بين الكاتب الإسلامي والنص الإسلامي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد جابري
    أديب وكاتب
    • 30-10-2008
    • 1915

    #16
    الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
    أحبائي د. علي متقي، والأستاذ عبد الرؤوف النويهي؛
    ها نحن في خضم هذه الأمواج الذهبية المتلألئة بين ضفتي الفن والجمال نقترب من بعضنا ونتقارب في مفهومنا.
    لم يعد بحمد الله لدى أخينا د. علي متقي من مشكل في وجود أدب ذي رؤية إسلامية، وها هو الهم انصب من كلا الأخوين نحو التفتح على الثقافة العالمية.
    ومن باب السنن الإلهية أقول إن الله أذن لنا بصفتنا مسلمين بقراءة كل شيء من زاوية {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق : 1]، ومن هذا المنظور فنحن ننفذ أمرا ربانيا فيه أجر وثواب، فما على العبد إلا استحضار النية، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
    هذا الموضوع لا خلاف فيه، ورحم الله عباس محمود العقاد وهو يوصينا بالانتفاع مما نقرأ، فليس اللوم لسفن تبحر بعيدا لتجلب لنا فنونا نادرة بعملة صعبة؛ وإنما اللوم على من يرتمي في أحضان الثقافة الغربية ويعانقها روحا وفكرا، قلبا وقالبا، ويقيم ولائم اللوم والشجب على تحرر فلان من ربقة أستاذه الغربي وهو من هو في فنون الأدب... كأن القراءة والاحتكاك بأدباء الغرب أضحت من العلامات المسجلة تطبع وتصبغ الناس بصبغتها.
    وقد نقلت لكم قول الأستاذ د. الأمرني " إن الأديب المسلم لا يصح أن يصدر عنه إلا الأدب الإسلامي، فإن تخلف تحقّق ذلك، فمرجعه إلى أحد أمرين، أو إليهما معا :
    الأمر الأول: ضعف التصور الإسلامي في وجدان الأديب، حتى لا نقول ضعف الإيمان؛
    الأمر الثاني: ضعف الموهبة الأدبية وضمورها.
    والأدب الإسلامي المكتمل بشروطه الموضوعية، والفنية لا يتحقق إلا باكتمال ذينيك الشرطين متضامين، متآزرين، متكاملين.
    " إن الأدب الإسلامي، في نهاية الأمر ليس غير الاستجابة الأدبية السليمة لنداء الفطرة {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}[الروم : 30]".
    وتكمن سعادة المرء لدى وجود قارئ متذوق، أو حين يمر ناقد بارع بمسحته الفنية على لوحة مبدع، فتزداد لألئها تلألأ.
    وهو القول الذي زكاه أخونا د. متقي لدى استشهاده بعدم تجاوز أدونيس لضوابط مجتمعه، (وإن اعتدى على ....).
    والأدب الإسلامي يصدرعن الأديب المسلم سليقة كما تفوح الرياحين عن الزهر، وتصدر الزقزقة عن الطير، وكما لا يصدر الأدب المسيحي إلا عن مسيحي، وإن اعتدت البلوى وخاطبنا مسلمون بمصطلح الخطيئة ودقات الكنائس وهو ما لا يمكن أن يصدر عن مسلم مستنير على أية حال؛ إذ لا تمت هذه الأشياء لمعتقده، ولا نلوم من يصف واقعا ويحكي مجرى ظروف في كنيس.
    ونقرا لبعضهم كتابات تستهزئ بكتاب الله أو برسوله، أيمكن أن نصمت صمت شيطان أخرس وهي تقتضي عقاب ربه ونقم عباده. أم نرمي القول بأن هذه كتابات مغفلين أم أدباء غير ناضجين كما وصمت إسرائيل من قتل مسلمين بالمريض النفسي ليقاد للمستشفى ويطلق صراحه ليعاود الكرة؟.

    وليس الأمر على ما جاء به ذ. نويهي في قوله: " زعماء الأدب الإسلامى ..يجتهدون فى فرض الوصاية على عقول المسلمين ،بدعوى الخوف والحرص عليهم ..من كتابات الآخرين أياً كانوا ".
    وقد نقلت إليكم فقرات غير يسيرة من كتابات د.حسن الأمراني فأي فقرة استعمل فيها صيغ أمر الفقهاء "لا يجوز " أو " يجب " وإنما هي دعوة للإقناع في حوار هادئ مع النفس لتطمئن وتناقش في جو بعيد عن التشنج والتعصب لرأي أوتصور، وما نحن إلا ملتمسي سبيل الحق ضمن ثنايا قناعاتنا.
    والمسلمون أصناف شتى ولا أخفي أن من تعامل مع الإخوة السلفيين حتى ولو كان حوارا بسيطا لمس شدة غيرتهم على مبدئهم وتصلب مواقفهم، ظنا منهم أنها الحق المطلق الذي لا يقبل سواء، فجزاؤهم عند ربهم لا شك فيه، لكون ربهم يتطلع إلى قلوبهم وصدقهم مع أنفسهم، وإنما أفسدوا العلائق مع الخلق، وأخذ الناس عليهم تلك النظرة الشزراء...
    ومن هنا ألتمس العذر لأخينا النويهي.

    فيما يتعلق بتوظيف السنن الإلهية في مجال النقد أطلب من أخينا د.علي متقي أن ينتظر نشر سبيل هذا النقد النظري أولا ثم نماذج عملية ليتبين مدى أهمية السنن في إبراز ما لا يمكن وضع اليد عليه من هفوات إلا من خلالها.
    أحبائي الكلام ذي شجون، وأترككم في حفظ الله وعنايته وإلى مداخلة أخرى والسلام عليكم.
    التعديل الأخير تم بواسطة محمد جابري; الساعة 17-03-2009, 17:59.
    http://www.mhammed-jabri.net/

    تعليق

    • عبدالرؤوف النويهى
      أديب وكاتب
      • 12-10-2007
      • 2218

      #17
      على هامش الحديث

      المشاركة الأصلية بواسطة محمد جابري مشاهدة المشاركة
      والحال أن مصطلح الأدب الإسلامي قديم في ظهوره، قد يعود إلى نهاية القرن الهجري الأول وبداية القرن الثاني إن نحن تقصينا الأمر وأحسنا التقصي، ومما لا شك فيه أن استعماله شاع في القرن الثالث واستفاض ، ثم صار مصطلح الإسلامي والإسلاميين تتداوله الألسنة فيما بعد، وقد عرف الناس من مؤلفات القرن الرابع كتاب أبي الحسن الأشعري الشهير:(مقالات الإسلاميين).إلا أن دلالة المصطلح شهدت من التطور ما يقتضي التتبع لفهم ما آل إليه المصطلح في هذا العصر.
      .
      كتاب.. الإمام أبى الحسن على بن اسماعيل الأشعرى المتوفى سنة 324هجرية ..والمسمى "كتاب مقالات الإسلاميين واختلاف المُصلين"

      [align=justify]يقول مؤلفه :بسم الله الرحمن الرحيم
      الحمد لله ذي العزة والأفضال، والجود والنوال، أحمده على ما خص وعم من نعمه، وأستعينه على أداء فرائضه، وأسأله الصلاة على خاتم رسله.
      أما بعد فإنه لا بد لمن أراد معرفة الديانات والتمييز بينها من معرفة المذاهب والمقالات، ورأيت الناس في حكاية ما يحكون من ذكر المقالات، ويصنفون في النحل والديانات، من بين مقصر فيما يحكيه، وغالط فيما يذكره من قول مخالفيه، ومن بين معتمد للكذب في الحكاية إرادة التشنيع على من يخالفه ومن بين تارك للتقصي في روايته لما يرويه من اختلاف المختلفين ومن بين من يضيف إلى قول مخالفيه ما يظن أن الحجة تلزمهم به وليس هذا سبيل الربانيين ولا سبيل الفطناء المميزين، فحداني ما رأيت من ذلك على شرح ما التمست شرحه من أمر المقالات واختصار ذلك وترك الإطالة والإكثار وأنا مبتدئ شرح ذلك بعون الله وقوته.
      اختلف الناس بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم في أشياء كثيرة ضلل فيها بعضهم بعضاً وبرئ بعضهم من بعض فصاروا فرقاً متباينين، وأحزاباً متشتتين، إلا أن الإسلام يجمعهم ويشتمل عليهم.
      وأول ما حدث من الاختلاف بين المسلمين بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم اختلافهم في الإمامة وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قبضه الله عز وجل ونقله إلى جنته ودار كرامته اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة بمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم وأرادوا عقد الإمامة لسعد بن عبادة وبلغ ذلك أبا بكر وعمر رضوان الله عليهما فقصدا نحو مجتمع الأنصار في رجال من المهاجرين فأعلمهم أبو بكر أن الإمامة لا تكون إلا في قريش واحتج عليهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الإمامة في قريش" فأذعنوا لذلك منقادين، ورجعوا إلى الحق طائعين، بعد أن قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير وبعد أن جرب الحباب بن المنذر سيفه وقال: أنا جذيلها المحكك وعديقها المرجب من يبارزني بعد أن قام قيس بن سعد بنصرة أبيه سعد بن عبادة حتى قال عمر بن الخطاب في شأنه ما قال، ثم بايعوا أبا بكر رضوان الله عليه واجتمعوا على إمامته واتفقوا على خلافته وانقادوا لطاعته فقاتل أهل الردة على ارتدادهم كما قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على كفرهم فأظهره الله عز وجل عليهم أجمعين، ونصره على جملة المرتدين، وعاد الناس إلى الإسلام أجمعين، وأوضح الله به الحق المبين، وكان الاختلاف بعد الرسول صلى الله عليه وسلم في الإمامة ولم يحدث خلاف غيره في حياة أبي بكر رضوان الله عليه وأيام عمر إلى أن ولي عثمان بن عفان رضوان الله عليه وأنكر قوم عليه في آخر أيامه أفعالاً كانوا فيما نقموا عليه من ذلك مخطئين، وعن سنن المحجة خارجين، فصار ما أنكروه عليه اختلافاً إلى اليوم، ثم قتل رضوان الله عليه وكانوا في قتله مختلفين، فأما أهل السنة والاستقامة فإنهم قالوا: كان رضوان الله عليه مصيباً في أفعاله قتله قاتلوه ظلماً وعدواناً، وقال قائلون بخلاف ذلك، وهذا اختلاف بين الناس إلى اليوم.
      ثم بويع علي بن أبي طالب رضوان الله عليه فاختلف الناس في أمره فمن بين منكر لإمامته ومن بين قاعد عنه ومن بين قائل بإمامته معتقد لخلافته، وهذا اختلاف بين الناس إلى اليوم.

