قصّة موسى بين النّقل والتأويل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • علي الطيب
    رد
    جزاك الله خيراً
    ولقد كان إيمانه نابعاً من القلب ، لأن الله سبحانه وتعالى قد هيأه لحمل الرسالة .

    دمت بخير

    اترك تعليق:


  • نجوى النابلسي
    رد
    الأخت أحلام

    أعجبتني طريقتك في رصد القصص القرآنية من القرآن نفسه فلطالما طلبت إعادة النظر في كتبنا لتضمينها إسرائيليات وقصص لا يقبلها العقل ولا المنطق ولا العلم الحديث. القرآن العظيم يشرح نفسه لو تتبعنا الكلمة والقصة في السور. وحبذا لو يقنع العلماء بأن دعوة التجديد تصب في مصلحة الاسلام وتخليصه من الشوائب التي علقت بكرمه عبر أجيال من النقل .

    سلمت يداكِ

    اترك تعليق:


  • أحلام الحلواني
    رد
    موسى - عليه السلام - والتكليف الرباني

    فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ
    فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ
    وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ
    اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ
    قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ
    وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ
    قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ
    القصص ( 29 - 35 )

    إذا , قضى موسى - عليه السلام - أتمّ الأجلين كما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد اتفق أهل العلم على ذلك , ولا يُعقل أن لا يُتمّ كليم الله إلا ما هو أوفى وأبرّ , ولا خلاف على ذلك . لكنّه لم يتحرك فور قضاء الأجل , لأنّ الله سبحانه وتعالى قال : فلمّا قضى موسى الأجل وسار بأهله . فالواو تُفيد التمهُّل , ولو ذكر السير مباشرة دون الواو , لقُلنا أنه لم يمكث ساعة واحدة بعد انقضاء الأجل . وليس هُناك ما يؤكد قول بعض المحدثين على أنه مكث عشرة سنين أخرى , وليس هُناك ما يُفيد المُدّة التي بقيها بعدها . ما يُهُمّنا , أنّه سار بأهله وغنمه من مدين . إلى أين ؟ لا أحد يعرف , وكل القصص التي وردت في التفاسير حول وجهة موسى - عليه السلام - ليس لها أي دليل قطعي سوى التخمين . بل هُناك أسئلة منطقية , تدل على أنه لم يكُن مُتوجها إلى مصر , أوّلُها عدم ذكر الله لوُجهته , مع أنه ذكر وُجهته عند خروجه من مصر إلى مدين . ثمّ إن الله سُبحانه , ما كان ليستوقفه في الطريق ليوجهه إلى فرعون الموجود في مصر , ليقول له إذهب إلى فرعون ( مصر ) . أي أن المنطق يقول : التوجيه يأتي بعد الابتعاد عن الهدف , فالله يُريد لموسى أن يذهب إلى مصر , لكنه كان مُتجها إلى مكان آخر , فاستوقفه , وحوّل مساره , بعد تطمينه بالوقوف إلى جانبه , وإعطائه آيات عظيمة , تمنعه من العدو . ثمّ قول موسى - : قال ربّ إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون . إذا كان يعلم بالمخاطرة , فكيف يصطحب أهله وأغنامه معه إلى الخطر ؟ كما أنّ هُناك دليلا أقوى من كل هذه الأدلّة , وهو الطور , فعندما نتعرف على موقع الطور , سنعرف الطريق التي سلكها موسى - عليه السلام - .
    أنظروا ما أجمل السرد القصصي القُرآني , ولا أعرف والله لماذا لجأ علماؤنا إلى إقحام قصص ما أنزل الله بها من سُلطان , والقرآنُ بايجازه يشرح لنا الأمر بجلاء , وجمال , وإقناع , أكثر من تلك القصص التي أُقحمت من غير داعٍ في القصّة . يقول ربنا جلّ وعلا :

    فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ

    عندما يقول سبحانه : آنس من جانب الطور نارا , أي أنه رآها وحده , ولا خِلاف مع العلماء في ذلك . لكنهم عندما يقولون : بأن هذه النار لا يستطيع أن يراها أحدٌ سِواه , فهُنا نختلف معهم , وبشدّة . إذ لو أن أهله كانوا بجواره ساعة آنس النار , ولم يجد منهم أي ردة فعل , لشكّ فيما رآه . لكن , كيف نقرأ هذه المؤانسة للنار , وطلبه من أهله المُكوث ؟ لقد كانوا يسيرون ليلا , ومواصلتهم للسير ليلا , هو علم موسى - عليه السلام - بقُربه من مكان آهل بالسُكان , أو مكان آمن للمكوث فيه . لكنه ضلّ الطريق , واعتقد أنه انحرف عن المسار الصحيح , لكنّ الأمل كان يحدوه للوصول , وبنفس الوقت , كان خائفا على أهله , مما اضطرّه استكشاف الطريق أمامهم , فلمّا آنس النار , رجع إليهم , وطلب منهم المُكوث مكانهم , بعد أن أخبرهم بأنّه آنس نارا , وسيذهب ليتفحّص الوضع , علّه يجد عندها من يدلّه على الطريق , أو يأتي بجذوة منها ليتدفّأ الأهل ويستنيروا بنورها , وبطبيعة الحال , هو لا يعلم ما سيجده عندها من أقوام , فخاف اصطحاب أهله معه .هذا كُلُّ ما في الأمر . أمّا قولهم : أنها كانت ليلة ماطرة , وكانت زوجه على وشك الولادة , وجاءها المخاض في تلك الليلة , وكان يصطحب ولدين ..... الخ وكأنّ موسى - عليه السلام - كان هاربا من أهل مدين , ولم يستطع المكوث قليلا حتى تضع زوجه مولودها . أنا مُستغربة والله , لو كانت السماء ماطرة , فهل ستنفعهم النار لتقيهم من المطر ؟ لكن كان هُناك برد , نعم كان , وهذا واضح من الآية .
    نأتي إلى تعريف الطور , وقد أجمع المُفسرون على أن الطور هو الجبل المكسو بالخضرة والأشجار , وذكر ابن عباس أن الطور ما نبت من الجبال , وما لم يُنبت فليس بطور . لكننا سنُلاحظ أن الله لم يذكر الطور إلا لجبل واحد فقط في القرآن , وهو طور سينين أو طور سَيناء . وسينين أو سيناء لا يُمكن أن تكون صفة للجبل وحده , لأنه لو كانت صفة بحد ذاتها لعرّفها الله وقال : طور السيناء , لكنّ تنكيرها يدُلُّ على اسم المكان , وهذا الاسم صفة أيضا للمكان الذي تكثر فيه الخضرة والثمار , أو بمعنى آخر : البركة من الثمر . لهذا قال عنه الكثير من العُلماء , أنه جبلٌ مُبارك , عنده الوادي المُقدّس طُوى , خرجت منه أوّل شجرة زيتون تنبُتُ بالدُّهن . الآن , كيف عرفنا أنّ أوّل شجرة زيتون خرجت من الأرض كانت في هذا الجبل ؟ من سياق الآيات الكريمة التالية :

