قصّة موسى بين النّقل والتأويل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أحمد الأقطش
    رد
    المشاركة الأصلية بواسطة أحلام الحلواني مشاهدة المشاركة
    فلمّا وصلوا إلى الطور , ووقفوا قُبالة بيت المقدس, جاءهم أمر الله بالدُّخول إلى المدينة المُقدّسة
    أين ورد في الآيات التي تفضلتِ بذكرها أن الطور قبالة بيت المقدس؟

    المشاركة الأصلية بواسطة أحلام الحلواني مشاهدة المشاركة
    فقال لهما نبيّا الله ( موسى وهارون ) وقد وصفهما الله بالرّجُلين اللذين أنعم الله عليهما
    كيف فهمتِ مِن قوله تعالى: (قال رجلان مِن الذين يخافون أنعم الله عليهما) أنهما موسى وهارون؟ إن موسى في الأساس هو الذي أمرهم بدخول الأرض، فتذمَّر القوم عليه. فالمقصود هنا كما هو واضح أنّ هناك رجلين من الصالحين ببني إسرائيل حضّا قومهما على الدخول والتوكّل على الله. فأنا أرى رأيك فيه شيء مِن التكلّف.

    المشاركة الأصلية بواسطة أحلام الحلواني مشاهدة المشاركة
    سأتوقف قليلا هُنا , حتى أفسح المجال لمن لديه أيّ مُلاحظة , خاصّة بعد الصدمة التي قد يكون البعض تلقّاها حول موقع الطور الذي كلّم الله فيه موسى - عليه السّلام -
    الصدمة هو في خلوّ هذا البحث الجميل - مع طوله - مِن الدليل على أن الطور قبالة بيت المقدس! كنتُ أرجو أن تسهبي في هذه النقطة إسهاباً شديداً، لأن أغلب ما تفضلتِ بذِكره لا يمسّ جوهر هذه القضية.

    أرجو أن يتسع صدرك لهذه الملاحظات .. وتقبلي خالص التحية
    ،،

    اترك تعليق:


  • أحمد الأقطش
    رد
    الأخت الكريمة الأستاذة أحلام ،،

    استمتعتُ بحقّ بهذا الجهد الطيب في ربط المعاني القرآنية والتدبّر في القصص المبين، ولا ينبغي أن أكتب تعليقي قبل أن أنوّه إلى هذا الأمر الذي يشجّع على القراءة الواعية للنصوص بعيداً عن حشو المفسّرين.

    واسمحي لي بهذه التعقيبات المحدودة:

    المشاركة الأصلية بواسطة أحلام الحلواني مشاهدة المشاركة
    أجمع العُلماء والمُفسّرون على أنّ المقصود بالجانب الغربيّ , هو الجانب الغربيّ من الجبل الذي كلّم الله فيه موسى - عليه السّلام - وقالوا عن قضاء الأمر : ما فرضه الله على موسى وقومه
    بدايةً .. لم يقل الله تعالى "الجانب الغربي" بالنعت بل (جانب الغربيّ) بالإضافة، إذ في الكلام حذف لأن "الغربي" صفة للشيء المحذوف وليس صفة للجانب. ومِن أمثلته قوله تعالى: (وذلك دين القيّمة) أي دين الملة القيمة. يقول القرطبي: ((أي بجانب الجبل الغربيّ)). اهـ ويقول ابن كثير: ((يعني: ما كنت يا محمد بجانب الجبل الغربي الذي كلم الله موسى من الشجرة التي هي شرقية على شاطىء الوادي)). اهـ فالجبل غربيّ بالنسبة للوادي الأيمن.

    المشاركة الأصلية بواسطة أحلام الحلواني مشاهدة المشاركة
    بحثت في كل آيات القرآن عن أيّ آية تتحدّث عن جانبٍ غربيٍّ لأيّ جبل , فلم أجد سوى الحديث عن جانب الطور , وجانب الطور الأيمن , وشاطي الوادي الأيمن . فمن أين عرفوا أنّ الجانب الأيمن من الطور هو الجانب الغربيّ وليس الشرقيّ مثلا , وهم لا يعرفون أصلا مكان الطور ؟!
    وأنا مثلك .. بحثتُ عن أيّ آية تتحدث عن الجانب الغربي لأي بحر:

    المشاركة الأصلية بواسطة أحلام الحلواني مشاهدة المشاركة
    ثُمّ قال الله لرسوله عليه السلام , وما كُنت من الشاهدين , أي : لم تشهد هذا القضاء الذي أنجزناه لموسى في الجانب الغربيّ من البحر

    فلم أجد أيّ شيء! فتبقى هذه المعاني في دائرة الاحتمال غير مجزوم بها.

    مع خالص التحية
    ،،

    اترك تعليق:


  • أبو صالح
    رد
    المشاركة الأصلية بواسطة عبدالرؤوف النويهى مشاهدة المشاركة
    [align=justify]القصص القرآنى ..متعة وأى متعة .
    "نحن نقص عليك أحسن القصص" صدق الله العظيم

    قصة سيدنا موسى مع سيدنا الخضر من القصص التى أعادت بناء تفكيرى فى سنواتى الأولى من عمرى .

    كنت كثير الأسئلة لما يحدث أمامى من الأمور اليومية ..حتى كانت أمى أطال الله عمرها ومتعها بالصحة ،تضيق بى ...فأذهب إلى جدتى أم والدى رحمة الله عليهما ..فتستمع إلى ّ ثم تجيب وفقاً لما تعلمه ..لكنه لم يكن يشفى غليلى ..فكان العبث فى مكتبة والدى ومحاولة القراءة ..للبحث عن الحقيقة .

    كنت صغيراً وأنا أتلو القرآن على شيخ الكُتاب ..وأتعجب من كثرة أسئلة سيدنا موسى وعدم صبره رغم تحذير سيدنا الخضر له.

    ومرت سنوات العمر سراعاً ..وتبين لى أن ما يحدث من أمور الحياة ومايشاع أمامك من مواضيع قد لاتستند إلى الحقيقة ..

    وكم كان أحمد شوقى ..رائعاً .. عندما قال :
    " لا تأخذنا من الأمور بظاهر ***إن الظواهر تخدع الرائينا"

    أستاذتنا الباحثة القديرة /أحلام الحلوانى ..

    فى انتظار ما يُشفى غليلى ويُثلج صدرى.[/align]


    تثبيت
    مداخلتك عزيزي عبدالرؤوف النويهي، عن سيدنا الخضر عليه السلام أثارت شجون كثيرة

    فمثلا من هو سيدنا الخضر عليه السلام؟ وأين كان يعيش؟ ومتى وكيف ألتقيا؟

    خصوصا، بعد ما شاهدته في المعبد الكبير للديانة البوذيّة في العاصمة الكوريّة الجنوبيّة سيؤول، حيث هو من المعالم المقررة في أي رحلة سياحية في العاصمة، ويمكن لكل زائر أن ينتبه على حائط المعبد الخارجي تم رسم لوحة بانوراميّة لقصة حياة بوذا، وسبحان الله كان تلوينه باللون الأخضر، ولو كان معك القرآن الكريم ستجد الكثير من الحوادث التي وردت في سورة الكهف في هذه اللوحة

    فهل سيدنا الخضر عليه السلام هو بوذا؟ خصوصا وأننا نعلم بأن هُبل واللاّت والعزّى كانت تمثل شخصيات صالحة كذلك، ولكونهم كانوا صالحين تم عمل أصنام وأضرحة لعبادتهم بسبب صلاحهم يتم الظنّ بأنهم سيقرّبوهم إلى الله زلفا؟ وحسب ما هو معلوم فأن بوذا نشأ في شبه القارة الهندية، فمتى زار سيدنا موسى عليه السلام تلك المناطق؟

    ما رأيكم دام فضلكم؟

    اترك تعليق:


  • أحلام الحلواني
    رد
    الطريق إلى الطور , والميثاق مع الله

    تنَفّس بنو إسرائيل الصّعداء , وبدأوا أولى أيّامهم أحرارا , مُنعتقين من عبوديّة فرعون وملإه لهم . وعلى الفور , جاءت البُشرى بجائزة الصّبر التي أعدها الله لهم , وواعدهم جانب الطور الأيمن , ليأخذوا ميثاق ربهم , فيرثوا الأرض المُباركة , ويدخلوا الأرض المُقدّسة التي كتبها لهم :

    يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الأَيْمَن / طه80

    فضرب الله لهم لميقاته ثلاثين ليلة , ثُمّ زادها عشرا , لتُتِمّ الأربعين , حتى يستقبلهم جميعا عند الجانب الأيمن من الطّور :

    وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَة ً /
    الأعراف 142

    سيسألني سائل : الله واعد موسى أربعين ليلة , فكيف تقولين أنّه واعد بني إسرائيل ؟
    أقول : الله واعد النّبيّ القائد , المُخوّل بالوحي , ليأتي مع رعيّته إلى ميقاته , فلمّا رأى أنّ الرّعيّة بطيئة في السير , خاف أن يتأخّر عن الموعد , فسبقهم إلى هُناك , مُستخلفا أخاه النّبيّ هارون فيهم . فلمّا وصل قبلهم , سأله ربّه عن سبقه لقومه :

    وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى ؟ / طه 83

    وهُنا يسأل العليم بالاجابة نبيّهُ للبيان وليس للاستفهام , فيُجيبُهُ موسى :

    هُمْ أُولاء عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى / طه 84

    إذا , القضيّة ليست قضيّة استعجال اللقاء للاشتياق إليه , لأنّهُ يعلم أنّه لن يلقى الله إلا في الموعد المُحدّد من قبله سُبحانه . الاشتياق لسماع صوت الرّب ولقائه موجود , لكنّ الاستعجال بالوصول إلى الطّور ليس لهُ مُبرّر إلا ما ردّ به موسى على سؤال ربّه جلّ وعلا , وهو : طلب رضاه على عبده المُطيع لأمره , المُلتزم بدقّة مواعيده . فَتَرَكَ أخاه مع القوم يسيرون على أثره براحتهم , وأوصاهُ أن يتّبع أوامر الله , وينتهي عن نواهيه , ولا يسمح للمُفسدين أن يُضلّلوا القوم في رحلتهم الطّويلة , فقال :

    اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِين / الأعراف 142

    هارون - عليه السّلام - كان أيضا من المُرسَلين , وهو يعلم ما يجب عليه أن يفعله , ولكنّ قلق موسى - عليه السّلام - الدّائم على قومه , كان يُحتّمُ عليه تكرار النُّصح والتوجيه , خاصّة أنّه يعلم بضعف ايمانهم , ودلالة ضعف الايمان كانت : طلبهم من موسى أن يجعل لهم إلها كآلهة أوّل قوم صادفوهم بعد تحركهم عبر صحراء سيناء :

    وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُون .
    إِنَّ هَؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ .
    قَالَ : أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِين ؟!الأعراف 138

    إنّهم لا زالوا يجهلون شرع الله وأوامره , التي وعدهم أن يُعطيهم إيّاها عند ميقاته في الطور , والتي فيها :

    مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْء / الأعراف 145

    فبيّن لهم موسى قبل أن يتركهم مع أخيه بُطلان ما يقوم به هؤلاء الوثنيين من عبادة للاصنام , وأنّ الله اختار بني إسرائيل من بين البشر ليكونوا أئمّة ودُعاةً إلى الحق , وقد فضّلهم الله على العالمين بهذه المُهمّة السامية , لصبرهم على ما لحقهم من فرعون وظُلمه :

    وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ / الأعراف 137

    وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِين / القصص 5

    وصل موسى إلى الطور في الميقات المُحدّد , وراح يُناجي ربّه , ويستمع إلى كلامه , فهامت نفسه بصوت الله وحُبّه , ليجد نفسه تطلب طلبا ليس من حقّه :

    قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْك .

    فنبّهه الله أنّه لا ينبغي لبشرٍ أن يراه في هذه الدّنيا , لأنّ عيون النّاس , وعُقولهم , غير مُصمّمة لتحمُّل هذا النور العظيم :

    قَالَ لَن تَرَانِي .

    ثُمّ أراد سُبحانه أن يُبرهن على قُوّة هذا النّور , فاستدرك قائلا :

    وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي .
    فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِين . / الأعراف 143

    وهذا البُرهانُ العمَليّ , مِن دَكِّ الجَبَلِ وتسويته في الأرض , لم يتحمّل مَشهدهُ موسى , فخرّ مغشيّا عليه , فماذا سيحصُل لهُ لو رأى الله ؟
    اعترف موسى بذنبه , وأناب إلى الله وهو مؤمن صادق . فسلّمه سبحانه الكتاب جُملة واحدة , مكتوب على ألواح , فيه تفصيل كُلِّ شيء :

    وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ

    ثُمّ توجّه إليه بالخطاب :

    فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ
    سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ
    وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون .الأعراف ( 145 - 148 )

    كان يُفترضُ أن يحضر هذا التتويج قوم موسى معه , ليأخذوا موثقا من الله , ولكنّهم ضلّوا من بعد أن تركهم , وعبدوا العجل , وبقوا عليه عاكفين حيثُ عبدوه , فجاءت الصاعقة الكُبرى من هذا النّبأ على موسى , إذ أخبره ربّه بالحدث , وهو يتساءل بينه وبين نفسه عن تأخّر قومه , فقال :

    فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيّ / طه 85

    فانطلق موسى من فوره غضبانا , وحزينا . فلمّا وصل إليهم , رأى ما رآه من حالهم وهم يعبدون العجل من دون الله , وكأنّهم لم يشهدوا مهلك فرعون وملإه منذ فترة وجيزة , فألقى الألواح من يده , وأخذ برأس أخيه ولحيته يلوم عليه :

    وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِين / الأعراف 150

    ثُمّ قال الله في سورة البقرة , آية 51 :

    وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُون .

    لاحظوا أيها الأخوات والاخوة , إلى هذه الأحوال الخطيرة التي وردت في الآيتين أعلاه :

    *عبادة الأصنام .
    *استضعاف هارون - عليه السلام - والقلّة التي وقفت معه , ومحاولة قتله .
    *وصف الذين فعلوا ذلك بالقوم الظالمين , وهم الأكثريّة .

    إنّها نفس أعمال فرعون وملإه .

    عندما هدأ موسى - عليه السلام - من ثورته , توجّه أوّلا إلى ربه يدعوه :

    قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين .

    ما أجملك يا كليم الله , وما أرحمك وأصبرك على الأذى والبلوى .
    فأخذ الألواح التي فيها التوراة , هُدى ونورا لمن آمن بها , وعمل بمُقتضاها . وراح يتقصى الأمر من قومه , ويسألهم عن سبب فعلتهم الشّنيعة , وغير المُغتفرة هذه . فقال قومه :

    يَا قَوْمِ : أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا ؟
    أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْد ؟
    أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي ؟

    ثلاثة أسئلة استنكارية من موسى لقومه , تعمل عمل اللوم والتوبيخ . كما أنّها تُريد أن تتبيّن الأمر , من خلال ما يأتي القوم من تفنيد وإجابة .

    *ألم يعدكم الله وعدا لن يُخلفه بإعطائكم ميثاقه , في الكتاب الهادي إلى التوريث ؟ إذ أنّهم إن لم يلتزموا بالكتاب , فلن يكون هُناك توريث .

    *هل طالت عليكم المسافة , فطال عليكم اللقاء ؟

    أنظروا إلى معاني العهد :

    * الميثاق
    * الولاية
    * الايمان
    * رعاية الحُرمة
    * الوفاء
    * المعرفة
    * اللقاء

    فمع أيٍّ من هذه المعاني تنسجم جُملة : فطال عليكم العهد ؟

    ليأتي بعد ذلك التساؤل :

    * فأخلفتُم موعدي ؟

    الموعد هُنا ليس الوعد , إذ أن الوعد كان من الله معهم في السؤال الأول , ولكنّ الموعد الذي ضربه موسى لهم , هو الالتقاء عند الطور , فأخلفوا ذلك الموعد , لماذا ؟

    قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ
    فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِي / طه 87


    قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى / طه 91


    طيّب , قال موسى : وأنت يا هارون ما الذي منعك من أن تتّبعني , وتُواصل السير ورائي إذ رأيتهم ضلّوا , وبقوا في مكانهم عاكفين على عبادة هذا الصنم ؟

    قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا
    أَلاَّ تَتَّبِعَنِ ؟ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ؟! / طه 92 - 93

    قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي / طه 94

    إجابة منطقيّة جدّا , إذ أنّ موسى - عليه السّلام - كان قد أوصى أخاه بالاصلاح بين بني إسرائيل , بعد أن أخلفه عليهم , لا أن يُقسّمهم إلى حزبين .
    أمّا من قال من المفسرين بأنّ موسى لامَ على أخيه لأنّه لم يُقاتل الذين عبدوا العجل . فكيف يُقاتلهم , وهم أصلا كادوا أن يقتلوه , دلالة على كثرتهم , وتغلّبهم على من لم يعبد العجل ؟! لهذا , آثر أن يبقى معهم , يرقبهم حتى عودة أخيه .
    إذا , الذين عبدوا العجل قالوا ما عندهم , واتهموا السّامريّ باستغلال تحرّيهم حُرمّة الأوزار , ممّا حملوه معهم من زينة , وحُليّ آل فرعون , لأنّها حسب ما يعرفون , وِزرٌ يجب التّخلُّص منه , فأخذ الحُليّ من الذّهب والفِضّة , وصهرها بالنّار , وصنع منها جسدَ عِجلٍ لهُ صوت ( خُوار ) . وهذا ليس بالأمر الصعب من النّاحية العلميّة , ما دام جسد الصّنم فارغا , وفمُهُ مفتوحا , إذا ما وُجّه نحو زاوية مُعيّنة لتضربه الرّيح , يخرُجُ صوتٌ كخوار الثور . ولا أستطيع أن أحلّل المسألة بالطريقة التي حلّلتها كُتُب التفسير , لأمرين :

    * أن لا دليلا قطعيًا من الكتاب والسّنة على ما يقولون بما يَخُصُّ أثر الرّسول , وحفنة التُّراب التي أخذها السّامريّ , ونفثها في وجه الثور ليكون لهُ خُوار .

    * كما أنّه لا يتسنّى لأحد أن يرى جبريل عليه السّلام , ولكنّه قد يأتي على شكل بشر , كما ورد في الحديث الصحيح , عندما جاء يُعلّم النّاس دينهم , فسأل رسولَ الله عن الايمان والاحسان .... الخ الحديث .

    هُنا سأقول : لا أعلم , ولن أسهب كثيرا في الحديث حول هذا الأمر .
    توجّه موسى بالسؤال إلى السّامريّ :

    قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ
    قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي
    قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا / طه 95 - 97

    عُذرُهُ أقبح من ذنبه , لكنّه اعترف بجريمته . أمر عليه السّلام شعبه بعدم مُخالطة هذا الرّجل مدى الحياة , وأنّ حسابه سيكون مع الله عند موته ولقائه . ثُمّ أخذ صنمه الذي أضلّ به القوم , وحرّقهُ , وقذفه في البحر . ثُمّ قال لقومه :

    إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا / طه 98

    الآن , ماذا مع الذين عبدوا العجل من قوم موسى وهارون ؟

    إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ
    وَالَّذِينَ عَمِلُواْ السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا وَآمَنُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيم / الأعراف 152 - 153

    إذا , هُناك من عبدوا العجل , فنالهم غضب من الله وذلّة في الحياة الدُّنيا . وهُناك من سكتوا عنهم ولم يُجابهوهم أو ينصحوهم , فاعتُبرت لهم سيئة , ثُمّ تابوا إلى الله , فتاب عليهم , وهُناك من لم يرض عن هذا , ونصحهم , وهو : هارون - عليه السّلام - , فدعا له أخوه بالمغفرة على التقصير . وحاشهما عليهما السّلام من التقصير . لكنّه تواضع الأنبياء أمام ربهم , وشعورهم الدائم بالتقصير .
    موسى - عليه السلام - مكث ينتظر حُكم الله فيمن عبد العجل , فجاء :

    وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ , فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيم /البقرة 54

    وحتّى يُثبت الذين عبدوا العجل ندمهم :

    وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ , قَالُواْ : لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين / الأعراف 149

    فراحوا يقتلون أنفسهم وهم مذلولون مقهورون , وهكذا , تاب الله عليهم بعد موتهم .
    كلّ شيء أصبح على ما يُرام , وعاد بنو إسرائيل إلى رُشدهم , فحدّد الله مع موسى - عليه السلام - موعدا آخر لقومه , ولكن هذه المرّة , مع الصفوة منهم . سبعين رجلا يختارهم موسى من خيرة رجالهم , وبالتساوي بين أسباطهم الاثني عشر . فطلب منه قومه أن يُمدّهم بالطعام والشراب , ما داموا سيبقون لفترة أطول في مكانهم على البحر , وما دام الله قد غفر لهم :

    وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُون / الأعراف 160

    ذهب موسى مع السبعين رجلا إلى ميقات الله , ليأخذوا ميثاق ربّهم , ويعتذروا إليه عمّا فعله قومهم , ويتوبوا ليغفر لهم . فلمّا وصلوا الطور , وكلّم الله نبيّهُ موسى - عليه السلام - وشرح لهم بنود الميثاق , وهي :

    وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ
    وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ .

    لكنّهم أبوا أن يعقدوا أي اتفاق , وطلبوا طلبا غريبا وجريئا :

    وإذ قُلتم : يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُون / البقرة 55

    هؤلاء هم الصفوة من بني إسرائيل , يتجرأون على الله بكل هذه الوقاحة .
    فتوجه إليه موسى بالتضرُّع والدعاء , بعد أن رأى القوم صرعى , ميّتين من هذه الصاعقة :

    فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ : رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ , أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا ؟ إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء , أَنتَ وَلِيُّنَا , فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ
    وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْك / الأعراف 155

    فعفى الله عنهم , لعلّهم يشكرون , وأبرم الاتفاق معهم , وأخذ عليهم المواثيق :

    وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيل / المائدة 12

    وهكذا , اختار السبعون رجلا منهم اثني عشر نقيبا , من كُلّ سبط واحد , ليذهبوا إلى القوم , فيُخبروهم بما جرى في الميثاق , ويأتوا بالرّجال القادرين على القتال , وعلى رأسهم , نبيّ الله هارون - عليه السّلام - , فلمّا وصلوا إلى الطور , ووقفوا قُبالة بيت المقدس , جاءهم أمر الله بالدُّخول إلى المدينة المُقدّسة :

    وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ
    يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِين / المائدة 20 - 21

    وقف عليه السلام يرفع من معنوياتهم , ويُشجّعهم , ويهوّن عليهم الأمر , ويُذكّرهم بأيّام العُبوديّة , وكيف منّ الله عليهم بالتحرّر , وها هم الآن ملوكا يملكون أنفسهم وعوائلهم . لكنّ جُبنهم , وتعودهم على العبوديّة , جعلهم يخافون الدّخول , وبدأوا يحتجّون بأنّ هذه الأرض فيها قوما جبّارين .
    والحقيقة أنّني ضحكت من قول الكثيرين من المُفسّرين , إذ وصفوا القوم الجبّارين على أنّهم عمالقة , بحيث يضع الواحد منهم اثني عشر رجلا من بني إسرائيل في سلّة خُضاره , ويأتي بهم إلى زوجه ليقول لها : هؤلاء القوم يُريدون مُقاتلتنا , فاستهزأت منهم زوجه وقالت , لو شئتُ سحقتهم تحت قدمي .
    كأنّني أشاهد فيلما كرتونيّا لــ ( أليس في بلاد العجائب ) .

    قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُون / المائدة 22

    فقال لهما نبيّا الله ( موسى وهارون ) وقد وصفهما الله بالرّجُلين اللذين أنعم الله عليهما :

    ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين / المائدة 23

    أي أنّهم مُنتصرون لمجرّد أن يدخلوا الباب , حتى دون قتال . فلو دخلوا لوجدوا أنّ الله قد أنهى لهم الأمر بكلّ بساطة . ولكنّهم جهلة مجرمون متمرّدون . وكأنّهم لم يروا بأمّ أعينهم كيف قضى الله على أقوى رجل في العالم في ذلك الوقت , مع جنوده ووزرائه في طرفة عين . فمن هؤلاء الذين وصفهم بنو إسرائيل بالجبّارين بجانب فرعون وجُنده ؟ ألا يرون أنّهم محصورون داخل أسوار مدينة لها أبواب ؟! أيّ تعنّت هذا يا ربّ مِن هؤلاء الجُبناء !!!!

    فما كان جوابهم إلا أن قالوا :

    يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُون / المائدة 24

    فلمّا رأى موسى قومه وقد أجمعوا على رأي واحد , وقرّروا عدم الدخول , توجّه إلى ربّه بالقول :

    رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِين / المائدة 25


    هُنا , تدخّل ربُّ العِزّة , وأراد أن يُذكّرهم بالميثاق الذي قطعوه على أنفسهم , فماذا فعل ؟

    وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا / النّساء 154

    حتى أنّ الله وصف جبل الطور فوقهم كأنّهُ ظُلّة ( غمامة ) فقال :

    وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون / الأعراف 171

    وبعد مُوافقتهم على الدُّخول , خفّف الله عليهم الأمر أكثر , وطلب منهم أن يدخلوا المدينة وهم ساجدين , ويُردّدون : حِطّة :

    وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِين / البقرة 58

    إذا , كُلُّ ما عليهم فعله هو : أن يدخلوا الباب سُجّدا , وهُم يدعون الله أن يحُطّ عنهم خطاياهم . هُنا , ارتكبوا الخطأ الذي استوجب غضب الله وسخطه عليهم , أكثر من رفضهم الأوامر بالدّخول :

    فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُون / البقرة 59

    أوّل عقابٍ فوريٍّ للذين بدّلوا القول , واستهزأوا بأمر الله وكلماته , أن أنزل عليهم رجزا من السّماء . وكما شرحنا معنى الرّجز في السّابق , هو : الموت . أي : حَكم عليهم بالموت فورا . ذلك لأنّهم بدل أن يقولوا : حِطّة , قالوا : حِيتاه , أي : حِنطة . لأنّ الكلمتين قريبتين باللفظ , لكنّهما بعيدتين بالمعنى . ثُمّ حَكم على الباقين الذين عصوا أمر الرُّسُل رُغم أخذ المواثيق منهم , وإقرارهم بذلك , أن يتيهوا في الأرض أربعين سَنَة . والتوهان في اللغة يعني : الحَيْرة . أي أنّهم احتاروا إلى أين يذهبون , وفي أيّ أرض يسكنون , بعد رفضهم السكن في الأرض التي كتبها الله لهم . فرجعوا إلى زوجاتهم وأولادهم عند خليج العَقبة , ومكثوا ما شاء الله لهم أن يمكثوا , حتّى ملّوا من المنّ والسلوى , فقالوا لموسى - عليه السلام - :

    يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاؤُواْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُون / البقرة 61


    الأخوات والاخوة الكرام

    من تتبّع قصة موسى - عليه السلام - من خلال كُتب عديدة , وجد أن الاختلاف بين المُفسّرين أو العلماء , أو الباحثين في قصص القرآن الكريم , ليس بهذا الحجم الذي يُمكن أن يُحدث شرخا في القصّة بشكل عام . لكنّ الحشو من التفاصيل التي تكاد تقترب إلى الأسطورة أو الخيال منها أكثر إلى الواقع , هُو ما يؤرّق الانسان الحريص .

    سأتوقف قليلا هُنا , حتى أفسح المجال لمن لديه أيّ مُلاحظة , خاصّة بعد الصدمة التي قد يكون البعض تلقّاها حول موقع الطور الذي كلّم الله فيه موسى - عليه السّلام - , وتفسير بعض الآيات على نحو لا يتفق مُطلقا مع ما ذهب إليه المُفسّرون سابقا .
    فمن لديه أيّ استفسار , أنا مُستعدّة للرد عليه . فأنا أعدّ بعض الصور للخرائط ,التي تُبيّن خطّ السّير لبني إسرائيل , مع مُقارنتها بالآيات التي أشارت إلى بعض المواقع دون تسميتها أو تحديدها بالضّبط , لكنّنا من خلال الاستنباط والتّجميع لبعض المعلومات المُهمّة , استطعنا الوصول إليها , وتحديدها .

    كما سنأتي لا حقا إلى ذكر قصص فرعيّة مع موسى - عليه السّلام - مثل قصّة الخضر والبقرة والوفاة . وهي ستُفيدنا في الاقتراب أكثر إلى ما ذهبنا إليه في هذا البحث .

    يتبع

    اترك تعليق:


  • أحلام الحلواني
    رد
    خروج موسى وقومه من مصر , وتوجّههم إلى الأرض المُقَدّسة

    دعونا أيها الاخوة , قبل الذهاب إلى الآيات , التي تحمل بين جنباتها إشارات قويّة عن مسيرة موسى وقومه نحو الأرض التي كتبها لهم , أن نتأمّل بعض الآيات التي ذُكرت وقت الخروج , إذ قال سُبحانه :
    وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ .

    الأعراف
    ( 137 )

    لقد اختلف بعض المُفسّرين حول الاستضعاف مشارق الأرض ومغاربها , وحول الأرض المُوَرّثة وطبيعتها وموقعها . وأنا بكُلّ بساطة , لا أجد أي سبب لهذا الاختلاف . فالآية تتحدّث عن أمرين : التوريث , وتمام الكلمة , أي : قضاء الأمر الذي وعد الله بقضائه , وهو , إنقاذ بني إسرائيل , وتدمير آل فرعون . كما أنّ هُناك دلالة جليّة وواضحة على ما وضّحناه سابقا في قضيّة التنكيل ببني إسرائيل , وسببه . فالله عزّ وجلّ يُجزي بني إسرائيل على صبرهم , والصبر معناه التمسّك بالمباديء , ألا وهي دين الله . ففرعون أرادهم أن يتركوا دينهم , ويؤمنوا له , فلم يستجيبوا لطلبه , وصبروا على المِحن , حتى جاءهم الفرج , فحقّت لهم الجائزة , وهي : أن يُوَرّثوا مشارق ومغارب الأرض المُباركة , التي سنرى لاحقا أنّها تحوي الأرض المُقدّسة أيضا .

    ثُمّ قوله تعالى :

    فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ
    وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ
    كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ
    الشعراء
    ( 57 - 59 )

    الله هُنا يتحدّث عن فرعون وجنوده الذين لحقوا بقوم موسى لارجاعهم . فتركوا الجنّات والعُيون والمقام الكريم
    , ولم يعودوا إليها أبدا . ثُمّ يستدرك الله بقوله :
    كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ
    فهو استدراك للكلام , بمعناه ومبناه . وعطفَ على الجنّات والعيون التوريثَ في الماضي , أي أنّ هذه النّعم , تمتّع بها من قبلُ بنو إسرائيل , عندما كانوا يسيطرون على إقتصاد البلاد بعد نبيّ الله يوسف - عليه السلام - . وقال العُلماء : أن لا معنى للتوريث إن لم ينعموا به , ولم يثبُت عن بني إسرائيل رجوعهم إلى مصر بعد الخروج مُطلقا , ولا حتى في عهد سُليمان الذي حكم الأرض بقُوّة الله الواحد . كذلك الآية التي تتحدّث عن تدمير كلّ شيء في قاله سبحانه :
    وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ .
    فكيف يدّعي البعضُ أنّ بني إسرائيل رجعوا إلى مصر , وتورّثوا الجنّات والعيون التي تركها فرعون وجُنده ؟! كذلك ما يتبع من الآيات الكريمات التي تتحدّث بالتفصيل حول مسار موسى وقومه بعد تجاوُز البحر , والتي سنتتبعها جيّدا , وسنرى : أن لا أساس لهذا الخلط مُطلَقا , ولم يعُد بنو إسرائيل إلى مصر .
    ******
    تصوّروا يا سادة , الوضع غربيّ البحر , بعد هلاك فرعون وجُنده في ساعة واحدة , وفي وقت واحد . الملك , وبعض الوزراء المُهمّين ( كهامان ) وصفوة الجيش العليّ , كُلّهم هلكوا :
    إنّهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين
    / الأنبياء

