القدس عاصمة الثقافة العربية .... " لنكتب للقدس "

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ربيع عقب الباب
    مستشار أدبي
    طائر النورس
    • 29-07-2008
    • 25792

    القدس عاصمة الثقافة العربية .... " لنكتب للقدس "

    ولأن القدس عاصمة الثقافة العربية , ولأنها عاصمة الحرية , ولأنها لا تغيب من البال والمقال .


    يشرفنا أن نجمع هنا مجموعة قصصية للقدس بهذه المناسبة عنها وعن فلسطين الجليلة جلال قبة الصخرة , والعظيمة كالإسراء , والحنونة ككنيسة القيامة .


    1-فنطلب من السادة القصاصين والسيدات القصاصات في ملتقى القصة و الرواية أن يكتبوا في الملتقى ( أي أن ينشروا بشكل اعتيادي في الملتقى من وحي القدس والمناسبة - على أن يضيف القاص لقصته عبارة مهداة للقدس بعد العنوان ), ونحن بدورنا سننقل القصص الجيدة إلى هذا الموضوع الدائم ’ لنجري عليها اقتراعاً في نهاية العام بيننا لنختار أجمل قصة للقدس لتكون أجمل القصص التي سنهديها لعاصمة الثقافة العربية قدسنا الحبيبة .


    2-ملاحظة :
    ورغم محبتنا للقدس ستبقى قواعد النشر في الملتقى واسسه الدائمة سارية المفعول على كل القصص .

    هذا كان طرح الدكتور حسام الدين فى ملتقى النثر ، وقد تم تحريفه من الشعر إلى القص ، ليكون لنا باب مفتوح تحت هذا العنوان ، يستوعب كل ما يكتب عن القدس !!

    3-ملاحظة :


    نطلب من جميع الزوار هنا ألا يضعوا أي تعليق , لأنهم يستطيعون التعليق على القصص مكان نشرها في الملتقى , ونترك هنا المجال فقط للقصص التي سنقوم بنقلها تنساب لتخبرنا عن القدس الشريف , ولنصنع ديوانا قصصيا عربيا عن القدس بمحبتنا لها

    شكرا لك دكتور حسام الدين على الفكرة ، ونعتذر لك على النقل !!
    sigpic
  • سامى عبد الوهاب
    عضو الملتقى
    • 27-06-2009
    • 11

    #2
    لعبة الحرب .. قصة قصيرة

    لعبة الحرب
    إلى الأطفال الشهداء ، والذين لم يستشهدوا بعد ..


    كان الجو حاراً والشمس في وسط السماء تماماً وكأنها فوق رؤوسنا بشبر واحد .. يلسع أقدامنا التراب الساخن ، ونحن ننهب الأرض صوب المحطة ، تتعالي أصواتنا وتختلط كما تختلط آثار أقدامنا العارية علي التراب الناعم ، لاحت المحطة عن بعد فازدادت سرعتنا ، وتزايد العرق السائل علي وجوهنا ..
    انتظرنا حتي مر القطار السريع بصفيره المزعج – ذلك القطار اللعين الذي دهس الولد " الهامي " في العام الماضي تحت عجلاته المفترسة – تابعنا عرباته المغلقة النوافذ ونحن نلعنه .. تناول الولد اسماعيل حجراً وبغيظ قذف احدي العربات .. ارتد الحجر في اتجاهنا واستقر بالقرب منا .. تناوله اسماعيل ثانية .. لكن القطار كان قد ابتعد فرماه في الترعة القريبة ..
    عبرنا إلي الجانب الآخر وتحلقنا حول طلمبة الماء .. شمر اسماعيل عن ساعده النحيل وراح يدفع ذراع الطلمبة يميناً ويساراً.. احمر وجهه وبرزت عضلاته الصغيرة وبدأ سرسوب الماء ينزل من فم الطلمبة الواسع .. ضاعف اسماعيل من جهده فزاد الماء .. غسلنا وجوهنا ورؤوسنا وشربنا وضرب بعضنا بعضاً بالماء فابتلت ملابسنا ، ترك إ سماعيل ذراع الطلمبة فأمسك به بعضنا ورحنا نهزه بقوة والماء يندفع، وضع اسماعيل رأسه تحت فم الطلمبة وراح يدعك شعره الأكرت ووجهه الأسمر ويملأ راحتي يده ويشرب .. ملأ هما ثانية ورشنا فتركنا ذراع الطلمبة ونحن نضحك .. وقف اسماعيل يجفف وجهه بطرف جلبابه وصاح فجأة :
    - هيا نلعب لعبة الحرب..
    تصايح العيال في فرح .. واختلطت أصواتهم وهم يصرخون ...
    - أنا مصري ..أنا مصري .. أنا صهيوني .. أنا عربي .. أنا .. أنا ..
    لم أكن أحب هذه اللعبة .. ولم أكن أحب القتال ، وكنت أحزن كثيراً عندما يحكي لنا اسماعيل عن الحرب التي شاهدها في التليفزيون بين العيال وبين جنود كبار يلبسون طاسات من الحديد ، ويحملون مدافع حقيقية ، ويضربون العيال بالمدافع ، ويقتلونهم .. لكنني كنت أفرح كثيراً وهو يقول أن العيال لا يخافون البنادق والمدافع ، ولا يهربون ، ولكنهم يهجمون علي الجنود ويقذفونهم بالحجارة .. وفي كل مرة كان اسماعيل يحلف أنه حين يكبر ويصبح رجلاً لابد أن يحارب اليهود ويقتلهم جميعاً بسيفه ، وبندقيته ..
    علا صوت اسماعيل فوق أصواتنا جميعاً وراح يشير بيديه هنا وهناك ..
    - أنا قائد الجيش المصري .. وانت قائد جيش الصهاينه ..
    امتعض منصور قليلاً حين وضعه اسماعيل في الجانب الصهيوني ، لكنه لم يلبث أن فرح لأنه القائد ، وراح يحصي عدد أفراد جيشه ويقسمهم إلي ضباط وعساكر .. ضمني اسماعيل إلي جيشه وجعلني ضابطاً وقال لي : " تعالي نضع خطة الحرب " .. وقبل أن نمضي أشار إلي القناة الصغيرة المحاذية للقضبان وقال :
    - هذه قناة السويس ..
    داخلني الخوف خشية أن يأمرني اسماعيل بالنزول في القناة لأنني أخاف البلهارسيا ، وأخاف أن تبتل ملابسي ..
    أخذت قواتنا أوضاعها في الجانب الأيمن للقناة ، بينما أخذت قوات الصهاينة الجانب الأيسر وعد اسماعيل بصوت عال ..
    - واحد ... اثنان ... ثلاثة ...
    وبدأت الحرب .. أطلق اسماعيل النار من بندقيته فقتل أحدهم وخرج من الميدان .. أطلقت النار فأخطأت الهدف ، قذفناهم بالحجارة ، بادلونا القذف ، راح اسماعيل يقذف الحجارة بحماس شديد ، كاد حجر أن يبطح رأس الولد منصور ، لولا أنه تفاداه بمهارة .. حذرت اسماعيل هامساً ، رد من بين أسنانه ..
    - اسكت ..انهم أولاد كلب صهاينه .. يقتلون العيال بلا رحمة ..
    وقع جندي من جيشنا أسيراً فاغتاظ اسماعيل .. انطلق في حنق شديد .. عبر القناة واختبأ خلف شجرة جميز ضخمة .. تسللت وراءه .. قفزت عابراً القناه فانزلقت قدمي وكدت أسقط في المياه .. اسرع اسماعيل وعاونني علي الصعود .. توقفت وأنا ألهث ، وقبل أن أطلب منه العودة إلي أرضنا كان اسماعيل قد انطلق في عمق أرض الصهاينه .. بعد لحظات عاد ممسكاً بأسير أعطاه لي .. تلقفت الأسير وسلمته لأحد جنودنا فضربه علي قفاه وقيده .. التفت فلم أجد اسماعيل .. رحت أبحث عنه متسللاً خشية الموت أو الأسر .. زحفت هنا وهناك فلم أجد احداً ..قلت في نفسي " هذه بوادر الإنتصار " .. فجأة وجدت نفسي أمام اسماعيل وقد وقف متأهباً للهجوم علي قائد الصهاينه .. أطبق اسماعيل علي منصور وطرحه أرضا ..تملص منصور وحاول الوثوب علي اسماعيل ، لكن اسماعيل فاجأه بلكمة قوية .. اغتاظ منصور واحمرت عيناه واطبق علي اسماعيل .. راحا يتقلبان علي الأرض حتي اقتربا من شاطئ القناة .. أحسست بالقلق ، وبدأت أشعر أن ما يحدث الآن لا يمكن أن يكون لعباً .. صرخت ..
    - كفي يا اسماعيل ... كفي يا منصور ..
    لم يلتفت إليَّ أحد .. تمزق جلباب اسماعيل ، وكذا جلباب منصور .. العرق يسيل بغزارة علي وجهي القائدين ووجهي .. جائني صوت اسماعيل غريباً وهو يصرخ
    - يا جبناء .. تقتلون العيال يا جبناء .. يا اولاد الكلب ..
    كانت عيناه تلمعان ببريق غريب ، وملامحه قد تغيرت تماماً حتي كدت لا أعرفه فازداد الخوف بقلبي .. صرخت ثانية .. ولا جدوي .. كان اسماعيل يلهث بشدة ومنصور يحاول أن يرفعه من فوقه دون جدوي .. فكف تماماً عن المقاومة ، رفع اسماعيل رأسه قليلاً .. كانت الشمس في عينيه ، زر ما بين حاجبيه وهو يتناول حجراً كبيراً .. رفع الحجر .. هوي به علي رأس منصور .. صرخْتُ .. وصرخ منصور .. واسماعيل يرفع الحجر ويهوي وأنا أصرخ .. ومنصور !! العيال الذين تجمعوا حولنا يقفون كالأشجار .. لا أحد يتحرك .. فقط عيونهم تبحلق في جزع ورعب.. وأنا رأسي يدور ويدور .. والأرض تدور، والحجر يرتفع ويهوي وثمة صوت غريب يطن في أذني " تقتلون العيال ياجبناء.. تقتلون العيال ياجبناء"..

    تعليق

    • محمد سلطان
      أديب وكاتب
      • 18-01-2009
      • 4442

      #3
      [align=center]
      [frame="15 98"]
      [frame="10 98"]
      لحم بلحم

      الآذان الصادر من مئذنة الساعة المعلقة على الحائط يعلن العاشرة ليلاً..استئذن كل واحدٍ منهم منتحياً إلى مضجعه .. لكنه ظل يسامرها حتى آذان الحادية عشرة ..نظر إلى الحائط فتأكدت أنه يريد الفر إلى غرفته..اصطنعت التثاؤب ثم استأذنته ..فأعاد يذّكرها أن توقظه فى صلاة الفجر..غداً سيقصد وجه كريم فى أمرٍ جلل.

      ــ ادع لى أن يوفقنى و يرزقنى إياه.

      بسطت كفيها وراحت تمطر بحرارة قلب ملتاع , ودفنت رأسه بين ذراعيها , ولولا ضيق الوقت وصحوها مبكراً كى تنظم أكواب الحليب و الفطائر القديدة من أجل أشقائه لأجلسها حتى الصباح يملأ بؤبؤه من عاطفتها الأبدية .. لكنه أشفق عليها وفضّل أن يتركها بهدوء.

      جنحت الأم إلى فراشها وهى على يقين بأمر ولدها الأكبر , فلم تك تلك هى المرة الأولى , بل سبقتها مرات ومرات منذ أن أصبح هو الأب و الابن .. يصحو مع الطيور ويعود معها .. أوصاه والده بها وبأشقائه , حينما التهمته رصاصات الاحتلال الغاشم , ولفظ أنفاسه فى حجر زوجته الملتاعة .

