لـماذا تـأخـرتِ دهـرا ً عـلـيّـا ؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • يحيى السماوي
    أديب وكاتب
    • 07-06-2007
    • 340

    لـماذا تـأخـرتِ دهـرا ً عـلـيّـا ؟





    تقولُ التي صَيّرتْـني أنـيـسـا ً
    وكـنتُ الـعَـنـيـدَ ..
    الـغَـضـوبَ ..
    الـعَـصِـيّـا :


    أما مِـنْ إيـاب ٍ
    إلى حيث ُ كان النخـيـل ُ
    مـآذِنَـك َ الـبـاسِـقـات ..
    وكان الـحَـمـامُ " بِـلالا ً " ..
    وكان الـهَـديـل ُ الأذان َ الـشـجـيّـا ؟


    وأنتَ عـلـى السّـطـح ِ : طـفـل ٌ
    يُـغـازِلُ عـنـد َ المـسـاء ِ الـنجـوم َ
    ويـغـفـو يُـغـطِّـيـه ِ ضوءُ الـثُـرَيّـا ؟


    لـقـد عـدتُ لـو كان سَـعْـفُ النخيل ِ
    كـمـا الأمس ِ ..
    لـو أنَّ لـيْ سـطـحَ دار ٍ ..
    وأنَّ الـحَـمـامَ يُـجـيـدُ الـهـديـل َ ..


    ولـكـنَّـه ُ الـقـحْـط ُ :
    لا الخـبْـزُ في الـصَّـحْـن ..
    لا الـتَّـمْـرُ في الـعِـذقِ ..
    والمـاءُ في الـنهـر ِ لمَـا يَـعُـدْ
    يـمـلأ الكـأسَ رِيّـا


    أبي عاشَ سـبـعـينَ عـامـا ً ونـيـفـا ً
    عـلى الـخـبـز ِ والـتـمـرِ
    مـا زارَ يـومـا ً طـبـيـبـا ً ..
    وأمـي ـ إذا جـعْـتُ ـ تـشـوي لـيَ الـمـاءَ
    أو تـنـسـجُ الـصـوفَ ثـوبـا ً
    فيغدو حـريـرا ً بَهـيّـا !


    لـمـاذا إذن ْ
    أصبـحَ الـماءُ في عـصـرِنـا ظـامِـئـا ً
    والـرَّغـيـفُ كـمـا الـتِّـبْـنِ
    والـعِـشـقُ في يـومِـنـا تُـهْـمـة ً
    والـمـواويـلُ غَـيّـا ؟


    أتـدعـيـنـني بـعـدمـا شـاصَ تـمْـري ؟
    لـمـاذا تـأخَّـرْت ِ دهـرا ً عَـلـيّـا ؟


    وكـنـتُ الـمُـقِـيـمَ
    عـلى بُـعـدِ نـهـديـكِ من ثـوبِـكِ الـمُـسْـتَفَـزِّ ..
    عـلى بُـعـدِ كـفِّـك ِ
    مِـنْ شـذرة ِ الـخـاتَـم ِ الـسـومَـريِّ ..
    لمـاذا اخـتـبـأت ِ
    لأهـرقَ في شـاطـئـيْـك ِ بـقـايـا وقـاري ؟

    وأطـفـئ َ نـاري ؟


    جميعُ الـغـزالاتِ مـرّتْ عـلى واحـتي ..
    والـظِـبـاء ِ ..
    الـفـراشـات ِ ..
    إلآكِ أنت ِ !
    تـأخَّـرْت ِ أكـثـرَ مِمـا يُـطـيـقُ اصْـطِـبـاري !


    لـمـاذا أتَـيْـتِ
    أوان َ احْـتِضـاري ؟


    وبِدءَ احْـتِـفـاء ِ الـدُّجـى
    بـانطِـفـاء نـهـاري ؟

    وقـد كـنـتِ من مُـقـلـتـيْ
    قـابَ جـفـنيْ ..
    ومن مـوقـدي
    قـابَ جـمـري
    ونـاري !!