    بسم الله الرحمن الرحيم

    وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ
    ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ
    ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ
    ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ
    ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ
    وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ
    وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ
    فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ
    وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاءَ تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ

    المؤمنون
    ( 12 - 20 )


    لاحظوا أن الله بدأ بخلق الانسان , وتكوينه في رحم أمه , ومولده , ثم بدأ بتِعداد النعم عليه , حتى أتى إلى إنشاء الجنّات من نخيل وأعناب وفواكه , وهذه كلّها نِعمٌ أغرق الله فيها الأرض على الانسان عامة , سواء كان مؤمنا بالله أم كافرا , ثُمّ عطف عليها الشُّجرة التي تنبُتُ بالدُّهن من طور سيناء . فهل يُعقل أن تكون شجرة واحدة يَعُمُّ خيرُها على البشرية جمعاء ؟! بالطبع لا . لكنَّ الله أراد أن يُبيّن أنّ أول نبتٍ لها كان في هذا الطور , ثُمّ خرجت ثمرتها من هُناك , لتَعُمَّ الأرض , وتكون صِبغا للآكلين . وهُنا نسأل : هلى هُناك بيت في هذه الأيام يخلو من خيرات شجرة الزيتون ؟ ليس هُناك بقالة , أو حانوت , أو ( سوبر ماركت ) يخلو من هذه الثمرة المُباركة . كذلك , أقسم الله بهذا الجبل مرتين , فقال : ( والطور , وكتاب مسطور ) قرنَهُ بكتاب الله الكريم . و : ( والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين ) قرنَهُ بمكّة المُكرّمة , والقدس على أغلب الروايات والمُفسرين . إنّهُ جبل مُهم جدا من الناحية القُدُسية , ولا ريب في ذلك . هل يُعقلُ أن يكون هذا الجبل في الصحراء , كما يعتقد النّاس أنَّهُ جنوب شبه جزيرة سيناء , وهو جبلٌ بُركانيٌّ لا ثمر فيه ولا شجر ؟ إذأ , أين هو ؟ سنعرف هذا في مُتابعة القِصّة .
    أتى موسى - عليه السلام - النار , وهو يسير في وادي طُوى , فسمع صوتا يُناديه من البُقعة المُباركة في الشجرة التي كانت في الشاطيء الأيمن من الجَبَل . وفي سورة النمل قال : ( فلمّا جاءها نودِيَ أن بورك من في النّار وما حولها ) وفي سورة النور : ( الله نور السماوات والأرض , مثل نوره كمشكاة فيها مصباح , المصباح في زجاجة , الزجاجة كأنها كوكبة دُرّي يوقد من شجرة مُباركة , زيتونة لا شرقية ولا غربية , يكاد زيتها يُضيء ولو لم تمسسه نار ) . الآن , لا أدري من أين أتى المفسرون بشجرة العوسج أو العُلّيق هُنا ؟! أم لأنها مذكورة في كُتب الاسرائيليين ؟ الله بيّن لنا أن الشجرة التي خرجت من طور سيناء هي شجرة مُباركة , ثُمّ وصف لنا البُقعة من الشجرة التي نادى منها الله نبيّهُ بالمُباركة , وكذلك وصف شجرة الزيتون ضمن وصفه لنوره بالشجرة المُباركة , كُل هذه الشواهد , والحقائق , ولا زالوا يتحزّرون حول نوع الشّجرة ! أليس هذا غريبا ؟! بورك نور الله , وبورك صوته , وبورك مَن حوله : موسى , والأشجار , والمكان . إنه مكان مُقدّس , كلُّ ما فيه مُبارك , ألم يقُل سبحانه لنبيّه - عليه السلام _ ( إنّي أنا ربُّك فاخلع نعليك إنّك بالواد المُقدّس طُوى ) ؟ كلُّ شيء مُباركٌ هُناك . لم يخف موسى - عليه السلام - من صوت النداء , وامتثل بخلع النّعلين , واستمع بخشوع لقول الله , إذ عرّفه ربّه بنفسه , وذكّره بنعمه عليه , وقصّ عليه ما كان من عملية إنقاذه وهو طفل , ثمّ إنقاذه وهو شاب , ثُم مكوثه في مدين , ثُمّ مجيئه إلى الطور بقضاء الله وقدره وتدبيره , وعرض عليه التكليف بانقاذ شعبه من فرعون , كما كلّفه بدعوة الفرعون إلى دين الله . إنّه تكليف ليس بالسهل , ولا يؤتاه إلا أولو العزم من الرسل , ففرعون كان ملكا جبارا , آتاه الله المال والقوة , وقوم موسى شعب ضعيف , لكنه صعب المِراس , مُتقلب , ومعروف عنه قتل أنبياء الله وعصيانهم لأوامره . وهل نور الله كأيّ نور ؟ وهل صوت الله كأيّ صوت ؟ لا شك أنّ مُجرد النظر إلى نوره الخارج من البُقعة المُباركة من الشّجرة , والاستماع إلى صوته العذب , يعني مُتعة لا تُضاهيها مُتعة , وإنّ كُلّ ما يُمكن للمُفسرين والعلماء تخيُّله لن يوصلهم إلى شيء , سوى أن الله عز وجلّ كلم هذا النبيّ , وخصّهُ بتلك المُتعة . فتخيّلوا مشهد الأفعى التي خرجت من عصاهُ , لتجعله يرتعب , وينسى مُتعة النظر إلى نور الله , والاستمتاع بسماع صوته , كيف سيكون عليه شكلها ؟! لا شك أنها أفعى عظيمة ومُخيفة , بحيث لا نستطيع أن نتكهّن أو نتصور منظرها الذي منع فرعون من ايذائه , وجعل السحرة يسجدون , ولا يأبهون بتقطيع الفرعون لأوصالهم . لقد كان هذا أوّلُ ردٍّ على تخوُّف موسى من الذهاب إلى فرعون . فالله عز وجل سأل نبيّه عن تلك التي بيمينه , فعرفنا أنّ موسى - عليه السلام - ليس أعسرا , وأنّ العصا في يده كأية عصا , وليست عصا النّبُوّة التي قال بعض المُحدّثين أنّه اختارها من بين عِصِيٍّ كان يحتفظُ بها شُعيب عن آبائه الأنبياء , وُصولا إلى إبراهيم - عليه السلام - . كما أثبتنا بالوجه القاطع أن الرجل الكبير من مدين ليس إلا رجلا عاديا صالحا ومؤمنا بالله . كما أنّ الله عرّفنا أن موسى - عليه السلام , يصطحب معه في سفره هذا أغناما . هذه العصا العادية , تحولت إلى أفعى مَهولة , فماذا عن اليد التي ضمّها عليه السلام إلى جيبه فخرجت بيضاء من غير سوء ؟ وقد وصف الله العصا واليد كبرهانين لفرعون على نُبُوّته , فماذا قال العُلماء عن بُرهان اليَد ؟ قال مُعظمهم بادخال اليد إلى فتحة القميص , فخرجت بيضاء ناصعة بدون شائبة أو برص . وقالوا عن : اضمم جناحك من الرّهب , أي من الخوف والفزع الذي أورثه له مشهد الأفعى , وهناك من قال أن الأمر أعم من ذلك , وأن ضم الجناح , الذي هُو اليد , كاشارة للسكينة من الرّهب , وتعليم من الله لموسى ليفعل ذلك حتى يسكَن ويطمئن . والحقيقة , أنني لا أرى في بياض اليد الخالية من البرص بُرهانا يجعل الفرعون والناظرين إليها يندهشون كمشهد الأفعى العظيم , وكأنّ يد موسى - عليه السلام - كانت مُشوّهة أو برصاء . حتى تفسيرهم للأفعى التي شبهها الله بالجانّ على أنها نوع من الأفاعي يُدعى الجانّ , غير منطقيّ , لأنّها حتى لو كانت ( الأناكوندا ) بطول تسعة أمتار , ما شغلت موسى - عليه السلام - عن نور الله وصوته ليهرب منها . لكنّها أفعى عظيمة , تلقف كل الافك الذي صنعه السحرة من العصيّ والحِبال , تهتزّ برشاقة , وشكلها مُخيف . كذلك يجب أن يكون بياضُ اليدّ , مُقنع لفرعون , كأن ينكشف اللحم عن العظم مثلا , فلا ترى إلا هيكل اليد الأبيض الناصع , يتحرك أمامك بخفة , وهذا ما قرأته لأحد الباحثين , وليس اجتهادا من عندي ( للأمانة ) , وقد دلل على ادعائه بأسلوبٍ علميّ لا أذكره , وعجزت أن أعثر على هذا البحث للأسف .
    بعد ذلك , طلب موسى - عليه السلام - مطلبين من ربّه : فكُّ عقدة اللسان , وشدّ عضده بأخيه هارون - عليه السلام - فأُعطي الاثنتين , ومعهما تطمينٌ ووعد من الله . تطمين بمرافقتهما وحفظهما هما وقومهما من الفرعون وبطشه , ووعد بالنّصر . فما هي قصة عُقدة اللسان عند موسى - عليه السّلام - ؟
    قال تعالى في سورة القصص :

    قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ
    وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ

    وقال في سورة ( طه ) :

    قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي
    وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي
    وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي
    يَفْقَهُوا قَوْلِي
    وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي
    هَارُونَ أَخِي
    اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي
    وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي

    وفي سورة الشعراء :

    قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ
    قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ
    وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ
    وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ
    قَالَ كَلاَّ فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ
    فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ
    أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ

    لو أنّ عُقدة اللسان كانت عيبا بالنُّطق , لأصبح هذا العيبُ مَدعاة لاستهزاء الأطفال منه عندما كان صغيرا , ولأثر على شخصيته القيادية حتما , فإن لم يفعل , فعيبُ النُّطق لن يؤثِّر على الفَصاحة في التّعبير , لكنّهُ عيبٌ لا يليق برسولٍ من أولي العزم . كذلك , الآيات هُنا بيّنت معنى الفَصاحة في اللّسان , وهي انطلاقُه في الكلام , والسبب وراء عدم الانطلاق عند موسى - عليه السلام - هو ضيقٌ في الصّدر , وضيقُ الصّدر عندهُ يأتيه في حالات مُعيّنة , مثل تكذيب النّاس له , أو ساعة الغضب , وهذه حالة غير مُنفّرة , لكنّها تُشتت التركيز , فتجعل من الصعب على المُتلقي أن يفهم . لهذا طلب أن يكون له وزيرا من أهله , أفصح ممنه لسانا . وهو معروفٌ عند قومه أيضا , وشاهدٌ أمام الفرعون وبني إسرائيل أنّ موسى من بني إسرائيل , أبوه فُلانٌ وأمّه فُلانة وأخوه فُلان , ولو أنّ الفرعون عرف أهله من قبلُ لقضى عليهم جميعا بذنبه . أمّا اللغة , فهو تربّى في بلاط الملك , وتلقى العلم أيضا , وليس لديه مُشكلة , وشعبُه بطبيعة الحال كان يتكلّم لُغة الفراعنة إلى جوار لُغته القوميّة كأيّة جالية , أو أقليّة عرقيّة في أيّ بلد .
    إذا , في هذه الليلة المُباركة , تعرّفَ موسى - عليه السّلامُ - على ربّه , وتكلّم إليه . فكلّفَهُ الله بمُهمّة دعوة الفرعون إلى الله , وخشيته , وتذكُّر نعمته عليه فيتزكّى , ويعبده وحده , وأن يسمح لبني إسرائيل بالرحيل عن أرضه مع نبيّهم موسى - عليه السلام - . كما أعطى اللهُ سبحانَه موسى سؤله , فشرح صدره , وفك عُقدة لسانه , وأرسل إلى أخيه هارون , وطمأنه بأنه سيكون معهما يسمع ويرى , ويمُدّهما بآياته الكُبرى , وسيحميهما وقومهما من فرعون وملأه , ووعدهما بأنهما وقومهما الغالبون .

    يتبع

    اترك تعليق:


  • أحلام الحلواني
    رد
    خروج موسى - عليه السلام - ولحاقه بأهل مدين



    وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ

    فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ

    وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ

    وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ

    فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ

    فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ

    قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ

    قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ

    قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ
    القصص ( 20 - 28 )