      كان يشعر بأرق .. حاول أن يستدرج النعاس إلى وسادته كى يريح جسده المتعب ولو لنصف ساعة قبل أن تحن ساعة الطيور , لكنه لم يفلح..
      الغرفة مفعمة بالذكريات .. هنا صورة جدتى .. وهنا اخوتى وأنا أتوسطهم .. وهنا عروسان , وكانت جميلة ـ أمى ـ بفستان الزفاف .. وهنا مصحف ومسبحة من الكهرمان لأبى , ثم اقترب من النافذة يبعثر نظراته على الشارع الطويل .. هناك مدرستى الإبتدائية .. وفى هذا الركن كنا نختبئ .. وهنا أيضاً تحت النافذة كنت أناديها بأجمل كلمة .. أمى أمى .. كنت أتناسى كتاب اللغة العربية , ودائماً كنت أحصل على كعكة حمراء فى النحو .. وهناك فى اليمين بيتاً كان جميلاً ـ قبل القصف ـ يحتضن " نادية " حب الثانوية .. وفى الخلف " شرين " حب الجامعة .. أما فى هذا البيت القريب , وضعت يدى فى يد عمها , وخنقت بنصرى الأيمن بدبلة فضية منقوش عليها بالإنجليزية " N " وقلب مقروح به شظية عدوٍ أهوج , وفى ذاك البيت أيضاً تزللت المشنقة من حول إصبعى حينما آثرت علىّ ذلك البهرج الزائف ..
      أما محمود صديق الطفولة , فيسكن هذه الحارة الضيقة , وتسكنه , وفى الصباح الباكر سنتقابل هناك .. مع الطيور .

      قلبه يرتجف ويشعر بمغص يعلو معدته .. تابع عقارب الساعة وهى تنقر الحائط وتلدغ قلبه المقروح .. باقى من الزمن ساعة ويجيىء آذان الرابعة صباحاً ..هذه المرة لم يكن واثقاً النفس .. فى عنقه أرواح جوعى تنتظر عودته .. بل وهُيئ له أنه سيبعث الروح فى الذكريات الريّضة ويعيدها إلى الحياة .. كان على يقين بقدرة الله موزع الأرزاق فى البحر و الحجر .

      علت المآذن وساعة الحائط بالتكبير , واستيقظت الأم .. وجدته ساجداً بخشوع .. كان يرددُ :
      " اللهم أرزقنى و ثبتنى , اللهم أعزنى "
      عانقته مصدقة " آمين آمين " .
      كانت العقارب واسعة الخطوة , وسريعة سريعة .. لكن أنفاسه كانت أسرع , ورحابة صدرها تفوح بدفءٍ لم يذق له طعم من قبل .. كان يشعر براحة فى بدنه و هى تلثم جبهته العريضة .. و بدأ نقر قلبه مع نقر الحائط يتنافسان .. بصعوبة شديدة اقتلع نفسه من قفصها الصدرى .. ثم تأبط حقيبة صغيرة أعدها ليلاً .. يحرص عليها كلما قصد وجه ربه الأعلى .. ثم انصرف كبوح النهنهة فى صدر طائر مكسور الجناح.

      البيوت العارية نائمة على جانبى الرصيف مخدوشة الحياء .. تشبعت جدرانها بأدخنة البارود المسرطن .. ويؤرقها صراخ متآكل لطفلة عاجزة عن النوم ـ ذاب لحم ظهرها ـ :
      ـ أمى أمى .. ساعدينى يا أمى .. الكــــلاب تنهش فى ظهرى .
      صراخ الطفلة أجج جذوة ملتهبة فى رأسه .. لحومنا سلسة الحصاد ولقمة سائغة لفوهات البنادق .... ولحوم الخنـــــــــازير حرمها الله على أنيابنا .. إذن كيف نأكلهم أكلاً ؟! لم أكن فقيهاً من قبل كى أجد الوسيلة المشروعة , ولم أغص عميقاً فى فتاوى أكل اللحم .. لكن ورد فى كتاب الله أن العين بالعين و الأنف بل الانف .. إذاً فلابد أن اللحم باللحم , وهو قانون فطرى عرفته الطيور الجارحة .

      الأزقة لا تزال ناعسة إلا من صراخ الطفلة .. والأبدان التى يحملها على عاتقه مازالت يقظة .. يمشى خطوة و يتلفت خلفه خطوات .. كانت نافذة الغرفة لازالت مضيئة .. قلّب ناظريه هنا وهناك .. بحث بتوجس و ترقب .. كان محمود ينتظره تحت المئذنة .. فأومأ إليه بهرولة .. ساقاه ضعيفاتان هذه المرة .. سأله عن باقى الطيور فأجابه :
      ـ بانتظارنا هناك .. باقى دقائق أسرع .

      كانوا يجلسون مع الغانيات برؤوس مدلاة , كزجاجات المنكر المتناثرة بغباء فى صحن الساحة ـ وأستغفر الله العظيم مشاهدتهم تبعث فى النفس التقززـ وتساعد على القيىء رائحتهم العفنة وفوح الزجاجات .. وكأسنام البعير المقلوبة كانوا يتكومون .

      الأماكن ملتحفة بالسكون , وصراخ الطفلة صار بعيداً .. و الطيور تنتظر بلهفٍ .. وصل محمود و مصطفى واكتمل السرب .. على عجلٍ طوقوا جيادهم و خصورهم بالأحزمة ..كل واحدٍ يحكم وثاقه .. جاء دور مصطفى .. نظر خلفه , فتباينت له من بعيد نوافذ الذكريات وغرفة أمه و عراء البيوت .. أدركه محمود , فجذبه بقوة و زجه داخل السرب , وفى لحظات كانت الطيور متأهبة للتحليق .. تشابكت كفوفهم وراحوا يرعدون بالشهادة , ثم تطايرت أجنحتهم وسط الساحة تعانق القرص الأرجوانى النابت فى حضن الماء من بعيد.....!!

      [/frame]
      [/frame]
      [/align]
      صفحتي على فيس بوك
      https://www.facebook.com/profile.php?id=100080678197757

      تعليق

      • إيهاب فاروق حسني
        أديب ومفكر
        عضو اتحاد كتاب مصر
        • 23-06-2009
        • 946

        #4
        رد: القدس عاصمة الثقافة العربية .... " لنكتب للقدس "

        فكرة جيدة وسأرسل قصة عن القدس بإذن الله
        والله ولي التوفيق
        إيهاب فاروق حسني

        تعليق

        • فاطمة الزهراء العلوي
          نورسة حرة
          • 13-06-2009
          • 4206

          #5
          رد: القدس عاصمة الثقافة العربية .... " لنكتب للقدس "

          لاجلك انتِ فقط لن تغيب شمس السماء
          لاجلك يا قدس نحن هنا سنكون يوم لقاء
          باذنه تعالى
          شكرا استاذي ربيع والادباء الكرام الاحبة

          محمد سلطان ابراهيم
          سامي عبد الوهاب
          وايهاب فاروق حسني

          ولنا في درب الكلمة للقدس لقاء

          ان شاء الله
          لا خير في هاموشة تقتات على ما تبقى من فاكهة

          تعليق

          • ربيع عقب الباب
            مستشار أدبي
            طائر النورس
            • 29-07-2008
            • 25792

            #6
            رد: القدس عاصمة الثقافة العربية .... " لنكتب للقدس "


            غصنٌ مهاجر..(مهداة لفلسطين و (لنكتب للقدس))





            للكاتبة الجميلة
            مها راجح





            أدخلوه قاعة المحكمة مكبلاً بلفائفٍ بيضاء لا يبدو منها سوى وجه غارقً في بقايا أطلال منحدرة منذ خمسين عاما ..وملامح تظهر عليها بقية احترام .


            أخذ مكانه قرب القاضي الذي سأله :افصح عن هويتك؟
            قال:أنا الجاني كما يدّعون ..جسدي ميت دماغياً فيما لايزال بالقلب بقية من نبض..
            سأله مجدداً: وما هي التهمة الملفقة نحوك؟
            قال: يطالبونني بالتبرع بأعضائي ..إلا أنني ما زلت أرفض ..


            كان هناك مد صامت يطل من عينيه..سرعان ما تعـكـّر حين ألقى عليه القاضي بنبرة متجهمة : ولمَ؟؟ لمَ ترفض؟ وأنت تعلم أن الفتاوى أحلت التبرع بالأعضاء وحثت عليه لإنقاذ حياة البشر المحتاجين إليها ..لمَ هذه الأنانية!! ألم تع ِأن التبرع عمل سام وفيه أجر عظيم!!


            أخذ نفساً عميقاً ..ومن ثم راح يُحملق في وجوه الخصوم المتشابهة إلى حدٍ كبير ..باتت الكلمات تخرج من فــِيهِ مؤلمة..راح يفتح مسامات الماضي ..ينظر من خلالها إلى هؤلاء الأشباح..وهو يقول:
            سيدي ..كنت ممن أنعم الله عليه كثيرا ..وأغدق عليه وافر كرمه ورزقه..قابلت تلك النعمة بالجميل ..فآليت إلا أن يشاركني فيها أقاربي وأصدقائي وجيراني وممن حولي من المحتاجين..أغدقت عليهم شكراً لله تعالى.
            توقف قليلا..وكأنما يحمل البحر في قلبه..ثم تابع بصوتٍ محفوف بالآهات : قـدَري آل أن تستمر تلك النعمة..فتوالت بي المصائب ..لم أفكر باليوم الأسود..كنت أظن أنهم سيشاركونني بعد الله تعالى الضراء كما شاركتهم السراء حين شاركتهم تجارتي وآمنتهم عليها.
            ولكن..انتظرت مساعدتهم بعد الله .. جرّعوني كؤوس اليأس ..فتدهورت حالتي ..كما هي الحال في صحتي..ها أنذا أموت ..فأصروا أن يجردوني من أعضائي كما جردوني من ثروتي إثر اكتشافي مؤخرا أنهم وراء خساراتي الفادحة..
            وقعت صريع الحزن والعوز..سيدي..اعلم سيدي أني كما لم أبخل عليهم من ثروتي ..لم أبخل عليهم من أعضائي..وهذا تقرير مني للتبرع بأعضائي أوصيت به موكلي منذ زمن طويل ..حين كنت أتمتع بثروتي..ولكن كان لي شرطي ..أن يكون الممنوح يستأهل التبرّع ..فانظر لوصيتي وأطالبك بالعمل عليها.



            طيور مهاجرة تلوح في الأفق ، يطل الصباح..يدخل (القاضي) إلى مكتبه وقلق يدفعه للتفكير دون توقف..يعيد قراءة الوصية للمرة العاشرة..تضعه في حيرة أكبر .
            أخذ يفتش حوله..رأى لائحة تضم أقرباء موكله الذين أقاموا دعوى قضائية للحصول على أعضائه التي سبق أن أوصى بالتبرع بها إذا ما دنا أجله لمن يستحقها.
            (س)ذلك القريب الذي يشكو من رئتين نتنتين ..فتش في مسامات تاريخ حياته .. معظم رزق عياله ينفقه على الدخان الأزرق ..تلك الآفة التي تسرق الروح لتهيم بصاحبها في الشوارع كالجرذان القذرة..وضع علامة(×) أمامه.
            (ن) يطالب بالقلب ..راجع ملفات قلبه الذي يشكو من التجلط ..كان يملك قلب مجرم عتيد طولاً وعرضاً مع أهله وأقربائه وجيرانه..شطبه من القائمة.
            (ص) يعاني من كلى فاشلة وتضخم في الكبد ..إثر تضخم في رصيد حساباته البنكية توالدت من أكل أموال أيتام وصفقات ربوية كبيرة..محاه من القائمة.
            وهكذا لم يبق في القائمة أحد يستحق التبرع بأعضاء موكله.
            لمح ورقة صغيرة منزوية في الوصية ..كانت كلماتها تقول:صديقي المحامى ..كنت متأكداً أنك ستشطب أسماءهم..لأني أعرفهم أكثر منك..لذا..
            قررت أن تذهب بأعضائي إلى أرض الإسراء والمعراج ..فهناك من هو الجدير بكل غصن في حديقة جسدي ..فليقطف منها ما يشاء.
            sigpic

            تعليق

            • ربيع عقب الباب
              مستشار أدبي
              طائر النورس
              • 29-07-2008
              • 25792

