فصول من تاريخ المسرح العراق(1880- 1920 بدايات المسرح في العراق)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • على جاسم
    أديب وكاتب
    • 05-06-2007
    • 3216

    فصول من تاريخ المسرح العراق(1880- 1920 بدايات المسرح في العراق)


    لطفي حسن
    معالجة لغوية علي جاسم


    بدأ المسرح يفد إلى العراق كما هو معروف لحد الآن منذ عام 1880 تقريبا ‘ إن لم يكن قبلها بقليل ولم يوثق .


    وخلال العقود الأربعة الأولى ( 1880 - 1920 )(1) تعرف على المسرح ، المتنورون من الوجهاء والأعيان والتجار والمثقفون الشباب الذين كانوا يزورون بلاد الشام ومصر وأوربا للاصطياف والسياحة أو التجارة ، وضباط الجيش ، لاسيما طلاب الحربية في الأستانة ، شاهدوا هؤلاء المسرح باللغة التركية والفرنسية والانكليزية ، والعربية في كل من بلاد الشام ومصر على وجه التحديد .

    ثم انتقل النشاط المسرحي في هذه الفترة إلى العراق محدثه هزه و صدمه في حياته الاجتماعية المحافظة التي كانت مضطربة أصلا ( الفترة 1880 - 1917 ) .

    كان العراق آنذاك جزء من الإمبراطورية العثمانية وهي في مرحلة الأفول ، و لنأخذ مثالا على حالة الاضطراب السياسي الذي كان قائما ، فقد حكم ولاة بغداد في هذه الفترة لوحدها ، خمسة وعشرون واليا ،أي بمعدل عام وبضعة أشهر لحكم كل وال ، وهو مؤشر لمظهر من مظاهر الفوضى وعدم الاستقرار التي كانت قائمه والتي كانت فيها ألاميه والجهل والفقر و تناوب انتشار وباء الطاعون والنكبات هي الصفة الغالبة على ا لمجتمع العراقي (2) .

    ولم يسلم العراق من ويلات الحرب العالمية الأولى ، حيث كان خلال الحرب ميدانا لمعارك حربيه شملت معظم مساحة العراق ، إلى جانب واقع التفسخ ، وفساد الجهاز الإداري الحكومي ، وعودة انتعاش النزعة العشائرية والقيم البدوية العربية في مرحلة تفسخ الخلافة الإسلامية في اسطنبول .

    أن هذه الفترة من اشد الفترات تخلفا في العراق ، على الرغم من إنها شهدت إصدار أول جريده عراقيه باللغة العربية ( الزوراء ) و تأسيس أول مدرسه للبنات ، وافتتاح أول شارع عام ، وتكوين النوادي الاجتماعية التي كان لها دور كبير في مناصرة المسرح والترويج له ، من هذه النوادي نذكر ( الانتباه العربي ) و ( ندوة المقهى الحمراء) و ( النادي العلمي الوطني ) التي أقدم على تمثيل رواية ( وفاء العرب ) ، لكن جمال باشا منعها وأوعز إلى مرتزقته أن يشهروا بالقائمين بها ) (3) .

    في هذه المرحلة ، شهدت تركيا العثمانية في مجال السياسة قيام الحركة المشروطيه في ( تموز 1888) التي تمثلت في إعادة العمل بالدستور وصدور مراسيم أطلقت فيها حرية الكلام والطباعة والاجتماع ، وكذلك ألغيت الرقابة ، وأعلن العفو العام عن السياسيين ، وكان لهذه الحركة تأثير عميق بشكل غير مباشر على وعي المواطن العراقي ، وخاصة الحضريين من سكان المدن ، إلى جانب ما كانت تلعبه الصحافة التركية والمصرية من ادوار في بث الوعي بالتجديد على اختلاف منابرها (4 ) .