    لـمـاذا أتـيْـتِ أوان َ الـخريـف ِ
    وكنت ِ عـلى بُـعْـدِ ضِـلـعَـيـن ِ
    مـنْ أصـغـرَيّـا ؟


    لـماذا تـأخَّـرت ِ دهـرا ً عَـلَـيّـا ؟


    فشـرّقْـتُ .. غَـرَّبْـتُ ..
    غـرّبْـتُ .. شـرَّقـتُ :
    طِفـلا ً عَـجـوزا ً
    وكـهْـلا ً صَـبـيّـا !!


    توهّمتُ أنَّ الـتـغـرُّبَ
    يُـنـسي الفتى السـومريَّ هـمـوم َ المشـاحيفِ *
    يُـدني نـزيـلَ الـمـفـازات ِ من
    سـدرة ِ المُـنـتـهـى والـثـريّـا ..


    وها مـرَّ جـيـلان ِ..
    جـيـلان ِ مَـرّا عـلى نـخـلـة ٍ غـادرتْ طـيـنـهـا !
    تـمـرُهـا شـاصَ ..
    والـسَّـعْـفُ لـمّـا يَـعُـدْ يـنـسـجُ الفيءَ غـضّـا ً نـديّـا ..


    جميعُ المـواعيـد ِ فـاتتْ
    ومَـرَّ قـطـارُ الـقـرنـفـل ِ والـيـاسـمـيـن ..
    الـعـصـافـيـرُ عـادتْ إلى دفءِ أعشـاشِـهـا
    وأنـا واقـفٌ ..
    غَصَّـة ٌ في فـمي
    والـلـظى في يَـدَيّـا ..


    توهّـمْـتُ أنَّ الـطريـق َ إلى الأقـحـوان ِ
    الـمـنـافي ..
    فـنـفَّـضْـتُ طـيـنَ الـفـراتـيـن ِ
    مِـنْ راحَـتـيّـا !


    ودَرَّبْـتُ عـصـيـان َ هـدبـي
    عـلى مُـقـلـتـيّـا !

    غـريـبـا ً ذلـيـلا ً..
    فـحـيـنـا ً أفـتِّـشُ عـنْ دجـلـتيَّ
    وحـيـنـا ً لأهـربَ مـنْ دجـلـتـيّـا !


    فلا كـنـتُ مَـيْـتـا ً
    ولا كـنتُ حَـيّـا !


    ولا كـنـتُ في مـوكـبـي بـابـلـيّـا ً
    ولا كـنـتُ في زورقـي سَـومَـريّـا !!


    لـماذا تـأخَّـرت ِ دهـرا ً علـيّـا ؟


    وكنت ِ على بُـعـدِ " حاءٍ " من " الباءِ "
    نـامـا عـلى تـخـت ِ سـطـر ٍ سَـوِيّـا !!


    لـمـاذا تـركـتُ الـسـمـاوة َ خـلـفـي
    ويَـمَّـمْـتُ نـحـوَ المـقـاديـر ِ خـطـوي
    فـكـنتُ الـشـقِـيّـا ؟


    أمـا كان لـيْ
    أنْ أُخـبِّـئـنـي لـيـلـة ً في " الـصـريـفـة ِ " .. **
    أو لـيـلـتـيـن ِ بـسـرداب ِ قـبـر ٍ
    وعـامـا ً بـبَـرِيَّـة ٍ
    نصـفَ عِـقـد ٍ بـ " هـور الـجـبـايـش ِ " ***
    عِـقـدا ً مـع الـلـوز ِ والـجـوز ِ في غـابـة ٍ في الشـمـال ِ
    وعـامـا ً بـكـهـف ٍ أُلـمْـلِـمُ بـعـضـي إلـيّـا ؟


    أبي عـاش سـبـعـيـنَ عـامـا ً ونـيـفـا ً
    عـلى الـخـبـز والـتـمـر ِ
    ما قـالَ أفّ ٍ ...
    ولا صـاحَ بـالـخـوف ِ تـبّـا ً ..
    ولم يـتَّـخـذْ غـيـرَ نـخـل ِ السـمـاوة ِ
    خِـلّا ً وفِـيّـا !!


