليف ، سوف تحدث ثقلا ، و الأمر لا يحتمل .. ما العمل إذا ؟!
يكاد يخبط جمجمته فى نتوءات الحائط الصخري ، و أيضا أتت .. نعم أتت كوحى أوحى إليه ، رقص رقصا عجيبا ، وحده رقص بين كومة الريش ، فحمل حربته ، و تسلل ثانية ، و عاد تسبقه آنات ولهاث عال ، و كان على رأس الكومة يحمل غزالا .. وشع العقل حد الجنون !
أخيرا حلقا ، بعيدا كطائرين من عالم لا يمت لهذه البسيطة ، عبرا أراضٍ ، ومساكن ، وغابات ، وبحار ، حتى كانا بعيدين .. بعيدين عن قبضة الغضب ، فنادى ولده :"هيا نحتضن أرضنا الجديدة ".
كانت مفاجأة ، لم تخطر بباله ، وقت سمع رفضه ، و أطلق العنان لارتفاعه ، بينما الأب يصرخ فيه ، بله بكى استعطافا ، عله يحن ، لكن الولد لم يسمع له ،و أشرق في صدره شيء خارق ، لم يدر كنهه ، وظل يرتفع .. يرتفع ، غير مدرك ، أنه فى رحلة الصعود يلزمه الكثير ؛ يلزمه إلى جانب عشقها وعشقه لها!
احتضنته الشمس ، و في حضنها السخن ، العنيف لهذا المعشوق ، أطارت ريش الجناحين ، فهوى كأوراق خريفية ، بينا تتخلى عن عناقها ، تلتقط أنفاسها لمعاودة الالتصاق به ، إلا أن العاشق تفلت منها .. تهاوى ، وهو يفتح لها جناحيه ، ويصرخ فيها :" أين ما وعدت به .. خنت عهدا بيننا ؟! ".
بكت الشمس ، دارت :" لم تكن على قدر جنوني ؛ فاذهب .. أشعلتني ؛و أنت أضعف من أن تتحمل احتراقي بك !! " .
تعليق