الخلفيات الفلسفية للحداثة العربية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • علي المتقي
    عضو الملتقى
    • 10-01-2009
    • 602

    الخلفيات الفلسفية للحداثة العربية

    [align=justify]
    1 ـ استمد تجمع شعر ـ الذي حمل لواء الحداثة العربية ـ تصوره ومفهومه للشعر من حقول معرفية متعددة منها ما هو شعري، ومنها ما هو فلسفي. وقد كان للاتجاه الوجودي الأثر الكبير على هذا التجمع إلى درجة تسمح بالقول: إن مجلة شعر أعادت إنتاج الفلسفة الوجودية شعرا[1]. وقد عبر منظروها أكثر من مرة عن العلاقة بين الفلسفة والأدب ، إذ أن الشاعر كالفيلسوف " يذهب في انطلاقاته إلى كشف النقاب عما يقلقه كإنسان"[2]. ونختزل نقط تقاطعهما في المحاور الآتية :
    .1 : ارتباط الحقيقة بالتجربة الفردية المعيشة.
    .2 : الإنسان محور هذه التجربة وموضوعها الوحيد.
    .3 : رفض العقل بوصفه أساس الحقيقةومصدرها.
    .4 : أسبقية الوجود على الماهية .
    فكيف عبرت الوجودية عن هذه المقولات؟ وكيف تعاملت معها مجلة شعر ؟
    منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر بدأ الفكر الأوربي يشكك في العلوم الطبيعية وطرق البحث العلمي، وبدأ الاهتمام يزداد بمجموعة من الظواهر القابلة للنقاش، وخاصة تلك المتعلقة بالفرد وطبيعته الشخصية، وكل ما هو خفي وغامض وغير عقلاني. وقد ظهر كتاب ماكس استراينر " الفرد وصفاته المميزة " ليزيد من هذا الاهتمام. فقد دعا إلى مبدأ الفوضوية المرتبط بالحرية الفردية، كما دعا إلى إطلاق العنان لقدرات الإنسان الذاتية التي يسيرها فهم الإنسان لذاته. وحتى حدود التسعينيات من القرن التاسع عشر كان الاعتماد في دراسة هذه الظواهر على الطرق العلمية التقليدية التي تسرب إليها الشك. فبدأت مواجهتها بتوجه آخر دشنه الفيلسوف الألماني نيتشه الذي يعد أحد المصادر الأساسية للفلسفة الوجودية.
    لقد كان الجو العام مهيئا للترحيب بأفكار نيتشه الذي ظل مغمورا ومجهولا مدة طويلة. فقد لقيت قناعاته بضرورة إعادة النظر في جميع القيم الإنسانية تجاوبا مع طموحات الإنسان الأوربي في تلك المرحلة.
    لقد رفض نيتشه إلى جانب مجموعة من المفكرين كل مسلمات القرن التاسع عشر، فدعا إلى تحطيم الأنظمة والأنماط والمطلقات العلمية والقوانين التي تحكم الحياة العامة. وقد تلت هذه المرحلة مرحلة أخرى تهدف إلى إعادة تنظيم شظايا المفاهيم المحطمة. وأخيرا صارت القضايا الفكرية في طريق الامتزاج والذوبان لتنتج شيئا جديدا لِما تم تحطيمه، ويكون قادرا على جعل إدراك الظواهر المعقدة والمحيرة للحياة المعاصرة ممكنا[3]. ونتيجة التغير الكبير في نظرة الناس إلى العالم، ازداد الاهتمام بالمقولات السابقة . وسنحاول مقاربتها من منظور الفلسفة الوجودية.
    ـ تتميز هذه الفلسفة بطابعها الشخصاني، إذ تنطلق بكل اتجاهاتها من تجربة حية معيشة. فقد ميز فلاسفتها بين نوعين من الوجود: وجود مزيف ووجود أصيل. فالوجود الأول هو الوجود اليومي الذي تنطمس فيه الجوانب الشخصية الأصيلة لتهيمن عليه أفكار وآراء واختيارات وقرارات الجمهور أو القطيع أو عالم الناس أو الجمع[4]. وهذا النوع من الآراء يتميز بانعدام المسؤولية والوسطية والثرثرة والهشاشة ووحدة النوع المتجانس. لذلك يرى الوجوديون أن هذا النوع من الوجود لا يمكن أن يكون مصدرا للحقيقة ومنبعا لها. إذ الحقيقة تعاش وتكون مع الإنسان ولا وجود لها خارجه. أو كما قال كيركجارد " لابد لي وأنا أعاني الحياة أن أصير أنا نفسي قاعدة لسلوكي بفضل تلقائية عقل وقلب مؤاخيين للحق والخير. وبهذا تصبح الحقيقة حقيقتي أنا، إذ لا وجود لحقيقة بالنسبة للفرد إلا ما ينتجه هو نفسه أثناء الفعل"[5]. وهذه الحقيقة الذاتية الفردية هي التي يمكن الالتزام بها والمخاطرة بكل شيء في سبيلها دون أن يترك الإنسان لنفسه ملاذا أو مهربا منها.
    ولتأكيد هذا التصور والدفع به إلى أقصاه، أعلن نيتشه انهيار المطلق، ليصبح العالم إنسانيا والتاريخ كذلك. ولن يبقى وجود لأي حقيقة إلا حقيقة الإنسان. ولأن هذا الإنسان لم يبق له مطلق يتكل عليه ويركن إليه، فلا خيار له إلا أن يختار ذاته ليتجاوزها بشكل دائم إلى ما وراءها، إلى "الإنسان الأعلى" الذي يشكل بالنسبة لنيتشه مستقبلا لا يمكن اللحاق به. وبذلك يكون الإنسان وثبة نحو ممكن ينفلت منه انفلاتا أبديا لأنه في حالة صيرورة لا تكتمل مطلقا، ففي ماهيته نقص دائم. والموت وحده ـ كما يرى هايدجرـ هو الذي يصل به إلى نهايته. إنه حسب تعبيره "الإمكان الشخصي إلى أقصى درجة، والذي ينهي كل علاقة إلى أقصى درجة، والذي لا يمكن تخطيه على الإطلاق"[6]. وهذا المصير هو الذي دفع بالإنسان إلى أن يوجد وجودا مزيفا، فيسقط في الوجود اليومي بكل خصائصه السابقة. وعلى الإنسان لكي يكون وجوده وجودا أصيلا أن يعي ذاته، وأن يختار الانسحاب من الوجود المزيف عن وعي، أي أن يكف عن الثرثرة، وأن يختار التوجه نحو القلق في صمت. وهذا الاختيار هو الاختيار الأصيل الذي يصطلح عليه هايدجر ب"التصميم" الذي يهب الإنسان وجودا أكثر حقيقة وأكثر أصالة. وبفضل هذا التصميم أيضا، يقبل الإنسان مصيره بشجاعة، ويقوم بدوره في الحياة بعزم.
    إن انشغال الفلسفة الوجودية بالوجود الإنساني ـ أحواله وأفعاله ـ سيؤدي لا محالة إلى إثارة تساؤلات حول مجموعة من القضايا ذات الصبغة الميتافيزيقية؛ ذلك أن الوجوديين على الرغم من رفضهم للميتافيزيقا التقليدية وتساؤلاتها، فهم يعون حدود العلم، وما يمكن بلوغه بواسطة مناهجه، إذ " لا ينتج العلم معرفة للموجود ذاته، بل إنه لا يستطيع أن يقدم لنا سوى معرفة بالظواهر أو الموضوعات الجزئية داخل النظام المتناهي. وهو لا يستطيع أن يضفي على الحياة معناها أو أهدافها أو قيمها أو اتجاهاتها "[7] . ومن القضايا الميتافيزيقية التي أولاها الوجوديون اهتمامهم:
    ـ الاهتمام بالوجود الإنساني في بعده الشامل، وكذا بمواقفه الحرجة وحدوده القصوى. إن هذه المواقف وهذه الحدود هي التي تصل بالإنسان إلى تحقيق رؤيته الوجودية للوجود ، إلا أن هذه الرؤية وما يكتسبه الإنسان من خلالها من معرفة ليس لها نفس الوضع المعرفي للأشياء والحقائق والمعارف الواقعية والمألوفة ؛ إذ لا يمكن البرهنة عليها حتى ولو تضمنت نوعا من الكشف أو الإيضاح. لذلك يدعو الوجوديون الآخرين إلى أن يعيشوا معهم تجربتهم ليصلوا إلى النتائج نفسها ." إن هذا التفكير الانطولوجي الذي يتشكل بعمق حسب المشاعر والحالة المزاجية، والذي يعبر عن نفسه في لغة تثير أكثر مما تصف ليس ضربا مألوفا من المعرفة. فهو يشبه تلك التجارب الدينية كالوحي والرؤية الصوفية أو التجارب الجمالية التي تدرك الأشياء في أعماق علاقاتها المتبادلة "[8] .
    ـ البحث عن الحقيقة النهائية: إن دافع البحث عن هذه الحقيقة دافع وجودي أساسا. ولأن الحقيقة النهائية التي يمكن الالتزام بها والمخاطرة بكل شيء في سبيلها لا يمكن البرهنة عليها أيضا، فقد وجدها الوجوديون في الحقيقة الذاتية الفردية. يقول كيركجارد :" إن عدم اليقين الموضوعي الذي تتخذه النزعة إلى الباطن متشبثة به في أشد حالاتها حماسا (...) تلك هي الحقيقة (...) الحقيقة العليا التي يمكن أن تكون لذات موجودة "[9] . من هنا، فالحقيقة تزداد كلما نقص اليقين الموضوعي. ويراها كيركجارد في الإيمان في أسمى صوره ؛ ذلك أن الإيمان بوصفه حقيقة لا يفرض من الخارج، ولا يبرهن عليه بالعقل الخالص، ولا يتمتع بأبسط يقين. إنه يستمد من معاناة العمل والحياة، ويصدق به الموجود نفسه من حيث هو موجود.
