حائك الوالى
كان عم إبراهيم حائكا ماهرا ، ولكنه لم يكن يجهد نفسه كثيرا فى ابتكار جديد ، يجذب إيه الانتباه مما أدى إلى انصراف الزبائن عنه ، حتى لم يعد أحد يعبر باب حانوته إلا إذا كان صاحب دين يسعى وراءه !
حزن عم إبراهيم كثيرا ، وفى يوم أغلق الحانوت محزونا ، وانسحب إلى السوق بحثا عن عمل يتقوت منه هو وعياله وزوجته ، وظل يبحث ، ويبحث ، وكلما عبره أحد من الناس ، راح يتأمله ، ويتفحص مايرتديه من ثياب ، ويتعجب من أذواق الناس ، وانقلاب حالهم ، وفى آخر الأمر أبصر لمة ، فسعى نحوها 0 كان أحد الحواة يعرض تفانينه وألاعيبه المدهشة ، ثم يندفع رجلان ، ويعتليان قمة ، ويقفزان قفزة رشيقة ، استحقا عليها تصفيق الناس ، ثم راحت فتاة صغيرة تدور على المشاهدين بدف صغير ، وهى تحركه فيصدر صوتا ، وكلما تحركت كانت النقود ترن في الدف 0
كان عم إبراهيم يتابع ما يحدث أمامه ، باهتمام بالغ، وفجأة جحظت عيناه ، وهتف :ط أستطيع أن أفعل مثلهم "0وفورا كان يتقدم إلى القمة ، ثم يحاول القفز تماما مثلما رأى، ولكنه لم يكن رشيقا ، ولا مدربا ، فوقع على ظهره ، واضطر الناس لحمله إلى داره ، وهو يئن من الوجع ، والدماء تنزف من جروحه !
حين تماثل للشفاء ،طلب من زوجته المقص والمازورة ،وهو يردد :"لقد اشتقت للحانوت كثيرا"0
فى اليوم التالي أسرع عم إبراهيم قاصدا حانوته ، فجأة سمع مناديا من بعيد ، فانسحب إلى باب الحانوت ، بدا الصوت واضحا ، إنه منادى الوالي ، هاهو يقترب :" كل عام وأنتم بخير ، قريبا تحتفل البلاد بأعياد النصر ، وقد رصد الوالي مكافأة كبيرة لأحسن تصميم لحلة ، يلبسها الوالي فى الاحتفالات ؛ فعلى من يجد لديه القدرة على ذلك ، عليه التقدم بالتصميم خلال ثلاثة أيام 00 يا أهل البلاد "0
فرح العم إبراهيم فرحا كثيرا ، وبسرعة كان يفكر ، ويتحدث إلى نفسه :" لم لا أحاول ، ربما نجحت "0 لكنه تراجع ، وتذكر عدد حوانيت الحياكة في الولاية ، فأصيب بإحباط ، وتوقف عن التفكير ، لكنه على كل حال حين كان يغلق الحانوت ، ويخطو صوب داره، كانت الفكرة ما تزال تشغل تفكيره ، بل كانت حلة الوالي قد تكاملت صورتها في عقله 0 لم يصبر حتى يتخلص من ملابس العمل ، بل طلب من زوجته قطعة من القماش الخام الرخيص ، حتى يستطيع وضع تصوره لحلة الوالي قبل أن تطير من مخيلته ، والدهشة تعقد لسان زوجته عن الكلام ، بحثت كثيرا 00 كثيرا ، لكنها لم تجد شيئا 0 كانت عيناه تلمعان ، ووجهه يزداد إشراقا ، فتوهمت الزوجة أنه مازال مريضا ، حاولت تهدئته ، وجره إلى سريره ، لكنه كان يمسك بقطعة الطبشور ، ويخطط بها جدار حجرته ، وهى تتابعه ، وتقبل عليه ، فتضع راحة يدها على جبهته لتتأكد أنه ليس تحت تأثير المرض ، ثم تنسحب ، وبعد قليل تعود تحمل كوبا من الشاي ، فتجده ما يزال منهمكا ، وترى حلة جميلة ما رأت مثلها ، تقف على حائط الحجرة ، وانطلقت اللفظة من بين شفتيها رغما عنها :" الله "0
انتهى أخيرا ، فجلس ، وتناول كوب الشاي ، وبمزاج رائق كان يشرب ، ويتأمل الحلة ، ثم ينتفض ليضع لمسة هنا ، ولمسة هناك ، وبعد ذلك تنهد ، والتفت ، فرأى حجم الدهشة على وجه زوجته ، وهنا شعر بسعادة ما أحسها من قبل ، فتمتم قائلا :" هذه حلة الوالي "0
