حائك السلطان

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ربيع عقب الباب
    مستشار أدبي
    طائر النورس
    • 29-07-2008
    • 25792

    حائك السلطان

    حائك الوالى
    كان عم إبراهيم حائكا ماهرا ، ولكنه لم يكن يجهد نفسه كثيرا فى ابتكار جديد ، يجذب إيه الانتباه مما أدى إلى انصراف الزبائن عنه ، حتى لم يعد أحد يعبر باب حانوته إلا إذا كان صاحب دين يسعى وراءه !
    حزن عم إبراهيم كثيرا ، وفى يوم أغلق الحانوت محزونا ، وانسحب إلى السوق بحثا عن عمل يتقوت منه هو وعياله وزوجته ، وظل يبحث ، ويبحث ، وكلما عبره أحد من الناس ، راح يتأمله ، ويتفحص مايرتديه من ثياب ، ويتعجب من أذواق الناس ، وانقلاب حالهم ، وفى آخر الأمر أبصر لمة ، فسعى نحوها 0 كان أحد الحواة يعرض تفانينه وألاعيبه المدهشة ، ثم يندفع رجلان ، ويعتليان قمة ، ويقفزان قفزة رشيقة ، استحقا عليها تصفيق الناس ، ثم راحت فتاة صغيرة تدور على المشاهدين بدف صغير ، وهى تحركه فيصدر صوتا ، وكلما تحركت كانت النقود ترن في الدف 0
    كان عم إبراهيم يتابع ما يحدث أمامه ، باهتمام بالغ، وفجأة جحظت عيناه ، وهتف :ط أستطيع أن أفعل مثلهم "0وفورا كان يتقدم إلى القمة ، ثم يحاول القفز تماما مثلما رأى، ولكنه لم يكن رشيقا ، ولا مدربا ، فوقع على ظهره ، واضطر الناس لحمله إلى داره ، وهو يئن من الوجع ، والدماء تنزف من جروحه !
    حين تماثل للشفاء ،طلب من زوجته المقص والمازورة ،وهو يردد :"لقد اشتقت للحانوت كثيرا"0
    فى اليوم التالي أسرع عم إبراهيم قاصدا حانوته ، فجأة سمع مناديا من بعيد ، فانسحب إلى باب الحانوت ، بدا الصوت واضحا ، إنه منادى الوالي ، هاهو يقترب :" كل عام وأنتم بخير ، قريبا تحتفل البلاد بأعياد النصر ، وقد رصد الوالي مكافأة كبيرة لأحسن تصميم لحلة ، يلبسها الوالي فى الاحتفالات ؛ فعلى من يجد لديه القدرة على ذلك ، عليه التقدم بالتصميم خلال ثلاثة أيام 00 يا أهل البلاد "0
    فرح العم إبراهيم فرحا كثيرا ، وبسرعة كان يفكر ، ويتحدث إلى نفسه :" لم لا أحاول ، ربما نجحت "0 لكنه تراجع ، وتذكر عدد حوانيت الحياكة في الولاية ، فأصيب بإحباط ، وتوقف عن التفكير ، لكنه على كل حال حين كان يغلق الحانوت ، ويخطو صوب داره، كانت الفكرة ما تزال تشغل تفكيره ، بل كانت حلة الوالي قد تكاملت صورتها في عقله 0 لم يصبر حتى يتخلص من ملابس العمل ، بل طلب من زوجته قطعة من القماش الخام الرخيص ، حتى يستطيع وضع تصوره لحلة الوالي قبل أن تطير من مخيلته ، والدهشة تعقد لسان زوجته عن الكلام ، بحثت كثيرا 00 كثيرا ، لكنها لم تجد شيئا 0 كانت عيناه تلمعان ، ووجهه يزداد إشراقا ، فتوهمت الزوجة أنه مازال مريضا ، حاولت تهدئته ، وجره إلى سريره ، لكنه كان يمسك بقطعة الطبشور ، ويخطط بها جدار حجرته ، وهى تتابعه ، وتقبل عليه ، فتضع راحة يدها على جبهته لتتأكد أنه ليس تحت تأثير المرض ، ثم تنسحب ، وبعد قليل تعود تحمل كوبا من الشاي ، فتجده ما يزال منهمكا ، وترى حلة جميلة ما رأت مثلها ، تقف على حائط الحجرة ، وانطلقت اللفظة من بين شفتيها رغما عنها :" الله "0
