انكسار لوحة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • العربي الثابت
    أديب وكاتب
    • 19-09-2009
    • 815

    انكسار لوحة

    [align=center]
    في الأيام الأخيرة،كان طعم الزمن مختلفا بالنظر إلى ما كانت سلمى تحسه من رتابة وملل فيما سبق ، فالعطلة الصيفية على الأبواب ،أضواء المدينة الهاربة تشع في أعماق ذاكرتها وصخبها العالي يدغدغ سمعها ،وغدت الأيام التي سبقت هذه اللحظة عبارة عن شظايا زمن متكسر ، ينساب في رعونة يمتزج فيها الحاضر الراكد بالمستقبل الهادر بالأماني والأحلام والطموحات والأحلام العنيدة....


    في ذلك المساء الذي لا يشبه كل المساءات التي عاشتها هنا في هذه القرية الهادئة،هبت على روح سلمى نسمة غريبة ومفاجئة،فغاصت في ذاتها بحثا عن لآليء أنوثتها التي أوشكت على الاختفاء في أعماقها البعيدة تحت أنقاض الأماني المستعصية والمشاريع المستحيلة ...وأشياء أخرى انتصبت في دربها كغابة حجبت عنها رؤية حقيقتها....


    أخذ المساء يسحب ظلاله الباردة على سفح الجبل ،فغطى ساحة المدرسة الملتصقة بالسفح ثم امتد نحو البيوت المجاورة ترافقه نسمات البرد القارص، وارتفعت الأصوات في سماء القرية لتنساب في شكل سيمفونية بديعة : ثغاء القطعان العائدة من المراعي الجبلية ، هرج الأطفال وهم يغادرون المدرسة،فتشكلت لوحة بديعة لم تنل انتباه سلمى الشارد ذهنها فيما سمعته هذا المساء..


    لقد رأت أن قناعا سميكا أخذ ينهار أمام عينيها،أحست بألم لما قيل لها ذلك المساء،وربما عبث الغضب بمشاعرها،لكن بعد تأمل عميق اهتدت إلى أن الدعوة التي وجهت إليها كانت بريئة وإنسانية ،ولا داعي لدفع الأمور في الاتجاه المعاكس،تذكرت سحنته الباهتة وهي تقف على عتبة الحجرة الدراسية ،لقد بدأ بالتلميح وحين تجاهلته أخذ يقترب من البوح


    الصادق بحقيقة حبه لها،فما ذنبه إن خفق لها قلبه دون إرادته، إن تدفق بوحه كشلال هادر بلآليء أعماقه؟،تسأل نفسها في حدة..


    وتمضي وصدى كلامه يرن في قرارها :أنت المبتدأ والخبر في جملة حياتي ياأستاذة..


    تمضي خطوات نحو بيتها قرب الحجرة الدراسية ،تضع المفتاح في قفل الباب بعصبية لم يتحملها الحديد فتكسر ،وتكسرت معه اللوحة الجميلة لذلك المساء المختلف...وحين نادت عليه لمساعدتها تأمل نصف المفتاح بين يديها ودون أن يحس انفجر أمامها:


    ــلماذا كل هذه العصبية ياسلمى؟


    كانت يداه ترتجفان بردا وهو يحاول عبثا إخراج بقايا المفتاح من أحشاء القفل...كانت تقترب منه فيزداد ارتباكا فالرعشة أخذت تسري في أوصاله،فلم يفلح في مهمته ،لملم بقايا جرأته وقال لها :


    هذا القفل لن أتمكن من فتحه أتدركين لماذا؟


    لاحت في عينيها الساحرتين ومضة غريبة وهي تنظر إليه مستفهمة، أجابها:


    ــ لسبب بسيط هو أن هذا القفل يشبه قلبك، مقفل على طول، تحياتي...


    وحين هم بالانصراف ،قدت قميصه من دبر،والتفت إليها وبهدوء تام قال :


    ــ الحب سيدتي لعبة البداية ،فلكي يعيشه الإنسان لابد أن تكون له صورة عنه وتوق إليه ، ثم يجب أن يسلك وصولا إليه دروبامشتقة من الحياة نفسها،من رائحة الطمي ولهب الشمس ، والأم الأولى التي وجدت نفسها في لحظة الاكتشاف أنها أنثى


    لم تنتظر طويلا لكي تحس جسدها ومشاعرها فارتمت في أحضان الأب الأول، ورغم الشعور بالذنب والخطيئة لم تتردد


    فانغمست في وهج اللحظة فاكتملت الرحلة....


