لن اتأخر ... وتحية
ذكريات مبعثرة !!
تقليص
X
-
- 7 –
وتغادر الأم بعد أيام , حيث تترك صغيرتها لتسافر من جديد إلى هناك حيث تحلم بأن تحقق طموحها بأن تكون طبيبة في أحد التخصصات النادرة في حينها , تودعها الطفلة بأسى متكرر إذ أنها تعودت منها تلك المغادرة , وبرغم الخوف الذي بداخلها وبرغم شعورها بغربة مبطنة إلا أنه فوق ذلك بدا في الأفق أن ما هنا يختلف عما هناك .. ...
كل يوم في الصباح تفتقد جدتها والشرفة المليئة بالياسمين الشامي التي كانت تتمتع برش الماء عليه وقطف الزهور مع الجدة , وحين تعبث به تقول لها الجدة : : يا صغيرتي هذه مثلك صغيرة وتحب من يحبها , أحبيها وستعطيك أجمل الزهور ... ومن شدة شوقها لحضن جدتها صارت ترفض الفطور اليومي وتبقى جالسة في فراشها إلى أن يحين موعد الغذاء , وعندما يحين لا تأكل شيئا ً !! فطعم الاكل ورائحته تختلف كثيرا ً عما تعودت عليه كما وأنها لا تجد هنا العديد من الصغار كما هناك... لتلعب معهم... وليس هناك من سلالم تتسابق عليها... وليس هناك من يأتي عند الظهيرة لتسعد بعودته, ومرت الأيام وهي على هذا الحال .. وحدها العمة من تنبه لهزال الطفلة ربما بغريزة الأمومة الكامنة فيها أو ربما لأنها أحست أن الطفلة أحبتها , فصارت تحاول أن تعيد توازن تلك الطفلة الغريبة عن جو أهلها فتنادي عليها حين تعد الطعام وتسألها : حبوبتي !! كيف كنتم تعدون هذا ؟...
هل تأكلين هذا ؟...
ربما هذا يعجبكِ فتذوقيه ؟ ....
خذي هذه الحلوى واجلسي عند تلك الشجرة.. الشجرة التي يلعب حولها الأطفال والعبي معهم .. وهكذا إلى أن تمكنت تلك المرأة الرائعة بحق من جذب الطفلة إلى عالمهم وأسلوب معيشتهم... ليس بشكل تام ... ولكن !!!!!
إنكمشت الطفلة على حالها وصارت تخاف من الغرباء وتقوقعت مع ذكرياتها وعطر أيامها السابقة وصار عالمها الجديد هو الجد والجدّة وأباً حنوناً حائراً... ما الذي يجب أن يفعله لها كي تتعودهم , وعمة وولديها , وأخا وأختين , وعماً متمرداً رافضاً غريب الأطوار لم تفهمه ولم تكن تود أن تراه لفظاظة طبعه أو لخشيتها من غضبه غير المبرر !! عائلة تعد على أصابع اليد في حين أنه هناك عبر الأفق كان في كل بيت أكثر من هؤلاء أحيانا ..
وبين هنا وهناك عاشت في صراع مرير .. كل ما تراه يضعه عقلها اللاواعي بمقارنة بين هنا وهناك !!