      ثم حدث الاختلاف في أيام علي في أمر طلحة والزبير رضوان الله عليهما وحربهما إياه وفي قتال معاوية إياه وصار علي ومعاوية إلى صفين وقاتله علي حتى انكسرت سيوف الفريقين ونصلت رماحهم وذهبت قواهم وجثوا على الركب فوهم بعضهم على بعض فقال معاوية لعمرو بن العاص: يا عمرو ألم تزعم أنك لم تقع في أمر فظيع فأردت الخروج منه إلا خرجت قال: بلى قال: فما المخرج مما نزل قال له عمرو بن العاص: فلي عليك أن لا تخرج مصر من يدي ما بقيت قال: لك ذلك ولك به عهد الله وميثاقه قال: فأمر بالمصاحف فترفع ثم يقول أهل الشام لأهل العراق: يا أهل العراق كتاب الله بيننا وبينكم البقية البقية فإنه إن أجابك إلى ما تريده خالفه أصحابه وإن خالفك خالفه أصحابه وكان عمرو بن العاص في رأيه الذي أشار به كأنه ينظر إلى الغيب من وراء حجاب رقيق فأمر معاوية أصحابه برفع المصاحف وبما أشار به عليه عمرو بن العاص ففعلوا ذلك فاضطرب أهل العراق على علي رضوان الله عليه وأبوا عليه إلا التحكيم وأن يبعث علي حكماً ويبعث معاوية حكماُ فأجابهم علي إلى ذلك بعد امتناع أهل العراق عليه أن لا يجيبهم إليه فلما أجاب علي إلى ذلك وبعث معاوية وأهل الشام عمرو بن العاص حكماً وبعث علي وأهل العراق أبا موسى حكماً وأخذ بعضهم على بعض العهود والمواثيق اختلف أصحاب علي عليه وقالوا: قال الله تعالى: "فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله" ولم يقل حاكموهم وهم البغاة فإن عدت إلى قتالهم وأقررت على نفسك بالكفر إذ أجبتهم إلى التحكيم وإلا نابذناك وقاتلناك فقال علي رضوان الله عليه: قد أبيت عليكم في أول الأمر فأبيتم إلا إجابتهم إلى ما سألوا فأجبناهم وأعطيناهم العهود والمواثيق وليس يسوغ لنا الغدر فأبوا إلا خلعه وإكفاره بالتحكيم وخرجوا عليه فسموا خوارج لأنهم خرجوا على علي بن أبي طالب رضوان الله عليه وصار اختلافاً إلى اليوم، وسنذكر أقاويل الخوارج بعد هذا الموضع من كتابنا."

      من صفحة (1) حتى صفحة (5)طبعة الهيئة العامة لقصور الثقافة بمصر.. سلسلة الذخائر.. رقم 61 سنة 2000م


      وتصنيف الكتاب سالف الذكر، فى" العقيدة" ، ولم يشر فيه صاحبه إلى مصطلح الأدب الإسلامى ،بل ولم أجد مايؤكد مايذهب إليه د.الأمرانى ،من شيوع مصطلح الأدب الإسلامى فى نهاية القرن الأول الهجرى ثم الثانى وانتشاره الواسع فى القرن الثالث الهجرى ، إلا إذا كانت محاولة،منه، للوى عنق النصوص والإستدلال بما لايُستدل به.[/align]

      تعليق

      • محمد جابري
        أديب وكاتب
        • 30-10-2008
        • 1915

        #18
        أصالة مصطلح الأدب الإسلامي

        أخي المحترم السيد عبد الرؤوف النويهي، حفظك الله،
        جميل أخي الكريم أن تنقل فقرات من مقدمة كتاب "مقالات الإسلاميين" ولا يستوقفك المصطلح من العنوان قبل أن تفتح الكتاب.

        من حقك أخي الكريم أن تطلب مزيد استدلال وبرهنة على ما سبق قوله، ووددت أن أجيبك لكوني وجدت استدلالا على المصطلح في القرن الأول أو الثاني؛ لكنني آثرت أن أنقل إليكم ما جاء به كتاب "سيمياء الأدب الإسلامي" لأستاذنا حسن الأمراني في الموضوع طبعا باختزال نظرا لطوله وحاولت أن لا أتعسف على الاختزال فأزحت فقرات البداية ومن الوسط وفي الختام ظننتها لا تفيد موضوعنا إلا جزئيا وإليكم بعض ما جاء به الأستاذ د. الأمراني:
        "عندما نعود إلى أقدم ما ألف في النقد العربي،مما وصل إلينا، مثل فحولة الشعراء للأصمعي (216)، وطبقات فحول الشعراء لابن سلام الجمحي (231)،ثم فيما ظهر بعد ذلك بقليل، فإننا نجد دورانا لمصطلح الأدب الإسلامي،أو ما اتصل به، كالشعر الإسلامي،وشعراء الإسلام، والشعراء الإسلاميين، والشاعر الإسلامي، وربما وجدنا في بعض تلك الكتب نصوصا معزوة إلى شيوخ أقدم عهدا، كأبي عمرو بن العلاء، بها إشارات إلى ما نحن بصدده، مما يدل على قدم المصطلح، إذ من الثابت استعماله وافرا في القرن الثاني الهجري، وربما كان ظهوره أواخر القرن الأول، يدلنا على ذلك ورود صيغ قريبة على ألسنة شعراء القرن الأول، من أمثال الفرزدق (ت:113) القائل:" شعراء الإسلام أربعة : أنا، وجرير، والأخطل،وكعب الأشقري).(1 )
        ويغلب على هذا الشوط تقييد المصطلح بالزمن،عند معظم النقاد, إلا ما كان من استثناءات قليلة.
        وأول ما استُعمل الأدب الإسلامي مقابلا للأدب الجاهلي،أي إن الفاصل بينهما زمني،يحد بظهور دعوة الإسلام.
        وقد سئل الأصمعي عن جرير والفرزدق والأخطل فقال: لا أقول فيهم شيئا لأنهم إسلاميون(2 ).
        ها هو الأصمعي إذن يستعمل مصطلح (الإسلاميين)، قبل استعمال أبي الحسن الأشعري،بزمان طويل، فالأصمعي يعد من علماء القرن الثاني (وإن مات في أوائل القرن الثالث)،والأشعري من علماء القرن الرابع،(توفي عام324هـ)رغم الخلاف الظاهر في دلالة المصطلح بين الرجلين. والمصطلح في كل الأحوال ليس بحديث كما قد يظن.
        وقال الأصمعي عن شيخه أبي عمرو بن العلاء،وهو من علماء القرن الثاني:"جلست إليه عشر حجج، فما سمعته يحتج ببيت إسلامي" (3)،ولك أن تقرأها:(ببيتِ إسلامي)،على الإضافة، أو :(ببيتٍ إسلامي)،على الصفة، وكلا الوجهين مؤكد لما نحن فيه من قدم المصطلح.
        وكان أبو عمرو يقول:"لو أدرك الأخطل يوما واحدا من الجاهلية ما قدمت عليه أحدا."(4)
        وجعل ابن سلاّم الشعراء طبقات،فعدّ منهم من هو (من الجاهليين)، ومن هو (من الإسلاميين)، ومن هو (جاهلي إسلامي)،مثل حريث بن حافظ المازني(5).ويشرحه قوله عن أمية بن حرثان بن الأسكر:" وله شعر في الجاهلية وشعر في الإسلام" (6)،وقوله عن عمرو بن شأس:"كثير الشعر في الجاهلية والإسلام"(7)
        وقد جعل في الطبقة لأولى من الإسلاميين جريرا والفرزدق والأخطل.
        والأخطل،كما هو معروف،نصراني،متعصب لنصرانيته(8)، ولكن القدماء عدوه (شاعراً إسلامياً)، لأنهم كانوا في تقسيمهم، أو كان معظمهم، يعتمد الزمن لا سواه.وما دام الأخطل ممن عاش الحقبة الزمنية الإسلامية، فلا غرو أن يكون عندهم (شاعراً إسلامياً)،على نصرانيته.
        قال الخليفة عبد الملك بن مروان للفرزدق:من أشعر الناس في الإسلام؟ قال: كفاك بابن النصرانية إذا مدح.(9)
        وكان أبو عبيدة يقول : شعراء الإسلام الأخطل ثم جرير ثم الفرزدق (10). وأبو عبيدة يقدم الأخطل على صاحبيه،لا تمنعه نصرانيته من أن يحتل تلك المنزلة المتقدمة، بالرغم من أن الحديث عن (شعراء الإسلام).
        على أن الشاعر الإسلامي عندهم من نشأ في الإسلام، فلذلك اضطرب النقاد في الشعراء الذين أدركهم الإسلام، وقد سلخوا من أعمارهم في الجاهلية حقبة من الزمن،فشاع ذلك التصنيف الذي نجده عند ابن رشيق،في جعل الشعراء أربع طبقات:جاهلي قديم، ومخضرم، وإسلامي، ومحدث.(11)
        على أن من النقاد من لم يذكر صفة الخضرمة، فكان حسان بن ثابت والنابغة الجعدي من القدماء عند المرزباني، لا من المخضرمين ولا من الإسلاميين، وأول الإسلاميين عنده الفرزدق، فهو (فحل شعراء الإسلام)(12).واستغنى ابن سلام في طبقاته عن ذكر المخضرمين، واكتفى بالجاهلية والإسلاميين من الفحول،مضيفا إليهم شعراء القرى العربية وشعراء المراثي،ومن كان من المخضرمين ألحقه بطبقة من الطبقات المذكورة، فقد ألحق كعب بن زهير بالجاهليين، مثلا ،وجعله في الطبقة الثانية، بينما ذكر حسان بن ثابث في شعراء القرى العربية.
        وهكذا يكون الزمن هو الفيصل في وسم الشعراء بصفة: "الإسلامية"، وتنتهي طبقات الإسلاميين،عادة، عند آخر عصر بني أمية، ليبدأ عصر المحدثين والمولدين.
        على أن من العلماء من أطلق مصطلح الإسلاميين على كل من جاء بعد الإسلام، ولابن خلدون في هذا تميز واضح، حين يجعل الإسلاميين أعلى طبقة في الكلام من الجاهليين، لما سمعوا من الكلام المعجز من كتاب الله عز وجل.
        لم يكن المعيار الزمني، رغم غلبته، خالصا عند كل النقاد، فقد رأينا أحكاماً تضيف إلى الزمن عناصر أخرى هي ألصق بالفن، حتى لكأن للجاهليين مياسم فنية يتمايزون بها، وللإسلاميين أخرى يعرفون بها.
        فأبو عبيدة، وهو، كما سبقت الإشارة، من يجعل الأربعة المشهورين فحول الإسلام،يقول: الأخطل أشبه بالجاهلية (13)، أي في مذهبه الشعري.وما أشبه هذا بالحق، ولئن كان أبو عبيدة لم يقدم تعليلا لذلك، فإن الاستئناس برأي ابن خلدون النقدي يعلل الأمر ويشرحه. وليس معنى ذلك أن الأخطل لم يسمع الكلام المعجز، المتمثل في كتاب الله تعالى، فأثر القرآن الكريم واضح في شعره، ولكن معناه أنه لم يتمثل روح القرآن كما تمثلها صاحباه، وظل تأثره بالقرآن الكريم تأثرا لفظيا وظاهريا. وذلك أمر مفهوم وطبيعي، فليس من آمن كمن كفر.
        وللعقيدة أثر بين في القول الشعري، وهو أمر تنبه إليه ذوو الحصافة في الرأي والرهافة في الذوق.قال عمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه، لسليمان بن عبد الملك،وقد سأله عن جرير والأخطل: "إن الأخطل ضيق عليه كفره في القول، وإن جريرا وسّع إسلامه قوله،وقد بلغ الأخطل منه حيث رأيت"(14)، وهذا قول منصف، لا ينتقص من فن الأخطل.
        ومن يتبينْ يرَ أنّ ما يذهب إليه بعضهم من أن الشعر العربي بعد الإسلام استمر على جاهليته، مستشهدين بعيون شعر حسان وغيره من مؤسسي القصيدة الإسلامية الأولى رأي فائل. وإنه لا بد من إعادة النظر في تلك الأحكام انطلاقا من النصوص نفسها أولا، ومن محيطها ولحظتها الحضارية ثانيا.والذي ينظر إلى قصيدة حسان بن ثابت رضي الله عنه في فتح مكة، مطرحا ما سبق إليه من أحكام بعض الدارسين، ملتمسا ما فيها من الفن الإسلامي الجميل، يتبين له الحق.فمن أين كان لشاعر جاهلي أن يقول :

