دردشات
تربع والدي على الكنبة في هدوء متوثب . تابعته بعيني وهو يشير لي بالجلوس إلى جانبه .
ابتسم في حبور وهو يربت على ظهر كفي قائلا بحنان :
ــ هل تفكر بالجواز والاستقرار يا عصام ؟
ــ كما تعلم يا أبي , أنا اعمل خارج البلاد منذ ثلاث سنوات . وعملي لا يتيح لي التعرف على فَتَيَات
كما أن بُعدي عن البلد , جَعَلَني غريبا آتي , وغريبا أغادر . والزمن الذي من المفروض أن أصْرِفُه
للتَّعَرُّف على بَنات , قصير ولا يتعدى بضعة أيام أو أسابيع . أنا في حيرة , وأروم الزواج .
لكن , ليس بالطرق التقليدية . يجب أن أتفق ذهنا وشكلا وروحا مع من ستكون شريكة حياتي .
ــ بنات أخوالك , وبنت العم . على وش زواج . ويتمنون .
أجبته بتودد حذر :
ــ لا أحبذ زواج الأقارب .
تنهد . تجلت في عينيه نظرة عتاب , وقال :
ــ ستكتشف عاجلا أو آجلا صواب حدسي .
كنت وجلا من مفاتحة أبي بموضوع الزواج , بسب يقيني انه يروم ما لا أوافقه عليه .
وها هو الآن يفتح أمامي الطريق , ويمهده . لم لا أصارحه بموضوع سوزان . الفتاة التي تعَرَّفت
عليها من خلال الإنترنت ؟
ــ قديش عمرها ؟
ــ اصغر مني بسنتين أو بثلاث سنوات .
ــ من دار مين ؟
ــ العسلوات
أغمض والدي عينيه نصف تغميضه وكأنه يستذكر شيئا . ثم قال :
ــ هظول نصارى يا ولد . كيف تجرؤ ...
وقبل أن يكمل محاضرته قلت له :
ــ عسلويات هم النصارى . اما العسلوات فمسلمين .
حين أدرك والدي انه قد أخطأ . سألني عابساً :
ــ وكيف تعرفت عليها ؟
لم أشأ قَوْل الحقيقة . ويكفيني حرف الياء الذي كاد أن يُطيح بآمالي .
ــ من الجامعة . كنت سابقها بسنتين .
ــ ووالدتها , من دار مين ؟
ــ لا أعرف . لم أسألها . فأنا ....
توقفت فجأة عن الكلام . كدت أن اعترف بأني لم أقابلها بعد . وأن علاقتنا ما هي سوى دردشات
من خلال الإنترنت .
ما أغباك يا عصام , ها قد حضرت للبلد منذ ثلاث أيام ولم تستطع مقابلة الفتاة التي مال لها قلبك
قالت لي أن والدها من النوع المحافظ , والشديد . ولا يسمح لها بمقابلة أي شاب , ولا حتى على
سبيل التعارف وللزواج مستقبلا . كما قالت أيضا أن والدها عصبي وجميع أفراد العائلة يهابونه .
ويوما , قالت لي انه كاد قتل ابنة أخيه لأنه رآها مع زميل لها في الشارع .
لذلك , رجتني سوزان في أن يذهب والدي للتعرف عليهم . كي يُؤذن لنا بمقابلة بعضنا البعض .
كنت ابتسم وأنا أرنو إلى وجه أبي الغاضب. بينما أفكاري تتزاحم مندفعة نحو النور المنبعث من عينيه .
حتى خِلتُهُ وكأنه يُنصِت لي بنهم وتَحَفُّزْ .
فَإذْ بي أصحو على صوته صارخا :
ــ ليش وقفت عن الكلام . أكمل
حين ترددت . عاد لسؤالي ثانية :
ــ وما هو عمل أبوها ؟
ــ متقاعد من الجيش . ويعمل الآن حارس شخصي لأحد رجال الأعمال
بدا كمن رُشِقَ بماء بارد . ثم قال هامسا :
ــ يعني بلطجي . لا تنسى انك مهندس ...