شيئاً وحيداً وجدته مشتركاً ..هو صوت قراءة القرآن الذي يرتله جدها عند الظهيرة .. ذلك الصوت الذي جذبها واستولى على فؤادها فصارت تلعب قرب داره وتثير الضجة البسيطة وتحاول أن تعبث في قفل الباب كي تثير إنتباهه , ونجحت , فصار كل يوم بعد شوط عبثها هذا , يناديها لتجلس قربه ثم تغفو على قدميه الذي يمدها لكبر سنه وهو جالس على الأرض .التعديل الأخير تم بواسطة مينا عبد الله; الساعة 08-07-2007, 00:26.[size=6][font=Comic Sans MS][color=#00008B]أنفاسي خطواتي نحو الممات .. و ربما تبقى لي ذكريات .. هكذا علمتني الحياة
[/color][/font][/size]
تعليق
-
-
[align=right]- 8 -
صار موعدها مع جدها هو أحد طقوسها الذي تنتظره كل يوم .. أثر فيها وجذب روحها فصارت مشدوهة له لذلك عندما طواه الموت بعد أكثر من سنة بقليل ,بكته بحرقة شديدة لوحدها, وصارت تجد بعد ذلك بين ثنايا روحها حنينا له ولصوته الشجي , وكانت تلوذ بنفسها في الليل حيث كانت تبتهل لله ببعض ابتهالات طفولية فترجو الله أن يعيده لهم .. أما عن منظر موته وصورته وهو ممد على سريره فقد انطبعت في ذاكرتها وصارت تسكنها لوقت لا تعرفه أما الناس التي كانت تأتي إليهم بعد ذلك بشكل روتيني لأيام من موت جدها وملامحهم فقد صارت جزءً من ذاكرتهابل وأصبحوا ضيوفا على أحلامها الليلية !! وكان من الطبيعي أن تشعر بها جدتها لأنها صارت تختبئ خلفها من الخوف من هؤلاء الغرباء الذي يلفهم المكان , وعقلها اللاواعي يعيد لها صورة المطار .. بعضهم يأتي وبعضهم يرحل وبعضهم ينتشر هنا وهناك , وأشياء أخرى لا تفهمها , فحرصت جدتها على احتضانها لمدة أطول وقربتها إليها بعد ذلك حتى صارت لها أما ً جديدة .... لجدتها صورة رائعة فقد كانت ملكة بكل ما في هذه الكلمة من معنى , إمرأة يغلب عليها الطبع البدويّ لم تنل حظا من التعليم ــ وكذلك جدها ــ سوى ما تعلموه على أيدي شيوخ تحفيظ القرآن , رغم هذا كان جدها كثير القراءة يجلس في داره التي هي جدران ثلاثة تغطيها رفوف للكتب وجدار أصم عليه لوحة كبيرة لآية الكرسي وشباك وبساط شعبي محلي الصنع مما صار فيما بعد يعد من التراث لكنها كانت أجمل الغرف عندها حتى صارت بعد موته تنظر من الشباك عند موعده القديم لربما كان قد عاد ؟!
والجدة / الملكة هذه كانت حكاياتها حكم... وأقوالها مأثورة فكم تعلموا منها حين كانت تجلسهم في الليل, كم حرصت على تعليمهم الموروث من عاداتهم : لا تلعب مع أخواتك يا محمد هذا لا يليق بالرجال !! .. وانتِ يا بنيتي لا يصح ان تمشي كاشفة الرأس حتى وإن كان هذا أمام عمكِ !! .. يا صغيرتي نامي مع العصافير !! ومازال قولها الذي تردده عليهم كل يوم يتردد في ذهنها حين تسهر حتى الصباح لتنام عند شروق الشمس : عليكم ان تناموا مع الدجاج وتصحوا مع الديكة !! هذا يجعل اجسامكم وعقولكم صحيحة !!