    تركها مشدوهة في مكانها .

    ومضى يجر خطوات مهمة فاشلة والبرد يلفح خده البارد...
    [/align]
    التعديل الأخير تم بواسطة العربي الثابت; الساعة 31-10-2009, 22:38.
    اذا كان العبور الزاميا ....
    فمن الاجمل ان تعبر باسما....
  • دريسي مولاي عبد الرحمان
    أديب وكاتب
    • 23-08-2008
    • 1049

    #2
    انكسار لوحة رسمت تفاصيلها في جمالية ساحرة...قد أقول عنها انها سريالية من نتاج سلفادور دالي في لوحته المرأة الزرافة...
    لقطة مشحونة لغاية البوح العارف بخبايا النفس العاشقة صيغت بحكم تصادفت أن كانت انعكاسا للروح العاشقة بتناقضاتها فكانت صريحة مع الذات في أسمى تجلياتها...
    على سلمى اذن ان تلملم شظايا اللوحة لتعيد ترميمها مع يقيني أنها لن تجد في الزمن الرديء سوى مسخا فجيعا لارهاصات واهية تسمى الحب...
    أستاذي العربي...سررت لأني هنا في متصفحك واستمتعت بعبق الجبل وهو يطفح بكل هذا الوهج الحارق...
    دمت...

    تعليق

    • مها راجح
      حرف عميق من فم الصمت
      • 22-10-2008
      • 10970

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة العربي الثابت مشاهدة المشاركة
      [align=center]
      في الأيام الأخيرة،كان طعم الزمن مختلفا بالنظر إلى ما كانت سلمى تحسه من رتابة وملل فيما سبق ، فالعطلة الصيفية على الأبواب ،أضواء المدينة الهاربة تشع في أعماق ذاكرتها وصخبها العالي يدغدغ سمعها ،وغدت الأيام التي سبقت هذه اللحظة عبارة عن شظايا زمن متكسر ، ينساب في رعونة يمتزج فيها الحاضر الراكد بالمستقبل الهادر بالأماني والأحلام والطموحات والأحلام العنيدة....



      في ذلك المساء الذي لا يشبه كل المساءات التي عاشتها هنا في هذه القرية الهادئة،هبت على روح سلمى نسمة غريبة ومفاجئة،فغاصت في ذاتها بحثا عن لآليء أنوثتها التي أوشكت على الاختفاء في أعماقها البعيدة تحت أنقاض الأماني المستعصية والمشاريع المستحيلة ...وأشياء أخرى انتصبت في دربها كغابة حجبت عنها رؤية حقيقتها....


      أخذ المساء يسحب ظلاله الباردة على سفح الجبل ،فغطى ساحة المدرسة الملتصقة بالسفح ثم امتد نحو البيوت المجاورة ترافقه نسمات البرد القارص، وارتفعت الأصوات في سماء القرية لتنساب في شكل سيمفونية بديعة : ثغاء القطعان العائدة من المراعي الجبلية ، هرج الأطفال وهم يغادرون المدرسة،فتشكلت لوحة بديعة لم تنل انتباه سلمى الشارد ذهنها فيما سمعته هذا المساء..


      لقد رأت أن قناعا سميكا أخذ ينهار أمام عينيها،أحست بألم لما قيل لها ذلك المساء،وربما عبث الغضب بمشاعرها،لكن بعد تأمل عميق اهتدت إلى أن الدعوة التي وجهت إليها كانت بريئة وإنسانية ،ولا داعي لدفع الأمور في الاتجاه المعاكس،تذكرت سحنته الباهتة وهي تقف على عتبة الحجرة الدراسية ،لقد بدأ بالتلميح وحين تجاهلته أخذ يقترب من البوح


      الصادق بحقيقة حبه لها،فما ذنبه إن خفق لها قلبه دون إرادته، إن تدفق بوحه كشلال هادر بلآليء أعماقه؟،تسأل نفسها في حدة..


      وتمضي وصدى كلامه يرن في قرارها :أنت المبتدأ والخبر في جملة حياتي ياأستاذة..


