غير مأسوف عليك يا عباس .. لقد انتهت وظيفتك
بهائي راغب شراب
6/11/2009
لم أفاجأ بإعلان عباس بعدم ترشيح نفسه لمنصب الرئيس للسلطة الفلسطينية للفترة القادمة .. بل هو يجيئ في سياقه الطبيعي ، فعباس قد ولى عصره وللأبد .. وولى معه سحره الجامع الذي من خلاله كان الرقم واحد وبامتياز في صياغة وتمرير الاتفاقات مع الكيان الصهيوني ، فهو بطل اوسلو المشئومة ... وهو بطل الصواريخ العبثية ، وهو بطل المقاومة المحرمة ، وهو بطل السلام الاستسلامي ، وهو وراء إعادة إحتلال الضفة الغربية ومن قبل ذلك وراء حصار عرفات كخطوة لازمة لتنصيبه رئيسا بدلا عن عرفات المحاصر ثم المقتول ...
عباس لم يكن ضحية أبدا في أي مرحلة او اي يوم من الأيام ، خلال العقد الماضي على الأقل ... بل نستطيع الإقرار وبراحة انه كان الوجه الاخر المعاكس اللا وطني للفلسطيني المقاوم والوطني ... لقد أعلن كراهيته للمقاومة ولاستخدام السلاح في الانتفاضة ضد الصهاينة ، ورفض وقف المفاوضات معهم وتنازل إلى مستوى غير مسبوق عن الحقوق فعليا وميدانيا ، بعيدا عن التصريحات التي كان يطلقها بين وحين وآخر بغرض استخدامها من قبل أعوانه لتبرير مواقفه ولتزييفها امام الراي العام الفلسطيني ..
عباس لن يرشح نفسه لمنصب الرئيس .. لا أعتقد انه يفعل ذلك على خلفية لها علاقة بحفظ الحقوق الوطنية الفلسطينية ، فالجميع يعلم إفراطه في التفريط بها لصالح العدو ، وليس من باب الاحتجاج على الحصار المفروض على شعبه الفلسطيني في قطاع غزة .. وهو المحرض والمشارك في فرضه ، وليس إحتجاجا على فرض الرباعية الغربية لشروطها لرفع الحصار بالاعتراف بالكيان الصهيوني ، وإعطاءه الشرعية لاحتلاله للأرض العربية الاسلامية الفلسطينية .. ونحن نراه كيف يحتضن قادة العدو ويبادلهم القبلات والابتسامات الحميمية في نفس الوقت الذي كان شعبه يتعرض لأبشع عدوان همجي وما يزال من العدو الصهيوني ..
لن يرشح نفسه عباس ... لن تكون قضية ان يذهب ... وكان عليه فعل ذلك عند انتهاء ولايته الشرعية وليس الان ، في زمن اغتصابه للمنصب ، نعم لو كان شجاعا حقا ويحمل من المشاعر والاهتمام بمصالح شعبه لذهب مباشرة بعد تسببه بحدوث الانقسام الجغرافي والسياسي الفلسطيني ... بصفته الرئيس والمسئول الأول عن حفظ ورعاية الوحدة الفلسطينية .. وبصفته رئيس الجميع ...ولكنه لم يفعل ذلك ، ومارس مسئوليته بتمييز جلي وصارخ بحيث صار رئيسا لجزء فلسطيني ضد جزء فلسطيني آخر ...
لم يحاول أبدا ان يجعل من نفسه عامل قوة وتقارب واتفاق فلسطيني داخلي ... بل كان صاحب المبادرة دائما لتعزيز هذه الفرقة وذلك الانقسام ، ولعل قراراته المتوالية التي أصدرها والتي تجاوزت القانون الأساسي " الدستور " ، لم تعن إلا شيئا واحدا ألا وهو خلق واقع فلسطيني جديد لا يمكن في اطاره انجاز شيئ حقيقي ولا تحقيق مصلحة أو مصالحة فلسطينية ..
كان عامل إنقسام وعنصر تفرقة . وأداة إرهاب ، وملزمة قانونية غير شرعية ، تصدر القرارات الغير قانونية وأبرز امثلتها ما يتعلق بحكومة المدعو فياض الدايتونية التي نالت عار قيادة هذه المرحلة برموزها الشيطانية ...