    فلمّا آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين
    / الزخرف

    ومن النّاحية النّظريّة , أرى أنّ البحر بدأ بالانطباق من النّاحية الشرقية , ناحية بني إسرائيل , بشكل مُنتظم ومُتدرّج نحو الغرب , فيخرُج الموج على الشطيء الغربي دون الشرقيّ , ويُغرق من بقي منهم على الشاطيء أيضا . والله أعلم . فأغرقناهم أجمعين , تجعلني أؤكد على هذا المبدأ , إذ لم يبق ممّن لحقوا بموسى وقومه أحدا . كما أنّ نجاة جميع قوم موسى :
    وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ
    / الشعراء

    يُحتّم عدم لحاق الموج بهم ساعة الانطباق , والله سبحانه أعلا وأعلم .
    لا شكّ أنّ الفوضى عمّت البلاد , والفراغ الأمني الذي تركه الجُنود , جعل الفقراء والضّعفاء يبدأون بالسّلب والنّهب والتدمير لما تركه الأغنياء والمقربون من فرعون وملإه . وساد الحُزن , وتعالت صيحات الثّكالى , ونال آلَ فرعون ما ناله على يديه بنو إسرائيل من قبل . فدمّر اللهُ ما كانوا يعرشون ويبنون .
    انتهى السّرد لهذه القصّة في سورة القصص عند غرق فرعون وجنوده , ثُمّ توجه الله إلى نبيّه مُحمّد - صلى الله عليه وسلم - يُخاطبُه :

    وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ
    وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ
    وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
    وَلَوْلا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
    فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِن قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ
    قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
    فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
    وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
    الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ
    وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ
    أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ
    وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ
    إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ
    القصص
    ( 44 - 56 )


    لاحظوا يا سادة , أنّ الله بدأ سورة القصص بذكر آيات الكتاب المُبين الظاهر الواضح , ثُمّ راح يسرد قصّة موسى من يوم مولده حتى النّجاة ببني إسرائيل , وهلاك فرعون . ثُمّ توجّه إلى رسوله عليه السلام بالقول :
    وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ
    وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ
    وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
    لقد تناول العُلماء هذه الآيات من جوانب عديدة , أهمّها التدليل على نُبُوّة محمد - صلى الله عليه وسلم - أمام أهل الكتاب , إذ أنّ هذه القصص من الغيبيات بالنّسبة للعرب خاصّة , والنّاس عامّة . وكان معروفا عنه صلى الله عليه وسلم عدم تعلُّمه للقراءة والكتابة , فمن أين لهُ بهذه الأخبار عن الأمم السابقة , بهذه التفاصيل الدقيقة ؟! وهُنا سأفجر قنبلة لن يرضى عنها الكثيرون , إذ أنّني سأختلف مع كافّة المُفسرين والعُلماء , ليس من حيث الدلالة الواضحة على نُبوّة رسولنا الأكرم ( لا سمح الله ) , ولكن من حيث التفسير للآيات , فأقول , وعلى الله أتوكّل , وأدعوه أن يغفر لي إن أخطأت , وأن يجزيني خير الجزاء إن أصبت :
    وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ
    أجمع العُلماء والمُفسّرون على أنّ المقصود بالجانب الغربيّ , هو الجانب الغربيّ من الجبل الذي كلّم الله فيه موسى - عليه السّلام - وقالوا عن قضاء الأمر : ما فرضه الله على موسى وقومه . وهذا يعني بعد تلقيه الكتاب , وهو ما كان بعد هلاك آل فرعون وما قبله من القرون أيضا :
    وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
    مع أنّ الله في هذه السورة , لم يذكر الموعد بينه وبين موسى وقومه عند الجانب الأيمن من الطور .
    سؤالي
    : كيف عرفوا أنّ الله يتحدّث عن الجانب الغربي من الجبل , وأجمعوا جميعا على ذلك ؟

    بحثت في كل آيات القرآن عن أيّ آية تتحدّث عن جانبٍ غربيٍّ لأيّ جبل , فلم أجد سوى الحديث عن جانب الطور , وجانب الطور الأيمن , وشاطي الوادي الأيمن . فمن أين عرفوا أنّ الجانب الأيمن من الطور هو الجانب الغربيّ وليس الشرقيّ مثلا , وهم لا يعرفون أصلا مكان الطور ؟!
    كما أنّ الله تحدث عن ثلاث مناطق في هذه الآيات : الجانب الغربيّ , مدين , والطور . فما هي الحكمة من ذكر الجبل مرّتين ؟
    أقول وبالله التوفيق : أنّ الله تحدّث لمُحمّد عن قصة واحدة في هذه السورة , ولم يأت على ذكر أيّ نبيّ غير موسى وهارون ( عليهما السلام ) من حيث الحادثة القصصية . إذا : المناطق الثلاث هي من شأن موسى - عليه السلام - وهي المناطق التي تواجد فيها هو في القصّة , ومحطّاته الأهم في حياته , وهي :
    الجانب الغربيّ من البحر ( مصر ) , ومدين ( حيث تزوج , وثوى فيها فترة من الزمن ) , وجبل الطور ( الذي كلّم الله فيه لأوّل مرّة , وتلقّى التكليف الالهيّ في الرّسالة ) .

    التّفصيل :

    قال سُبحانه :
    وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ
    بحثت عن كلمة ( قضينا ) في القرآن , فوجدت الآتي :
    وقضينا إليه الأمر أنّ دابر هؤلاء مقطوع
    / الحجر

    وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتُفسدُنّ في الأرض مرّتين ولتعلُنّ عُلُوّا كبيرا
    / الاسراء

    فلمّا قضينا عليه الموتَ ما دلّهم على موته إلا دابّة الأرض تأكل منسأته
    / سبأ


    ولو تتبعنا كل كلمة قضاء في القرآن , لوجدناها تتراوح في المعنى بين : الحُكم , والانهاء للحاجة . مثل قوله : فوكزه موسى فقضى عليه , أي أنهى حياته , أجهز عليه .
    ولكن : قضينا إلى موسى الأمر , لا تُقابلها بالمعنى والمبنى سوى : وقضينا إليه الأمر . وهو لوط - عليه السلام . أي أنّ : قضينا إلى موسى الأمر , تُقابل : قضينا إلى لوط الأمر . وكلاهما جاءتا بعد تكذيبهما من الذين بُعثوا إليهم , ونزول العذاب بمن كذّبوهما .
    قضى الله إلى موسى الأمر بإهلاك فرعون وجنوده وتدمير ما كانوا يصنعون ويبنون ويعرشون , كما قضى إلى لوط الأمر بقطع دابر الذين جاءوا بالفاحشة وإهلاكهم , وتدمير ما كانوا يصنعون ويبنون تدميرا مُبرما .
    ثُمّ قال الله لرسوله عليه السلام , وما كُنت من الشاهدين , أي : لم تشهد هذا القضاء الذي أنجزناه لموسى في الجانب الغربيّ من البحر , ولكننا نحن من أخبرناك به , وعلمناك ما لم تكن تعلم , لا أنت , ولا قومك . والآيات السابقات لهذا في سورة القصص تشهد على القول , ثُمّ يُتبع هذا بقوله سبحانه :
    وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ
    جاء من بعد القوم الذين شهدوا هذه الأحداث بأعيُنهم ( قوم موسى ) أقواما مرّ عليهم الزّمن الطويل , فنسوا كُلّ ذلك , وارتدوا عن دين الله , وفسقوا , وأفسدوا . وها هم يعيشون بينكم في المدينة المنورة ( يهود بني النضير والقينقاع ) . إقرأوا إن شئتم الآيات التي ذكرتها في الأعلى , والتي تُبيّن مجادلة اليهود لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) , مُباشرة بعد الآيات الثلاث التي نبحثها الآن , وفي ذات السورة ( القصص ) .
    ثُمّ أتبع الله الخطاب لرسوله عليه السلام , فقال :
    وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ
    وهُنا نسأل , لماذا ذكر الله مدين عن دون البلاد والأقوام ؟ فهناك ثمود وعاد وغيرهم من الأقوام الذين بعث لهم رسلا تتلوا عليهم آياته . وكان الله يُعددهم في عدة سور . فلماذا مدين بالذات ؟ وجاءت الآية بين آيتين ذكر الله في الأولى قضاء الأمر لموسى , والأخيرة نداءه لموسى من جانب الطور . وهذا كما أسلفنا بعد أن قصّ على محمد - صلى الله عليه وسلّم - قصة موسى وفرعون حتى هلاك الأخير !!! أليست هذه علامات واضحة وجليّة على أن الذي كان ثاويا في مدين يتلو على الناس آيات الله هو موسى - عليه السلام - وليس شُعيبا - عليه السّلام - ؟ ولكنّ موسى - عليه السلام - لم يكُن مُرسَلا من ربّه عند لجوءه إلى مدين هاربا من القوم الظالمين , ولم يؤتَ الكِتاب إلا بعد هلاك فرعون , فكيف كان يتلو على أهل مدين آيات الله ؟
    الجواب : سنراه واضحا وجليّا في مُتابعة أحداث القصّة .
    قبل الخروج من هذا الموضوع إلى السرد القصصي للأحداث , أودّ أن أنوّه , أنّ ما جاء على لسان أبي هُريرة ( رضي الله عنه ) حول تفسير الآية :
    وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
    إذ قال رضي الله عنه : إنّه ناداكم أنتم يا أمّة مُحمّد . ليس عليه خلاف أبدا , ولا يتناقض في حال من الأحوال , مع مُناداة الله لموسى - عليه السلام - وتكليفه بالمُهمّة . إذ أنّه عليه السلام واعده ربّه مرة ثانية عند الطور :
    وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ
    وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ
    الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
    الأعراف
    ( 155 - 157 )


    الأهمّيّة هُنا تكمُنُ في ذكر الأماكن , وتعيينها كمحطات رئيسة في حياة نبي من أولي العزم , اسمه : موسى بن عمران ( عليه وعلى محمد وسائر الأنبياء أفضل الصلاة وأتمّ التّسليم )
    *****

    الآن , لو صحّ لنا أن نُقسّم قصّة موسى عليه السلام وقومه إلى جُزئين , فسنجد أنفسنا نتحدّثُ عن شعب , عاش الظُّلم : مفعولا به , وفاعلا له . فالجزء الذي كان فيه مظلوما , انتهى إلى هذا الحدّ . الآن , سنرى هذا الشعب المظلوم الصّابر , ماذا فعل بعد أن رفع عنه الله الظّلم , وأورثه الأرض المُباركة , وكتب عليه دخول الأرض المُقدّسة . كما أنّنا لن نجد في هذه الدّنيا كِتابا , يصف اليهود بنفسياتهم , وأحوالهم الأخلاقية , وتقلّباتهم الفكرية , كما في كتاب الله الذي بين أيدينا .