    لـمـاذا هـرقـتُ شـبابـي
    شـريـدا ً ..
    غـريـبـا ً ..
    ذلـيـلا ً ..
    شـقـيّـا ؟


    لمـاذا تـأخَّـرْت ِ دهـرا ً عَـلـيّـا ؟


    وقـد كنـتُ مـنـك ِ
    الـقـريـبَ الـقـصِـيّـا ؟


    بـلى
    كـان يُـمـكـنُ لـيْ
    أن أعـيـشَ طـويـلا ..


    وأن ْ أهـزم َ
    الـمـارِدَ الـمـسْـتحيـلا


    فـأعْـقِـد بـيـن الـثـرى
    والـثـريّـا


    قِـران َ الـتـراب ِ عـلـى الـنـجـم ِ
    لـكـن ْ :
    تـأخـرت ِ دهـرا ً
    فـجـاز شِـراعُ الـمُـنـى شـاطِـئـيّـا


    أقـيـمـي عَـزاءَ الـهـوى ..
    إنـنـي :
    مُـتُّ حَـيّـا !!


    فلا يُـغـويَـنَّـك ِ ظِـلّـي ..
    ولا يُـغـريَـنّـك ِ
    نـبـضُ الـمُـحَـيّـا !!


    لـمـاذا تـأخَّـرت ِ دهـرا ً
    عَـلـيّـا ؟

    ***

    * المشاحيف : جمع مشحوف : زورق من قصب البردي يستخدمه سكان الأهوار للتنقل والصيد ـ سومري الأصل .

    ** الصريفة : بيت من الطين وجذوع الاشجار يستخدمه أهالي الوسط والجنوب العراقي للماشية وما شابه ذلك.

    ** * هور الجبايش : أحد أكبر أهوار العراق ، وأكثرها كثافة بقصب البردي .. كان الهاربون من أنظمة الحكم يتخذونه ملاذا آمنا لاستحالة وصول قوات السلطة إليهم .
  • كمال عبد الرحيم
    شاعر
    • 16-08-2008
    • 388

    #2
    هي رائعة جديدة من روائع شاعرنا الكبير شاعر السماوة يحيى السماوي
    سأكتفي بهذه المتعة التي نشرها في داخلي هذا النص الجميل ، ويسعدني أن أكون أول المصافحين لرائعتك

    تعليق

    • حامد أبوطلعة
      شاعر الثِقَلَين
      ( الجن والأنس )
      • 10-08-2008
      • 1398

      #3
      شاعرنا الفحل الأستاذ القدير / يحيى السماوي
      أقف خجلا أمام قامتك الأدبية الرفيعة
      فما عساني أقول ؟!
      يثبت النص استحقاقا
      أهديك عقودا من الفل الجازاني العبق
      دمت بخير
      ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
      أستاذي القدير لي همسة لو تقبلها من شويعر مثلي
      ليس هدفه النيل من يحيى السماوي لا والله بل هي
      همسة لو تصغي اليها
      قلت : غَصَّـة ٌ في فـمي
      والغصة أستاذي القدير لا تكون في الفم بل في الحلق
      فهنا خطأ فني
      أستميحك عذرا
      [align=center]
      sigpic
      [/align]

      تعليق

      • ينابيع السبيعي
        نائب أول ملتقى الديوان
        • 04-06-2007
        • 301

        #4
        الشاعر الرائع حضوراً
        وشعراً كونه قامة شعرية لايحتاج إلى كلماتي
        ومروري فقط ليقدم قلمي له تحية إعجاب
        فلك تنحني كلماتي وتنثر متصفحك وروداً
        فشكراً لك والشعر
        أنت رائع ومبدع
        لك فائق احترامي وتقديري
        أختك
        ينابيع السبيعي
        إذا نـادت بـي الأوتـار لحنـاً
        .....تبعثرنـي بـه شتّـى لـغــــاتـي
        إذا مـا فكـرة النبطـي ولّـــــت
        ....تسيّرني إلى الفصحـى دواتـي
        أسجل باليراع شجـون نــزفـي
        ....وأغرس بالحروف نـواة ذاتـي