              #7
              نداء القدس (( مهداة إلى القدس )) للمبدع / خضر سليم
              جلس على مكتبه المتواضع , في غرفته المطلة على البحر,أمامه فنجان من القهوة وصحيفة اعتاد قراءتها , نظر إلى الصفحة الأولى, واستعرض العناوين , فلفت نظره صورة وخبر: "المستوطنون يستولون على مجموعة منازل للمواطنين في أحد الأحياء القديمة لمدينة القدس , ويطردون سكانها تحت حراسة شرطة الاحتلال وجنوده " , ويظهر في الصورة قطعان المستوطنين يعتلون أسطح ِالمنازل ,وأفراد الشرطة وهم يقتادون أصحابها إلى مكان مجهول .
              رجعت به الذاكرة بعيداً إلى الماضي عندما كان يرتادها صغيراً قبل أن يبعده الاحتلال وأسرته عن مدينته الغالية , ويستولى الطغاة على بيته.. تذكر شوارعها العتيدة وأسواقها الأصيلة .. أسوارها الجميلة ومعالمها النبيلة , تذكر المسجد الأقصى وقبة الصخرة , المصلى المرواني ومسجد عمر...تبادر إلى ذهنه آثار الاعتداءات الآثمة عليه , وذكرى الشهداء الذين قضوا في باحاته دفاعاً عن قدسيته وحرماته , فأخرج مفكرته القديمة وقلـّب صفحاتها , توقف عند إحدى الخواطر وقرأ:
              صليت ُ في محرابها .. ومشيتُ في طرقاتها ..
              طـوّفتُ في أركانها..أصغيتُ لترنيمة الحياة من أفيائها..
              ومن جـِنَى أشجارها طـََعِمتُ أطيب الثمار..وفي حِمى أسوارها استرحت..
              وهناك.. فوق ربوةٍ جميلة المكان..
              وعلى جدار صخرةٍ قديمة الزمان..
              وجدتُ عنواناً يقول: قدس يامدينة السلام
              ستكبرين رغم أنف الظالمين..وتبلغين الشمس في عليائها ..
              وعند حدودك ..يتوقف الكلام....
              تذكر الحديث الشريف عن الأقصى ...من لم يستطع زيارته فليرسل له بزيتٍ يُسرج في قناديله, وتذكر نداء الاستغاثة الخارج من أركانه الطاهرة للملك الناصر:
              يا أيها الملك الذي لمعالم الصلبان نَكّـس ..
              جاءت إليك ظُلامة ٌ تسعى من البيت المقدّس ..
              كل المساجد طُـهِِّرت وأنا على شرفي أ ُدنّـس..
              استعرض ذلك كله فسمع صوت هاتف ٍ يناديه :

              لملم جراحك وانطلق..احمل سلاحك واخترق
              هـيّىء متاعك وانعتق....
              يا أيها الشعب المكبّل بالقيود
              اصْرُخ بوجه الظلم .. اجتاز الحدود
              ا ُلْفظ رماد الصمت من جوف الوعود
              لاشيء مثل العيش في قدس الجدود ...

              هز ذلك الإحساس كل كيانه فعقد عزمه وحزم أمره , وهيأ نفسه للسفر والذهاب إليها رغم كل العوائق والصعوبات , فودع أمه وتسلل مع الفجر مع رفاقه ,قطعوا الأسلاك الشائكة واقتحموا السدود,انطلقوا إلى داخل الأرض السليبة نحو القدس ..ساروا مسافات طويلة بالليل والنهار, في الأودية والجبال ,استشهد معظم رفاقه لكنه وصل إلى القدس..استقبلته المدينة , ضمته إلى أحضانها..أشجارها وأطيارها..شوارعها ومآذنها..دخل المسجد الأقصى وصلى ركعتين ثم جلس,كان مبتهجاً ضاحك الوجه, لم تفارق الابتسامة محيّاه ، وفجأة سمع صوت إطلاق نار .. وصيحات الله أكبر تدوي في المكان ,أخرج من أمتعته سكيناً , وخرج مسرعاً فرأى جموع المستوطنين المدججين بالسلاح يقتحمون مداخل الحرم ويطلقون النارعلى المصلين الذين كانوا يصدونهم بالحجارة وهتافات التكبير,انطلق بسكينه نحوهم وسط الدخان والدماء, وطعن عدداً منهم وأصابهم إصابات بالغة فأطلقوا عليه الرصاص وسقط شهيداً..رافعاً سبابته ..يرحمك الله يا أحمد فقد لبيت النداء .. وأسرجت المسجد الأقصى دماً . *
              sigpic

              تعليق

              • مجد أبو شاويش
                عضو أساسي
                • 08-09-2009
                • 771

                #8


                غريبُ الدّيارْ !

                ( مهداة للقدس )


                يعلنُ القبطانُ عن الانطلاق .. لتبدأ رحلةُ العودة .. يغمرهُ شعورٌ غريبْ .. تتضاربُ أحاسيسهْ .. سعادةٌ بالغة .. شوقٌ و حنينْ .. وترقّبْ !
                دمعةٌ تتلألأ في عينيهْ .. وأخيراً , سيعودُ إلى وطنهْ !
                سنواتٌ قضاها مغترباً .. تقتلهُ الوحشة .. يمزّقه الحنينْ .. لطالما حلم بحضنِ بيتهِ الدافئ .. حلم بلثمِ صغارهْ .. حلم بمعانقة سماءِ مدينتهْ !
                والآنْ .. ها هوَ على مشارفِ تحقيقِ حُلمهْ ..
                يغمضُ عينيهِ .. و يستغرقُ في التفكيرْ .. يُحضرُ نفسهُ لما هوَ آتٍ !
                بعدَ برهةٍ .. حطّت الطائرةُ في المطارْ .. شعر بقلبهِ ينتفضُ بينَ ضلوعه .. خطّت قدماهُ الثرى .. لم يصدّق نفسهُ .. نظرَ إلى السماءْ .. رأى معكوساً على صفحتها الزرقاءُ عيوناً تعبقُ بالحزنِ تُحدّقُ بهِ ..
                لمْ يتلاشى إحساسهُ بالغربة .. استغربَ الأمرْ , ولكنهُ لم يوليهِ إهتماماً .. فهوَ لا يُريدُ إفسادَ فرحته !
                قرّر أن يذهبَ إلى بيتهِ سيراً .. بدأ بشقّ طريقهِ .. ينظرُ حولهُ .. كلّ شيءٍ تغيّرْ .. حتى الوُجوهُ تغيّرتْ .. لم يعهد هذهِ الطرقات .. لم يألف تلكَ البيوتْ .. حتى الأناسُ يتحدثونَ بلغةٍ لا يفهمها !
                قِبابٌ تغيرتْ ألوانها .. معالمٌ طُمستْ ولمْ يعد لها وجودٌ .. أناسٌ حُكمَ عليهم بالنفي أبدا .. و ثقافةٌ غربيةٌ لا تختلفُ كثيراً عن تلكَ التي عهدها في غربتهْ !

                سمعَ منَ البعيدِ صوتاً مألوفاً .. تشتاقُ إليهِ أذناهْ .. سارَ نحوَ الصوتْ .. اتضحَ أكثر فأكثر .. " اللهُ أكبرْ .. اللهُ أكبرْ " .. صوتُ أذانٍ متحشرجٍ .. يكادُ لا يكونُ مسموعاً أبداً .. اقتربَ أكثر فأكثر .. فإذا بهِ يرى مشهداً مخيفاً .. صاعقاً ..
                ماذا يرى يا تُرى ؟!
                رجلٌ يمسكُ بكتابٍ صغيرْ .. بقبعةٍ تُغطِي الجزءَ الخلفيّ فقط من رأسهْ .. يرددُ خزعبلاتٍ غير مفهومة .. و يُحرّك رأسهُ بصورةٍ غريبة ..
                ويتوافدُ المزيدْ ...

                حتّى الصلاةُ تغيّرتْ !!!

                خارتْ قواهْ .. لمْ يعد يقوَ على الحَراكْ .. شُلّ عقلهُ كما جسدِهْ ..
                تضاربتْ مشاعرهُ و أحاسيسهْ .. صدمةٌ .. خيبةُ .. أملٌ مفقودْ !
                وكطفلٍ فقدَ شيئاً عزيزاً .. انسابتْ دموعهُ الحارةُ بغزارةٍ .. علّها تغسلُ عارَ المدينةِ , فتطهّرها !!!





                محبّتي ,
                [align=center]
                مُدونتِي :
                [COLOR=black].{[/COLOR][URL="http://d7lm.maktoobblog.com"][COLOR=red] [B]ضِفافُ حُلمْ[/B][/COLOR][/URL][COLOR=red] [/COLOR][COLOR=black],![/COLOR]
                [/align]

                تعليق

                • ربيع عقب الباب
                  مستشار أدبي
                  طائر النورس
                  • 29-07-2008
                  • 25792

                  #9
                  أعتذر بداية ..ان القصة مكتوبة بالعامية ، وهي قديمة ونشرت في صحيفة الفجر الاماراتية في مارس 1981

                  المختـــار

                  بهائي راغب شراب
                  6/3/1981

                  شوف يا مختار إذا بدك صحيح ابنك محمود يرجع للبلد ويشتغل هنا ، أنا بانصحك تعزم الحاكم الإسرائيلي وهُوَّا ما راح يتأخر عنك بطلب ، بس إعزمه واسمع كلامى ..

                  ينظر المختار إسماعيل الى حمزه وعيناه تفرزان معان كثيره تخفى بداخلها الشك والاحتقار للواقف امامه .. حمزه .. الأفّاق الكبير الذى يدّعى صداقته وهو فى الحقيقه لا يسعى الا خلف مصالحه الأنانيه فماهو الا ذيل للصهاينة الأوغاد ينفذ أوامرهم حرفياً ، ولا يدخر وسعاً ولا جهداً إلا بذله لإرضائهم .

                  المدينة كلها تعرف دوره القذر الذي يمارسه فى ترحيل الناس واغرائهم بالمال تارةً وبالوعود الزائفه تارةً أخرى لإخراجهم من فلسطين كلها ليضافوا الى سكان آلاف الخيام فى معسكرات المشردين عن وطنهم بغير وجه حق ، وإن لم تفلح وعوده وإغراءاته فى إخراجهم إستخدم التحذير والإرهاب لفرض ما يريده العدو منه من تفريغ للوطن من سكانه الذين أصبحوا يحسبون ألف حسابٍ وحساب لتهديدات حمزه ، فهو لم يكن ليتورع عن تقديم الوشايات الكاذبه حول من يرفض تنفيذ طلباته فيحشرون فى الزنازين والمعتقلات التى زينها الأسرائيليون بأحقر أساليب وطرق التعذيب الغاية فى الدموية والوحشيه
                  يحاول حمزة ممارسة دوره على المختار اسماعيل الذي لم يدعه يهنأ بلذة الاثم الذى يكتسبه كل يوم ، فالمختار اسماعيل ليس أيّ شخص و هو ليس من الضعف حتى يرضخ لأقوال هذا الخائن ... صحيحٌ ظرفه حرج و هو بحاجة الى المعونة و لكنه لن يقبل الا المعونة الشريفة
                  ان حمزة و اسياده يرون فرصتهم مواتية الآن للتاثير عليه

                  يريدون منه ان يدور معهم فى فلكهم المثقوب الغارق فى أعماق الوحل الأسود ، .. لا .. لن يقبل أن تلطخ وجهه ذرة وحل مهما كانت دواعي الحاجه .
                  منذ اليوم الذى فتح فيه المجال لتقديم طلبات ما يسمى بجمع شمل العائلات و المختار إسماعيل يحاول الحصول على الموافقه لجمع شمل ولده الطبيب محمود ، المشهور فى إحدى الدول العربيه ، وهوما يزال يذكر أول مرة تقدم فيها للحاكم العسكري الصهيوني بطلب جمع شمل إبنه محمود .. لقد إبتسم الحاكم حينها وابتهج ووعده خيراً بل وأكد له أن محمود سيأتي وهو نفسه سيتابع اجراءات الموافقة علي جمع شمله .. آه .. كم كان غبيا المختار إ ذ استبشر من ردِّ الحاكم .. لم يكن يدري أن الحاكم وجد فيها فرصته الكبيرة التي كان ينتظرها منذ زمن طويل فالمختار من ضمن العدد القليل من وجهاء المدينة الذين لم يوجهوا دعوةً الى الحاكم للغداء في دورهم .. لقد حفظها الحاكم لهم لانه يعتقد انه عليهم أن يحذو حذو الآخرين الذين وجهوا الدعوه اليه .. المختار اسماعيل لا يشك بشرف ووطنيه زملائه وهو أيضا لا يقيّمهم .. كل شخص له الحق باتباع الاسلوب الذي يراه الافضل لتسوية الامور .. وللمختار اسماعيل تاريخ وطني حافل وهو أبداً لن يغير أسلوبه مع أعداء بلده مهما كانت نتائج موقفه الذي يتمسك به حتى الموت .