    في الفترة ( 1917 - 1920 ) أصبح العراق كله تحت السيطرة الانكليزية ، فقد أقامت بريطانيا في العراق نظامها المطبق في مستعمراتها ، وضمتها بصفتها أحد أقاليمها الكولونياليه إلى الهند ، كانت السلطة المطلقة في الحكم المباشر بيد القيادة العسكرية الانكليزية المحتلة ، حيث تفرد بالحكم كل من الجنرال الفاتح ( مود ) و( ارنولد ولسن ) و( برسي كوكس) ، وخلال هذه الفترة حل محل الموظفون الاتراك السابقون ، موظفون من الإدارة الانكلو - هندية ، وأعيد تنسيق نظام الإدارة والقضاء والسجل العام على الطراز الهندي ، واستبدلت العملة العثمانية بالعملة الهندية (5 ).


    وعلى المستوى العالمي شهدت هذه الفترة قيام ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا ، وبداء إشعاع الفكر الاشتراكي يوقظ شعوب الشرق على مفاهيم العدالة الاجتماعية وكسر أغلال العبودية .


    في هذه العقود المثيرة ، بدأت البرجوازية العراقية وطليعتها من المثقفين الجدد ، تتشكل في رحم النظام السابق ( الإقطاعية ) في ظل الإمبراطورية العثمانية التي كانت تعيش أزمتها الأخيرة ، وأصبحت بمثابة القاعدة المادية للتغييرات الاجتماعية العميقة والانفتاح على الثقافات الأخرى التي حدثت بشكل متسارع فيما بعد .


    فقد زارت بغداد أول فرقه مسرحيه وقامت بجولة في المحافظات ، هي فرقة ( آل طغرل بيك ) التركية عام 1910 وكررت زيارتها مرة أخرى بعد هذا التاريخ ، عندما لاقت عروضها استحسانا وقبولا من لدن الجمهور( 6 ) .

    ومع دخول الجيش البريطاني المتكون من جنود انكليز وهنود ( الكوركه ) ، استقدموا معهم فرقا تمثيلية خاصة بهم ، وزارت العراق أيضا فرق السيرك من الهند ، بخيامهم العملاقة وحيواناتهم العجيبة ومهرجيهم .

    وبدأت تتشكل مجموعات تقلد وتحاكي بنتف من العروض تسمى ( أجواق ) في المحلات في مناسبات الأفراح ، و المقاهي التي كانت منتشرة في بغداد وفي المحافظات المهمة الأخرى كالموصل والبصرة ولكن ليس إلى حد تشكيل فرقه مسرحيه، إلى جانب فن ( الإخباري) الذي كان موجودا أصلا ، وابرز روادها المرحوم ( جعفر لقلق زاده ) الذي ترك بصماته لاحقا على المسرح الكوميدي العراقي ورواده الأوائل.
    عِشْ ما بَدَا لكَ سالماً ... في ظِلّ شاهقّةِ القُصور ِ
    يَسعى عَليك بِما اشتهْيتَ ... لَدى الرَّواح ِ أوِ البكور ِ
    فإذا النّفوس تَغرغَرتْ ... في ظلّ حَشرجَةِ الصدورِ
    فهُنالكَ تَعلَم مُوقِناَ .. ما كُنْتَ إلاََّ في غُرُور ِ​
  • mmogy
    كاتب
    • 16-05-2007
    • 11282

    #2
    [ALIGN=CENTER][TABLE1="width:70%;"][CELL="filter:;"][ALIGN=justify]
    شكرا أستاذ على على هذه المعالجة الطيبة لمقالة الأستاذ لطفي حسن .. فقد أعطتنا لمحة تاريخية عن تطور الأشكال المسرحية في العراق .
    [/ALIGN]
    [/CELL][/TABLE1][/ALIGN]
    إنْ أبْطـَأتْ غـَارَةُ الأرْحَامِ وابْـتـَعـَدَتْ، فـَأقـْرَبُ الشيءِ مِنـَّا غـَارَةُ اللهِ
    يا غـَارَةَ اللهِ جـِدّي السـَّيـْرَ مُسْرِعَة في حَلِّ عُـقـْدَتـِنـَا يَا غـَارَةَ اللهِ
    عَدَتِ العَادونَ وَجَارُوا، وَرَجَوْنـَا اللهَ مُجـيراً
    وَكـَفـَى باللهِ وَلـِيـَّا، وَكـَفـَى باللهِ نـَصِيراً.
    وَحَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوكيلُ, وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاّ بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ.

