وغَابَ وجْهُهَا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • صبري رسول
    أديب وكاتب
    • 25-05-2009
    • 647

    وغَابَ وجْهُهَا

    وغَابَ وجْهُهَا




    ساحةُ المدرسةِ الخارجيّة فضاءٌ فسيحٌ مليء بضجيجِ الصِّغار، تعلُو على المكان زقزقتُهم، وشغبُهم المتزايدُ في نهاية العام.
    أخذْتُ أقصَى اليمين أمامَ دكانِ ( رَمكُو – Remiko ) الذي لا يلحقُ في طلباتِ زبائنِه الصّغار.
    لمحتْ بوجودِي هناك، أمسكَتْ بيدِ أخيها، وأشارتْ بإصبعِها الفستقيّة، نحوَ السَّيارة. أخذتْ تجرُّ الصَّغيرَ وراءَها، وهو متشبثٌ بتلابيبِ الشَّغبِ والكلامِ مع أقرانِه.
    من هناك رفعَتْ شهادتَها الأولى في عالَـمِ النّجاح، تلوِّحُ بها نحوي، متشوِّقةً أنْ أرَى موسمَها الأول على الورق.
    كنْتُ أقفُ أمام المدرسة يومَ تكريم المتفوّقينَ، والخجلُ يأخذُ وجهي كلَّهُ، ويطغَى عليَّ الارتباكُ، على تصرفاتي، وكلامي، وحركاتي. يعلنُ المديرُ أسماءَ المتفوّقين: حسن، آزاد، بروين، رسول.
    تقدمْتُ نحوَ المديرِ، فرحّبَ بي، مدَّ يدَه نحوي، وقعَتْ نظراتي على قدمي الحافية.
    ومريولتي المتدلية توحِي بنوعِ الأكلات والسندويتشاتِ التي تناولتُها هذا الأسبوع، أما رغيفُ الخبزِ، تدهّنُه أمي بالسّمن الأصلي فيتركُ آثارَهُ في جيبِ صدريتي.
    خريطةٌ من البقع المختلفة تمتدُّ من صدري إلى الأسفل. صافحْتُه وأخذْتُ شهادتي.
    تقدّمَتْ نحوي وهي تسحبُ أخاها الذي يريدُ أنْ يسرقَ الوقتَ لممارسةِ مشاغباتِه، حيثُ لا يستطيعُ القيامَ بها ضمنَ أسوارِ المنزلِ، حيثُ تكثرُ ممنوعاتُ جدّتِه وتقيّدهُ قوانينُ أمِّه الحجرية:
    لا تقم، لا تجلس، لا تلعب، تصرخ ... .
    لوّحت بشهادتِها. جدائلُها تضاحِكُ الشَّمسَ، تتمايلُ برباطِها (القوس القزحي) فوقَ رأسِها، صدريتُها صفحةُ ماءٍ لا ترضَى بنقطةٍ مغايرةٍ منَ السّقوطِ عليها.