وقبل أن يكمل قلت له هامسا أيضا :
ــ وهي مهندسة
ــ عمك مدير شركة . وخالك طبيب مرموق . وعمتك برفيسورة وعميدة كلية ...
قاطعت سرده قائلا :
ــ وابن أختي ميكانيكي . وابن خالتي عامل بناء . واثنين من أولاد عمومتي أرباب سوابق ودخلا
السجن . الأول نصاب , والثاني حرامي ...
بدا حديثي ككرة ثلج تتدحرج وتكبر . حتى قلت له متحديا ومحذرا :
ــ انظر إلى ابن جارنا خليل . حين أرغم على الزواج من فتاة غير فتاته التي كان يحبها . ماذا حصل
به . حتى مستشفى المجانين رفض استقباله . وها هو بالشوارع دائم السكر كالمتشردين .
يبدو أني قد قسوت على والدي . ولكني , لم اندم . فما هي قيمة العلم والتعلم . وقيمة الإنسان
واحترام الظرف الذي يقود احدنا مرغما في بعض الأحيان . وما قيمة التَدَيّن والصلاة وتعاليم الديانات
السمحة إذا لم نمارسها حقيقة . هل علينا المجاهرة بشيء , ونفعل عكسه ؟
حين أفاق والدي من الصدمة . قام كأنما ضاق بمجلسه . وقف وراء النافذة دقيقة . رجع إلى وسط
الحجرة وطلب مني عنوان الرجل وكنيته .
ــ أبو سامر . ويقيمون في حي الونانات .
كان يوم عيد الأضحى المبارك , عندما انطلقنا إلى منزل أبو سامر .
ــ السلام عليكم يا أبو سامر . وكل عام وانتم بخير .
رد عليه الرجل بفتور قائلا :
ــ وعليكم السلام . أهلا وسهلا .
كنت جالسا بجانب والدي . كان قد طلب مني عدم التفوه بأي كلمة , إلاّ حين يأذن لي .
ــ ابني عصام كان قد شاهد ابنتكم سوزان في الجامعة التي يدرسان فيها سويا , ومال قلبه لها . وها
نحن هنا ندخل البيوت من أبوابها كي نتعرف على هذه العائلة الكريمة وتتعرفوا علينا . فإذا تم الاتفاق
والوفاق بين ابنتكم سوزان وابننا عصام , يكون لنا الشرف بالتقدم لمصاهرتكم وبجاهة رسمية تليق
بمقامكم , طبعا بعد موافقتكم .
كان أبو سامر جالسا بمقعد مقابلي . لم تنم ملامح وجهه عن أي ردة فعل , ايجابية كانت أو سلبية .
بل حافظ على رسم التكشيرة كما كانت حين دخلنا البيت إلى حين أنهى والدي كلامه .
اخذ يبحث بجيوبه عن شيء ما . فانحسرت جاكيتته عن مسدس مدفوس بخاصرته خلف حزام بنطاله .
اخرج علبة سجائره واخذ منها سيجارة , أشعلها وهو يقول موجها كلامه لي بامتعاض :
ــ في أي جامعة حضرتك ؟
لم يمهلني والدي كي أرد عليه . فأجاب قائلا :
ــ جامعة العلوم والتكنولوجيا في اربد
نهض أبو سامر واقفا بعصبية وغضب وقال :
ــ سوزان في جامعة مؤتة .
ثم أضاف قائلا ووجهه ناحية الباب :
ــ شرفتمونا . مع السلامة .
نَضَبَ الفرح من صفحة وجهي . غادرنا أنا وأبي منزل الرجل مَطْرودَيْن . وصلنا السيارة , وقبل أن
نقذف نفسينا داخلها . دوى صوت رصاصة من داخل منزل أبو سامر مترافقا مع هدير الرعد وسقوط
المطر الغزير . بذات الوقت , تَحَوَّلَتْ عيني تلقائيا نحو الخروف الذي بدا مُسْتَسْلِماً لسكين الذبح بين
يدي احد جيران أبو سامر . خطف بصري شيء يلمع فرأيت الدماء تختلط بمياه المطر وتنساب في
الشارع كجدول ذو خرير عذب نحو الحقول المحاذية .