    فلنُتابع

    اترك تعليق:


  • أحلام الحلواني
    رد
    المشاركة الأصلية بواسطة أحمد الأقطش مشاهدة المشاركة
    الأستاذة الكريمة أحلام ،،



    أتابع ما تدرجينه في هذا الموضوع، كما أتابع ما يدرجه الأستاذ فتحي. حقيقة ً .. أجد كثيراً من التفصيلات متفقاً عليها، لكن مناطق الاختلاف منصبّة على نقاط بعينها كنتُ أتمنى التركيز عليها دون هذه الحلقات الكثيرة. ولكن على كل حال، فلا ملل مِن الغوص في الآيات الكريمة.

    أتفق في المجمل العام مِن طرحك، لأنه قائم على التدقيق في ألفاظ القرآن. ولكن اسمحي لي ببعض التعقيبات السريعة:



    أنتِ انتقدتِ الإسرائيليات، وحسناً فعلتِ. ولكنك وقعتِ في شَرَكِ النظريات التاريخية، وبخاصة ما يتعلق بحقبة الهكسوس، فهي فترة غامضة في التاريخ المصري القديم نظراً لقلّة الأدلة الأثرية وشحّ الروايات التاريخية القديمة، كتاريخ مانيتون إن كنتِ على دراية به.

    موسى وقومه ليس لهم ذِكر في التواريخ والآثار المصرية المكتشفة حتى الآن، فكيف - ونحن نتعامل مع القصص الحق - نجزم بمثل هذه النظريات التي تواجه الكثير مِن النقد داخل الأروقة العلمية؟ يجب أن يكون القصص القرآني بمنأى عن هذه الأمواج المتلاطمة.



    الله لم يذكر أنّ هناك مَن أرسل هذا الرجل، فلماذا التكهّن بدور لامرأة فرعون؟ هذه الجزئية تنطبق على ما تفضلتِ بانتقاده في قولك:



    .. فمحاولة ملء الفجوات القصصية على هذا النسَق هي التي جعلت القصّاص منذ عصر التابعين يحكون الكثير من الحكايات التي يظنون أنّ الأحداث تسبك بها. أحسنتِ بنقدك لهذه الحكايات التي ليس لها أصل، فلماذا قمتِ بنفس الصنيع هنا؟

    متابع لباقي الموضوع، وأشيد بتناسقه الداخلي
    مع خالص التحية

    ،،


    أستاذي الكريم

    أحمد الأقطش

    أحسنت النقد والله , ولكن اسمح لي أن أفند هذه الحيثيات البسيطة :

    * بالنسبة لما ورد في كتب التاريخ من أخبار الهكسوس , ذكرته هُنا لأنّه لا يتعارض مع ما ورد في القرآن من رفعٍ لنبيه يوسف عليه السلام وأبويه على العرش , بل هو يتماها معه إلى حد ما . وأنا ذكرت في السابق , أنني ربما ألجأ إلى كتب التاريخ فقط , لتقوية الدليل القرآنيّ . وبما أنني ذكرت أن الكلام ليس من كتاب الله , أكون قد حيدت ذهن القاريء عن الاعتقاد به كمُسلّم به , ليبقى نظرية قابلة للتحقيق , أو البقاء في طيّ النّسيان . قد يأتي من بعدنا , ويجدوا أدلّة قويّة تؤيد ذلك , أو تنفيه .

    * بالنسبة للرجل الذي جاء وأخبر موسى - عليه السلام - ذكرته بالرجل , ولكنني وضعت تكهنات لأبيّن لمن عرّفوه بمؤمن آل فرعون , أو رجل من بني إسرائيل , أنّه يُمكن أن يكون أيضا مبعوثا من قِبل أمّه التي ربّته , وهذا أقوى , لأنّها الأكثر اطلاعا على ما يدور في قصر الملك , وهي الأكثر حرصا على سلامة ابنها . أي أن هذا تكهّن يردّ على تكهّناتهم . لكنني شددت , أن لا مجال للتكهّن في أمره , ما دام الله لم يذكره أو يصفه لنا . فرأيي واضح : هو رجل جاء من أقصى المدينة يسعى , وفقط .

    * بالنّسبة لآثار الاسرائيليين , كنت قد قرأت لأحد الجيولوجيين المصريين قديما ( للأسف لم أعثر عليه الآن ) أنّ الحفريات في منطقة الفيوم , كشفت عن صور للفراعنة وهم يستعبدون الاسرائيليين , وصورت القبطي باللون الأسمر , والاسرائيلي باللون الأبيض . وقرأوا تحتها شيئا من هذا القبيل : العصا بيدي , أراقبك أيها العبد , فلا تُحاول أن تتقاعس عن العمل ..... لا أذكره جيدا ( للأمانة ) . لكنني بطبيعة الحال , لا أسلّم تماما بهذه الأمور , إلا إذا وجدت شيئا ملموسا يُقابله في القرآن أو السنة .

    يهمّني جدا أن أجد في الكُتب العلميّة ما يتوافق مع ما ذُكّر في القرآن الكريم , بل هذا يُقوّي من الحماسة القصصيّة , ويجعلها أكثر وضوحا أحيانا , ولا أجد ضيرا في ذلك .

    مودتي واحترامي

    اترك تعليق:


  • أحمد الأقطش
    رد
    الأستاذة الكريمة أحلام ،،

    أتابع ما تدرجينه في هذا الموضوع، كما أتابع ما يدرجه الأستاذ فتحي. حقيقة ً .. أجد كثيراً من التفصيلات متفقاً عليها، لكن مناطق الاختلاف منصبّة على نقاط بعينها كنتُ أتمنى التركيز عليها دون هذه الحلقات الكثيرة. ولكن على كل حال، فلا ملل مِن الغوص في الآيات الكريمة.

    أتفق في المجمل العام مِن طرحك، لأنه قائم على التدقيق في ألفاظ القرآن. ولكن اسمحي لي ببعض التعقيبات السريعة:

    المشاركة الأصلية بواسطة أحلام الحلواني مشاهدة المشاركة
    وهكذا كانت لبني إسرائيل المكانة العالية في مصر , حتى تمكن الفراعنة الأقباط من هزيمة الفراعنة الهُكسوس , الذين كانوا حلفاء لبني إسرائيل , كما ورد في كُتب التاريخ
    أنتِ انتقدتِ الإسرائيليات، وحسناً فعلتِ. ولكنك وقعتِ في شَرَكِ النظريات التاريخية، وبخاصة ما يتعلق بحقبة الهكسوس، فهي فترة غامضة في التاريخ المصري القديم نظراً لقلّة الأدلة الأثرية وشحّ الروايات التاريخية القديمة، كتاريخ مانيتون إن كنتِ على دراية به.

    موسى وقومه ليس لهم ذِكر في التواريخ والآثار المصرية المكتشفة حتى الآن، فكيف - ونحن نتعامل مع القصص الحق - نجزم بمثل هذه النظريات التي تواجه الكثير مِن النقد داخل الأروقة العلمية؟ يجب أن يكون القصص القرآني بمنأى عن هذه الأمواج المتلاطمة.

    المشاركة الأصلية بواسطة أحلام الحلواني مشاهدة المشاركة
    ليعلم بهذا رجلٌ يُحب - موسى عليه السلام - ويخاف عليه , أو ربما سمعت زوجة الفرعون بمكره , فأرسلت هذا الرجل إلى ابنها موسى لتُحذره ..... وليس بعيدا , أن تكون قد أرسلت إليه متاعا للسفر أيضا
    الله لم يذكر أنّ هناك مَن أرسل هذا الرجل، فلماذا التكهّن بدور لامرأة فرعون؟ هذه الجزئية تنطبق على ما تفضلتِ بانتقاده في قولك:

    المشاركة الأصلية بواسطة أحلام الحلواني مشاهدة المشاركة
    الله لم يذكر من هو الرجل , فلماذا التكهن والبحث عن هويته ؟!
    .. فمحاولة ملء الفجوات القصصية على هذا النسَق هي التي جعلت القصّاص منذ عصر التابعين يحكون الكثير من الحكايات التي يظنون أنّ الأحداث تسبك بها. أحسنتِ بنقدك لهذه الحكايات التي ليس لها أصل، فلماذا قمتِ بنفس الصنيع هنا؟

    متابع لباقي الموضوع، وأشيد بتناسقه الداخلي
    مع خالص التحية
    ،،

    اترك تعليق:


  • أحلام الحلواني
    رد
    قضاء الأمر لموسى - عليه السلام - وهلاك فرعون وجنوده

    لقد تحدّى فرعونُ موسى - عليه السلام - , وواعده بالسّحرة الذين سيغلبونه , فانقلب السحر على الساحر , ووقع فرعون بين مطرقة الوفاء بالعهد , وهو الايمان بموسى وهارون , وبين سنديان ملأه , إذ قالوا له :
    أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ؟
    قال فرعون :

    سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ
    .

    وقال أيضا :
    ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ .
    فردّ موسى قائلا :
    إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ .
    فأظهر رجلٌ من آل فرعون ايمانه بعد أن كان يكتمه , وتوجّه بالنّصيحة إلى فرعون وملإه قائلا :
    أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ
    يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ
    وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ
    مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ
    وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ
    يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ
    وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ
    الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ
    وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ
    يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ
    مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ
    وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ
    تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ
    لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ
    فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ
    فماذا حصل له ؟
    فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ .


    نكث فرعون العهد , ورجع عن وعده , وعاد إلى سياسته القمعية في قتل الأبناء , واستحياء النِّساء . كما أنّه لم يؤمن بموسى إلا القليل من قوم فرعون بالسرّ , قال تعالى :
    فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ .

    الحقيقة , أن المفسرين اختلفوا حول الذرّية , هل هي من قوم موسى , أم فرعون ؟وحول معنى ذُرّيّة نفسها . لكنه من الواضح أن ذُرّية هُنا جاءت بمعنى القليل , لما سبقها من استثناء ( إلا ) ولحقها من التبعيض ( من ) كما أن ابن عباس ( رضي الله عنه ) فسّرها بالقليل , ومجموعة من السلف . أما من أعاد القوم على موسى - عليه السلام - فاحتجّ بأن ضمير الغائب في قومه أقرب إلى ذِكر موسى من فرعون , ولو كانت أقرب إلى فرعون , لقال : على خوفٍ منه . كما أن ابن عباس قال بأنهم بنو إسرائيل في
    الطبري , أما في البغوي فقال : هم اليسير من قوم فرعون , ورواية أخرى عن ابن عباس أيضا , أنهم كانوا سبعين ألفا من عائلات القبط , كانت أمهاتهم من بني إسرائيل . فأي رواية نتبع يا سادة ؟ إذا عرفنا , أن ابن كثير جاء على الروايتين ؟! أما السعدي فقال : شباب من بني إسرائيل ثبتوا على الايمان , وصبروا على الخوف .


    إذا , نحن أيضا لنا أن نتكلّم , ونقول رأينا , لكن , مُستنبطا من القرآن نفسه :
    أولا
    : قوم موسى أصلا يؤمنون بالله , وهو جاء ليُنقذهم من فرعون .