                  لم يكن المختار اسماعيل بالشخصية السهله ، ولم يكن بالممتنع ينظر له الانسان فيراه جبلاً شامخاً بهامته السحاب ، عيونه تشع منها أصالة الشمس عندما تنعكس على وجه القمر الذي يبدد ظلمات الليل الحالك الارضي .. حتى جسمه الممتلىء قليلا وقوته وحسمه السريع للمناقشات وهيمنته عليها اهلته جميعها لأن يتبوأ مكانته المعززة بين افراد عائلته الكبيره ، والمدينة بأسرها أصبحت تحترمه وتجلّه لمواقفه الانسانية والوطنيه .

                  عندما يدعو الحاكم الاسرائيلى مخاتير المدينه بدعوى التباحث معهم في شؤون المدينة فإنه يقوم بمحاولات جلّها فاشله للتأثيرعليهم لإرضاخهم للعيش بسلام مع احتلالهم البغيض الغاشم .. والمختار اسماعيل واحد من اولئك الذين كشفوا اساليب العدو فى استدراجهم للتعاون معهم فباتوا حريصين ، وتجنبوا عمل ما يطلب منهم الا ما يرونه لايمس مصلحة الأهالى ومصلحة المدينة وبما لا يتعارض مع كرامتهم ووطنيتهم .
                  وعندما يسألهم لماذا لم ينفذوا جميع تعليماته يجيبه المختار اسماعيل بـأنهم يبذلون كل جهودهم لعمل ما يقدرون عليه .. الحاكم لا يصدقه بالطبع فكل السوابق تؤكد عكس قوله فالمختار اسماعيل مثلا كان الوحيد الذى لم يقدم ولو قطعة سلاح واحدة من السلاح الموجود مع الأهالى وتسليمها لجنود الاحتلال الذين يبدون رضاءهم عن ذلك ويعتبرونها بادرة حسن نية للعيش بسلام مع الاحتلال والوضع القائم الناتج عنه .

                  وثم سابقة ثانيه عندما طالبوا المخاتير بتسليم أختامهم العربيه للسلطات العسكرية بهدف تغييرها وتسليمهم بدلا عنها أختاما مكتوبة بالعبريه تؤكد تبعيتهم واستكانتهم أمام الاحتلال وفى حينها ادعى المختار إسماعيل فقدان ختمه .... فهو يرفض تصور تغيير ختمه العربي بآخر عبري لأن ذلك يكون بمثابة إقرار بل صك اعتراف وموافقه على احتلالهم غير الشرعي للبلد .

                  تدور الأفكار فى رأس المختار اسماعيل وهو ينظر الى حمزه المنتظر جوابه الذى تأخر ولم يفق المختار من أفكاره إلا على صوت حمزه وهو يقول له : إيش يا مختار إيش قلت بالموضوع والله انا بأنصحك تعمل اللى قلتلك عليه وراح تلاقى مصلحتك كلها فيه . .

                  المختار لا يسعه الا أن يتكلم حتى يوقفه عن الاستمرار بهراء كلامه الأجوف : شوف يا حمزه الموضوع هادا انت بتعرف انا أرفضه ولايمكن أتنازل عن مبدئي وكرامتي ولو علشان ابني ... الموضوع هادا كبير وبدو تفكير سيبها للظروف ..
                  يرد حمزه .. ظروف إيش ومكاتيب إيش يا مختار اللى بتتكلم عنها .. العمليه واضحة زى الشمس إعزم الحاكم فى دارك بكره .. وبعد بكرة ابنك يكون فى البلد

                  ينظر المختار الى حمزه يملأه إحساس قوي بأن يهوي بيده على رأس حمزه فيهشمه ويخزيه فلا يعود ينخر كالسوس في جسد المدينه التي تنتظر يوم الخلاص من حمزه وأسياده بفارغ الصبر ، لكنه يستغفر الله ويتمسك بالصبر : هادا الظهر أذّن أما أروح الجامع أصليه حاضر .. السلام عليكم .. ما تيجي تصلي معانا .. يقول حمزه : أنا .. أنا .. لا..لا.. معيش وضو هالوقت .. بأشوفك الليله فى الديوان وللا أقولك بكره بآجي على الديوان علشان بالمرة أعرف رأيك النهائي بهالموضوع