تربع والدي على الكنبة في هدوء متوثب . تابعته بعيني وهو يشير لي بالجلوس إلى جانبه .
ابتسم في حبور وهو يربت على ظهر كفي قائلا بحنان :
ــ هل تفكر بالجواز والاستقرار يا عصام ؟
ــ كما تعلم يا أبي , أنا اعمل خارج البلاد منذ ثلاث سنوات . وعملي لا يتيح لي التعرف على فَتَيَات
كما أن بُعدي عن البلد , جَعَلَني غريبا آتي , وغريبا أغادر . والزمن الذي من المفروض أن أصْرِفُه
للتَّعَرُّف على بَنات , قصير ولا يتعدى بضعة أيام أو أسابيع . أنا في حيرة , وأروم الزواج .
لكن , ليس بالطرق التقليدية . يجب أن أتفق ذهنا وشكلا وروحا مع من ستكون شريكة حياتي .
ــ بنات أخوالك , وبنت العم . على وش زواج . ويتمنون .
أجبته بتودد حذر :
ــ لا أحبذ زواج الأقارب .
تنهد . تجلت في عينيه نظرة عتاب , وقال :
ــ ستكتشف عاجلا أو آجلا صواب حدسي .
كنت وجلا من مفاتحة أبي بموضوع الزواج , بسب يقيني انه يروم ما لا أوافقه عليه .
وها هو الآن يفتح أمامي الطريق , ويمهده . لم لا أصارحه بموضوع سوزان . الفتاة التي تعَرَّفت
عليها من خلال الإنترنت ؟
ــ قديش عمرها ؟
ــ اصغر مني بسنتين أو بثلاث سنوات .
ــ من دار مين ؟
ــ العسلوات
أغمض والدي عينيه نصف تغميضه وكأنه يستذكر شيئا . ثم قال :
ــ هظول نصارى يا ولد . كيف تجرؤ ...
وقبل أن يكمل محاضرته قلت له :
ــ عسلويات هم النصارى . اما العسلوات فمسلمين .
حين أدرك والدي انه قد أخطأ . سألني عابساً :
ــ وكيف تعرفت عليها ؟
لم أشأ قَوْل الحقيقة . ويكفيني حرف الياء الذي كاد أن يُطيح بآمالي .
ــ من الجامعة . كنت سابقها بسنتين .
ــ ووالدتها , من دار مين ؟
ــ لا أعرف . لم أسألها . فأنا ....
توقفت فجأة عن الكلام . كدت أن اعترف بأني لم أقابلها بعد . وأن علاقتنا ما هي سوى دردشات
من خلال الإنترنت .
ما أغباك يا عصام , ها قد حضرت للبلد منذ ثلاث أيام ولم تستطع مقابلة الفتاة التي مال لها قلبك
قالت لي أن والدها من النوع المحافظ , والشديد . ولا يسمح لها بمقابلة أي شاب , ولا حتى على
سبيل التعارف وللزواج مستقبلا . كما قالت أيضا أن والدها عصبي وجميع أفراد العائلة يهابونه .
ويوما , قالت لي انه كاد قتل ابنة أخيه لأنه رآها مع زميل لها في الشارع .
لذلك , رجتني سوزان في أن يذهب والدي للتعرف عليهم . كي يُؤذن لنا بمقابلة بعضنا البعض .
كنت ابتسم وأنا أرنو إلى وجه أبي الغاضب. بينما أفكاري تتزاحم مندفعة نحو النور المنبعث من عينيه .
حتى خِلتُهُ وكأنه يُنصِت لي بنهم وتَحَفُّزْ .
فَإذْ بي أصحو على صوته صارخا :
ــ ليش وقفت عن الكلام . أكمل
حين ترددت . عاد لسؤالي ثانية :
ــ وما هو عمل أبوها ؟
ــ متقاعد من الجيش . ويعمل الآن حارس شخصي لأحد رجال الأعمال
بدا كمن رُشِقَ بماء بارد . ثم قال هامسا :
ــ يعني بلطجي . لا تنسى انك مهندس ...