عاشت الجدة طوبلا بعد وفاة الجد واصيبت بالخرف بعدها وهي لم تغادر بيتها الا لتذهب إلى حيث الموت يسكن , وتسكن الارواح معه .[/align][size=6][font=Comic Sans MS][color=#00008B]أنفاسي خطواتي نحو الممات .. و ربما تبقى لي ذكريات .. هكذا علمتني الحياة
[/color][/font][/size]
تعليق
-
-
[align=center]- 9 - [/align]
[align=right]بيتهم الذي عاشوا فيه مع جدتهم كان من طراز البيوت الشرقية القديمة , باحة وسطية تفتح عليها كل أبواب وشبابيك الغرف إلا غرفة الضيوف أو ما تسمى عندهم " ديوانية الرجال " التي كانت شبابيكها وبابها تطل على الشارع مباشرة وهذا ينطبق على كل بيوت الزقاق والحي القديم و تتوسط الباحة شجرة نخيل عامرة تؤتي ثمارها كل عام .. كانوا وهم في عمر الزهور ينتظرون سقوط بعض حبات التمر ليتسابقوا إلى نيلها , وغالبا ً ما كانت تتنازل البنت الصغيرة لأخيها الكبير في التقاط تلك الحبة حين يكون معهم في اللعب خلسة عن جدته , أضيفت إلى هذه الشجرة نافورة ماء صغيرة وبعض أصص الزهر الذي أتت بها أمها من موطنها هناك , حين عادت لتعيش معهم لعام آخر في هذا البيت العتيق الذي يعبق بعطر ذكريات مبعثرة أخرى تكاد تشمها حين تأتي إليه بين الحين والحين .. وفي كل مرة عند الصيف حين تجلس بجوار جدتها في باحة الدار تفكر أن تركض لتلتقط حبة تمر تسقط ولكن لخشيتها من انتقادات جدتها اللاذعة هي من تعيقها في ممارسة ذكريات الطفولة .. فتكتفي بتأمل أولاد العائلة الصغار الجدد وهم يمارسون ذات الالعاب وكأنها جينات وراثية .
في هذا البيت عاشوا جميعا لسنة إضافية لحين انتهاء والدها من بناء بيت جديد لهم .. كانت البنت الصغيرة تتوسل أباها في كل مرة : قرب البحر ..قرب البحر يا أبي !! أريد أن ألعب بالرمل وأصنع قلعة وأبني بيوتا ً , وأريد البيت عاليا ً لأراقب السفن .. و .. و .. ويبتسم لها الأب صاحب القلب الحنون والنظرة الدافئة والصوت الهادئ : إطمئني سيكون لك حتى لو جلبت البحر كله بين يديكِ حبيبتي !! وتفرح هي ويضحك الأب لفرحها .[/align][size=6][font=Comic Sans MS][color=#00008B]أنفاسي خطواتي نحو الممات .. و ربما تبقى لي ذكريات .. هكذا علمتني الحياة
[/color][/font][/size]
تعليق
-
-
[align=center]- 10 – [/align]
أول يوم مدرسة , كان بلا أمها , فقد كان في ذات السنة التي جاءت بها إلى هنا , جدتها من جدلت لها ضفيرتها وعمتها اشترت لها ملابس المدرسة والحقيبة واستعد الجميع لأول يوم مدرسة في عام جديد بالنسبة لها, أخاها الكبير له مدرسة وأختها الكبيرة كذلك , فقط هي وأختها الوسطى في مدرسة واحدة .. لم تكن تعرف ما هي الهالة التي يتحدث عنها الاخرون عن أول يوم مدرسة فقد كان يوما ً عاديا ً جدا ً .. وصلت سيارة المدرسة وصعدت هي بعد أختها لم تكن تشعر بالخوف ولا الرهبة من أي شيء ربما لان توأم روحها معها جلست في المقعد المجاور من أختها بعد أن اوصتها جدتها بذلك : ضعي اختك بجانب شباك السيارة واجلسي جوارها ولا تهتمي سوى بها وانسي إن لك رفيقات . كل ما تقوله هذه الملكة كان ينفذ بتفاصيله .