    كنتُ أقفُ أمامَ المديرِ مُنكَس الرَّأسِ، دونَ سببٍ، لا أرفعُ نظري إليه، يتقاسمُ مع أبي العطفَ علي، ويربتُ على كتفي: يا مهندسَ الكلمة صغْ لنا عالمَ القريةِ في موضوعٍ قصيرٍ، ويشير إليَّ موجهاً كلامَهُ لأبي: لا بأسَ به. وأنا صامتٌ.
    كلَّما أزورُ مدرسةَ إيفا تأتي بصخبِها إلى داخلِ الإدارة، وتقبّلُ المديرَ قائلة: أستاذي أولاً يا بابا ثمّ تعانقني بعدَه: أنا كما طلبْتَ مني يا بابا، أليسَ كذلك يا أستاذ؟ تسألُ بثقةِ جبلٍ ثقيل.
    إنها تأخذُ حصتي وحصةَ المديرِ من الكلامِ ولا تعرفُ الصَّمتَ. إيفا تختزل عطف الدنيا في عينيها.
    أسرعَتْ نحوي، تشقُّ صخبَ الأطفال، رافعةً شهادتها الملونة و المزخرفة، وتجرُّ أخاها وراءَها. الصَّغيرُ الذي دفعتْـهُ أمُّه عن وجهِهَا بحجةِ يومِ الأخير للمدرسةِ.
    وصلتْ حافةَ الشَّارعِ، نزلَتْ من الرَّصِيفِ، فسمعْـتُها صائحةً: بابا !! ملوّحةً بالشَّهادةِ، جدائلُها ترقصُ فوقَ رأسها. اتّجهْتُ نحوها باندفاع، لألحق بها قبلَ أن تقطعَ الشَّارعَ، تخطَّتْ بضعَ خطواتٍ وسط الشَّارعِ.
    سيارةٌ تلفظُ الجنونَ، تزعقُ بقوةٍ، تأتي مسرعةً، لا تلحقُها الريحُ، ويرتفعَ فحيحُها. في مواجهةِ الارتباكِ والخوفِ أمسكَتْ إيفا أخاها، واحتضَنَـتْـهُ بقوةٍ.

    كانتْ قامتُها الطالعةُ ترقصُ مع أخيها بصمتٍ لوتسيٍّ ثمَّ ..... ناما معاً تحتَ عجلاتِها، ليتلوَّنَ الإسفلتُ بسائلِ الزَّهرتينِ المعصّرتَينِ القاني.
    اختفَى وجهُها الضَّوئيُّ، وافترشَتْ جدائلُها الأرضَ. غابَ فرحُهَا الورديُّ، ولم يعدْ ثمّة وَجْهٌ لابتسامتِهَا.
  • محمد مطيع صادق
    السيد سين
    • 29-04-2009
    • 179

    #2
    الأخ الأستاذ الفاضل صبري رسول

    دائما تبكينا على إيفا ودائما تبكينا نصوصك

    رسالة هادفة وكتابة راقية ..وصف دقيق للحياة المدرسية وللطفولة المشعة
    في عين إيفا ..ولكن ليتها بقيت طفولة

    واقبل مني خالص الحب والتقدير



    وتقبل مني فائق الشكر والتقدير

    تعليق

    • مها راجح
      حرف عميق من فم الصمت
      • 22-10-2008
      • 10970

      #3
      استاذي القدير صبري رسول

      إيفا قصة حب طفولية تؤمل سقيا وفيض عزاء عن كل ما تكسر من آمال على صخور الواقع

      في حبرك جمرا أشعل فينا الحزن
      كن بخير لنكون بخير
      دمت بود
      رحمك الله يا أمي الغالية

      تعليق

      • عائده محمد نادر
        عضو الملتقى
        • 18-10-2008
        • 12843

        #4
        الزميل القدير
        صبري رسول
        الموت
        الموت
        الموت
        صار رديفا
        رفيقا لنا
        أحيانا كثيرة وحين أكتب عن الحب والحياة أشعر بأن شيئا ما ينقص نصي.. أبحث ..أقرأ .. أحذف
        وبعد حين أكتشف أني أبدلت النص تماما وأصبحت النهاية أما موت البطل أو فراق بينه وبين البطلة!!
        كنت هنا معك
        وكان وجه إيفا مازال ..شاحبا
        تحياتي وودي
        الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

        تعليق

        • سمية البوغافرية
          أديب وكاتب
          • 26-12-2007
          • 652

          #5
          المبدع الكريم صبري رسول
          تحية إبداعية عطرة
          أكان ضروري أن تسدل الستار على روعة الحياة الذي استهللت بها قصتك..
          أكان ضروري أن تخلف في نفسنا كل هذا الألم؟؟؟..
          عاش قلمك الذي أخذني في كل الدروب إلا درب الموت الذي نزل على لحظتي كالقدر المفاجئ..
          تحياتي وتقديري