                  يستحوذ محمود على فكر والده المختار اسماعيل فَلَكَمْ يتمنى ان يحضر محمود ويعيش معه ومع اخوانه ، ودائما يحدث نفسه .. ياما نفسي أشوف ولادي كلهم وولادهم حواليه ..والله كبرت ياحاج اسماعيل والزمن بيجري ، الأولاد صاروا رجال وكل رجال صار له عيله ودار .. آه الا انت يا محمود، الله يسامحك يا إبني يا حبيبي .. ترجع لبلدك وأبوك بالسلامه .. والله محتار ايش اعمل ، أعزم الحاكم في داري .. هادا إشي مستحيل أنا عارف غرضهم من كده ، انا لو عزمت الحاكم وأعوانه عندي راح أفقد ثقة الناس والبلد كلها فيّه ..وهادا اللي بدهم اياه .. ان أسقط من قلوب وعيون الناس فلا أجد الا الصهاينه قدامي يزيفون مودتهم ويمدونها حتى أسقط نهائيا .. ماذا سيقول الناس عني .. أول شيء يقولونه المختار باع بلده وباع دينه ، يا جماعه ، وأنا لا يمكن أبدا أبيع بلدي ولا يمكن افرط بملميتر واحد من تراب بلدي .. أنا من غير الناس ومن غير ثقتهم ومحبتهم لا أساوي الا ثمن الهدوم التي ألبسها .. لا .. لا .. لن أتنازل ولو بطلوع الروح .. .. بس محمود ايش ذنبه يعيش مشرد بعيد عن أهله وعن بلده .. في جواباته دائما يحكيلي عن غربته القاتله و العيشه الصعبه دائما يقول يابا نفسي أنام على الأرض هناك في الحكورة تحت شجرة اللوز القبليه ونفسي أقعد في الخص الصغير جنب الصبِّر ناكل فتة العجِّر المليانه فلفل وزيت زيتون آه ما أحلى هاديك الأيام متى تعود يابا ونتجمع تاني .
                  تذرف عينا المختار دموعاً غزيره كأنها هطول سحاب ثقيل اجتاحته عاصفة قويه فأسقطته مرة واحدة .. عند هذا الحد لا يستطيع المختار أن يستمر في تأملاته وشوارده .
                  بعد أن ينتهي المصلون من أداء الصلاة يبدأون بالخروج لمعاودة أعمالهم أو للعودة الى دورهم .
                  الشمس تميل قليلا عن خطها العمودي على الأرض متجهة قليلا الى الغرب مخلفةً ظلاً دقيقاً يسير تحته الحاج اسماعيل الذي تقوده خطواتُه الى داره حيث تفتح الباب له زوجته وشريكة عمره الطويل الحبيبه الحاجه أم أحمد .
                  الحاج اسماعيل : السلام عليك يا أم أحمد
                  أم أحمد : وعليك السلام يا حاج ، باشوف طولت اليوم عن الرجوع ان شاء الله بفائدة .. بشِّر ياحاج بشِّر .
                  ينظر الحاج اسماعيل اليها .. انه يرأف بحالها ومما قد يصيبها من الهَمْ والحزن ككل مرة عندما يخبرها برفض طلبه .. صحتها لاتتحمل الكثير انها طيبة جداً وحنونة جدا ليت هذا العالم الأسود يحمل بعض طيبتها وبعض شفافية روحها الفاضله ، اذاً لَعَرَفَ العالمُ معنى السعادة الحقيقية اذ يمارس أفراده انسانيتهم الفطرية الخيَّرة .. لن أخبرها الآن .. فيما بعد .
                  إِيه يا حاجه إن شاء الله يصير خير بالموضوع .. بدها صبر
                  أم أحمد : الظاهر مثل كل مرة .. على فاشوش ما في فائده .
                  الحاج اسماعيل : بالله تتركي الحكي فيه واذا الأكل جاهز خلينا ناكل لقمه ونرتاحلنا شويّه على قرب العصر .
                  تذهب أم أحمد لتعد الطعام وقد إسوّدت الدنيا أمام عينيها ويلاحظ الحاج ذلك فينادي عليها .. يا حاجه بالله تبعثي لأحمد ومحمد وعبدالله خليهم ييجو الليلة للدار بدي أشوفهم وأتكلم معاهم .
                  أم أحمد : طيب ياحاج بعد ماتنام أنا بأبعت الصبي يخبرهم أنك عايزهم الليلة ، ان شاء الله خير ايش فيه .
                  الحاج اسماعيل : الليلة راح تعرفي لما الأولاد ييجو .. يا الله بسم الله الرحيم ..
                  ***
                  بعد صلاة العشاء بدأ أبناء الحاج اسماعيل في الوصول الي دار أبيهم .. دورهم تحيط بدار أبيهم وأمهم .. حقيقة كل واحد استقل ببيته واهله لكنهم جميعا يلتفون حول والدهم لا يشعرونه ابدا انهم بعيدون عنه بل هم دائما معه طوع بنانه ويفعلون ما يشاء والدهم .
                  كان أول القادمين أحمد الابن الأكبر ومن بعده توافد عليه محمد وعبدالله ، بعد ان يجلس الجميع يبدأون بالنظر حواليهم عساهم يكتشفون شيئا لكن نظراتهم لا توصلهم لشيء فوالدهم لم يعد بعد من الخارج وكان مفروضا وجوده فهو الذي أرسل وراءهم يريدهم ، ولا يجدون بُداً من التحادث مع بعضهم ريثما يعود والدهم
                  عبدالله : إيش يمّه يا حبيبه هو ليش أبونا بعث لنا نيجي الليله .
                  أم أحمد : ما بعرف .. لما ييجي بتسألوه
                  أحمد : سمعت انكما نزلتما الى القدس اليوم ، هل مررتما على الأقصى ؟
                  محمد : ولو يا أبو اسماعيل هيّه هادي بتفوتنا ، معقول نصل القدس ومنصليش في الأقصى ، طيب الود ودنا نعيش هناك دايما .. في الدنيا كلها ما في أحسن ولا أطيب من هالمكان .
                  أحمد : الله يجازي الاحتلال واليوم اللي شفناه فيه ، ربنا يخلصنا منه وتصير بلادنا بلد واحدة ، هالوقت ابوكم بيجي وتعرفوا كل حاجه منه .. اصبروا شويه
                  محمد : ربنا كريم يا ابو اسماعيل ، اليوم قرب واحنا اليوم فاهمين الصهاينه وراح ندبرهم .
                  ( طرقات خفيفه على الباب )
                  أحمد : أبويا .. لما أقوم أفتح الباب ... ياهلا ياهلا يابا وين كنت الوقت هادا
                  الحاج اسماعيل : في الديوان .. المهم اني جيت ، كيف حالكم انتم ، بشوفكو كبرتو وأبوكو ما صار يشوفكوا الا اذا بعث الكم مرسال
                  عبدالله : العفو يابا ايش الكلام اللي تقوله هو انت أبونا بس انت كل حاجه في حياتنا ، ولا ممكن أبدا نسيبك في لحظه .
                  الحاج اسماعيل : آه منك ابلفنا بلسانك انت ، اقعدوا قدامي قريب مني .. وانت يا أم أحمد .. تشوفيلنا لقمه نتعشى ابها .
                  محمد : خير يابا ايش فيه .
                  الحاج اسماعيل : خير.. خير.. موضوع محمود وجمع شمله .
                  احمد : وافق الحاكم ....
                  عبدالله : يوافق ، هو معقول .. لازم في كل مره يسدها في وجه ابويا .
                  محمد : ايه والله همه بينسوا ان المختار اسماعيل الوحيد اللي قاللهم في وجههم انه بيكرههم وانه مابيتصور في يوم يتعاون معاهم ، طيب الود ودهم يشيلوه من المختره ويحطوا واحد غيره يسايسهم ويسمع كلامهم بس مش قادرين لان المختار اسماعيل مركزه كبير في عيلته وفي البلد كلها ولو غيروه لعبتهم بتنكشف
                  الحاج اسماعيل : بلاش حكي كثير ..اني رحت للحاكم ورفض طلبي زى كل مره .
                  عبدالله : شفتوا زى ماقلت تمام ..مش معقول الحاكم يوافق .
                  الحاج اسماعيل : وبعدين معاك،اسكت اني واتكلم انت ...
                  أحمد : المهم ايش صار...
                  الحاج اسماعيل : قبل ما اطلع من عنده لمح لي انه يتمنى يزورني في الدار وانتوا عارفين الحاكم من زمان بدوياني اعزمه عندي لكن انا رافض ولا يمكن اعزمه ، ومهما كان السبب .
                  أم أحمد : والله ..والله لو عزمته ما بقعد لك بدار بعد العمر هادا بدك مني استقبل بداري عدونا اللي قتل اقرب الناس النا . - صالح ابن اخوك _.. بلاش صالح .. الشباب والاطفال الصغار اللي صفوهم على الحيطان وطخوهم في الستة وخمسين وفي السبعة وستين ..عدونا اللي احتل الارض وسرق الخير واللي كل يوم يضيق علينا المعيشة ..واللي عماله بيحبس اولادنا الصغير قبل الكبير، والله لو باموت مابقدم لو كباية ميه لواحد كلب منهم .
                  الحاج اسماعيل : ياحاجه اهدي والله كلامك في قلبي وراسي ولايمكن انساه في حياتي .. هو أنا ولد صغير علشان يضحكوا عليّه .. خلونا في موضوعنا انا طبعا هزّيت راسي وروحت.. بعد شويه لقيت حمزه ..انتوا عارفينه والله مابحب اجيب اسمه على لساني ها الكلب اللي مافي البلد واحد على بعضه بيحبه ، البلد كلها شايلة منه وبتستنى اليوم اللي تنتقم فيه من ها الخاين .. هيه كل اعماله بتنعمل .. الصهاينه بحالهم ماعمله عمايله ... هيه اله اليوم .
                  محمد : ايش قلك حمزه هادا .كل حاجه بدخل راسه فيها واي حاجه بسمعها او بيشوفها على طول يروح يبلغها للصهاينة .
                  عبدالله : طيب الحاكم كان سهران عنده هو واثنين صهاينه معاة .. بتهيألي حمزة هادا مش راجل ما بستحي ابدا بخلي مرته تكشف عليهم وتقعد معهم هي وبناته الثلاثة .
                  احمد : هو من ها الوقت ،ما هو من زمان كده ،من ايام الانجليز وهو بها الحال المايل .
                  عبدالله : مش وطنه اللي باعه بس ..لا ..كرامته وشرفه كمان .عمري ما شفت حدا يذل نفسه بها الشكل المزري ، قول يابا قول فرجنا وسمعنا على الناس هادي اللي ما بدها غير الرجم والدفن بالحيا...
                  الحاج اسماعيل :لا..اتكلم ليش ..ما انتم قاعدين بتتكلمو وفوا كلامكم
                  عبدالله : ولا تزعل يابا هادي راسك ابوسها ... اّ خر مره نقاطع كلامك .
                  الحاج اسماعيل : اّخر مره ..
                  عبدالله : اّخر مره احلفلك اّ خر مره ..
                  الحاج اسماعيل : قال ايش حمزة جاي ينصحني ، ونصيحة لمصلحتي ، انا أعزم الحاكم الاسرائيلي في الدار وهو راح يوافق على طول على جمع شمل محمود وعياله كلهم ومش هيك بس ، كمان يعينه مدير للمستشفى الكبير ..... وأنا يا أولاد محتار أنا كبرت وعملي محسوب علي وبتعرفوا موقفي وما بعمل عمل الا اذا كان ضميري راضي عنه لكن موضوع محمود بيهمكم برضه وبيهم أم أحمد ، فإيش قولكم وايش العمل .. وخلوا في بالكم اذا عشت اليوم ما بعيش بكره ولو جمع الشمل ما صار في حياتي ، محمود عمره ما راح يرجع واليهود بالبلد ، أنا عارف الصهاينه .. ملاعين بفكروا بكل شيء وأنا لا يمكن أسلم أبدا ، لكن بدي أعرف رأيكم الآن لأنهي الموضوع ياهيك .. يا هيك ..
                  أحمد : ايش اللي بتقوله يابا انت لا يمكن تسلم ولا عاش اللي يدوسلك على طرف .. صحيح بيحز بنفوسنا ان محمود ما يرجع وما يعيش بيناتنا ، انت لو وافقت على كلام حمزة راح يمسكها ذلة النا كلنا في حياتك وربنا يديك طولة العمر من بعدك كمان وانت عارف مين احنا وايش اللي بنعمله بالصهاينه وأظنك سمعت بالقنبلة الأخيرة اللي انفجرت في دورية الاحتلال عند الجندي المجهول في غزة .. طيب احنا قاعدين ولا واقفين ولا حتى نايمين بنزلزل الأرض تحت رجليهم
                  محمد : طول عمرك يابا وانت طاهر ونضيف ما بنرضى ولا أي حد كمان بيرضالك توافق على كلام الحاكم وديله .
                  أحمد : البلد كلها بتحلف بحياتك ولازم يضلوا طول عمرهم يحلفوا بحياتك .
                  عبدالله : طيب انت الوحيد اللي قدر يواجههم ويصمد قدامهم همه بفكروا يقدروا يذلونا عن طريق محمود ، والله لا هم ولا شياطينهم كلهم بيأثروا على شعرة من شعرات راسك البيضاء ولا بيدنسوا حبة رمل تحت رمل رجليك .
                  أم أحمد : شوف يا حاج أنا قلتها كلمه لو عزمتهم والله والله ما بقعد في الدار ولا راح تشوف وجهي أبدا .. بلا منه محمود .. يكفي ربنا أعطانا .. عندنا أحمد ومحمد وعبدالله .. نعمه وفضل من الله .. خلي محمود بره ، بنبقى نجيبه زيارة والسلام ، هو احنا بدنا نوسخ اسمنا على آخر الزمان .. في داهية هم واللي يزرم لهم ..
                  الحاج اسماعيل : مباركة يا ام أحمد مباركة ، مباركين يا أولاد مباركين ، طوال عمري اعتز وأفخر بكم وقولي والله هو قولكم ، وأنا راح أفض الموضوع من ايدي وبكرة لما ييجي حمزة على الديوان زي عادتة راح اشربه القهوة سادة وسادة عن صحيح .
                  ***
                  ... قبيل صلاة المغرب بقليل يقترب حمزة من باب الديوان .. يدلف منه الى داخل قاعته الكبيره المفروشة ارضها من جميع نواحيها بالفرش القطني ، والوسائد المزركشه تتوسط المراتب في حين انتشرت المساند على الحائط حيث يسند الجلوس ظهورهم عليها ، في احدى الزوايا ثمة كراسي وبعض الكنب الكبير لجلوس الضيوف عليها .. بكارج القهوة مرصوصة فوق الكانون حول النار المتوهجة الذي يزكيها بالخشب كلما خبت الحاج خليل المتكفل بأداء جميع المهام التي يتطلبها الديوان .
                  كان الجلوس كثيرين نوعا ما ... حيث يستعدون لأداء صلاة المغرب جماعة ، وعندما أقبل حمزة كان المجلس بين متوضئ للصلاة وبين مستعد لها .. ينتظر دوره ريثما يتم زميله وضوءه
                  ... أما الحاج إسماعيل فقد كان ممن أتموا وضوءهم وجلسوا يسبحون الله ويذكرونه في انتظار آذان المغرب عندما رأى حمزة داخلا .. فاستعد له الاستعداد الذي يليق بما سوف يقوله له الآن .. حيث ابتدره قائلا .. تعال هنا .. جنبي .. كيف حالك .. يا ولد هات القهوة للضيف .. بس كتر سكرها .. .
                  حمزة : بس أنا بشربها سادة دايما يا مختار وقهوة الديوان بتتقدم سادة
                  المختار إسماعيل : اليوم غير عن امبارح ولازم تشربها حلوة اللي تليق بك
                  حمزة : الله يخليك يا مختار بشوفك مبسوط .. أيوه هيك افرد وجهك الدنيا ما تساوي لحظة الواحد يحزن فيها .
                  المختار اسماعيل : بتقول حكم والله .. وكلامك حلو وصحيح ، الدنيا كلها ما تساوي لحظة الواحد يتنكد فيها ..
                  حمزة : بتهيألي انت فكرت بالموضوع يا مختار ولازم وافقت على كلامي
                  المختار إسماعيل : موضوع ..؟ ! موضوع ايش ..؟ وكلام ايش اللي وافقت عليه ..
                  حمزة : موضوع ابنك محمود وجمع شمله واللا نسيت ..
                  المختار إسماعيل : ابني محمود ..؟! بس أنا ما بتذكر انه لي ولد اسمه محمود .
                  حمزة : ايش هالكلام يا مختار ..؟ لسه امبارح متكلم معاك بالموضوع ..! والحاكم اليوم شدد على موضوعك بالذات وانه لازم ينتهي منه بأسرع وقت .. وخصوصا أنا اسمعت ان الحاكم الاسرائيلي راح يتغير بعد خمس شهور وهذا سر لم أقله لأحد غيرك ، والله هو بدو يخدمك الخدمه هادي قبل ما يروح من عندنا والله هو زلمة طيب ومن كلامه عنك تبين لي انه بيعزك كتير .
                  المختار اسماعيل : ايش الكلام الهبل اللي بتقوله ، محمود مين وجمع شمل مين .. وايش الخدمة اللي الحاكم بنفسه بيتكرم وبدو يخدمني اياها ، طيب أنا ما طلبت منه شيء وأنا الحمدلله أولادي كلهم عندي هذا أحمد وهذا محمد وذاك عبدالله هؤلاء هم أولادي لم أنجب غيرهم ولا عمري كله كان لي ولد اسمه محمود ..؟ حتى اسأل الناس .. يتوجه المختار الى الناس يسألهم .. أسمعتم قبل الآن انه يوجد لي ولد رابع واسمه محمود ..؟...
                  يتسارع الموجودون بالجواب .. وبطريقة تعبر عن السخرية .. ولا حتى حمد يا مختار ..!
                  المفاجأة وقعها شديد على حمزة الذي أصبح وجهه يحاكي في لونه اصفرار الأموات .. لم يحتمل أن يهزأ به إلى هذه الدرجة .. ... جميع الناس تعرفه ويخشون سطوته ولا يجرؤ أحد أيا كان أن يهزأ به بهذه الطريقة .. إلا هو .. هذا المختار.. المتعجرف .. ماذا يظن نفسه .. انه الوحيد الذي جعله أضحوكة
                  نظر حمزة الي المختار إسماعيل ووجهه يمتلئ بالخسة والنذالة وقال له : يبقى هذه قهوتك الحلوة يا مختار ..
                  رد المختار باشمئزاز : .. وشربتهالك يا حمزة .. وبعد اليوم قهوتك عندي حلوة ما في غيرها .

                  __________________
                  sigpic

                  تعليق

                  • ربيع عقب الباب
                    مستشار أدبي
                    طائر النورس
                    • 29-07-2008
                    • 25792

                    #10
                    تربة مخضّبة (( مهداة للقدس ))
                    ارتفعت الأصوات مردّدة :"مازالت الحياة تنبض بين جوانحها الصّغيرة".
                    سرى الخبر في شراييني ففاض ماء الحياة في جسدي بعد ما نضب لهول ما حدث.
                    تحاملت على أوجاعي.كنت قد فقدت القدرة على الحركة لكنّ الأمل خرج من بين أنقاذ نفسي المتهالكة ليلملم كلومها.
                    زهرتي الجميلة على قيد الحياة.خلت أنّني فقدتها للأبد فندبت مصابها وعشت مرارة فراقها.
                    اقتربت منهم والشّوق إلى احتضانها يهزّ كياني ،نظرت إليها،غام الأفق أمامي أصابني دوار...

