دقات الرحيل ...

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ماجى نور الدين
    مستشار أدبي
    • 05-11-2008
    • 6691

    دقات الرحيل ...




    دقـــــــــات الرحيـــــــــــــل




    تحير الدكتور " أحمد " من أمر عم "صالح" ذلك الكهل الذى جاوز الثمانين ويصر على الجلوس في طرف محطة القطار حاملا ساعته الكبيرة وعيناه معلقتان بكل قطار قادم ...
    سنوات طويلة وكلما أتى لزيارة عائلته يجده جالسا في نفس المكان وفي عينيه نفس نظرة الانتظار والترقب وكأن الزمن قد توقف عنده ...

    سأل أهله عن قصته فأخبروه أنه ينتظر عودة ابنه الذي سافر للعمل بالعراق ... سنوات مرت لا يغير عم صالح من طقوسه اليومية فهو يصحو فى الفجر ويتخذ طريقه إلى المسجد مارا بالجسر وصوته يتعالى بالتسابيح والأدعية حتى يصل ويصلي جماعة وبعدها يظل جالسا في المسجد يصلي ويدعو حتى يعلو صوت بكائه ...

    الجميع تأخذهم به الشفقة وإن كانت مشوبة ببعض السخرية
    لهذه الساعة التي يصر على حملها طوال الوقت ؛ ثم يجلس في محطة القطار وبجانبه ساعته حتى موعد آخر قطار، لم يغير طقوسه أبدا فلا توقفه حرارة صيف ولا برودة شتاء حتى تعود الجميع على رؤيته وكأنه أصبح جزءا من هذه المحطة ...

    الكل أحبه وتعاطف معه ومع قصته الحزينة التى بدأت عندما كان يعمل بستانيا فى فيلا الثري شريف الذى أحبه لإخلاصه وتفانيه في خدمته وكان دائما مايأتي ابنه ليشاهد هذه الساعة العجيبة وفرحة شديدة ترتسم على وجهه وهو يرى العصفور يخرج منها مع دقات الساعة ببندولها الذى يتحرك إلى جهة اليمين تارة والى اليسار تارة اخرى وكثيرا مارآه الثري شريف رغم محاولاته الصغيرة للتخفي والحذر ...
    وعندما قرر هذا الثري السفر للخارج وتصفية جميع أعماله أهدى عم صالح الساعة لعلمه إن ابنه يحبها ...
    كان عم صالح يضع الساعة فى بيته فكانت تمثل لوحة جمالية شاذة عما حولها من فقر ولكنه كان سعيدا لسعادة ابنه بها ...

    وكبر الصبى وقد أدرك أن زمن الأحلام قد ولى وعليه تقبل الواقع والفقر ؛ كانت لديه طموحاته فتطلع إلى السفر إلى إحدى الدول العربية مثل باقي شباب القرية ...
    أقنع والده بضرورة السفر حتى يستطيع تحقيق أحلامه فى الزواج والحياة ووعده أن يبنى له بيتا جديدا ...

    وسافر الإبن إلى العراق وظلت خطاباته هي بلسم الحياة لعم صالح وداوم على إرسال النقود لوالده لتعينه على الحياة .... حتى انقطعت خطاباته ولم يعد والده يعلم عنه ؟؟
    ومنذ ذلك اليوم وعم صالح يأخذ طريقه إلى محطة القطار وعيناه معلقتان بالقضبان الحديدية التي لا تأتي بمن يؤنس وحدته ... قضبان لا تعرف الحب ولا العذاب ولا الانتظار ومازالت الساعة بجانبه وكأنها الشيء الوحيد الذى يربط بينه وبين ابنه الغائب ..