    تعليق

    • على جاسم
      أديب وكاتب
      • 05-06-2007
      • 3216

      #3
      [align=center]مع انتشار المدارس في العراق ، دأبت هذه المدارس ، لاسيما المدارس الخاصة ،الاهتمام بالمسرح المدرسي ، نذكر منها مدرسة , ( فرنك عيني ) اليهودية على سبيل المثال التي كانت تقدم العروض باللغة الانكليزية (7).


      انبهر الشباب العراقي المتنور من الطبقات العريقة والبرجوازية الناهضة ، لاسيما أولئك الذين درسوا في تلك الفترة في اسطنبول ، وتأثروا بما شاهدوه من عروض مسرحيه كانت تقدم هناك آنذاك ( 8 ) ، وكذلك من الشباب الذي زار الشام ومصر التي شهدت برجوازيتها نهوضا أبكر ، واطلعوا على بواكير العروض المسرحية هناك ، إلى جانب متابعتهم لنشاط الجاليات التبشيرية التي كثرت في هذه الفترة لاسيما الجالية الفرنسية في الموصل بشكل خاص ، التي كانت تشجع مدارسها المسيحية في بغداد والموصل على العناية بالفن المسرحي المدرسي لأغراض ل لا تنفصل بطبيعة الحال عن مطامع فرنسا الاستعمارية آنذاك بالعراق ، لاسيما الموصل وهي تنتظر وفاة الرجل المريض ، الإمبراطورية العثمانية .

      كان التعليم في مدارس هذه الجاليات التي تضم أيضا طلابا عراقيين من المسيحيين والبعض القليل من المسلمين واليهود ، لا يحصن المتعلمين من التأثر بهذا الشكل أو ذاك بالنهضة البرجوازية العربية القومية الطابع والعمل على التجديد في المجتمع الراكد ، بل تشجع وتؤجج رغبات التغيير في نظام المجتمع العراقي الذي يعود إلى القرون الوسطى ، بتدريسها ضمن مناهجها أفكار الثورة الفرنسية في العدالة والحرية والمساواة بين الناس .

      أن المسرحية التبشيرية هي المسرحية الرائدة في العراق كما هو معروف لحد الآن ، التي وضعها القسس والمعلمون في هذه المدارس ، أو المترجمة عن المسرحيات الكنسية الفرنسية ، وكانت تدور في إطار الأحداث الدينية التاريخية المنتزعة من العهد القديم والعهد الجديد ( 9) .

      يؤكد لويس شيخو أن الكلية اليسوعية في بيروت هي السباقة في تقديم المسرحيات العربية(( كانت كليتنا أول من سبق إلى تشخيص الروايات العربية التمثيلية سنة 1882 ، فكان مديروها يختارون لذلك الوقائع الخطيرة
      ولاسيما الحوادث الشرقية ليرسخ في قلوب طلبتهم مع حب الوطن ذكرى تواريخ بلادهم ، فمن جملة ما مثلوا( حكم هيرودوس على ولديه ) و ( استشهاد القديس جرجس ) و ( رواية صدقيا ) ثم ( داوود ويناثان ) ومما اقتبسوه من تاريخ العرب رواية ( ابن السموأل) ورواية ( المهلهل) و( شهداء نجران ) و( نكبة البرامكه ) و( إخوة الخنساء) وكان للطلبة سهم واف في التأليف ، إلا أن معظمها بقلم الآباء أو بعض أساتذة الكلية )) ( 10) .

