الخلفيات الفلسفية للحداثة العربية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • منجية بن صالح
    عضو الملتقى
    • 03-11-2009
    • 2119

    #16
    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته


    الى الأساتذة الأفاضل
    قرأت ما جاء في تدخلاتكم و أسمحوا لي بهذه المشاركة البسيطة من قارئة عادية جدا لقد شدني العنوان و قمت بقراءته من اليسار إلى اليمين و هذا إدراكي لما أردتم قوله , يمكن أن أكون مخطئة و أرجو التصحيح
    عندما نقول الحداثة العربية يعني أننا جردنا المنطقة العربية أو الفكر العربي من خلفيته الدينية و التي هي مرجعيته الأساسية في التعامل على المستوى الفردي و الجماعي بعد هذا التجريد نجد أنفسنا أمام فراغ إيديولوجي يجعلنا نتطلع إلى ما حولنا لنستورد الفكر و القانون حتى نرسي قواعد جديدة تسير بمقتضاها الحياة الاجتماعية الاقتصادية و السياسية هكذا تصبح الحداثة حداثات و تتجلى مفرداتها على جميع الميادين الأدبية الفكرية التعليمية الاجتماعية..... إلى غير ذلك من الميادين
    و أقول أن الفكر المادي قد نجح في تحريف الكتب السماوية ثم دخل عالم الفلسفة و الايديولجيات السياسية و الاقتصادية حتى يستطيع أن يواجه المضاعفات الحادثة على جميع المستويات و الذي هو السبب الرئيس فيها و بما أننا مستوردون من الطراز الراقي و العملة الصعبة متوفرة لدينا ألا وهي العقل الذي وقع تجريده من الدين و الذي يعتبره الكثير تخلف لا يواكب العصر نجد أنفسنا من أنجب المستوعبين لهذا الفكر و نقوم بتطويره حتى يتكيف مع البيئة و المحيط البشري في العالم العربي
    فالحداثة العربية إذا تقوم على خلفية فلسفية من صنع الفكر المادي البحت الذي لا يعترف بالدين و لا بالغيب الرباني الفاعل في كل شيء : الفرد المجتمع الكون بل يعتبر نفسه هو القادر على تغيير المجتمعات على كل المستويات الفكرية التعليمية الاقتصادية الاجتماعية ....... بالمنطق الديني أقول انه النمرود الذي قال انه يحيي و يميت
    و أسمحو لي أن أتواصل مع ما قاله د.م.عبد الحميد مظهر حول القلم و فاعليته كسلاح حرب أو سلام و رأيت فيه امتدادا لهذا الموضوع
    أقول أن الله علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم حتى يكون القلم سلاحا ينشرالحب و السلام و كل ما خرج عن العلم الرباني و حاربه بارساء أسس لفكر آخر لا يمكن أن يكون قادرا على بناء الانسان و لا المجتمعات بناء سليما يشيد الحب لا الحرب و ما علينا الا أن نقرأ واقعنا قراءة موضوعية
    هذا فهمي البسيط لعنوان المقال كقارئة و مثقفة عادية ليس لها خلفية ايديولوجية معينة
    مع تحياتي و تقديري
    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

    تعليق

    • علي المتقي
      عضو الملتقى
      • 10-01-2009
      • 602

      #17
      الأساتذة الأفاضل خالد ساحلي غسان إخلاصي عبد الحميد مظهر منجية صالح محمد جابري : قرأت بإمعان ما ورد في تدخلاتكم وردودكم ، وتأملت التساؤلات الواردة في هذه الردود ، وستكون لي وقفة معها بعد عودتي من رحلة علمية في بداية الأسبوع القادم إن شاء الله . شكرا جزيلا على اهتمامكم وجميل صبركم .
      التعديل الأخير تم بواسطة علي المتقي; الساعة 16-12-2009, 05:01.
      [frame="1 98"][align=center]أحبتي : أخاف من كل الناس ، وأنتم لا أخافكم، فالمجيئ إليكم متعه، والبحث عنكم فتنة ولذه، ولقاؤكم فرحة تعاش ولا تقال.[/align][/frame]
      مدونتي ترحب بمن يطرق أبوابها:
      http://moutaki.jeeran.com/

      تعليق

      • علي المتقي
        عضو الملتقى
        • 10-01-2009
        • 602

        #18
        الفاضل غسان إخلاصي : السلام عليكم وبعد

        أثرتم مجموعة من الأسئلة حول هذا الموضوع ، سأحاول مقاربتها سؤالا سؤالا .وقبل ذلك اسمح لي أن أكشف عن خلفيات مقالي ومراميه .