    وتمر الأيام وهو قابع بجانب المحطة وفى قلبه رجاء وفى عينيه بقايا حلم لا يتحقق ويظل يغني بصوت جميل أحبه الجميع من رواد المحطة وهو يقول : الاولة آه الثانية آه الثالثة آه
    الاولة عيروني ان نافلاح الثانية ازرع واقلع للي نام وارتاح الثالثة آه اللي احبه شط مني وراح
    الاولة عيروني ان نا فلاح بدفية وعيشي حاف
    الثانية ازرع واقلع للي نام وارتاح فى دهبية ... بميت مجداف
    الثالتة اللي احبه شط مني وراح فى صبحية ... ماقال لي عواف
    حتى تخنقه الدموع التي يأبى أن يراها أحد...
    ومع آخر قطار وموعد وصوله يعود إلى بيته وتتكرر نفس المشاهد وكأنها صورة كربونية ...
    رق قلب الدكتور أحمد لقصة عم صالح فكان كلما أتى لزيارة عائلته يذهب إليه ويتابع حالته الصحية ووعده بعمل بعض الاتصالات لمعرفة أي جديد عن ابنه الغائب...
    وعند عودته للقرية في المرة التالية وجد عم صالح مايزال قابعا في ركن المحطة ولكنه يعاني المرض فيده باردة ووجهه شاحب ..
    مما دفعه لتكثيف اتصالاته لعله يستطيع الوصول لإبنه الذي تعلق قلب عم صالح به حتى أوشك على الانهيار ...
    وعاد إليه مسرعا مرة أخرى فوجده في حالة انهيار تام ودموعه الصامتة ترك لها العنان وماعاد يريد أن يخفيها ...
    وكأن شيئا هائلا قد وقع وقبل أن يسأله أشار له جانبا فوجد الساعة قد توقفت لأول مرة منذ أهداها له الثري شريف..
    نظر إليه الدكتور أحمد وهو يحاول انتقاء الكلمات التي يطيب بها خاطره.. وأمسك بيده فوجدها باردة برودة الموت صلبة صلابة الحرمان ... واهنة مثل الانتظار..
    حتى سقطت اليد الطيبة من يده ...

    رحل الأب وعندما رجع وجد برقية من السفارة تحمل نبأ وفاة الابن دون معرفة الأسباب في تمام الساعة .... بتاريخ ....!!
    توقف الدكتور أحمد عن قراءة البرقية وعادت عيناه إلى موعد الوفاة فوجدها نفس الساعة التي توقفت فيها الساعة عن دقاتها وفي نفس التاريخ ...
    وظل يردد " سبحان الله ... سبحان الله ولاحول ولا قوة إلا بالله"
    وعندما عاد لزيارة أهله مرة أخرى اتجهت عيناه إلى مكان عم صالح وصدى أغنيته يتردد بين جنبات المحطة ..!!


    /
    /
    /





    ماجي
  • الشربيني المهندس
    أديب وكاتب
    • 22-01-2009
    • 436

    #2
    ماجي
    اسجل اعجابي بالعنوان ومناسبته تماما للحكاية
    والدلالات للقطار والمحطة والانتظار والساعة والتراث أيضا
    وتوقفت عند سبحان اللـه فقد وصلت الرسالة ..

    تعليق

    • مها راجح
      حرف عميق من فم الصمت
      • 22-10-2008
      • 10970

      #3
      الاستاذة ماجي نور الدين
      قصة جميلة عشت فيها خلجات قلب العم صالح
      الانتظار والحب والالم ..
      والرحيل ..ولِد نقياً
      تحيتي ومودتي
      رحمك الله يا أمي الغالية

      تعليق

      • م. زياد صيدم
        كاتب وقاص
        • 16-05-2007
        • 3505

        #4
        ** ماجى.......

        لم أعرف بانك قاصه ماهرة الى جانب شاعريتك المرهفة..

        سردق ممتع ومشوق لواقع من صلب الحياة..فماحدث تخاطر طبيعى لاب حنون تجاه والده الوحيد.. ولم يكن فيه مبالغة ابدا ..