        فَإِمّا تُعرِضوا عَنّا اِعتَمَرنا = وَكانَ الفَتحُ وَاِنكَشَفَ الغِطاء
        وَإِلّا فَاِصبِروا لِجَلادِ يَومٍ = يُعينُ اللَهُ فيهِ مَن يَشاءُ
        وَقالَ اللَهُ قَد يَسَّرتُ جُنداً = هُمُ الأَنصارُ عُرضَتُها اللِقاءُ
        لَنا في كُلِّ يَومٍ مِن مَعـَدٍّ = قِتالٌ أَو سِبابٌ أَو هِجاءُ
        فَنُحكِمُ بِالقَوافي مَن هَجانا = وَنَضرِبُ حينَ تَختَلــِط الدماءُ
        وَقالَ اللَهُ قَد أَرسَلتُ عَبداً = يَقولُ الحَقَّ إِن نَفعَ البلاءُ
        شَهِدتُ بِهِ وَقَومي صَدَّقوهُ = فَقُلتُم ما نُجيبُ وَما نَشاءُ
        وَجِبريلٌ أَمينُ اللَهِ فينا = وَروحُ القُدسِ لَيسَ لَهُ كِفاءُ
        أَلا أَبلِغ أَبا سُفيانَ عَنـّي = فَأَنتَ مُجَوَّفٌ نَخِبٌ هَواءُ
        هَجَوتَ مُحَمَّداً فَأَجَبتُ عَنهُ = وَعِندَ اللَهِ في ذاكَ الجَزاءُ
        أَتَهْجُوهُ وَلَسْتَ لهَُ بِكــُفْءٍ؟ = فَشَرُُكُمَا ِلخَيْرِكُمَا الفِدَاءُ(15)

        وقد ذكر الجاحظ أن هناك أموراً يختص بها الإسلاميون من الشعراء دون الجاهليين، وهذا يعني أن مصطلح"الشعر الإسلامي" لم يعد تاريخيا خالصا، عند ذوي البصر بالشعر، فالجاهلي لا يستطيع إدراك أمور بعينها نظرا لطبيعتها الإسلامية.
        قد عرض الجاحظ للمحتجين بالشعر لانقضاض الكواكب ورجم الشياطين قبل الإسلام فقال :
        "قالوا:زعمتم أنّ الله تعالى جعل هذه الرجوم للخوا في حجّة للنبيّ صلى الله عليه وسلم، فكيف يكون ذلك رجماً،وقد كان قبل الإسلام ظاهرا مرئيا، وذلك موجود في الأشعار.
        ........................