    ـ أسبقية الوجود على الماهية: يتفق الوجوديون على أن الإنسان في حركة دائمة قوامها الانفصال عن الماضي والحاضر والاتجاه نحو المستقبل. لذلك ليس له وجود موضوعي يحدد ماهيته من البداية إلى النهاية؛ وإنما تتوقف هذه الماهية على سلسلة أفعاله واختياراته. ولكي يختار ويفعل لابد أن يوجد، لذا، قالوا بأسبقية الوجود على الماهية. فالإنسان عند سارتر لا يشبه الأشياء المصنوعة. وفي هذا الاتجاه، يسير كيركجارد حين يؤكد أن الوجود لا يمكن أن يرد إلى مجموعة من الأفكار القابلة للمعالجة العقلية، وكذلك نيتشه في فكرته القائلة بأن الإنسان يتجه نحو الإنسان الأعلى. فالإنسان عند هؤلاء جميعا غير مكتمل وغير تام. ولا وجود لصفات محددة تحدد وجوده. إنه الموجود الوحيد الذي يتدبر ما يريد فعله، وما يريد أن يصبح عليه.
    .2 : الحداثة : من العام إلى الخاص، من الفلسفة إلى الأدب : لم يكن الأدباء والشعراء منهم بشكل خاص بعيدين عن التغيير الشمولي الذي عرفه الفكر الأوربي الحديث في القرن التاسع عشر. فقد ساهموا فيه ودفعوا به خطوات كبرى في مجالات اهتمامهم ."فقد أصبح الشعر صراعا لا هوادة فيه مع الكلمات والمعاني، كما أصبح إجهادا وتعذيبا للقوى العقلية من أجل الوصول إلى مرحلة الإدراك. وضربت التعريفات القديمة والتقليدية لمعنى الشعر عرض الحائط . ولم يعد الشعر فيضا عفويا لمشاعر عفوية، أو أجود الكلمات في أجود نسق، بل أصبح يقول ما لا يقال، أي أعطيت له خاصية المرونة العقلية "[10] .
    أما الشاعر، فأصبح ينظر إلى العالم بوصفه" مجموعة من العلاقات المتشابكة التي تهمه وحده"[11]، واعتبر نفسه منسق تلك العلاقات معتمدا في ذلك على الأسطورة التي عملت على تعطيل العقل وتحرير الخيال، والاستعارة التي تخلق العلاقات بين الأشياء المتناقضة حتى تلائم التفكير الجديد. يقول إليوت :" يقوم عقل الشاعر بعملية الخلط الدائم للتجارب المتباينة. تتسم تجارب الإنسان الاعتيادي بالفوضى واللاتنظيم والتفكك، فهو (أي الإنسان الاعتيادي) يحب ويقرأ (سبينوزا) ويسمع صوت الآلة الكاتبة، ويشم رائحة الطعام المطبوخ في آن واحد، إنها تجارب يربطها ببعض رابط. أما الشاعر فيستطيع التجاوب مع كل هذه التجارب في آن واحد ليخلق منها كلا جديدا " [12] .
    ولم يسلم أي اتجاه أدبي من التأثر بهذا الجو العام. ويختزل هذا النص لمالكم برادبري وجيمس ماكفارلن هذا التأثر العام: " كانت تبريرات تلك الحركات متشابهة: فقدان الإيمان بالواقع الملموس في الكلمة وفي اللغة السائدة، والانبهار باللاوعي، والاهتمام بضغوط البيئة الصناعية، وتزايد وتائر التغيير، والرغبة في اكتشاف بناء فني مهم من فوضى الحياة ."[13] .
    .2 :الحداثة: من الآداب الغربية إلى الآداب العربية: يتصور تجمع شعـر الحداثة مشروعا حضاريا شاملا نتج عن "عقلية حديثة تبدلت نظرتها إلى الأشياء تبدلا جذريا وحقيقيا انعكس في تعبير جديد"[14] . وتنبني على الأسس الآتية[15]:
    ـ إخضاع الطبيعة للإنسان ما دام هو سيدها والقادر على فك مغاليقها.
    ـ إن القوانين والمبادئ والنظم المعرفية هي من وضع الإنسان. ويجب أن تكون في خدمته لا أن يكون هو عبدا لها، وله كامل الحرية في تغييرها أو تعديلها.
    ـ إن العالم في صيرورة مستمرة، وسنكون غير حديثين لو وقفنا في وجه هذه الصيرورة واعتقدنا أن ليس أبدع مما كان .
    ـ إن العالم( لا يحكمه نظام إلهي أبدي، بل هو من صنع الإنسان.) فهو مقياس كل شيء وعليه أن يعيد بناءه على صورته.
    ـ لن يتأتى للإنسان أن يصنع ويفعل ما يشاء، إلا إذا كان يمتلك حريته، وفي مقدمتها الحرية الشخصية وحرية الفكر والتعبير.
    إن هذه الأسس تستند إلى مرجعية نظرية فلسفية غربية. فمنذ الوهلة الأولى يتضح ذلك التطابق شبه التام بين هذه الأسس ومبادئ الفلسفة الوجودية التي سبق الحديث عنها (جعل الإنسان موضوعا للمعرفة ـ انهيار المطلق ـ أسبقية الوجود على الماهية) . ويرى محمد جمال باروت أن هذه الأسس تجمع بين الفلسفة الطبيعية العقلانية والفلسفة الوجودية ذات الطابع الشخصاني[16]، وسبب هذا الجمع هو طبيعة المجتمع العربي، فلن يتأتى للحداثة بناء قيم جديدة إلا ببناء مجتمع عقلاني يؤمن بالتطور نحو الأفضل، مجتمع يحل فيه النسبي والإنساني محل المطلق والإلهي.
    في ظل هذا التصور العقلاني، وفي هذا المجتمع المفترض الذي يريد تجمع شعـر بناءه على منوال المجتمعات الغربية يمكن أن يمتلك الإنسان حريته كما تتصورها شعر. ويجد الشاعر "الحر" ذو الطابع الوجودي الشخصاني المتمرد المعضلات الكيانية التي عبر عنها الشعر العالمي، ويجب أن يعبر عنها الشعر العربي لكي يكون حداثيا وعالميا ؛ كالفراغ واليأس والعبث والحرية والنفي الكياني والغربة والاغتراب والحرمان والاضطهاد اللامنطقي[17]. وإذاك فقط يعيش الشاعر العربي هذه المعضلات كما عاشها الشاعر الغربي، ويستمد الحقيقة من داخله، ويقطع علاقته بما أسماه هايدجر بالإنسان المعمم الذي حدده تجمع شعـر في مجمل التقاليد الاجتماعية والأخلاقية والأيديولوجية والسلوكية والسياسية السائدة للأغلبية الاجتماعية، والتي ليست في نهاية المطاف سوى تعبير عن كثلة دهماوية وغوغائية قطيعية وسوقية كما يرى يوسف الخال.
    بهذه العزلة التي تعفي الشعر من أي وظيفة اجتماعية، وتعفي الشاعر من أي التزام تجاه المجتمع، يستطيع الشاعر أن يقرر وأن يتجاوز ويتخطى كل ما هو جاهز وسائد، ويتطلع إلى ما لم ينجز بعد. وسيلته في ذلك تجاوز "الرؤية" التي تحيل على العالم الخارجي إلى "الرؤيا"[18] التي تحيل على العالم الداخلي. وبذلك يصبح " الشعر تجربة شخصية يسبرها الشاعر ، ويفجرها في حدوث ورؤى وبروق"[19] ، وتصبح الخاصية الميتافيزيقية هي الخاصية الرئيسية في نتاجنا الشعري الحديث[20] .
    إن الحداثة العربية التي تسعى إلى بناء نموذج حداثي عربي على شاكلة النموذج الغربي لم يتحقق لها نفس النجاح الذي تحقق لمثيلتها الغربية، ذلك أن هذه الأخيرة نشأت وتطورت في المدن الصناعية الكبرى كبرلين وفيينا وبراغ وشيكاغو ونيويورك وباريس[21] ، فتوفرت لها شروط تاريخية سياسية واقتصادية واجتماعية تدمر فيها الناس من العلم ونتائجه وعواقبه، وشككوا في قدرته على إسعادهم، وعلى قدرته في الوصول إلى الحقيقة؛ ففضلوا التجربة الفردية وما يترتب عنها من معارف تعددية غامضة على العقل المنظم. أما الحداثة العربية، فقد وجدت نفسها مقيدة بواقع مخالف للواقع الغربي، تحكمه شروط تاريخية فكرية واجتماعية وسياسية لا علاقة لها بالمعضلات الكيانية التي أفرزتها الثقافة الغربية. فقد كانت المرحلة مرحلة تناقض وطني وقومي مع الآخر الذي هو مصدر هذه الحداثة، وهي مرحلة تستلزم توحيد الرأي، والقفز عن التناقضات الداخلية، والتضحية بالذات وبمصالحها الشخصية لصالح المصالح الوطنية والقومية. أما المجتمع، فأبعد ما يكون عن هيمنة الروح الفردية، إذ تحكمه الأسرة الممتدة ونمط الإنتاج الفلاحي بأشكاله التقليدية. وعلى الساحة السياسية يتصارع المشروع السلفي ذو الخصوصية الاتباعية، والمشروع الشيوعي الدغمائي، والمشروع القومي، وهي كلها مشاريع تتميز بنظرتها الأحادية، وأحكامها اليقينية المطلقة.
    في ظل هذه الشروط، دعا تجمع شعر إلى الشخصانية المتمردة ضد كل القيم المترسخة في الذهن، وفصل الأدب عن السياسة، والسمو عن غوغائية المجتمع. "فالشاعر إنسان غريب في مجتمعه ـ يقول يوسف الخال ـ والعداوة بينهما أصيلة، وهي عداوة النقيضين اللذين يجب أن يتعايشا. فالإنسان كائن اجتماعي، والشاعر نفسه لا اجتماعي لأنه ضد المتعارف عليه والمعتاد والمألوف."[22].
    هذه المواقف المتطرفة التي تظهر قطيعة مع الماضي والحاضر لا ارتباطا جديدا به، وتجريدا للإنسان من تربيته ، ستجعل من المشروع الحداثي مشروعا أدبيا شعريا لم تتوفر له شروط توسيعه ليشمل الحقول المعرفية والاقتصادية والاجتماعية. وهذا ما سيجعل منه مشروعا وهميا منعزلا عن المجتمع برمته. ولن يستمر طويلا حتى يصطدم بجدار اللغة المحافظة على خصوصياتها الموروثة، وجدار الواقع المثقل بهموم المعيشة وضباب السياسة، لأنه لم ينجب إلا الانسحاق وفقدان التوازن والاستلاب للغرب في مرحلة كان الغرب يبدو عدوا لدودا[23].

