امتدت يد أبي العُريف إلى فنجان قهوته، وارتشف منه رشفتين، ثم دلك بطنه بكلتا يديه راجياً أن يخفف هذا آلام الانتفاخ الذي يعاني منه منذ الصباح. ولمَّا لم يجد نتيجة، صاح في امرأته: "هل عليَّ أن أموت أولاً قبل أن تأتي لي بكوب من الشيح؟ يا امرأة، بطني يتمزق. وهذه القصيدة رفعت من غازاتي، أقصد ضغطى. فاذهبي –لا أذهبَ الله لك مرضاً- وآتيني بالشيح". نهضت امرأته وهي تمصمص شفتيها، وتندب حظها بكلام غير مفهوم. وعاد أبو العريف ليطالع قصيدة "شجن على ورقة عنب".
أحببتُكَ كالمطرِ في عتمةِ جيلٍ لم يولدْ بعد
حُبي كسرابٍ يمشي بين شراعين
أَمُدُّ يديَّ فينبشُ الزمنُ قبري
يخرجُ منه الماردُ بَلَّلَهُ الغيمُ
وِبِلُغَةِ العشقِ اللامتناهي
أتماهى في حرفِهِ مُسرعةً
وأمامي كلُ فراغِ الكونِ
بُقَعٌ سوداء مُصْفَرَّة
أخرى حمراء ظهرتْ فجأة
والحَكَّةُ في القلبِ تحاولُ
أنْ تلحقَ نبضاتُه بدبيبِ الوقتِ.
ضرب أبو العريف أخماساً في أسداس، وأحس ببوصلة عقله تدور بزاوية قدرها 360 درجة، لتعود من حيث بدأت دون أن يبدو في أفق مخه أي استيعاب للقصيدة. ولكن هذا لم يكن ليثبط همته، فلم يحدث من قبل أن حال عدم الفهم بينه وبين شيء. إذن، فالأمر سهل ميسور.
كل ما عليك هو أن تُعْمِل نباهتك المعهودة لتخرج من بين أصابعك درر التحليل. ثم ما الذي يمكن أن تقوله بحيث يعارضك فيه أحد؟ لن يجرؤ قارئ أو ناقد على أن يوجه إليك سهامه، فأنت أبو العريف، فارس العُرْب والعجم، وصاحب السيف والقلم، أو بالأحرى الكيبورد. توكل، يا رجل، توكل، على بركة الله ...
ضغط أبو العريف أيقونة الرد، وهو لا يزال يصارع ما ألمَّ به من مغص، وشرع يكتب: "شاعرتنا المبجلة، لا يسعني إلا أن أنحني إجلالاً أمام لوحتك السريالية البريالية عالية التكثيف الدلالي؛ فهي نسيج محكم. وأراني أسمع صمت الصراخ المدويّ، لتنفطر معه جوانح نفسي المتعبة من ارتشاف رحيق الأزل وسط ضجيج هامس، حيث أجد نفسي سابحاً في بحر العتمة الدامي، ذاك التيه الذي ضلت فيه سحابات العشق المتلونة، ضمختها تماهيات الوجد.
ووجدتك هنا -كما عودتنا- تغوصين في أعماق متسربلة بورقة عنب طحن الشجن كبدها فذابت حباً وعشقاً بين توابيت الحياة الصاخبة. ومع انفتاح هذه القصيدة على تأويلات متعددة إلا أنني ألمح فيها حكمة القدماء تغلفها رمزية يصعب الولوج إلى جوهرها ومكنوها على من لا دراية لهم بمفاهيم التعبير الميتافيزيقي، ولا قدرة لهم على سبر أغوار النفس البشرية حين تتجاوز بشفافيتها حواجز اللامكان، لتصل إلى نقطة معينة لا تبرحها في لازمان يكتنفه الغموض بعد أن رسم العماء السرمدي حدوده، فهي مفترق طرق،وفي الوقت نفسه نقطة التقاء، وبوتقة تنصهر فيها المعاني الخفية، التي تتسرب إليها الأرواح السارية "كسراب يمشي بين شراعين". فالحب هنا رمز لكل تعقيدات الحياة في لحظة العدم الكائنة بين زمانين، ظاهر وخفي، ملموس ومعنوي. ورغم أن المارد ذو سطوة إلا أن الغيم أضفى عليه عياءً جعله صريعاً ذاهلاً لم يستطع أن يتبين طريقه وسط خرائط الضباب، فبدا وقد غطت البقع جلد شقائه، بينما يعتصر الألم قلبه تحت وطأة "دبيب الوقت".