        على أن ابن خلدون، كعادته، يخالف كثيرا من النقد السائد قبله، فهو من جهة يتوسع زمنيا في مفهوم إسلامية الأدب، إذ يجعل كل من جاء بعد الإسلام من "الإسلاميين"، ويجمع أزمنة سياسية متعددة في قَـرَنٍ واحد، فيجعل من شعراء الإسلام:"حسان بن ثابت وعمر بن أبي ربيعة والحطيئة وجريرا والفرزدق ونصيبا وغــيلان ّ ذا الرمة، والأحوص، وبشارا".ويتجاوز هؤلاء جميعا منحدرا إلى "أبي نواس وحبيب والبحتري والرضي وأبي فراس".وهو من جهة أخرى، يضيف إلى البعد الزمني في القسمة وجها آخر يتمثل في تأثر هؤلاء الشعراء بالقرآن الكريم والحديث الشريف، مما جعل كلام الإسلاميين من العرب،عنده، أعلى طبقة في البلاغة وأذواقها من كلام الجاهليين في منثورهم ومنظومهم. ولا يكتفي بإصدار الحكم، بل هو يعلل له ويقول: " إن هؤلاء الذين أدركوا الإسلام سمعوا الطبقة العالية من الكلام في القرآن والحديث اللذين عجز البشر عن الإتيان بمثلهما لكونهما ولجت في قلوبهم ونشأت على أساليبها نفوسهم فنهضت طباعهم وارتقت ملكاتهم في البلاغة على ملكات من قبلهم من أهل الجاهلية ممن لم يسمع هذه الطبقة ولا نشأ عليها".(16)
        لكن هذه النظرة الخلدونية لم تجد للأسف من يفهمها ويتدبرها ويعمل على تطويرها.
        فلما كان مطلع عصر النهضة الحديثة آل أمر تاريخنا الأدبي إلى المستشرقين،الذي طبقوا على أدبنا ما طبقوه على أدبهم، زاعمين أنهم يقدمون بذلك للأدب العربي خيرا كثيرا،حتى قال الإيطالي كارلو نالينو،عام 1910،بعدما وكلت إليه الجامعة المصرية تدريس الأدب العربي(17):"إن المطلوب مني ليس إلا أن أطبق على الآداب العربية أساليب البحث التاريخي التي عادت على تاريخ آدابنا الإفرنجية بطائل عظيم."(18)
        والحال أن تاريخنا الأدبي مخالف جوهريا لتاريخ الآداب في الغرب، دون أن ننكر أن بعض الدراسات الاستشراقية أسهمت في تحريك المياه الرواكد، وتخصيب البحث في مجال الدراسات الأدبية. إن تاريخ الآداب الغربية يعكس ما عرفه الغرب من قيام حضارات وانقراض أخرى، على حين ظل الأدب العربي يمثل حلقات مترابطة ، لا تسمح بتقسيمه إلى مذاهب واتجاهات، بالمفهوم الغربي للمذاهب والاتجاهات، رغم الهزات السياسية التي عكسها قيام دول وانهيار دول، ضــمن حضارة واحدة، هي الحضارة العربية الإسلامية.
        وهكذا قسم المستشرقون تاريخ الآداب العربية إلى ستة أعصر، ولم يشذ عن هذا التقسيم إلا القليل.
        وهذه الأعصر الستة هي:
        1- عصر الجاهلية.
        2- العصر العربي الإسلامي، من ظهور الإسلام إلى انهيار دولة بني أمية.
        3- العصر العباسي الأول، إلى نحو سنة 450هجرية/1058م.
        4- العصر العباسي الثاني، إلى سقوط بغداد سنة 656هجرية/1258م
        5-عصر الانحطاط، إلى استيلاء محمد علي على مصر، سنة1220 هجرية/1850م.
        6- عصر النهضة الحديثة الذي ما يزال مستمرا حتى الآن.
        وبهذا التقسيم صار الأدب الإسلامي مرتبطا بفترة زمنية محددة، من بزوغ فجر الإسلام حتى نهاية دولة بني أمية.
        ومنهم من يجعل نهاية العصر الإسلامي مع نهاية الخلافة الراشدة، ويجعل عصر بني أمية عصرا مستقلا.
        وقد تابع عدد من العرب المحدثين والمعاصرين المستشرقين في هذا المهيع.
        وهكذا جعل أحمد حسن الزيات الأدب الإسلامي وقفا على صدر الإسلام والدولة الأموية، وقسم الشعراء إلى مخضرمين وإسلاميين، فجعل من المخضرمين كعب بن زهير والخنساء وحسان بن ثابت والحطيئة،وجعل من الإسلاميين عمر بن أبي ربيعة والأخطل والفرزدق وجريرا والطرماح بن حكيم.
        لم تمنع الأخطلَ نصرانيتهُ من أن يكون ضمن الإسلاميين، عند الزيات، شأنه في ذلك شأن بعض المتقدمين.
        وقد تحدث الزيات في كتابه:(تاريخ الأدب العربي) عن الأدب الإسلامي والعوامل المؤثرة فيه، كما تحدث عن مصادره وأنواعه، فكان مما قال:"إن أهم العوامل المؤثرة في الأدب الإسلامي هي: خمود العصبية الجاهلية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم،ثم استعارها في عهد بني أمية، ونشوء الروح الدينية، وتغيرالعقلية العربية، وتحسن الأحوال الاجتماعية والاقتصادية، وظهور الأحزاب السياسية، واتساع الفتوح الإسلامية، وتأثير الأمم الأجنبية بلغاتها وعاداتها،واعتقاداتها وأدبها، ثم أساليب القرآن والحديث، والمأثور الصحيح من الشعر الجاهلي والأمثال." (19)
        وهذا كلام عام، كما هو واضح،وغير مرتب ترتيبا منطقيا،ويقف عند ظواهر الأشياء دون بواطنها.ومن أعجب العجب أن يكون ذلك كذلك، والزيات نفسه يقول قبل صفحات معدودة: "فالإسلام إذن قد قلب العقلية العربية قلبا،وشن على الجاهلية حربا، ورسم للاجتماع مثلا أعلى يخالف ما ألفوه،ويناقض ما عرفوه" (20)
        وقد نحا يوسف خليف المنحى نفسه عندما جعل العصر الإسلامي يتضمن صدر الإسلام والعصر الأموي، إلا أنه سمّى شعراء صدر الإسلام مخضرمين،ولم يطلق صفة الإسلاميين إلا على الشعراء الذين عاشوا في العصر الأموي.
        وكذلك كان صنيع شوقي ضيف في (العصر الإسلامي)، من موسوعته عن تاريخ الأدب العربي، ويتضمن العصر الإسلامي عنده صدر الإسلام وزمن بني أمية.
        وكان قد ألمح إلى بعض من ذلك في كتابه:"الفن ومذاهبه في النثر العربي"، حين تحدث عن" النثر الإسلامي".
        وأما عبد القادر القط فقد جعل صفة الإسلامية وقفا على صدر الإسلام، وجعل العصر الأموي مستقلا، وذلك في كتابه:"في الشعر الإسلامي والأموي"، ويتضح ذلك لا من عنوان الكتاب وأبوابه فحسب، بل أيضا من مقدمة الكتاب،حيث يقول مبينا مذهبه:"يتفرد عصر الإسلام والدولة الأموية من بين مراحل تاريخ الأمة العربية بأنه.. الخ .."، وإن كانت مباحث الكتاب لا تخضع خضوعا قسريا لهذا التقسيم.
        وقد ألف داود سلوم كتابا بعنوان:"الشاعر الإسلامي تحت نظام سلطة الخلافة"، وبالرغم من أن كثيرا من الأحكام الواردة في هذا الكتاب تظل محل نظر، وأن قيمة الكتاب النقدية مهزوزة، إلا أن تقسيمه يذكرنا بتقسيم ابن خلدون، عندما تجاوز بصفة الإسلامية عصر بني أمية إلى العباسيين.
        وتبقى بعض الجهود المستقلة التي تحرر أصحابها من هيمنة التقسيم التاريخي، في محاولة لاستنباط تقسيم نابع من طبيعة الأدب العربي نفسه.ومن هؤلاء نجيب محمد البهبيتي ومصطفى صادق الرافعي.
        فأما البهبيتي فنظر إلى العصور نظرة فنية، وهكذا أرخ للشعر العربي حتى نهاية القرن الثالث، وجعله في ثلاثة عصور:
        1- العصر الفني.
        2- العصر العاطفي.
        3- العصر العقلي.
        إلا أننا نتجاوز هذا الكتاب، لأنه لا يعرض في وضوح لما نحن فيه مما له علاقة بمصطلح الأدب الإسلامي، وإن كان قد عالج قضية ضعف الشعر في صدر الإسلام، تحت مسمى : (ضعف الشعر في صدر الإسلام نظرية صحيحة)(21).
        وأما الوجه الثاني الذي يحتاج إلى وقفة متأنية فهو مصطفى صادق الرافعي.إن الرافعي وإن كان ساق تقسيم ابن رشيق في جعل الشعراء أربع طبقات:جاهلي قديم، ومخضرم، وإسلامي، ومحدث(22)، إلا أنه وقف عند التقسيم السياسي الذي قدمه المستشرقون، ونقده نقدا لاذعا،مبنيا على طبيعة الأدب العربي.
        وبالرغم من أن كتاب الرافعي متقدم في الزمن، إذ هو يعود إلى بدايات القرن العشرين (1911)، إلا أن نظرته الفاحصة جديرة بالتأمل، وكان من الممكن أن تصحح مسيرة تأريخ الأدب العربي منذ زمن،لو وجدت من يتابع الطريق الذي فطره الرافعي.
        يقول:"اجتمع المتأخرون على جعل التدبير في وضع (تاريخ أدبيات اللغة العربية)(23) أن يقسموا هذا التاريخ إلى خمسة عصور:الجاهلية، فصدر الإسلام، فالدولة الأموية، فالدولة العباسية إلى سقوطها سنة 656 للهجرة،ثم ما تعاقب من العصور بعد ذلك إلى قريب من هذه الغاية حيث ابتدأت النهضة الحديثة.
        وأول من ابتدع هذا التقسيم المستشرقون من علماء أوربا، قياسا على أوضاع آدابهم،مما يسمونه : Litteratureفهم الذين تنبهوا لهذا الوضع في العربية،فجاءوا به كالمنبهة على فرط عنايتهم بفنونها وآدابها، وحسبهم من ذلك صنيعا" (24)
        ويتابع الرافعي منـتقدا:"بيد أن تلك العصور إذا صلحت أن تكون أجزاء للحضارة العربية التي هي مجموع الصُّور الزمنية لضروب الاجتماع وأشكاله،فلا تصلح أن تكون أبوابا لتاريخ آداب اللغة التي بلغت بالقرآن الكريم مبلغ الإعجاز على الدهر، ولم تكد تَطوي عصرَها الأولَ حتى كان أولُ سطر كَتَبَ لها في صفحة العصر الثاني شهادة الخلود وما بعد أسباب الخلود من كمال.
        ثم إن تاريخ الآداب ليس فنا من الفنون العملية التي يحذو فيها الناس بعضهم حذو بعض، ويأخذ الآخر منها مأخذَ الأول، وتتساوق فيها الأمم على وضع واحد، لأنها لا تتغير على الجملة في تعرف مادتها وتصرف أداتها حتى يتعين علينا أن نجعل آداب لغتنا جميلة على آداب اللغات الأعجمية، يفصل على أزيائها، وإن ضاقت به وخرج فيها باذّ الهيئة مجموع الأطراف متداخل الأعضاء وكأنه مشدود الوثاق،أو مأخوذ الخناق.إنما التاريخ حوادث قوم بغيتهم، والآداب اللسانية ليست أكثر من مواضعات يتواطأ عليها أولئك القوم،تخرج منها الحوادث المعنوية التي هي ميراث التاريخ كله في أيديهم من العادات والأخلاق على أنواعها، فتاريخ الآداب في كل أمة ينبغي أن يكون مفصلا على حوادثها الأدبية، لأنها مفاصل عصوره المعنوية، والشأن في هذه الحوادث التي يقسم عليها التاريخ أن تكون بما يحدث تغييرا محسوسا في شكله، وأن تلحق بمادته تنوعا خاصا بنوع كل حادثة منها ،فإذا لم تكن كذلك لم يكن التاريخ متجددا إلا باعتباره الزمني فقط، وهذا ليس بشيء،لأن تغير الزمن طبيعة الوجود،من أجل ذلك تجد الأمة التي لا حوادث لها ليس لها تاريخ."(25)
        لقد جئت بكلام الرافعي تاما لأن من شأن التبعيض أن يفسده، ونصه أوفى بالدلالة على المراد.
        فأنت تستطيع في مجال العلوم الطبيعية أو الفزيائية أو الرياضية أن تحكم بأن معارف المتأخر أوفى قطعا من معارف المتقدم، ولو كان هذا أبوقراط أو ابن سينا، ولكن مَن مِن الناس يستطيع أن يقول إن هوميروس أو المتنبي أو شكسبير سيتقادم،أو أن فنهم سيبلى أمام ما ينجزه المتأخرون مهما بلغت عبقريتهم؟
        يعتبر الرافعي أدبنا عبر التاريخ أدبا إسلاميا، لأنه وليد الإسلام، ومتشبع بروح الإسلام، ويقول:" وبديهي أن تعاقب ثلاثة عشر قرنا من تاريخ الأدب الإسلامي لم ينشئ لغة أفصح مما نطقت به العرب قبل ذلك، ولا جاء بشعر يباين أشعارهم في الجملة، ولا جعل لأدبائنا مذاهب متميزة في تكوين الدين والسياسة والعلم،بل ليس في تعاقب تلك العصور الأدبية على الأغلب إلا موتُ رجال وقيام رجال، وإلا أمور عرضية مما يترك في مادة الأدب آثارا قليلة تدل على اختلاف القرائح وتباين الغرائز في أولئك الرجال الذين قاموا عليه."(26)
        ويربط الرافعي اللغة العربية بالدين، مما يجعل الأدب العربي موسوما بسمة خاصة،لا توجد في الآداب الأجنبية، فيقول: "إن في لغتنا معنى دينيا هو سرّ حقيقتها، فلا تجد من رجل روى أو صنّف أو أملى في فن من فنون الآداب أول عهدهم بذلك،إلا خدمة للقرآن الكريم،ثم استقلت الفنون بعد ذلك وبقي أثر هذا المعنى في فواتح الكتب، والقرآن نفسه حادثة أدبية من المعجزات الحقيقية التي لا شبهة فيها، وإن لم يفهم سرّ ذلك من لا يفهمونه.(27)
        وعلى هذا يكون الرافعي أول من قدم معنى جديدا، من المحدثين، لمصطلح (الأدب الإسلامي)، مؤكدا خصوصية ذلك الأدب الممتد عبر الزمن،منذ مجيء الإسلام إلى ما شاء الله تعالى، وجعله مرتبطا باللغة العربية التي هي أساسا لغة القرآن الكريم.وبذلك يفتح الرافعي الباب أمام المصطلح ليكتسب دلالته المعاصرة...."(28).

