أيهما أصعب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ندى كمال
    عضو الملتقى
    • 07-06-2007
    • 88

    أيهما أصعب

    لم يكن صباحا اعتياديا...
    رغم أن الشمس هي ذات الشمس
    شمس خجولة تلتف بوشاح مدينة لندن الضبابي
    و الرائحة الغريبة...لم تزل غريبة
    تذكرني بوحشتي عند كل صباح...
    ربما لأن اليوم أجازة
    و قد اعتدت قضاء إجازاتي في مخيمنا الصغير...
    أأنهض من السرير؟
    أنهض متثاقلة و كأنني مجبرة على ذلك
    توجهت إلى الحمام...غسلت وجهي جيدا...
    أنظر للمرآة بين الحين و الحين...
    أتحاشى النظر في المرآة...لا تسل لماذا!!!
    فلست أدري!!
    ربما أتحاشي النظر إلى خطوط الغربة في جبيني...
    و سنينها المبللة في مقلتي...
    ربما لأنني لن أتمكن من الإبتسام لنفسي..
    تناولت كوب النسكافيه المعتاد...و أدرت المذياع باحثة عن صوت فيروز
    أحب سماع صوتها في الصباح...
    يذكرني بالوطن
    برائحة الأرض
    بشكل الأرض
    بأرض الأرض...
    أيكون السبب هو الحنين؟
    أهذا هو المختلف فيّ اليوم؟
    لا...لا أعتقد...فحنيني إليهم يشتد كل يوم...
    أبحث عابثة عن فيروز..كما كان يفعل ((عمو عبد)) عندما كنت أستقل الباص متوجهة إلى مدرستي...
    يااااااه كم مر من الأعوام...
    أشعر كأنني في زمان غير الزمان...و دنيا غير الدنيا...
    تتردد في مسامعي أغنيتها الفريدة
    يا دارة دوري فينا
    ضللي دوري فينا
    تينسوا أساميهم و ننسى أسامينا
    تعا تنتخبى من درب الأعمار
    إذا هني كبروا نحنا بقينا صغار
    و سالونا وين كنتوا؟
    و ليش ما كبرتوا انتو؟
    منقلن نسينا...
    غرقت في حلمي لأجد نفسي بنتا في الثانوية العامة
    أدندنها و أراقص نفسي على أنغام نفسي...
    تنبهت إلى أنني لا زلت هنا...وحيدة حزينة...اااااااااااااااه منك يا غربتي...
    و كأن الراديو و كل محطاته متفقة ان لا تضع أغاني فيروز!!!
    غريب هذا الأمر...
  • ثروت الخرباوي
    أديب وقانوني
    • 16-05-2007
    • 865