          تعليق

          • صبري رسول
            أديب وكاتب
            • 25-05-2009
            • 647

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة محمد مطيع مشاهدة المشاركة
            الأخ الأستاذ الفاضل صبري رسول

            دائما تبكينا على إيفا ودائما تبكينا نصوصك

            رسالة هادفة وكتابة راقية ..وصف دقيق للحياة المدرسية وللطفولة المشعة
            في عين إيفا ..ولكن ليتها بقيت طفولة

            واقبل مني خالص الحب والتقدير



            وتقبل مني فائق الشكر والتقدير


            العزيز محمد
            تحية لك
            جعلَ الله أيامك سعادة وهناء
            إيفا حرمتني من الحياة
            حرمتني من الضّحك
            وأسرتني مدى الحياة
            أشكرك على قراءتك للنص ولمرورك الجميل
            كن بخير يا محمد

            تعليق

            • مجدي السماك
              أديب وقاص
              • 23-10-2007
              • 600

              #7
              رائع

              اخي صبري رسول..تحياتي
              جميلة قصتك..فكرتها انسانية جدا. سعدت بك وبعنصر التشويق واللغة العذبة.
              مودتي
              عرفت شيئا وغابت عنك اشياء

              تعليق

              • ربيع عقب الباب
                مستشار أدبي
                طائر النورس
                • 29-07-2008
                • 25792

                #8
                ايفا .. شمس لنهار كان على وشك الوصول
                ايفا ..نبضة الروح فى عظام القلب
                ايفا.. عشتار تخرج من الرماد .. و تعود إليه قبل دورتها !!
                ايفا ..كانت ننى النور بين الرموش ، و أمانيا طالت السحاب ، فحلقت دون تردد
                و عانقت نجمة تشبهها ، ومعها الصغير !!

                لم تكن قصة .. كانت وجعا حملته قصة ، فهل لها مقدرة على حمله ؟

                لك الله صبرى أخى .. كانت ربما فى عمر أدهم ( ولدى ) وقد حلق أيضا!!

                قصة أكث رائعة ، تحمل الدهشة ، و الإنسانى ، الفرحة ، و الدمعة ، الحاضر و الماضى ... شكرا لك سيد القص الجميل !!
                sigpic

                تعليق

                • حماد الحسن
                  سيد الأحلام
                  • 02-10-2009
                  • 186

                  #9
                  مهندس الكلمة

                  المشاركة الأصلية بواسطة صبري رسول مشاهدة المشاركة
                  وغَابَ وجْهُهَا




                  ساحةُ المدرسةِ الخارجيّة فضاءٌ فسيحٌ مليء بضجيجِ الصِّغار، تعلُو على المكان زقزقتُهم، وشغبُهم المتزايدُ في نهاية العام.
                  أخذْتُ أقصَى اليمين أمامَ دكانِ ( رَمكُو – remiko ) الذي لا يلحقُ في طلباتِ زبائنِه الصّغار.
                  لمحتْ بوجودِي هناك، أمسكَتْ بيدِ أخيها، وأشارتْ بإصبعِها الفستقيّة، نحوَ السَّيارة. أخذتْ تجرُّ الصَّغيرَ وراءَها، وهو متشبثٌ بتلابيبِ الشَّغبِ والكلامِ مع أقرانِه.
                  من هناك رفعَتْ شهادتَها الأولى في عالَـمِ النّجاح، تلوِّحُ بها نحوي، متشوِّقةً أنْ أرَى موسمَها الأول على الورق.
                  كنْتُ أقفُ أمام المدرسة يومَ تكريم المتفوّقينَ، والخجلُ يأخذُ وجهي كلَّهُ، ويطغَى عليَّ الارتباكُ، على تصرفاتي، وكلامي، وحركاتي. يعلنُ المديرُ أسماءَ المتفوّقين: حسن، آزاد، بروين، رسول.
                  تقدمْتُ نحوَ المديرِ، فرحّبَ بي، مدَّ يدَه نحوي، وقعَتْ نظراتي على قدمي الحافية.
                  ومريولتي المتدلية توحِي بنوعِ الأكلات والسندويتشاتِ التي تناولتُها هذا الأسبوع، أما رغيفُ الخبزِ، تدهّنُه أمي بالسّمن الأصلي فيتركُ آثارَهُ في جيبِ صدريتي.
                  خريطةٌ من البقع المختلفة تمتدُّ من صدري إلى الأسفل. صافحْتُه وأخذْتُ شهادتي.
                  تقدّمَتْ نحوي وهي تسحبُ أخاها الذي يريدُ أنْ يسرقَ الوقتَ لممارسةِ مشاغباتِه، حيثُ لا يستطيعُ القيامَ بها ضمنَ أسوارِ المنزلِ، حيثُ تكثرُ ممنوعاتُ جدّتِه وتقيّدهُ قوانينُ أمِّه الحجرية:
                  لا تقم، لا تجلس، لا تلعب، تصرخ ... .
                  لوّحت بشهادتِها. جدائلُها تضاحِكُ الشَّمسَ، تتمايلُ برباطِها (القوس القزحي) فوقَ رأسِها، صدريتُها صفحةُ ماءٍ لا ترضَى بنقطةٍ مغايرةٍ منَ السّقوطِ عليها.