        وبهذا أعتقد أن موضوع تحقيق المصطلح هو شيء جانبي؛ إذ كيف نرضى أن يكون لكل الطوائف، والدول، أدبها ونشاكس أن يكون للمسلمين طابعا خاصا بأدابهم رغم أن النهج القويم للفكر الإنساني لا يوجد إلا لدى المسلمين.
        أرجو من العزيز الحكيم أن يشرح صدرك للحق ويجمعنا عليه.
        ____________
        1 - ويقول د.الشاهد البوشيخي:(قد يكون هذا المصطلح والذي قبله – يعني مصطلح شعراء الإسلام وشعراء الجاهلية – هما الصورة الأولى لاصطلاح "الشعراء الجاهليين" و" الشعراء الإسلاميين" بعد.) انظر: مصطلحات النقد العربي، ص.178
        2 - فحولة الشعراء:12
        3- العمدة:1/197
        4 - الأغاني:8/284
        5- الطبقات:192
        6- نفسه:190
        7- نفسه : 196
        8-مما يدل على تعصب الأخطل لنصرانيته، وحماستــه لدينه،الخبر الذي أورده ابن سلام في طبقاته(490-491)، فليراجعه من شاء،وانظر أيضا الأغاني:8/310،ولا ينقضه الخبر الذي أقسم فيه باللات والعزى (8/288)،وأُراه فعل ذلك تماجنا.ومثله يتماجن.
        9- الأغاني:8/285
        10- نفسه.
        11- العمدة:1/233
        12- الموشح:164
        13-الأغاني:8/292
        14- (22) نفسه:288
        15- الأبيات 14-24 من قصيد يتكون من 31 بيتا من البحر الوافر مطلعها :
        عفت ذات الأصابع فالجواء إلى عذراء منزلها خواء
        حسان بن ثابت ،ديوان ، بتحقيق د.وليد عرفات، دار صادر، بيروت،1974، 1/18
        16- ابن قتيبة الشعر والشعراء.
        17- لا نحتاج إلى القول إنه كان يلقي دروسه على طلبته بالعربية، وبعد موته تولت ابنته مريم نلينو طبع محاضراته كما ألقاها، لم تغير منها شيئا، إلا أنها وضعت لتلك المحاضرات كلمة تحت اسم (تنبيه) قائلة:" لا يكون هذا الكتاب إلا نص الدروس التي ألقاها المرحوم الأستاذ كرلو نالينو (المتوفى سنة 1938) في الجامعة المصرية سنة 1910-1911 دراسية،فقد كان المرحوم ألف نص الدروس باللغة العربية ولكنه كتب الحواشي بالإيطالية بشديد الإيجاز والاختصار، فاعتنيت بنقل الحواشي إلى اللغة العربية وأضفت إليها ما عثرت عليه من الأخبار المفيدة الموجودة في بعض الكتب التي طبعت بعد إلقاء هذه الدروس وإنما وضعت هذه الإضافات بين نصفي مستطيل ."
        ولقد رأيت من المفيد إثبات هذا التنبيه لِما سبق إلى أذهان بعض الفضلاء من أن نالينو ألقى محاضراته على الطلبة العرب في مصر بالإيطالية، وأن ابنته قامت بترجمتها من الإيطالية إلى العربية، عندما عزمت على إخراجها في كتاب.وما أدري كيف يستقيم في الذهن أن يعيّنَ أستاذ أعجمي في جامعة عربية،في بلد عربي، ليدرس الطلبة العرب الأدب العربي واللغة العربية، ثم ينصرف غير راشد عن العربية إلى أعجميته. فمن ترى كان سيفهمه إذن؟
        18 - نفسه:57
        19 - تاريخ الأدب العربي، ط 28/1978، دار الثقافة،بيروت،ص 97-98
        20- نفسه:ص.94
        21- تاريخ الشعر العربي:ص.113
        22- تاريخ آداب العرب:3/26
        23- يعلق الرافعي على هذه التسمية قائلا:"هذا هو الاسم الذي ضربت به الذلة على كل كتاب عربي، وقلما يغيرون منه إلا لفظة (أدبيات)، يبدلونها بآداب... الخ"
        24- يقول الرافعي:أول من ميز الأدب والفنون بالتاريخ هو (باكون) مؤسس الفلسفة الحديثة، توفي سنة1626 للميلاد،فإنه جعل أقسام التاريخ ثلاثة:التاريخ الديني،وتاريخ الاجتماع، وتاريخ الأدب والفنون.
        25-تاريخ آداب العرب:1/18-19
        26- نفسه:1/20-21
        27- نفسه:212
        التعديل الأخير تم بواسطة محمد جابري; الساعة 18-03-2009, 16:22.
        http://www.mhammed-jabri.net/

        تعليق

        • عبدالرؤوف النويهى
          أديب وكاتب
          • 12-10-2007
          • 2218

          #19
          فن المشاكسة والمصطلحات المعاكسة

          المشاركة الأصلية بواسطة محمد جابري مشاهدة المشاركة
          وبهذا أعتقد أن موضوع تحقيق المصطلح هو شيء جانبي؛ إذ كيف نرضى أن يكون لكل الطوائف، والدول، أدبها ونشاكس أن يكون للمسلمين طابعا خاصا بأدابهم رغم أن النهج القويم للفكر الإنساني لا يوجد إلا لدى المسلمين.
          [align=justify]لقد ضاق صدر أخى المحترم السيد محمد جابرى ،عن أن يتقبل منى الحديث .ولستُ أدرى ..لماذا؟؟

          ولا أعلم حتى اللحظة أن هناك أدباً لكل الطوائف والدول،فالذى أعرفه أن هناك أدبا صينياً أو هندياً أو فرنسياً أو أمريكياً أو برازيلياً أو إنجليزياً أو سورياً .....وهذا منسوب لجغرافيا الدول وإبداع مواطنيها.. سواء أكانوا مسلمين أو مسيحيين أو أى عقائد أخرى يدينون بها.

          أما التحقير لأفكار الآخرين وإقصائهم من الساحة الفكرية والثقافية والتنفير منهم ، باعتبار أن" النهج القويم للفكر الإنسانى ،لايوجد إلا لدى المسلمين.".فهذه هى الوصاية التى أحذر منها وكما قلتُ سابقاً.

          غفر الله لى ولكم ودمتم بخير.[/align]

          تعليق

          • محمد جابري
            أديب وكاتب
            • 30-10-2008
            • 1915

            #20
            الأدب أدب فكرة

            أحي عبد الرؤوف النويهي
            التعديل الأخير تم بواسطة محمد جابري; الساعة 19-03-2009, 15:49. سبب آخر: تكرار المشاركة
            http://www.mhammed-jabri.net/

            تعليق

            • محمد جابري
              أديب وكاتب
              • 30-10-2008
              • 1915

              #21
              أخي الجليل شكر الله لك هذه اللمسة والتي أراها تستحث الهمم لتدب باطلا تسرب للقول والفهم معا، ولتستبين ما انغلق على الفهم.
              حبيبي:
              بسلامة الفطرة أصبحت كل إشارة توحي وحيها، وأتنسم نسائمها؛ بل وأستخلص منها ما كدر صفوها، ولن تجد هذه الخاصية لدى كافة الناس بل أراها منّة من الله وفضل خصك بها، فله الحمد وله الشكر.
              تدخلك كشف لي من باطل القول الذي تسرب إلى الموضوع - رغما عني - ليقول بلسان حاله ب: " أن الكمال لله".
              قد نتفق ولا نختلف بأن للأدب فكرة ورسالة يؤديها وإلا لا مجال للعبثية الأدبية؛ فما انهارت المدرسة الرمزية إلا لما أوغلت في درب الشرود، والغموض، والإعماء، معرضة عن الوضوح والبيان الشافي وبعيدة عن الواقع والواقعية، ولم تقتصر على أجل ما لديها من إيحاءات وإشارات تزين النص وترفعه، ومن هنا وددت القول بأن الكمال البشري يتجسد في أخلاق رسول الله: قدوتنا وسبيل تمثل سلوكنا، فضلا عما طوق به أعناقنا من تبليغ لرسالته والتي جاءت لتكميل الرسالات وإرشاد الخلق إلى الأخلاق العليا، وخانني التعبير.
              لست بحمد الله، من دعاة الإقصاء، وما يلج ذلك الدرب إلا ممكور به، لا يدرك لسنن الله ترابط يقضي بإقصاء المقصي، واقرأ في ذلك قوله تعالى {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ [5] وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ [6] }القصص.

              [B] فالأدب أدب فكرة[/B]

              " ولنعرض لابن مقبل وكان جافيا في الدين، يبكي أهل الجاهلية، في الإسلام، فقيل له : أتبكي أهل الجاهلية وأنت مسلم؟ فقال:
              وما لي لا أبكي الديار وأهلها = وقد زارها زوار عك وحِمْيَرا
              وجاء قطا الأحباب من كل جانب = فوقّع في أعطاننا ثم طيّرا
              وهو يذكر أهل الجاهلية ويكني عن الإسلام، وما أحدثه، ويمثل المسلمين، وعمالهم، وجيوشهم، التي تجوب البلاد بقطا الأحباب كما ترى.*
              فلعله لذلك جعل ابن سلام بنظرته الفاحصة السديدة الحطيئة وابن مقبل مع طبقات الجاهليين لا الإسلاميين.
              وبناء على ما سبق تبين أنه لا بد من البحث عن ميسم آخر غير متعلق بالعصر في تحديد إسلامية الأدب. وهذا الميسم يجب أن يكون متصلا بالأدب نفسه، لا بمحيطه، فهل ينبغي البحث في أدبية الأدب؟ أم في مكون آخر من مكونات الأدب؟...
              ولا نستطيع أن ندفع القول بأن الدعوة إلى أدب إسلامي بمفهوم جديد ومعاصر واكبها كثير من المظاهر الغليان والتحولات السياسية والفكرية والأدبية. وأنه على الصعيد الأدبي كان للمضمون حضور قوي في النظريات التي سادت العالم العربي منتصف القرن الماضي كالواقعية الاشتراكية، والوجودية وغيرهما، وأن تلك النظريات كانت تركز على المضمون بشكل أساسي، وأنه لم تكن تصنف الأدب إلى جيد ورديء جمالياً، بل كانت تصنفه إلى ملتزم وغير ملتزم، وتقدمي ورجعي، فكان كل أدب لا يدور في فلك الواقعية الاشتراكية مثلا أدباً غير ملتزم، فهو إذن بالتبعية أدب رجعي ورديء. ومن هنا كان هناك انتقاص من الدين، ومن كل ما يتعلق بالدين، أو يصدر عن الدين.ومن هنا كان تصوير الرموز الدينية بشكل سلبي ومقزز، كشخصية الإمام، ولم يشذ عن ذلك إلا بعض الأعمال الجدية فعلا.
              وتجاوز الأمر مسألة السخرية من الناس إلى السخرية من كتاب الله إلى السخرية من الدين نفسه.
              وأمام هذا السيل من الأعمال الأدبية والتي تسعى– شعرا ونثرا – إلى سلخ الأمة عن جذورها، والاستهتار بقيمها، ومبادئها، كان لا بد للمضمون أن يحتل مكانته، وهكذا أضحى المفهوم الجديد الذي يعرضه عدد من الباحثين الإسلاميين المحدثين لهذا المصطلح ينطلق من وجهة نظر أخرى، وذلك باعتبار الأدب الإسلامي أدبا معبرا عن روح الإسلام وتصوره للحياة ودور الإنسان فيها. "**