                    "صغيرتي الحلوة،يا جميلة الرّوح لطالما حلمنا برحلة عبر ربوع بلادنا نهيم في حقولها ومزارعها فندفن فيها بؤسنا وشقاءنا.طالما تمنّينا لقاء أقربائنا هناك وراء الأسلاك الشّائكة والجدران الفاصلة.
                    فلنحلم قبل أن تصبح أحلامنا باهضة الثّمن فلا نقدر على شرائها ولنحلم ماداموا لم يقرّروا بعد حظرها ومصادرتها.ماذا بقي غير الحلم نملأ به رئتينا وقد تلوّث هواء بلادنا بما نفثوا فيها من سموم؟
                    أدميت قلبك الصّغيرالذي يتفتّح للحياة كزهرة بريّة.
                    لا عليك أمّي الغالية،إنّني أعيش في أعماق أحزانك وأحلامك.أستيقظ كلّ صباح على رائحة الأرض وهي تطهّر أنفاسي من براثن ما علق بها.
                    يعصف بي الشّوق إلى أن أزور قبر أبي وأتمرّغ في ثرى التّربة التّي تحمل في أحشائها بقاياه.لم يكتب لي أن أعيش بين أحضانه وقد اغتالته أيديهم القذرة"

                    -أريد رؤيتها.أريد الاطمئنان عليها.تبّا لهم لقد مزّقوا بالأرزاء صدري لكنّني الآن أكثر قوّة من أيّ وقت مضى .أريد رؤيتها.
                    -حرارتك تنخفض تدريجيّا. سأسمح لك بزيارتها حالما تتعافين.
                    -قدرنا واحد أنا وصغيرتي وكلّ من صودرت أحلامه لذلك كنّا نغنم الحلم لأنّنا قد نفقده يوما.
                    سكنت في فراشي لكنّ نفسي لم تنم فقد اتّقدت أوجاعي داخلي تئنّ تحت وطأة عذاب ابنتي التي تجاورني في هذا المستشفى.نهضت وتسلّلت في حذر..
                    -توقّفي . ماذا تفعلين؟ عودي إلى الفراش.لا يمكنك المجازفة بصحّتك. سأرافقك إليها عندما تتماثلين للشّفاء...

                    "كان عليّ الخروج لأؤمّن لنا الطّعام في تلك الأيّام العصيبة.تسللّت في حذر بعد أن تركتها في البيت وفي اعتقادي أنّي ضمنت لها الأمان.
                    صوّب رشّاشه نحوي:
                    مكانك.إلى أين تتّجهين؟أين بطاقتك الشّخصيّة؟
                    غمغمت:هل كان عليّ أن أحملها لأبتاع خبزا؟
                    اخترقت الحصاربعد جهد كبيرفي إقناعه بضرورة المضيّ قدما.
                    تخطّيت بقعا حمراء حتّى لا أنتهكها بقدميّ.جليلة تلك الحمرة التّي تخضّب تربة وطني.كنت أحذر انتهاك قداستها وقداسة أصحابها.
                    تقدّمت قليلا:
                    -احذري سيّدتي.الطّريق غير آمن.كان عليك ألاّ تجازفي.احذري
                    تقّدمت.الدّكاكين مغلقة.بالكاد وجدت أحدها شبه مفتوح.حصلت فقط على ما يسدّ الرّمق.
                    أصابت إحدى الشّضايا كتفي وأنا في طريق العودة.نزفت دما ووجعا.
                    -لا تتقدّمي أختاه لا يمكننك العبور.لقد أغاروا بطائراتهم على المنازل.يريدون تدمير كلّ شيء.
                    تحاملت على نفسي ووصلت بمشقّة..المنازل تئنّ تحت وطأة الخراب.الأنين يسمع بين الأنقاذ،أنين العباد والتّراب.
                    نزفت دما ودموعا.نزف جرح الماضي وأنا أحسّ وجعه في حاضر مأساتي.
                    يا ربّ جرحي مازال لم يندمل بعد"

                    -كيف حالك سيّدتي؟تبدين اليوم أفضل.سأرافقك مساء إلى صغيرتك.إنّها تنتظرك.
                    -كيف حالها؟اشتاقت إليها كلّ ذرّة في كياني.
                    -بخير بخير والحمد لله...

                    "إنّها تئنّ. هيّا أسرعوا مازال فيها نبض حياة.
                    خرجت من تحت الرّكام عروسا مخضّبة بالدّم.لم أميّز وجهها.كانت مزيجا من الدّم والتّراب.ارتعدت،أصابني دوّار"

                    -هيّا سيّدتي إنّها في انتظارك.
                    تجمّدت الدّموع في عينيّ.وأدت وجعي وحرقتي .كتمت أنيني.
                    تبدومتماسكة طفلتي التّي تختزن أوجاعها داخلها.
                    بتروا يدها اليمنى لكن لم يبتروا ثباتها ورباطة جأشها.
                    لن يبتروا حلمها في أن تزور قبر والدها هناك في الضّفة الأخرى
                    sigpic

                    تعليق

                    • أحمد عيسى
                      أديب وكاتب
                      • 30-05-2008
                      • 1359

                      #11
                      كتبتها قبل هذا الموضوع ولكني أهديها للقدس طبعاً ، ولو كنا نملك لأهدينا قلوبنا وأرواحنا وأموالنا ..

                      زمن صلاح الدين ..
                      هي تجربته رقم ... لم يعد يذكر ..
                      لكن الأمر أصبح عنده كالعادة .. إدمان أن يجرب كل يوم شيئاً جديداً وزمناً آخر غير زمنه الذي تهاوت فيه القيم وضاعت العروبة وسقطت القدس ..
                      اليوم عندما ركب آلته الزمنية كان يعرف أن شيئاً مختلفاً ، شيئاً خاصاً ، سيواكب رحلاته الزمنية هذه .. ستكون رحلة بمذاق خاص ..
                      انتهت الدوائر الملونة التي تتطاير حوله ، وتوقفت الآلة عن الدوران قبل أن تقذفه بعنف إلى الخارج وهي تعود إلى الدوران حول نفسها بسرعة جنونية ..
                      أصبح الآن في صحراء جرداء ، لا يرى أمامه أي مدنية أو حضارة ، ولكأن الزمن ألقى به مئات الأعوام إلى الخلف ..
                      من بعيد لاح له مخيم ، ومن بعيد أيضاً ظهرت سحابة من الغبار خرج منها فارس عربي يركب جواداً أدهماً ويحمل سيفاً تشرق عليه أشعة الشمس وتنعكس بألف لون ..
                      كالمسحور وقف يترقب الفارس ، مبهوراً ، مأخوذ الأنفاس ... يا له من زمن جميل .. وأي زمن ..
                      من خلف الفارس ظهر فرسان آخرون ... أحاطوا جميعهم بالزمني وكبلوا أيديه قبل أن يضعوه خلف أحدهم على جواده بينما يتقدمهم قائدهم الفارس الأول بجواده الأدهم ..
                      ولم ينبس الزمني ببنت شفة وهو يراقب السيوف البراقة والحرملات الحمراء والخوذات الفضية التي تغطي الوجه إلا العينين والفم ..
                      وفي أعمق أعماقه تمنى رؤيته .. وتمتم بصوت مسموع :
                      - أريد أن أراه .. يجب أن أحذره مما سيحدث بعده ..
                      قال الفارس :
                      - ماذا تقول أيها الدخيل ؟
                      فقال الزمني :
                      - أريد أن أرى قائدكم .. يجب أن أحذره من خطر قادم ..
                      ابتسم الفارس ابتسامة خفيفة تلاشت بسرعة ، ثم انطلق مسرعاً أكثر بجواده والمخيم يبدو لهم واضحاً .. الرايات الخضراء ترتفع عالية مدوية في كل مكان ، والجنود ينتشرون يتدربون وينظمون الصفوف ..
                      لكن شيئاً بدا من خلف المخيم من بعيد ، جعل الزمني في حالة من الذهول المطبق .. حالة من العجز حتى أن قلبه كاد أن يتوقف عن الخفقان ..
                      هذه المئذنة .. هذه الأسوار ... هذه الطرق التي تبدو من بعيد ...
                      إنها القدس ... انه المسجد الأقصى على بعد حجر ... إنهم على أبواب القدس ..
                      ولم يعد الزمني يتمالك نفسه ... صرخ بكل قوته ..
                      - أريد أن أراه .. أريد مقابلة قائدكم ..
                      أنزله الفرسان بسرعة ، وضعوه في خيمة وفكوا وثاقه ، قدموا له الشراب والطعام ، ثم أجلسوه ليستريح ..
                      ساعات مضت .. ساعات من الانتظار الطويل ..
                      ثم جاء ..
                      فارس طويل ، له هيبة عظيمة .. لحيته البيضاء تضفي عليه وقاراً وحكمة ، وعينيه يشع منهما حزم يتجاوز كل وصف ..
                      اعتدل الجنود في صفين أمامه يؤدون التحية العسكرية حتى دلف إلى خيمة الزمني ..
                      - قف أيها الغريب فأنت في حضرة القائد العام ..
                      وقف الزمني مبهوراً ، يتأمل ملامح القائد وتمتم دون أن يدري :
                      - الناصر صلاح الدين ..
                      ابتسم القائد وقد سمعه ..
                      - من ؟ الناصر صلاح الدين ..
                      رحمه الله يا بني .. ليته كان معنا ليشهد هذا اليوم العظيم ..
                      انتفض جسد الزمني ، وقال متوتراً ..
                      - وهل قتل الناصر صلاح الدين ..؟ ما الذي حدث ؟ نحن نعلم جيداً أنه سيدخل القدس بعد معركة فاصلة ، ولقد جئت أحذره من خطر سيأتي بعده .. ستضيع القدس يا سادة ، ستسقط مرة أخرى في يد الصليبيين واليهود .. ستضيع جهودكم للأسف ..
                      قالها وسقط أرضاً وهو لا يقوى على الوقوف ، لكن القائد مد له يده ، قائلاً بصوت صارم :
                      - قف أيها الرجل وتمالك نفسك ، فقد انتهى عصر صلاح الدين منذ أبد بعيد ، وما نحن إلا جيش آخر من جيوش المسلمين . .. ولن تضيع القدس مرة أخرى .. أتفهم .. لن تضيع القدس مرة أخرى ..
                      وهنا .. تنبه الزمني إلى أشياء لم ينتبه لها منذ أول مرة ..
                      هؤلاء الفرسان يرتدون الساعات اليدوية ، ويعلقون ساعة كبيرة في وسط الخيمة ... الأحذية مصنوعة من الجلد المتقن البراق ، والملابس مطرزة بأحدث الوسائل ..
                      ما الذي يحدث بالضبط ؟
                      وهنا سأل الزمني سؤاله الذي ينتظر جوابه بفارغ الصبر ..
                      - في أي عام نحن يا سيدي ..
                      وعندما سمع الجواب صرخ بصوت متحشرج ..
                      - أرجوك يا الهي .. لا أريد أن أستيقظ ... أبقني في هذا الزمن الجميل ..

                      ******
                      أبريل 2009
                      ” ينبغي للإنسان ألاّ يكتب إلاّ إذا تـرك بضعة من لحمه في الدّواة كلّما غمس فيها القلم” تولستوي
                      [align=center]أمــــوتُ .. أقـــــاومْ [/align]

                      تعليق

                      • العربي الثابت
                        أديب وكاتب
                        • 19-09-2009
                        • 815

                        #12
                        عطر الأنبياء

                        وأناأطل من هذه الشرفة على القدس الحبيبة ،رأيت البساتين الشامية باسقة ظلالها،،يفوح منها عطر الأنبياء،مااستطاعت قنابل الدمار تلويث شذاه،
                        ذكرتني هذه الشرفة بطعم النكبة التي رضعناها ونحن أطفالا...
                        في ذاك الزمن كنا غادرنا مدرسة القرية حين داهمنا حزيران بوهجه وحرارته ،
                        كان وقت الظهيرة،وكان لدينا ضيوف ،كلفني الراحل والدي أن أكون في خدمتهم،جلس هو في صدر القاعة وعلى جنبه مذياع هو الأول والوحيد في القرية،وحين أنهوا شرب الشاي الذي كان الوالد يدمن على إعداده بنشوة.
                        أمر الوالد -رحمه الله- بتجهيز المائدة لتناول وجبة الغذاء،شغل المذياع
                        العتيق ،كان "صوت العرب" يبث أناشيد وطنية،تتخللها فواصل إخبارية عن لهيب المعارك في الجبهات المشتعلة....
                        عندما شرعوا في تناول الطعام وهم يتحدثون عن اليهود والعرب وعن فلسطين
                        جاء الخبر صاعقا:عصابات الصهاينة تضرم النار في المسجد الأقصى المبارك،
                        عندئذ فقط أدركت كم هي عزيزة وغالية هذه القدس...توقف الوالد والضيوف عن الأكل وقد غشاهم حزن عميق، ابتعدوا عن المائدة وشرعوا في قراءة آيات من القرآن الكريم...كان صوت والدي قويا وشجيا لازال صداه في أذني ....
                        للقدس منا ألف سلام،
                        هي البداية،
                        وهي النهاية،
                        وبينهما صف طويل من الشهداء،
                        يبتديء من أول الدنيا حتى تخوم الآخرة،
                        القدس ليست عاصمة لثقافتنا بل هي ثقافتنا الأصيلة...
                        وللمشرفين على هذا المثبت تحايا بعطر القدس وشذى الشهداء.
                        وللقدس كل الخلود...
                        العربي الثابت
                        المغرب
                        التعديل الأخير تم بواسطة العربي الثابت; الساعة 15-11-2009, 23:02.
                        اذا كان العبور الزاميا ....
                        فمن الاجمل ان تعبر باسما....