    #2
    ياسلام

    قصة ممتازة وأسلوب قوي

    حقيقي أنتِ مبدعة ياندى

    تذكري نبؤتي

    إثقلي موهبتك بدوام القراءة

    وسيكون لكِ مكانة في الأدب العربي

    خالص تحياتي وتقديري

    تعليق

    • ندى كمال
      عضو الملتقى
      • 07-06-2007
      • 88

      #3
      و أنا أقلب بين المحطات
      شدني صوت سيدة عجوز...
      لم يشدني الصوت تحديدا بل اللهجة
      كانت لهجة فلسطينية قديمة...
      كل شيء في الغربة يصبح طعمه ألذ و أمر في نفس الوقت
      ألذ عندما تكتشف فيه أشياءا لم تعهدها سابقا
      ألذ عندما تشعر بين طياته عبق زمن تنتمي بكل كيانك له
      و أمر حين يفعل ذلك كله...
      فجأة تسشعر طعم الغربة غصة في حلقك
      و كل ذكرياتك عن ذكرياتك...تصير علقما...و قلادة ذهبية تتدلى منها خريطة بلدك...
      هذه الخريطة...
      أهدتني إياها إحدى صديقاتي في عيد ميلادي الثامن عشر
      خريطة فلسطين ملونة بالوان العلم...و فيها حنظلة الأمين...
      حنظلة هذا الذي يبدو أننا لن نصالحه أبدا!!!
      لقد ابتعدت عن الموضوع و لم أخبرك ماذا تقول الإمرأة
      أتذكرها؟
      المرأة الفلسطينية العجوز؟
      أعد قراءة هذا المقطع...ستجدها فوق
      المهم...كانت رسالة مشردين...
      أتعرفون هذا التعبير؟
      أتعرفون قصيدة محمود درويش رسالة من المنفى؟
      عندما يقول:
      سمعت في المذياع تحية المشردين للمشردين
      هذه هي...تحية المشردين للمشردين
      اندفعت العجوز تقول...
      بدي أوصل سلامي لأخوي سالم بالأردن و احكي أننا بخير و الحمد لله سالمين من القصف و هيانا طلعنا و روحنا عال...
      أطفأت المذياع...و على وجهي شبح ابتسامة خجولة...بل باهتة نسيت كل معاني الوئام
      ربما هي من غزة...تطمئن أخاها بعد أحداث غزة الأخيرة...
      كان الله في عونهم...
      تهاويت إلى كرسيي المتهالك...
      تمتمت بكلمات لست أذكرها الآن
      ربما كانت ابتهالا لرب رحيم...
      ربما كانت مجرد حركة شفاه خرساء...
      لست أدري
      أدرت نظري في غرفتي...هي من نوعية الغرف التي تسمى استديو...
      أعني أنها عبارة عن غرفة واسعة...فقط
      فيها الحد الأدنى لمتطلبات العيش الإنساني...
      و لكنني لست أملك تلفازا مثلا...و لا انترنت...
      و حتى الجرائد التي كنت أشتريها أول العام...قررت أن أوفر ثمنها...
      لأكلم أهلي بثمنها
      قطع تواصلي مع عالمي القديم...
      مدونتي المهجورة...
      قد اعتزلت السياسة منذ زمن
      قلتها ببلاهة حقيقية...
      و في داخلي حنين لذلك الحماس الذي كنت أحمله بين أضلعي
      شعرت بالحنين لصورة الشيخ اسماعيل هنية التي كنت أعلقها بغرفتي
      و اشتقت لسماعي خطابات السيد حسن نصر الله...
      توكأت على ظهر الكرسي...
      فوقعت عيناي على صورة قديمة ببرواز مهدد بالسقوط على أهله
      و فاض بي الشوق إليهم...
      آآآآآآآآآآآآآآآآآه ما أصعبها من لحظات...
      حين يستبد بك الشوق لأشخاص أنت في قارة و هم في قارة
      ولا تملك وسيلة للاطمئنان عليهم....