وهذا المزج الساحر بين المحب والمارد يضفي على جو القصيدة بعداً سادساً، لا يدرك كنهه إلى الفاقهون. فالعماء متجدد، والحيرة في بحر لجي متلاطم الموج.
لا أملك إلا أن أقول: سلمت يداك على هذه التحفة. ولي عودة لأرتشف من هذا الرحيق المفعم بالخزامى والزنابق.
لكِ النرجس كله على شفافية البوح.
(انشر الرد) (ضغط)
وفي الأثناء جاءت أم العريف له بكوب الشيح، فرأت على وجهه ابتسامة صفراء، وعيناه تلمعان في عته بادٍ، وقد ارتخى فوق كرسيه العتيق. فقالت: "هاهو الشيح يا أبا العريف، لعله أن يخفف عنا ما تعانيه من غازات، خفف الله عقلك". فنظر إليها أبو العريف وقد طالت الابتسامة على وجهه حتى بلغ فمه أذنيه، وقال في خبث واضح: "لا عليك يا امرأة. فقد ذهب عني الانتفاخ، نفخ الرعد في أذنيك".
وكالعادة ضغط أبو العريف زر إعادة التحميل ليجد رداً من الشاعرة يقول: "أستاذي الناقد الفذ أبو العريف. لا أعرف كيف أشكرك على تحليلك الرائع، ونظرتك الثاقبة التي اخترقت جنبات النص لتغوص في أعماقه مبددة ذاك الخواء المليئ بالشجن العاصف، حيث لا ملاذ لورقة العنب سوى الانسحاب إلى عمق المارد العاشق لتفرز فيه قلق الموقف، وتبدد فراغ المستحيل. إنك لم تترك بصمتك في متصفحي فقط، بل طبعتها على عقلي ووجداني أيضاً. إن لقلمك سيفٌ لا يُشَقُّ له غبار.لك مني حزمة من الرياحين في زمان لم يمر به طائر الفينيق".
اتسعت الابتسامة على وجه أبي العريف حتى بلغت قفاه. وعاد ليقرأ الرد مرة بعد مرة، وقد قرر أن يشرب الشيح تحسباً لانتفاخ جديد.
ضغط أبو العريف أيقونة الرد، وهو لا يزال يصارع ما ألمَّ به من مغص، وشرع يكتب: "شاعرتنا المبجلة، لا يسعني إلا أن أنحني إجلالاً أمام لوحتك السريالية البريالية عالية التكثيف الدلالي؛ فهي نسيج محكم. وأراني أسمع صمت الصراخ المدويّ، لتنفطر معه جوانح نفسي المتعبة من ارتشاف رحيق الأزل وسط ضجيج هامس، حيث أجد نفسي سابحاً في بحر العتمة الدامي، ذاك التيه الذي ضلت فيه سحابات العشق المتلونة، ضمختها تماهيات الوجد.
[align=justify]هذا ناقد حداثي يشار إليه بالبنان أخي الدكتور أحمد.[/align][align=justify]
لا شك في أن العنكبية قلبت مفاهيم كثيرة عند العرب ومنها النقد. والعربي يهش للمجاملة ويبش لمسخ الجوخ بطبعه، خصوصا إذا كان صاحب النص من ربات الحجال اللواتي يحببن المديح كيفما اتفق ويُخدعن بقولهم (أحسنت)! أما الكاتبات العصاميات الماجدات ذوات العقل الراجح والمواهب الكبيرة، فهؤلاء لا يجرؤ متفذلك موسوس فارغ أن يقترب منهن لا بمدح ولا بذم!
دام إبداعك يجمع بين الفائدة والمتعة يا دكتور![/align]
[align=justify]هذا ناقد حداثي يشار إليه بالبنان أخي الدكتور أحمد.[/align][align=justify]
لا شك في أن العنكبية قلبت مفاهيم كثيرة عند العرب ومنها النقد. والعربي يهش للمجاملة ويبش لمسخ الجوخ بطبعه، خصوصا إذا كان صاحب النص من ربات الحجال اللواتي يحببن المديح كيفما اتفق ويُخدعن بقولهم (أحسنت)! أما الكاتبات العصاميات الماجدات ذوات العقل الراجح والمواهب الكبيرة، فهؤلاء لا يجرؤ متفذلك موسوس فارغ أن يقترب منهن لا بمدح ولا بذم!