    ثانيا
    : قوم موسى قالوا له بأنهم أوذوا قبل أن يأتيهم وبعد أن جاءهم , أي أنهم في العذاب دائمون , فكيف يخافون من فرعون , وهو أصلا يُعذبهم كل هذه السنين , ويستعبدهم لأنهم يدينون لله الواحد ؟

    ثالثا
    : نسي المُفسرون كلمة : وملإهم . أي أن هذه الذريّة من القوم , آمنت بموسى على خوفٍ من فرعون , وملإهم هُم , جماعتهم . ولو كانت الملأ تعود على فرعون لقال : وملإه , لكن ملأه ملؤ هذه الذرّية أيضا , فهم كتموا ايمانهم , لخوفهم من قومهم , إضافة إلى فرعون أن يفتنهم , أي , يُعذبهم .

    يا سادة , إذا كان السّحرة جميعا سقطوا ساجدين . ألا يؤمن القليل أيضا من قوم فرعون الذين شهدوا هذه المُبارزة , وهذه الآية العظيمة , وما تبعها أيضا من آيات بينات ؟ نعم , آمن اليسير منهم , وكتموا ايمانهم , بعد أن رأوا ما حلّ بالسحرة من عذاب فرعون لهم .
    في الوقت نفسه , هُناك من كذّب موسى من بني إسرائيل , وكفروا بما جاء به , وقالوا :
    سحران تظاهرا , وقالوا إنّا بِكُلٍّ كافرون .
    وهُناك من كان مُواليا تماما لفرعون , مثل قارون . والذي قال فيه ربُّ العِزّ’ :
    إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ
    وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ
    قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ
    فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ
    وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ
    فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ
    وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ .
    وجعله الله مع فرعون وهامان في تكذيب موسى - عليه السلام - فقال في العنكبوت :
    وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ .
    وقال أيضا في غافر :
    وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ
    إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ .

    إذا , استمع فرعون إلى تحريض ملإه على بني إسرائيل , ليبدأ الذبح والتنكيل من جديد , إضافة الاستعباد الذي كان قائما . فتوجّه موسى - عليه السلام - إلى قومه خاطبا فيهم :
    اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ .
    فأجابة الذين آمنوا له من قومه :
    أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا .
    قَالَ : عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ .
    يا سُبحان الله , أنظروا كيف كان ردُّ موسى - عليه السلام - :
    وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ .
    هل سيكونوا مُصلحين , أم مُفسدين , في حال مكّن لهم في الأرض كما فعل مع فرعون وملإه ؟
    سنرى في المُستقبل , بعد أن يُهلك الله فرعون وجُنده .
    فأجابه قومه قائلين :
    عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا , رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
    وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ

    جاء الوفاء بالعد الذي قطعه الله لنبييه موسى وهارون - عليهما السلام - , ليُرسل الله آياته تِباعا إلى فرعون وقومه , حتى يشغلهم عن بني إسرائيل :
    وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ .
    فأقحلت الأرض , وجفّت الآبار , وشحّت المياه , لعلّهم يرتجعون , ولكنّهم :
    فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ .
    ثُمّ توالت عليهم آيات العذاب :
    فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ .
    فاض النيل , وهجم الجراد على حقولهم , ومزارعهم , فلم يُبقِ منها شيئا , وعبث برؤوسهم القمل , وغزت الضفادع بيوتهم , وأصابهُمُ الرُّعاف , فما زادهم ذلك إلا استكبارا , وتعنُّتا , وقالوا لموسى :
    مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ .
    في هذه الأثناء , بدأ نبيّا الله ( موسى وهارون ) بدعوة قومهما , وجمعهم حولهما , وتجهيزهم للرّحيل عند ساعة الصفر :
    وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ .
    فسأل موسى - عليه السلام - ربّه مسألة , فاستجاب له :
    وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ
    قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ .
    وكانت استجابة الله لهذا الدّعاء , بإخراج فرعون وجنوده من الجنات والعيون والمقام الكريم , وتدمير ما كانوا يعرشون .
    تصوّروا أيها الأخوات والاخوة , كيف سيكون عليه حال آل فرعون , وقومه , وهم يعيشون هذا العذاب فترة ليست بالقصيرة , قدّرها بعض العُلماء ببضع سنين . لقد بدأت تتفشّى فيهم الأمراض , وكثُر الموت , حتى أصبح الفرعون في حرج شديد أمام شعبه , فأرسل إلى موسى - عليه السلام - وقال :
    يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ .
    وبعيدا عن اختلاف المُفسّرين في معنى الرّجز , فهذه الآية تدلُّنا على المعنى الصحيح :
    فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ .

    ففي قوله سُبحانه :
    إلى أجل هُم بالغوه . عرّفنا بمعنى الرّجز , إذ أنّه وقع عليهم عندما حان الأجل الذي بلغوه , وهو : الهلاك , الموت .


    استدعى فرعونُ موسى عليه السّلام , وعاهده بالايمان إن رُفع عنهم الرّجز , فلمّا رفع الله عنهم ذلك , أعطاهم فرعون موافقته على الرّحيل , فلمّا خرج موسى من عنده , وسوس له ملأه , فنكث العهد , وأرسل في المدائن ليجمع الجُند . لكنّ الله أوحى إلى نبيّهِ موسى :
    وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ .
    فخرج موسى بقومه ليلا . وراح فرعونُ يجمع جنوده , وحتى يُطمئن الجنود لقلّتهم , قال لهم :
    إِنَّ هَؤُلاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ
    وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ
    وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ .

    لأنّ فرعون لا يستطيع أن يجمع كُلّ جنود المملكة في ليلة واحدة , فقد استكفى بمن حوله من المدائن المُجاورة . وجنوده لم يبلغ تعدادهم المليون أو المليون ونصف كما يصف أهل الكتاب , وأنّى له أن يفعل ذلك بفترة وجيزة . كما أن هذه الأعداد التي يدّعيها اليهود , قادرة على أن تغزوا الأرض بأسرها في ذلك الزّمان . لكنّ الله لفت انتباهنا في القرآن , إلى أنّ فرعون هوّن على جُنده الأمر , ووصف مُهمّتهم كأنّها نُزهة عسكرية , مع أناس قليلين , لا سلاح , ولا خبرة في القتال . ثمّ :
    فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ
    فلو فرضنا أنّ فرعون بدأ بجمع الجُند عند المساء , فكم سيجمع حتى الانطلاق في الصباح ؟ أعداد قليلة , ولكن من خيرة المُقاتلين طبعا .
    الآن , إذا كان موسى وقومه ساروا في الليل , أي بعد العشاء مُباشرة , فسيكونوا قد قطعوا بمشيتهم غير المُطمئنّة , والهاربة من العدو , بما يُعادل الستين كيلمترا حتى الشُروق , موعد انطلاق فرعون وجُنده . ومع تراكم المسافة في التسارع بين الأبطأ ( قوم موسى ) والأسرع ( فرعون وجُنده ) فسيقطع الاسرائيليون ما مقداره ثمانين أو مائة كيلمترا حتى يلتقي الفريقان . وهذا يؤكد على عدم صدق النّظريات التي قالت : بأنّ فرعون وجُنده غرقوا في النّيل , أو في بُحيرة قارون .
    بمُساعدة ( جوجل ايرث ) نجد أن أقرب نُقطتين بين شرق النيل , وغرب خليج السويس , هما : مدينة زايد , التي تبعُد حوالي خمسين كيلومترا شمال شرق الفيوم بخط مستقيم , التي وُجد فيها آثارا لبني إسرائيل , ومنطقة ( عين السُّخنة ) على الشاطيء الغربي من خليج السُّويس , والمسافة بينهما حوالي تسعين كيلومترا بخط مُستقيم . كما يصعُبُ التكهُن بأيّ نُقطة جنوب ( عين السُّخنة ) لأن هُناك سلسلة جبال طويلة على طول الساحل , وكُلّما اتجهنا جنوبا , زادة المسافة بين النيل والبحر , لتصل أحيانا إلى مائتي كيلومترا , حيث لا يُمكن لبني إسرائيل قطع هذه المسافة الطويلة في الصحراء , دون إدراك فرعون لهم , وقتلهم .
    وصل موسى وقومه إلى شاطيء البحر , فصرخ بعض من معه قايلين :

    إِنَّا لَمُدْرَكُونَ .

    إذ رأوا جنود فرعون أمامهم رأي العين , وليس أمامهم سوى البحر , فقال موسى - عليه السلام - بثقة المؤمن العارف في الله :

    كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ

    وهُنا , أوحى الله إلى موسى :

    أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ

    يا الله , يا له من مشهد عظيم , انفلق البحر إلى شقين , كُلُّ شق كأنّه جبل عظيم مرتفع , ولا شكّ أنّه ارتفع بقدر العُمق الذي من تحته , وربما أكثر . وطمأن الله بنيه قائلا :

    فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لّا تَخَافُ دَرَكًا وَلا تَخْشَى

    أرض البحر أصبحت كاليابسة , ولن يستطيع فرعون من إدراكهم , لماذا ؟
    لأن الجنود عندما رأوا ما رأوا من هذه الآية العظيمة , وهذا المشهد العجيب , وقفوا مندهشين , لا يقوون على الحُراك , مُنتظرين أوامر رجل مجنون . إذ كيف لمن رأى مثل هذا أن يتقدم ؟! لقد كانت لهم بمثابة فُرصة أخيرة للنّجاة , ولكن , أنّى لهؤلاء المجرمين أن يتّعظوا ؟!
    ما إن زالت الدهشة , وانقشع أثر الصدمة عن فرعون وجنده , واطمأنوا بأنّ ما يروه حقيقة وليس خيالا , ورأوا كيف سلك قوم موسى طريقهم في يابسة البحر , وتجاوزوه بأمان , أعطا فرعون الاشارة المجنونة باللحاق بهم :
    وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا .
    راحوا يركضون وراءهم فرحين , وهم يبغون ويتعدون حدود الله , ويكفرون بآياته البينات , فما كان من الله إلا أن عاقبهم بذنبهم وكفرهم :
    فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ
    وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنصَرُونَ
    وهُنا أرانا الله أمرا , لم يره أو يسمعه أحدٌ سواه من فرعون :
    حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ .
    ولكنّ الله لم يقبل منه ايمانه بعد أن أراه الآيات الكبيرات , فعصى . ليقول له مُستنكرا :
    آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ؟!
    ثُمّ قال :
    فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ .
    وها هي جُثّته اليوم , تُعرض أمام الملايين من البشر , فهل من مُتّعظ ؟

    يتبع

    اترك تعليق:


  • فتحى حسان محمد
    رد
    [align=justify][align=center]اتابعك أستاذة أحلام [/align]وانتظر منك الباقى على شغف لا على تحد ولا على خلاف 0
    وسيادتك لست فى امتحان من احد
    مجهود كبير تشكرين عليه 0
    ودخولى إلى قصة سيدنا موسى لم يكن لشرحها فهى وافية الشرح عند الكثير من المفسرين ، ولكن كان بغرض الترتيب الصحيح بما يناسب بناء القص القرآنى نفسه ، ولم يكن شرح المعنى يهمنى كثيرا فلن اتفوق على المفسرين ، ولكن شرح الحدث وتطوره تطورا طبيعيا منطقيا هذا ما خالفتهم فيه ، والترتيب لا يعيبهم ؛ لأنهم شغلوا بالتفسير للقرآن كله ، ولكنى شغلت بالقصص وكيفية بنائها من الناحية الأدبية القصصية 0
    ولذا تجدين اقسم القصص إلى :
    قصة قصيرة ( هابيل وقابيل )
    قصة روائية ( قصة يوسف )
    قصة ملحمية ( قصة موسى )
    قصة قومية ( قصة بنى إسرائيل )
    قصة مأسملهاة شخصية ( قصة سيدنا إبراهيم )
    قصة مأسملهاة المعاناة ( قصة سيدنا ايوب )
    قصة مأسملهاة السلوك ( قصة سيدنا لوط )
    قصة مأسملهاة الأخلاق ( يوسف )
    قصة مأسملهاة القيم ( قصة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم )
    القصة المأساة السوداء ( قصة فرعون )
    القصة المأساة العظيمة ( قصة الغلام فى قصة اصحاب الأخدود )[/align]

    اترك تعليق:


  • أحلام الحلواني
    رد
    الأستاذ القدير
    سيادة المستشار

    عبد الرؤوف نويهي

    رحم الله والديك , ورحم الله والدي الذي كان دوما وراء حملي على القراءة , وأنا قُرآنيّة مُحمّديّة مُسلمة , جئتُ مِن أمّة لا شرقية ولا غربية ولا يمينية ولا يسارية , بل كما قال شيخنا العالم الجليل ( محمد متولي الشعراوي ) : أمّة فوقيّة تحتية .
    ما أسوقه من أدلّة على كل حرف وكلمة , وعلى كل معلومة ثابتة , سواء كانت أدلّة عقلية أونقلية , لا تقبل بأي حال من الأحوال التشكيك , لأنها مُستخرجة من كتاب لا يُشكّكُ بِهِ إلا كلّ مُتّبع لهواه , أو مُتحيّزٍ لخُطاه غير المحسوبة .
    أنا اطلعت على آراء شيوخ الاسلام , ومن بينهم ابن تيمية رحمهم الله جميعا بما يخُصّ كبار المُفسرين , فوجدتُ ما يستدعي إعادة النّظر بكُلّ ما جاءوا به من رؤيات . حتى السلف الصالح كان الخلاف بينهم جليّا وواضحا , ولست هُنا لأعرض هذه الخِلافات , بل أنا هُنا أخاطب العقل السليم المُتفتح والمُتعطش لمعرفة الحقيقة . ولم أكن لأدخل في هذا البحث , لولا رأيت وقرأت عن هذه القصّة في كِتابات الأستاذ الأديب ( فتحي حسان محمد ) , وأنا أطلب منه ( بالمُناسبة ) أن يُتابع حتى النهاية , وسيجد كلّ الاجابات الشافية على أسئلته . وقبل أن يتهمني بالابتعاد عن السّنّة , والاستخفاف بالسلف , أو رمي آراء الصحابة ( رضوان الله عليهم ) وراء ظهري , فليعلم أنّني أحفظ ما لا يقل عن ألفي حديث عن رسول الله , كما أنني قرأت الكثير عن آداب التفسير وطرق الاستدلال . وقرأت لابن تيمة أن أفضل التفاسير إلى القرآن والسنّة هو تفسير : محمد بن جرير الطبري , لأنه يذكر الأسانيد الكاملة لما يُرفع من أقوال السّلف , ويتهم الكثيرين بإقحام الاسرائيليات في تفاسيرهم , والبدع والمُحدثات من الأقوال التي لا تتفق وروح الاسلام , أو شرائعه . حتى السلف أنفسهم اختلفوا , إذا , لا ضير من مُناقشة أقوالهم واختيار الأفضل منها , أو البحث عما هو أقرب للحقيقة , لأنّه لا عصمة ولا تشريع إلا للأنبياء والرّسل الذين تلقوا الدين عن الله بواسطة وحيه مُباشرة .
    بواسطة فتحي حسان
    أى قبلة كان موسى يتجه غير مصر حتى عرفه الله – بالمصادفة قياسا على رأى احلام -
    سامحك الله أستاذي , أنا قُلت أن الله قابل موسى بالمصادفة ؟؟! أم أنه جاء على قدر من الله ؟ هذه فِرية لا أقبلها من أستاذ أحترمه .
    أستاذي فتحي , إن لم يكن عندك أرضية علمية صلبة بكتاب الله وسنة رسوله فاعرض ما أكتُبُه على كبار عُلماء الأزهر الشريف , فإن وجدوا فيه انحرافا ردوه , وإن وجدوا فيه صوابا قبلوه , وتبقى المسألة مسألة اجتهاد منهم لا أكثر ولا أقل .

    أختي الغالية
    نجوى النابلسي

    مغتبطة بك , وسعيدة لتواصلك

    مودتي واحترامي للجميع

    اترك تعليق:


  • فتحى حسان محمد
    رد
    [align=justify]أهلا وسهلا ومرحبا بمعالى المعانى المستشار / النويهى
    ما أجمل وأروع ردك العالم ببواطن الأمور والمضطلع على مكنون أسرار العلوم ، ومنها القرآن لا غيره بدون سنة المصطفى وتابعيه من الصحابة ، وكانك مثل القرآنيين الذين لا يؤمنون بغير القرآن ويبطلون السنة المطهرة لأسباب من كونها لم تكن محفوظة مثل القرآن ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
    تبارك جمع وترتيب أستاذة أحلام لقصة سيدنا موسى وتؤمم على حسنها وصوابها ، ولم تسأل وتعرف :
    أين الطور ؟؟
    أين الوادى المقدس ؟؟
    لماذا لم تخف ام موسى على أخيه هارون ، إذا ما تركنا تفسير المفسرين وحديث ابن عباس وهو من هو ابن عباس ؟؟ وكان الخوف على موسى فقط ؟؟
    ولماذا كان الخوف لفرعون وهامان وجنودهما كما حددهم الله تبارك وتعالى ولم يجمع معهم باقى شعب مصر ؟؟؟!!!!
    أى قبلة كان موسى يتجه غير مصر حتى عرفه الله – بالمصادفة قياسا على رأى احلام - على ذاته العلية ، وطلب منه تغير قبلته إلى مصر؟؟؟؟
    وإن كنت تعرف فلم لم تقل لنا ؟؟
    وإن كنت لا تعرف فلماذا لم تسأل الأستاذة ؟؟!!
    ولماذا لم تبحث بنفسك دون الاعتماد على السيدة الوالدة وذهبت تعرف قصة موسى مع سيدنا الخضر وغيرها ، وأين تقع هذه القصة من صلب قصة موسى ؟؟ ولماذا كانت ؟؟؟

    كما إن الفاضلة أحلام لم تؤكد لنا أين الطور وفى أى مكان ؟؟
    لا تريد أن تقول سيناء المصرية ، عناد فى عناد والسلام ، وسيادتكم ورائها تؤمم على كلامها من غير سؤال ولا حسم ، وهى من جاءت تحملنا إلى الحسم واليقين ؟؟؟
    على العموم لم أتدخل حتى لا أقاطعها ولا أربكها ، حتى تسير إلى اشد التعقيد لأنها لم تقابله بعد ، واثق من ذلك 0
    وكل ما سبق من سرد لا خلاف عليه ، إلا فى تحديد قبلة موسى إلى مصر إبان عودته من مدين
    ولم أتدخل إلا بعد إشادتك وتثبيتك للموضوع وأنت مفترض تناقش وتفند وتضيف وتخالف وغيره لا أن ترحب مثلك مثل أى زائر كريم ، فأنت المشرف على النقد ، ومن الحكمة أن تكون ملك ناصيته لا مجرد زائر 0 [/align]

    اترك تعليق:


  • عبدالرؤوف النويهى
    رد
    أحسن القصص

    [align=justify]القصص القرآنى ..متعة وأى متعة .
    "نحن نقص عليك أحسن القصص" صدق الله العظيم

    قصة سيدنا موسى مع سيدنا الخضر من القصص التى أعادت بناء تفكيرى فى سنواتى الأولى من عمرى .

    كنت كثير الأسئلة لما يحدث أمامى من الأمور اليومية ..حتى كانت أمى أطال الله عمرها ومتعها بالصحة ،تضيق بى ...فأذهب إلى جدتى أم والدى رحمة الله عليهما ..فتستمع إلى ّ ثم تجيب وفقاً لما تعلمه ..لكنه لم يكن يشفى غليلى ..فكان العبث فى مكتبة والدى ومحاولة القراءة ..للبحث عن الحقيقة .

    كنت صغيراً وأنا أتلو القرآن على شيخ الكُتاب ..وأتعجب من كثرة أسئلة سيدنا موسى وعدم صبره رغم تحذير سيدنا الخضر له.

    ومرت سنوات العمر سراعاً ..وتبين لى أن ما يحدث من أمور الحياة ومايشاع أمامك من مواضيع قد لاتستند إلى الحقيقة ..

    وكم كان أحمد شوقى ..رائعاً .. عندما قال :
    " لا تأخذنا من الأمور بظاهر ***إن الظواهر تخدع الرائينا"

    أستاذتنا الباحثة القديرة /أحلام الحلوانى ..

    فى انتظار ما يُشفى غليلى ويُثلج صدرى.[/align]


    تثبيت

    اترك تعليق:


  • نجوى النابلسي
    رد
    رائع والله يا أحلام

    تتبع القصة وربط الآيات من السور للوصول إلى الرواية الحقة

    أتابعك بشغف

    اترك تعليق:


  • أحلام الحلواني
    رد
    موسى - عليه السلام - ومعركة الخلاص مع فرعون

    خرج موسى - عليه السلام - من الطور مُنشرح الصدر , طليق اللسان , مؤيّدا برعاية الله , ومُزوّدا ببُرهانين عظيمين , ومؤازرا من أخيه ووزيره ( هارون ) , مُحمّلا برسالات ربّه إلى فرعون وقومه , وموعودا بالنّصر , وقضاء الأمر . لكنّ هذا لن يمر بهذه البساطة , وسنرى , ونسمع ما كان من نبأ موسى وفرعون بالحق .
    دخل الأخوان الرّسولان الكريمان على طاغية زمانه ( فرعون ) سلّما عليه , مُعرّفين عن نفسيهما , فقالا له قولا لينا , لعله يذّكر أو يخشى : إنّا رسولا ربّك فأرسل معنا بني إسرائيلَ , ولا تُعذّبهُم , قد جئناك بآية من ربّك , والسّلام على من اتبع الهُدى . إنّا قد أوحي إلينا أنّ العذاب على من كذّب وتولّى .
    بعد هذه السنين الطويلة , بدأ فرعون كلامه باللوم على موسى - عليه السّلام - مُذكرا إياه برعايته له صغيرا , وعطفه عليه , وحُبّه له , فقال :
    أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ
    وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ؟
    فأجابه موسى بثبات معترفا بذنبه , كما اعترف به لربّه من قبل :
    فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ
    فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ
    وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ ؟
    لم تنطلِ الخدعة على موسى - عليه السّلام - ولم يأبه لهذا اللوم , بل دخل في صُلب الموضوع , وذكّر فرعون باجرامه في استعباد بني إسرائيل . كما أنّ هذه الآية الكريمة , تُبيّن بوضوح تام , أنّ الرسالة جاءت بعد الفرار من فرعون . لكنّنا سنرى , أنّ الكتاب ( التوراة ) لم ينزل بعد , ومُهمّة موسى في مصر كانت مُحدّدة بتخليص بني إسرائيل .