      أخبروني أن أفضل حل لمجابهة الشوق هو عدم الانصياع للذكريات
      ابتسمت...فكأنني أنا حاسوب مبرمج...
      أعرض في ذاكرتي ما أشاء و أحذف ما أشاء...
      أطمئنك...ذاكرتي لم يكن عليها رقيب حتما...
      قمت من عن كرسيي...
      غيرت ثيابي بسرعة
      لعلي أنتهز فرصة ظهور الشمس في بلد لا تظهر فيه الشمس
      فلأتمشى قليلا في باحة المبنى...
      واجهني كشك الجرائد الذي كنت أبتاع منها جرائدي
      رأيت عمو أبو حسين في الداخل...
      رجل سوري بسيط...يتكلم اللهجة السورية القديمة...
      كالمعلم عمر و المخرز مثلا
      أتعرف هذا المسلسل؟
      ليالي الصالحية
      كدت أضحك بشدة...لكنني كتمت ضحكتي لكي لا أساق إلى مستشفى الأمراض العقلية...
      أو أوصم بالارهاب...
      تمتمت لنفسي...لن أنصاع للذكريات...
      ابتعدت عن الكشك...لن أنصاع...لن أنصاع
      الله ما أجمل هذه الطفلة...تشبة ابنة خالي ريم...
      أو المعروفة باسم...حبيبة ندى
      كنت دائما أداعبها...
      مين حبيبة ندى؟
      ليم شماعة (ريم شناعة)
      مين عسل؟
      ندى عثل
      مين بصل؟
      نانو (اختها) بثل...
      و كنا نضحك نضحك حتى تبللنا الدموع...
      كما تبلل وجنتاي الآن فعلا...
      لا...لن أنصاع...
      أراهم في كل الوجوه
      في كل الأماكن...
      لا لن أنصاع...وضعت رأسي بين ذراعاي...أغالب دموعي
      وقفت أستمع لهدير النهر...
      يااااااااه ما أجمل ذكريات النزهة إلى النهر...
      عندما كان خالي محمد يقفز من عند غصن الشجرة إلى الماء...
      و جدتي تصرخ و زوجتة تولول ....يا مجنووووووووون
      و كنت أضحك أضحك...
      و عندما كنت أقف في المياه ألاعب أولاد خالي...
      يأتي من خلفي و يحملني فوق كتفيه...و يرميني في الماء...
      خالي محمد كان من اتباع حركة فتح...
      كانت يكره الشيخ هنية جدا و يتعمد شتمه أمامي
      لم أكن أتأثر حقيقة...
      فقد كنت أعشق خالي أكثر من أي شيء في الدنيا...
      كنت أبتسم و أقول...بتمووون يا أقرع
      كيف لي ألا أنصاع؟؟؟؟
      أأغالب قلبي؟
      لا لن أمنع دموعي من الانهمار بعد اليوم....
      هرعت إلى الكشك...سلمت على على عمو أبو حسين...
      فرد السلام بفتور...و عندما تفحصني جيدا...قال _ بفتور أيضا _ عاش مين شافك...كيفن أهلك؟
      - و الله علمي علمك عمو...اخر مرة حكيتن كانوا مناح الحمد لله...
      رأيت في عينيه نظرة شك مريبة...
      ظننت أنني رأيت دموعا أيضا...لكنني لم أتأكد و لم أسأل...
      رمى لي صحيفتي المفضلة....جريدة الأخبار...
      و يا ليتني ما كنت نزلت من بيتي أصلا...
      -قولتيلي أهلك بخير؟
      و فتح ألف باب و باب داخل رأسي
      و ألف غرفة أغلقت...و ألف سبيل قطع
      و ألف صوت قهقهة فظيعة
      أحسست بالدنيا تدور حولي...
      و رأيت ألف صورة و صورة
      و ترددت في بالي كلمات المرأة العجوز...
      بدي أطمن أخوي سالم....
      لا لم تكن من غزة...كانت من المخيم إذا
      و لم تكن تتكلم عن أحداث غزة الأخيرة...
      بل عن قصف الجيش اللبناني لمخيم نهر البارد....مخيمنا الصغير...
      يا إلهي!!!يا إلهي
      هرعت إلى غرفتي...و عمو أبو حسين يحاول أن يلحق بي...
      لكن دموعه منعته
      و ربما أشياء أخرى...
      دخلت غرفتي...بحثت عن المذياع جااااهدة
      أدرته...و بعثت برسالتي...
      و انتظرت الرد طويلا...
      أتستغرب أنني استخدمت المذياع لا الهاتف النقال؟
      لا يا عزيزي القارئ...
      قد جربته...و لكن في الجريدة كتبوا أنه لا وجود لكهرباء او ماء او هواتف في المخيم...
      هو حصار بكل ما تعني الكلمة...
      إبادة جماعية؟
      لا...تطهير عرقيّ...
      أتدري يا عزيزي...عند الحزن لا تعود تفكر بالحادثة التي أحزنتك...كحادثة مستقلة
      و تحاول بكل وسعك - لتبرير حزنك - أن تجعلها مصيبة و كارثة!!!
      لست هنا أجعل من قضية البارد قضية سهلة...و لكنها لم تكن كما كنت في ذلك الوقت أصفها...
      و كما تعلم يا عزيزي...
      من يمر في التجربة...ليس كمن يرويها أو يقرؤها...
      ستجيبني فتقول..لكنك أنت من مررتي..و أنت من رويتي...
      هنا سأبتسم و أقول...كل شي بهالدنيا بيكبر...إلا الموت بيصغر
      و جاءني الرد...
      إلى أختي ندى...أنا جاركم أبو فلان - لست أذكر اسمه...و لست أعرف لنا جارا باسمه أصلا - اهلك بخير و سلامة...أنا وصلتهم بإيدي عمخيم البداوي...
      لك أن تتخيل شعوري...لن أصف لك شيئا...فقط تخيل
      أطلق العنان لخيالك...
      لا...ليس صحيح أنني أنانية فلست أريدك أن تشارك فرحتي...
      لكنني لست أذكر ماذا فعلت وقتها...
      لكنني أذكر الرسالة الثانية جيدا...
      إلى الأخت ندى...أنا جارتكم أم علانة - أيضا لم أعرفها مسبقا - مش صحيح انو اهلك عايشين...
      اهلك توفوا كلهم و احنا دفناهم بايدينا....الله يعوضك يا بنتي...
      مضحك موقفي هاه؟
      مبكي؟
      ربما...لك حرية الاختيار...
      اعتبره ما شئت...
      لكنني حينها تذكرت شيئا واحدا...هي بالأحرى كلمة كان يرددها أبي على مسامعي...
      الفلسطيني بلبنان أرخص من كوز الدرة (الذرة)
      و يوم ما يموت ما حدا حيبكي عليه...
      ربما تتساءل الآن لماذا عنوان قصتي ((أيهما أصعب ))
      هذا حقك...جعلته هكذا لأنني ما زلت في حيرتي...
      فيوما يقولون أحياءا...و يوما آخر يجعلونهم أمواتا
      لو كانوا فعلا خرجوا من المخيم...أما كانوا ردوا اتصالاتي؟
      أما سمعوا المذياع؟؟؟
      جعلته أيهما أصعب لأسألك و أستشيرك في أمري...
      أيهما أصعب؟
      أن يصلني الخبر اليقين بأنهم قد قتلوا بالفعل؟
      أم أبقى حيرى هكذا...بداخلي شيء من أمل....
      في خضم الرسائل المشردة...يندلع صوت فيروز...
      بتسأل شو بني؟
      و شو اللي ما بني؟
      بحبك يا لبنان...يا وطني...