بعد دقائق نامت البنت على رجل أختها إلى أن وصلوا ,, النوم عندها ليس له طقوس ومنهج .. هي فقط تنام حين تشعر برغبتها في النوم أو حين ينتقل الخوف لقلبها الصغير في الأماكن الجديدة , وظلت على هذا الحال في كل يوم ذهاب للمدرسة النوم على رجل اختها او التظاهر بالنوم !! في المدرسة استغربت من كثرة عدد المعلمات فذاكرتها تخزن لها صورة روضة الاطفال التي كان عدد معلماته قليل جدا أو حين كانت تذهب في بعض أيام مرضها مع جدتها إلى مدرسة الجدة هناك حين كانت تخشى أن تتركها لانها بالتأكيد ستلعب كثيرا ُ , ولم تكن تعرف إن هذا العدد الهائل ما هو إلا أمهات الطالبات الجدد!! حتى انها كانت تستاء من أصوات من يبكين في الفصل .. وقررت يومها ان تبدأ عامها الجديد في نفس فصل اختها لكثرة ما كانت تبكي زميلتها بجانبها وظلت كذلك إلى أن تعودت تلك على الصمت وعدم البكاء فقررت هي أن تعود الى فصلها ..[size=6][font=Comic Sans MS][color=#00008B]أنفاسي خطواتي نحو الممات .. و ربما تبقى لي ذكريات .. هكذا علمتني الحياة
[/color][/font][/size]
تعليق
-
-
[align=center]- 11– [/align]
[align=right]وانتقل الجميع إلى بيتهم الجديد إلا هي .. بقيت بالحاح من جدتها بعد أن صارت مصدر سلوى ومبعث للسعادة في قلب الجدة الحزين الذي فقد رفيق العمر الطويل وإبنها الثاني وهو ذلك العم المتذمر حيث غادرهم وهاجر الى بلاد أجنبية وصارت أخباره تأتيهم على فترات متباعدة ومن الأخبار من تقول إنه تزوج من إمراة غربية وصار له أولاد هناك وإن زوجته واولاده هجروه ايضا ً , طلبت الجدة من ابنها ترك الفتاة الصغيرة معها لكنها ظلت مرتبطة باهلها عن طريق إختها الوسطى التي تشترك معها في نفس باص المدرسة والمدرسة كذلك وصارت تنتظر زيارة أهلها في نهاية الأسبوع لتلهو مع إخوانها وبقيت الفتاة إلى ان بلغت عمر الثانية عشر وهي في كنف تلك الجدة البدوية الرائعة كانت تحاول أن توضح إنها لا ترغب بالعيش هنا معها ولكنها كانت تتحسس ذلك الألم الشفيف الخفي في عيونها وتقرأ معاني كلمات أشعار شعبية وأمثال ترددها بين الحين والحين عندما تكون في حالة حزن وتردد تلك الاشعار بنغمة ولحن يشجي القلب رغم إن بعض الكلمات تكون مجهولة بالنسبة لها ولازال بعض تلك الأشعار مخزون في دفتر الذكريات هذه وكأنها تنعي ولدها الذي أضاع نفسه وأضل الطريق والعتاب مع الزوج الذي تركها وحيدة بعد أن كانا رفيقين وحظ ابنتها العاثر الذي تزوجت من رجل غتي في منتهى الرجولة ومن غير جنسيتهم مقيم في بلادهم لغرض التجارة, ولكنه تركها أرملة ترعى إبنين تؤامين في عمر الثلاث سنوات , والذي أحدهم تزوج أختها الوسطى فيما بعد ,ولكنها كانت تحمد الله كثيرا ً على ما أنعم الله به ولدها الكبير والذي هو والد تلك الفتاة وما آل إليه حاله رغم إنه تزوج بغير رغبة منهم في بادئ الأمر ثم حظت تلك الزوجة الغريبة عنهم بكل شيء بمحبة أهله ورضى والدته التي صارت تمتدحها كثيرا ً حين تأتي على ذكرها بعد أن تعرفت إليها و عرفت إنها سيدة ناحجة وأم حنون ورفيقة عمر صالحة , ومضت الأيام وانتهت مرحلة الدراسة الإبتدائية وصار على الفتاة ان تنتقل إلى بيت أبيها لتعيش هناك في وضعها الطبيعي ... [/align][size=6][font=Comic Sans MS][color=#00008B]أنفاسي خطواتي نحو الممات .. و ربما تبقى لي ذكريات .. هكذا علمتني الحياة
[/color][/font][/size]
تعليق
-
-
- 12 –
وابتدأت مظاهر الأنوثة تظهر على الفتاة المراهقة بشكل ٍ واضح ,وحين تحركت بوصلة القلب بشكل ٍ عفوي وهي في الثالثة عشر من عمرها , فقد أشارت إلى هناك .. وتذكرت إبن خالها " سامر " ذلك الشاب الجامعي الوسيم الذي كان ينزل السلم كل صباح مبكرا ً ليمارس الرياضة على الساحل ليتوقف عند باب شقة الجدة,
ويسألها : هل تريدني أن اجلب لكِ شيئا ً حبيبتي!! ؟..
