مساؤكم "محشو بكريمة الشكولاتة"
بعد التحية
نترككم الآن مع بث مباشر "للذكريات السعيدة الجائعة "
لحظة السعادة الأولي ..
هي تلك اللحظة التى كنت أقف فيها أمام أبي صباحاً قبل الذهاب للمدرسة وقبل أن أرتدي ملابسي؛ لأنزع عن وجهي ملامح الطفلة البريئة ،وأنا أضع يدي بخصري على سبيل التهديد الغير مباشر، لأقول له
_"فين مصروفي يا بابا ولا هتعمل ناسي "
( رحمك الله يا ابي معها حق جدتي حين كانت تؤكد انى عبده مات فى عز شبابه من كتر ماشاف من الخمس عفاريت اللى خلفهم)
أما عن لحظة السعادة الثانية..
فكانت حينما يدق جرس الفسحة "ضرب ضرب"
لأتدحرج مع رنته على سلالم المدرسة متوجهه الى "الكانتيين" مكان بيع الحلويات والسندوتشات داخل المدرسة، لشراء "كيس الشيبسي والكاراتية والمصاصة وباكو بسكوت شمعدان "

لحظة السعادة الثالثة..
كانت حين عودتي من المدرسة ، طوال الطريق سؤال واحد يروادني"يا ترى ماما طابخة ايه النهاردة؟"
ادق الباب ،وانفي تسبقني بمترين وهى تحاول تخمين تلك الرائحة التى تنبعث من مطبخنا.
ومع اول لمحة لوجه امى الطيب، وقبل القاء السلام بنبرة اعتادت هى عليها أسألها
"خلصتوا الغدا انا جعانة اوى؟"
وطبعا ربما يتخلل لحظة السعادة الثالثة تلك حالة إكتئاب ،حينما اكتشف ان "المينيو "الرئيسى لطبق الغداء اليوم هو العدس الأصفر او البذنجان والفول
لأعلن إعتراضي ببكاء متواصل مستفز أحياناً ما تضطر معه أمي بالنهاية الى إخراس جوعي ،فتمنحني بضعة جنيهات وتسمح لى بشراء "كيس هامبورجر من عمو حسن البقال تحت البيت"
وقبل ان يعود "الحاج عبده "من عمله نكون قد أخفينا آثار "الجريمة الهامبورجارية "فى معدتي الرشروشية ،وجلسنا مع عبده لنأكل سويا ،فرحين مهللين بطبخة العدس القومية الوطنية

لحظة السعادة الرابعة
فكانت بيوم العطلة الرسمية والذي يعدنا فيه ابي كالعادة "بفسحة عائلية"
وقبل ان نخطو اولى خطواتنا خارج المنزل تدور الأسئلة حول طبيعة الفسحة هذا الأسبوع ،وطبعا اول ما يشغلنا كالعادة
هو سؤالنا لأبي "هنتعشى فين النهاردة؟"
فمن الطبيعي ان العشاء رائع بدون ان نغادر المنزل، لكن مغادرة المنزل لن تكون رائعة بدون عشاء
اذكر ان امى وعدتني بشهادة الصف الخامس الإبتدائي، ان حققت مركز متفوق على مستوى المدرسة وطلعت من الخمسة الأوائل
ستحضرلي "فرخة مشوية على الفحم " آكلها وحدى دون ان يشاركني أحد فيها

وللأسف فاتني الإستمتاع بها كوني طلعت السادسة على المدرسة بفارق" وركين وجناح" يعنى درجتين ونص

ولكنى لم أيأس بالطبع ، فحينما انتقلت للثانوية العامة كان اجمل ما تمنحني اياه الدروس الخصوصية" للكمياء والفيزياء"
هو لحظات السعادة التى كانت تفصل ما بين الدرس والآخر، والتى كنا نقضيها "بإلتهام الأيس كريم صيفاً، وسندوتشات الشاورما والشيبسي شتاءً" واحيانا فول وطعمية تبعا للحالة المادية للمصروف