      وقد مثلت معظم هذه المسرحيات في المدارس المسيحية العراقية ، بسبب الترابط المذهبي والمناهج الموحدة في هذه المدارس الموجودة في كل الأقطار العربية تقريبا ، والتي كانت تدار من مركز واحد في لبنان ، فقد قدمت مسرحية ( جان دارك ) عام 1906 على مسرح القاصد الرسولي في الموصل ، ومثل طلاب مدرسة السمنير في الموصل مسرحية (الطيور الصغيرة ) عام 1908 ، ومسرحية ( ماركسان ) في السنة ذاتها ، وقد ترجمها عن الفرنسية مترجمان لبنانيان ، كما ترجم الأب جرجس قنديلا مسرحيتي ( الطبيب رغما عنه ) و ( المثري النبيل) لموليير عام 1908 ، ومثلتا على مسرح المدرسة الكلدانية في الموصل (11)

      كان قيام الحركة المشروطيه في تركيا أثره البالغ على الشبيبة المثقفة في العراق ، ووفرت الأجواء المناسبة لانتعاش أفكار التحرر الوطني بينهم ، وشكل هؤلاء الشباب العديد من النوادي الاجتماعية التي قدموا من خلالها محاولاتهم الأولى في المسرح العراقي على نمط مشاهداتهم للأشكال المسرحية الوافدة، ومحاكاة لها ، لكن بمضامين وأهداف سياسيه منسجمة مع تطلعاتهم الجريئة .

      لقد ارتبط هذا المسرح منذ وفوده إلى العراق بالسياسة، وبالوعي القومي المنبعث من جديد ، والداعي إلى الوحدة الوطنية والانتصار لروحها الفتيه ، واستلهام التراث البطولي الذاتي الغابر لبث الثقة في النفس ، في بلد كان مقسما إلى ثلاث ولايات ( الموصل وبغداد والبصرة ) تابعه إلى الإمبراطورية العثمانية السنية المذهب ، تتحكم في الناس المنقسمة إلى سنه مواليه للخلافة العثمانية التي كانت قائمه ، وشيعه تحرك روحها الطائفية إيران من الجهة الشرقية ، وغزوات أتباع مذهب محمد عبد الوهاب الأصولي السني بفلول بدوه المغيرة من جهة السعودية ، ولم نعثر لحد الآن على أي اثر مسرحي من هذه الفترة يلمح أو يدعو إلى الطائفية التي كانت عميقة في المجتمع ، كان مسرحا منذ الولادة رافضا لهذه القيم تقدميا وعصريا ومع الحركة الدائمة إلى الأمام .

      وقد حفظ لنا الأرشيف المسرحي العراقي التابع لمركز الأبحاث والدراسات المسرحية في العراق حوالي ثلاثين مسرحيه كتبت خلال هذه العقود الأربعة ، وقد منعت السلطات العثمانية العديد منها من التقديم ، فقد أوعز جمال باشا إلى المرتزقة بإيقاف عرض مسرحية ( وفاء العرب ) التي حاول ( النادي العلمي الوطني) ان يمثلها بمناسبة قدوم الصحفي محمد رشيد رضا من لبنان ، الذي كان من المقرر ان يلقي محاضره على جمهور المسرحية خلال الاستراحة (12) .

      ومنعت أيضا مسرحية ( شهيد الدستور) من العرض لأمد غير معين ، ولموانع اقتضت ذلك ، - حسب ما جاء في الإعلان الذي نشرته صحيفة ( الرقيب ) في الأول من ربيع الآخر سنة 1327 هجريه (13) .

      وخلال هذه العقود الأربعة لا تتوفر لحد الآن أي معلومات ، عن تشكيل فرق مسرحيه خاصة ، وما قدم من الذي ذكرناه ، فهي نشاطات ضمن النشاط المسرحي المدرسي السنوي الذي دأبت أن تقوم به جميع المدارس تقريبا ، وأجواق الإخباري ، والنوادي الثقافية التي تقف خلفها عادة جماعات سياسيه ( 14) .