        ينابيع السبيعي

        تعليق

        • عبدالله بن إسحاق الشريف
          أديب وكاتب
          • 11-09-2008
          • 942

          #5
          [align=center]يا إله الكون ..
          يا الله ..
          يا الله ..
          يا الله ....
          يا سلام .. يا سلام ...
          يا إلاهيييييييييييييييييييي
          سبحان الذي وهبك وأعطاك
          ما عساي مثلي يقول
          لهذه الهامة الأدبية الفارعة
          مبدع والله حد الشهقة
          زادك المولى من نعيمه
          أستاذنا الكبير[/align]

          تعليق

          • ريمه الخاني
            مستشار أدبي
            • 16-05-2007
            • 4807

            #6
            قصيدة جميله استاذنا الكبير
            سلم القلم وسلمت لنا

            تعليق

            • مصطفى الطيار
              عضو الملتقى
              • 12-09-2008
              • 90

              #7
              قصيدة من العيار الثقيل
              والمودة والتقدير
              للشاعر الجميل

              تعليق

              • أحمد قميدة
                أديب وكاتب
                • 06-06-2008
                • 201

                #8
                السّحر الحلال
                ما أقرأ هنا
                والحرف الزلال
                منساب يروي ضمأ المحبين
                سعدت جدا بالمرور
                [poem=font=",6,red,bold,normal" bkcolor="black" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black""]
                فلبست ثوب الشعر غيـر مخيَّـر=ليكون سترا فـي زمـان عـراةِ
                فتقبليـهِ ولـو ترينَـه أسـودًا=فلقد سقيتُهُ مـن حـدادِ دواتـي
                وصنعتُ منـهُ قوالبـا لنوائبـي=وجعلتُ منه لصاحبـي مرآتـي
                فيرى الدّموعَ وإنْ أريتُهُ بسمـةً=كنتُ اصطنعْتُ بريقهـا لعُداتـي
                ويغوصُ يسمعُ أنَّة ًّ في داخلـي=غطّيتها في ضجَّـةِ الضّحكـاتِ [/poem]

                تعليق

                • الحسن فهري
                  متعلم.. عاشق للكلمة.
                  • 27-10-2008
                  • 1794

                  #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة يحيى السماوي مشاهدة المشاركة




                  تقولُ التي صَيّرتْـني أنـيـسـا ً
                  وكـنتُ الـعَـنـيـدَ ..
                  الـغَـضـوبَ ..
                  الـعَـصِـيّـا :


                  أما مِـنْ إيـاب ٍ
                  إلى حيث ُ كان النخـيـل ُ
                  مـآذِنَـك َ الـبـاسِـقـات ..
                  وكان الـحَـمـامُ " بِـلالا ً " ..
                  وكان الـهَـديـل ُ الأذان َ الـشـجـيّـا ؟


                  وأنتَ عـلـى السّـطـح ِ : طـفـل ٌ
                  يُـغـازِلُ عـنـد َ المـسـاء ِ الـنجـوم َ
                  ويـغـفـو يُـغـطِّـيـه ِ ضوءُ الـثُـرَيّـا ؟


                  لـقـد عـدتُ لـو كان سَـعْـفُ النخيل ِ
                  كـمـا الأمس ِ ..
                  لـو أنَّ لـي سـطـحَ دار ٍ ..
                  وأنَّ الـحَـمـامَ يُـجـيـدُ الـهـديـل َ ..