اما عن لحظات السعادة بالأعياد ..
فبعد كنافة وقطايف "رمضان "وموائد العامرة بالبط والأوز واللحمة والفتة والمكسرات والقمر الدين .
يأتينا "العيد الصغير" عيد الفطر وهو موسم الكعك "والبيتي فور" فنقضي آخر اسبوع برمضان بتجمع عائلي مهيب ، امام الأفران فوق السطوح نقذف بعضنا بعضا بكرات العجيين ،وجدتي تصيح فينا "العبوا بعييد يا ولاد المجانيين"
فتضاحكها امى وتقول لها" يا حاجة دول عيال بيلعبوا سيبيهم كل سنة وانتم طيبيين"
ثم يأتي العيد الكبير"عيد الأضحى" عيد اللحم كما نسمية
بعد صلاة العيد نذهب صغار وكبارا لنخرج السنتنا "للعجل الضحية" الجاموسة او البقرة ونلكزه بالعصا ،وكأننا نعيره بأنه لم يبق فى عمره سوى ساعة واحدة و طبعا "الجبن سيد الأخلاق "فبعد ساعة واحدة وبعد ان كنا نشاكسه عن بعد خوفاً من ان "ينطحنا او يخبطنا او يأكلنا" نظل نحملق فى رأسه المقطوعة التى يتركونها معلقة حتى نهاية مراسم الذبح ،بعيون مفتوحة
وسرعان ما تمتد موائد الإفطار قبل ان يؤذن الظهر فكما جرت العادة لابد ان يؤكل الكبد على الإفطار حتى نحصل على ثواب الذبيحة هههه "عالم جعانة صحيح"
وطبعا إنتقاماً من الذبيحة نظل "نعوم ونسبح ونغوص بأصناف اللحمة على مدار اربعة ايام"
هذا وناهييكم يا سادة عن المناسبات الأخري مولد النبي عليه الصلاة والسلام
وحلويات المولد من" فولية وسمسميه وحمصية وجوزية ولوزية "
و"آه يا سناني "يعتبر مولد النبى موسم رزق لأطباء الأسنان يعوضهم عن حالة الركود بباقي السنة

هذا غير عيد العمال وشم النسيم "بيض وفسيخ ورنجة وملانه"
وعيد الأم "والتورته المعتادة مع صواني المكرونة باللبن" التى تعدها امهات العائلة ونسهر خصيصا بإنتظارها "والأكل يحب اللمة"
هذا غير عيد الثورة
و عيد الجلاء
وعيد المحافظات القومي
وغير المناسبات الخاصة جدا والتى اعتدنا ان تكون مراسمها هى الأخرى تتلخص غالباً فى كمية الطعام وانواعه واشكاله
اذكر أنه بحفل زفاف "اختى الكبرى"
قضينا النهار بأكمله نطبخ ونرص اأطباق ونجمعها ونغسلها ونعيد الكرة لدرجة انى تصورت ان بيتنا ليس "بيت الحاج عبده عباده" وانما بيت الأمة او بيت شيخ القبيلة، وكل ونصف هؤلاء الحضور والذي لاأعرفهم ولم ارهم من قبل هم عابري سبيل حطوا علينا ووجب علينا إطعامهم،
فقد تحول المنزل فجأة لفندق "بعضهم يأكل وبعضهم "يمدد شوية "وآخرون نائمون والأطفال امام التلفزيون"
وحينما جائني حمادة لطلب يدي ،ظلت امى قبلها بيومين تخطط لتلك الزيارة لم تفكر فى ماذا سألبس لأم العريس التى جاءت خصيصا" لتعاين البضاعة عن قرب"
لكنها شغلت نفسها بنوعية المأكولات والمشروبات وواجبات الضيافة
اولا.. سنقدم العصير والشوكلاتة ، ثم الشاى والجاتوة، واخيراً سنختم بأصناف الفاكهة.
الغريب ان حماده وام حماده "نسفوا" قائمة المأكولات السابقة بأكملها، حتى ظننت اننا سنحتاج لمدد خارجي لو طالت زيارتهم اكثر من هذا.
لكن جدتي كانت سعيدة فقد قالت "انه طالما ان العريس وامه مسحوا الأطباق مسحا" إذن فقد نلت رضاهم واعجبتهم البضاعة وسيشترون بإذن الله

وبعد الإتفاق على ميعاد التسليم "يووه لامؤاخذة" قصدى الخطوبة وكتب الكتاب، اعدنا نفس الكره لحساب عدد قطع الجاتوة ،وعدد أدوار التورتة لزوم الحركات والمظاهر، ونوعية البيتي فور والحلوانى الأفضل ، وعدد صناديق "الحاجه الساقعة"