      تكتب ( مس بيل) رسالة إلى أبيها تذكر له فيها إنها حضرت مسرحيه وطنيه ، قام بتمثيلها جماعه من الشباب الوطنيين ،وتذكر كيف كان الحاضرون يصفقون كلما وردت كلمة ( الاستقلال ) أثناء التمثيل ، وكيف إنها التقت في الحفلة بأشد أعداء الانكليز فصافحتهم بروح وديه (15) . [/align]
      عِشْ ما بَدَا لكَ سالماً ... في ظِلّ شاهقّةِ القُصور ِ
      يَسعى عَليك بِما اشتهْيتَ ... لَدى الرَّواح ِ أوِ البكور ِ
      فإذا النّفوس تَغرغَرتْ ... في ظلّ حَشرجَةِ الصدورِ
      فهُنالكَ تَعلَم مُوقِناَ .. ما كُنْتَ إلاََّ في غُرُور ِ​

      تعليق

      • على جاسم
        أديب وكاتب
        • 05-06-2007
        • 3216

        #4
        [align=center]

        نخلص مما تقدم ، أن العقود الأربعة المذكورة التي شهدت دخول المسرح إلى العراق من مصادر مختلفة نجحت هذه النشاطات في خلق ذوق بسيط للمسرح عند نخبة الناس المتعلمة ، ولم يتعدى ذلك ، واعتبر عامة الناس ان هذا الدخيل بدعه وفرنجة دخيلة مخلة بالعادات والتقاليد الاجتماعية المتوارثة ، وتخنيث للشباب ( حيث كان الشباب آنذاك يقومون على المسرح بأداء الأدوار النسائية ) ، إلا أن الشباب المتنور والثائر على التقاليد والأوضاع التي كانت تحكم المجتمع ، استغلت هذا الوافد كتحدي لهذا الواقع وحاولت استخدامه أيضا كأداة سياسيه تحريكيه ، لذا كانت بدايات المسرح العراقي مرتبطة بالنخبة من طليعة الشباب المثقف ، التي كانت تناضل من اجل التحرر والاستقلال والهوية الوطنية للعراق ، انضم إليهم بعد ذلك نخبة من رجال الدين المتنورين المناوئين للاحتلال البريطاني الذين لعبوا دورا في ثورة العشرين .

        تميزت نشاطات هذه الفترة بالموسمية والهامشية ، وانحصرت داخل جدران المدارس ومنتديات النخبة ، معزولة تقريبا عن الطبقات الشعبية الواسعة التي لم تكن في متداول يدها غير فنونها الفلكلورية الأصيلة المتوارثة ( رواة السيرة ، والقصخون ، وخيال الظل ، وطقوس الشيعة المهرجانية ( التشابيه )التي كانت تقام في عاشوراء ، وهي أصلا غير أصيله تماما وفدت أيضا إلى العراق متأخرا في زمن الحكم القجري في إيران ، وترسخ بعد ذلك في ثقافة الشيعة من بدعه دخيلة في البداية إلى طقس من الطقوس الدينية الأساسية الآن عند شيعة العراق ، والألعاب التي كانت تجري في الأسواق والساحات العامة في المناسبات والأعياد كألعاب السحرة والحواة والقراده والبهلوانيين واللاعبين على الحبال .. الخ من فنون الشارع التي كانت شائعة في المنطقة منذ القرون الوسطى ) ، لقد كان الناس لهم فنونهم التي يعبرون بواسطتها عن مشاعرهم ومواقفهم ورؤاهم وغضبهم إزاء الأحداث الهامة بشكل عفوي في أحيان كثيرة ، فقد كان للشعر الشعبي و(الهوسه ) دور تحريضي مشهود كما هو معروف في ثورة العشرين ،


