فى موتته السادسة بعد المائة العشرين ، مات رغم الأنف ، حين تحول كل شىء يلمسه إلى قطعة من ذهب ، فقد وصل به هوسه هذه المرة بالذهب حد العبودية و التأليه ، و الانقلاب على ما فى حياته ، ومن حوله ، كالزوج ، و البنت ، و الأصدقاء ، بله حارب كل ماهو روحى ، حتى دور العبادة و الناس و الزرع و قطرة الماء !
فرض عليه جوع وعطش حد الموت ، حتى حين لجأ للصحراء ، وراح يعبث بالرمال بحثا عن حجر رطب ، تحول بين يديه إلى قطعة ذهبية ، تصليه عطشا فوق عطش !
وعندما وصلت أنيابه إلى بطن كلب يعوى من الألم ، تحول إلى لعبة ، تصهل تحت وهج شمس ، تناثرت فى شكل عيدان قمح !
و بعد مطاردة من الجوع و العطش ، حط بين جوارح الطير ميتا ، لا حول له و لا قوة !
لكنه و بعد مئات السنين ، و قد انتهى هذه النهاية المؤلمة التى لم تكن لتخطر على بال ، عاد بعد أن زالت عنه لعنة ، أودت به إلى بطون النسور و الحدآت !
هاهو يسعى بأريحية جسور ، وبأس ملك ، وكلما وضع يده على شىء ، تحول إلى سلعة ، فأكل وشرب ، و لبس ، وعاش جنان عدن على ظهر البسيطة ، يزاحم أسواق العالم ، يفتتح المشروع تلو الآخر ، بين بيع وشراء ، و أرقام لا تنتهي و لا تقف عند حد ، يسيح فى كل دروب الدنيا ، كأنها وجدت لأجله دون سواه ، وهى طيعة ، ورهن أظافره ، ومشيئته ، لا يكاد يرى ، فهو سابح كالهواء ، و إن بدا لونه ، و رائحته و ثقله ، فعلى ظهر يخت ، أو على جناحى طائرة ، أو بين فكى سيارة من أحدث الموديلات يرفرف ، لا يستقر فى موضع !
لكنه رغم هذا كله ، كان يستشعر نقصا حادا ، وخواء يدب بين ضلوعه ، يتحرك معه أينما حل وذهب ، يرنو إلى شىء غير محدد ، شىء يكاد يلمسه ، هاهو يتنسمه ، تهرول روحه خلفه ، يتفلت منها ، ما هو .. ولم كل هذا العذاب العجيب ..؟ فشل فى تحديده ، أو تسميته ، ولو كان لقنصه ، أدركه ، بل صنعه بيده ، وحوله إلى سلعة يتداولها الناس ، حتى لا يتعرضون لمثل هذه الهزات ، و يعانون : آه ياويلى منى .. ياويلى ".
كثرت ساعات ضيقه و حزنه ، اتسعت رحاها ، فأصبحت تمثل ثلث يومه ، لكنها سرعان ما طغت على كل وقته !
يسارع صوب الحانات ، المسارح ، دورالسينما ، دور بغاء ، استحدثها بنفسه ، لكنه أبدا ما شعر براحته ، فكل كان علاجا وقتيا ، سرعان ما يضيق به ، و تنشد روحه الخلاص !!
فى ساعة من ساعات حزنه رآها أمامه كجنية أو كرسالة سماوية ، طافت بمخيلته ، أطاحت بهدوئه الشارد ، أربكته ، فى وقت كان فى أمس الحاجة إلى روح تدب ، تتحرك به عبر مسار جديد لم تطرقه قدماه ، أو عقله المتضخم حد التشظى !
لوحت له ، ابتسمت فى خفر ، ثم غابت فى لمح البصر ، كأن لم تكن .
و قلبه يكاد يتوقف ، بله كان يتلظى بحرائق من نوع جديد ، ليس مثل حرائق البورصة ، أو المصانع ، أو وقود البواخر العملاقة .. تناثر عرقه ، أغرقه ، و من فوره أمر رجاله ، أتباعه بملاحقتها ، لكن أين ؟ مارأوا شيئا ممارأى ، وقفوا أمامه حاسرى رؤوسهم ، خاضعين أذلاء ، فما كان منه إلا أن ضغط زرا ، نسفهم فى الحال !