    [1] - نفســـه ص 121 : يقول باروت :" ففي حين قامت الآداب بتبني الوجودية ، ونشر مفاهيمها ، وترجمتها ، قامت حركة مجلة شعر بإنتاج الوجودية شعرا داخل النص الشعري نفسه " والواقع أن مجلة شعر اهتمت أيضا بنشر المفاهيم الوجودية والتنظير لها. والفرق بينها وبين الآداب هو تركيز هذه الأخيرة على وجودية سارتر بالدرجة الأولى في حين أن شعر اهتمت بالوجودية في أبعادها الميتافيزيقية .

    [2] - جوزف أبو جودة " نداء البعيد لجورج غانم " مجلة شعر، المجلد الثاني، عدد 5، شتاء 1958 ـص 110.

    [3] - ينظر : عقل الحداثة ـ ضمن كتاب " الحداثة " مالكم برادبري و جيمس ماكفارلن ـ ترجمة مؤيد حسن فوزي ـ دار المامون للترجمة والنشر ـ بغداد ـ 1987 ـ ص 80 .

    [4] - مصطلحات متعددة للدلالة على الشيء نفسه " وهو ما يدل على الكيان الجمعي الذي يظهر في الفاعل غير المحدد ، والذي يعبر عنه تعبير "يقول الناس " " ـ ينظر : الفلسفة المعاصرة في أوربا . تأليف : إ م بوشينسكي : ترجمة عزت القرني ـ عالم المعرفة ـ العدد 165 ـ سبتمبر 1992 هامش 591 ـ ص 278.

    [5] - ينظر ريجيس جوليفييه : المذاهب الوجودية من كيركجارد إلى جان بول سارتر ـ ترجمة فؤاد كامل ـ الدار المصرية للتأليف والترجمة ـ 1966 ـ ص 39 .

    [6] - الفلسفة المعاصرة في أوربا ـ م س ـ ص 278 .

    [7] - جان ماكوري : الوجودية ـ ترجمة إمام عبد الفتاح إمام ـ مراجعة فؤاد زكريا ـ عالم المعرفة ـ رقم 58 ـ أكتوبر 1982 ـص 358 .

    [8] - نفســـــه ص 351 .

    [9] - ينظر : المذاهب الوجودية من كيركجارد إلى جان بول سارتر ـ م س ـ ص 41 .

    [10] - عقل الحداثة : م س ـ ص 72/73 .

    [11] - نفســـه ص 82 .

    [12] - نفســه ص 83 .

    [13] - نفســه ـ ص 207 .

    [14] - يوسف الخال : الحداثة في الشعر ـ م س ـ ص 17 .

    [15] - هذه الأسس وردت في مقالة يوسف الخال " نحو أدب عربي حديث " نشر في مجلة أدب ـ المجلد الثاني ـ العدد الأول ـ شتاء 1963 ـ ص 9 .ولخصها في كتابه : الحداثة في الشعر ـ م س ـ ص 16/17 .

    [16] - " تجربة الحداثة ومفهومها في مجلة شعر " ـ قضايا وشهادات ـ كتاب ثقافي دوري ـ عدد 2 ـ مؤسسة عيبال للدراسات والنشر ـ صيف 1990 ـ ص 260 وما بعدها .

    [17] - هذه المعضلات اصطلحت عليها خالدة سعيد ب"راية العصر" ـ تنظر مجلة شعر ـ عدد 43 ـ السنة 11 ـ صيف 1969 ـ ص 61 .

    [18] - ترى مجلة شعر أن الرؤية تحيل على العالم الخارجي ، عالم الأنا الفولتيرية . أما الرؤيا ، فتحيل على العالم الداخلي ، عالم الأنا الحديثة الشخصانية الوجودية المتمردة المصلوبة في معضلاتها الكيانية .

    [19] - أدونيس : زمن الشعر ـ دار العودة ـ بيروت 1972 ـ ص 40/41 .

    [20] - أدونيس : مجلة شعر ـ عدد 16 ـ خريف 1960 ـ ص 250 .

    [21] - ينظر كتاب الحداثة ـ م س ـ ص 93 وما بعدها .

    [22] - الحداثة في الشعر ـ م س ـ ص 87 .

    [23] - برهان غليون : مجتمع النخبة ـ معهد الإنماء العربي ـ بيروت ـ 1986 ـ ص 39 .
    [/align]
    التعديل الأخير تم بواسطة علي المتقي; الساعة 25-12-2009, 05:01.
    [frame="1 98"][align=center]أحبتي : أخاف من كل الناس ، وأنتم لا أخافكم، فالمجيئ إليكم متعه، والبحث عنكم فتنة ولذه، ولقاؤكم فرحة تعاش ولا تقال.[/align][/frame]
    مدونتي ترحب بمن يطرق أبوابها:
    http://moutaki.jeeran.com/
  • عبد الرحيم محمود
    عضو الملتقى
    • 19-06-2007
    • 7086

    #2
    من الواضح أن هذه الدراسة تركز على عصر انصرم بلا رجعة وانتهت معالمه بنهاية الحرب العالمية الثانية ، وانهزام الفكر لنازي المستند للقوة فحسب ، فنيتشه الذي أنتج بفكره النازية وأسال بتطبيق فكره على يد أدولف هتلر أنهارا من الدم ولم بحقق الدم النقي للعنصر الآري والوجودية التي حاولت جعل العالم يسير في فلك الإنسان عبر كيرغرد وسارتر وغيرهما ، انهدمت أيضا وأصبحت مجرد فكر وكتب على رفوف المكاتب ، وأصبحت الثورة التقنيبة المعتمدة على التقنية الحديثة السريعة التغير وأسقطت للأبد حكاية نقاء الجنس والدم ، ولم يصبح قانون البقاء للدم الأنقى قائما وأصبح البقاء للأذكى والأشد قلة احترام للإنسان وحقوق .
    أنا أرى في مثل هذه الأبحاث النظرية إضافة فكرية فحسب غير قابلة للاستفادة العملية منها ، ، وغير قادرة على الإسهام العملي التطبيقي في تغير فكري بأي قدر من المحدودية في عالمنا العربي ، وتدخلنا في قولبة اصطلاحات يهز الكثيرون رؤوسهم فهما وهم لا يفهمون ما يقرؤون ، جهد نظري راق يحسد الكاتب عليها ، ويحسد أيضا على المنهج العلمي المبني على الفلسفة المقارنة وتطبيقاتها العملية ، ولكن ليس في مجتمعاتنا ، فنحن نعيش عصر شعار نحن أمة الحضارة والثقافة والعلم ونحن لسنا كذلك البتة !!
    التعديل الأخير تم بواسطة عبد الرحيم محمود; الساعة 13-12-2009, 18:52.
    نثرت حروفي بياض الورق
    فذاب فؤادي وفيك احترق
    فأنت الحنان وأنت الأمان
    وأنت السعادة فوق الشفق​

    تعليق

    • محمد جابري
      أديب وكاتب
      • 30-10-2008
      • 1915

      #3
      الأستاذ د. علي متقي؛

      أهلا وسهلا بك من جديد في ملتقى صالون الحوارالفكري والثقافي، وعلى الرحب والسعة بموضوع نبش تاريخ وجدور الفلسفة الوجودية وسيرورتها في العالم الغربي، وفشلها واندحارها في العالم العربي.

      موضوع مهم وثقيل الوزن من جانبه الفلسفي؛

      وتبقى صفحات الفلسفية في حيص بيص من أمرها مع ما أنتجه الفيزياء الكمي من نظريات الفوضى والتي تحكمها الدقة المتناهية في ترابط فهمها للأشياء...إلى أن تستفيق من غفلتها لترى نور الشمس ساطعا بينا لا غبار عليه تحكمه السنن الإلهية بقوانين ثابتة الجدور لا تتبدل ولا تتغير ولن تجد لها تبديلا ولا تحويلا.

      من هنا كان باستطاعة السنن الإلهية الدخول أبواب العلوم من أوسعها بابا، ليتفتق رتق الفهم عن حقائق كونية بأن لا فاعل حقيقة في الوجود إلا الله.

      فهل تستجيب الإرادات لمناقشة السنن الإلهية ونظرتها للحياة والكون، وليغسل العالم يداه من كثرة الشرود والتيه عن الحقائق اليقينية؟
      التعديل الأخير تم بواسطة محمد جابري; الساعة 13-12-2009, 19:47.
      http://www.mhammed-jabri.net/

      تعليق

      • محمد جابري
        أديب وكاتب
        • 30-10-2008
        • 1915

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة عبد الرحيم محمود مشاهدة المشاركة
        من الواضح أن هذه الدراسة تركز على عصر انصرم بلا رجعة وانتهت معالمه بنهاية الحرب العالمية الثانية ، وانهزام الفكر لنازي المستند للقوة فحسب ، فنيتشه الذي أنتج بفكره النازية وأسال بتطبيق فكره على يد أدولف هتلر أنهارا من الدم ولم بحقق الدم النقي للعنصر الآري والوجودية التي حاولت جعل العالم يسير في فلك الإنسان عبر كيرغرد وسارتر وغيرهما ، انهدمت أيضا وأصبحت مجرد فكر وكتب على رفوف المكاتب ، وأصبحت الثورة التقنيبة المعتمدة على التقنية الحديثة السريعة التغير وأسقطت للأبد حكاية نقاء الجنس والدم ، ولم يصبح قانون البقاء للدم الأنقى قائما وأصبح البقاء للأذكى والأشد قلة احترام للإنسان وحقوق .
        أنا أرى في مثل هذه الأبحاث النظرية إضافة فكرية فحسب غير قابلة للاستفادة العملية منها ، ، وغير قادرة على الإسهام العملي التطبيقي في تغير فكري بأي قدر من المحدودية في عالمنا العربي ، وتدخلنا في قولبة اصطلاحات يهز الكثيرون رؤوسهم فهما وهم لا يفهمون ما يقرؤون ، جهد نظري راق يحسد الكاتب عليها ، ويحسد أيضا على المنهج العلمي المبني على الفلسفة المقارنة وتطبيقاتها العملية ، ولكن ليس في مجتمعاتنا ، فنحن نعيش عصر شعار نحن أمة الحضارة والثقافة والعلم ونحن لسنا كذلك البتة !!
        الأستاذ عبد الرحيم محمود؛

        الحمد لله الذي مكن نجمك من السطوع هنا، في سطور مشرقة، وضاءة، كاشفة، واصفة، بينة.