        أن هذه الفنون الشعبية التي كانت تقام في الأفراح والمناسبات الدينية ، التي انغلق عليها الناس ولم ينفتحوا على غيرها من الجديد الوافد من الخارج ، لعبت دورا كبيرا في رفض وعرقلة انتشار المسرح الوافد في هذه الفترة ، كونها كما فهمت انه ضد الدين وقيمه من جانب ، وكونه مرتبط بعادات الفرنجة الكفرة الأجانب من جانب اخر ( لم يكونوا يعتبرون العثمانيين أجانب لكونهم من ألامه الإسلامية ) . ولم يكونوا مقتنعين بالمروجين للمسرح من الشباب المائع من أبناء ( الجلبيه ) سادتهم الظالمين المستغلين .

        إن محدودية انتشار المسرح حتى في المدن ، التي اقتصر النشاط على مراكزها في بغداد والموصل والبصرة ، يعود إلى أن هذه المدن تشكل مراكز تجمع الفئة المتنورة من الشباب القليلة العدد نسبة بما لا يقاس إلى عدد سكان هذه المدن من الرافضين لهذا الدخيل الحضاري من فقراء الكادحين والحرفيين والمعدمين والعاملين في الزراعة ، بالرغم من أن الفئة المتنورة فاعله ومحركه سياسيا ، مع ذلك لم تنجح في أن توسع الحركة المسرحية إلى خارج مراكزه المدن نحو الأطراف والأرياف والقرى ، لانغلاق المجتمع على نفسه آنذاك ، ولم تتحول في هذه العقود الهامة إلى ظاهره جماهيريه لتكتسب صفة المسرح الحقيقي في العراق ، وهي الديمومة


        أن هناك وثيقة هامه تكشف عن هوية الشباب المساهمين في تقديم ما يعتبر انضج محاوله مسرحيه في إطار هذه الفترة من حيث التأليف والتمثيل ، والذين احتلوا فيما بعد تأسيس الدولة العراقية ، مراكز رفيعة في سلك أجهزة الدولة ، والبعض منهم أخذ يلعب دورا يتعارض سياسيا وفكريا مع طبيعة الدور الذي كان يقف وراء مشاركته في هذه المحاولة المسرحية الرائدة .

        تشير هذه الوثيقة التي نشرها مصطفى نور الدين الواعظ ، تحت عنوان ( تمثيل الروايات لتغذية الثورة ) أن مسرحية (النعمان ابن المنذر )التي ألفها الشاعر مهدي البصير والتي تعد أول عرض فني سياسي في العراق ، قد قام بتمثيلها كل من السادة قاسم العلوي ( محام) وعبد القادر صالح ( مدير الحسابات العام ) ومحمود خالص ( عضو محكمة التمييز ) و نجيب الراوي ( وزير المعارف سابقا ) وإبراهيم الواعظ ( حاكم ا استئناف الموصل ) وعلي غالب العزاوي ( محام توفاه الله ) والحاج رؤوف الدهان ( حاكم في المحاكم العراقية ) وعبد العزيز ماجد ( حاكم في محاكم العراق ) واحمد الراوي ( مدير الخارجية العام ) وعبد القادر جميل ( حاكم استئناف الموصل ) وحسن سامي التاتار ( عضو محكمة التمييز ) وطالب مشتاق ( مدير البنك العربي) وجميل الراوي ( مدير مدرسة الشرطه) وجميل رمزي ( ضابط في الجيش توفاه الله) وخير الدين خورشيد ( ضابط في الجيش ) وأمين خالص ( مفتي أداري ) وانور النقشلي ( مدير إدارة المجلس النيابي سابقا ) فمثلنا رواية ( النعمان ابن المنذر) مرتين ، مره لمنفعة مجلة ( اللسان ) والثانية لمنفعة المدرسة الأهلية ( التفيض اليوم ) وكان الدخل في كل مره يتجاوز العشرة آلاف روبية وكل هذه المبالغ كانت ترسل إلى الثوار في الجنوب ( 16 ).