يا اااالله ماهذا؟
"العريس طالع واكل نازل واكل ،يوم الزيارة ياكل، يوم قراية الفاتحة ياكلوا ،يوم الخطوبة ياكلوا ،يوم كتب الكتاب ياكلوا يعنى يارب يبقى "جواز وخراب مطبخ"
حتى جاء موعد شحن البضاعة للقفص الذهبي
وكالعادة انتقلت مشكلة قائمة المأكولات من بيتنا لبيت حماده وام حماده العريس فظل يسألني بسلامته لمدة يومين عن عدد المدعوين من عائلتنا ليحدد كم علبة جاتوة سيحضرها على حسابه " علمت فيما بعد ان نصف عائلتي قد اصابهم مغص حاد بعد حفل الزفاف"
يبدو ان حماده" مكنش مسامح فى تمن الجاتوه رغم انه اكل هو وأمه ضعف ما اكلته عائلتي خلال التخطيط لجريمته النكراء اقصد لجوازته العرجاء"

وبالقفص الذهبي كان اكثر حوار يمكن ان يجمعني انا وحماده هو السؤال المعتاد
"تحب اطبخلك ايه بكره على الغدا ؟"
اتصل به بعمله ليس لأقول له "وحشتني " بالطبع
ولكن لأذكره ان ثلاجتنا فاضية وانها تحتاج "بيض وزيت وجبنة وعيش ولبن"
و اكتشفت انى اقضي نصف يومي بالمطبخ ،وزوجي يفرغ كل طاقاته بالأكل فبعد اعداد الإفطار، اظل بالمطبخ لاعداد الغداء ،ثم ياتى دور الشاى والفاكهة ولا مانع من الحلويات ثم شاى العصاري ،ثم العشاء حتى انني أحضرت تلفزيون صغير وراديو وحوض سمك الزينة بالمطبخ واضطررت بالنهاية لعمل مرتبة صغيرة ،انام عليها فى الفترة مابين "الفطار والغدا "او فى فترة انتظار نضج اللحمة او ربما" آخذ قيلولة وانا بلف محشي ورق العنب"
واكتشفت انى امارس نفس عاداتي وانا صغيرة
فلازالنا كلما اتفقنا على موعد الفسحة كل شهرين ، يصبح السؤال الرئيسي "هنتعشي ايه وفين النهاردة؟"
حتى حينما إنتابتني أعراض الحمل لولى العهد "الفقيد"
ظليت فترة "الوحم" اطالبه بقائمة طويلة من أنواع المأكولات
يوم جوافة
ويوم لحم جمل
ويوم لبن العصفور
ويوم لبن القرد ميمون
وانا اردد.." كله عشان ابنك يهون، ولا عايز الواد يطلع له فى أفاه بطيخة"
بالنهاية أدركت انه وكما يقال ان "الإيد البطالة ليست عفيفة"
"فالبطن الجعانه هى الأخري ليست لطيفة"
وان نتائج الجوع مخيفة
وان الحياة يمكن ان تستمر بلا زواج ،وبلا ابناء، وبلا تلفزيون ،وبلا كتاب وبلاكمبيوتر، وبلا سكن، وبلا سيارة ،وبلا موبايل
لكن بلا اكل وشرب
فهذا المستحيل بعينه
حتى فى المآتم والمناسبات الحزينة ، توزع القهوة السادة ،وتذبح الذبائح وتفرد الموائد صدقة ورحمة للمتوفي.
ولهذا وبعد إقتناعي التام بأهمية الطعام وتأثيره بالحفلات والنفسيات
قررت وبعد إتمام إجراءات الطلاق ،و بعد ان اهدينا المأذون 2" شكولاته "على سبيل التسرية عن النفس ، وعدت لبيت أبي معززة مكرمة.
أن أقيم حفلة كبيرة احضرت فيها كيوم الزفاف تورتة كبيرة خمسة ادوار، وارسلت له الدور العلوي" أصغرهم "على سبيل "السيفونير للذكرى الهباب وايام الإكتئاب" بصحبتها كارت صغير كتبت له فيه..
"كلها هم يا جمل ،مع تحيتي وإستفزازي"
التوقيع..
"كاتبة صايمة"
ملحوظة..
ليست كل الأحداث حقيقية يا حلوين
فقد كتبتها وأنا جائعة

"وساعة البطون تتوه العقول"
تعليق