تحياتي الخالصة إلى الأخوة حماة اللغة العربية ورجالاتها ، وبعد :
طرح السيد أبو صالح مسألة شائكة تتعلق بمسألة تطور اللغة بتطور المجتمع ، فهل اللغة كائن حي يتطور بتطور المجتمعات فتموت كلمات وتظهر كلمات وتتغير معانى كلمات ثالثة ، فتفقد معانيها الأصلية لتكتسب معاني جديدة تكتسبها من الاستعمال اليومي ، أم أنها بنية تامة كاملة لا يلحقها التغيير ولا التصحيف على مر العصور ، وعلى المجتمع أن يكد ويجد ليحافظ عليها كما هي .
معظم اللغات العالمية تتطور بتطور المجتمع و البنية الوحيدة التي تحافظ على خصوصيتها هي البنية الصرفية وأكثر البنى تعرضا للتغيير هي بنية المعنى ، إذ بسبب التأثير و التأثر بالثقافات العالمية تتطور دلالة الكلمات ، يضاف إلى ذلك الجانب الإبداعي الذي يفرغ الكلمات من معانيها الأصلية ليشحنها بمعان جديدة تصبح ـ بعد كثرة التداول ـ كلمات عادية، و المعنى الذي أسماه الأستاذ الجليل نذير طيار المعنى الطارئ الجديد في "مرور الكرام" هو معنى بلاغي يفرغ العبارة من معناها الأصلي ليشحنها بمعنى نقيض على سبيل الاستعارة التهكمية .
صحيح إن للغة العربية خصوصيتها باعتبارها لغة الوحي و أن إعجاز القرآن الكريم مرتبط بهذه اللغة ، ولا بد من الحفاظ عليها من أجل فهم النص القرآني ، لكنها لن نستطيع مهما حاولنا أن نقف في وجه التيار الزاحف الذي يكنس القديم ويحمل بدله معجما جديدا متولدا من نبض المجتمع.
بل إن العديد من المفكرين والمثقفين دعوا منذ النصف الأول من القرن العشرين إلى تحطيم جدار اللغة منهم طه حسين وسعيد عقل ويوسف الخال الذي أرجع توقف مجلة شعر اللبنانية ذات الاتجاه الحداثي إلى جدار اللغة ، فنحن نتكلم بلغات متعددة هي اللهجات المحلية ونكتب بلغة أخرى هي العربية الفصحى .
إن المسألة أعقد من الدعوة إلى المحافظة على اللغة العربية ، لكن كيف؟ وهل من الأصلح الحفاظ عليها كما هي دون باقي لغات العالم .
أسئلة تتصارع في داخلي ، فأنا ممن يحبون اللغة القديمة بحكم تخصصي ، وأسعى جاهدا إلى أن أقرأها في مضانها الأدبية القديمة وفي مضانها الدينية ، لكن واقع الحال ومنطق التطور يقول : ستكون بدعوتك هذه بطلا إشكاليا يبحث عن قيم أصيلة في مجتمع لا يملك تلك القيم . ولكم واسع النظر
تعليق