فى نفس الموضع كان ينتظرها ، قلبه يحلق ، يرفرف ، مشوقا إلى ملامحها ، إلى سحر أحاله لطائر يصدح ، تسارعت نبضاته ، تفلت منه .. طال انتظاره يوما .. يومين ، وفى الساعة الخامسة و العشرين من يومه الثالث لانتظاره المحلق .. كانت أمامه !
بزر صغير ، كانت فرقة موسيقية تحوطه ، تنشد أعذب ما ألف موسيقيو العالم ، على اختلاف لغاتهم ، و ثقافتهم .. تحول المكان إلى مهرجان صاخب ، تحلقته طيور من كل صوب ، كأنها من صنعته هو ، وكأنه يتحكم فى اطرادها من خلال زر أيضا ، كانت بألوان ما خضعت لجنس طيور الأرض ، و ربما كان لها صلة برحلة صاغها المغنى الأعمى ، وحضرها ملوك العالم !
و بصوت أجمل شعراء العالم كان يناديها ، يدغدغها ، يلين جوانحها ، فتقافزت بين يديه مسحورة . وهو بها يجن !
فى ومضة خاطفة كانت تتسرب منه ، تروغ بين زحام الكون ، كان زرع على الطريق غيطانا فسيحة من عيون ، رصدت أين حطت قدماها .. ومن فوره كان على بابها .. !
رغم معرفته بمفاجأة لم يكن يتوقعها ، وما كانت لتمثل عائقا من أى نوع أمام رغبته ، حملها بعد أن دفع لزوجها ، ما ينوء عن حمله ، ما يكفيه ، ويكفى أجياله مهما كانت و تناسلت ، ثم سرعان ما وجدوه غريقا فى قاع المحيط !
أمام الريح العاصف بالطبع لم يستطع الزوج إلا البكاء ، و ربما متصنعا
بعدما شهد بعينيه أى ثمن تقاضاه ، وعلى الفور كانت زوجه فى أحضان صاحبنا ، استعدادا للرحيل معه حيث شاء .
كان ما تشهد كل ثانية ، و دقيقة ، وساعة ، كفيلا بخلق مشاعر جديدة عليها ، لم تجربها من قبل ، كل ما ترى سحر ، ومحنة ، كانت تجذبها ، و تأخذ بلبها ، حتى سويعات الاختلاء به ، ما كانت بنفس الصفاء الأول ، تعطيه جسدا بلا روح ، أو قلب ، حيث تسافر ، و ترتحل ، بين مصانع ، و سلع لا أول لها و لا آخر ، و مقتنيات لا تنفض .. كلها ألوان .. ألوان تبهر روحها حد البله ، كل شىء لامع ، لا مع ومصقول ، حتى الشمس شموس ، و القمر أقمار ، بألوان ما رأتها فى أحلام !
ضاق بها سريعا ، كأى بغى كانت ، بلا روح بين صدره ، و كأنها تمارس بالفعل وظيفة لا أكثر ، فألقى بها ، ومعها بعض فتات ، وباعها للطريق ، و البورصة متخففا من حمل تواجدها بالقرب منه ، إذ ما الجديد ، وهو بزر حقير ، يستدعى أجمل نساء الكون ، وفى ثوان معدودات ؟
عاودته لحظات حزنه ، تطارده ، تضنيه ، و بشكل بدا كأنه قدر ، لا حل له ، تشتت ، ضياع ، وحدة ، إحساس بفقد ما ، فقد غال .. يمزقه ، و يهتك أوصال أى نجاحات تحقق !
جرب زوج أخرى ، ثالثة ، رابعة .. و لا جديد ، جرب أن يمارس معهن الطرق القديمة فى الارتباط ، تقدم إليهن بغالى المهوروالحلى ، أدى كامل طقوس الزيجات الشعبية و غير الشعبية ، ومع ذلك لا جديد ، لا تغيير يذكر !
فكر طويلا للتغلب ، على هذه الحال ، وهذه المشاعر العجيبة و الغريبة ، التى تلازمه ليل نهار ، بالانغماس أكثر فى العمل ، و غزو الأسواق ، فى كافة أرجاء الدنيا ، و التمتع بقراءة ما يستجد من أخباره ، أعلن عن مسابقات ، اخترعها ، كانت غاية فى الوضاعة ، أتى بالفقراء ، أذلهم ، جعلهم فئرانا لتجاربه ، وحمقه ، ونهمه الذى لا يهدأ ، و لا يكتفى ، استبدل الديوك فى لعبة الموت برجال ، ثم نساء !
