كارثة تسونامي كانت سبب كتابة هذه القصيدة المطوَّلة التي تقارب أبياتها الأربعمائة بيت، والتي سأحاول، إن شاء الله، كتابتها في هذا المنتدى الأنيق مجزَّأة، مع وضع عناوين جانبية لها.
لقد جال في خاطري قول حافظ إبراهيم، رحمه الله، في كارثة:
نبئاني إن كنتما تعلمانِ = ما دها الكون أيها الفرقدانِ؟
غضب الله أم تمردت الأر = ض فأنحت على بني الإنسان
ليس هذا، سبحان ربي!، ولا ذا = ك ولكن طبيعة الأكوان
فقلتُ:
صدِّقاني يا أيها المشرقانِ = أنتما تنظران ما تفعلانِ
لا أقول الغداةَ ما قيل قَبْلاً = من سؤال يحتاج للتِّبيان
(نبئاني إن كنتما تعلمان = ما دها الكون أيها الفرقدان؟)
فالجوَاب الأكيدُ فاض وضوحاً = ليس يحتاج قطُّ للبرهان)
(غضب الله (إذ) تمرّدت الأر = ضُ فأنْحَتْ على بني الإنسان)
حمَلَتْهم في ظهرها دون كَلٍّ = ورَعَتْهم فيه بكل حنان
ثمّ لما صاروا شباعا عليها = أرهقوها بالجور والطغيان
منَحَتْهم من منحة الرحمان = فأبـَوا غير محنة الشيطان
من المآسي والحروب:
فالعُتاةُ البُغاة من ملّة الكفـ = ـر جميعاً في قمة العصيان
وجراحٌ أنّتْ بأرض (فلسطيـ = ـنَ) وأرض (العراق) و(الأفغان)
يُذْبَح المسلمون من غير جرم = في بلاد (البلقان) و(الشيشان)
وبـ (بورما) وبـ (الفلبينَ) وانظر = وتأمّلْ في محنة (السودان) !
ثمّ في كلها حروبٌ ضخامٌ = خافياتٌ ما أُعْلنَتْ في بيان
من خلافٍ يُزْكَى، وإعلامِ سوءٍ = وبنشر الإفقار والحرمان
نبشوا عنصريةًً من قبورٍ = دُفِنَتْ قبلُ من قديم الزمان
والرسول الكريم حذّرَنا قا = ل : دعوها شديدةَ الإنتان
وحروبٌ قد أُلبسَتْ ثوبَ حسنٍ = في دعاوى التحديث والعمران
أبْعَدونا عن نبع ماضٍ فصرنا = مثلَ نبْتٍ مُضَيَّعٍ شيطاني
كلّ أرضٍ فيها حياةٌ توارتْ = تحت قاسٍ من عاتيات المباني
ليُضيع الأنامُ حرفاتٍ خيرٍ = ويصيروا في قبضة السلطان
طلبوا الرزق من يديه وفيراً = ثم باءوا بالخِزْي والخذلان
شرَكٌ أوقعوا به ولقد كا = نوا قديماً في سالف الأزمان
في اكتفاءٍ من المعاش فعاشوا = في رخاءٍ ووفرةٍ وأمان
التغريب:
تَخِذوا الغرب كي يكون دليلاً = فأضاعوا تراثنا النوراني
ثم لم يجلبوا من الغرب ما فيـ = ـه منَ اْسْباب رفعة الإنسان
كاحترام للوقت، والإنسان = واجتهادٍ وخدمةٍ وتفانِ
جلبوا خِزيَه من الرقصِ والعرْ = يِ وتقديس ذلك (الفنان)!
فغدَتْ دولة الوظيفة ميْتاً = فاح عطرا من ناصع الأكفان!
خذ مثالا بدولة السودانِ = دولةٌ أعطِيَتْ كثيراً، تعاني
قد حباها الرزاق ما فاض عنها = من مَعاشٍ في الضرع والأقطان
وتضيع الجهود فيها اجتلابا = للحليب المصنوع والقمصان
التغريب والعلمانية:
لا تظنوا أن التقدمَ وقْقٌ = باتباع الغربي والنصراني
إنه أحرز التقدم لَمّا = أبطل الدينَ المنهجُ العَلماني
إن ديناً يدعو إلى الجهل دينٌ = عائقٌ للتقدم الإنساني
فاقرؤوا كتْبهم ففيها افتخارٌ = بغباءٍ، والجهل بالصُّلبان(1)
رغم هذا فالمنهَج العلماني = ذو احتياجٍ للمنهَل الروحاني
ولهذا في الغرب تلقى انتحاراً = بالزَّرافاتِ ثَمَّ والوُحدان
إننا قبْلُ قد حكمناه لمّا = كان فينا التقاةُ، بالقرآن
عالمٌ بين مَعْمَلٍ والمُصَلّى = هل كمَن بين معمل والحان؟
ولهذا كنا سعيدين روحاً = ونهضنا في الزرع والعمران
ولهذا انتحارهم زاد، فاحكم = في المعاشين، هل سيستويان؟
هل كان المستعمرون هم السبب؟
لا تقولوا (المستعمِرون) استطاعوا = أن يُعيقوا التقدمَ الإنساني
لسواهم، لو أن هذا صحيح = لم تقم بعدُ دولة (اليابان)
ضُرِبَتْ منهمُ بقنبلة الذرّ = فقامت في التوِّ دون توان
ليس فيها وقتٌ يضيع هباءً = في كلامٍ، فأصبحَتْ ذاتَ شان
نحنُ ما عندنا فعالٌ ولكن = فرقعاتٌ نصوغها باللسان
في خطابٍ ضافٍ وصوتِ هتافٍ = أو برجمٍ من قاذفات الأغاني!