لم أفاجأ ولم يفاجأ احد بقرار عباس بانه لن يرشح نفسه ... وهنا أقول ان ذلك لم يرجع لأي سبب مما ورد سابقا ... أبدا .. بل ان الأمر لو ظل قائما في مسيرته كما سبق لظل متمسكا بمنصبه ... ولكن لو فكرنا لمجرد ثوان سنكتشف انه قرر ذلك لحدوث عدة امور ليست في صالحه ابدا ولعل منها ..
انه اانكشف ولأول مرة بشكل مباشر امام الشعب الفلسطيني عندما سحب تقرير غولدستون الذي يجرم الكيان الصهيوني بجرائم حرب في عدوانه على غزة قبل حوالي عام ،
ولأنه ولأول مرة ينصب عليه النقد من مواليه واتباعه وتنظيمه ... بمعني انه انكشف شعبيا وتنظيميا ...
لقد فقد المقدرة على تبرير تنازلاته المتواليه في استمراره بمفاوضة العدو باتجاه تحقيق مصطلح " المفاوضات العبثية " واستمرارا لمقولة صاحب " الحياة مفاوضات " الصائبية غير الصائبة ..
فالاستيطان مستمر ومتواصل ، وحصار القدس يشتد ، وعمليات التهويد تتسارع بشدة وهي الان في اوج تفجيرها لتحقيق الأطماع اليهودية فيها ..
والإذلال الأمريكي والصهيوني له يزداد مستواه حتى وصل إلى درجة عالية من الوقاحة المزدوجة .. هم يفرضون ويقررون وعباس يقبل وينفذ راضخا .. هذا الوضع سلب من عباس عناصر قوته وصموده في وجه شعبه .. حيث كلما قدم مبررا او شرطا مقابل تفاوضه مع العدو نجده يتنازل عنه فورا ويعاود المفاوضات التي تسلبه ولا تمنحه .
وحتى لا اواصل تعداد العوامل التي اوصلت عباس لهذا القرار ، يظل ان عاملا واحدا يفوق كل العوامل ويتقدمها ، حيث أنه لم يعد قادرا كشخص بشري في مواصلة اللعب وسط دائرة الخطر التي ينحصر فيها اليوم ... فهو لم يعد مهما ، لا لأمريكيا ولا للكيان الصهيوني ، وبالتالي فتجربة التخلص من عرفات ما تزال ماثلة امام عينيه خصوصا بانه يُعتقد وبقوة بكونه صاحب الدور الرئيسي في حصاره والتخلص منه ، وهو اليوم لم يعد مهما لتنظيمه فتح .. فقد ادى دوره بانعقاد المؤتمر في بيت لحم وفي توصيل القيادة البديلة لقيادة تنظيم فتح ... الذين يقودهم ويمثلهم دحلان المعروف عنه بانه رجل امريكا والكيان الصهيوني .. الأول بلا منازع .. باعتبار ان فياض هو الحاكم الفعلي اليوم فوق الأرض ..
إذن عباس ادى دوره ... وقام بما عليه من وظيفة ... وبالتالي ليس عليه إلا ان يقوم بالخطوة الأخيرة المطلوبة منه كرئيس للسلطة ... وهي ان يفسح المكان للقادم الأسوأ الذي يستطيع مواصلة مشوار التفريط بالحقوق الفلسطينية ، إلى جانب تعزيز حالة الانقسام الفلسطيني ونقله إلى خانة الاقتتال الداخلي ... وهو الأمر الذي بدأنا نراى بوادره في التصريحات والإعلام الصهيوني ...
ليذهب عباس ... ولن يأسف أحد على ذهابه ، فالبنسبة للشرفاء لم يكن شريفا ، وبالنسبة للعملاء فهو أضعف مَنْ يواصل السقوط .. حيث أسياده لا يحتاجون إليه ، ومواليه واتباعه ينتظرون تلك اللحظة بشغف التوغل في العمالة والخيانة التي تتلبسهم ويدافعون عنها باستماتة حقيرة .
وأخيرا فلن يهتم الشعب الفلسطيني بذهاب عباس ، وعليه يجب الاهتمام بالمرحلة القادمة ... كيف ستكون وما هو شكلها ، وكيف سيتعامل الفلسطينيين مع خليفة عباس الصهيوني ؟ ... و...
تعليق