فى آخر سفراته ، حين أبصرها بين جماعات الغجر ، كانت تؤدى رقصة جنونية ، وفى هستيرى و فوضى تصرخ ، حتى أطاحت برؤوس المتحلقين ، فما كان منه إلا أن حط بين ذراعيها – هو الرأسمالى الفريد .. الذائع الصيت – ورقص معها ، رقص بإعجاز ، كغجرى لئيم ، حتى وقع أرضا ، ودار على الأرض بأنفاس مجهدة ، وأنفاسه تصاعد كبغل ، لها قوة و ريح .. مدت ساعدها ، انتشلته فكان فى صدرها !
أذهل الدنيا بقدرته الفائقة على المراوغة ، بليونة حركته ، وحدتها فى آن ، ومشاطرة الجنية هذه الهستيرى ، و فى آخر الليل كان يحملها ، و ينهى وجعا أبيدا ، ومن فرط عنفوانه كانت نوافذ القصر تتمزق ، وتتطاير ، وهو يزحف داخلها ، فتهستر ، وتزأر ، ثم تصرخ ، فتتهالك أشجار القصر من عصفها ، وتتحرك بيوت الفقراء صوب النهر ، كأنها فئران يستدعيها مزمار لانتحار شهى !
نسى العالم .. الناس ، كل ما من شأنه ، إخراجه من جنته .. مسحورا كان إلى أرض حدودها السحر ، و هى أكثر تشظى منه ، تمارسه بكل ألآعيبها ، وفنون ما أتقنت على مر الوقت !
وحين كان يستعد للرحيل بها ، و الطواف حول الدنيا ، ليرتوى بسلعه الممتدة من الشرق إلى الغرب ، تحول القصر إلى كومة من رماد ، و لم ينج أحد سواه من هذا الكمين الذى نصبه الثوار ، و خرج كطائر فينيق
يتحسس الطريق إلى خارج البلدة ، حيث اختفى نهائيا ، ولم يظهر له أثر ، رغم ما يتناقله الناس ، عن غزواته ، و حروبه ، التى كسبها جميعا ، بفضل حنكته ، و غدره ، وممارساته غير الإنسانية ، وجرأته ، فى دفاعه الأخير عن وجوده الذى أوشك على الرواح ، لولا التفاف كل عصابات العالم حوله ، ومساندته بكل ما تملك من أساليب هو صانعها !
فرض عليه جوع وعطش حد الموت ، حتى حين لجأ للصحراء ، وراح يعبث بالرمال بحثا عن حجر رطب ، تحول بين يديه إلى قطعة ذهبية ، تصليه عطشا فوق عطش !
وعندما وصلت أنيابه إلى بطن كلب يعوى من الألم ، تحول إلى لعبة ، تصهل تحت وهج شمس ، تناثرت فى شكل عيدان قمح !
و بعد مطاردة من الجوع و العطش ، حط بين جوارح الطير ميتا ، لا حول له و لا قوة !
لكنه و بعد مئات السنين ، و قد انتهى هذه النهاية المؤلمة التى لم تكن لتخطر على بال ، عاد بعد أن زالت عنه لعنة ، أودت به إلى بطون النسور و الحدآت !
هاهو يسعى بأريحية جسور ، وبأس ملك ، وكلما وضع يده على شىء ، تحول إلى سلعة ، فأكل وشرب ، و لبس ، وعاش جنان عدن على ظهر البسيطة ، يزاحم أسواق العالم ، يفتتح المشروع تلو الآخر ، بين بيع وشراء ، و أرقام لا تنتهي و لا تقف عند حد ، يسيح فى كل دروب الدنيا ، كأنها وجدت لأجله دون سواه ، وهى طيعة ، ورهن أظافره ، ومشيئته ، لا يكاد يرى ، فهو سابح كالهواء ، و إن بدا لونه ، و رائحته و ثقله ، فعلى ظهر يخت ، أو على جناحى طائرة ، أو بين فكى سيارة من أحدث الموديلات يرفرف ، لا يستقر فى موضع !