فتجيبه بخجل : شوكولا .
وعند عودته كان يأتيها بنوع من الشوكولا الذي معه قطع بلاستيكية تعيد تركيبها لتصبح شيئا ما قد يكون سيارة صغيرة أو شكل حيوان أو بيت صغير وكانت تجمعها كلها وحين عادت لبيتهم وهي المرة الأولى التي تعيش في غرفتها الخاصة بمفردها وضعتها جميعها في مكان يؤمن لها رؤيتها في كل وقت لتعيش لحظات سعادة حين تتذكر تفاصيل سفرتها الأخيرة إلى هناك .
وقد استعجلت الشتاء أن ينتهي ليأتي الصيف لتذهب إلى هناك وللمرة الأولى لم يكن شوقها لجدتها وتفاصيل الطفولة هناك بل شيء يجعل قلبها ينبض مسرعا ً وللمرة الأولى أيضا ً كانت تسلم عليه بخجل حتى إنه تنبه لذلك ,
قال لها : يبدو إن صغيرتنا قد كبرت فعلا ً ونحن لا نعلم !!
لم تكلم إبن خالها بعد ذلك وصارت تتجنبه لاضطراب نبض قلبها وتلون وجنتها بحمرة الخجل .
لكنها لاحظت إن هناك شيئا ما يحاك وإن والدتها تشترك فيه , إلى أن جاء موعد سفرهم حينها سلم عليهم إبن خالها .
وقال لأمها : عمتي ستحضرين بالتأكيد حفل زفافي فقد كان مجهودكِ كبيرا ً ؟! .
ذهلت الفتاة ووجف قلبها وشعرت إن الدنيا من حولها غريبة ولا تعرفها ولم تستطع التمييز بين الوجوه ولكنها تجلدت لتسلم على الجميع .
وفي الطائرة سألت اختها : هل " سامر" سيتزوج قريبا ً ؟! ومن هي ؟!
اجابتها الاخت : نعم , وإنه سيتزوج من فتاة من البقاع كانت زميلته في الجامعة وهو مرتبط معها بقصة حب من خمس سنوات !! ...
حزنت جدا وشعرت بالإنكسار وقررت أن لا تأتي مرة اخرى إلى هنا !!![size=6][font=Comic Sans MS][color=#00008B]أنفاسي خطواتي نحو الممات .. و ربما تبقى لي ذكريات .. هكذا علمتني الحياة
[/color][/font][/size]
تعليق
-
-
13
وذات ليلة باردة حالكة الظلمة حين كانت تعيش مع جدتها لأبيها , كان كل من في البيت قد سكن للنوم وبقيت جدتها كعادتها تروي لها حكايات هي أقرب للذكريات عن عائلتهم وعن جدهم الكبير وعن الهجرة من حضرموت إلى هنا وبين دقائق الصمت التي تتخلل ذلك السرد الذي سمعته الفتاة عشرات المرات , تناهى إلى سمعها أصوات طرق وخطوات , ربما كانت هاجسا ً وربما حقيقة .
فقالت الفتاة : إنهم يعدون القهوة أو الشاي!!!
فالتفتت إليها الجدة وسألتها باستغراب : من هم أولئك ؟!!!!!!!