                  كنتُ أقفُ أمامَ المديرِ مُنكَس الرَّأسِ، دونَ سببٍ، لا أرفعُ نظري إليه، يتقاسمُ مع أبي العطفَ علي، ويربتُ على كتفي: يا مهندسَ الكلمة صغْ لنا عالمَ القريةِ في موضوعٍ قصيرٍ، ويشير إليَّ موجهاً كلامَهُ لأبي: لا بأسَ به. وأنا صامتٌ.
                  كلَّما أزورُ مدرسةَ إيفا تأتي بصخبِها إلى داخلِ الإدارة، وتقبّلُ المديرَ قائلة: أستاذي أولاً يا بابا ثمّ تعانقني بعدَه: أنا كما طلبْتَ مني يا بابا، أليسَ كذلك يا أستاذ؟ تسألُ بثقةِ جبلٍ ثقيل.
                  إنها تأخذُ حصتي وحصةَ المديرِ من الكلامِ ولا تعرفُ الصَّمتَ. إيفا تختزل عطف الدنيا في عينيها.
                  أسرعَتْ نحوي، تشقُّ صخبَ الأطفال، رافعةً شهادتها الملونة و المزخرفة، وتجرُّ أخاها وراءَها. الصَّغيرُ الذي دفعتْـهُ أمُّه عن وجهِهَا بحجةِ يومِ الأخير للمدرسةِ.
                  وصلتْ حافةَ الشَّارعِ، نزلَتْ من الرَّصِيفِ، فسمعْـتُها صائحةً: بابا !! ملوّحةً بالشَّهادةِ، جدائلُها ترقصُ فوقَ رأسها. اتّجهْتُ نحوها باندفاع، لألحق بها قبلَ أن تقطعَ الشَّارعَ، تخطَّتْ بضعَ خطواتٍ وسط الشَّارعِ.
                  سيارةٌ تلفظُ الجنونَ، تزعقُ بقوةٍ، تأتي مسرعةً، لا تلحقُها الريحُ، ويرتفعَ فحيحُها. في مواجهةِ الارتباكِ والخوفِ أمسكَتْ إيفا أخاها، واحتضَنَـتْـهُ بقوةٍ.

                  كانتْ قامتُها الطالعةُ ترقصُ مع أخيها بصمتٍ لوتسيٍّ ثمَّ ..... ناما معاً تحتَ عجلاتِها، ليتلوَّنَ الإسفلتُ بسائلِ الزَّهرتينِ المعصّرتَينِ القاني.
                  اختفَى وجهُها الضَّوئيُّ، وافترشَتْ جدائلُها الأرضَ. غابَ فرحُهَا الورديُّ، ولم يعدْ ثمّة وَجْهٌ لابتسامتِهَا.