        أن العناوين التي ألحقها مؤلف الكتاب ( الروض الأزهر) بجوار أسماء الممثلين هي عناوين وظائفهم التي كانوا يشغلونها في أواخر القرن الماضي عند تأليفه لكتابه ( 17 ) .

        بمعنى أن هذه النخبة التي لعبت دورا ثوريا في مرحلة التحرر الوطني من الاحتلال ، هي ذاتها التي تسلمت فيما بعد ارفع المناصب في الدولة العراقية الحديثة ، وأخذت تلعب لاحقا الدور الكابح في السلطة للتوجهات الشعبية الرامية للانعتاق من أغلال الأحلاف والمعاهدات الجائرة والغير متوازنة التي ربط بها العراق أثناء الاحتلال ربطا محكما بفلك الإمبراطورية البريطانية . [/align]
        عِشْ ما بَدَا لكَ سالماً ... في ظِلّ شاهقّةِ القُصور ِ
        يَسعى عَليك بِما اشتهْيتَ ... لَدى الرَّواح ِ أوِ البكور ِ
        فإذا النّفوس تَغرغَرتْ ... في ظلّ حَشرجَةِ الصدورِ
        فهُنالكَ تَعلَم مُوقِناَ .. ما كُنْتَ إلاََّ في غُرُور ِ​

        تعليق

        • على جاسم
          أديب وكاتب
          • 05-06-2007
          • 3216

          #5
          [align=center]
          (هوامش ومصادر الفصل)


          1- 1880 تاريخ كتابة أقدم مخطوطه لمسرحيات عراقيه ( آدم وحواء) , ( يوسف الحسن ) و (طوبيا ) تأليف الشماس حنا حبشي ، عثرت عليها في مكتبة الأب توما عزيزة في عام 1966 وأهداها لي عندما لمس مدى اهتمامي البالغ بها، وبدوري قدمتها فيما بعد إلى المركز الوثائقي للمسرح العراقي في عام1969 نزولا عند مقترح قاسم محمد بضرورة حفظها هناك لتكون في متناول الباحثين والمهتمين بالمسرح ، وعرفت انها قد فقدت او اتلفت مع وثائق المسرح الكثيرة التي كانت محفوظة في المسرح عند احتلال العراق.
          2- ( حكومات بغداد ) عبد الحميد العلوجي - 1969.
          3- ( الحياة المسرحية في العراق 1880- 1921 ) أحمد فياض المفرجي ( مجلة السينما والمسرح ) العراقية العدد/1 حزيران 1982.
          4- ( لمحات اجتماعيه من تاريخ العراق الحديث) د. على الوردي - الجزء السادس /1976.
          5- ( العراق في مذكرات الدبلوماسيين الأجانب ) نجدت فتحي صفوت - بيروت 1969 .
          6- ( المسرحية العربية في العراق ) د. علي الزبيدي - ص/28 .
          7- ( الحياة المسرحية في العراق 1880 -1921 ) .
          8- ( المسرحية العربية في العراق).
          9- ( اثر المسرح العربي على المسرح العراقي) د. عمر الطالب . / القسم الأول / (مجلة السينما والمسرح )- العراقية العدد /11 أيلول 1974.
          10- ( الآداب العربية في القرن التاسع عشر ) لويس شيخو - ص/2 .
          11- ( اثر المسرح العربي على المسرح العراقي ) .
          12- ( الحياة المسرحية في العراق 1880 -1921 ) .
          13- المصدر السابق.
          14- المصدر السابق.
          15- ( خلق الملوك ) مس بيل - ترجمة عبد الكريم الناصري - مكتبة النهضة -بيروت - 1980 .
          16- ( الروض الأزهر في تراجم آل السيد جعفر ) مصطفى نور الدين الواعظ.
          17- ( وثائق مسرحيه ) احمد فياض المفرجي - مجلة ( السينما والمسرح) العراقية العدد /11 ايلول 1974[/align]
          عِشْ ما بَدَا لكَ سالماً ... في ظِلّ شاهقّةِ القُصور ِ
          يَسعى عَليك بِما اشتهْيتَ ... لَدى الرَّواح ِ أوِ البكور ِ
          فإذا النّفوس تَغرغَرتْ ... في ظلّ حَشرجَةِ الصدورِ
          فهُنالكَ تَعلَم مُوقِناَ .. ما كُنْتَ إلاََّ في غُرُور ِ​