فى الصباح التالي كانت الزوجة تسعى لشراء قطعة من قماش ، بالكاد استطاعت بكل ما ادخرته لزادهم ، أن تحصل على المطلوب ، وعادت تركض ، وهى تستبعد أية فكرة من شأنها تدمير فرحتها برجلها،ماذا لولم ينجح ؟ ماذا لو كان ما سمعه وهما ؟ ماذا لو أن التصميم لم يصل إلى جناب الوالي ؟
فى المساء كان العم إبراهيم يحمل تصميمه ، ويركض صوب قصر الوالي ، والفرحة فراشات تسعى من حوله ، ولم يتوقف رغم طول الطريق إلا عندما كان يتقدم عبر جناح أمر القصر ، ويقدم التصميم لمرؤوسيه ، ثم يؤمر بالانصراف بعد أن سجل اسمه وعنوانه 0
انتظر العم إبراهيم على أحر من الجمر ، من يخبره بموافقة الوالي على تصميمه ، لكن أحدا لم يأت ، وقرب موعد الاحتفالات ، ومع ذلك لم يحدث شيء ، وعلى كل حال ، سوف تعلن النتيجة فى الاحتفالات 0
وفى اليوم الموعود هيأ عم إبراهيم نفسه ، ثم تأمل رسمه على الحائط ، وحين كان يحاول مغادرة الدار توقف ، وعاد يحدق فى التصميم جيدا ، فتصاعدت فى رأسه الوساوس ، وهنا أسرع بإحضار كراسة من كراسات أولاده ، وراح بقلم ينقل التصميم إلى الورقة ، وبسرعة أيضا ، ثم يطوى الورقة ، ويضعها فى جيبه ، وينسحب ، لكنه توقف ثانية ، وهو يردد :" ماذا يفعل لو أن الورقة ضاعت وسط الزحام ؟"0
عاد إلى حجرته ، وكشف عن بطنه ، ثم وقف أمام مرآة خزانته ، وبحرص راح بقلم خاص يرسم على جلد البطن ، والعرق يتصبب من جسده ، وحين أنهى رسمه ، هندم ملبسه ، وخرج متوجها صوب قصر الوالي تحف به الآمال ، وتحمله على جناح من ريش ناعم أملس 0
وبدأت الاحتفالات ، وأطل جناب الوالي على الجموع من نافذة علوية ، ولوح لهم مبتسما ، وإبراهيم يجاهد الأجسام الضخمة ، ويحاول عبور سدها القوى ، وأخيرا كان طليعة الجموع ،يترقب نزول الوالي ، الذي لم يطل كثيرا 0
كان جسد إبراهيم يرتعد ، والعرق يتساقط من كل جسده ، وعلى كل حال حين ظهر الوالي بكامل هيئته ، كان العم إبراهيم يصفق بقوة وحرارة ، ولم يتوقف حتى شعر بتورم كفيه 0 كانت حلته ، وكان تصميمه ، ولم يصدق نفسه ، فرك عينيه ، وأعاد النظر ، مازال غير مصدق ، لكن التفاصيل التى لا يعرفها أحد سواه جعلته متأكدا آخر الأمر ، أن الحلة من صنع يديه "0
انتظر أن يطلبوا منه التقدم لنيل جائزته ، لكنهم كانوا يذكرون اسما آخر لرجل آخر ، تقدم ، وسلم عليه الوالي ونال جائزة لم تكن له !!
انطلقت من فم العم إبراهيم صرخة احتجاج ، أذهلت الناس والوالي والحاشية ، وعلى إثرها شق الجموع ، وقفز قفزة هائلة ،طوحت به تحت قدمي الوالي ، وبسرعة كانت الحراب والسيوف القاصمة تحيط به ، وهو يهتف موجها كلامه للوالي :" أنا إبراهيم الحائك يا موالى 00 أنا من صمم حلة عظمتكم الجديدة 00 أنا وليس من نال الجائزة !"0
انهال عليه آمر القصر ضربا بالسياط ، فانتهره الوالي ، وطلب من إبراهيم التقدم ، فحال بينهما الآمر ، وهو يردد :" قديكون مسعورا يامولاى "0
بعظمة وكبرياء طالب الوالي الآ مر بتركه ، واستمع إليه بصدر رحب ، حتى انتهى ، ثم ابتدره :" ومن أدراني أنك لست كاذبا "0
من بين دموعه قال إبراهيم :" زوجتي تشهد ، وهى لا تكذب ، قروشي التي دفعتها ثمنا للقماش تشهد ، جوعي يشهد "0
بش الوالي فى وجهه :" هذا غير كاف !!"0
تهالك إبراهيم ، ثم هتف :" أستطيع تصميمها فى أقل من ثانية ، وأنا مغمض العينين 00 هاهي فى جلدي يامولاى "0 وكشف بطنه ؛ ليشهد الوالي بصدق كلامه !