      تمضي خطوات نحو بيتها قرب الحجرة الدراسية ،تضع المفتاح في قفل الباب بعصبية لم يتحملها الحديد فتكسر ،وتكسرت معه اللوحة الجميلة لذلك المساء المختلف...وحين نادت عليه لمساعدتها تأمل نصف المفتاح بين يديها ودون أن يحس انفجر أمامها:


      ــلماذا كل هذه العصبية ياسلمى؟


      كانت يداه ترتجفان بردا وهو يحاول عبثا إخراج بقايا المفتاح من أحشاء القفل...كانت تقترب منه فيزداد ارتباكا فالرعشة أخذت تسري في أوصاله،فلم يفلح في مهمته ،لملم بقايا جرأته وقال لها :


      هذا القفل لن أتمكن من فتحه أتدركين لماذا؟


      لاحت في عينيها الساحرتين ومضة غريبة وهي تنظر إليه مستفهمة، أجابها:


      ــ لسبب بسيط هو أن هذا القفل يشبه قلبك، مقفل على طول، تحياتي...


      وحين هم بالانصراف ،قدت قميصه من دبر،والتفت إليها وبهدوء تام قال :

      [/align]

      [align=center]



      ــ الحب سيدتي لعبة البداية ،فلكي يعيشه الإنسان لابد أن تكون له صورة عنه وتوق إليه ، ثم يجب أن يسلك وصولا إليه دروبامشتقة من الحياة نفسها،من رائحة الطمي ولهب الشمس ، والأم الأولى التي وجدت نفسها في لحظة الاكتشاف أنها أنثى




      لم تنتظر طويلا لكي تحس جسدها ومشاعرها فارتمت في أحضان الأب الأول، ورغم الشعور بالذنب والخطيئة لم تتردد


      فانغمست في وهج اللحظة فاكتملت الرحلة....


      تركها مشدوهة في مكانها .


      ومضى يجر خطوات مهمة فاشلة والبرد يلفح خده البارد...
      [/align]


      ما أجمل الحياة حين تزرعها لحظة حب صادقة من يد حنونة أو صادقة
      نبض القصة يعني لنا الكثير
      تحيتي و مودتي استاذ العربي
      تقديري
      رحمك الله يا أمي الغالية

      تعليق

      • إيمان عامر
        أديب وكاتب
        • 03-05-2008
        • 1087

        #4
        تحياتي بعطر الزهور

        أستاذي المبدع
        العربي الثابت
        " انكسار لوحة "
        كنت موافق في اختيار العنوان
        النص ممتع وسرد جميل يحمل تألق الحرف
        يحمل حياه تنبض بعشق من طرف واحد
        ما أصعب هذا البرود والتجمد مثل الثلج من عواطف الأنثى المتمردة علي الحب
        رائع وأكثر
        دمت متوهج الحرف
        كون بخير
        لك ارق تحياتي
        "من السهل أن تعرف كيف تتحرر و لكن من الصعب أن تكون حراً"

        تعليق

        • هادي زاهر
          أديب وكاتب
          • 30-08-2008
          • 824

          #5
          أخي الكاتب عربي ثابت
          قصتك ذكرتني بقول الامير حين قال :
          "جئت تطلب نارا ام ترى جئت تشعل البيت نارا"
          محبتي
          هادي زاهر
          " أعتبر نفسي مسؤولاً عما في الدنيا من مساوئ ما لم أحاربها "

          تعليق

          • العربي الثابت
            أديب وكاتب
            • 19-09-2009
            • 815

            #6
            [دريسي مولاي عبد الرحمان]
            انكسار لوحة رسمت تفاصيلها في جمالية ساحرة...قد أقول عنها انها سريالية من نتاج سلفادور دالي في لوحته المرأة الزرافة...
            لقطة مشحونة لغاية البوح العارف بخبايا النفس العاشقة صيغت بحكم تصادفت أن كانت انعكاسا للروح العاشقة بتناقضاتها فكانت صريحة مع الذات في أسمى تجلياتها...
            على سلمى اذن ان تلملم شظايا اللوحة لتعيد ترميمها مع يقيني أنها لن تجد في الزمن الرديء سوى مسخا فجيعا لارهاصات واهية تسمى الحب...
            أستاذي العربي...سررت لأني هنا في متصفحك واستمتعت بعبق الجبل وهو يطفح بكل هذا الوهج الحارق...
            دمت...
            [ أستاذي الجليل دريسي مولاي عبد الرحمان
            لم أستطع الرد على مداخلتكم الكريمة،التي أعتز بها في الوقت المناسب لأسباب قاهرة
            لك الشكر والتألق سيدي وعفوك أكبر
            العربي الثابت
            المغرب]
            اذا كان العبور الزاميا ....
            فمن الاجمل ان تعبر باسما....