لكنه رغم هذا كله ، كان يستشعر نقصا حادا ، وخواء يدب بين ضلوعه ، يتحرك معه أينما حل وذهب ، يرنو إلى شىء غير محدد ، شىء يكاد يلمسه ، هاهو يتنسمه ، تهرول روحه خلفه ، يتفلت منها ، ما هو .. ولم كل هذا العذاب العجيب ..؟ فشل فى تحديده ، أو تسميته ، ولو كان لقنصه ، أدركه ، بل صنعه بيده ، وحوله إلى سلعة يتداولها الناس ، حتى لا يتعرضون لمثل هذه الهزات ، و يعانون : آه ياويلى منى .. ياويلى ".
كثرت ساعات ضيقه و حزنه ، اتسعت رحاها ، فأصبحت تمثل ثلث يومه ، لكنها سرعان ما طغت على كل وقته !
يسارع صوب الحانات ، المسارح ، دورالسينما ، دور بغاء ، استحدثها بنفسه ، لكنه أبدا ما شعر براحته ، فكل كان علاجا وقتيا ، سرعان ما يضيق به ، و تنشد روحه الخلاص !!
فى ساعة من ساعات حزنه رآها أمامه كجنية أو كرسالة سماوية ، طافت بمخيلته ، أطاحت بهدوئه الشارد ، أربكته ، فى وقت كان فى أمس الحاجة إلى روح تدب ، تتحرك به عبر مسار جديد لم تطرقه قدماه ، أو عقله المتضخم حد التشظى !
لوحت له ، ابتسمت فى خفر ، ثم غابت فى لمح البصر ، كأن لم تكن .
و قلبه يكاد يتوقف ، بله كان يتلظى بحرائق من نوع جديد ، ليس مثل حرائق البورصة ، أو المصانع ، أو وقود البواخر العملاقة .. تناثر عرقه ، أغرقه ، و من فوره أمر رجاله ، أتباعه بملاحقتها ، لكن أين ؟ مارأوا شيئا ممارأى ، وقفوا أمامه حاسرى رؤوسهم ، خاضعين أذلاء ، فما كان منه إلا أن ضغط زرا ، نسفهم فى الحال !
فى نفس الموضع كان ينتظرها ، قلبه يحلق ، يرفرف ، مشوقا إلى ملامحها ، إلى سحر أحاله لطائر يصدح ، تسارعت نبضاته ، تفلت منه .. طال انتظاره يوما .. يومين ، وفى الساعة الخامسة و العشرين من يومه الثالث لانتظاره المحلق .. كانت أمامه !
بزر صغير ، كانت فرقة موسيقية تحوطه ، تنشد أعذب ما ألف موسيقيو العالم ، على اختلاف لغاتهم ، و ثقافتهم .. تحول المكان إلى مهرجان صاخب ، تحلقته طيور من كل صوب ، كأنها من صنعته هو ، وكأنه يتحكم فى اطرادها من خلال زر أيضا ، كانت بألوان ما خضعت لجنس طيور الأرض ، و ربما كان لها صلة برحلة صاغها المغنى الأعمى ، وحضرها ملوك العالم !
و بصوت أجمل شعراء العالم كان يناديها ، يدغدغها ، يلين جوانحها ، فتقافزت بين يديه مسحورة . وهو بها يجن !
فى ومضة خاطفة كانت تتسرب منه ، تروغ بين زحام الكون ، كان زرع على الطريق غيطانا فسيحة من عيون ، رصدت أين حطت قدماها .. ومن فوره كان على بابها .. !
رغم معرفته بمفاجأة لم يكن يتوقعها ، وما كانت لتمثل عائقا من أى نوع أمام رغبته ، حملها بعد أن دفع لزوجها ، ما ينوء عن حمله ، ما يكفيه ، ويكفى أجياله مهما كانت و تناسلت ، ثم سرعان ما وجدوه غريقا فى قاع المحيط !
أمام الريح العاصف بالطبع لم يستطع الزوج إلا البكاء ، و ربما متصنعا
بعدما شهد بعينيه أى ثمن تقاضاه ، وعلى الفور كانت زوجه فى أحضان صاحبنا ، استعدادا للرحيل معه حيث شاء .
كان ما تشهد كل ثانية ، و دقيقة ، وساعة ، كفيلا بخلق مشاعر جديدة عليها ، لم تجربها من قبل ، كل ما ترى سحر ، ومحنة ، كانت تجذبها ، و تأخذ بلبها ، حتى سويعات الاختلاء به ، ما كانت بنفس الصفاء الأول ، تعطيه جسدا بلا روح ، أو قلب ، حيث تسافر ، و ترتحل ، بين مصانع ، و سلع لا أول لها و لا آخر ، و مقتنيات لا تنفض .. كلها ألوان .. ألوان تبهر روحها حد البله ، كل شىء لامع ، لا مع ومصقول ، حتى الشمس شموس ، و القمر أقمار ، بألوان ما رأتها فى أحلام !