        إلاأنني قد لا أتفق معك فيما لونته بالأحمر ذلك لوجود منتديات علمية شقت سبيلها من رؤية إسلامية، تدثرت بالحداثة، في جرأتها ونهضتها وانعكس ذلك على فكرها الذي واجهت به الحداثة المادية الملحدة، ودحرتها بأفكار مبتكرة علمية دقيقة، وحتى لا يكون كلامي رجما بالغيب أشير على سبيل المثال إلى ملتقى الفيلسوف المغربي : د. طه عبد الرحمن ومركز بحوثه العلمية؛ فضلا عن مركز الأبحاث والعلوم الإنسانية بوجدة.

        الأستاذ علي متقي له به صلة عن قرب، وحبذا لو يتولى شرح وجهة د طه عبد الرحمان والذي اعتمد أسلمة الحداثة مبدأ وسار على ركبها تحذوه مجموعة من الباحثين في في منبره العلمي.
        التعديل الأخير تم بواسطة محمد جابري; الساعة 13-12-2009, 19:45.
        http://www.mhammed-jabri.net/

        تعليق

        • علي المتقي
          عضو الملتقى
          • 10-01-2009
          • 602

          #5
          الأستاذ الفاضل عبد الرحيم محمود : السلام عليكم:
          الدراسة بحث في الخلفيات الفلسفية التي استمدت منها الحداثة العربية مبادئها وأسسها ودعوتها إلى الفردانية . هذه الحداثة التي ما زال لها حضور قوي في ثقافتنا العربية، وفي مقرراتنا المدرسية و الجامعية ،بل إن رائدها والمنظر لها منذ الخمسينيات إلى اليوم الشاعر علي أحمد سعيد أدونيس ـ مرشح العرب الوحيد منذ سنوات لجائزة نوبل للآداب ـ ، ما زال يملأ الدنيا و يشغل الناس ، ولا يجتمع لغيره ما يجتمع له من جمهور ثقافي إذا ما حل بقاعة من القاعات الثقافية . ولا يمكن فهم هذا الاتجاه الأدبي ما لم نعرف خلفياته الفلسفية و الأيديلوجية.
          من هنا ، فغاية الدراسة التعريف بهذه الخلفيات ، وبطبيعة المجتمع الذي أنتجها ، وأسباب فشلها في الوصول إلى ما كانت تطمح إليه في الخمسينيات والستينيات ، وهذا ما تؤكده الفقرة الأخيرة من الدراسة المكتوبة بلون مغاير ،وستتلوها دراسة أخرى بعنوان : ماذا تبقى من الحداثة اليوم تتمحور حول التحول الذي عرفه هذا الاتجاه في الثقافة العربية و التنبؤ بمآله المستقبلي.
          أما الفلسفة الوجودية من نيتشه حتى جان بول سارتر فقد حققت وظيفتها في المجتمع الذي أنتجها ، وفشلت الاتجاهات العربية التي استوردتها في تحقيق مطامحها في ثقافتنا ومجتمعنا العربيين للأسباب الذي أشارت إليها الدراسة في فقرتها الأخيرة ، ولأنها تحولت من فلسفة إلى مجرد أيديلوجيا .
          احترامي وتقديري لكل الآراء موافقة ومخالفة .
          التعديل الأخير تم بواسطة علي المتقي; الساعة 13-12-2009, 21:12.
          [frame="1 98"][align=center]أحبتي : أخاف من كل الناس ، وأنتم لا أخافكم، فالمجيئ إليكم متعه، والبحث عنكم فتنة ولذه، ولقاؤكم فرحة تعاش ولا تقال.[/align][/frame]
          مدونتي ترحب بمن يطرق أبوابها:
          http://moutaki.jeeran.com/

          تعليق

          • محمد رندي
            مستشار أدبي
            • 29-03-2008
            • 1017

            #6
            أستاذنا الجليل الفاضل الدكتور علي المتقي ..
            ـ دراسة قيمة جدا تحيلنا على أخطاء الحداثة العربية ، وتعرفنا على أسباب فشلها ، وربما تشير ايضا إلى جذور نشأتها الأولى ،ورغم أنني كنت أود مناقشة الكثير من العناصر التي جاءت في هذه الدراسة ،، إلا أنني أود أولا طرح بعض الأسئلة على أستاذنا العزيز الغالي الدكتور علي المتقي على أمل أن أجد عنده الإجابة الشافية قبل أن أعود ..
            أستاذي العزيز ..
            أولا : هل نفهم من كلامكم دكتور أن التأريخ لحداثة الغرب يبدأ من الربع الأخير للقرن التاسع عشر؟
            ثانيا : هل نفهم من كلامكم أن الحداثة الأدبية في الغرب تستمد مرجعيتها من الوجودية فقط أو حتى أنها أبرز منابعها ؟
            ثالثا : هل يمكن أن نختصر محاولات الحداثة العربية في جماعة شعر فقط ؟
            مع الشكر والتقدير
            sigpic

            تعليق

            • علي المتقي
              عضو الملتقى
              • 10-01-2009
              • 602

              #7
              الأستاذ الفاضل محمد جابري : أكبر فيك حضورك الدائم في الملتقى ، ودفاعك المستميت عن مبادئك ووجهة نظرك . و إذا كان من خلاف بيننا ، ففي طرقة تقديم أفكارك ، والصفات غير المنتقاة التي تصف بها آراء وأفكار خصومك ( الاندحار و الغفلة و الشرود و التيه ) التي تجعلك تبدو ـ على غير حقيقتك ـ خصما عنيدا متشفيا لا مجادلا بالتي هي أحسن .
              إن الأفكار والآراء في العلوم الإنسانية والفلسفات الكبرى خاصة منذ العصر اليوناني إلى اليوم لا توصف بالصفات التي وصفتها بها ، كما لا تقوم بأنها صائبة أو خاطئة ، وإنما توصف بالتجاوز . فكل فلسفة جاءت لتجيب على أسئلة ملحة من أسئلة المجتمع الذي أنتجها . وحين يتم تجاوز هذه الأسئلة وتظهر أسئلة ملحة جديدة ، تدخل هذه الفلسفة الرفوف بعد أن أدت مهمتها ، لتظهر فلسفة جديدة تتجاوز الفلسفة الأولى . وهكذا دواليك.
              والفلسفة التي وصفتها بالاندحار والغفلة و الشرود والتيه ، لم تكن كذلك في مجتمعها ، فقد أدت مهمتها بامتياز ، و أخذت مكانها في تاريخ الفلسفة . وإذا لم يتحقق منها الشيء الكثير في ثقافتنا العربية الإسلامية ، فلأن الذين استوردوها ، استوردوها للإجابة عن أسئلة غير الأسئلة التي يطرحها المجتمع ، فظلت ثقافة النخبة تتداولها في أبراجها العاجية ، ولم تنزل إلى الشارع لتكون فلسفة المجتمع فتساهم في تطوره .
              إن أي فلسفة لم تستوعب طبيعة المجتمع العربي الإسلامي المعقدة بأميته المرتفعة وأسرته الممتدة وعقلية جماهيره الوصولية ، وطبيعة فهمه للدين ، وطريقة تدينه ، وتصوره لله عز وجل ، ثم تبنتها الدولة وعملت على الترويج لها وتحويلها إلى فلسفة مجتمعية عبر مؤسساتها المدرسية والجامعية والإعلامية ،لن تنجح في الخروج بهذا المجتمع من أزمته الخانقة ،وبالتالي تساهم في التغيير .
              فيما يخص المشروع الفكري لطه عبد الرحمان ستكون لي معه وقفة متأنية مستقبلا إن شاء الله .
              مع احترامي وتقديري لكل من يؤمن بفكر ويدافع عنه .
              التعديل الأخير تم بواسطة علي المتقي; الساعة 27-12-2009, 19:13.
              [frame="1 98"][align=center]أحبتي : أخاف من كل الناس ، وأنتم لا أخافكم، فالمجيئ إليكم متعه، والبحث عنكم فتنة ولذه، ولقاؤكم فرحة تعاش ولا تقال.[/align][/frame]
              مدونتي ترحب بمن يطرق أبوابها:
              http://moutaki.jeeran.com/

              تعليق

              • mmogy
                كاتب
                • 16-05-2007
                • 11282

                #8
                دكتور على المتقي
                نعتذر بشدة عن خضوع مشاركتك للمراقبة بطريق الخطأ
                تحياتي لك
                إنْ أبْطـَأتْ غـَارَةُ الأرْحَامِ وابْـتـَعـَدَتْ، فـَأقـْرَبُ الشيءِ مِنـَّا غـَارَةُ اللهِ
                يا غـَارَةَ اللهِ جـِدّي السـَّيـْرَ مُسْرِعَة في حَلِّ عُـقـْدَتـِنـَا يَا غـَارَةَ اللهِ
                عَدَتِ العَادونَ وَجَارُوا، وَرَجَوْنـَا اللهَ مُجـيراً
                وَكـَفـَى باللهِ وَلـِيـَّا، وَكـَفـَى باللهِ نـَصِيراً.
                وَحَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوكيلُ, وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاّ بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ.