أمر الوالي بإحضار الرجل الآخر ، الذي حصل على جائزة التصميم ، وطلب أن يقف إلى جانب إبراهيم ، وأمر لكل منهما بورقة وقلم ، ثم عصبت عينا كل منهما ، وقهقه قائلا :" هيا 00 فليرسم كل منكما تصميما فى دقيقة 00 ومن يفشل تقطع رقبته فورا !!"0
فجأة كان الرجل الآخر ينهار تحت قدمي الوالي ، وهو يبكى ، ويرتعد ، ويتوسل ، ويطلب العفو منه ؛ فالتصميم ليس تصميمه ، وأنه قريب أحد المستخدمين لدى آمر القصر ، وقد فوجىء بقريبه يطلب منه الحضور ، بصفته واضع التصميم على أن يقتسم معه مكافأة المسابقة !
اشتد غضب الآمر ، ودار حول رجاله ، ثم لوح لأحدهم ؛ فتقدم هذا بوجه أصفر مذعورا ، وحط بين يدى الآمر متوسلا ، ثم إلى عظمة الوالي :" سيدي إن مظهر الرجل لم يكن يوحى بأنه من وضع هذا التصميم ؛ فخفت أن أقدمه ، فيسخر منى الجميع ، وينتهرني سيدى الآمر !!"0
بكياسة وحكمة اكتفى الوالي ، وأرجأ الأمر إلى ما بعد الاحتفالات ، وأمر بإذاعة اسم إبراهيم مبتكر حلة الوالى ، وأن تقدم له الجائزة فورا 0
رأى الوالي حجم السعادة على وجه إبراهيم ، فأشرق النور فى وجهه ، ولوح للجموع الغفيرة التى كانت تصفق عاليا تحية لواليهم ، الذي همس بود فى أذن إبراهيم قائلا :" أنت من اليوم حائك الوالي "0
كان عم إبراهيم حائكا ماهرا ، ولكنه لم يكن يجهد نفسه كثيرا فى ابتكار جديد ، يجذب إيه الانتباه مما أدى إلى انصراف الزبائن عنه ، حتى لم يعد أحد يعبر باب حانوته إلا إذا كان صاحب دين يسعى وراءه !
حزن عم إبراهيم كثيرا ، وفى يوم أغلق الحانوت محزونا ، وانسحب إلى السوق بحثا عن عمل يتقوت منه هو وعياله وزوجته ، وظل يبحث ، ويبحث ، وكلما عبره أحد من الناس ، راح يتأمله ، ويتفحص مايرتديه من ثياب ، ويتعجب من أذواق الناس ، وانقلاب حالهم ، وفى آخر الأمر أبصر لمة ، فسعى نحوها 0 كان أحد الحواة يعرض تفانينه وألاعيبه المدهشة ، ثم يندفع رجلان ، ويعتليان قمة ، ويقفزان قفزة رشيقة ، استحقا عليها تصفيق الناس ، ثم راحت فتاة صغيرة تدور على المشاهدين بدف صغير ، وهى تحركه فيصدر صوتا ، وكلما تحركت كانت النقود ترن في الدف 0
كان عم إبراهيم يتابع ما يحدث أمامه ، باهتمام بالغ، وفجأة جحظت عيناه ، وهتف :ط أستطيع أن أفعل مثلهم "0وفورا كان يتقدم إلى القمة ، ثم يحاول القفز تماما مثلما رأى، ولكنه لم يكن رشيقا ، ولا مدربا ، فوقع على ظهره ، واضطر الناس لحمله إلى داره ، وهو يئن من الوجع ، والدماء تنزف من جروحه !