    بما أن الرجل جاء من أقصى المدينة ناصحا موسى - عليه السلام - بالخروج من المدينة , مُخبِرا إياه ما يأتمر به الملأ , فالسعي هُنا يأتي بمعنى الركض والهرولة , وليس هُناك ضرورة للحديث عن طُرق مختصرة غير التي سلكها الجنود , حتى أنه ليس هُناك ذكرٌ للجنود , ناهيك عن مُطاردتهم لموسى - عليه السلام - كما أنه لم يعد من الضرورة لهذا الحشو القصصي بعد أن بُلِّغَ موسى - عليه السلام - بما يُعده فرعون وملأه له , وسماعه لنصيحة الرجل , وخروجه من المدينة خائفا يترقب , وهو يدعو الله أن يُنجيه من القوم الظالمين . وبما أن الله سبحانه قال بأنه توجّه تلقاء مدين , فهذا يعني أنه كان قاصدا الذهاب إلى مدين بالذّات , وليس بالضرورة أن يكون وحيدا في الطريق , إذ أنّه قصد مكانا رئيسا يسلُكُه التُجار والقوافل . فلما وصل عند مائها , وجد عليها أمّة من الناس , أي جماعة من النّاس , لم يُحددها , ومِن دونهم امرأتان تذودان , أي مُحتبستان , تحبسان أغنامهما لألا يختلطوا بأغنام الآخرين . فتقدم موسى - عليه السلام - منهما يسألهما عن سبب هذا التصرف , فشرحتا له حال أبيهما من الضعف لكِبر السن , وأنّهن ينتظرن الرعاة حتى يذهبوا عن المكان , لتسقيا غنمهما . الآن , كيف عرفنا أنهن يسقين الغنم مع أن الله لم يذكر ذلك ؟ لاشارات واضحة في الآية : أنهن تحدثن عن الرعاة , والرعاة يصطحبون أغنامهم وأنعامهم ولا ريب . وكذلك قول الله سبحانه : فسقى لهما , وكذلك : يسقون , ولا نسقي .... وهُنا نرى , أن ما حصل مع موسى - عليه السلام - من استغراب لرؤيته هذا المَشهد , حصل معنا نحن أيضا . إذ أننا تعودنا أن نرى الرجال يعرضون خدماتهم على الفتيات المُنكسرات الضعيفات , وغير الضعيفات , فلِماذا لم يفعل الرعاة ذلك مع الفتاتين ؟ في حين أن موسى الغريب عن المكان لم يرُق له ذلك , فقام ومد يد العون لهما . ووصفُ الفتاتين لأبيهما بالكبير , أي أنه لا يقدر على تحدّي هؤلاء الرعاة , ومزاحمتهم على بئر الماء الذي من الواضح أنهم يحتكرونه للأقواء منهم . كما أن هذا الأمر يُبين لنا بالوجه القاطع , أن أبا الفتاتين ليس شُعيبا - عليه السلام - ولا حتى كبير قومه وسيدهم . هو مُجرد رجل كبير كما وصفه القرآن , وهو أيضا صالحٌ , ويؤمن بالله الواحد . ولا يجوز أن نزيد على ذلك . بعد السقاية توجه موسى - عليه السلام - إلى الظلّ , وهو يشكر الله على هذه النّعمة التي أعطاهُ إياها , وهي كما ذكرنا , القُوّة الهائلة , التي قضت على الفرعونيّ بمجرد وكزه , واليوم مكّنته أن يقوم بمزاحمة الرعاة , وإبعادهم ليسقي للبنتين , وكذلك الأخلاق الحميدة التي جعلته يصنع الخير , وينصر المظلوم . وهُنا لا أعرف من أين جاءت قصة الصخرة الكبيرة التي كان الرُعاة يضعونها فوق ماء مدين ! وأنها تحتاج إلى عشرة رجال لازاحتها . فالمشهد واضح , إذ أن الأمة من الناس كانت لا تزال موجودة , والمرأتان تحبسان أغنامهما عن غنم الآخرين , وجاء موسى - عليه السلام - يسألهما والحال هذه , فسقى لهما بالمُزاحمة وليس بعد ذهاب الرعاة , ثُمّ رجعت البنتين إلى أبيهما يزفان إليه الخبر , ولم تُخفِ إحداهما إعجابها بقوة الرجل وأمانته , إذ أن الأمانة هُنا ليس لها سوى معنى واحد من كل ما حدث : العفّة والطهارة في التعامل مع أعراض الناس , فهو إذا أمين على العرض , ولو لم يكن كذلك , لطلب أجرا عن هذه الخدمة الكبيرة , لكنه سقى لهما دون النظر إليهما , أو أن يطلب حتى طعاما منهما . لذا , أرسل الرجل الكبير إحدى ابنتيه لتدعوه إلى بيته , بحجة أنه يريد أن يجزيه على صنيعه , فجاءته على استحياء , دليل العفة والطهارة , والبكارة أيضا , ولم تتكلم كثيرا . فجاء موسى - عليه السلام - إلى الرجل , وقص عليه حكايته , فطمأنه , وهنأه بالنجاة من القوم الظالمين , دليل بُعد مدين عن نفوذ الفراعنة . ثُمّ عرض عليه أن يُزوّجه إحدى ابنتيه , على أن يقوم برعي أغنامه مدة ثمانية سنين , أو عشرة إن لم يكن في ذلك مشقة عليه , وكان هذا بمثابة المهر الذي يُقدمه لعروسه , فأتمّ أبرّ الأجلين , كما ذُكر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وأنا لم أتبين الخلاف بين العلماء والمفسرين في هذه الآية والله , وصدقا أقول : أنني لا أدعي العلم أبدا , لكنني أعجب من هذا الخلاف حول استئجار الرجل الكبير لموسى - عليه السلام - مُقابل طعامه وكسوته , والآية واضحة تماما , إذ قال سبحانه : ( قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ) فهو يُريد أن يُزوجه إحدى ابنتيه , والأجر , المهر ( فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهنَّ فريضة ) النساء : ثماني حجج من العمل عنده , وهو العمل الذي كانت تقوم به ابنتي الرجل , من رعي وسقاية بطبيعة الحال , ومن البديهي أن يأكل ويشرب ويلبس من عمله عند حماه وجد أبنائه . أما لو أراد أن يعمل مقابل طعامه وشرابه , لما تزوج إحدى ابنتيه , ولما حدد أجلا أصلا لذلك , فتحديد الأجل , يدل على قدر الأجر , أي : المهر .
    قبل الاسترسال بالحديث بعد قضاء موسى - عليه السلام - الأجل , وسيره مع أهله , علينا أن نُحدد المكان لمديَن . فقد جاء في مُجمل التفاسير على أنها قبيلة , سُمّيت باسم : مدين بن ابراهيم الخليل - عليه السلام - . وشُعيبٌ - عليه السلام - من خير أنسابها . كيف سنستدل على مكانها من خلال القرآن الكريم ؟
    قال تعالى على لسان نبيه شُعيب :
    ( ويا قومِ لا يجرِمَنّكم شِقاقي أنْ تُصيبَكُم مِثلَ ما أصابَ قومَ نوحٍ أو قومَ هودٍ أو قومَ صالحٍ , وما قومُ لوطٍ مِنكُمْ بِبَعيد ) , وهُنا أجمع العلماء على أن المقصود هو : بُعدي الزمان والمكان . وعليه , يتبين لنا أن التحول في الخطاب , من التعداد للأقوام المُصابة بعذاب الله , إلى إفراد قوم لوط بالبُعد المكاني والزماني , أي أن قوم لوط أقرب من ثمود ( قوم صالح / شمال المدينة المنورة ) , إذا فهي في مُحيط البحر الميت . وحتى نقترب من المكان أكثر , نأتي على عمل قوم شٌعيب - عليه السلام - .
    قال سُبحانه على لسان نبيه شُعيب أيضا :
    ( ويا قومِ أوفوا المكيالَ والميزانَ بالقِسطِ ولا تَبخَسوا الناسَ أشياءهم ولا تَعثَوا في الأرض مُفسدين ) هود . المكيال والميزان دليلا التجارة , وبخس الناس أشياءهم , أي استنقاصهم من قيمة هذه الأشياء , وهذا دليل ورود تجار من خارج المنطقة للمُبادلة بالسِّلع . إذا , مدين تقع على خط تجاري حيوي , ودليل ذلك , أن شُعيب - عليه السلام - ذكّرهم بنعمة الغِنى التي أنعمها عليهم , إضافة إلى الكثرة في الأنفُس , إذ قال سُبحانه : ( واذكروا إذ كنتم قليلا فكَثّرَكم ) .. ( الذين كذّبوا شُعيبا كأن لم يغنوا فيها , الذين كذّبوا شُعيبا كانوا هُمُ الخاسِرون ) الأعراف . ذكر العُلماء , أن أقرب مدينة إلى هذه الصِّفات , هي ( معان ) جنوب الأردن . كما بينت بعض الآثار فيها , على أن معان كتنت مُزدهرة تجاريا قبل ميلاد المسيح بمئات السنين , إذ كانت تمر منها القوافل تِباعا , من خط الحجاز / الشام , وخط مصر / الشام , وهي قريبة أيضا من البحر الميت , وقوم لوط - عليه السلام - .