            تعليق

            • العربي الثابت
              أديب وكاتب
              • 19-09-2009
              • 815

              #7
              [quote=إيمان عامر;328207]
              أستاذي المبدع



              العربي الثابت





              " انكسار لوحة "


              كنت موافق في اختيار العنوان



              النص ممتع وسرد جميل يحمل تألق الحرف



              يحمل حياه تنبض بعشق من طرف واحد



              ما أصعب هذا البرود والتجمد مثل الثلج من عواطف الأنثى المتمردة علي الحب


              رائع وأكثر



              دمت متوهج الحرف


              كون بخير


              لك ارق تحياتي
              [الغالية المقتدرة إيمان
              لست أدري بأي لسان أستصدر به عفوك عني لقد تأخرت كثيرا وأشرفت على تخوم الإهمال،
              ماكان قصدي أبدا ولكن ظروفا قاهرة حاصرتني ...عفوك سيدتي فمرورك الكريم هنا يعني لي شيئا كبيرا أعتز به..
              عفوك سيدتي ....ولك تقديري ومحبتي
              العربي الثابت
              المغرب]
              اذا كان العبور الزاميا ....
              فمن الاجمل ان تعبر باسما....

              تعليق

              • العربي الثابت
                أديب وكاتب
                • 19-09-2009
                • 815

                #8
                الفاضلة المتألقة مها
                لك عاطر محبتي
                تأخرت أكثر مما يتوقع في الرد على مرورك الكريم هنا.
                صدقيني يا مها فالأسباب كانت أقوى ....
                معذرة من فضلك ودمت بخير
                العربي الثابت
                المغرب
                اذا كان العبور الزاميا ....
                فمن الاجمل ان تعبر باسما....

                تعليق

                • العربي الثابت
                  أديب وكاتب
                  • 19-09-2009
                  • 815

                  #9
                  النص الأصلي بواسطة هادي زاهر
                  أخي الكاتب عربي ثابت
                  قصتك ذكرتني بقول الامير حين قال :
                  "جئت تطلب نارا ام ترى جئت تشعل البيت نارا"
                  محبتي
                  هادي زاهر

                  أستاذي الجليل هادي
                  عذرا سيدي عن هذا التأخير في الرد عن مداخلتك والذي جاء في نطاق خارج عن إرادتي....
                  رجاء العفو...مع توكيدات حبي وتقديري.

                  العربي الثابت
                  المغرب
                  التعديل الأخير تم بواسطة العربي الثابت; الساعة 13-12-2009, 20:13.
                  اذا كان العبور الزاميا ....
                  فمن الاجمل ان تعبر باسما....

                  تعليق

                  • عائده محمد نادر
                    عضو الملتقى
                    • 18-10-2008
                    • 12843

                    #10
                    الزميل القدير
                    العربي الثابت
                    لك أسلوب سردي متفرد
                    وأرى أنك ستبدع لو شرعت بكتابة رواية لأن طريقتك في السرد تمنحك هذا
                    جاء الوصف جميلا لكل المشاهد الطبيعية وحقيقة أحببته جدا.
                    نص جميل ويستحق القراءةت تحياتي ومودتي لك
                    الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

                    تعليق

                    • العربي الثابت
                      أديب وكاتب
                      • 19-09-2009
                      • 815

                      #11
                      الغالية المتألقة عائدة

                      تحية ابداع وصفاء
                      سعيد حتى تخوم المطلق بمرورك الكريم هنا ،كلماتك سيدتي تعني لي أشياء
                      كبيرة أعتز بها..
                      كوني بخير...مع توكيدات تقديري ومحبتي.
                      العربي الثابت
                      ــ المغرب ــ
                      اذا كان العبور الزاميا ....
                      فمن الاجمل ان تعبر باسما....

                      تعليق

                      يعمل...
                      X