حين تماثل للشفاء ،طلب من زوجته المقص والمازورة ،وهو يردد :"لقد اشتقت للحانوت كثيرا"0
فى اليوم التالي أسرع عم إبراهيم قاصدا حانوته ، فجأة سمع مناديا من بعيد ، فانسحب إلى باب الحانوت ، بدا الصوت واضحا ، إنه منادى الوالي ، هاهو يقترب :" كل عام وأنتم بخير ، قريبا تحتفل البلاد بأعياد النصر ، وقد رصد الوالي مكافأة كبيرة لأحسن تصميم لحلة ، يلبسها الوالي فى الاحتفالات ؛ فعلى من يجد لديه القدرة على ذلك ، عليه التقدم بالتصميم خلال ثلاثة أيام 00 يا أهل البلاد "0
فرح العم إبراهيم فرحا كثيرا ، وبسرعة كان يفكر ، ويتحدث إلى نفسه :" لم لا أحاول ، ربما نجحت "0 لكنه تراجع ، وتذكر عدد حوانيت الحياكة في الولاية ، فأصيب بإحباط ، وتوقف عن التفكير ، لكنه على كل حال حين كان يغلق الحانوت ، ويخطو صوب داره، كانت الفكرة ما تزال تشغل تفكيره ، بل كانت حلة الوالي قد تكاملت صورتها في عقله 0 لم يصبر حتى يتخلص من ملابس العمل ، بل طلب من زوجته قطعة من القماش الخام الرخيص ، حتى يستطيع وضع تصوره لحلة الوالي قبل أن تطير من مخيلته ، والدهشة تعقد لسان زوجته عن الكلام ، بحثت كثيرا 00 كثيرا ، لكنها لم تجد شيئا 0 كانت عيناه تلمعان ، ووجهه يزداد إشراقا ، فتوهمت الزوجة أنه مازال مريضا ، حاولت تهدئته ، وجره إلى سريره ، لكنه كان يمسك بقطعة الطبشور ، ويخطط بها جدار حجرته ، وهى تتابعه ، وتقبل عليه ، فتضع راحة يدها على جبهته لتتأكد أنه ليس تحت تأثير المرض ، ثم تنسحب ، وبعد قليل تعود تحمل كوبا من الشاي ، فتجده ما يزال منهمكا ، وترى حلة جميلة ما رأت مثلها ، تقف على حائط الحجرة ، وانطلقت اللفظة من بين شفتيها رغما عنها :" الله "0
انتهى أخيرا ، فجلس ، وتناول كوب الشاي ، وبمزاج رائق كان يشرب ، ويتأمل الحلة ، ثم ينتفض ليضع لمسة هنا ، ولمسة هناك ، وبعد ذلك تنهد ، والتفت ، فرأى حجم الدهشة على وجه زوجته ، وهنا شعر بسعادة ما أحسها من قبل ، فتمتم قائلا :" هذه حلة الوالي "0
فى الصباح التالي كانت الزوجة تسعى لشراء قطعة من قماش ، بالكاد استطاعت بكل ما ادخرته لزادهم ، أن تحصل على المطلوب ، وعادت تركض ، وهى تستبعد أية فكرة من شأنها تدمير فرحتها برجلها،ماذا لولم ينجح ؟ ماذا لو كان ما سمعه وهما ؟ ماذا لو أن التصميم لم يصل إلى جناب الوالي ؟
فى المساء كان العم إبراهيم يحمل تصميمه ، ويركض صوب قصر الوالي ، والفرحة فراشات تسعى من حوله ، ولم يتوقف رغم طول الطريق إلا عندما كان يتقدم عبر جناح أمر القصر ، ويقدم التصميم لمرؤوسيه ، ثم يؤمر بالانصراف بعد أن سجل اسمه وعنوانه 0
انتظر العم إبراهيم على أحر من الجمر ، من يخبره بموافقة الوالي على تصميمه ، لكن أحدا لم يأت ، وقرب موعد الاحتفالات ، ومع ذلك لم يحدث شيء ، وعلى كل حال ، سوف تعلن النتيجة فى الاحتفالات 0
وفى اليوم الموعود هيأ عم إبراهيم نفسه ، ثم تأمل رسمه على الحائط ، وحين كان يحاول مغادرة الدار توقف ، وعاد يحدق فى التصميم جيدا ، فتصاعدت فى رأسه الوساوس ، وهنا أسرع بإحضار كراسة من كراسات أولاده ، وراح بقلم ينقل التصميم إلى الورقة ، وبسرعة أيضا ، ثم يطوى الورقة ، ويضعها فى جيبه ، وينسحب ، لكنه توقف ثانية ، وهو يردد :" ماذا يفعل لو أن الورقة ضاعت وسط الزحام ؟"0
عاد إلى حجرته ، وكشف عن بطنه ، ثم وقف أمام مرآة خزانته ، وبحرص راح بقلم خاص يرسم على جلد البطن ، والعرق يتصبب من جسده ، وحين أنهى رسمه ، هندم ملبسه ، وخرج متوجها صوب قصر الوالي تحف به الآمال ، وتحمله على جناح من ريش ناعم أملس 0
وبدأت الاحتفالات ، وأطل جناب الوالي على الجموع من نافذة علوية ، ولوح لهم مبتسما ، وإبراهيم يجاهد الأجسام الضخمة ، ويحاول عبور سدها القوى ، وأخيرا كان طليعة الجموع ،يترقب نزول الوالي ، الذي لم يطل كثيرا 0
كان جسد إبراهيم يرتعد ، والعرق يتساقط من كل جسده ، وعلى كل حال حين ظهر الوالي بكامل هيئته ، كان العم إبراهيم يصفق بقوة وحرارة ، ولم يتوقف حتى شعر بتورم كفيه 0 كانت حلته ، وكان تصميمه ، ولم يصدق نفسه ، فرك عينيه ، وأعاد النظر ، مازال غير مصدق ، لكن التفاصيل التى لا يعرفها أحد سواه جعلته متأكدا آخر الأمر ، أن الحلة من صنع يديه "0
انتظر أن يطلبوا منه التقدم لنيل جائزته ، لكنهم كانوا يذكرون اسما آخر لرجل آخر ، تقدم ، وسلم عليه الوالي ونال جائزة لم تكن له !!