          تعليق

          • طارق الايهمي
            أديب وكاتب
            • 04-09-2008
            • 3182

            #6
            الأخ الرائع علي جاسم
            أسمح لي بأقمة الى حين استكمال نصوصك القيمة بما جاءت من لمحة تأريخية
            يجهلها الكثير وخصوصا في وطننا العربي حماه الله من التدنيس
            ولي عودة إنشاء الله
            خالص الود وباقة ورد
            مع فائق التقدير
            طارق الايهمي



            ربما تجمعنا أقدارنا

            تعليق

            • على جاسم
              أديب وكاتب
              • 05-06-2007
              • 3216

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة محمد شعبان الموجي مشاهدة المشاركة
              [ALIGN=CENTER][TABLE1="width:70%;"][CELL="filter:;"][ALIGN=justify]
              شكرا أستاذ على على هذه المعالجة الطيبة لمقالة الأستاذ لطفي حسن .. فقد أعطتنا لمحة تاريخية عن تطور الأشكال المسرحية في العراق .
              [/ALIGN]
              [/CELL][/TABLE1][/ALIGN]
              م عليكم

              مرحباً بك أستاذ محمد الموجي

              أتمنى أن يكون الموضوع فيه الفائدة المرجوة

              وأن تكون المعالجة بشكلها الصحيح

              تقديري لك
              السلا
              عِشْ ما بَدَا لكَ سالماً ... في ظِلّ شاهقّةِ القُصور ِ
              يَسعى عَليك بِما اشتهْيتَ ... لَدى الرَّواح ِ أوِ البكور ِ
              فإذا النّفوس تَغرغَرتْ ... في ظلّ حَشرجَةِ الصدورِ
              فهُنالكَ تَعلَم مُوقِناَ .. ما كُنْتَ إلاََّ في غُرُور ِ​

              تعليق

              • على جاسم
                أديب وكاتب
                • 05-06-2007
                • 3216

                #8
                المشاركة الأصلية بواسطة طارق الايهمي مشاهدة المشاركة
                الأخ الرائع علي جاسم
                أسمح لي بأقمة الى حين استكمال نصوصك القيمة بما جاءت من لمحة تأريخية
                يجهلها الكثير وخصوصا في وطننا العربي حماه الله من التدنيس
                ولي عودة إنشاء الله
                خالص الود وباقة ورد
                مع فائق التقدير
                طارق الايهمي

                السلام عليكم

                مرحباً بك أستاذ طارق

                وأهلاً بك وبحضورك

                أتمنى أن يكون الموضوع ذو فائدة خصوصاً لنا كمواطنين عراقيين لأن الموضوع يختص بجانب من جوانب الفن في العراق

                تقديري لك
                عِشْ ما بَدَا لكَ سالماً ... في ظِلّ شاهقّةِ القُصور ِ
                يَسعى عَليك بِما اشتهْيتَ ... لَدى الرَّواح ِ أوِ البكور ِ
                فإذا النّفوس تَغرغَرتْ ... في ظلّ حَشرجَةِ الصدورِ
                فهُنالكَ تَعلَم مُوقِناَ .. ما كُنْتَ إلاََّ في غُرُور ِ​

                تعليق

                يعمل...
                X