فصول من تاريخ المسرح العراقي ( رائدات المسرح العراقي )
لطفي حسن
معالجة لغوية وتنقيح علي جاسم
من الصعب تحديد من هي المرأة الأولى التي صعدت على خشبة المسرح العراقي خلال القرن الماضي أو خلال القرن الذي سبقه ، المعتقد فيه أن فن المسرح قد دخل العراق ، فالمجتمع الرجولي وتقاليده لم يكن تسمح في ذلك الوقت بفتح المدارس الخاصة بتعليم البنات ، فكيف تسمح لها بصعود خشبة المسرح المرفوض أصلا كفن منذ بدايات دخوله حتى على ممارسة الرجال له .
المعروف انه عند تأسيس الملاهي الليلية في بغداد وبعض المقاهي فيها التي أقدمت على تقديم الطرب والرقص في ذلك الحين، كانت السباقة في تقديم المرأة المهمشه اجتماعيا على المسرح ، كانت البدايات جلب هذه النساء من حلب ولبنان من غير المسلمات للعمل كمغنيات وراقصات ، وعندما تأسس المسرح العراقي في باحات المدارس ، قام الذكور بأداء ادوار النساء كتعويض عن هذا النقص، واستمر أداء الرجال لادوار النساء كتقليد في المسرح العراقي حتى الخمسينات ، دون أن يشكل حرجا إضافيا للممثل آنذاك في أن يؤدي هذه الأدوار على الحرج الاجتماعي الذي فيه كونه ممثل أصلا .
وعندما تشكلت الفرق المسرحية الشهيرة في العشرينات، جرت الاستعانة بالمطربات الشهيرات لأداء الأدوار النسائية ، وهذا كان الحال حتى في بدايات السينما العراقية ( عليا وعصام ) أذ أستعين بالفنانة المطربة عزيمة توفيق وسليمة مراد ببطولة الأدوار النسائية ، وهذا لم يكن مختلفا عما كان عليه المسرح عموما في المنطقة العربية التي كانت تمر وتعيش نفس المرحلة الاجتماعية .
في مصر مثلا التي سبقتنا في التعرف على المسرح ، وكان جيل الممثلات الأوائل منحدر من وسط الطرب والرقص ، والمهشمات ، أو ممن تمردن وهن صغيرات في السن من الريفيات و الشرائح الفقيرة ، وهربن من بيوتهم وجئن إلى القاهرة ، لتحقيق أحلامهن في النجومية في الملاهي و السينما والمسرح .
(نزهة الجميلة )من ممثلات المسرح العراقي في الثلاثينات والأربعينات
أن ظاهرة منع المرأة من صعود المسرح ليس جديدا في العالم ، فالمسرح أرسى في بداياته منذ الإغريق الذي لا يعترف اجتماعيا بدور هام وكبير للمرأة في الحياة الاجتماعية والعامة التي كانت عبودية الطابع ، بداء عندهم تقليد صعود الرجال المسرح منتحلين دور المرأة ، واستمر هذا التقليد في المسرح الروماني الذي انحط من مؤديه طبقة الشعراء العظام في اليونان إلى العبيد حصرا لصعود المسرح في روما.
وبعدها في مرحلة نشوء ونهوض الحضارة الإسلامية التي استلهمت الكثير من الحضارتين السابقتين ، لم تخرج عن موقف هاتين الحضارتين في علاقة المرأة بالمسرح ، بل أهملت فكرة المسرح جملة وتفصيلا ولم تعطه أهميته التي يستحقها من منطلق ديني معقد يحتمل التأويل والتفسير والاختلاف .
عبد الجبار عباس يؤدي دور المرأة على المسرح 1966
نستطيع هنا أن نقسم فترة علاقة المرأة بالمسرح في العراق إلى فترتين ، هي كل تاريخ قدوم وتجذر وانتشار المسرح ،
الفترة الأولى تمتد منذ أن عرفنا المسرح في نهايات القرن التاسع عشر وحتى منتصف الخمسينات ، والذي يمكن لنا أن نسميه بالمسرح الرجالي ، لتفرد الرجال وحدهم بالعمل فيه تقريبا .
والفترة الثانية منذ منتصف الخمسينات وحتى وقتنا الحاضر . الذي شهد صعود الرعيل الأول من النساء من البيوت والعوائل لخشبة المسرح ، وكسرهن بجرأة الحواجز والموانع الاجتماعية التي كانت قائمه وراسخة، مضحيات بوضعهن الاجتماعي ، وهذا بحد ذاته كان كبيرا وخطيرا في ذلك الوقت وهن يخرقن التقاليد الباليه في هذا المجال بالذات، وتحملن تبعات ذلك بإصرار وصبر ... وتركن الباب من بعدهن مشرعا لتدفق النساء على صعود المسرح .
في الفترة الأولى ،عند نهاية العشرينات و ما بعد الثلاثينات ، احتدم الصراع بين المتنورين من المثقفين المناصرين لسفور النساء على رأسهم الزهاوي من جهة ، وبين المتزمتين المدافعين عن الحجاب وهم كثر من جهة أخرى .
حدث حراك في المجتمع العراقي آنذاك ، وظهرت نزعة نحو التحديث الجريء في العلاقات الاجتماعية ، والانطلاق لمسايرة ركب الدول المجاورة التي سارت بعنف في درب التطور الاجتماعي ، وكانت تركيا أتاتورك ، وإيران رضا بهلوي النموذج، وكان هذا الحراك الاجتماعي بالتالي نتاج طبيعة التفاعلات الداخلية ومع الخارج التي رافقت سياسيا عملية الانفصال والتحرر من النير العثماني و تأسيس وتوطيد الدولة العراقية الحديثة عام 1920 ،
أن هذا الحراك التقدمي في بنية المجتمع العراقي الذي تبدى في أشكال مختلفة آنذاك ، دشنت بداية النزعة نحو العصرنه والتحديث ، و بروز روح التحدي لإزالة التقاليد الاجتماعية المعرقلة ، و هي التي صنعت للمسرح العراقي عصر عزه الذهبي في الثلاثينات و التي في تقديري لم ينتبه إليها احد لحد الآن .
فإلى جانب الرجل الذي واصل انتحال دور المرأة على المسرح إلى أواخر الخمسينات ، كان مسرح جعفر لقلق زاده يقدم ليليا نمره المسرحية بمعية ( الممثلات الارتيست ) ، وهي تسميه لفنانات الملاهي ( أكثريتهن راقصات ومغنيات ) من العراق أو بلدان عربيه مختلفة لبنان والشام بشكل خاص ، جلبن للعمل في الملاهي وفق شروط
تعليق