انطلقت من فم العم إبراهيم صرخة احتجاج ، أذهلت الناس والوالي والحاشية ، وعلى إثرها شق الجموع ، وقفز قفزة هائلة ،طوحت به تحت قدمي الوالي ، وبسرعة كانت الحراب والسيوف القاصمة تحيط به ، وهو يهتف موجها كلامه للوالي :" أنا إبراهيم الحائك يا موالى 00 أنا من صمم حلة عظمتكم الجديدة 00 أنا وليس من نال الجائزة !"0
انهال عليه آمر القصر ضربا بالسياط ، فانتهره الوالي ، وطلب من إبراهيم التقدم ، فحال بينهما الآمر ، وهو يردد :" قديكون مسعورا يامولاى "0
بعظمة وكبرياء طالب الوالي الآ مر بتركه ، واستمع إليه بصدر رحب ، حتى انتهى ، ثم ابتدره :" ومن أدراني أنك لست كاذبا "0
من بين دموعه قال إبراهيم :" زوجتي تشهد ، وهى لا تكذب ، قروشي التي دفعتها ثمنا للقماش تشهد ، جوعي يشهد "0
بش الوالي فى وجهه :" هذا غير كاف !!"0
تهالك إبراهيم ، ثم هتف :" أستطيع تصميمها فى أقل من ثانية ، وأنا مغمض العينين 00 هاهي فى جلدي يامولاى "0 وكشف بطنه ؛ ليشهد الوالي بصدق كلامه !
أمر الوالي بإحضار الرجل الآخر ، الذي حصل على جائزة التصميم ، وطلب أن يقف إلى جانب إبراهيم ، وأمر لكل منهما بورقة وقلم ، ثم عصبت عينا كل منهما ، وقهقه قائلا :" هيا 00 فليرسم كل منكما تصميما فى دقيقة 00 ومن يفشل تقطع رقبته فورا !!"0
فجأة كان الرجل الآخر ينهار تحت قدمي الوالي ، وهو يبكى ، ويرتعد ، ويتوسل ، ويطلب العفو منه ؛ فالتصميم ليس تصميمه ، وأنه قريب أحد المستخدمين لدى آمر القصر ، وقد فوجىء بقريبه يطلب منه الحضور ، بصفته واضع التصميم على أن يقتسم معه مكافأة المسابقة !
اشتد غضب الآمر ، ودار حول رجاله ، ثم لوح لأحدهم ؛ فتقدم هذا بوجه أصفر مذعورا ، وحط بين يدى الآمر متوسلا ، ثم إلى عظمة الوالي :" سيدي إن مظهر الرجل لم يكن يوحى بأنه من وضع هذا التصميم ؛ فخفت أن أقدمه ، فيسخر منى الجميع ، وينتهرني سيدى الآمر !!"0
بكياسة وحكمة اكتفى الوالي ، وأرجأ الأمر إلى ما بعد الاحتفالات ، وأمر بإذاعة اسم إبراهيم مبتكر حلة الوالى ، وأن تقدم له الجائزة فورا 0
رأى الوالي حجم السعادة على وجه إبراهيم ، فأشرق النور فى وجهه ، ولوح للجموع الغفيرة التى كانت تصفق عاليا تحية لواليهم ، الذي همس بود فى أذن إبراهيم قائلا :" أنت من اليوم حائك الوالي "0
تعليق