دام إبداعك يجمع بين الفائدة والمتعة يا دكتور![/align]
أخي الفاضل الدكتور عبد الرحمن السلام عليكم ورحمة الله. شكر الله مرورك وتعليقك. وبالفعل أتاحت الإنترنت فرصة النشر العام للكثيرين. ومع الأسف أصبح يتصدر للنقد وغيره من الآداب المتخصصة من لا يفقهون فيها شيئاً معتقدين أن تقعير الكلام، أو غموضه، أو الإيحاء بأنهم على دراية بما لا يعلمون ما هو أصلاً، يعني تملكهم لناصية تلك الفروع. وككل شيء في حياتنا فكثيراً ما تتحكم الرغبات والأهواء الشخصية في قياد المرء فلا يدرك أن قدمه قد زلت، وقناعه قد زال إلا بعد فوات الأوان. بل وحينها يملك الكِبر الزمام، فينافح "الناقد البصير" عما لا تصلح المنافحة عنه أو الجدال فيه.
أما أبو العريف فهو ليس حداثياً فقط، بل له في كل فيلم أغنية، وفي كل قصيدة مداخلة، وفي كل قضية رأي، وفي كل علم تعليق. نجانا الله وإياكم من هذه المهالك. دمت سالمــاً.
أستاذنا الكريم د/ أحمد الليثي
طبعا نحن متشوقون دوما لإبداعات أبو العريف
و أظن و الله أعلم أن أبو العريف حالة نفسية قد تكون مزمنة
و قد تنقشع .. كأن بعضا من أباء العراريف قد شفاهم الله
و بعضا آخر تطور بحول الله إلى ما بعد ذلك .
دمت سالما جهبذا
تقديري
"تحياتي أستاذنا د. أحمد الليثي علي مساهمتك الإبداعيه التي حملتْ بين سطورها بقلمك الرائع معاني جميله قويه وبليغه ..والمهم أبو العريف قرر أن يشرب الشيح لكي تتعمق دعوة زوجته ويخف عقله مثلي .! تحياتي
[align=justify][frame="15 70"]لايجب أن نتعثر ونسقط من أول حجِرٍ يٌلقي في دروب نجاحاتنا بل نجمعه ونٌعليّ به بنياناً جديداً يزيد سجلات إبداعنا [/frame][/align]
أستاذنا الفاضل، أستعصى علي فهم هذا البيت/ السطر من القصيدة وأرجعت السبب لكلمة" بلله" هل ضبطها بالشكل هو على النحو التالي: بِلُلَهِ، وهل الباء هنا حرف جر؟وبالتالي ما معنى " لُلَـهْ"
أستاذنا الكريم د/ أحمد الليثي
طبعا نحن متشوقون دوما لإبداعات أبو العريف
و أظن و الله أعلم أن أبو العريف حالة نفسية قد تكون مزمنة
و قد تنقشع .. كأن بعضا من أباء العراريف قد شفاهم الله
و بعضا آخر تطور بحول الله إلى ما بعد ذلك .
دمت سالما جهبذا
تقديري
الأخت الفاضلة الأستاذة أناهيد شكر الله مرورك وتعليقك. وإبداعات أبي العريف لا تنتهي، فهو موجود في كل مكان وكل موضوع. وإذا كان حالة مرضية فهي متجددة، إن برأ منها واحد شقط آخر ضحية لها. فما دام هناك بشر، فهناك أبو العريف. وكما قلت هناك من تجاوزوا هذه المرحلة أيضاً واعتلوا درجات سامقة في التصوف أبو العُرِّيفيّ. دمت سالمــة.
تحياتي أستاذنا د. أحمد الليثي علي مساهمتك الإبداعيه التي حملتْ بين سطورها بقلمك الرائع معاني جميله قويه وبليغه ..والمهم أبو العريف قرر أن يشرب الشيح لكي تتعمق دعوة زوجته ويخف عقله مثلي .! تحياتي
الأخ الفاضل الأستاذ أشرف عمر شكر الله مرورك وتعليقك. ولا أعرف أحداً يمكن أن يخف عقله مثل أبي العريف، فهو ما أن تلمح فيه بعض عقل حتى يختفي منها بصيص الحياة بقدرة قادر، ولا يفيد معه شحن ولا يحزنون. دمت سالمــاً.
أستاذنا الفاضل، أستعصى علي فهم هذا البيت/ السطر من القصيدة وأرجعت السبب لكلمة" بلله" هل ضبطها بالشكل هو على النحو التالي: بِلُلَهِ، وهل الباء هنا حرف جر؟ وبالتالي ما معنى " لُلَـهْ"
ولكم فائق الشكر سلفاً.