                  مساء الخير أستاذ صبري رسول
                  تتنقل ببراعة جارحة مرة ايفا, ومرة رسول وقدميه الحافيتين وهو يتسلم كشف علاماته, وتعود تروي وأنت غير مصدق, تحاول أن تجعل مما مضى رواية فقط رواية, ربما أنت تبهرني باستخدامك للحرف, وربما يأخذني الشعور نحو ذاكرة خائبة, ولكنك تبدع فناً ياصديقي, شكراً شكراً
                  ودمتم بمودة واحترام بالغين

                  تعليق

                  • ميساء عباس
                    رئيس ملتقى القصة
                    • 21-09-2009
                    • 4186

                    #10
                    سيارةٌ تلفظُ الجنونَ، تزعقُ بقوةٍ، تأتي مسرعةً، لا تلحقُها الريحُ، ويرتفعَ فحيحُها. في مواجهةِ الارتباكِ والخوفِ أمسكَتْ إيفا أخاها، واحتضَنَـتْـهُ بقوةٍ

                    فناننا الرائع صبري
                    قصة جميلة بلغتها بروحها العفوية الصادقة
                    قصة نابضة طازجة تمتلك أحاسيسنا براهافتها وشاعريتها وبراءة مازالت توغل فينا
                    أما الخاتمة أحب النهايات بهذا الشكل والأسلوب
                    رائعة
                    شكري وتقديري
                    ميساء العباس
                    مخالب النور .. بصوتي .. محبتي
                    https://www.youtube.com/watch?v=5AbW...ature=youtu.be

                    تعليق

                    • صبري رسول
                      أديب وكاتب
                      • 25-05-2009
                      • 647

                      #11
                      المشاركة الأصلية بواسطة مها راجح مشاهدة المشاركة
                      استاذي القدير صبري رسول

                      إيفا قصة حب طفولية تؤمل سقيا وفيض عزاء عن كل ما تكسر من آمال على صخور الواقع

                      في حبرك جمرا أشعل فينا الحزن
                      كن بخير لنكون بخير
                      دمت بود


                      العزيزة مها
                      تحية لك
                      أعتذر لتأخيري في الرد
                      لم يعد لدي القدرة في التحكم بالوقت
                      مرورك يخفف من ألم الحياة يا مها
                      كوني بخير

                      تعليق

                      • صبري رسول
                        أديب وكاتب
                        • 25-05-2009
                        • 647

                        #12
                        المشاركة الأصلية بواسطة عائده محمد نادر مشاهدة المشاركة
                        الزميل القدير
                        صبري رسول
                        الموت
                        الموت
                        الموت
                        صار رديفا
                        رفيقا لنا
                        أحيانا كثيرة وحين أكتب عن الحب والحياة أشعر بأن شيئا ما ينقص نصي.. أبحث ..أقرأ .. أحذف
                        وبعد حين أكتشف أني أبدلت النص تماما وأصبحت النهاية أما موت البطل أو فراق بينه وبين البطلة!!
                        كنت هنا معك
                        وكان وجه إيفا مازال ..شاحبا
                        تحياتي وودي

                        العزيزة عائدة
                        كما تفضلتِ صار الموت رديفاً لنا
                        حتى لو نكتب قصيدة شعرية نشعر أنها لا تكتمل إلا بالموت
                        ما العمل يا عائدة ؟
                        كيف نتحرر من الموت يا عائدة
                        كوني بخير عزيزتي

                        تعليق

                        • صبري رسول
                          أديب وكاتب
                          • 25-05-2009
                          • 647