      نعم...كله فداءا للبنان العظيم...


      ***********************************

      تمت

      الإهداء لكل من فقد عزيزا في نهر البارد...و عين الحلوة و تل الزعتر و صبرا و شاتيلا
      و مخيمات الاردن و سوريا...
      لكل لاجئ سقط على يد أخيه الغير لاجئ...
      لكم...

      تعليق

      • ندى كمال
        عضو الملتقى
        • 07-06-2007
        • 88

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة ثروت الخرباوي مشاهدة المشاركة
        ياسلام

        قصة ممتازة وأسلوب قوي

        حقيقي أنتِ مبدعة ياندى

        تذكري نبؤتي

        إثقلي موهبتك بدوام القراءة

        وسيكون لكِ مكانة في الأدب العربي

        خالص تحياتي وتقديري


        خالي العزيز الأستاذ ثروت...
        كنت أنوي أن أنهي القصة هنا...لكنني عاودت و أكملتها...
        و بالنسبة لنبوءتك...
        و الله يا خالي هيانا منحاول...و منقول يا رب
        تحية عطرة خالو

        تعليق

        • عمر الصديقي
          عضو الملتقى
          • 29-07-2007
          • 156

          #5
          جميل جدا

          اجدك شاعرة اكثر من قاصة
          تحيات الا عجاب

          تعليق

          • ندى كمال
            عضو الملتقى
            • 07-06-2007
            • 88

            #6
            أستاذ عمر...جزاكم الله خير للمرور

            تعليق

            يعمل...
            X