وقبل أن يكمل قلت له هامسا أيضا :
ــ وهي مهندسة
ــ عمك مدير شركة . وخالك طبيب مرموق . وعمتك برفيسورة وعميدة كلية ...
قاطعت سرده قائلا :
ــ وابن أختي ميكانيكي . وابن خالتي عامل بناء . واثنين من أولاد عمومتي أرباب سوابق ودخلا
السجن . الأول نصاب , والثاني حرامي ...
بدا حديثي ككرة ثلج تتدحرج وتكبر . حتى قلت له متحديا ومحذرا :
ــ انظر إلى ابن جارنا خليل . حين أرغم على الزواج من فتاة غير فتاته التي كان يحبها . ماذا حصل
به . حتى مستشفى المجانين رفض استقباله . وها هو بالشوارع دائم السكر كالمتشردين .
يبدو أني قد قسوت على والدي . ولكني , لم اندم . فما هي قيمة العلم والتعلم . وقيمة الإنسان
واحترام الظرف الذي يقود احدنا مرغما في بعض الأحيان . وما قيمة التَدَيّن والصلاة وتعاليم الديانات
السمحة إذا لم نمارسها حقيقة . هل علينا المجاهرة بشيء , ونفعل عكسه ؟
حين أفاق والدي من الصدمة . قام كأنما ضاق بمجلسه . وقف وراء النافذة دقيقة . رجع إلى وسط
الحجرة وطلب مني عنوان الرجل وكنيته .
ــ أبو سامر . ويقيمون في حي الونانات .
كان يوم عيد الأضحى المبارك , عندما انطلقنا إلى منزل أبو سامر .
ــ السلام عليكم يا أبو سامر . وكل عام وانتم بخير .
رد عليه الرجل بفتور قائلا :
ــ وعليكم السلام . أهلا وسهلا .
كنت جالسا بجانب والدي . كان قد طلب مني عدم التفوه بأي كلمة , إلاّ حين يأذن لي .
ــ ابني عصام كان قد شاهد ابنتكم سوزان في الجامعة التي يدرسان فيها سويا , ومال قلبه لها . وها
نحن هنا ندخل البيوت من أبوابها كي نتعرف على هذه العائلة الكريمة وتتعرفوا علينا . فإذا تم الاتفاق
والوفاق بين ابنتكم سوزان وابننا عصام , يكون لنا الشرف بالتقدم لمصاهرتكم وبجاهة رسمية تليق
بمقامكم , طبعا بعد موافقتكم .
كان أبو سامر جالسا بمقعد مقابلي . لم تنم ملامح وجهه عن أي ردة فعل , ايجابية كانت أو سلبية .
بل حافظ على رسم التكشيرة كما كانت حين دخلنا البيت إلى حين أنهى والدي كلامه .
اخذ يبحث بجيوبه عن شيء ما . فانحسرت جاكيتته عن مسدس مدفوس بخاصرته خلف حزام بنطاله .
اخرج علبة سجائره واخذ منها سيجارة , أشعلها وهو يقول موجها كلامه لي بامتعاض :
ــ في أي جامعة حضرتك ؟
لم يمهلني والدي كي أرد عليه . فأجاب قائلا :
ــ جامعة العلوم والتكنولوجيا في اربد
نهض أبو سامر واقفا بعصبية وغضب وقال :
ــ سوزان في جامعة مؤتة .
ثم أضاف قائلا ووجهه ناحية الباب :
ــ شرفتمونا . مع السلامة .
نَضَبَ الفرح من صفحة وجهي . غادرنا أنا وأبي منزل الرجل مَطْرودَيْن . وصلنا السيارة , وقبل أن
نقذف نفسينا داخلها . دوى صوت رصاصة من داخل منزل أبو سامر مترافقا مع هدير الرعد وسقوط
المطر الغزير . بذات الوقت , تَحَوَّلَتْ عيني تلقائيا نحو الخروف الذي بدا مُسْتَسْلِماً لسكين الذبح بين
يدي احد جيران أبو سامر . خطف بصري شيء يلمع فرأيت الدماء تختلط بمياه المطر وتنساب في
الشارع كجدول ذو خرير عذب نحو الحقول المحاذية .
تعليق