              وهذا الشاعر الناقد ت.س.إليوت، الذي جعل منه شعراء العرب المعاصرين مرتكزا لثورتهم التجديدية، يجعل الدين في أدبهم منطلقا ومآلا، بل يتجاوز ذلك إلى أن يجعل من المسيحية رؤية متفردة للعالم، وأنه لا خلاص للمدنية الحديثة إلا بها. فما بال من تأثروا به سلخوا هذا الأمر، وأصبحوا وثنيين يمجدون رموز يونان وأساطيرهم؟ وهل اتهم أحد - كما فعل مثقفونا مع أدبائهم المسلمين- إليوت بالرجعية لسيره هذا المنحى، أم أن الناس شهدوا له بالريادة والتجديد والتميز؟ هاهو إليوت يجعل الحضارة الغربية غير قابلة للانسلاخ عن روحها فيقول: (إن القوة الرئيسية في خلق ثقافة مشتركة بين شعوب لكل منها ثقافتها المتميزة هي الدين...أنا أقرر حقيقة، ولست شديد الاهتمام بوحدة المسيحيين اليوم، وإنما أتحدث عن سنن المسيحية المشتركة التي جعلت أوربا على ما هي عليه اليوم...في المسيحية نمت فنوننا، وفي المسيحية تأصلت – إلى عهد قريب – قوانين أوربا، وليس لتفكيرنا كله معنى أو دلالة خارج الإطار المسيحي.وقد لا يؤمن فرد أوربي بأن العقيدة المسيحية صحيحة، ولكن كل ما يقوله ويفعله ويأتيه من تراثه في الثقافة المسيحية، ويعتمد في معناه على تلك الثقافة.ما كان يمكن أن تخرج فولتير أو نيتشه إلا ثقافة مسيحية، وما أظن أن ثقافة أوربا يمكن أن تبقى حية إذا اختفى الإيمان المسيحي اختفاء تاما، ولا يرجع اقتناعي بذلك إلى كوني مسيحيا فحسب، بل إني مقتنع به أيضا بوصفي دارسا لعلم الأحياء الاجتماعي.) وينتهي إلى القول: (إذا ذهبت المسيحية فستذهب كل ثقافتنا. وعندئذ يكون عليك أن تبدأ البداية المؤلمة من جديد.)***

              ونخلص بعد هذا العرض إلى أن الأدب مر عبر مراحل إيديولوجية: فكان الأدب الليبرالي، والاشتراكي، والوجودي والقومي... ولم يقتصر هذا على بلد معين.
              وحينما نعتني بالأدب الإسلامي بأن أسه فكرة لايعني هذا غض الطرف عن جانبه الفني، وإلا لا مجال لتسميته أدبا ولك أن تسميه ما شئت أنئذ. كما لا يعني أننا نقصي الفكر الآخر وإنما نتميز بشخصيتنا.
              ويبقى السؤال لم نقبل بوجود هذه المدارس على اختلاف تلونهاوتنوعها ولا نقبل بما يميز شخصيتنا؟ ويذود عن حوضنا؟ وما الفكر القومي للعروبة إلا غطاء تندس تحته أياد غير مسلمة لتدفع الفكر الإسلامي عن الساحة، ولتستمر عبره الحروب الإيديولوجية التي وئدت، وله اعتراض جدي على وجود مدارس ذات أصالة إسلامية. أليس كذلك !!!. أليس رداء الإسلام أوسع وأشمل من رداء القومية العربية، فلم نقبل بهذا ولم نقبل بذاك؟ أليس التميزبالعروبة دون الإسلام من عزاء الجاهلية؟
              -----------------
              * الطبقات فحول الشعراء ص 15
              ** نقلا عن سيمياء الأدب الإسلامي بتصرف
              *** ملحوظات نحو تعريف الثقافة، (نقلا عن كتاب الثقافة الإسلامية ومدى تأثرها في الفكر المعاصر لد. سارة بنت عبد المحسن)
              http://www.mhammed-jabri.net/

              تعليق

              • محمد جابري
                أديب وكاتب
                • 30-10-2008
                • 1915

                #22
                الأخوين ذ.عبد الرؤوف النويهي، ود. علي متقي؛
                ارتأيت من خلال مداخلتكما الأولى تقسيم الموضوع إلى نقاط ثلاث هي كالتالي:
                1. المصطلح والدلالة؛
                2.هل الأدب هو منظومة دينية عقائدية أم هو منتج بشرى يبحث عن أغوار النفس ؟
                3. الأدب الرفيع لايستمد وجوده من شروط مسبقة ولاحدود مرسومة؟

                والحمد لله، فقد فرغنا من النقطة الأولى، وننتقل بعد ذلك إلى النقطة الثانية : هل الأدب هو منظومة دينية عقائدية أم هو منتج بشرى يبحث عن أغوار النفس ؟
                وقبل أن أعرض وجهة نظري، أرجو من الأحبة تسجيل ملاحظاتهم، حول الردود السابقة كي تزداد القلوب تآلفا والفكر تقاربا، وحتى نتدارك الهفوات، - إن وجدت - ونتجاوز كل خلل.
                ما رأي الأحبة؟ وجزاكما الله خيرا.
                التعديل الأخير تم بواسطة محمد جابري; الساعة 21-03-2009, 18:55.
                http://www.mhammed-jabri.net/

                تعليق

                • علي بخوش
                  • 12-09-2008
                  • 5

                  #23
                  جميل جدا هذا الحوار الهادئ والنقاش الثري والطرح الفكري المستنير لموضوع مهم ( الأدب الإسلامي ومعاييره )الذي أحب أن أضيف شيئا إلى ما كتب سابقا :
                  هل تصورنا للإسلام على أنه مجموعة من القيود والضوابط سبب عدم الرغبة في ولوجه عالم النقد؟
                  هل نحن بصدد الحديث عن أمرين مختلفين؛ العقيدة الإسلامية والأدب باعتباره حقلا جماليا حيث لا يستقيم الجمع بينهما؟
                  أعتقد أننا بحاجة إلى نصوص تطبيقية كثيرة تعالج هذه القضية التي لا يكفيها الجانب النظري، لأن الجانب النظري ـ باختلاف توجهاته ـ يبدو صادقا، والأمر الذي يرجح الآراء ويدعم الحجة ويقوي الفكرة هو النصوص التطبيقية.

                  تعليق

                  • محمد جابري
                    أديب وكاتب
                    • 30-10-2008
                    • 1915

                    #24
                    أخي الكريم علي بخوش زادنا الله من فضله كرما؛
                    إنني بدوري أتساءل أين مكمن الخلاف بين العقيدة والنقد؟ أليس ربنا من أوجد الكون، أليس هو من سن سننه في الحياة وأوحى لكل شيء أمره، وانسجم الكون في نظام بديع، أليس هو من خلق الجمال، وزينه لنا، أليس البلبل خلقا من خلق الله، أليست الزهرة الماتعة برياحينها، كرم رباني لعباده فضلا منه وتكرما؟ إن سنن الله في كونه نظام متكامل ووحدة موضوعية لن تجد لها تبديلا ولا تحويلا ولا تغييرا.
                    أخي الكريم: صدقني إن قلت لك بما في الكلمة من معنى: بأنه لا يوجد جمال خارج دائرة الأدب الإسلامي. قد تستغرب ذلك؛ نعم ولك اليقين الذي لا يقبل الشك:
                    أي جمال في صوت ذاك الأديب وصوته يرنو نحو التألق والعلى، وقد حصل الدرجات والجوائز ثم يكون مصيره جهنم ألم يكن شمعة أضاءت ما حولها وأحرقت نفسها؟ وأي جمال لراقصة ظلت برشاقتها وخفتها تفتن الناظرين وتستحوذ على عقولهم و... ثم ...ثم... ثم...
                    فالجمال لا يشرق على درب الشيطان، ومن هنا كان الناقد المسلم مجهز تجهيزات إضافية لم يتمكن من استعمالها غيره وهي {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً }[النساء : 82]
                    وحينما نعرض الكتابات على نور السنن الإلهية تندهش العقول وتحير فيما فتحته السنن الإلهية من مجالات لم يطرقها الأدباء من قبل!!!.
                    ولك أخي أن تقرأ نموذج نقد في هذا المنتدى لقصة قصيرة جدا تحت عنوان الطين لإبراهيم الدرغوثي.
                    هذا فيما يتعلق بالسؤال الأول، أما ما جاء بخصوص السؤال الثاني فراجع الموضوع رسالة الفنان ويتضمن نقدا لكتاب الشاعر للمنفلوطي.
                    ونبقى في تواصل سواء هنا أوهناك لنستفيد أو نفيد.
                    بوركت جهودك
                    التعديل الأخير تم بواسطة محمد جابري; الساعة 03-04-2009, 19:04.
                    http://www.mhammed-jabri.net/

                    تعليق

                    • نبيل عودة
                      كاتب وناقد واعلامي
                      • 03-12-2008
                      • 543

                      #25
                      أستهجن هذه التصنيفات التي تجعل العرب عربين أو ثلاثين ... اذا كان الأدب يصنف حسب الانتماء الديني فكل الحضارة العربية الاسلامية من أيام بغداد وصولا للأندلس هي حضارة مسيحية ويهودية وفارسية وانتماءات أثنية وطائفية واسعة جدا .. وحصة الاسلام فيها أقل من الآخرين.
                      هذه مقاييس مقلقة.. حقا للانسان هوية دينية وهوية قومية وهوية اجتماعية وهوية فكرية وهوية عائلية وما شئتم من هويات ..
                      ان التمترس داخل هوية فئوية .. هو تمترس انعزالي. لا أعرف ما يضر الدين اذا أكدنا على هوية قومية .. والقرآن لم ينف القومية ، ولا اللغة القومية .. العربية في حالتنا.
                      حقا للعقائد الدينية تأثيرها على الأدب والسياسة والمجتمع .. ولكن المقرر هو الانتماء الذي يشمل كل ابناء المجتمع ، وفي هذه الحالة الهوية القومية .. او نقسم العرب الى أجزاء وأنصاف أجزاء وربع أجزاء .. وما يترتب على ذلك من تهديم للبنية الوطنية لدولنا وسياساتنا ومجتمعاتنا ... وعندها ليس كل ما كتب العربية ، أو يكتب بالعربية ، يصنف ضمن الابداعات الاسلامية . انما ضمن الانتماء الديني للمبدع .
                      هل هذا ما تريده استاذ محمد الجابري؟
                      ملاحظة : أرجو ان يكون الرد ملتزما بالطرح وأن لا يخرج الى التحريض الشخصي او الطائفي كما هو متبع على الأغلب في ثقافتنا العربية .. ولا أقصد شخص معين وتيار معين بملاحظتي ... انما نهج عقلي وفكري مريض!!

