غصنٌ مهاجر..(مهداة لفلسطين و (لنكتب للقدس))
أدخلوه قاعة المحكمة مكبلاً بلفائفٍ بيضاء لا يبدو منها سوى وجه غارقً في بقايا أطلال منحدرة منذ خمسين عاما ..وملامح تظهر عليها بقية احترام .
أخذ مكانه قرب القاضي الذي سأله :افصح عن هويتك؟
قال:أنا الجاني كما يدّعون ..جسدي ميت دماغياً فيما لايزال بالقلب بقية من نبض..
سأله مجدداً: وما هي التهمة الملفقة نحوك؟
قال: يطالبونني بالتبرع بأعضائي ..إلا أنني ما زلت أرفض ..
قال:أنا الجاني كما يدّعون ..جسدي ميت دماغياً فيما لايزال بالقلب بقية من نبض..
سأله مجدداً: وما هي التهمة الملفقة نحوك؟
قال: يطالبونني بالتبرع بأعضائي ..إلا أنني ما زلت أرفض ..
كان هناك مد صامت يطل من عينيه..سرعان ما تعـكـّر حين ألقى عليه القاضي بنبرة متجهمة : ولمَ؟؟ لمَ ترفض؟ وأنت تعلم أن الفتاوى أحلت التبرع بالأعضاء وحثت عليه لإنقاذ حياة البشر المحتاجين إليها ..لمَ هذه الأنانية!! ألم تع ِأن التبرع عمل سام وفيه أجر عظيم!!
أخذ نفساً عميقاً ..ومن ثم راح يُحملق في وجوه الخصوم المتشابهة إلى حدٍ كبير ..باتت الكلمات تخرج من فــِيهِ مؤلمة..راح يفتح مسامات الماضي ..ينظر من خلالها إلى هؤلاء الأشباح..وهو يقول:
سيدي ..كنت ممن أنعم الله عليه كثيرا ..وأغدق عليه وافر كرمه ورزقه..قابلت تلك النعمة بالجميل ..فآليت إلا أن يشاركني فيها أقاربي وأصدقائي وجيراني وممن حولي من المحتاجين..أغدقت عليهم شكراً لله تعالى.
توقف قليلا..وكأنما يحمل البحر في قلبه..ثم تابع بصوتٍ محفوف بالآهات : قـدَري آل أن تستمر تلك النعمة..فتوالت بي المصائب ..لم أفكر باليوم الأسود..كنت أظن أنهم سيشاركونني بعد الله تعالى الضراء كما شاركتهم السراء حين شاركتهم تجارتي وآمنتهم عليها.
ولكن..انتظرت مساعدتهم بعد الله .. جرّعوني كؤوس اليأس ..فتدهورت حالتي ..كما هي الحال في صحتي..ها أنذا أموت ..فأصروا أن يجردوني من أعضائي كما جردوني من ثروتي إثر اكتشافي مؤخرا أنهم وراء خساراتي الفادحة..
وقعت صريع الحزن والعوز..سيدي..اعلم سيدي أني كما لم أبخل عليهم من ثروتي ..لم أبخل عليهم من أعضائي..وهذا تقرير مني للتبرع بأعضائي أوصيت به موكلي منذ زمن طويل ..حين كنت أتمتع بثروتي..ولكن كان لي شرطي ..أن يكون الممنوح يستأهل التبرّع ..فانظر لوصيتي وأطالبك بالعمل عليها.
سيدي ..كنت ممن أنعم الله عليه كثيرا ..وأغدق عليه وافر كرمه ورزقه..قابلت تلك النعمة بالجميل ..فآليت إلا أن يشاركني فيها أقاربي وأصدقائي وجيراني وممن حولي من المحتاجين..أغدقت عليهم شكراً لله تعالى.
توقف قليلا..وكأنما يحمل البحر في قلبه..ثم تابع بصوتٍ محفوف بالآهات : قـدَري آل أن تستمر تلك النعمة..فتوالت بي المصائب ..لم أفكر باليوم الأسود..كنت أظن أنهم سيشاركونني بعد الله تعالى الضراء كما شاركتهم السراء حين شاركتهم تجارتي وآمنتهم عليها.