                  ولـكـنَّـه ُ الـقـحْـط ُ :
                  لا الخـبْـزُ في الـصَّـحْـن ..
                  لا الـتَّـمْـرُ في الـعِـذقِ ..
                  والمـاءُ في الـنهـر ِ لمّـا يَـعُـدْ
                  يـمـلأ الكـأسَ رِيّـا


                  أبي عاشَ سـبـعـينَ عـامـا ً ونـيْـفـا ً
                  عـلى الـخـبـز ِ والـتـمـرِ
                  مـا زارَ يـومـا ً طـبـيـبـا ً ..
                  وأمـي ـ إذا جـعْـتُ ـ تـشـوي لـيَ الـمـاءَ
                  أو تـنـسـجُ الـصـوفَ ثـوبـا ً
                  فيغدو حـريـرا ً بَهـيّـا !


                  لـمـاذا إذن ْ
                  أصبـحَ الـماءُ في عـصـرِنـا ظـامِـئـا ً
                  والـرَّغـيـفُ كـمـا الـتِّـبْـنِ
                  والـعِـشـقُ في يـومِـنـا تُـهْـمـة ً
                  والـمـواويـلُ غَـيّـا ؟


                  أتـدعـيـنـني بـعـدمـا شـاصَ تـمْـري ؟
                  لـمـاذا تـأخَّـرْت ِ دهـرا ً عَـلـيّـا ؟


                  وكـنـتُ الـمُـقِـيـمَ
                  عـلى بُـعـدِ نـهـديـكِ من ثـوبِـكِ الـمُـسْـتَفَـزِّ ..
                  عـلى بُـعـدِ كـفِّـك ِ
                  مِـنْ شـذرة ِ الـخـاتَـم ِ الـسـومَـريِّ ..
                  لمـاذا اخـتـبـأت ِ
                  لأهـرقَ في شـاطـئـيْـك ِ بـقـايـا وقـاري ؟

                  وأطـفـئ َ نـاري ؟


                  جميعُ الـغـزالاتِ مـرّتْ عـلى واحـتي ..
                  والـظِـبـاء ِ ..
                  الـفـراشـات ِ ..
                  إلاكِ أنت ِ !
                  تـأخَّـرْت ِ أكـثـرَ مِمـا يُـطـيـقُ اصْـطِـبـاري !


                  لـمـاذا أتَـيْـتِ
                  أوان َ احْـتِضـاري ؟


                  وبِدءَ احْـتِـفـاء ِ الـدُّجـى
                  بـانطِـفـاء نـهـاري ؟

                  وقـد كـنـتِ من مُـقـلـتـي
                  قـابَ جـفـني ..
                  ومن مـوقـدي
                  قـابَ جـمـري
                  ونـاري !!



                  لـمـاذا أتـيْـتِ أوان َ الـخريـف ِ
                  وكنت ِ عـلى بُـعْـدِ ضِـلـعَـيـن ِ
                  مـنْ أصـغـرَيّـا ؟


                  لـماذا تـأخَّـرت ِ دهـرا ً عَـلَـيّـا ؟


                  فشـرّقْـتُ .. غَـرَّبْـتُ ..
                  غـرّبْـتُ .. شـرَّقـتُ :
                  طِفـلا ً عَـجـوزا ً
                  وكـهْـلا ً صَـبـيّـا !!


                  توهّمتُ أنَّ الـتـغـرُّبَ
                  يُـنـسي الفتى السـومريَّ هـمـوم َ المشـاحيفِ *
                  يُـدني نـزيـلَ الـمـفـازات ِ من
                  سـدرة ِ المُـنـتـهـى والـثـريّـا ..


                  وها مـرَّ جـيـلان ِ..
                  جـيـلان ِ مَـرّا عـلى نـخـلـة ٍ غـادرتْ طـيـنـهـا !
                  تـمـرُهـا شـاصَ ..
                  والـسَّـعْـفُ لـمّـا يَـعُـدْ يـنـسـجُ الفيءَ غـضّـا ً نـديّـا ..