                      تعليق

                      • محمد جابري
                        أديب وكاتب
                        • 30-10-2008
                        • 1915

                        #26
                        الأستاذ نبيل؛
                        أبدأ بابتسامة علها تشفي القلوب:
                        أستاذ نبيل ما شأن مقالك جاء مقلوبا على عكس ما اعتاده رواد الملتقى: حيث دأب الجميع على كتابة اسم المخاطب ثم عرض نص الحوار،؛ لكن مقالك بدأ بكتابة الموضوع وختم بذكر الإسم؛ أهي موضة جديدة وطريقة حداثية تنبذ المعهود؟
                        إنه مجرد استفسار لا ينتظر إجابة؛ لكنه يشق ابتسامة تنشرح لها الصدور، وتتفتح لاستقبال ما يأتي:

                        السيد نبيل:

                        ليس الأمر على تقمص هذه الفكرة أو تلك، بقدر ما هو ينطوي على صدق طوية المرء، أو عدمه.

                        فمهما بلغ الاختلاف واحتد، وتفاقمت أزمته واشتدت، إن كانت هناك نيات سليمة تسموا للخير، وتهدف لرأب الصدع، وتسارع في الخيرات، فكيف لا تجد من رب سبحانه وتعالى من عليم خبير توفيقا وتسديدا؟ {إن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً} [النساء : 35].
                        وقانونه عدل مطلق لا ظلم فيه وهو يحدد {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً} [النساء : 123]،

                        ذلك منطلق سنن الله القرآنية : فلا عنصرية ولا تأييد لأبيض على أسود ولا لعربي على عجمي وإنما التفاضل في التقوى.

                        من هنا منطلق التفكير، أهي قلوب سالمة تستعد للخير وتتسارع له، وتنشد الصدق وتهفوا له؛ أم على العكس قلوب مريضة يقيدها حسدها، ويكبلها مكرها، ولا تفرح إلا عند الانتقام والانقضاض على خصمها، وتمضي في الكون كأن لا رقيب ولا حسيب، فيتصيدها مرضها وتزداد إثما، ويشدها غيضها وحسدها وتحترق مما أفاء الله على عبده جراء عنادها وكبريائها، وتنسى انتقام العزيز ذو انتقام، فتلقى الجزاء الأليق.

                        ولا غرو إذا خير المرء بين الحالتين للقلوب لا يختار إلا الصنف الأول، فإن كنا هناك، فالعجيب والغريب هو كيف لا نتلاقى؟؟؟ ولا تتفق آراؤنا ونحن في معترك واحد؟

                        آنئذ انطلق من أي زاوية فسوف نتصل ونتراءى، وتتصافح القلوب قبل تصافح العقول.
                        لكن ان اختلفت القلوب وتم التصنع، والتزين، واصطفاء المصطلحات، كل ذلك لا يجدي نفعا ولا يؤدي لأي تقارب؛ بل تزداد معه سعة الهوة الفاصلة وتتباين الآراء تباينا لا مثيلا له.

                        فالصادق الباحث عن الحق مسلما بفطرته، ولو مات على الشرك، مات ملسما لأنه لم يجد من يقيم حجة الله عليه.، حتى يتبعها أو يدعها، ويبقى المسلمون آنئذ آثمون لكونهم لم يقيموا حجة الله على خلقه.

                        وبعد هذا أقول كل من كتب كتابة تشرق في ملامحها توهج صدق فطرته فكتابته إسلامية لا شك فيها، إلا إن خالفت سنن الله وقانونه في الوجود إما لجهل أو تغافل.

                        فهل العروبة تنبثق من نفس البواعث الفكرية؟ أم تتجرد تجردا حزبيا لا يعرف إلا اللونين الأبيض والأسود؟

                        السيد نبيل:
                        أراك طاقة فكرية هائلة، كل ما ينقصها ترتيب الأولويات، ها أنت ترى صدق الطوية مبدأ فلم أخاطب فيك علمانيتك ولا... وإنما قصدت سلامة الفطرة فإن وجدت وجد التقارب والتحم الفكر.
                        وإن انعمدمت انعدم التقارب ولو رصع الوجه بألف زينة ونمقت الألفاظ، فالتقارب ممنوع والطريق مسدود.

                        فهل بان الأمر واتضح؟؟؟ أرجو ذلك. وهل من سبيل ألطف من هذه وأرأف؟!!!
                        http://www.mhammed-jabri.net/

                        تعليق

                        • نبيل عودة
                          كاتب وناقد واعلامي
                          • 03-12-2008
                          • 543

                          #27
                          استاذي محمد جابري
                          لم أقصد تجاهلك اطلاقا ، ولولا تقديري لقدراتك الفكرية ما كتبت ولا التفت لما تكتب.
                          الذي يحركني الموضوع وليس الأسم ، مع الاحتفاظ لكل صاحب اسم باحترامة ومكانته.
                          انا أنطلق من فكر ليبرالي علماني ، وهذا لا أخفيه .. ولا يعني نفي لفكر الآخرين وعقائدهم .
                          الموضوع الذي ارى عدم صوابه هو نسب الأدب او العلوم للدين.
                          نحن نعارك داخل اسرائيل ضد الفكر الصهيوني الذي يروج ما يعرف بالثقافة اليهودية والعلوم اليهودية والموسيقى اليهودية والعقل اليهودي ، ويدعي ان اليهود شعب واحد موزع في جميع أنحاء الأرض.
                          اعتراضنا هنا انه لا يوجد شيء مما يدعونه . اليهودي الذي ينشط في العالم العربي ينتج ثقافة عربية وعلوم عربية وموسيقى عربية (وكذا في الغرب) . وهو عربي التفكير والأخلاق ، وعبادته ليست المقرر في انتمائه الثقافي .ونرفض فكرة ألأمه يهودية عابرة للقارات .
                          المشكلة ان مفكرين مسلمين يطرحون نظرية مشابهة . امة اسلامية ؟
                          هل يوجد مثل هذا الشيء؟
                          أدب اسلامي ؟ ربما هو أدب ديني ولا يخص سائر المواطنين تماما كما يوجد أدب كنسي لا يخص سائر المسيحيين.. وهو أدب داخل بوتقة مغلقة على مجموعة منعزلة.
                          لا يمكن تسمية الثقافة العربية الممتدة من المحيط الى الخليج ، بكل تركيبتها الفسيفسائية ، من اتجاهات متنوعة اثنية وطائفية الا باسمها القومي وليس الديني ، لأن الديني لا يعبر عن المجموع ، انما عن الجزء ، مهما كان هذا الجزء كبيرا وضخما.
                          راجع تاريخ الحضارة العربية الاسلامية تجد ان مساهمات غير العرب أو عرب مسيحيين ويهود وفرس وقوميات أخرى ، حتى لو دخلوا الاسلام ، تجدها في جذور الحضارة ورقيها وما وصلت اليه من تطور وأهمية.
                          لماذا أسنفي أدوار من ليسوا مسلمين بانتمائهم الديني ولكن تربطهم روابط قومية متينة مع سائر المواطنين ؟ هل هو نوع من تجاهل ونفي شخصية الآخر المختلف ورفضه ؟
                          حتى في العصر الحديت لعب المسيحيون دورا عظيما في النهضة العربية من صحافة ومسرح وأدب وعلوم ومدارس ، وفي المحافظة وبعث اللغة العربية من ظاهرة التتريك المدمرة.ولا أظن ان مثقف كبير بمستواك يحتاج الى بيانات مفصلة لدور الآباء اليسوعيين مثلا في بعث اللغة العربية ودور ادباء المهجر ... ألخ .
                          من هنا عدم قبولي هذه الصيغة ، التي تحمل فكر نفي الآخر المختلف في العالم العربي .
                          لا أعرف من سيخدم ذلك . ولكنه بالتأكيد لن يخدم تقدم الوطن العربي وسيزيد من هجرة العقول العربية المسيحية والمسلمة .. ان الاضرار بالفسيفساء الوطنية يضر بكل أطراف المعادلة الثقافية والعلمية والتطويرية لعالمنا العربي.
                          بالطبع عبرت على بعض التعابير التي لا اراها مناسبة للحوار .. وتجاهلتها .

                          تعليق

                          • محمد جابري
                            أديب وكاتب
                            • 30-10-2008
                            • 1915

                            #28
                            ألأستاذ نبيل عودة المحترم،

                            حينما نمضي على درب حديث الطرشان، لا يمكن أن نتواصل، بل نسعى لفرض فكرنا، دون الالتفات إلى المحاور أو السعي إلى الاقتراب منه.

                            فالتواصل إصغاء، أولا، ونقاش ثانيا، واستدلال ثالثا.

                            أراك رجل قديرا على المناقشة والحوار، وأرى رأسك يضيق بما تحمله من أفكار؛ أليس في تقاربنا كل الخير؟؟؟ !!!.

                            فالفرار من مجال النقاش، انسحاب من الميدان، بتقديم الاستقالة، كما يقول علماء النفس، ونحن همنا أن نتقارب على كل صعيد، ونتحاور ونتجاور ونتبادل الأفكار، والفكر لا يقارعه إلا فكر مماثل.

                            أحيي فيك إصرارك ومتابعة النقاش.

                            وأود كي لا نفر من بعضنا البعض، أن أجيبك على بعض التساؤلات، وإن كنت أرغب رغبة أكيدة بالسير في منهج النقاش على ما سطرته سلفا.

                            سيدي المحترم :

                            ينبثق نقاشك من العروبة العلمانية واللبيرالية، لا ضير، أنت حر في اختيار مبدئك، وسبل تفكيرك؛ لكن الذي لا أستسيغه هو محاولاتك إدراجي في بوتقة تفكير ضيقة يحدها المكان في خط جغرافي ضيق، وأنا أسعى لاستنشاق كل الهواء لنفوس مسكية ريحها، طيبة تطلعاتها، صاف مبدؤها، وما العربية إلا جزء من لغاتها.