                        تعليق

                        • ربيع عقب الباب
                          مستشار أدبي
                          طائر النورس
                          • 29-07-2008
                          • 25792

                          #13
                          أحلام لا زالت مسافرة


                          بقلم : مجدي السماك

                          الطائرة تبتعد. تعلو وهي لا تزال تبتعد. بنهم مبرح تلتهم الارتفاعات. بشغف كبير يزدرها الفضاء الذي لا يزال على الدوام يتسع ويتسع. وصلت بلا تعب إلى جوف ثالث سماء.. وارتقت، وظلت تغوص. ثم جاوزتها إلى أقصى طرف في رابع سماء.. وهناك استقرت. مع هذا لم تحترق من شهب ولم تشتعل من نيازك. كفّت عن الغوص في ما بقي فوقها من سماوات بعيدة.. وبات واضحا أن أبوابها بالبعد أوصدت. ثم عن الأبصار اختفت، تماما اختفت.. كأنما إلى غير رجعة. كان المسافرون مزيجا متباعدا. بعضهم أوربيين.. البعض من الأمريكتين.. بعضهم آسيويين. وواحد منهم كان كثير البياض، عيناه ملّوّنتان، منظره يشبه إلى حد كبير أولاد الأجانب. لكنه في الحقيقة فلسطيني بحت، من مدينة القدس، على وجه التحديد من حي الشيخ جراح.. اسمه الرباعي كما هو مكتوب في بطاقة الهوية، سالم عمر صلاح اليبوسي. ومهنته محامي. جاءت جلسة سالم مريحة وملهبة لحلو ذكرياته ومرّها، منعشة للبارد والساخن من أحاسيسه. كان في أدب عارم يجلس إزاء الطاقة الزجاجية الصغيرة.. التي تشف له عن فضاء كثير منفوش في الآفاق. فور جلوسه هرول إلى عينيه المشغولتين بالنظر إلى هنا، حيث وجوه بعضهم حزينة ملبدة بفراق مالح وحامض، وفيها عبوس.. والتحديق إلى هناك، حيث وجوه كاللقاء منتعشة فيها ابتسام.
                          ثم بلهفة لملم سالم كل ما في عينيه من بصر.. ورماه محمولا على أجنحة أشواقه في الفضاء الحر الكثير.. الذي كان ينمو ويفيض في الخارج. وترك خاطره يتقافز ويمرح دون أن يأبه أين يطير، ولا يعنيه أين يحط.
                          حتى إنه لم ينتبه إلى هيئة الحسناء الجالسة إلى جواره، على نفس المقعد.. مع أن منظرها كان زكيا وفيها نعومة خارجة عن المألوف، ووجهها الأشقر رائق بلا نمش ويبين من أول لمحة أنه حاف من أي مكياج. وسهي سالم عن تكليف نفسه أو حتى بصره بأية مهمة.. ولا حتى بمهمة النظر إلى فخذيها المكشوفتين في فجور صارخ مفضوح. وليت الأمر توقف به عند هذا الحد.. إنما الذي يغيظ أكثر، ويجعل الإنسان ينفلق ويلطم خده من شدة الغيظ، أنه لم يخطر أبدا إلى باله أن يتمنى أن يمد شفتيه المشدودتين بإحكام بالغ.. لينال بوسة من شفتيها المتوهجتين الدقيقتين.. ولو حتى بوسة سريعة على الماشي.
                          وعقله.. الذي اعتاد دائما على التفكير بجد فعال ونشاط.. ها هو الآن سارح مخدر، ولم يخطر له أن يتمحك بها بطريقة ما ليلمسها بيده، أو حتى بأطراف أصابعه الطويلة وقد طواها وضمها باستكانة تحت فكه. وأنفه أيضا كان يغيظ.. وبالفعل صار أمره غريبا محيرا.. آه من أنفه.. كأنه نائم، غافل عن عطرها الذي كان يسري ببذخ جامح وهو يفوح ويدغدغ بحنان شذاه أنوف المسافرين. وكان أنفه أيضا غافلا عما يشيع حوله من عطور تحفل بأنفاس البنات المخلوقات من تراب ناعم جيد التنخيل، لا تقل نعومته عن نعومة بودرة الأطفال الرضع. والمتناثرات حوله كأنهن ورود نسقن بيد فنان مبدع على الكراسي بانتظام عجيب ومدهش. مع كل هذا وغير هذا.. ظل سالم لوحده، متجليا غائرا متوحدا في ذاته كصوفي أوغل في أعماقه ليوغل في نور عشقه الإلهي، وغاص بعيدا وقريبا في ملكوته، الذي انقضى في بطن ماضيه الذي لا يزال إلى الآن بمشقة يمضي، كله لا يزال يمضى. فلم يأخذ بأنفه من الروائح ولو شمة واحدة، فقط واحدة. والركاب من حواليه كانوا كلهم ينظرون حولهم إلى البنات في إمعان ويتلفتون.. وكلهم كانوا بملء أنوفهم يشمّون في صمت رزين وهم فرحين ومرتاحين.
                          طار سالم بخاطره وحلق به مبتعدا، ومسرعا يسابق الطائرة إلى القدس، إلى مسقط رأسه ورؤوس أجداده، إلى حي الشيخ جراح.. وهناك حط عقله كله دفعة واحدة على كل رّجا من أرجاء بيتهم المسروق. هنا غرفة المعيشة، فيها صورة جده المحارب القديم ذي الشوارب المهيبة، المعقوفة بعناية خبير مقتدر، ومبرومة نهاياتها وهي تصعد إلى الأعالي لتوازي حواف خدين منتفخين في عظمة جليلة، لها مهابة قدماء الأموات، معلقة في الوسط بين بروازين كبيرين لا يوجد على زجاجهما غبار.. برواز ضخم لقبة الصخرة المشرفة، وبرواز كبير حوافه مذهبة لآية الكرسي.
                          هنا بالذات في هذه الغرفة الكبيرة كان يذاكر دروسه، على تلك الطاولة العريضة المغطاة بشرشف أبيض يتدلى منه رفرف احمر. وهناك خرابيش أخته الصغيرة "بثينة"، كانت تمسك بالتباشير الأبيض، وتخط وهي تحدق بعينها الوحيدة على الحيطان الحجرية الملساء العتيقة، تكتب اسمها وكثيرا ما تنسى بالسليقة وضع النقط على حرف وأحيانا على حرفين، وفي أحيان كثيرة كان يسقط منها حرف بأكمله على ما فيه من نقاط وانحناءات.
                          هنا غرفة النوم، التي تزوج فيها سالم آخر مرة بعد مرور سنة على موت زوجته الأولى. لقد ماتت بعد أن اختنقت وهي حامل بالشهر التاسع، لقد خنقها غاز قنابل الجنود المحتلين، وكانت في ذلك تحاول انتزاع حقها في المرور إلى بيت أهلها القريب من باب المغاربة. وفي زيجته الثانية والأخيرة، عندما تزوج أغلق سالم على نفسه وعروسه الباب وتربسه جيدا منذ أول ليلة من ليالي الدخلة، ولم يفتحه البتة لمدة أسبوعين متتاليين. وكانت والدته بحزن وفرح تناوله الطعام، الدجاج المحشي بالأرز، وصحون مليئة بالشوربة، والسلطات، عبر النافذة الجانبية الصغيرة المطلة على الصالون.
                          ولم تنته ليلة دخلة سالم.. بل بالأحرى ليالي وأيام دخلته، إلا عندما شب حريق هائل في غرف البيت والصالون، كان قد أشعل النار فيه أحد قدماء المستوطنين وعتاتهم.. في ذلك اليوم لم تكن أمه موجودة في الدار، إنما كانت في مشوار مهم إلى طبيب الأسنان كي تنتزع طاحونة العقل. وخرج سالم يومئذ مهرولا بالبلوزة الشباح والكلسون، عندما داهمتهم النيران من كل الجهات وشبت أكثر حين التهمت الستائر، وبدأت بعد هذا ألسنتها بنهم كبير تأكل السجاد التركي المزركش، ثم بسرعة مدت ألسنتها المسعورة إلى الخزانة الخشبية في الصالة. فخرج سالم مندهشا خائفا يحمل بين ذراعية عروسه المذعورة. وكان لارتباكه قد لفها وهي عارية بملاية التخت البيضاء بطريقة تشبه كافولة المواليد، وربما هي إلى حد كبير تشبه الكفن . بعد هذا الحريق بشهرين تسلم والده إخطارا بترك البيت. إخطار غير قابل للنقض صادر من المحكمة العليا الإسرائيلية.. لإسكان عائلة يهودية جديدة قدمت قبل أيام قليلة من بولونيا.
                          ولسع خاطر سالم سؤال مؤلم كان يؤرقه كثيرا وهو يلسعه ويؤذيه.. أين سيقيم حين يصل إلى القدس؟ أفي الشارع؟ أفي خيمة ينصبها كيفما اتفق؟ أم في بيت من صفيح ينصبه كما يفعل الغجر على قارعة الطريق؟ أم أنه يا ترى سوف يظل هكذا يطوف معذبا منبوذا في هذه الدنيا، وملعونا على الدوام يمضي.. إلى حيث لا يطوف والى حيث لا يمضي؟
                          أعلنت كابينة قيادة الطائرة عبر سماعات ظاهرة ظن أنها مخفية.. بعد ساعة سوف نهبط في إسرائيل.. في مطار بن غوريون. فأسرع سالم إلى لسانه وتكلم بصوت عريض وهو يدير فمه المفتوح بعشوائية إلى كل الاتجاهات: سنصل إلى فلسطين.. يا سلام.. أنا فعلا بدأت أشم رائحتها.. أنا من زمان نفسي أشمّها.. والله من زمان عن ريحة الزعتر البلدي. واجتاح قلب سالم ذلك النوع من الإحساس المريب الغريب المحير، والذي ليس من العسير على أي أحد مهما أوتي من غباء أن يتصوره.. شعور رجل في غاية الفقر والجوع، عثر فجأة في أرض قفر على أرز مطبوخ وجاهز على أشجاره، أنبته الله للسبيل.. لكن الفقير قصير وكسيح.
                          وانتبهت ذات الفخذين، جارة سالم الجالسة إلى جواره، وارتابت وهي تنظر في استنكار إلى عاصفة الفرح التي اجتاحت جسده الفارع.. العاصفة التي أطلقت عواطفه من عقالها، وقذفت بلسانه وألقته إلى خارج فمه حين انفعل. وانتفض رأسها، وتشنجت نظراتها المختلسة في عناد شديد، واهتز بدنها كله أيضا ورجف.. كأن شخصا لا تعرفه بصق في وجهها فجأة بلا أي سبب وهرب. كل هذا حصل لها حين ردد سالم في انفعال جامح، كلمات لها وقع السهام في أذنيها.. فلسطين.. القدس.. قبة الصخرة.. زعتر بلدي.
                          ثم أكملت جارته إدارة عينيها نحوه في حنق مغيظ.. حتى صارت كل نظراتها المدببة المشحوذة تلسع مباشرة وجه سالم وتعيث في ملامحه اضطرابا. وكان وجهه سالم لا يزال تحتل وسطه ابتسامة عفية، قد بدأت تذوب بالتدريج، وعلى مهل، ولم تكن أهدابها قد أفلحت في مغادرة شفتيه تماما.
                          وطارت جليسته، ذات الفخذين، إلى لسانها وصاحت بصوت أسود ثقيل لم تشفع رقة أنوثتها فلم تفلح في تبييضه، ولم تشفع له أيضا نعومة شفتيها بتخفيف نبرته ولا حتى بخفضه: اسمها إسرائيل، ما في فلسطين.. في ازرائيل.. جيروزاليم.. فيفا ازرائيل.
                          بالكاد وقف فمها عن الكلام واختفت ملامحها بسرعة وراء صمتها الهائج المشتعل.. حتى بادرها سالم بصوت منخفض رفيع، لكنه حاد فيه طنين عميق ومدبب..
                          - سيدتي.. الأوطان أهم من أسمائها.. والإنسان أهم ما في الوطن.
                          - أنت تريد طردنا من أرض إسرائيل.. ألا يبدو عليّ أنني إسرائيلية.
                          - ألا ترين أننا اضعف من أن نطردك، أنتم تجرأتم على طردنا. نحن أكثر طيبة من أن نفعل ذلك.
                          - لقد قتلتم أخي.
                          - أنتم قتلتم الكثير من أهلي.
                          - أنتم لستم طيبون، لكنكم ضعفاء. والضعيف لا يصنع السلام، ولا المحبة.
                          - لكن الضعيف لا يصنع الحرب.. فلا يرتكب جرائمها.
                          ثم سكت سالم.. وصمتت بدورها ذات الفخذين.. حين جاءت المضيفة توزع كوبات الشاي على المسافرين. وراحت المضيفة لحظتها دون مساعدة من أحد تستخلص نفسها وعربتها التي حشرت في الممر الضيق.. بسبب رجل كهل كان ضخم الجثة وله أكتاف عريضة كأكتاف المصارعين.. وكان أحد الكتفين قد خرج إلى منتصف الممر وبرز. وعلى رأس الكهل قبعة لها حافة عريضة تنفع لأن يقف عليها خروف صومالي. يبدو من انبساط جبهته أنه أمريكي من أصل استرالي. شارك هو الآخر في الكلام، وراح يتحدث موجها أشواك عينيه ومصوبا فمه بدقة إلى أذنيّ سالم، وقال بصوت مرخي لا جد فيه ولا انفعال..
                          -لماذا القتل.. أعط الطفل اليهودي ورد جوري..بدل القنابل.. لازم يعيش.
                          - فعلت هذا مع جارنا بالسابق يا سيدي.. مع هذا أخشى أن يقتلني الطفل حين يكبر.. فأموت أكثر.
                          زمّت ذات الفخذين ما استطاعت أن تزّم من فمها البرم، الذي كان يرشف الشاي بحرص شديد لئلا يصدر عن رشفها أي صوت.. أو حفيف. وكادت أن تتكلم.. لولا العجوز الجالسة في الكرسي الذي أمامهم، والتي تبدو من كبر تقاطيع وجهها وما يحويه من نمّش أنها بريطانية، ولكبر وجهها كانت تبدو لأول وهلة وكأنها بأربعة خدود غير متراصة ومترهلة. أدارت العجوز وجهها على ما فيه من نمش وخدود، متأهبة للحديث.. وحاولت وقد دبّ فيها الحماس إلى الكلام، أن تنفذ برأسها من خلال الفرجة الفاصلة بين الكرسيين، لكن منعها الشحم الكثير المنسدل من تحت أذنيها، وهناك انحشر. ثم وهي تلوح بسبابتها فاهت بفمها المحشور..
                          - لازم يكون سلام علشان تعيشوا كويس. لازم تعيشوا سوا سوا.. لازم يكون في حب.. الدم مش كويس.
                          ثم راح سالم يشرح في حزن شديد فيه اضطراب كثير غمر نبرته، موجها كلامه إلى ذي الأكتاف العريضة، وذات الأربعة خدود، وذات الفخذين.. وكان وهو يعبس يوزع نظراته بينهما بالتساوي. بدأ يشرح لهما ويلهث وهو يسهب في مرة ويقتضب في أخرى.. قصة أخته الصغيرة "بثينة"، التي فقدت عينها اليمنى ذات يوم برصاصة مطاطية وهي تلهو وتنط في باحة المسجد الأقصى.. والأب كان يومها بالداخل يصلي.. وعند الخروج اصطدموا مرة أخرى مع الجنود. مثل ذلك الاصطدام الذي وقع لهم حين قدموا إلى الجامع.. كي يتمكنوا من الإفلات.. لأداء الصلاة.. صلاة الجمعة اليتيمة.
                          ثم قطعت ذات الفخذين حديثة المعذب. وقالت وهي تتثاءب بعمق: نحن الآن تجمعنا طائرة واحدة.. غرفة معدنية كبيرة معلقة في الفضاء، تحولت بوجودنا جميعا إلى وطن مؤقت للجميع.. يجمعنا إلى ساعة.. أو إلى أقل من ساعة.
                          في خاطره الساكت، تمنى سالم للحظة أن تنقلب الأمور.. وتصير الذكرى التي في مخه مخزونا للمستقبل الأتي.. بدل أن تظل مخزونا للماضي.. ماضيه غير الآفل وغير القادم. ثم ترك خاطره، ونبر في حسرة إلى ذات الفخذين..
                          - عذرا سيدتي.. لم تجمّعنا الأرض. لكن جمّعنا الفضاء.
                          - لأن الفضاء ليس لأحد سلطان عليه.
                          - لا.. أبدا.. إنما لأن الفضاء لا يوجد فيه لأحد ذكريات، ولا ماض بعيد أو قريب. لا أحد يدفن أمواته يا سيدتي في الفضاء.
                          انقطع فجأة صخب الحديث الدائر.. إثر مطب هوائي شديد.. بعنف رجّ بناء الطائرة كله. وأحس جميع المسافرين كأن الطائرة هوت بهم وارتطمت في قاع أخدود واسع وسحيق، حفر عميقا جدا في أعالي الفضاء. فتكتمت أنفاس واحتقنت وجوه. وعلى الفور هبّ سالم في خشوع خائف إلى المعوذتين. راح يتمتم وهو يلهث، كأن قلبه لأول مرة في حياته يخشع.. ولأول مرة لسانه يتمتم.
                          وانتبه سالم بعد هذا إلى نفسه، وكانت ذات الفخذين قد ألقت بنفسها إلى حضنه في لحظة الموت تلك، وبالكاد كان سالم قد أكمل أول معوذة.. وبدأ يتمتم ثاني معوذة ويده تطبطب بلا وعي ولا قصد على ظهرها.. ليبعد عنها شبح موت قادم بكل تأكيد.. وينتزع من قلبها خوف شديد شره مستبد. وكان لحظتها قد نسي إحساسه ولم يدرك أنه هو أيضا يشعر بالخوف.. بل كان يرتعش ويكاد أن يموت من الرعب.
                          وبعد انتهاء المطب.. ارتخت صدور الراكبين وارتاحت نفوسهم. وراحوا كلهم يتنفسون بعمق، وكانت أنوفهم تلتهم الهواء بنهم شديد، لينالوا بأثر رجعي ويعوضوا ما فاتهم من أنفاس كانت قد تكتمت لحظة وقوع المطبّ. مطبّ صهر أحاسيسهم كلهم، ووحدها كلها فراحت تنسكب دفعة واحدة وتندلق في إنسان واحد حي وميت. وفي ذات الآن أحسوا كلهم بأنهم جميعا إنسانا واحدا موجودا في الطائرة وغير موجود على الأرض.
                          عندما نزلت الطائرة إلى مدرج المطار، ونزل جميع ركابها مبتسمين. كان سالم يمشي قريبا من ذات الفخذين.. فتبادلا نظرات حادة مشحوذة ومكهربة.. ويقدح منها شرر أحمر.. يتطاير إلى هنا وهناك.
                          نوفمبر 2009 magdi_samak@yahoo.com