                  جميعُ المـواعيـد ِ فـاتتْ
                  ومَـرَّ قـطـارُ الـقـرنـفـل ِ والـيـاسـمـيـن ..
                  الـعـصـافـيـرُ عـادتْ إلى دفءِ أعشـاشِـهـا
                  وأنـا واقـفٌ ..
                  غَصَّـة ٌ في فـمي
                  والـلـظى في يَـدَيّـا ..


                  توهّـمْـتُ أنَّ الـطريـق َ إلى الأقـحـوان ِ
                  الـمـنـافي ..
                  فـنـفَّـضْـتُ طـيـنَ الـفُـراتـيْـن ِ
                  مِـنْ راحَـتـيّـا !


                  ودَرَّبْـتُ عـصـيـان َ هـدبـي
                  عـلى مُـقـلـتـيّـا !

                  غـريـبـا ً ذلـيـلا ً..
                  فـحـيـنـا ً أفـتِّـشُ عـنْ دجـلـتيَّ
                  وحـيـنـا ً لأهـربَ مـنْ دجـلـتـيّـا !


                  فلا كـنـتُ مَـيْـتـا ً
                  ولا كـنتُ حَـيّـا !


                  ولا كـنـتُ في مـوكـبـي بـابـلـيّـا ً
                  ولا كـنـتُ في زورقـي سَـومَـريّـا !!


                  لـماذا تـأخَّـرت ِ دهـرا ً علـيّـا ؟


                  وكنت ِ على بُـعـدِ " حاءٍ " من " الباءِ "
                  نـامـا عـلى تـخـت ِ سـطـر ٍ سَـوِيّـا !!


                  لـمـاذا تـركـتُ الـسـمـاوة َ خـلـفـي
                  ويَـمَّـمْـتُ نـحـوَ المـقـاديـر ِ خـطـوي
                  فـكـنتُ الـشـقِـيّـا ؟


                  أمـا كان لـي
                  أنْ أُخـبِّـئـنـي لـيـلـة ً في " الـصـريـفـة ِ " .. **
                  أو لـيـلـتـيـن ِ بـسـرداب ِ قـبـر ٍ
                  وعـامـا ً بـبَـرِيَّـة ٍ
                  نصـفَ عِـقـد ٍ بـ " هـور الـجـبـايـش ِ " ***
                  عِـقـدا ً مـع الـلـوز ِ والـجـوز ِ في غـابـة ٍ في الشـمـال ِ
                  وعـامـا ً بـكـهـف ٍ أُلـمْـلِـمُ بـعـضـي إلـيّـا ؟


                  أبي عـاش سـبـعـيـنَ عـامـا ً ونـيْـفـا ً
                  عـلى الـخـبـز والـتـمـر ِ
                  ما قـالَ أفّ ٍ ...
                  ولا صـاحَ بـالـخـوف ِ تـبّـا ً ..
                  ولم يـتَّـخـذْ غـيـرَ نـخـل ِ السـمـاوة ِ
                  خِـلّا ً وفِـيّـا !!


                  لـمـاذا هـرقـتُ شـبابـي
                  شـريـدا ً ..
                  غـريـبـا ً ..
                  ذلـيـلا ً ..
                  شـقـيّـا ؟


                  لمـاذا تـأخَّـرْت ِ دهـرا ً عَـلـيّـا ؟


                  وقـد كنـتُ مـنـك ِ
                  الـقـريـبَ الـقـصِـيّـا ؟


                  بـلى
                  كـان يُـمـكـنُ لـي
                  أن أعـيـشَ طـويـلا ..


                  وأن ْ أهـزم َ
                  الـمـارِدَ الـمـسْـتحيـلا


                  فـأعْـقِـد بـيـن الـثـرى
                  والـثـريّـا


                  قِـران َ الـتـراب ِ عـلـى الـنـجـم ِ
                  لـكـن ْ :
                  تـأخـرت ِ دهـرا ً
                  فـجـاز شِـراعُ الـمُـنـى شـاطِـئـيّـا


                  أقـيـمـي عَـزاءَ الـهـوى ..
                  إنـنـي :
                  مُـتُّ حَـيّـا !!


