لطفي حسن
معالجة لغوية علي جاسم
بدأ المسرح يفد إلى العراق كما هو معروف لحد الآن منذ عام 1880 تقريبا ‘ إن لم يكن قبلها بقليل ولم يوثق .
وخلال العقود الأربعة الأولى ( 1880 - 1920 )(1) تعرف على المسرح ، المتنورون من الوجهاء والأعيان والتجار والمثقفون الشباب الذين كانوا يزورون بلاد الشام ومصر وأوربا للاصطياف والسياحة أو التجارة ، وضباط الجيش ، لاسيما طلاب الحربية في الأستانة ، شاهدوا هؤلاء المسرح باللغة التركية والفرنسية والانكليزية ، والعربية في كل من بلاد الشام ومصر على وجه التحديد .
ثم انتقل النشاط المسرحي في هذه الفترة إلى العراق محدثه هزه و صدمه في حياته الاجتماعية المحافظة التي كانت مضطربة أصلا ( الفترة 1880 - 1917 ) .
كان العراق آنذاك جزء من الإمبراطورية العثمانية وهي في مرحلة الأفول ، و لنأخذ مثالا على حالة الاضطراب السياسي الذي كان قائما ، فقد حكم ولاة بغداد في هذه الفترة لوحدها ، خمسة وعشرون واليا ،أي بمعدل عام وبضعة أشهر لحكم كل وال ، وهو مؤشر لمظهر من مظاهر الفوضى وعدم الاستقرار التي كانت قائمه والتي كانت فيها ألاميه والجهل والفقر و تناوب انتشار وباء الطاعون والنكبات هي الصفة الغالبة على ا لمجتمع العراقي (2) .
ولم يسلم العراق من ويلات الحرب العالمية الأولى ، حيث كان خلال الحرب ميدانا لمعارك حربيه شملت معظم مساحة العراق ، إلى جانب واقع التفسخ ، وفساد الجهاز الإداري الحكومي ، وعودة انتعاش النزعة العشائرية والقيم البدوية العربية في مرحلة تفسخ الخلافة الإسلامية في اسطنبول .
أن هذه الفترة من اشد الفترات تخلفا في العراق ، على الرغم من إنها شهدت إصدار أول جريده عراقيه باللغة العربية ( الزوراء ) و تأسيس أول مدرسه للبنات ، وافتتاح أول شارع عام ، وتكوين النوادي الاجتماعية التي كان لها دور كبير في مناصرة المسرح والترويج له ، من هذه النوادي نذكر ( الانتباه العربي ) و ( ندوة المقهى الحمراء) و ( النادي العلمي الوطني ) التي أقدم على تمثيل رواية ( وفاء العرب ) ، لكن جمال باشا منعها وأوعز إلى مرتزقته أن يشهروا بالقائمين بها ) (3) .
في هذه المرحلة ، شهدت تركيا العثمانية في مجال السياسة قيام الحركة المشروطيه في ( تموز 1888) التي تمثلت في إعادة العمل بالدستور وصدور مراسيم أطلقت فيها حرية الكلام والطباعة والاجتماع ، وكذلك ألغيت الرقابة ، وأعلن العفو العام عن السياسيين ، وكان لهذه الحركة تأثير عميق بشكل غير مباشر على وعي المواطن العراقي ، وخاصة الحضريين من سكان المدن ، إلى جانب ما كانت تلعبه الصحافة التركية والمصرية من ادوار في بث الوعي بالتجديد على اختلاف منابرها (4 ) .
في الفترة ( 1917 - 1920 ) أصبح العراق كله تحت السيطرة الانكليزية ، فقد أقامت بريطانيا في العراق نظامها المطبق في مستعمراتها ، وضمتها بصفتها أحد أقاليمها الكولونياليه إلى الهند ، كانت السلطة المطلقة في الحكم المباشر بيد القيادة العسكرية الانكليزية المحتلة ، حيث تفرد بالحكم كل من الجنرال الفاتح ( مود ) و( ارنولد ولسن ) و( برسي كوكس) ، وخلال هذه الفترة حل محل الموظفون الاتراك السابقون ، موظفون من الإدارة الانكلو - هندية ، وأعيد تنسيق نظام الإدارة والقضاء والسجل العام على الطراز الهندي ، واستبدلت العملة العثمانية بالعملة الهندية (5 ).
وعلى المستوى العالمي شهدت هذه الفترة قيام ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا ، وبداء إشعاع الفكر الاشتراكي يوقظ شعوب الشرق على مفاهيم العدالة الاجتماعية وكسر أغلال العبودية .
في هذه العقود المثيرة ، بدأت البرجوازية العراقية وطليعتها من المثقفين الجدد ، تتشكل في رحم النظام السابق ( الإقطاعية ) في ظل الإمبراطورية العثمانية التي كانت تعيش أزمتها الأخيرة ، وأصبحت بمثابة القاعدة المادية للتغييرات الاجتماعية العميقة والانفتاح على الثقافات الأخرى التي حدثت بشكل متسارع فيما بعد .
فقد زارت بغداد أول فرقه مسرحيه وقامت بجولة في المحافظات ، هي فرقة ( آل طغرل بيك ) التركية عام 1910 وكررت زيارتها مرة أخرى بعد هذا التاريخ ، عندما لاقت عروضها استحسانا وقبولا من لدن الجمهور( 6 ) .
ومع دخول الجيش البريطاني المتكون من جنود انكليز وهنود ( الكوركه ) ، استقدموا معهم فرقا تمثيلية خاصة بهم ، وزارت العراق أيضا فرق السيرك من الهند ، بخيامهم العملاقة وحيواناتهم العجيبة ومهرجيهم .
وبدأت تتشكل مجموعات تقلد وتحاكي بنتف من العروض تسمى ( أجواق ) في المحلات في مناسبات الأفراح ، و المقاهي التي كانت منتشرة في بغداد وفي المحافظات المهمة الأخرى كالموصل والبصرة ولكن ليس إلى حد تشكيل فرقه مسرحيه، إلى جانب فن ( الإخباري) الذي كان موجودا أصلا ، وابرز روادها المرحوم ( جعفر لقلق زاده ) الذي ترك بصماته لاحقا على المسرح الكوميدي العراقي ورواده الأوائل.
تعليق