    يتبع

    اترك تعليق:


  • أحلام الحلواني
    رد
    فترة الشباب

    قال سُبحانه :


    وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ
    وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ
    قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
    قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ
    فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ
    فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ
    وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ
    القصص ( 14 - 20 )


    موسى - عليه السلام - علم بأنه من بني إسرائيل , فكان مُحسنا لله , إذ آتاه الحُكم لموقعه الاجتماعي في كنف فرعون , والعلم على صِغر , جزاء من الله خالصا . وفي يوم من الأيام , دخل المدينة في وقت كان أهلها غير مُتواجدين في طُرقاتها , لنوم , أو لأي سبب آخر , فوجد في طريقه رجلين يقتتلان , أحدهما من بني إسرائيل , والآخر من قوم فرعون . بما أن الله قال : يلتقطه عدو لي وعدو له , فهو يقصد : فرعون وقومه . فاستنجد به الاسرائيلي لما يعلمه من موسى , وما لديه من حظوة عند الفرعون , فجاء ليُبعد القبطي , فيبدو أن القبطيّ لم يشأ ترك الاسرائيلي , مما اضطر موسى ليضربه بجمع يده , وكزه ولم يقصد ايذاءه أو قتله , لأنه ندم بعد موت القبطي , ولأنه يعلم عقوبة من يقتل قبطيا عند الفراعنه , وكذلك في دين أجداده : لا يجوز له قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق , فطلب العفو والمغفرة من الله , فغفر له , لأنه العليم بما في قلب موسى من حُسن نيّة . ولكن فرعون لا يؤمن بحُسن النيات . فما كان من موسى - عليه السلام - إلا أن يشكر الله على هذه النعمة ( الايمان والقُوّة ) , وأنه لن يكون نصيرا للمُجرمين . فمن عنى بالمجرمين ؟ . الاسرائيلي استصرخه ليُبعد عنه القبطيّ , لكنه لم يطلب منه أن يقتله , إذا , ما الذي جعله يقول ذلك ؟ لا شك أن موسى - عليه السلام - عندما وكز القبطي فقضى عليه , اكتشف أن الاسرائيلي كان على خطأ , كما اكتشف أن الله أعطاه إضافة للعلم قوة هائلة . ألم تقُل ابنة الرجل الكبير من مدين : إن خير من استأجرت القويّ الأمين ؟ وهذه هي النعمة التي شكر الله عليها , لأنه لا يعرف إن كان الله قد غفر له . فأصبح موسى - عليه السلام - خائفا , يترقب الأخبار , إذ أنّه ليس متأكدا أن أحدا لم يره . وفي اليوم التالي , وجد الذي اسنصره بالأمس يستصرخه , فقال له : إنك غويُّ مُبين . والغواية كما نعلم , يتصف بها الشياطين , سواء من الانس أو الجنّ . وهذه المرّة لم يكن داخلا المدينة على حين غفلة من أهلها , أي أنّ النّاس كانوا يتجولون كالمُعتاد . كما أن الله لم يذكر مع من كان يتقاتل الذي استنصره بالأمس , مع قبطي أم إسرائيليّ مثله . ولا أدري كيف يفوت العلماء أمرا كهذا ليبدأوا بالتخمين , والاختلاف على من قال : أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا في الأمس ؟! فالآية واضحة كما نراها جميعا . طلب منه في الأمس النُّصرة على عدوه , واليوم يطلب منه العون على من يُقاتل , أي أنه في الأمس استغاث به لأنه كان مقدورا عليه , أما اليوم فهو ليس مغلوبا , لكنه يطلب العون ليكون غالبا , فغضب منه موسى - عليه السلام - ووصفه بالغويّ المُبين , أي أنّه ضالٌّ ظاهر الضّلالة , ولا شك في ذلك . فهل يُعقل أن يأتي ليبطش بالآخر ؟ وهو قد وعد الله أن لا يفعل , ولا يُساند المجرمين ؟! لا بُد أن موسى - عليه السلام - غضب على هذا الغويّ , لأنه كان سببا في هذا الموقف البئيس من ترقب وحذر وخوف لما سيفعله فرعون به , فأراد أن يبطش به , فقال له : أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا في الأمس , إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض , وما تُريد أن تكون من المُصلحين . وَهُنا قد تكون إشارة واضحة , على أن الذي كان يُقاتله هو أيضا من شيعته , لأنّه ( حسب الاسرائيلي ) يتوجب على موسى الاصلاح بين الرجلين , لا أن ينصر أحدهما على الآخر . كما أن الذي رأى موسى وهو يقتل الفرعوني , هو ذات الرجل الذي وصفه موسى - عليه السلام - بالغويّ . وبما أنّ الناس لم يكونوا في ساعة غفلة , فأكيد , سمع القول أحد أتباع فرعون , فأخبره . ولو أنّ الرجل الآخر كان فرعونيا , ما تركه موسى - عليه السلام - ليذهب بهذه البساطة ويخبر فرعون , لكن أمر الله نفذ , ووصلت الأنباء لفرعون , فأمر باعتقاله , ليعلم بهذا رجلٌ يُحب - موسى عليه السلام - ويخاف عليه , أو ربما سمعت زوجة الفرعون بمكره , فأرسلت هذا الرجل إلى ابنها موسى لتُحذره (( الله لم يذكر من هو الرجل , فلماذا التكهن والبحث عن هويته ؟! ))وليس بعيدا , أن تكون قد أرسلت إليه متاعا للسفر أيضا . السؤال : لماذا لم يوحي الله إلى موسى - عليه السلام - بأن القوم يأتمرون به , كما فعل مع نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - عند محاولة اليهود لاغتياله ؟ لأنّه ببساطة , لم يكن عليه السلام قد أوتي النُّبُوّة بعد , وإنما جاءته بعد أن كلمه الله عند الطور . ولكن , بحُكم انتمائه إلى بني إسرائيل , عرف الله من أمه التي ولدته وأرضعته , وكذلك دين أجداده إبراهيم وإسحق ويعقوب والأسباط , لهذا كان يدعوه , ويستغفره , ويتوب إليه عندما يُخطيء , كما كانت تفعل أمّه تماما . هناك أدلّة قاطعة أخرى على أن موسى - عليه السلام - لم يكن نبيا في ذلك الوقت , سنأتي على ذكرها في حينها إن شاء الله .