                تعليق

                • علي المتقي
                  عضو الملتقى
                  • 10-01-2009
                  • 602

                  #9
                  أستاذنا الجليل محمد شعبان الموجي : الاعتذار من شيمة الإداريين العظماء المقتدرين الذين يرفعون من مكانة مخاطبيهم و إن تدنت .

                  ـ فيما يخص المراقبة القبلية ، شخصيا أنا أستحسنها ،لأنها ستحصن صفحات الصالون من الردود الانفعالية التي يمكن أن تصدر من أعضاء الصالون قبل غيرهم .لذا ، فأنا أنحني إجلالا وتقديرا وإكبارا أمامكم و أمام الإخوة المشرفين على الصالون الذين يخصصون وقتا ثمينا للاطلاع على الردود قبل الموافقة عليها ، وأقدر ثقتكم في ردودي ولن تكون إنفعالية أبدا ان شاء الله .
                  [frame="1 98"][align=center]أحبتي : أخاف من كل الناس ، وأنتم لا أخافكم، فالمجيئ إليكم متعه، والبحث عنكم فتنة ولذه، ولقاؤكم فرحة تعاش ولا تقال.[/align][/frame]
                  مدونتي ترحب بمن يطرق أبوابها:
                  http://moutaki.jeeran.com/

                  تعليق

                  • محمد جابري
                    أديب وكاتب
                    • 30-10-2008
                    • 1915

                    #10
                    الأستاذ د. علي متقي؛

                    الحمد الذي مكننا من جديد بالتواصل لإفادة والاستفادة، ولا حرمنا الله جليل توجيهاتك،
                    الفلسفة بصفة عامة ونظرتها للحياة، ما جاءت في حقيقتها إلا لترسم نهج المسير، وتستحوذ على أفكار الكثير من الناس.

                    ومن هذه الزاوية أراها بأنها جاءت لتزاحم التوجيهات الربانية بفكرها المنقطع الصلة بالله.

                    وإذا كانت رغبتها الحقيقية البحث عن حل لمشكل، كان من الأجدى والأنفع أن ندرس ما تعرضه الساحة الدينية والفكرية وحتى إذا لم نجد ما يرضي الضمير فيما هو موجود آنئذ يستساغ لنا أن نبحث عن أراء وأفكار يمكنها الإجابة على السؤال الملح.

                    فلولا العناد، والإعراض والتولي عن كتاب رب العالمين، ما كان لأي كان أن يدخل فلسفات ضالة ومنحرفة عن الشرع في جديته ونصاعة بيانه...

                    والنظرة للأراء على خط الطول الزمني منها أصدر أحكامي، فبالأمس القريب خرج علينا هنتنكتون ليؤازر مخطط الحزب الجمهوري، بعد استيراده لعبارة صراع الحضارات من د. مهدي المنجرة وركبت الصهيونية العالمية على خطه فنشرت كتابه وترجمته إلى 22 لغة وطبعت منه الملايين..

                    بينما كتاب المهدي المنجرة صاحب الفكرة الرئيسة لم يترجم بجهده الجهيد وجهد تلاميذه ومحبيه إلا لخمسة لغات لأن كتابه يكشف ألاعيب الصهيونية...

                    فها هي الصهيونية المتغلغلة في العالم ترينا كيف تنصر فكرا وكيف تدحر أخر، ومن لم يكن خبيرا بالتوجيهات التي تتابع الإصدارات وتتعقبها حتى في عقر بيتها (وقبل أن أن ينتشر الفكر ويكون له أصداء، من قبل اللوبيات التي تمنع أو تنصر فكرا معينا، وتتابعه حتى داخل المكتبات، في حرب للفكر الأخر بما أوتيت من قوة مال وتخطيط محكم) ما كان ليؤمن بكيفية حياة الأفكار وموتها، إذ الساحة وحدها ليست مقياسا نقيس به نجاح فكر أو اندحاره.

                    لم تعد حياة الأفكار وموتها كما كان ينظر إليها في عهد قريش : {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} [الطور : 30]

                    ليأتي الرد الرباني {قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُتَرَبِّصِينَ [الطور : 31] أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ [الطور : 32] }؛

                    هكذا يعبر عنها القرآن الكريم بأحلام، ونعبر نحن عنها بفلسفات كي نزين واجهات قوم طاغين!!!

                    أنستوي نحن وإياهم على أرضية سواء في نصرة فكرهم - رغم مع ما أعرف عنك أستاذي الكريم من توجه مستنير - ؟

                    ولعل هذا هو الحافز الحقيقي وراء الفكر الحداثي والذي تبناه في مجتمعاتنا مجموعة من المنظرين وما يوسف الخال إلا أحدهم ولا زال فكر د. محمد عابد الجابري، ومحمد أركون وغيرهما كثير ممن لم يستسلموا لفكر خفت، وبهت، وطواه الزمان في بيئته...

                    وخلاصة القول كل فلسفة لم تثبت جدارتها على خط الطول، وليس في ظرف زمني محدد لا يحق لها أن تقف في وجه فكر أثبت جدارته لقرون خلت.
                    التعديل الأخير تم بواسطة محمد جابري; الساعة 14-12-2009, 07:24.
                    http://www.mhammed-jabri.net/

                    تعليق

                    • خالد ساحلي
                      عضو الملتقى
                      • 19-10-2007
                      • 335

                      #11
                      السلام عليكم و رحمة الله
                      عرض شيق مقارنة و مقاربة بين المقولات و الإختلاف في الرأي يقرّب وجهات النظر.
                      ولو ان الوجودية تطرح فكرة الأسبقية بينها و بين الماهية التي طرحها افلاطون من آلاف السنين. كما ان الفلاسفة الوجوديون المؤمنون أمثال ياسبرز لهم آراء مهمة مناقضة لفلاسفة عاصروهم من أمثال سارتر.
                      الفلسفة جعلت من المجتمع الغربي يعمل على إخراج الذكاء من العقول ، بينما المجتمعات العربية و الاسلامية ترى فيها تخلفا وتعطي أذنها للأوامر و النواهي المستنبطة من ظاهرة الصوت و المكبرات.
                      تحياتي لكل أساتذتي الأفاضل.
                      [SIZE=5][/SIZE]

                      تعليق

                      • محمد جابري
                        أديب وكاتب
                        • 30-10-2008
                        • 1915

                        #12
                        المشاركة الأصلية بواسطة خالد ساحلي مشاهدة المشاركة
                        السلام عليكم و رحمة الله
                        عرض شيق مقارنة و مقاربة بين المقولات و الإختلاف في الرأي يقرّب وجهات النظر.
                        ولو ان الوجودية تطرح فكرة الأسبقية بينها و بين الماهية التي طرحها افلاطون من آلاف السنين. كما ان الفلاسفة الوجوديون المؤمنون أمثال ياسبرز لهم آراء مهمة مناقضة لفلاسفة عاصروهم من أمثال سارتر.
                        الفلسفة جعلت من المجتمع الغربي يعمل على إخراج الذكاء من العقول ، بينما المجتمعات العربية و الاسلامية ترى فيها تخلفا وتعطي أذنها للأوامر و النواهي المستنبطة من ظاهرة الصوت و المكبرات.
                        تحياتي لكل أساتذتي الأفاضل.
                        الأستاذ الفاضل حامد السحلي؛

                        شكرا على هذه الإثارة للفكر الوجودي، الذي يخرج لنا في كل حين بلباس جديد وتحت مسميات كثيرة، وقديما أخذنا القاعدة :

                        ما كان لله دام واتصل وما كان لغير الله انقطع وانفصل،

                        صحيح دوما النقد النزيه مرآة ننظر فيه وجوهنا بصدق وبغير خدوش ولا تورية، والقومة لله تحررنا من ارتباطنا بكل باطل أيا كان نوعه.

                        يستعمل غيرنا مصطلح ثورة - والثورة جنون البقرة حين تثار-، والقومة قيام رشد لأحقاق الحق وإزهاق الباطل وشتان بين الأمور...

                        فمن كان قائما لله عمل بمقتضى توجيهات ربه، ومن ركن لظالم توعده الله بالنار... وهنا افترقت الهمم، وبان كل إناء بما فيه.

                        فالوجوديون برزوا بعدة أسماء فتارة الدهريين، وتارة الوجوديين ,وتارة... ولكنها سلسلة لا ترتبط حلقاتها بعضها ببعض.

                        ولئن بدا أن الفلسفة أثمرت لدى الغربيين فماذا أثمرت:
                        فهل خرجت عن زخرف الأثاث والرئية...