إنْ يكونوا ألقَوا بذور شقاقٍ = وسقَوها بالزور والبهتان
فلماذا لم نقتلعْها وقد مرّ = زمانٌ من بعدُ إثرَ زمان؟
هل الحكام هم السبب؟
لا تقولوا الحكام قد قيّدونا = ذا مقالٌ لليائس الحيران
(كيفما كنتمُ يُولَّى عليكم)(2) = ألَهُمْ كوكبٌ أتَوا منه ثاني؟
خبّروني، هل في الحكومات من قد = صدّكمْ عن إغاثة اللهفان؟
إنما تُمْنَعون حين تُقادو = نَ بجهلٍ للفتك بالسلطان
ثم تبكون حين يمضي عليه = لتنوحوا على الزمان الفاني
وهو لو كان في يد الشيطان = هل سيقْوَى على اليد المعوان؟
ربّما تُكرمون منه إذا لم = تقعوا في يد امرئٍ خوّان
ثم لو كان فوقكم شيطانٌ = ومشيتُمْ بخطة الرحمان
كابتين النفوس عن كلّ ما تهْـ = ـوَى غدا دميةً بلا شيطان
أو اسيراً، من فوقُ مطرقة الشرّ = وأنتم من تحتُ كالسندان
صدّقوني، لستم تُعانون من فرْ = عونَ فيهم، كلا، ولا هامان!
واجب المحكومين تجاه الحكام:
فعليكم أنْ لا تثوروا عليهم = ما علا في الفضاء صوتُ الأذان(2)
وعليكم أن تُبطلوا شائعاتٍ = لا تكونوا كالببّغاء في اللسان
إنما الشائعات داءٌ خبيثٌ = يتفشّى في الناس كالسرطان
وعليكم أن تسمعوا وتطيعوا = لا يُبيح الإسلامُ من عصيان(2)
لهمُ غيرَ أن ترَوا منهمُ الكفـ = ـر بَواحاً قد قام بالبرهان(2)
وعليكم أن تُصبحوا مثل سدٍّ = خلفهم ضدّ سائر العُدوان
لا أقول الكلام هذا نفاقاً = إنه أمر ربّنا الرحمان
فانظروا في (الصومال) كيف تَداعَى = وانظروا في (العراق) و(الأفغان)
إن هذي الشعوبَ خالفت الأمْـ = ـرَ فذاقتْ نار الأسى والهوان
يتمنّون من أزاحوه أو لم = يسندوه لو كان في الإمكان
أن يعود المساء هذا إليهم = ليناموا لصبحهم في أمان
إن يكن مسلماً يُقيمُ صلاة = فامسكوا باليدين والأسنان!
وعليكم أن تنصحوهم، ولكن = ليس أن تجرحوهمُ باللسان
إنْ تولّوا أدوا حقوقكمُ أنـ = ـتمْ وفرّوا من بطشة الصولجان!
إنْ ثبتُّم فذاك أفضلُ، حتى = لو قُتِلْتُمْ فسادةٌ في الجنان
واجب الحكام تجاه المحكومين:
وعليهم أن يستجيبوا لنصح = ذا دليلٌ للعقل، لا النقصان
وعليهم أن يرحموكم بحدٍّ = ليس أدنى عن حاجة الإنسان
أنا أدري، على الحكومات عبءٌ = وثقيل لرفعة الأوطان
وهي سقفٌ للبيت والشعب فيه = كالأساس المتين والعمدان
فعليهم أن يعلموا أنّ أنتم = تحتهم قوةٌ لهم ذاتُ شان
فعليهم أنْ لا يُقيموا بجهلٍ = فجوةً عن شعوبهم، في ثوان
لَتطيرَنّ ريحُ غدرٍ بسقفٍ = فيه فصل عن سائر البنيان
ولهذا ما للأعاديّ شغلُ = غير فصل السقوف والجدران
يوهمون السقوف: أنتم ثقالٌ = فاستزيدوا في الثِّقْل بالطغيان
إننا صانعوا سقوفٍ، وأدرَى = ويبثّون في الشعوب الأماني
سوف تبنون بعدُ أجمل سقفٍ = فهم السوسُ، ناخرٌ للمباني
كم وكيلٍ لهم بكل مكان = في النوادي وحضرة السلطان
ثِقَلُ السقفِ هادمٌ، وكذا نخـ = ـر المباني، فكيف إذ يُجمَعان؟
إنّ (صدّاما) الذي قد أضاعوا = وأضيعوا به، لَبالبرهان
فعليهم أن يأخذوا كل حذْرٍ = من عدوٍ، مكراً، شديدُ الدهان
أوَما كان قد تدلّل (صدا = مٌ) زماناً على يد (الأمريكان)؟
ثم لمّا غفا تنبَّه من آ = لامِ سمٍّ من عضة الثعبان؟
أوحقا هذا! ولم أر منه = غير جلدٍ مثل الحرير سباني؟
فيَد الحاكمين فوق أيادي = شعبهم فوقها يد الرحمان
في اتحادٍ للخير يُفضي لخيرٍ = ويسدّون ثغرة الشيطان
واقع المسلمين اليوم:
وحّد الشرُّ نفسه ليبيد الدِّ = ينَ دينَ الإصلاح والإيمان
وغثاءُ السيول من إثر (فلمٍ) = للمباراة حيةً، للأغاني
يتبع إن شاء الله
(1) من رسالة بولس لأهل كورنثوس: (نحن جهال من أجل المسيح)، (صرت غبيا وأنا أفتخر.....).
(2) معانٍ لأحاديث صحيحة.
تعليق