    انتهى أخيرا ، فجلس ، وتناول كوب الشاي ، وبمزاج رائق كان يشرب ، ويتأمل الحلة ، ثم ينتفض ليضع لمسة هنا ، ولمسة هناك ، وبعد ذلك تنهد ، والتفت ، فرأى حجم الدهشة على وجه زوجته ، وهنا شعر بسعادة ما أحسها من قبل ، فتمتم قائلا :" هذه حلة الوالي "0
    فى الصباح التالي كانت الزوجة تسعى لشراء قطعة من قماش ، بالكاد استطاعت بكل ما ادخرته لزادهم ، أن تحصل على المطلوب ، وعادت تركض ، وهى تستبعد أية فكرة من شأنها تدمير فرحتها برجلها،ماذا لولم ينجح ؟ ماذا لو كان ما سمعه وهما ؟ ماذا لو أن التصميم لم يصل إلى جناب الوالي ؟
    فى المساء كان العم إبراهيم يحمل تصميمه ، ويركض صوب قصر الوالي ، والفرحة فراشات تسعى من حوله ، ولم يتوقف رغم طول الطريق إلا عندما كان يتقدم عبر جناح أمر القصر ، ويقدم التصميم لمرؤوسيه ، ثم يؤمر بالانصراف بعد أن سجل اسمه وعنوانه 0
    انتظر العم إبراهيم على أحر من الجمر ، من يخبره بموافقة الوالي على تصميمه ، لكن أحدا لم يأت ، وقرب موعد الاحتفالات ، ومع ذلك لم يحدث شيء ، وعلى كل حال ، سوف تعلن النتيجة فى الاحتفالات 0
    وفى اليوم الموعود هيأ عم إبراهيم نفسه ، ثم تأمل رسمه على الحائط ، وحين كان يحاول مغادرة الدار توقف ، وعاد يحدق فى التصميم جيدا ، فتصاعدت فى رأسه الوساوس ، وهنا أسرع بإحضار كراسة من كراسات أولاده ، وراح بقلم ينقل التصميم إلى الورقة ، وبسرعة أيضا ، ثم يطوى الورقة ، ويضعها فى جيبه ، وينسحب ، لكنه توقف ثانية ، وهو يردد :" ماذا يفعل لو أن الورقة ضاعت وسط الزحام ؟"0
    عاد إلى حجرته ، وكشف عن بطنه ، ثم وقف أمام مرآة خزانته ، وبحرص راح بقلم خاص يرسم على جلد البطن ، والعرق يتصبب من جسده ، وحين أنهى رسمه ، هندم ملبسه ، وخرج متوجها صوب قصر الوالي تحف به الآمال ، وتحمله على جناح من ريش ناعم أملس 0
    وبدأت الاحتفالات ، وأطل جناب الوالي على الجموع من نافذة علوية ، ولوح لهم مبتسما ، وإبراهيم يجاهد الأجسام الضخمة ، ويحاول عبور سدها القوى ، وأخيرا كان طليعة الجموع ،يترقب نزول الوالي ، الذي لم يطل كثيرا 0
    كان جسد إبراهيم يرتعد ، والعرق يتساقط من كل جسده ، وعلى كل حال حين ظهر الوالي بكامل هيئته ، كان العم إبراهيم يصفق بقوة وحرارة ، ولم يتوقف حتى شعر بتورم كفيه 0 كانت حلته ، وكان تصميمه ، ولم يصدق نفسه ، فرك عينيه ، وأعاد النظر ، مازال غير مصدق ، لكن التفاصيل التى لا يعرفها أحد سواه جعلته متأكدا آخر الأمر ، أن الحلة من صنع يديه "0