                        { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِئْياً} [مريم : 74]

                        حضارة تقود إلى الخراب؟؟؟

                        فلا كانت،

                        بالأمس القريب كان هناك الاتحاد السوفييتي يعلم أطفال المسلمين بأن لا وجود لله، وأتساءل الآن أين بات هو؟؟؟
                        التعديل الأخير تم بواسطة محمد جابري; الساعة 14-12-2009, 11:42.
                        http://www.mhammed-jabri.net/

                        تعليق

                        • علي المتقي
                          عضو الملتقى
                          • 10-01-2009
                          • 602

                          #13
                          الأستاذ الفاضل محمد رندي: سعدت بتقويمكم للمقال ، وسعدت أكثر بأسئلتكم الدقيقة التي تنم عن اهتمام جدي بالموضوع.
                          إن الأسئلة التي طرحتموها تحتاج إلى وقت أطول ومراجعة لبعض التفاصيل حتى أتمكن من الإجابة عنها بشكل علمي أكاديمي ، وحتى يتوفر لي ذلك في القريب العاجل ، اسمحوا لي أن أبدي بعض الإشارات .
                          فيما يخص السؤال الأول : إن الحداثة الغربية لم تكن وليدة القرن التاسع عشر ، بل كانت وليدة قرون سابقة ، فقد ظهرت الحداثة العلمية والاقتصادية ، فأثارت أسئلة أجابت عنها الفلسفات الطبيعية والعقلانية والتجريبية الوضعية ، وكان لهذه الأسئلة والإجابات الفلسفية أثر كبير على الأدب ومناهج الدراسات الأدبية، فبدأ الحديث عن علمنة الأدب ، لكن تبِعات هذه الحداثة ونتائجها الاجتماعية المتمثلة في المدن الكبرى و الانسحاق الاجتماعي لفئة كبيرة من الطبقات العمالية و المتوسطة و تشيؤ الإنسان و السباق نحو التسلح وتخييم شبح الحرب على أوربا ،كل ذلك أدى إلى تدمر الناس من العلم والشك في قدرته على إسعادهم ، فظهرت الفلسفات الوجودية التي جاءت لتجيب عن أسئلتهم الملحة، وتجد حلا لمعضلاتهم الكيانية . ويعتبر الاتجاه الحداثي الغربي المعادل الفني لهذه الفلسفات . وقد وجد تجمع شعر في هذه الفلسفة خلفية نظرية وأيديلوجية يستند إليها لتأسيس مشروع مجتمعي و ثقافي عربي .
                          فيما يخص السؤال الثاني : لم تكن الفلسفة الوجودية المصدر الوحيد للحداثة الشعرية الغربية ، وإنما كل الفلسفات الذاتية كان لها الأثر الكبير على الأدب. لكن الفلسفة الوجودية كان لها الحظ الأوفر في تقاطعها مع الخلفيات النظرية للحداثة الشعرية الغربية والعربية .
                          فيما يخص السؤال الثالث " لم يكن تجمع شعر الممثل الوحيد للحداثة العربية ، وإنما هناك اتجاهات متعددة لكل منها تصوره للحداثة إلى درجة أننا نجد أنفسنا أمام حداثات متعددة ومتنوعة ومتعارضة في بعض الأحيان . ويمكن الحديث في الخمسينيات عن ثلاثة اتجاهات على الأقل :
                          1 ـ الاتجاه الواقعي : الذي تمثله الثقافة الوطنية اللبنانية الصادرة سنة 1952 ويستند تنظيريا إلى مرجعية واقعية اشتراكية . و أهم مرجع نظري له هو أوراق المؤتمر الثاني لاتحاد الكتاب السوفيات الذي انعقد بعد وفاة استالين ، وحضره حسين مروة أحد منظري هذا الاتجاه . ويمثل أدبيا هذا الاتجاه الباحثان الكبيران المرحومان محمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس في كتابهما المشترك في الثقافة المصرية ، وكذلك عبد الرحمان الشرقاوي . وتأثر بهذا الاتجاه الكثير من الشعراء الشباب مثل صلاح عبد الصبور في ديوانه الأول الناس في بلادي و عبد الوهاب البياتي في دواوينه الأولى .
                          2 ـ الاتجاه الثاني الاتجاه القومي اللبرالي : تمثله مجلة الآداب البيروتية الصادرة سنة 1953 برئاسة سهيل ادريس ، وقد وجد هذا الاتجاه في الفلسفة السارترية مرجعا نظريا يستند إليه، ويجيب على أسئلة المرحلة التاريخية العربية، لمزاوجته بين الحرية و المسؤولية ، ومن منظري هذا الاتجاه أنور المعداوي ومحي الدين صبحي الذي يقول معرفا الحداثة : هي التعبير عن الوعي الجمعي للأمة وفق أكثر الأشكال الأدبية أصالة و معاصرة للإبداع . ويعد هذا الاتجاه من بين الاتجاهات الذي استقطب العدد الأوفر من شعراء المرحلة لتبنيه القضايا القومية الكبرى .
                          3 ـ الاتجاه الثالث : الاتجاه الحداثي الذي تمثله مجلة شعر اللبنانية وهو الذي تزعمه أدونيس ويوسف الخال و أنسي الحاج وغيرهم ، ويستند إلى الفلسفات الوجودية الفردانية . يقول أدونيس معرفا الحداثة تعرفا مخالفا لتعريف صبحي : وتعني الحداثة فنيا تساؤلا جذريا يستكشف اللغة الشعرية ويستقصيها ،و افتتاح آفاق جديدة في الممارسة الكتابية ، وشرط هذا كله الصدور عن رؤيا فريدة للإنسان والكون .
                          والغريب أن كل هذه الاتجاهات لم تصمد طويلا ، فمجلة شعر توقفت سنة 1964 مصطدمة بما أسماه يوسف الخال بجدار اللغة . و الاتجاه القومي اصطدم بهزيمة 67 ليعلن في عدد جديد من مجلته عن طريق جديد . و الاتجاه الثالث سقط بسقوط جدار برلين .
                          هذه بعض الإشارات الخفيفة و أتمنى أن تتاح لي الفرصة ليكون الجواب أكثر دقة وأكثر علمية . دمت مميزا أخي محمد .
                          التعديل الأخير تم بواسطة علي المتقي; الساعة 27-12-2009, 19:16.
                          [frame="1 98"][align=center]أحبتي : أخاف من كل الناس ، وأنتم لا أخافكم، فالمجيئ إليكم متعه، والبحث عنكم فتنة ولذه، ولقاؤكم فرحة تعاش ولا تقال.[/align][/frame]
                          مدونتي ترحب بمن يطرق أبوابها:
                          http://moutaki.jeeran.com/

                          تعليق

                          • غسان إخلاصي
                            أديب وكاتب
                            • 01-07-2009
                            • 3456

                            #14
                            أخي الكريم علي المتقي المحترم
                            مساء الخير
                            سلمت يداك على هذا البحث الرائع ، وهذا الجهد المتميز ، وأريد هنا أن أسألك - لو سمحت - : أين أنت مما طرحت وطُرح هنا من أراء ؟ .
                            هل تعتقد أن ( ماكس استراينر ) كان مصيبا فيما ذهب إليه ؟ وإن كنت -بكل تواضع - أشك في جدوى توجّهه ! .
                            والنقطة الثانية :تقول : أن الجو كان مهيئا للترحيب بأفكار( نيتشة ) رغم أنه كان بقي مغمورا ومجهولا لمدة طويلة ، إذا : لا بدّ من وجود خلل في طريقة تفكير من رحّب بأفكاره، فما رأيك ؟ ، أو أن الواقع الذي عاشته أوربا في ذلك الوقت سياسيا واجتماعيا ودينيا قد دفعها لذلك ! .
                            الوجود المزيف ليس مصدرا للحقيقة هذا أمر بدهي ، وأظن أن( كيركجارد) قد كان مصيبا في استنتاجه ، والله أعلم .
                            لو سمحت : هل يمكن أن يصدّق إنسان عاقل انهيار المطلق ؟ أظنها تحتاج إلى تعقيب منك .
                            صدقت ! هناك تساؤلات كثيرة وجوهرية وعميقة سيثيرها انشغال الفلسفة الوجودية بالوجود الإنساني ، وهذا أمر حتميّ .
                            ياصديقي الغالي : إذا أين دور العقيدة في الإنسان ؟ لم توجد إشارة إليه ! .
                            إذا يريد الوجوديون نقل النفس من الواقع إلى فضاءات حالمة بعيدة عن الحياة ، هل هذا برأيك موضوعي ؟، وهل هي الغاية التي أراد الله من خلقه الإنسان أن يتركه هائما في الخيال ؟ تحتاج إلى توضيح من حضرتك .
                            أضف إلى ذلك : -كيف بربك-( الحقيقة تزداد كلما نقص اليقين الموضوعي ) ؟ ، ونحن نعيش في هذه الحياة التي ترشدنا وتدلّنا على حقائق يقينية بموضوعية الخلق وعظمة الخالق التي لامثيل لها ! .
                            لو راجعنا ما قاله الفلاسفة الوجوديون عن أسبقية الوجود على الماهية: لوجدنا أنهم يدورون حول حقائق فلسفية يمكن تبسيطها للوصول إلى حقيقة الحياة الإنسانية دون تعقيداتهم الميتا فيزيقية .
                            وهل يمكن أن نقدّم شعرا مبدعا في ظلّ تعطيل العقل وتحرير الخيال ؟ أشكّ في ذلك .
                            إذا : هم يريدونه فوضويا هلاميا .وهذا ماجنوه على مجتمعهم الذي يذوي خُلُقيا لا علميا
                            اسمح لي : أرفض كثيرا مما جاء في الحداثة لعدم مواءمتها مع معتقدنا .
                            أخيرا ، اسمح ليس بسؤال : مالذي قدّمته الحداثة للمجتمع الأوربي المتهتك أخلاقيا واجتماعيا ؟ ربما تكون استفادت منها علميا وتقنيا لكن ، ماالنتيجة التي حصدوها على أرض الواقع عقيديا وخُلُقيا واجتماعيا وسلوكيا ؟ .
                            قال الله تعالى : ( وأما الزبد فيذهب جُفاء ) صدق الله العظيم .
                            جزيت خيرا .
                            تحياتي وودي لك ، ولجميع الإخوة الذين أثروا الموضوع .
                            دمت بخير .
                            (مِنْ أكبرِ مآسي الحياةِ أنْ يموتَ شيءٌ داخلَ الإنسانِِ وهو حَيّ )

                            تعليق

                            • د. م. عبد الحميد مظهر
                              ملّاح
                              • 11-10-2008
                              • 2318

                              #15
                              [align=right]
                              أخى العزيز د. على المتقي

                              السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                              مخافة أن تتفرع القضايا اقترح تقسيم المقالة إلى عدة موضوعات جزئية تقسيماً يمكننا أن نرى التشابك بين هذه الأقسام. و لتوضيح ذلك

                              أولاً: عنوان المقالة

                              الخلفيات الفلسفية للحداثة العربية

                              يوحى العنوان انك ستناقش ...الحداثة العربية أولاً ثم تتبعها بوضع الخلفيات الفلسفية.و لكن المقال لم يسر فى هذا الإتجاه. تكلم عن الشعر الحداثى والفلسفة الوجودية

                              00- بدأت المقالة بالشعر كصنف أدبى كمثال للحداثة العربية ، و أخذت اتجاه " تجمع شعر " كممثل أساسى للشعر الحداثى
                              [/align]
                              1 ـ استمد تجمع شعر ـ الذي حمل لواء الحداثة العربية ـ
                              ومن هذا يفهم أن الحداثة العربية فى المقالة هى الشعر الحداثى.