                          __________________
                          sigpic

                          تعليق

                          • ربيع عقب الباب
                            مستشار أدبي
                            طائر النورس
                            • 29-07-2008
                            • 25792

                            #14
                            صلاة اخيرة....للقدس
                            التفت بيلاطيس ناحية الأحبار "حسنا من من هؤلاء السجناء تريدون العفو عنه يا سادة"
                            مد حنّان يده بخفة دافعا الأمعة فتقدم مرتبكا من الملك.
                            مد يدا مرتعشة "ليس هذا الرجل بل برابا" وحرك سبابته التي كانت تشير الى يسوع جهة اللص السفاح برابا.
                            قطب بيلاطيس حاجبيه "برابا؟؟"
                            طأطأ قيافا رأسه وقال "نعم".
                            تتلألأ امامه القبة الذهبية تحمل سحرا روحانيا من قرون غابرة وجسرا للسماء عبرته الأنبياء والملائكة.احس باللهفة تخنقه وهو يمد يده بالأوراق الثبوتية لجندي نقطة التفتيش.تفحص هذا وجهه بوقاحة . لم يعر الجندي انتباها كان يأمل ان تشفع له الشيبات التي استجمعها عبر سنين القهر وآلاف المرات التي وقفها هنا ليصلي مقهورا خلف نقطة التفتيش،ليسمح له بالمرور.وماكاد الجندي يعيد اوراقه الثبوتية حتى ناداه آخر قرب السيارة العسكرية"لاتدعه يمر"
                            التفت الجندي لزميله و هو يبتسم بخبث "كما تقول يا برابا".
                            الشياطين تتراقص و ترفرف باجنحتها النارية في وجهه. تتغامز لتستفزه تحرك اغلاله بعنف لتستمتع بصليل السلاسل وهو لايزال في صلاته غير عابيء بصرافي المعبد وكهنة الربا يتضاحكون في مجون فيما يمد السفهاء السنتهم اليه.
                            رفع رأسه من الصلاة فخر الجميع سكوتا واخترقت نظرات عينيه انفسهم المظلمة فولوا يتعثرون بشياطينهم
                            عاد الخطوات القليلة التي تفصله عن نقطة التفتيش حيث محل صلاتهم المنفية بدأ الشباب ومن هم في اول الكهولة يتجمعون،يسوون الصفوف.رأى شيخا فانيا يتعكز على حفيده المراهق رفضوا ان يمر كلاهما فتطوع احد الكهول بايصاله للمسجد
                            عاد الفتى وعيناه تلتقيا عيني جده حتى ابتعد وانضم الى جانبه في الصف.
                            جمع حافل ،رومان ويهود وكنعانيون ملأ الطريق. توقف الصخب حين أعلن الصرير البغيض لباب السجن الحديدي عن خروجه ،خطواته هزيلة لكن في ثبات تقبل الأرض دمائه التي تسيل لم يسمع احد منه تأوها وانينا، مزق جبروته كبرياءهم كانو واقفين حيث فناءهم وكان يمضي حيث خلوده.
                            صُدع بالأذان تردد صداه الوهاد والحارات ارتجف قلبه،اشتد احساسه بالمهانة رفع رأسه جهة القبة واندفع بكل عنفوانه أُخِذَ الجنود على حين غرة.قفز سور النقطة الواطي وانطلق يعدو باقصى سرعته امتلأ الجو بدوي البنادق وبعد ان توقف مطر الرصاص
                            انفجرت عاصفة من التكبير وهم يسحبون جثمانه بسرعة من على الطريق.

                            للمبدع

                            فؤاد الكنانى
                            sigpic

                            تعليق

                            • مصطفى الصالح
                              لمسة شفق
                              • 08-12-2009
                              • 6443

                              #15
                              فكرة رائعة

                              انا جديد ومن الجيد انني التقيت هذا الموضوع

                              فلدي قصة انهيتها للتو عن المقاومة

                              سانشرها ان شاء الله
                              علها تلقى استحسانا

                              تحياتي
                              التعديل الأخير تم بواسطة مصطفى الصالح; الساعة 08-12-2009, 19:26.
                              [align=center] اللهم صل على محمد أفضل الخلق وعلى آله وصحبه أجمعين

                              ستون عاماً ومابكم خجــلٌ**الموت فينا وفيكم الفزعُ
                              لستم بأكفائنا لنكرهكم **وفي عَداء الوضيع مايضعُ

                              رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ

                              حديث الشمس
                              مصطفى الصالح[/align]

                              تعليق

                              يعمل...
                              X