    يتبع

    اترك تعليق:


  • قصّة موسى بين النّقل والتأويل

    بسم الله الرحمن الرحيم

    قصة موسى - عليه السلام - بين النقل والتأويل

    الحمد لله الذي أنزل على حبيبه القرآن , ليكون هُدى للناس ونورا , والصلات والسلام على خير الأنام , كان للمؤمنين رحمة ورسولا . أما بعد :

    قصة موسى - عليه السلام - شغلت العلماء والمفسرين على مرّ التاريخ منذ نزول القرآن الكريم , إلى أيامنا هذه . من الناس من أخذها كعبرة للأمم , فلم يقف إلا على ظاهر الآيات القرآنية ومواعظها , ومنهم من أوغل فيها ليُغطي الفراغات بين محطاتها بالاستئناس بكتب الأديان الأخرى , كاليهودية والنصرانية , والاجتهادات الشخصية , ونقل ما جرى على ألسنة الصحابة والتابعين وتابعي التابعين ( رضوان الله عليهم جميعا ) دون الرفع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. ومنهم من ذهب وراء الباحثين في النصوص التي تركها الفراعنة واليونان والرومان والكلدانيين على جدران المباني والقبور والصخور والألواح وورق البردى . حتى من أراد الرجوع إلى أمهات التفاسير , فسيجد الحشو الاسرائيليّ , وشطحات المؤولين , وخيالات المُحللين من عُشاق قراءة القصص الأسطورية مُتربعة هُناك براحة ويُسر . إذا ما سألت أحدا من أين جئت بهذه الرواية ؟ يُسارع بالرد : وردت في ابن كثير , أو القرطبي , أو الزمخشري .. وهكذا , لنرجع إلى هذه الكتب ونسأل أصحابها عن مصادرهم التي اعتمدوا عليها , لنجد الرد : قيل , وسمعت عن فلان حدثنا فُلان ... دون رفع الكلام إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم -
    نحن لسنا أعلم من هؤلاء العلماء , لكنني أزعم أننا على اطلاع أوسع في شتى العُلوم , بعد الثورة المعلوماتية العالمية , وسهولة الوصول إلى كل ما توصل إليه العلم منذ ذلك الزمان , فمع التراكمات العلمية , وبزوغ شمس بعض النظريات بعد التثبت من حقيقتها , وأفول نجم أخرى بعد إثبات خطأها , سنُحاول أن نسرد قصة موسى - عليه السلام - تماما كما سردتها النصوص القرآنية في الآيات المتفرقة بين سُوَره , ونُحدد الأماكن , ونُعين الأرض المباركة , ونُبين الأرض المُقدسة . ونُبعد الأنظار نهائيا عن تُرّاهات اليهود حول هذه القصة , ونطوي صفحة , طالما اعتمدها عُلماء ومُفسرون على أنها حقيقة قائمة . وما هي في الحقيقة إلا حشو , جاء من خيال أحبار اليهود , وشطحات بعض الرّواة .

    ولادة موسى عليه السلام

    يقول سبحانه وتعالى في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه :

    طسم

    تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِين
    نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
    إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ
    وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ
    وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ
    وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ
    فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ
    وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ
    وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
    وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ
    وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ
    فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ
    القصص ( 1- 13 )