    انتظر أن يطلبوا منه التقدم لنيل جائزته ، لكنهم كانوا يذكرون اسما آخر لرجل آخر ، تقدم ، وسلم عليه الوالي ونال جائزة لم تكن له !!
    انطلقت من فم العم إبراهيم صرخة احتجاج ، أذهلت الناس والوالي والحاشية ، وعلى إثرها شق الجموع ، وقفز قفزة هائلة ،طوحت به تحت قدمي الوالي ، وبسرعة كانت الحراب والسيوف القاصمة تحيط به ، وهو يهتف موجها كلامه للوالي :" أنا إبراهيم الحائك يا موالى 00 أنا من صمم حلة عظمتكم الجديدة 00 أنا وليس من نال الجائزة !"0
    انهال عليه آمر القصر ضربا بالسياط ، فانتهره الوالي ، وطلب من إبراهيم التقدم ، فحال بينهما الآمر ، وهو يردد :" قديكون مسعورا يامولاى "0
    بعظمة وكبرياء طالب الوالي الآ مر بتركه ، واستمع إليه بصدر رحب ، حتى انتهى ، ثم ابتدره :" ومن أدراني أنك لست كاذبا "0
    من بين دموعه قال إبراهيم :" زوجتي تشهد ، وهى لا تكذب ، قروشي التي دفعتها ثمنا للقماش تشهد ، جوعي يشهد "0
    بش الوالي فى وجهه :" هذا غير كاف !!"0
    تهالك إبراهيم ، ثم هتف :" أستطيع تصميمها فى أقل من ثانية ، وأنا مغمض العينين 00 هاهي فى جلدي يامولاى "0 وكشف بطنه ؛ ليشهد الوالي بصدق كلامه !
    أمر الوالي بإحضار الرجل الآخر ، الذي حصل على جائزة التصميم ، وطلب أن يقف إلى جانب إبراهيم ، وأمر لكل منهما بورقة وقلم ، ثم عصبت عينا كل منهما ، وقهقه قائلا :" هيا 00 فليرسم كل منكما تصميما فى دقيقة 00 ومن يفشل تقطع رقبته فورا !!"0
    فجأة كان الرجل الآخر ينهار تحت قدمي الوالي ، وهو يبكى ، ويرتعد ، ويتوسل ، ويطلب العفو منه ؛ فالتصميم ليس تصميمه ، وأنه قريب أحد المستخدمين لدى آمر القصر ، وقد فوجىء بقريبه يطلب منه الحضور ، بصفته واضع التصميم على أن يقتسم معه مكافأة المسابقة !
    اشتد غضب الآمر ، ودار حول رجاله ، ثم لوح لأحدهم ؛ فتقدم هذا بوجه أصفر مذعورا ، وحط بين يدى الآمر متوسلا ، ثم إلى عظمة الوالي :" سيدي إن مظهر الرجل لم يكن يوحى بأنه من وضع هذا التصميم ؛ فخفت أن أقدمه ، فيسخر منى الجميع ، وينتهرني سيدى الآمر !!"0
    بكياسة وحكمة اكتفى الوالي ، وأرجأ الأمر إلى ما بعد الاحتفالات ، وأمر بإذاعة اسم إبراهيم مبتكر حلة الوالى ، وأن تقدم له الجائزة فورا 0
    رأى الوالي حجم السعادة على وجه إبراهيم ، فأشرق النور فى وجهه ، ولوح للجموع الغفيرة التى كانت تصفق عاليا تحية لواليهم ، الذي همس بود فى أذن إبراهيم قائلا :" أنت من اليوم حائك الوالي "0
    sigpic
  • رشا عبادة
    عضـو الملتقى
    • 08-03-2009
    • 3346