                            وحينما أتكلم عن الأدب العربي أجد منه الأدب الديني في كتابة يوسف الخال وأمثاله، كما أجدني أمام الكتابات العلمانية الناقمة، من إسلام احتضن آبائها وأجدادها لقرون.

                            " إن الأدب الإسلامي، مصطلحا وواقعا، كان لا يثير في فترة من الفترات عند قطاع كبير من المتأدبين،ولاسيما المحسوبين على التيار العلماني، غير السخرية حينا والاستنكار ومشاعر الضيق والتبرم أحيانا، كان ذلك منذ ربع قرن أو يزيد، ثم ما لبث الأدب الإسلامي أن صار راسخ القدم في أدبنا المعاصر، وحقيقة ثابتة في واقعنا الأدبي، ولم يعد موقف التجاهل والاستنكار، أو الجحود والإنكار،مقنعا ولا مجديا، وستعرف الكتابات المتشنجة التي تعارض الأدب الإسلامي مصيرا ليس أقله الإهمال. وقد انتقل بعضهم من صف الاستهجان إلى التساؤل إلى القبول إلى التبني.وككل ظاهرة جديدة تبدأ شيئا يثير العجب والتساؤل، ثم ما يلبث أن يألفه الناس ويرتاحوا إليه، كذلك كان حال الأدب الإسلامي المعاصر، إبداعا ونقدا.
                            2- كان يُنظر إلى موقف دعاة الأدب الإسلامي، جهلا أو قصدا، على أنه موقف انعزالي طائفي، يريد أن يمحو من الخريطة الأدبية أسماء كبيرة من حقل الأدب العربي، ولعل بعضهم الآن عرف أن معظم تلك الأسماء هي أصلا تدخل ضمن دائرة الأدب الإسلامي نفسه، حتى وإن لم يحمل أصحابها شعار الأدب الإسلامي، وإلا فقل لي بربك كيف تميز،ضمن الرؤية الفنية الإسلامية، بين العمرين: عمر أبي ريشة مثلا وعمر بهاء الدين الأميري؟
                            3- ينمّ ذانك الموقفان عن جهل بحقيقة الأدب الإسلامي من جهة، وعن تحول في الرؤية من جهة أخرى، فبعض من كان ينكر، إلى عهد قريب، على دعاة الأدب الإسلامي دعوتهم،يودّ لو أن أدبه،أو بعضه على الأقل، يدخل في نطاق الأدب الإسلامي.وليس من باب إفشاء الأسرار إن ذكرت أن بعض أولئك بعث إلي، من مصر،فضلا عن المغرب، يسأل عن سبيل الالتحاق برابطة الأدب الإسلامية العالمية.
                            4- والحق أنّ هذا هو الصواب، تأملوا، فالأدب صورة عن صاحبه كما هو معروف، والأدب الرفيع يعبر دائما عن رؤية صاحبه إلى الوجود، مهما يكن الغرض الذي يتناوله.ولذلك كان من الطبيعي ألا يصدر عن الأديب المسلم النقي الفطرة إلا الأدب الإسلامي، كما أنه لا يصدر عن الوجودي إلا الأدب الوجودي، ولا عن الماركسي إلا الأدب الماركسي، ولا عن النصراني إلا الأدب النصراني. هذا ما تنطق به النصوص ويؤيده الواقع، ودعك من تخرصات المتخرصين وتأويلات المبطلين.فإذا أصاب فطرة المسلم انحراف ما، انعكس ذلك على سلوكه وعلى إبداعه معا، وأخرج للناس أدبا منحرفا عن الفطرة، أي عن الإسلام.
                            لم تعد العلاقة بين الأدب والدين، وأكاد أقول بين الأدب والإيديولوجية، مثار نزاع أو جدل بين الناس،ولا يماري في ذلك إلا من لا يعرف حقيقة الأدب وحقيقة الدين، ولا يعرف تاريخ الآداب الإنسانية وعلاقتها بالدين.وإلا فمن ذا الذي يستطيع أن ينكر الآن أن الآداب نشأت أصلا في أحضان الدين، كيفما كان ذلك الدين؟ وهل يقدر الجاحد أن يجحد أثر الدين في ملاحم اليونان ومآسيها وملاهيها؟ أو أن يفصل بين ملاحم الهند القديمة وبين كتبها المقدسة؟ ولم يكن أدبنا العربي القديم بدعا بين الآداب،وهذه المعلقات، سواء أصح خبر تعليقها على أستار الكعبة أم لم يصح، شاهدة على تلك العلاقة.فإذا أضفت إلى ذلك كله حديث العرب عن القوى الخفية التي توحي إلى الشعراء زخرف القول،من الشياطين والجن،والحديث عن وادي عبقر وما يتصل به، ثم ما حدث للعرب أنفسهم إبان الدعوة الإسلامية الأولى من حيرة الذهن وتشتت الفكر واضطراب الرأي حول ما يصفون به القرآن الكريم، الذي لا يأتيه الباطل بين يديه ولا من خلفه، فلم يهتدوا إلا أن يربطوه بالشعر والسحر والكهانة، ازددت يقينا بما نقول.
                            ولا يقولنّ أحد إن ذلك أمر كان وانقضى،فلم يزل للدين حتى اليوم سلطانه على آداب الأمم والشعوب،ولم تستطع الدعاوى الإلحادية بجميع صورها بتر هذه العلاقة أبدا.والأدب الإلحادي في الحقيقة نتيجة الدين،لأنه نتيجة موقف من الدين،وقد انتقل ألبير كامي في دعوته وفلسفته الوجودية الملحدة من القول باللادين، la non religionإلى القول بمناهضة الدين، l’anti-religion ; والفرق بينهما واضح جلي.
                            وحسبك أن تلتمس أثر الدين في كبار أدباء العالم لترى ذلك جليا بيّنا.وارجع إن شئت إلى محمد إقبال، وطاغور، وكوته، وبرخيس، وأحمد شوقي، وميخائل نعيمه، وتولستوي، وبوشكين، ومحمد عاكف، ومرال معروف، و ت.س.إليوت، وبول كلوديل، وسواهم تر العجب العجاب من أمر الدين وأثره في آداب العظماء.
                            ومن هنا كان المنطلق السليم هو البحث عن الأدب الإسلامي في ذلك القدر الأدبي الهائل الذي ينتجه المسلمون، بالعربية، وبغيرها من لغات الشعوب الإسلامية، دون استبعاد أولئك الذين لبسوا، لسبب أو لآخر، لبوس العلمانية بوجوهها المتعددة والمتناقضة في بعض الأحيان، ماداموا لا ينكرون انتماءهم للإسلام ولا يعلنون انسلاخهم عن هويتهم الحضارية، حتى وإن حطبوا في حبل غير حبل المشروع الإسلامي، بل ما دام كثير منهم يغضب إن أنت طعنت في إسلامه تصريحا أو تلميحا، وهو أمر على كل حال لا يجوز صدوره عن مسلم مستنير، إذ كثيرا ما يستيقظ في النفوس نداء الفطرة، {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}(الروم: من الآية30) ، فتزول تلك الغشاوة السطحية التي التصقت بجلودهم دون قلوبهم،فإذا أدبهم إسلامي الملامح، مستجيب لخصائصه المعنوية والفنية، واقرأ إن شئت من شعر بدر شاكر السياب:(أيوب)،أو:(أمام باب الله)،أو من شعر محمد الفيتوري: (يوميات حاج إلى بيت الله الحرام)، أو اقرأ حتى قصيدة محمود درويش:(عابرون في كلام عابر)، وإن غضب الغاضبون وتنطع المتنطعون، والمتنطعون هلكى. (سيمياء الأدب الإسلامي ص 12-14)

                            سيدي المحترم:

                            إننا في معترك الأدبي نتميز بميزاتنا وبخاصة رؤانا لسنن الله في الكون والقرآن. لسنا جدعا منقطعا وشجرة بلا أصل، وفكرا بلا جذور.

                            ويرفع الأدب الإسلامي التحدي عاليا بكون شمس الجمال لا تشرق على درب الشيطان؛ إذ الجمال ترابط الأرواح السماوية بالأرضية في طمأنينة ضمير تهتز لها المشاعر وتسقي القلوب بماء الحياة فتبصر أثر رحمة ربها بأرض باتت خاشعة فاهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج...فتستيقط عندئذ المواهب الدفينة وتعرب المشاعر عن خلجات القلوب وينهمر الإلهام الفياض باللآلئ والجواهر الكريمة على الأقلام.

                            وأي فن تتربص صاحبه هواجس من أين؟ وإلى أين؟ ولماذا؟، وهل يعرف معنى للسكينة والطمأنينة أم على العكس ترى ضيق الصدر يخنقه ويؤزمه فيتركه هائما في السياحة تائها نحو البراري، باحثا عن هم ينسي الأزمات الآنية...

                            فالأدب الإسلامي لا يسعى لشق صف العروبة، بل يتنسم نسائم ولذات لم يذق طعمها من لم يلمس طمأنينة القلب وسكينة الروح بباب مولاه.

                            وما يريبني في العروبة، واليهود احتلت أرضهم حين كانت العروبة عنوانا لجميعهم، ولم تذق طعم الهزيمة إلا على يد الأيدي المتوضئة سواء في حزب الله أو مع حماس؟

                            اندحر الفكر العروبي منذ 1967 ومات موتته الطبيعية، ليحتل الإسلام مكانه بين القلوب...

                            والإسلام كما سلف ليس عنصريا، كما هو الغرب يرفع شعارات براقة ويخفي الويلات والجحيم الذي لم يعرفه إلا من عاش هناك سواء في الحصول على أوراق الإقامة، أو فيما ترمي إليه أحزاب عنصرية معترف بها وببرامجها...

                            في المغرب ليست لدينا مشكلة مع العلمانيين العرب، فهم لا ينكرون إسلامهم، وإن كانت لديكم في المشرق طوائف من مسيحي العرب، وطوائف من العلمانيين الملحدة قلوبهم، فهم ولا غرو يأخذون مكانهم في النسيج الديمقراطي – طبعا إن كانت هناك ما يسمى بالديمقراطية -، ونتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه. تلك هي السبيل لحل معضلات التعايش في احترام ووئام، دون أن يكون هؤلاء أو غيرهم أوصياء على اللغة.

                            فهل من معضلة في الأمر؟
                            http://www.mhammed-jabri.net/

                            تعليق

                            يعمل...
                            X