                              00- بعد ذلك تكلمت على خلفية واحدة مؤثرة على الشعر الحداثى الذى يمثلة "تجمع شعر"
                              تصوره ومفهومه للشعر من حقول معرفية متعددة منها ما هو شعري، ومنها ما هو فلسفي. وقد كان للاتجاه الوجودي الأثر الكبير على هذا التجمع إلى درجة تسمح بالقول: إن مجلة شعر أعادت إنتاج الفلسفة الوجودية شعرا[1]. وقد عبر منظروها أكثر من مرة عن العلاقة بين الفلسفة والأدب

                              و لم تذكر باقى الفلسفات ( غير الوجودية) المؤثرة فى الشعر الحداثى ، ولم تشر إلى مدارس شعرية أخرى

                              00- عممت وربطت الشاعر بالفيلسوف
                              ، إذ أن الشاعر كالفيلسوف " يذهب في انطاقاته إلى كشف النقاب عما يقلقه كإنسان"[2]. ونختزل نقط تقاطعهما في المحاور الآتية :
                              .1 : ارتباط الحقيقة بالتجربة الفردية المعيشة.
                              .2 : الإنسان محور هذه التجربة وموضوعها الوحيد.
                              .3 : رفض العقل بوصفه أساس الحقيقةومصدرها.
                              .4 : أسبقية الوجود على الماهية .
                              فكيف عبرت الوجودية عن هذه المقولات؟ وكيف تعاملت معها مجلة شعر ؟
                              الأقباس هذا يحتاج مناقشات مع الشعراء حول صحته ، و هنا سؤال:..
                              هل ما تقصده من الشاعر هنا ينطبق على كل الشعراء ؟ أم بعض شعراء الحداثة فقط؟

                              00- بعد ذلك تكلمت عن العلم الطبيعى
                              منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر بدأ الفكر الأوربي يشكك في العلوم الطبيعية وطرق البحث العلمي، وبدأ الاهتمام يزداد بمجموعة من الظواهر القابلة للنقاش، وخاصة تلك المتعلقة بالفرد وطبيعته الشخصية، وكل ما هو خفي وغامض وغير عقلاني.
                              و أعتقد ان هذا غير دقيق علميا من عدة نواح و يحتاج مراجعة و خصوصا "تشكيك الفكر الأوربى فى العلوم الطبيعية و طرق البحث العلمى" ( راجع التأييد لنظريات فرويد و ينج فى التحليل النفسى، ومندل فى وراثة النباتات، نظرية التطور لداروين ، ونظريات العلوم الإجتماعية التى حاولت تطبيق التفكير الفزيائى على علم الإجتماع، وظهور الفلسفة الوضعية و حلقة فينّا و التركيز على ان وظيفة الفلسفة هى خدمة و تفسير العلم الطبيعى)

                              00- بعد ذلك أعتمدت على كتاب وحيد لتصوير وجود إتجاه عام فيما قلته...
                              وقد ظهر كتاب ماكس استراينر " الفرد وصفاته المميزة " ليزيد من هذا الاهتمام. فقد دعا إلى مبدأ الفوضوية المرتبط بالحرية الفردية، كما دعا إلى إطلاق العنان لقدرات الإنسان الذاتية التي يسيرها فهم الإنسان لذاته.
                              00- و عودة للربط غير الدقيق بين العلم والفلسفة

                              وحتى حدود التسعينيات من القرن التاسع عشر كان الاعتماد في دراسة هذه الظواهر على الطرق العلمية التقليدية التي تسرب إليها الشك. فبدأت مواجهتها بتوجه آخر دشنه الفيلسوف الألماني نيتشه الذي يعد أحد المصادر الأساسية للفلسفة الوجودية.
                              لقد كان الجو العام مهيئا للترحيب بأفكار نيتشه الذي ظل مغمورا ومجهولا مدة طويلة. فقد لقيت قناعاته بضرورة إعادة النظر في جميع القيم الإنسانية تجاوبا مع طموحات الإنسان الأوربي في تلك المرحلة.
                              لقد رفض نيتشه إلى جانب مجموعة من المفكرين كل مسلمات القرن التاسع عشر، فدعا إلى تحطيم الأنظمة والأنماط والمطلقات العلمية والقوانين التي تحكم الحياة العامة. وقد تلت هذه المرحلة مرحلة أخرى تهدف إلى إعادة تنظيم شظايا المفاهيم المحطمة. وأخيرا صارت القضايا الفكرية في طريق الامتزاج والذوبان لتنتج شيئا جديدا لِما تم تحطيمه، ويكون قادرا على جعل إدراك الظواهر المعقدة والمحيرة للحياة المعاصرة ممكنا[3].
                              وهنا بعض الغموض فى التفريق بين الفلسفة ومناهجها و العلم ومناهجه ودخول الأدب ، مع العلم بما قام به ديكارت و بيكون لتوضيح المنهج العلمى فى ذلك الوقت. ، وجون ستيورات مل فى كتابه عن المنطق

                              00- بعد ذلك دخلنا فى موضوع يساعد على تشتت الموضوع الإصلى و ذلك موضوع الفلسفة الوجودية و قضايا الوجود والماهية و...مما ظهر رد فعله فى بعض المداخلات ، مع ذكر كلمة العلم والميتافيزيقى

                              ونتيجة التغير الكبير في نظرة الناس إلى العالم، ازداد الاهتمام بالمقولات السابقة . وسنحاول مقاربتها من منظور الفلسفة الوجودية.
                              ـ تتميز هذه الفلسفة بطابعها الشخصاني، إذ تنطلق بكل اتجاهاتها من تجربة حية معيشة. فقد ميز فلاسفتها بين نوعين من الوجود: وجود مزيف ووجود أصيل. فالوجود الأول هو الوجود اليومي الذي تنطمس فيه الجوانب الشخصية الأصيلة لتهيمن عليه أفكار وآراء واختيارات وقرارات الجمهور أو القطيع أو عالم الناس أو الجمع[4]. وهذا النوع من الآراء يتميز بانعدام المسؤولية والوسطية والثرثرة والهشاشة ووحدة النوع المتجانس. لذلك يرى الوجوديون أن هذا النوع من الوجود لا يمكن أن يكون مصدرا للحقيقة ومنبعا لها. إذ الحقيقة تعاش وتكون مع الإنسان ولا وجود لها خارجه. أو كما قال كيركجارد " لابد لي وأنا أعاني الحياة أن أصير أنا نفسي قاعدة لسلوكي بفضل تلقائية عقل وقلب مؤاخيين للحق والخير. وبهذا تصبح الحقيقة حقيقتي أنا، إذ لا وجود لحقيقة بالنسبة للفرد إلا ما ينتجه هو نفسه أثناء الفعل"[5]. وهذه الحقيقة الذاتية الفردية هي التي يمكن الالتزام بها والمخاطرة بكل شيء في سبيلها دون أن يترك الإنسان لنفسه ملاذا أو مهربا منها.
                              ولتأكيد هذا التصور والدفع به إلى أقصاه، أعلن نيتشه انهيار المطلق، ليصبح العالم إنسانيا والتاريخ كذلك. ولن يبقى وجود لأي حقيقة إلا حقيقة الإنسان. ولأن هذا الإنسان لم يبق له مطلق يتكل عليه ويركن إليه، فلا خيار له إلا أن يختار ذاته ليتجاوزها بشكل دائم إلى ما وراءها، إلى "الإنسان الأعلى" الذي يشكل بالنسبة لنيتشه مستقبلا لا يمكن اللحاق به. وبذلك يكون الإنسان وثبة نحو ممكن ينفلت منه انفلاتا أبديا لأنه في حالة صيرورة لا تكتمل مطلقا، ففي ماهيته نقص دائم. والموت وحده ـ كما يرى هايدجرـ هو الذي يصل به إلى نهايته. إنه حسب تعبيره "الإمكان الشخصي إلى أقصى درجة، والذي ينهي كل علاقة إلى أقصى درجة، والذي لا يمكن تخطيه على الإطلاق"[6]. وهذا المصير هو الذي دفع بالإنسان إلى أن يوجد وجودا مزيفا، فيسقط في الوجود اليومي بكل خصائصه السابقة. وعلى الإنسان لكي يكون وجوده وجودا أصيلا أن يعي ذاته، وأن يختار الانسحاب من الوجود المزيف عن وعي، أي أن يكف عن الثرثرة، وأن يختار التوجه نحو القلق في صمت. وهذا الاختيار هو الاختيار الأصيل الذي يصطلح عليه هايدجر ب"التصميم" الذي يهب الإنسان وجودا أكثر حقيقة وأكثر أصالة. وبفضل هذا التصميم أيضا، يقبل الإنسان مصيره بشجاعة، ويقوم بدوره في الحياة بعزم.
                              إن انشغال الفلسفة الوجودية بالوجود الإنساني ـ أحواله وأفعاله ـ سيؤدي لا محالة إلى إثارة تساؤلات حول مجموعة من القضايا ذات الصبغة الميتافيزيقية؛ ذلك أن الوجوديين على الرغم من رفضهم للميتافيزيقا التقليدية وتساؤلاتها، فهم يعون حدود العلم، وما يمكن بلوغه بواسطة مناهجه، إذ " لا ينتج العلم معرفة للموجود ذاته، بل إنه لا يستطيع أن يقدم لنا سوى معرفة بالظواهر أو الموضوعات الجزئية داخل النظام المتناهي. وهو لا يستطيع أن يضفي على الحياة معناها أو أهدافها أو قيمها أو اتجاهاتها "[7] .
                              وهل تغيرت فعلا نظرة الناس للعالم أم الذى تغير هو نظرة الفلاسفة؟ و كم من الناس يقرأ للفلاسفة؟