    #2
    0 لكنه تراجع ، وتذكر عدد حوانيت الحياكة في الولاية ، فأصيب بإحباط ، وتوقف عن التفكير ، لكنه على كل حال حين كان يغلق الحانوت ، ويخطو صوب داره، كانت الفكرة ما تزال تشغل تفكيره ، بل كانت حلة الوالي قد تكاملت صورتها في عقله 0 لم يصبر حتى يتخلص من ملابس العمل ، بل طلب من زوجته قطعة من القماش الخام الرخيص ، حتى يستطيع وضع تصوره لحلة الوالي قبل أن تطير من مخيلته

    [align=center]
    هذه الفكرة هنا يا سيدي
    فكرة ان نحاول ، أن نجاهد ان نهزم حصار الإحباط واليأس
    وفكرة محاولة الإنسان ان يعمل بغير ما يتقنه او يفهمه...
    ثم عدل الوالي
    وعودة الحق لإصحابة
    ونتائج الغش والكذب
    والإستيلاء على حقوق الآخرين
    وجزاء الصبر والعمل والبذل
    كلها قيم جميلة
    سردتها كعادتك بطريقة أجمل
    تناسب الطفل
    "هههه أحيانا أتخيلك يا سيدي وانت تروي لحبيبة حفيدتك الجميلة إحدى هذه القصص" ربما كانت هى ملهمتك أيضا" ربنا يحميها" ويخليك ليهم ولكل أحبابك يارب
    " مررت بالصدفة، وأستمتعت بها"
    تحياتي لك يا زارع الربيع بالملتقى[/align]
    " أعترف بأني لا أمتلك كل الجمال، ولكني أكره كل القبح"
    كلــنــا مــيـــدان التــحــريـــر

    تعليق

    • ريمه الخاني
      مستشار أدبي
      • 16-05-2007
      • 4807

      #3
      فكرة بناءة وبجدارة اهنؤك عليها وابارك نصك الرائع وننتظر المزيد المزيد.

      تعليق

      • ربيع عقب الباب
        مستشار أدبي
        طائر النورس
        • 29-07-2008
        • 25792

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة رشا عبادة مشاهدة المشاركة
        0 لكنه تراجع ، وتذكر عدد حوانيت الحياكة في الولاية ، فأصيب بإحباط ، وتوقف عن التفكير ، لكنه على كل حال حين كان يغلق الحانوت ، ويخطو صوب داره، كانت الفكرة ما تزال تشغل تفكيره ، بل كانت حلة الوالي قد تكاملت صورتها في عقله 0 لم يصبر حتى يتخلص من ملابس العمل ، بل طلب من زوجته قطعة من القماش الخام الرخيص ، حتى يستطيع وضع تصوره لحلة الوالي قبل أن تطير من مخيلته

        [align=center]
        هذه الفكرة هنا يا سيدي
        فكرة ان نحاول ، أن نجاهد ان نهزم حصار الإحباط واليأس
        وفكرة محاولة الإنسان ان يعمل بغير ما يتقنه او يفهمه...
        ثم عدل الوالي
        وعودة الحق لإصحابة
        ونتائج الغش والكذب
        والإستيلاء على حقوق الآخرين
        وجزاء الصبر والعمل والبذل
        كلها قيم جميلة
        سردتها كعادتك بطريقة أجمل
        تناسب الطفل
        "هههه أحيانا أتخيلك يا سيدي وانت تروي لحبيبة حفيدتك الجميلة إحدى هذه القصص" ربما كانت هى ملهمتك أيضا" ربنا يحميها" ويخليك ليهم ولكل أحبابك يارب
        " مررت بالصدفة، وأستمتعت بها"
        تحياتي لك يا زارع الربيع بالملتقى[/align]
        من يومها ، و أنا أكتفى بقراءتها هذه المداخلة
        و أنظر فيها ، فأحس بدموع تفور فى عينى ..
        و أسأل نفسى كثيرا : لم توقفت .. لم ؟
        و هناك يرحبون بى ، ينتظرون أعمالى ..
        وهنا أجد الكثير من المساندة ، و أحس أنى
        لم أكن هباء بأية حال
        أشكرك أستاذة رشا على هذا الحديث
        و لك قبلة من حبيبة على جبينك الناصع
        sigpic

        تعليق

        • ربيع عقب الباب
          مستشار أدبي
          طائر النورس
          • 29-07-2008
          • 25792

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة ريمه الخاني مشاهدة المشاركة
          فكرة بناءة وبجدارة اهنؤك عليها وابارك نصك الرائع وننتظر المزيد المزيد.
          المبدعة الغالية أم فراس
          يعجبنى هذا الاهتمام كثيرا ،
          و الذى سرعان ما يناله إحباط من انصرافنا عن هنا
          أكاد أرى مدى حيرتك ، كلما فتحت بابا للرقى و الاثمار
          يغلق بالتجاهل و الانصراف .. !
          لكن بالتأكيد لن يضيع هباء ما تفعلين سيدتى

          دائما ما أرى كلمة ( أهنئك ) عندك بهذا الرسم و لا أدرى لم ؟

          تحيتى و تقديرى لإنسانة مبدعة
          sigpic

          تعليق

          يعمل...
          X