                  فلا يُـغـويَـنَّـك ِ ظِـلّـي ..
                  ولا يُـغـريَـنّـك ِ
                  نـبـضُ الـمُـحَـيّـا !!


                  لـمـاذا تـأخَّـرت ِ دهـرا ً
                  عَـلـيّـا ؟

                  ***

                  * المشاحيف : جمع مشحوف : زورق من قصب البردي يستخدمه سكان الأهوار للتنقل والصيد ـ سومري الأصل .

                  ** الصريفة : بيت من الطين وجذوع الاشجار يستخدمه أهالي الوسط والجنوب العراقي للماشية وما شابه ذلك.

                  ** * هور الجبايش : أحد أكبر أهوار العراق ، وأكثرها كثافة بقصب البردي .. كان الهاربون من أنظمة الحكم يتخذونه ملاذا آمنا لاستحالة وصول قوات السلطة إليهم .

                  بسم الله.

                  الله.. ما أجملها مطولة سامقة على أنغام المتقارب المنسابة العذبة..

                  مررت واستمتعت..

                  ثمّ تركت بُصيْمات قد لا تسمن ولا تغني..:

                  - عَـجـوزا ً (للمرأة، والشيْخ للرجل)
                  - غَصَّـة ٌ (غُـصّة، بالضمّ)
                  - بـبَـرِيَّـة ٍ (بـرِّيـَّة، بشدّة على الراء)

                  (والله أعلم)


                  شاعري العزيز، تحياتي وإعجابي.
                  ولا أقـولُ لقِـدْر القـوم: قدْ غلِيَـتْ
                  ولا أقـول لـباب الـدار: مَغـلـوقُ !
                  ( أبو الأسْـود الدّؤليّ )
                  *===*===*===*===*
                  أنا الذي أمرَ الوالي بقطع يدي
                  لمّا تبيّـنَ أنّي في يـدي قـلــمُ
                  !
                  ( ح. فهـري )

                  تعليق

                  • يحيى السماوي
                    أديب وكاتب
                    • 07-06-2007
                    • 340

                    #10
                    المشاركة الأصلية بواسطة كمال عبد الرحيم مشاهدة المشاركة
                    هي رائعة جديدة من روائع شاعرنا الكبير شاعر السماوة يحيى السماوي
                    سأكتفي بهذه المتعة التي نشرها في داخلي هذا النص الجميل ، ويسعدني أن أكون أول المصافحين لرائعتك
                    ***

                    أخي الشاعر كمال عبد الرحيم : بمثل مطر حسن ظنك ، وعطر ذائقتك : تغدو أشواك أبجديتي قرنفلا ، ودخان غربتي عبيرا ..

                    شكرا لك ياصاحبي المبدع .

                    تعليق

                    • يحيى السماوي
                      أديب وكاتب
                      • 07-06-2007
                      • 340

                      #11
                      المشاركة الأصلية بواسطة حامد أبوطلعة مشاهدة المشاركة
                      شاعرنا الفحل الأستاذ القدير / يحيى السماوي
                      أقف خجلا أمام قامتك الأدبية الرفيعة
                      فما عساني أقول ؟!
                      يثبت النص استحقاقا
                      أهديك عقودا من الفل الجازاني العبق
                      دمت بخير
                      ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
                      أستاذي القدير لي همسة لو تقبلها من شويعر مثلي
                      ليس هدفه النيل من يحيى السماوي لا والله بل هي
                      همسة لو تصغي اليها
                      قلت : غَصَّـة ٌ في فـمي
                      والغصة أستاذي القدير لا تكون في الفم بل في الحلق
                      فهنا خطأ فني
                      أستميحك عذرا
                      ***

                      الشاعر المبدع حامد أبو طلعة : مرور سحائبك بصحراء قصيدتي قد نسجت لها بردة ً من الخضرة .... فلك مني شكر المحب الممتن ، وامتنان الشاكر المحب .