        تحياتى العطرة.....
        أقدارنا لنا مكتوبة ! ومنها ما نصنعه بأيدينا ؟
        http://zsaidam.maktoobblog.com

        تعليق

        • عائده محمد نادر
          عضو الملتقى
          • 18-10-2008
          • 12843

          #5
          الزميلة القديرة
          ماجي نور الدين
          قد نصادف من القصص مايستوقفنا فيها المواقف التي تشبه الخيال
          ولكن واقع الحال أثبت لنا أن كل شيء ممكن وأن المحال لم يعد كذلك
          لي ملاحظة صغيرة أرجو أن يتقبلها صدرك برحابة .
          جاء السطر الأخير من القصة فائضا لم يخدم القصة
          أرجو أن تفكري جديا بحذفه كي تبقى ومضة القصة رائعة
          تحياتي لك وحبي
          الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

          تعليق

          • ماجى نور الدين
            مستشار أدبي
            • 05-11-2008
            • 6691

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة الشربيني المهندس مشاهدة المشاركة
            ماجي
            اسجل اعجابي بالعنوان ومناسبته تماما للحكاية
            والدلالات للقطار والمحطة والانتظار والساعة والتراث أيضا
            وتوقفت عند سبحان اللـه فقد وصلت الرسالة ..

            قراءة متعمقة لزوايا القصة أسجل إعجابي بها

            سيدي الفاضل الشربيني ...

            شاكرة لك هذا المرور الألق وهذا التواجد الذى

            أثرى متصفحي ..

            فشكرا جميلا ودائما أنتظر مرورك ..

            إحترامي







            ماجي

            تعليق

            • يسري راغب
              أديب وكاتب
              • 22-07-2008
              • 6247

              #7
              [align=center]الاديبه الراقيه
              القاصة الشاعرة الكاتبة