- إنهم الجن جدتي.
وأعقبت ذلك بالكثير من البسملة .
- ومن أين لكِ أن تعرفي هذا بنيتي ؟!!
- إنها " نانّا " هي من أخبرتني بهذا , واسترسلت الفتاة تحكي لجدتها لأبيها عن ذكرياتها مع جدتها لأمها فقالت :
( حين كنت أسمع أصواتهم وخطوات تتناقل على السلالم فكانت تقول لي يجب أن تكثري من قول " بسم الله الرحمن الرحيم " وتعرفي أنهم الجن !! , فأقول لها :
ومن هم " الجن " جدتي ؟ هل هم جار لنا , هل يسكنون معنا في البيت الكبير ؟
فكانت تضحك مني والخوف يسكن بين نظرات عيونها وتكثر من البسملة لتشرح لي عنهم من أنهم من خلق الله ولكنهم يختلفون عنا .
وأعيد على جدتي السؤال : جدتي , ولكنهم يشربون القهوة ؟! فتقول لي الجدة : دعكِ من كل التفاصيل وتقبلي ما قلته لكِ .
ومن يومها وأنا أنتظر الليل كي أراقبهم وأسمع أصوات تحركاتهم لأجد لها تفسيرا ً يقنعني , فمرة أظن أنهم يحركون الأثاث , ومرة أستمع لصوت فأقول أنه صوت ماء ينزل من الصنبور إذ ربما أنهم يغتسلون أو يغسلون أوانيهم .)
وصارت الفتاة تروي لجدتها حكايات عنهم وكأنها ذكرياتها بينهم , وغدت الجدة والفتاة تتبادلان الروايات يوميا ً وكأنهن يعشن في الماضي فقط ولم يرسمن ليومهن ولا للغد شيء .
ورغم إنها لم تسافر إليهم مرة أخرى إلا أنها ظلت تتابع أخبارهم وتتحرق شوقا ً لتُقبل عيون جدتها لأمها وتستعيد يوميا ً تفاصيل صغيرة مرت هناك وكل ما يتعلق بسنين طفولتها الأولى التي عاشتها بينهم .
وكذا إنها ما عادت تعيش عند جدتها لأبيها لكنها لازالت تمارس عادتها اليومية في تذكرهم وتذكر قصص جدتها عن أجدادها السالفين[size=6][font=Comic Sans MS][color=#00008B]أنفاسي خطواتي نحو الممات .. و ربما تبقى لي ذكريات .. هكذا علمتني الحياة
[/color][/font][/size]
تعليق
-
-
- 14 -
ومرت ثلاث سنوات وحين كان يسافر الجميع كانت هي تقرر أن تبقى مع جدتها لأبيها التي كانت تفرح لقرارها هذا !!, عتب عليها الجميع لأنها لم تحضر زفاف " سامر" ولا خطوبة إبنة خالتها ولا أيّاً من المناسبات التي كان يتم ترتيبها لتقام في موسم حضورهم , وأرسلت لها جدتها لأمها العديد من كلمات العتب ورسائل الشوق ولكنها كانت تتجاهل كل هذا . إلى أن جاء يوم رأت فيه والدتها ترد على مكالمة هاتفية فإذا بها تصرخ وتبكي بحرقة واجتمع الجميع وحينئذ عرفت أن خالها " إبراهيم " مات بعد معاناة مع المرض, لم تكن الفتاة تذكر عن خالها غير أنه كان حنونا ً معها دافئا ً في مشاعره وتذكر أيضا ً أنه كان مصابا بضيق في التنفس .
من أجمل ما تذكره .. هي ملابس العيد التي كان يحضرها لها في ليلة العيد ويحذرها من أن تلبسها " خوفا ً من زعل العيد عليها " وتذكر قلقه حينما تمرض فكان يعطيها الدواء بنفسه.