                      بالنسبة لرأيك فيما يتعلق بـ" الغصة والحلق " هو صحيح إذا كان المقصود بالغصة توقف لقمة الطعام في مجرى الطعام ـ بينما أنا لا أقصد ذلك ـ فالذي أقصده هو العَبرة لذا فإن استخدامي للفم هو الأكثر صوابا ـ ففي فقه اللغة يكون الكل أقوى من الجزء ـ والحلق هو مجرى الطعام ، فهو جزء من الفم ـ والغصة هنا بمثابة الحشرجة التي تعني العَبرة ... والعبرة تشمل الفم كله وليس جزءا ً منه .

                      لك محبتي وجزيل شكري .

                      تعليق

                      • يحيى السماوي
                        أديب وكاتب
                        • 07-06-2007
                        • 340

                        #12
                        المشاركة الأصلية بواسطة ينابيع السبيعي مشاهدة المشاركة
                        الشاعر الرائع حضوراً
                        وشعراً كونه قامة شعرية لايحتاج إلى كلماتي
                        ومروري فقط ليقدم قلمي له تحية إعجاب
                        فلك تنحني كلماتي وتنثر متصفحك وروداً
                        فشكراً لك والشعر
                        أنت رائع ومبدع
                        لك فائق احترامي وتقديري
                        أختك
                        ينابيع السبيعي
                        **

                        سيدتي الأخت الشاعرة المبدعة ينابيع السبيعي : رضاك عن قصيدتي سبب آخر لاحترامي لها ...

                        شكرا لك بحجم ما تبقى في حقيبة عمري من زمن لم أعشه بعد .

                        تعليق

                        • يحيى السماوي
                          أديب وكاتب
                          • 07-06-2007
                          • 340

                          #13
                          المشاركة الأصلية بواسطة عبدالله بن إسحاق الشريف مشاهدة المشاركة
                          [align=center]يا إله الكون ..
                          يا الله ..
                          يا الله ..
                          يا الله ....
                          يا سلام .. يا سلام ...
                          يا إلاهيييييييييييييييييييي
                          سبحان الذي وهبك وأعطاك
                          ما عساي مثلي يقول
                          لهذه الهامة الأدبية الفارعة
                          مبدع والله حد الشهقة
                          زادك المولى من نعيمه
                          أستاذنا الكبير[/align]
                          ***

                          الشاعر المبدع عبد الله الشريف : عطرُ قلبك ـ وليس ورد الحديقة ـ ما جعل مكتبي يفيض أريجا ً في هذا النهار الأسترالي الوحشيّ الضجر ... شكرا لك شاعرا ... وشكرا لك ربيب محبة ... وشكرا لك نديم أبجدية .

                          لا غادرت عصافير الابداع حدائقك .

                          تعليق

                          • يحيى السماوي
                            أديب وكاتب
                            • 07-06-2007
                            • 340

                            #14
                            المشاركة الأصلية بواسطة ريمه الخاني مشاهدة المشاركة
                            قصيدة جميله استاذنا الكبير
                            سلم القلم وسلمت لنا
                            **

                            سيدتي الأخت الشاعرة المبدعة ريمة الخاني : أهدي مائدتك خبز محبتي البيضاء كالشرف ، النقية كصلواتك ، شاكرا لك ندى ذائقتك وبخور حسن ظنك .

                            كل ضحكة طفل وهديل حمامة وأنت بخير وإبداع .

                            تعليق

                            • يحيى السماوي
                              أديب وكاتب
                              • 07-06-2007
                              • 340

                              #15
                              المشاركة الأصلية بواسطة مصطفى الطيار مشاهدة المشاركة
                              قصيدة من العيار الثقيل
                              والمودة والتقدير
                              للشاعر الجميل
                              ***
                              الأخ الأديب مصطفى الطيار : أهدي حدائقك فراشات محبتي ... سائلا الله أن يجعل من الابداع والرغد مصطبحا لك ومغتبقا .

                              شكرا باتساع المحبة .

                              تعليق

                              يعمل...
                              X