              العزيزة / ماجي الموقرة
              تحياتي
              وبعد
              ها نحن ندخا معك عالم عم صالح وتنتشري في ثنايا حكايته بتعمق وتالق يدل على تقمص لشخصية هذا العجوز منطلقة ببداية متماسكة وقويه
              تحير الدكتور " أحمد " من أمر عم "صالح" ذلك الكهل الذى جاوز الثمانين ويصر على الجلوس فى طرف محطة القطار حاملا ساعته الكبيرة وعيناه معلقتان بكل قطار قادم ...سنوات طويلة وكلما أتى لزيارة عائلته يجده جالسا فى نفس المكان وفى عينيه نفس نظرة الإنتظار والترقب وكأن الزمن قد توقف عنده ...
              ثم ننتقل الى قلب القصه التي اخذتنا الى واحد من ثلاثه مليون مزارع وعامل مع عائلاتهم من مصر الى العراق خلال سنوات الحرب العراقيه الايرانيه التي دامت طوال عقد الثمانينات حيث سافر الابن ولم يعد ولم يكتب رسائل ومن يدوي ما هو مصيره ومن يستفسر عنه وعن احواله او عن احوال غيره من ملايين المصريين الذين هاجروا الى العراق في وقت الحرب
              ومنذ ذلك اليوم وعم صالح يأخذ طريقه إلى محطة القطار وعيناه معلقتان بالقضبان الحديدية التى لا تأتي بمن يؤنس وحدته ... قضبان لا تعرف الحب ولا العذاب ولا الإنتظار ومازالت الساعة بجانبه وكأنها الشىء الوحيد الذى يربط بينه وبين إبنه الوحيد الغائب ..
              وتمر الأيام وهو قابع بجانب المحطة وفى قلبه رجاء وفى عينيه بقايا حلم لايتحقق ويظل يغني بصوت جميل أحبه الجميع من رواد المحطة وهو يقول : الأولة آه الثانية آه الثالثة آه الأولة عيرونى إن نافلاح الثانية ازرع واقلع للى نام وارتاح الثالثة آه اللى احبه شط منى وراح الاولة عيرونى ان نا فلاح بدفية وعيشى حاف الثانية ازرع واقلع للى نام وارتاح...
              ومن هذا العالم الماساوي الحزين تنتقل ماجي ببراعه الى عالم اخر هو عالم الساعة القديمه التي تركها البيك الذي كان يخدمه عم صالح تركها لابن عم صالح الذي سافر الى العراق دون حس او خبر وهنا تجمع الماضي مع الحاضر في عالم عم صالح هو القابع في محطة القطار ينتظر وصول ابنه ومعه تلك الساعة القديمه البندول التي تذكره بالبيك الذي هاجر من البلد لاي سبب كان
              ولكن في النهايه ذلك العالم الذي عاشه عم صالح سعيدا بالمعامله الطيبه من البيك والابن الحبيب وكلاهما رحل وتركاه لوحدته
              الساعة البندول وحدها ترافقه
              تذكره بالاعزاء عنده
              ويرنو اليه الدكتور احمد الذي ياتي في اجازته الاسبوعيه الى القريه لزيارة اهله
              كل هذا التكطثيف في القصه ومن خلال شخصية الدكتور احمد وشخصية عم صالح تبحرين بنا ايها الرائعه في عالم القرية المصريه خلال عقد من الزمان كانت نهايته العام 1990
              هذا اكتشاف للمجتمع والقريه المصري وما تضمه من نماذج بشريه مابين البيك والعم صالح والدكتور احمد - ثلاث طبقات انسانيه - ربما تمثل بشكل او اخر مجموع النماذج الانسانيه في كل القري
              وماهي مهمة الاديب والروائي سوى انه يؤرخ للانسانيه في مكان وزمان معين ويقولها بتفاصيلها التي تعطي للقاريء خيالا يلاخذه الى ذات العالم الانساني الواقعي
              دقات الرحيل هو اسم القصه
              وهي دقات الساعه التي جمعت فيها بين عزيزين عند عم صالح
              والدكتور احمد الطبيب الذي يحاول علاج تلك الحاله الانسانيه الصحيه والمعنويه والاجتماعيه
              وفي اللحظة ذاتها التي يحاول الطبيب ان يداوي الجرح الانساني عند عم صالح طبيا وانسانيا
              تتوقف دقات الساعه وتتوقف دقات قلب عم صالح
              وعندما رجع وجد برقية من السفارة تحمل نبأ وفاة الإبن دون معرفة الأسباب فى تمام الساعة .... بتاريخ ....
              توقف الدكتور أحمد عن قراءة البرقية وعادت عينه إلى موعد الوفاه فوجدها نفس الساعة التى توقفت فيها الساعة عن دقاتها وفى نفس التاريخ ...وظل يردد .. سبحان الله ... سبحان الله ولاحول ولا قوة إلا بالله
              وعندما عاد لزيارة أهله مرة أخرى إتجهت عيناه إلى مكان عم صالح وصدى أغنيته يتردد بين جنبات المحطة وتستمر عجلة الحياة رغم توقف دقات ساعة عم صالح وظلال الرحيل التى طافت بالمكان ...
              والاولة آه .. والثانية آه ... والثالثة آآآآآآآآآآآآآه ....!!!!
              ما اروعك
              قصة غاية في الشفافيه
              تحمل هموم الانسانيه المعذبه باهات الرحيل الدائم مابين الموت والحياة
              الله الله الله وماشاء الله ايها الروائية المبدعه
              [/align]

              تعليق

              • محمد سلطان
                أديب وكاتب
                • 18-01-2009
                • 4442

                #8
                الاستاذة ماجي .. المبدعة

                القصة مشوقة .. مستفزة للمشاعر ..

                سلسة الأسلوب .. ربما كانت فيها بعض المباشرة نوعا

                أيضا الواقع يكون صورة طبق الأصل من الخيال

                وأحياناً يتحقق بكامل تفاصيله .. عشت مع لحظات الرحيل

                ومن قبلها الأنتظار و خرجت لا أعرف يمني من يساري ..

                تشقلبت بي الدنيا و ربما أدمعتني .. لأمرٍ في نفس يعقوب ..!!


                خالص تحياتي يا ملكة الملتقى
                صفحتي على فيس بوك
                https://www.facebook.com/profile.php?id=100080678197757

                تعليق

                يعمل...
                X