    قال فرعون : فمن ربُّكُما يا موسى ؟
    قال : ربّنا الذي أعطى كُلّ شيء خلقه ثمّ هدى .
    ثمّ راح يشرح له :
    الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلا وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى
    كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُولِي النُّهَى
    مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرى .

    نظر إليهما فرعون باستهزاء , ثُمّ قلّب بصره فيمن حوله من وُزراء وأتباع , فقال باستعلاء وتكبُّر :

    يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ
    فقال الملأ من قوم فرعون مُستهزئين كزعيمهم :
    أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ ؟

    قبل أن نُكمل الحِوار , دعوني أذكركم بأمر بات معروفا لدى الجميع , وهو سرُّ بِناء الأهرامات , الذي قضى العلماء والمُهندسون مئات السنين يبحثون عنه , إذ كانوا يضعون نظرياتهم في نقل الحجارة العملاقة وإيصالها إلى مواقع البناء , حتى اكتشفوا في النهاية , أنّ الأهرامات ما هي إلا أبنية طينيّة , سُلّطت عليها نيران هائلة . أي أنهم كانوا يصنعون قوالب حسب الطّلب , ثُمّ يُعبئونها بالطين المُستخرج من طبيعة الأرض المصرية ذاتها , ثُمّ يَتركونه ليجف , فيُسلّطوا عليه النار , فيُصبح صلبا كالصخر . والله أخبرنا بذلك بايجاز مُعجز , كلمات بسيطة على لسان فرعون :
    فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا . وهذا يعني أيضا , أن بناء الأهرامات لم يأخذ ذلك الجُهد , أو الزمن الذي قدّره العُلماء في السابق .

    ثُمّ عاد فرعون وسأل موسى - عليه السلام - عن الأمم السابقة ممن كانوا مثل فرعون يعبدون الآلهة , ولا يؤمنون بما جاء به موسى من شرح عن هذا الرّب , ربّهم وربّ آبائهم الأولين ؟
    فقال عليه السلام :
    عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لّا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى




    ولنتذكّر هُنا قوله سُبحانه :
    وما كُنّا مُعذّبين حتى نبعث رسولا . لهذا أرجع موسى - عليه السلام - علمهم إلى الله , يفعل بهم ما يشاء , إن لم يكن قد بعث فيهم الأنبياء والرُّسل , ولم يوقع العذاب عليهم في حينها , فهُناك الدار الآخرة , لن ينساهم الله , أو يظلمهم .





    غضب فرعون من هذا الاصرار عند الرّسولين الكريمين , ويبدو أنّه عجز عن مجادلتهما , وقال لمن حوله :
    إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ .
    ثُمّ توجّه إلى موسى بخطاب غليظ , قائلا :
    لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ .
    قال موسى :
    أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ ؟
    قال فرعون :
    فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ .
    وهُنا جاء دور البرهانين العظيمين , فألقى موسى - عليه السلام عصاه , فإذا هي ثُعبان عظيم يهتز كأنّه الجان , وأخرج يده من جيبه , فإذا هي بيضاء ناصعة للناظرين . وهُنا نُذكّر , أن اليد البيضاء لا يُمكن أن تكون كما نظُنُّ ونتخيل بأنّها مُجرد يد خالية من البرص , ولا بُدّ أنه بياضٌ لم ير الناس مثله من قبل , ولم يعهدوه . فرعون وملأه لم يروا مثل هذا , رغم خبرتهم بالسّحرة والمُشعوذين , ولم يخفوا هذا الانبهار , حتى سارع فرعون ووصف موسى بالسّاحر العليم . فماذا عساه أن يفعل بعد ما رآه من آية ظاهرة ؟!
    لقد كذّب فرعون الرّسول مُحرّضا الملأ من قومه :
    إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ
    يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ؟
    وكذلك ردّد وزراءه من بعده , وأضافوا :
    مَا هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ .
    ثُمّ اقترحوا :
    أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ
    يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ .
    فتوجّه فرعون إلى موسى مُتوعّدا إياه :
    أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى ؟
    فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنتَ مَكَانًا سُوًى .
    قال موسى :
    مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى .

    وهكذا وفّى اللهُ سبحانهُ وعده لنبيّه , وحماه من فرعون وملأه بآياته . فضرب موسى - عليه السلام - لفرعون موعدا يكون فيه الناس مُجازين من أعمالهم وأشغالهم , يوم عيدٍ يُجمعون عند الضُّحى , ليشهدوا مُبارزة بين السّحرة وموسى الذي ذاع صيتُه بعد لقائه وتحدّيه لفرعون . فمن سيتخلّف عن حدث عظيم ومُشوّق كهذا ؟!
    أمّا فرعون , فأوعز إلى مُستشاريه أن يجمعوا لهُ أعلمَ وأقوى السحرة في مملكته , وهو قلق ومتوتّر , فراح يُجزي العطايا , ويَعد بالترقيات والمناصب العليّة لمن يغلب موسى بالسّحر :

    وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُواْ إِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ ؟
    قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ .

    اجتمع الناس في المكان المُحدّد المٌستوي ( مثل ساحة واسعة ) وعلى رأسهم السحرة , ومن فوقهم فرعون ووزراؤه , ودقت ساعة المُواجهة . وقف موسى - عليه السلام - وتوجه بالخِطاب مُباشرة إلى السّحرة قائلا :
    وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ , وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى .
    موعظة بسيطة , خرمت آذان السّحرة , وجعلتهم يرتبكون :
    فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى .
    تحولقوا على أنفسهم , وذهبوا يتشاورون في قول الرجل . يُفترض أنهم أمام ساحر مثلهم , فما هذا الذي يقوله عن كذبهم وافترائهم ؟ إنهم يعلمون أنّهم لا يستطيعون تحويل العصيّ والحبال إلى أفاعي , ولكنّهم يسحرون أعيُن الناس بألاعيبهم الفنّيّة , ليعتقدوا ذلك . كما أنّهُ يُحذرهم من هذا الافتراء , ويتوعدهم بعذاب يُهلكهم , ويستأصلهم من جذورهم . طيب , إذا كان موسى ساحرا , فمن أين له كل تلك الثّقة في الوعيد ؟ وهو صادقٌ فيما وصفهم بِه , ما العمل ؟ تشاوروا في الأمر , ثُمّ خرجوا بنتيجة . سنعرفها لا حقا .
    انفضّ التشاوُر , ثُمّ راحوا يرددون كلام فرعون بينهم :
    إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى
    فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى .
    ثمّ قالوا لموسى :
    يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى .
    قال عليه السلام :
    بل ألقوا

    فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى .
    فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى ..
    قُلْنَا لا تَخَفْ .. إِنَّكَ أَنتَ الأَعْلَى .

    لاحظوا كيف استطاعوا أن يُخيّلوا حتى لنبيّ الله , بأنّ حبالهم وعصيّهم تسعى , فلما أوجس موسى في نفسه خيفة , جاءه نداءُ الربّ حازما , لا حظوا التشديد على الميم في : مّوسى , قُلنا لا تخف . يا الله ما أجمل خطاب الرّب , يا الله ما أقوى تأييده لرسله . فألقى موسى عصاه , فإذا هي حيّةٌ تسعى , تلقف الحبال والعِصِيّ , حقيقة لا خيالا . كيف تبيّن ذلك ؟ عندما ألقي السّحرة ساجدين . لماذا ألقوا ساجدين ؟ لأنّهم عندما أسرّوا النجوى , وتشاوروا بعد أن رأوا إشارات صادقة تدلّ على أن من يقف أمامهم ليس بساحر , إنّما هو نبيّ الله ورسوله , نذروا أن يتبعوه إن تغلّب عليهم . كيف تأكدوا من ذلك ؟ عندما أوجس من عصيهم وحبالهم خيفة , فلو كان ساحرا لما استطاعوا أن يسحروا عينيه , ولو كان ساحرا لبقيت عصاهُ عصا , ولما تحولت إلى أفعى حقيقية , تلقف ما يأفكون . سجدوا حتى لا يُصيبهم ما وعدهم به وقد تبيّن لهم الحق .
    لقد كانت هذه أوّل هزيمة لفرعون أمام ملأه وشعبه وجنوده , كما أنها كانت أوّل انتصار لموسى وأخيه والمُستضعفين في الأرض , فهل سيتعظ ويرعوي ويأوب إلى الحق ؟
    لا . بل ذهب يتوعّد السحرة بالعذاب , حتى لا يلحقهم أحدٌ من الشعب , ويكونوا عبرة للآخرين ممن لا نوا واستجابوا لدعوة موسى وهارون - عليهما السلام . فتوجه إلى السحرة قائلا :
    آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى .
    ولكن أنّى ينفع التهديد والوعيد مع من عرف الحقّ , وعمر قلبه الايمان . فما كان من السحرة إلا أن قالوا :
    لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا
    إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى
    إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى
    وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى
    جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء مَن تَزَكَّى .

    ويجدر بالذكر هُنا , أنّ ممّن آمنوا بدعوة موسى - عليه السلام - من آل فرعون , كانت زوجته التي احتضنت نبيّ الله في صغره , إذ قالت :
    ربِّ ابن لي عندك بيتا في الجنّة , ونجّني من فرعون وعمله , ونجّني من القوم الظالمين
    . التحريم 11 .

    فجعلها الله مثلا يُضرب للذين آمنوا .

    يتبع

    اترك تعليق:


  • أحلام الحلواني
    رد
    الأخت نجوى النابلسي

    أهلا بك غاليتي , سعيدة بمتابعتك .
    صدقت في طلبك إعادة النظر بما تضمنته كتبنا التراثية من الاسرائيليات , وهناك أناس أخذوا على عاتقهم تنقيتها وإعادة صياغتها .

    أخي الكريم / علي الطيّب

    أشكر مُتابعتك , وأتمنى أن تعُمّ الفائدة

    مودتي لكما

    اترك تعليق:

يعمل...
X