    من بداية القصة , أخبرنا الله بما يُفيدنا , إذ ليس هُناك ذكر كامل لأنباء موسى وفرعون , لكنّ ما ذكره لنا هُو الحق , وما ذكره لنا ليس بقليل أيضا .
    فرعون علا وتكبر وتجبر , وكانت من سياسته التفريق بين الطوائف , وبالتالي التفريق في المُعاملة , لكنه كان أقسى ما يكون , مع طائفة العبرانيين , الذين هُم : بني إسرائيل . فاستعبدهم , واستضعفهم , وقتل أبناءهم , وترك نساءهم أحياء , كأنه ينتقم منهم . ولم يذكر الله سبحانه عن خلفية هذا الاجراء من قتل الأبناء واستحياء النساء , وكل القصص التي قرأتها عن الحلم الذي رآه فرعون حول طفل يولد من بني إسرائيل , فيكبر , ويقود شعبه ليدمر مملكة فرعون , أو النار التي تأتي من ناحية بيت المقدس , وكل القصص المُشابهة , ليس لها أصل أبدا , وما جاء عن ابن عباس ليس له دليل يدعمه , أو يوصله إلى صحة الحديث , أو ثبوته عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , ولو كانت فعلا حقيقية , لذكرها الله كما ذكر رؤيا ملك يوسف - عليه السلام - لأهميتها , حتى العهد القديم عند اليهود لا يذكر ذلك , بل يذكر أمرا , قد يكون قريبا من الحقيقة , وهو غيظ فرعون من بني إسرائيل لكثرة مواليدهم , وخوفه من تناميهم في المُستقبل , فيسيطروا على مصر كما فعلوا من قبل , أيام نبي الله ( يوسف ) عليه السلام , وتحكمهم بالاقتصاد المصري بأمر من الملك الذي طلب منه يوسف - عليه السلام - أن يكون مسؤولا على مخازن الأرض من الحبوب والمنتجات الزراعية , وهكذا كانت لبني إسرائيل المكانة العالية في مصر , حتى تمكن الفراعنة الأقباط من هزيمة الفراعنة الهُكسوس , الذين كانوا حلفاء لبني إسرائيل , كما ورد في كُتب التاريخ . إذاً , هل هُناك ما يدلُّنا على أنّ هذا الاجراء ( من قتل الأبناء واستحياء النساء ) وارد عند هذا الملك المُتعالي الجبار , دون أن يكون هُناك حُلم أو ما شابه ؟ نعم , في قوله تعالى : ( وقال الملأ من قوم فرعون : أتذر موسى وقومه ليُفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك ؟ قال : سنُقتّل أبناءهم , ونستحي نساءهم وإنّا فوقهم قاهرون ) 127 الأعراف . وهذا الكلام كان بعد أن سار موسى - عليه السلام - وقومه ليلا . وسنأتي على ذكر هذا المشهد لاحقا إن شاء الله . نفهم من تحذير الملأ من قوم فرعون , أن بني إسرائيل سبق لهم أن أفسدوا في الأرض ( حسب ادعائهم ) وأنهم لم يدينوا بدين فرعون , ونبذوا آلهته , والعقاب : تقتيل الأبناء , واستحياء النساء . كما أن هذا العقاب ليس دائما , بل مؤقتا , على حسب ما يرتأيه فرعون . لأنه لو كان دائما , لانقرض بنوا إسرائيل من بعد ولادة موسى - عليه السلام - حتى رجوعه , وتخليص بني إسرائيل .
    خافت أم موسى على ولدها ( الذي شاء الله أن يولد في فترة التقتيل ) من الذباحين من جنود فرعون , فلم تعرف كيف تتصرف , ليوحي الله إليها بأن تُرضعه ( ربما , لِألا يبكي ويبقى هادئا ) وتضعه في الصندوق , ثم تُلقيه في النهر , ليلتقطه عدو الله وعدوه . وقد اختلف العلماء في قضية الوحي , فمنهم من اعتبره إلهاما , ومنهم من قال بأنه كان هاتفا بواسطة الوحي جيريل ( عليه السلام ) , لأن الله طمأنها , ووعدها برده إليها . لكنني أرى أنه لو كان جبريل ( عليه السلام ) لرأت آية حيّة أمامها تجعلها تطمئن جيدا , ولما أصبح قلبها فارغا , وما كادت تودي به , لولا أن الله ربط على قلبها , وصبّرها . فماذا حصل : الله أوحى لها بواسطة التخيُّل , ألقى في قلبها ( سيناريو ) الانقاذ , إي بالالهام , لأنها ليست نبيّ , وإلا ما كانت لترمي بابنها في النهر , ولكن ما من حل أمامها غير أن تؤمن بما رأته في إدراكها اللاواعي من خلال الايمان بالخالق , فبقيت غير متأكدة من فعلها النشيء عن الالهام الرباني لها , والدليل : أنها طلبت من ابنتها أن تُراقبه من بعيد , وقلبها أصبح فارغا من الصبر , لتخرج هي أيضا وراءه , لكن الله ربط على قلبها , وأعطاها شُحنة إضافية من الصبر . فما كان إلا ما أوحى الله لها . وجده آل فرعون , فالتقطوه من النهر , وهمّوا ليقتلوه , لأنهم علموا بأنه من بني إسرائيل , ولكن زوجة فرعون نهتهم عن ذلك , وأقنعت زوجها أنه يُمكن الاستفادة منه , إذ ليس له أهل , وهم ليس لهم ابن ( قُرّة عين لي ولك ) فلماذا لا يكون لهم ابنا ومؤنسا ؟ ولو كانت مسألة قتل الأولاد تتعلق بحُلم رآه الفرعون , وآمن به , ما تركه لحظة واحدة على قيد الحياة . وافق فرعون على فكرة زوجته , فأمرت له بمرضعة , تلو أخرى , والطفل لا يقبل أيا منهن . وأخته بطبيعة الحال جاءت إلى المكان بعد النداء على المرضعات , أي أنها دخلت عليهم لسبب قوي , وهو حاجة بيت الفرعون إلى مُرضعة . فنصحتهم بمرضعة . وهُنا , لم تسترد أم الطفل طفلها فحسب , بل نالت أجرا من زوجة الفرعون على إرضاعه , وعلمت أن إلهام الله لها كان حقا وصدقا , وأن الله على كل شيء قدير . هُنا ينتهي السرد القصصي القرآني عن حياة موسى - عليه السلام - الرضيع . والغريب , أن العهد القديم أيضا يتوقف عند هذه النقطة , لينتقل مُباشرة إلى مرحلة الشباب , فمن أين جاءت قصة التمرة والجمرة لموسى الطفل ؟ إذ أن هُناك من قال : أن موسى - عليه السلام - شدّ بقوة لحية الفرعون , فهم الأخير بقتله , فقالت له زوجه أنه غير مُدرك , ولتُدلل له على صدقها , أحضرت إليه تمرة وجمرة , فقالت : إن التقط التمرة فاقتله , وإن التقط الجمرة فلا تفعل , فجاء جبريل - عليه السلام - وأمسك بيد الطفل ليلتقط الجمرة , فالتقطها ووضها في فمه , فكانت العُقدة التي طلب من الله لاحقا أن يفكها له . وهذه القصة لا أراها إلا ضربا من الخيال , وعليها علامات استفهام كبيرة , إذ أن فرعون قرر الابقاء على حياة الطفل وهو رضيع , وزوجته لم تتعلق به بعد , فما باله يفعل وقد تعلقت به زوجه ؟! كما أن فرعون لم يكن تافها وغبيا إلى هذه الدرجة ليفحص طفل ويختبره بهذه الطريقة الساذجة . لأنه يعلم أن الطفل بمجرد لمسه للجمرة , سيرميها من فوره , لأنه لن يتحمل حرارتها , ما بالنا به يحملها , ويتمكن منها ليُصوبها نحو فمه , ويضعها على لسانه , تكون قد أحرقت أصابعه بالكامل , كما أنه من المعروف عن الأطفال التقاطهم لأي شيء أمامهم حتى يتفحصوه , خاصة إذا كان غريبا عنهم , فإن كان يعرف التمرة من قبل , فسيلتقط الجمرة حتما للتعرف عليها . إذا , ما هي العقدة التي كانت في لسانه ؟ سنذكرها إن شاء الله في حينها .


    يتبع
يعمل...
X