شكر الله مرورك وتعليقك أختنا الفاضلة الدكتورة رزان، وأضحك سنك الكلمة ليست بـِ لُـلـَ ـهِ وإنما بَلَّلَـهُ من البلل، فهو مبلول دمت سالمــة.
[align=center] الأستاذ الفاضل والقلم الكبير د.أحمد الليثي حين أتصفح المتلقى أكون بين مصدق ومكذب هل أنا حقا بين هذه الأقلام المبدعة أم أنني في منام!! أجد نفسي مشدودة جدا لهذه السلسلة البديعة من أخبار الحمقى ولا أعجب أن يتحول أبو العريف إلى ناقد كبير ولا أعجب من تمكنه بين عشية وضحاها من الحديث بشكل علمي وبلسان أكثر من مدرسة نقدية غير أنني أعجب أن المغص يمكن أو يولد قاموسا ثريا كقاموس أبي العريف لك خالص احترامي أستاذنا الكبير
[/align]
الأخت الفاضلة الأستاذة أم المثنى شكر الله مرورك وتعليقك. أبو العريف هذا "نسيج وحده"، فهو متعالم، يأخذ من كل شيئ بطرف، ولكنه طرف ناقص، فهو قصير الذَّنب. هجين ثقافي شائه، موَّلد من مواليد عصر الإنترنت. مغمور انفتحت أمامه أبواب شهرة فقفز إليها لا يلوي على شيئ ولم يتمكن من الإمساك بتلابيب أدواته النقدية أو العلمية، أو حتى ذائقته الحسية. موجود بين جموع عالِمها مشغول، وجاهلها له تبَع. يتقيه الناس لشر لسانه، فهو أقبح الخلق خُلُقاً، وإن لم يبدِ مكنونه دفعة واحدة. يعلم نقائصه ويغذِّيها،. هو رويبضة في كل شيء. فلا غرو أن يكون قاموسه ثرياً، ولكنه ثراء خاوٍ من المعنى، يحسبه الظمآن ماءً، حتى إذا ورد العالِم الخبير بئره لم يجده شيئا.
خلاصة القول معالى الدكتور / أحمد
أنك توصم كل من ينقد بهذا الحديث الطويل ، وأنا واحد من الذين ينقدون فى هذا المنتدى ، واعرف معاليك أن معالى المستشار النويهى والأستاذ محمد بادنجى ، والأستاذ / محمد إبراهيم سلطان ، من رشحونى لتقييم والنقد
من حقك أن تسأل لماذا ؟؟
وأنا أدعو سيادتك للمرور على قسم المدرسة الأدبية ، ستجد الموضوع الأول مثبت باسم ( علم القصة القولية الروائية ) مستنتجه من القرآن الكريم ، ومضمنه كتاب باسم ( أسس وقواعد الأدب والرواية من القرآن الكريم )
وكذلك علم القصة الفعلية الدرامية ، فى باب الأدب السينمائى ، كما ضمنته كتاب باسم ( أسس وقواعد الدراما من القرآن الكريم ) (بمكتبة مدبولى ، ومكتبة الآداب ، ومكتبة حراء ) أما النقد ففى باب قسم النقد نظرية لى فى النقد حتى يعرفها المؤلف ثم يعرفها الناقد نفسه ، وتكون بمثابة ميزان يراه الجميع ، ولم يتفاعل معى أحد ر بالخصم ولا بالإضافة
هذا الموضوع الذى يطرحه معاليك يشعرنى بألم وحزن ، واقسم لك بالله لو لم يكن عندى علم وافى تام كامل بعوالم القص ( روائى ودرامى ) لم أكن لأعلق على منتوج فكر أحد ، وسأفعل مثلما يفعل الجميع بالمدح والثناء ، حتى يردوا لى نفس المدح ونفس الثناء ، ولكن لا أحب ذلك الخداع الكبير ، فأنا اعرف قدر نفسى ، فقد شهد لى رسول الله صلى الله عليه وسلم إبان استخراجي علم القصة من القرآن ، وفى الحديث ،( من رآنى فقد رأى الحق )
إذا كان لدى ثم جرح فأنا اضغط عليه أكثر وأكثر حتى يطيب 0
أسس القصة
البداية - الابتلاء - الزلة - العقدة - الانفراجة - التعرف - النهاية
تعليق