                          #13
                          المشاركة الأصلية بواسطة سمية البوغافرية مشاهدة المشاركة
                          المبدع الكريم صبري رسول
                          تحية إبداعية عطرة
                          أكان ضروري أن تسدل الستار على روعة الحياة الذي استهللت بها قصتك..
                          أكان ضروري أن تخلف في نفسنا كل هذا الألم؟؟؟..
                          عاش قلمك الذي أخذني في كل الدروب إلا درب الموت الذي نزل على لحظتي كالقدر المفاجئ..
                          تحياتي وتقديري

                          العزيزة سمية
                          ما كان باليد حيلة لأن الموت كان أقوى من قلمي
                          تمنيت لو كانت الحياة أجمل
                          مرورك يسعدني دائماً
                          كوني بخير سمية

                          تعليق

                          • عبد القادر ضيف الله
                            عضو الملتقى
                            • 12-03-2010
                            • 128

                            #14
                            المشاركة الأصلية بواسطة صبري رسول مشاهدة المشاركة
                            وغَابَ وجْهُهَا





                            ساحةُ المدرسةِ الخارجيّة فضاءٌ فسيحٌ مليء بضجيجِ الصِّغار، تعلُو على المكان زقزقتُهم، وشغبُهم المتزايدُ في نهاية العام.
                            أخذْتُ أقصَى اليمين أمامَ دكانِ ( رَمكُو – remiko ) الذي لا يلحقُ في طلباتِ زبائنِه الصّغار.
                            لمحتْ بوجودِي هناك، أمسكَتْ بيدِ أخيها، وأشارتْ بإصبعِها الفستقيّة، نحوَ السَّيارة. أخذتْ تجرُّ الصَّغيرَ وراءَها، وهو متشبثٌ بتلابيبِ الشَّغبِ والكلامِ مع أقرانِه.
                            من هناك رفعَتْ شهادتَها الأولى في عالَـمِ النّجاح، تلوِّحُ بها نحوي، متشوِّقةً أنْ أرَى موسمَها الأول على الورق.
                            كنْتُ أقفُ أمام المدرسة يومَ تكريم المتفوّقينَ، والخجلُ يأخذُ وجهي كلَّهُ، ويطغَى عليَّ الارتباكُ، على تصرفاتي، وكلامي، وحركاتي. يعلنُ المديرُ أسماءَ المتفوّقين: حسن، آزاد، بروين، رسول.
                            تقدمْتُ نحوَ المديرِ، فرحّبَ بي، مدَّ يدَه نحوي، وقعَتْ نظراتي على قدمي الحافية.
                            ومريولتي المتدلية توحِي بنوعِ الأكلات والسندويتشاتِ التي تناولتُها هذا الأسبوع، أما رغيفُ الخبزِ، تدهّنُه أمي بالسّمن الأصلي فيتركُ آثارَهُ في جيبِ صدريتي.
                            خريطةٌ من البقع المختلفة تمتدُّ من صدري إلى الأسفل. صافحْتُه وأخذْتُ شهادتي.
                            تقدّمَتْ نحوي وهي تسحبُ أخاها الذي يريدُ أنْ يسرقَ الوقتَ لممارسةِ مشاغباتِه، حيثُ لا يستطيعُ القيامَ بها ضمنَ أسوارِ المنزلِ، حيثُ تكثرُ ممنوعاتُ جدّتِه وتقيّدهُ قوانينُ أمِّه الحجرية:
                            لا تقم، لا تجلس، لا تلعب، تصرخ ... .
                            لوّحت بشهادتِها. جدائلُها تضاحِكُ الشَّمسَ، تتمايلُ برباطِها (القوس القزحي) فوقَ رأسِها، صدريتُها صفحةُ ماءٍ لا ترضَى بنقطةٍ مغايرةٍ منَ السّقوطِ عليها.

