الأم يشربها السرابُ
هي ابْنتِي مهجورة تَحْتَ النخيلِ
تصولُ في يدها قداستُها
فيمطرُها الأسَى
الظلماتُ في الأرضِ اليبابِ
هِيَ المَسَاءُ
تصدَّعَ الشفقُ المُتَيَّمُ عندَه
لا الزرعُ يبرمُ صفقةً مع حَيِّنَا
لا النارُ تسقي القلبَ سمًّا فِي الوَتِينِ
ونحنُ يا أماه نلبس أمسنا غضبًا
وكنا السَّابقينَ
هناكَ في أقصى الزمانِ نوارسٌ ثكلى
عليها صولةُ الرملِ العَدَابِ
هِيَ الوحيدةُ في شقاها
ومضة خطفتْ ويعْقبُها الظلامُ
هي ابْنَتِي قبسًا من التاريخِ يكتبهُ العَويلُ
فكنْ لها ألقًا يشاطرُها القصيدةَ
نحنُ يا أُمَّاهُ من كَهْفِ القبيلةِ
نقتفِي الرَّمْضَاءَ يلفحنا اللهيبْ
تاهتْ قوافلُنَا
تَخَطَّفَنَا الغيابُ
وغيمةٌ من سطوةِ الذل المباحْ
يا شاعرًا
لك جرحُنا دفقًا من الشوقِ النضيرِ
لك العيونُ مسالكاً لِلْحكْيِ
تنبت شهْريَارُ من الرَّدَى
كالنارِ يضرمها الهشيم ْ
ما كنت أزعم حبَّها يَسْطُو عليَّ
وتشتهيني زارعا للشوق فيها
شاعرا متشردًا في حلمِهَا
كَفَمِ الرِّيَاحِ يَصِيحُ في بَابِ السَّرَابِ:
"
قِفَا بِهَا نَبْكِ الغيابَ منازلاً"
هَذا المَدَى لك كَوْكبٌ
فاخلعْ نعالَكَ يا وحيدُ
لتشربَ النَّارَ الزلالْ
نَغَمٌ تُرَتِّلُهُ الجِبَالُ
وألفُ عصفورٍ شريدٍ يقتفي ألقَ النجومِ
وأنتَ هلْ أنتَ المَدَى
وَكَأنَّنِي بك أنتَ لا أنتَ المَدَى
سافرْ على صهواتك المثلى
وخَبِّرْنِي عَنِ الآبارِ تأكلُهَا الرمالُ
وسرحةِ الزيتونِ يتعبها الصَّدَى
ومدائنِ الغربانِ
يحرقها اللهيبُ
وتكسر العقبان أوصالي
فَيَا أَسَفِي عليَّ
من الحمامِ ينوح في أرجائِها
ها ومضةُ الطورِ المُقَدَّسِ
زَيْزَفُون الفجرِ في ألقِ المسيرِ
أنا المريدُ..
أصيحُ فِي الجبلِ المعلى
أكتبُ الأسماءَ والأشياءَ
واللوحُ المُبَجَّلُ في يدي
والشمس أعجنها رغيفا أحمرا
كي ينضج الحلمُ المرفرف في غدِي
سأصير إن أحببت سهمًا
يبتغي المرجانَ من كَبِدِ الغرابِ
أصيرُ نايًا يشعلُ الأَحْزَانَ في سُوقِ العُكَاظِ
وأنتِ يا مَعْزُوفَتِي نَصَبٌ لأهوال القبورِ
أصيرُ إنْ أَحببتِ يا أزلي غَديرًا
ودَّعَتْهُ قوافلُ اليمنِ البَعِيدِ
وَهَضَّ سافلُهُ
غدا ألقاكِ في عَبَقِ التُّراب ِ
أصير إنْ أَحْبَبْتِ يا قدري أسيرًا
في أيادي الرومِ كي أبدو قويًّا
في الحروبِ وفي العُطَلْ
هل تذكرينَ شروقَنَا
كان النخيلُ بيانُكِ المنسيُّ في الكلماتِ
والمطرُ الثَّجُوجُ هنا يودعُ أمسَنَا
كنا هنا من ألف عامٍ أوْ يزيدْ
هل تذكرينَ بدايةَ الدنيا
الصَّليبُ مآثر فينَا
ونحنُ نودعُ الأمسَ السجينَ
وشاء ربُّ العالمينَ
بأن تكوني جانبي يومَ النشورِ
وأنْ تكوني نجمةً في حسنكِ المفضوحِ
كي تتربَّعِي في داخلي
حلمٌ تحقَّقَ في الظلامِ
وتخسف الأفلاكُ في يوم الحسَابِ
وشاءَ ربُّ العالمينَ
بأن أحبَّكِ أنتِ وحْدَكِ
لا أحب سواكِ
أنتِ الياسمينْ
لا الموتُ فيكِ شَتِيمةٌ
حمقاءُ هذي الروحُ تزرعني بذورًا فيكِ
لا القصفُ اللعين يخيفُنِي
أنتِ المنارُ
وشاءَ ربُّ العالمينَ
بأن أقاسمك الكآبةَ
تَكْبُرُ الآمالُ فيَّ
طريدة أَبَدًا تغالبُهَا النبالُ
فيا دمي المسفوكُ في أرضِ القصيدةِ
ها يدي ممدودة
لَكَ أنتَ وحدَك يا صباحُ
فَخُذْ نضارَ الشعرِ مني وانتصبْ قمرًا
يطاوِلُهُ المَدَى
أشواقُنا غيمٌ منَ الأنصابِ
يبلعه السَّرَابُ
وَشَاءَ ربُّ العالمينَ
بأنْ أسيرَ إليك في النَّارِ الأجيجِ
فها الخَرِيدَةُ تنصبُ الأبواقَ
فيك مقاصدُ الشعراءِ
والحكماءِ
هَا أَنْتِ البسالةُ والقصيدةُ
يا صباحْ
تعليق