ولكن..انتظرت مساعدتهم بعد الله .. جرّعوني كؤوس اليأس ..فتدهورت حالتي ..كما هي الحال في صحتي..ها أنذا أموت ..فأصروا أن يجردوني من أعضائي كما جردوني من ثروتي إثر اكتشافي مؤخرا أنهم وراء خساراتي الفادحة..
وقعت صريع الحزن والعوز..سيدي..اعلم سيدي أني كما لم أبخل عليهم من ثروتي ..لم أبخل عليهم من أعضائي..وهذا تقرير مني للتبرع بأعضائي أوصيت به موكلي منذ زمن طويل ..حين كنت أتمتع بثروتي..ولكن كان لي شرطي ..أن يكون الممنوح يستأهل التبرّع ..فانظر لوصيتي وأطالبك بالعمل عليها.
طيور مهاجرة تلوح في الأفق ، يطل الصباح..يدخل (القاضي) إلى مكتبه وقلق يدفعه للتفكير دون توقف..يعيد قراءة الوصية للمرة العاشرة..تضعه في حيرة أكبر .
أخذ يفتش حوله..رأى لائحة تضم أقرباء موكله الذين أقاموا دعوى قضائية للحصول على أعضائه التي سبق أن أوصى بالتبرع بها إذا ما دنا أجله لمن يستحقها.
(س)ذلك القريب الذي يشكو من رئتين نتنتين ..فتش في مسامات تاريخ حياته .. معظم رزق عياله ينفقه على الدخان الأزرق ..تلك الآفة التي تسرق الروح لتهيم بصاحبها في الشوارع كالجرذان القذرة..وضع علامة(×) أمامه.
(ن) يطالب بالقلب ..راجع ملفات قلبه الذي يشكو من التجلط ..كان يملك قلب مجرم عتيد طولاً وعرضاً مع أهله وأقربائه وجيرانه..شطبه من القائمة.
(ص) يعاني من كلى فاشلة وتضخم في الكبد ..إثر تضخم في رصيد حساباته البنكية توالدت من أكل أموال أيتام وصفقات ربوية كبيرة..محاه من القائمة.
وهكذا لم يبق في القائمة أحد يستحق التبرع بأعضاء موكله.
لمح ورقة صغيرة منزوية في الوصية ..كانت كلماتها تقول:صديقي المحامى ..كنت متأكداً أنك ستشطب أسماءهم..لأني أعرفهم أكثر منك..لذا..
قررت أن تذهب بأعضائي إلى أرض الإسراء والمعراج ..فهناك من هو الجدير بكل غصن في حديقة جسدي ..فليقطف منها ما يشاء.
أخذ يفتش حوله..رأى لائحة تضم أقرباء موكله الذين أقاموا دعوى قضائية للحصول على أعضائه التي سبق أن أوصى بالتبرع بها إذا ما دنا أجله لمن يستحقها.
(س)ذلك القريب الذي يشكو من رئتين نتنتين ..فتش في مسامات تاريخ حياته .. معظم رزق عياله ينفقه على الدخان الأزرق ..تلك الآفة التي تسرق الروح لتهيم بصاحبها في الشوارع كالجرذان القذرة..وضع علامة(×) أمامه.
(ن) يطالب بالقلب ..راجع ملفات قلبه الذي يشكو من التجلط ..كان يملك قلب مجرم عتيد طولاً وعرضاً مع أهله وأقربائه وجيرانه..شطبه من القائمة.
(ص) يعاني من كلى فاشلة وتضخم في الكبد ..إثر تضخم في رصيد حساباته البنكية توالدت من أكل أموال أيتام وصفقات ربوية كبيرة..محاه من القائمة.
وهكذا لم يبق في القائمة أحد يستحق التبرع بأعضاء موكله.
لمح ورقة صغيرة منزوية في الوصية ..كانت كلماتها تقول:صديقي المحامى ..كنت متأكداً أنك ستشطب أسماءهم..لأني أعرفهم أكثر منك..لذا..
قررت أن تذهب بأعضائي إلى أرض الإسراء والمعراج ..فهناك من هو الجدير بكل غصن في حديقة جسدي ..فليقطف منها ما يشاء.
**
تعليق