                            كنتُ أقفُ أمامَ المديرِ مُنكَس الرَّأسِ، دونَ سببٍ، لا أرفعُ نظري إليه، يتقاسمُ مع أبي العطفَ علي، ويربتُ على كتفي: يا مهندسَ الكلمة صغْ لنا عالمَ القريةِ في موضوعٍ قصيرٍ، ويشير إليَّ موجهاً كلامَهُ لأبي: لا بأسَ به. وأنا صامتٌ.
                            كلَّما أزورُ مدرسةَ إيفا تأتي بصخبِها إلى داخلِ الإدارة، وتقبّلُ المديرَ قائلة: أستاذي أولاً يا بابا ثمّ تعانقني بعدَه: أنا كما طلبْتَ مني يا بابا، أليسَ كذلك يا أستاذ؟ تسألُ بثقةِ جبلٍ ثقيل.
                            إنها تأخذُ حصتي وحصةَ المديرِ من الكلامِ ولا تعرفُ الصَّمتَ. إيفا تختزل عطف الدنيا في عينيها.
                            أسرعَتْ نحوي، تشقُّ صخبَ الأطفال، رافعةً شهادتها الملونة و المزخرفة، وتجرُّ أخاها وراءَها. الصَّغيرُ الذي دفعتْـهُ أمُّه عن وجهِهَا بحجةِ يومِ الأخير للمدرسةِ.
                            وصلتْ حافةَ الشَّارعِ، نزلَتْ من الرَّصِيفِ، فسمعْـتُها صائحةً: بابا !! ملوّحةً بالشَّهادةِ، جدائلُها ترقصُ فوقَ رأسها. اتّجهْتُ نحوها باندفاع، لألحق بها قبلَ أن تقطعَ الشَّارعَ، تخطَّتْ بضعَ خطواتٍ وسط الشَّارعِ.
                            سيارةٌ تلفظُ الجنونَ، تزعقُ بقوةٍ، تأتي مسرعةً، لا تلحقُها الريحُ، ويرتفعَ فحيحُها. في مواجهةِ الارتباكِ والخوفِ أمسكَتْ إيفا أخاها، واحتضَنَـتْـهُ بقوةٍ.

                            كانتْ قامتُها الطالعةُ ترقصُ مع أخيها بصمتٍ لوتسيٍّ ثمَّ ..... ناما معاً تحتَ عجلاتِها، ليتلوَّنَ الإسفلتُ بسائلِ الزَّهرتينِ المعصّرتَينِ القاني.

                            اختفَى وجهُها الضَّوئيُّ، وافترشَتْ جدائلُها الأرضَ. غابَ فرحُهَا الورديُّ، ولم يعدْ ثمّة وَجْهٌ لابتسامتِهَا.
                            وغاب وجهها
                            هكذا رسمت ذاكرة بخطوط وجع وحنين لمرحلة عمر
                            ولأن ايفا ملمح فرح وشعاع أزمنة لاتنسى
                            فذاكرة مزالت تحمل ذاك الوجه المبتسم رغم
                            أن غيب بطريقة تراجدية
                            صديقي ببساطة رسمت تفاصيل انسانية جميلة
                            تقديري لابداعك فاضلي صبري رسول

                            تعليق

                            • صبري رسول
                              أديب وكاتب
                              • 25-05-2009
                              • 647

                              #15
                              المشاركة الأصلية بواسطة عبد القادر ضيف الله مشاهدة المشاركة
                              وغاب وجهها
                              هكذا رسمت ذاكرة بخطوط وجع وحنين لمرحلة عمر
                              ولأن ايفا ملمح فرح وشعاع أزمنة لاتنسى
                              فذاكرة مزالت تحمل ذاك الوجه المبتسم رغم
                              أن غيب بطريقة تراجدية
                              صديقي ببساطة رسمت تفاصيل انسانية جميلة
                              تقديري لابداعك فاضلي صبري رسول
                              العزيز عبد القادر
                              تحية لك
                              إيفا ليست سوى فرحة غائبة
                              إيفا نبع حياة أنتظرها كل صباح ومساء
                              شكراً لمرورك عزيزي
                              كن بخير

                              تعليق

                              يعمل...
                              X