فبكت بصمت وقررت أن تسافر مع والدتها ووالدها رغم رفضهما لكن دموعها التي تساقطت بغير إرادة منها هي من أجبرتهم على الموافقة , وبذلك كسرت الحاجز , ذلك الحاجز الذي رسمه خيالها .. بقرار عدم السفر مرة أخرى إليهم .. وحين وصولها بكت في حضن جدتها الحنون التي كان قلبها منكسرا ً لفقد إبنها الكبير ولكنها رغم هذا كانت شاكرة لله على ما حدث .
وهناك في احضان ذكرياتها التي كانت تبعث فيها الحنين والألم احيانا ً .. وبعض ومضات من أمل .. وبعض ضحكات طفولية تبعثر صداها على جدران المنزل .. أو ارتسمت كقطرات ندى على أوراق شجر الحديقة المجاورة .. أو تجمعت على ساحل البحر كمحاراته وقواقعه .. او كسفن ٍ راسية نسيت السفر .. او كطيور مهاجرة فقدت ذاكرتها حين ارتطمت بأرض الجمال والطفولة هنا ولم تعرف غير هذا وطن..
هناك عرفت انها لن تستطيع أن لا تأتي مجددا ً .. كل ما هنا تعرفه .. تلمسته يداها ... ومرت عيونها على بقايا الجدران .. وكل من هنا هم أحبة يسكنون القلب ....[size=6][font=Comic Sans MS][color=#00008B]أنفاسي خطواتي نحو الممات .. و ربما تبقى لي ذكريات .. هكذا علمتني الحياة
[/color][/font][/size]
تعليق
-
-
اي ابداع هذا يامينا
لن ابالغ حين اقول الروعة قليلة في حق
تلك التي اخرجتيها لنا هنا
ملامح مرسومة بالوان ذكريات مبعثرة
كتبت بدقه كثيره ما نراها فينا و من حولنا
من خلال قلمك زرعتينا في فصول تلك الشخصيات والقصص والذكريات عشناها معكِِ
سلمت يدك مرة اخرى على هذا الابداع
مها[align=center]كلما طال بعدنا زاد قربا
يجمع الحرف بيننا والخطاب[/align]
تعليق
-
-
المشاركة الأصلية بواسطة مها النجار مشاهدة المشاركةاي ابداع هذا يامينا
لن ابالغ حين اقول الروعة قليلة في حق
تلك التي اخرجتيها لنا هنا
ملامح مرسومة بالوان ذكريات مبعثرة
كتبت بدقه كثيره ما نراها فينا و من حولنا
من خلال قلمك زرعتينا في فصول تلك الشخصيات والقصص والذكريات عشناها معكِِ
سلمت يدك مرة اخرى على هذا الابداع
مها
العزيزة مها ..
ولن ابالغ حين اقول لكِ .. لقد ملئتني السعادة
من كرم كلماتك .. وجميل مروركِ
مودتي واحترامي
ميـــــــــــنا[size=6][font=Comic Sans MS][color=#00008B]أنفاسي خطواتي نحو الممات .. و ربما تبقى لي ذكريات .. هكذا علمتني الحياة
[/color][/font][/size]
تعليق
-
-
د. جمال مرسي
الاستاذ والشاعر الرائع
وها أنا ايضا هنا .. فاغفر لي تأخري
ولن اغفر انا لنفسي ..
اسعدني بعمق اهتمامك .. وتشجعيك الكريم
تحيتي واحترامي
ميـــــــــنا[size=6][font=Comic Sans MS][color=#00008B]أنفاسي خطواتي نحو الممات .. و ربما تبقى لي ذكريات .. هكذا علمتني الحياة
[/color][/font][/size]
تعليق
-
ما الذي يحدث
تقليص
الأعضاء المتواجدون الآن 108058. الأعضاء 7 والزوار 108051.
أكبر تواجد بالمنتدى كان 409,257, 10-12-2024 الساعة 06:12.
تعليق