                              00- بعد ذلك عرجت المقالة لتلخيص بعض القضايا الميتافيزيقة فى الفلسفة الوجودية

                              ومن القضايا الميتافيزيقية التي أولاها الوجوديون اهتمامهم:
                              ـ الاهتمام بالوجود الإنساني في بعده الشامل، وكذا بمواقفه الحرجة وحدوده القصوى. إن هذه المواقف وهذه الحدود هي التي تصل بالإنسان إلى تحقيق رؤيته الوجودية للوجود ، إلا أن هذه الرؤية وما يكتسبه الإنسان من خلالها من معرفة ليس لها نفس الوضع المعرفي للأشياء والحقائق والمعارف الواقعية والمألوفة ؛ إذ لا يمكن البرهنة عليها حتى ولو تضمنت نوعا من الكشف أو الإيضاح. لذلك يدعو الوجوديون الآخرين إلى أن يعيشوا معهم تجربتهم ليصلوا إلى النتائج نفسها ." إن هذا التفكير الانطولوجي الذي يتشكل بعمق حسب المشاعر والحالة المزاجية، والذي يعبر عن نفسه في لغة تثير أكثر مما تصف ليس ضربا مألوفا من المعرفة. فهو يشبه تلك التجارب الدينية كالوحي والرؤية الصوفية أو التجارب الجمالية التي تدرك الأشياء في أعماق علاقاتها المتبادلة "[8] .
                              ـ البحث عن الحقيقة النهائية: إن دافع البحث عن هذه الحقيقة دافع وجودي أساسا. ولأن الحقيقة النهائية التي يمكن الالتزام بها والمخاطرة بكل شيء في سبيلها لا يمكن البرهنة عليها أيضا، فقد وجدها الوجوديون في الحقيقة الذاتية الفردية. يقول كيركجارد :" إن عدم اليقين الموضوعي الذي تتخذه النزعة إلى الباطل متشبثة به في أشد حالاتها حماسا (...) تلك هي الحقيقة (...) الحقيقة العليا التي يمكن أن تكون لذات موجودة "[9] . من هنا، فالحقيقة تزداد كلما نقص اليقين الموضوعي. ويراها كيركجارد في الإيمان في أسمى صوره ؛ ذلك أن الإيمان بوصفه حقيقة لا يفرض من الخارج، ولا يبرهن عليه بالعقل الخالص، ولا يتمتع بأبسط يقين. إنه يستمد من معاناة العمل والحياة، ويصدق به الموجود نفسه من حيث هو موجود.
                              ـ أسبقية الوجود على الماهية: يتفق الوجوديون على أن الإنسان في حركة دائمة قوامها الانفصال عن الماضي والحاضر والاتجاه نحو المستقبل. لذلك ليس له وجود موضوعي يحدد ماهيته من البداية إلى النهاية؛ وإنما تتوقف هذه الماهية على سلسلة أفعاله واختياراته. ولكي يختار ويفعل لابد أن يوجد، لذا، قالوا بأسبقية الوجود على الماهية. فالإنسان عند سارتر لا يشبه الأشياء المصنوعة. وفي هذا الاتجاه، يسير كيركجارد حين يؤكد أن الوجود لا يمكن أن يرد إلى مجموعة من الأفكار القابلة للمعالجة العقلية، وكذلك نيتشه في فكرته القائلة بأن الإنسان يتجه نحو الإنسان الأعلى. فالإنسان عند هؤلاء جميعا غير مكتمل وغير تام. ولا وجود لصفات محددة تحدد وجوده. إنه الموجود الوحيد الذي يتدبر ما يريد فعله، وما يريد أن يصبح عليه.
                              و هنا سؤال: هل الشعر الحداثى يتعرض لكل هذه القضايا؟ وهل هناك دراسات مفصلة للشعر الحداثى لمعرفة الموضوعات التى طرحها؟

                              00- و الآن عودة للحداثة ، وهنا تعريف للحداثة بعيدا عن فلسفة الوجود و هى الخروج عن المعايير المألوفة والقواعد لكتابة الشعر.
                              .2 : الحداثة : من العام إلى الخاص، من الفلسفة إلى الأدب : لم يكن الأدباء والشعراء منهم بشكل خاص بعيدين عن التغيير الشمولي الذي عرفه الفكر الأوربي الحديث في القرن التاسع عشر. فقد ساهموا فيه ودفعوا به خطوات كبرى في مجالات اهتمامهم ."فقد أصبح الشعر صراعا لا هوادة فيه مع الكلمات والمعاني، كما أصبح إجهادا وتعذيبا للقوى العقلية من أجل الوصول إلى مرحلة الإدراك. وضربت التعريفات القديمة والتقليدية لمعنى الشعر عرض الحائط . ولم يعد الشعر فيضا عفويا لمشاعر عفوية، أو أجود الكلمات في أجود نسق، بل أصبح يقول ما لا يقال، أي أعطيت له خاصية المرونة العقلية "[10]
                              .


                              00 -عودة مرة أخرى للشاعر، ولكن من المقالة يبدو ان المقصود هوالشاعر الحداثى و ليس كل شاعر، فهل هذا الفهم سليم؟

                              أما الشاعر، فأصبح ينظر إلى العالم بوصفه" مجموعة من العلاقات المتشابكة التي تهمه وحده"[11]، واعتبر نفسه منسق تلك العلاقات معتمدا في ذلك على الأسطورة التي عملت على تعطيل العقل وتحرير الخيال، والاستعارة التي تخلق العلاقات بين الأشياء المتناقضة حتى تلائم التفكير الجديد. يقول إليوت :" يقوم عقل الشاعر بعملية الخلط الدائم للتجارب المتباينة. تتسم تجارب الإنسان الاعتيادي بالفوضى واللاتنظيم والتفكك، فهو (أي الإنسان الاعتيادي) يحب ويقرأ (سبينوزا) ويسمع صوت الآلة الكاتبة، ويشم رائحة الطعام المطبوخ في آن واحد، إنها تجارب يربطها ببعض رابط. أما الشاعر فيستطيع التجاوب مع كل هذه التجارب في آن واحد ليخلق منها كلا جديدا " [12] .
                              00- و الآن إلى التعميم...تعميم كل أدب بالتأثر بهذا الجو الذى فى معظمه يدور فى فلك الفلسفة الوجودية. و السؤال هنا عن صحة هذا الاستنتاج

                              ولم
                              يسلم أي اتجاه أدبي من التأثر بهذا الجو العام. ويختزل هذا النص لمالكم برادبري وجيمس ماكفارلن هذا التأثر العام: " كانت تبريرات تلك الحركات متشابهة: فقدان الإيمان بالواقع الملموس في الكلمة وفي اللغة السائدة، والانبهار باللاوعي، والاهتمام بضغوط البيئة الصناعية، وتزايد وتائر التغيير، والرغبة في اكتشاف بناء فني مهم من فوضى الحياة ."[13] .


                              00- هنا مربط الفرس...الحداثة الشعرية العربية و علاقتها بحداثة الغرب و تبنيها لما جاء من الغرب

                              .2 :الحداثة: من الآداب الغربية إلى الآداب العربية: يتصور تجمع شعـر الحداثة مشروعا حضاريا شاملا نتج عن "عقلية حديثة تبدلت نظرتها إلى الأشياء تبدلا جذريا وحقيقيا انعكس في تعبير جديد"[14] . وتنبني على الأسس الآتية[15]:
                              ـ إخضاع الطبيعة للإنسان ما دام هو سيدها والقادر على فك مغاليقها.
                              ـ إن القوانين والمبادئ والنظم المعرفية هي من وضع الإنسان. ويجب أن تكون في خدمته لا أن يكون هو عبدا لها، وله كامل الحرية في تغييرها أو تعديلها.
                              ـ إن العالم في صيرورة مستمرة، وسنكون غير حديثين لو وقفنا في وجه هذه الصيرورة واعتقدنا أن ليس أبدع مما كان .
                              ـ إن العالم( لا يحكمه نظام إلهي أبدي، بل هو من صنع الإنسان.) فهو مقياس كل شيء وعليه أن يعيد بناءه على صورته.
                              ـ لن يتأتى للإنسان أن يصنع ويفعل ما يشاء، إلا إذا كان يمتلك حريته، وفي مقدمتها الحرية الشخصية وحرية الفكر والتعبير.
                              إن هذه الأسس تستند إلى مرجعية نظرية فلسفية غربية. فمنذ الوهلة الأولى يتضح ذلك التطابق شبه التام بين هذه الأسس ومبادئ الفلسفة الوجودية التي سبق الحديث عنها (جعل الإنسان موضوعا للمعرفة ـ انهيار المطلق ـ أسبقية الوجود على الماهية) .
                              و أعتقد ان المقال حتى الآن يتكلم عن الشعر الحداثى و الفلسفة الوجودية و انتقال مفهوم الحداثة الغربية المتمثلة فى الشعر و المتأثرة بالفكر الفلسفى الوجودى الغربى إلى بعض شعراء العرب و تبنيهم لها

                              و اتوقف هنا على أمل ان اكمل تقسيم المقال ، وعلى أمل يناقش كل محاور القضايا بطريقة منهجية تجنبنا للتشتت بين....

                              -- الشعر و قضايا الوجود والكون و الحياة و الإنسان
                              -- الفلسفة و قضايا الوجود والكون و الحياة و الإنسان

                              -- علاقة الشعر بالفلسفة

                              --الفلسفة و قضايا الوجود الكون و الحياة و الإنسان
                              -- الدين و قضايا الوجود الكون و الحياة و الإنسان

                              -- علاقة الدين بالفلسفة

                              --العلم و قضايا الوجود الكون و الحياة و الإنسان
                              -- الدين و قضايا الوجود الكون و الحياة و الإنسان

                              - علاقة الدين بالفلسفة والعلم


                              وتحياتى


                              التعديل الأخير تم بواسطة د. م. عبد الحميد مظهر; الساعة 14-12-2009, 22:00.

                              تعليق

                              يعمل...
                              X