ضاق بها سريعا ، كأى بغى كانت ، بلا روح بين صدره ، و كأنها تمارس بالفعل وظيفة لا أكثر ، فألقى بها ، ومعها بعض فتات ، وباعها للطريق ، و البورصة متخففا من حمل تواجدها بالقرب منه ، إذ ما الجديد ، وهو بزر حقير ، يستدعى أجمل نساء الكون ، وفى ثوان معدودات ؟
عاودته لحظات حزنه ، تطارده ، تضنيه ، و بشكل بدا كأنه قدر ، لا حل له ، تشتت ، ضياع ، وحدة ، إحساس بفقد ما ، فقد غال .. يمزقه ، و يهتك أوصال أى نجاحات تحقق !
جرب زوج أخرى ، ثالثة ، رابعة .. و لا جديد ، جرب أن يمارس معهن الطرق القديمة فى الارتباط ، تقدم إليهن بغالى المهوروالحلى ، أدى كامل طقوس الزيجات الشعبية و غير الشعبية ، ومع ذلك لا جديد ، لا تغيير يذكر !
فكر طويلا للتغلب ، على هذه الحال ، وهذه المشاعر العجيبة و الغريبة ، التى تلازمه ليل نهار ، بالانغماس أكثر فى العمل ، و غزو الأسواق ، فى كافة أرجاء الدنيا ، و التمتع بقراءة ما يستجد من أخباره ، أعلن عن مسابقات ، اخترعها ، كانت غاية فى الوضاعة ، أتى بالفقراء ، أذلهم ، جعلهم فئرانا لتجاربه ، وحمقه ، ونهمه الذى لا يهدأ ، و لا يكتفى ، استبدل الديوك فى لعبة الموت برجال ، ثم نساء !
فى آخر سفراته ، حين أبصرها بين جماعات الغجر ، كانت تؤدى رقصة جنونية ، وفى هستيرى و فوضى تصرخ ، حتى أطاحت برؤوس المتحلقين ، فما كان منه إلا أن حط بين ذراعيها – هو الرأسمالى الفريد .. الذائع الصيت – ورقص معها ، رقص بإعجاز ، كغجرى لئيم ، حتى وقع أرضا ، ودار على الأرض بأنفاس مجهدة ، وأنفاسه تصاعد كبغل ، لها قوة و ريح .. مدت ساعدها ، انتشلته فكان فى صدرها !
أذهل الدنيا بقدرته الفائقة على المراوغة ، بليونة حركته ، وحدتها فى آن ، ومشاطرة الجنية هذه الهستيرى ، و فى آخر الليل كان يحملها ، و ينهى وجعا أبيدا ، ومن فرط عنفوانه كانت نوافذ القصر تتمزق ، وتتطاير ، وهو يزحف داخلها ، فتهستر ، وتزأر ، ثم تصرخ ، فتتهالك أشجار القصر من عصفها ، وتتحرك بيوت الفقراء صوب النهر ، كأنها فئران يستدعيها مزمار لانتحار شهى !
نسى العالم .. الناس ، كل ما من شأنه ، إخراجه من جنته .. مسحورا كان إلى أرض حدودها السحر ، و هى أكثر تشظى منه ، تمارسه بكل ألآعيبها ، وفنون ما أتقنت على مر الوقت !
وحين كان يستعد للرحيل بها ، و الطواف حول الدنيا ، ليرتوى بسلعه الممتدة من الشرق إلى الغرب ، تحول القصر إلى كومة من رماد ، و لم ينج أحد سواه من هذا الكمين الذى نصبه الثوار ، و خرج كطائر فينيق
يتحسس الطريق إلى خارج البلدة ، حيث اختفى نهائيا ، ولم يظهر له أثر ، رغم ما يتناقله الناس ، عن غزواته ، و حروبه ، التى كسبها جميعا ، بفضل حنكته ، و غدره ، وممارساته غير الإنسانية ، وجرأته ، فى دفاعه الأخير عن وجوده الذى أوشك على الرواح ، لولا التفاف كل عصابات العالم حوله ، ومساندته بكل ما تملك من أساليب هو صانعها !
تعليق