        إن المقال لايتوخى تقويم الفلسفة الغربية الوجودية ومناقشتها و إبراز مغالطاتها إن كانت لها مغالطات . و إنما موضوعه هو الحداثة العربية ، وتحديدا التعريف بمصادرها الغربية التي كانت المستند و المرجع الذي اعتمدته في بناء تصورها النظري . وما يجب الاهتمام به ومناقشته في نظري هو: هل وُفقت الحداثة العربية في هذا الاختيار؟ ألم يكن هذا الاختيار سبب فشلها في تحقيق حلمها بسبب إجابته عن أسئلة غير الأسئلة التي يطرحها المجتمع العربي .


        أما مناقشة الفلسفة الغربية و الحكم بلا جدواها ،فهذا أمر لا أستطيع أن أخوض فيه، فأنا لست رجل فلسفة بل دارس أدب . و التاريخ يشهد أنها أفادت أوروبا وحققت التوازن بين الشخصاني و العقلاني . و أجابت عن كل الأسئلة التي كانت مطروحة في عصرها من طرف مجتمعها .



        فيما يخص السؤال الأول : هل تعتقد أن ( ماكس استراينر ) كان مصيبا فيما ذهب إليه ؟ أعتقد أن المفكر لا يكتب حسب هواه ، و إنما يكتب ليجيب عن أسئلة ملحة تشغله وتشغل المجتمع الذي يتقاسم معه قاسم الولاء،. فقد ظهر هذا الكتاب في مرحلة تدمر فيها الناس من العلم بعد هيمنة الوضعية ردحا من الزمن، و أحسوا أنه لن يسعدهم كما توهموا في البداية، فجاء الكتاب ليعيد للإنسان قيمته كإنسان بدلا من أن يصير جزءا من آلة علمية لا تتوقف عن الاشتغال . فالدعوة إلى الفوضوية جاءت كرد فعل ضد التقنين العلمي والروتين الناتج عن العمل كالالة كل يوم ، وهي دعوة إلى التخلص من ميكانيكية الحياة التي طبعت المجتمعات الأوروبية كلها . ولا يجب أن يفهم من الفوضوية معناها القدحي ، و إنما المعنى الإيجابي التي تترك للإنسان حدا مقبولا من الحرية في الاهتمام بذاته وإنسانيته بعد أن جردها منه العلم الوضعي . لذا لا أرى كتاب ماكس الذي قرأتٌ عنه و لم أقرأه بدون جدوى ،بل جاء في مرحلته و أجاب عن أسئلة عصره .


        السؤال الثاني فيما يخص أفكار نيتشه : يجب أن تقرأ في سياقها التاريخي وفي شموليتها وكل غياب لهذا السياق أو قراءتها مجزأة سينتج عنه سوء فهم.وبدلا من أن نناقش نيتشه في أفكاره، نناقش الحداثة العربية التي حملت هذه الأفكار ضمن مشروعها لتساهم في بناء مجتمع حداثي كما يتضح من هذه المسلمات التي كتبها يوسف الخال في كتابه الصغير الحداثة في الشعر

        ـ إخضاع الطبيعة للإنسان ما دام هو سيدها والقادر على فك مغاليقها.
        ـ إن القوانين والمبادئ والنظم المعرفية هي من وضع الإنسان. ويجب أن تكون في خدمته لا أن يكون هو عبدا لها، وله كامل الحرية في تغييرها أوتعديلها.
        ـ إنالعالم في صيرورة مستمرة، وسنكون غير حديثين لو وقفنا في وجه هذه الصيرورة واعتقدنا أن ليس أبدع مما كان .
        ـ إنالعالم( لا يحكمه نظام إلهي أبدي، بل هو من صنع الإنسان.) فهو مقياس كل شيء وعليهأن يعيد بناءه على صورته.
        ـ لن يتأتى للإنسان أن يصنع ويفعل ما يشاء، إلا إذا كان يمتلك حريته، وفي مقدمتها الحريةالشخصية وحرية الفكر والتعبير.

        أما دعوة نيتشه إلى انهيار المطلق فهي دعوة لا يمكن فهمها إلا في سياق المجتمع الذي أنتجها .
        هل يمكن أن يصدّق إنسان عاقل انهيار المطلق ؟ إن كل الأفكار الذي نادى بها نيتشه بما فيها انهيار المطلق هي وليدة الأسئلة الملحة لمرحلته . ولا يمكن قراءتها في ضوء أسئلة مجتمع آخر ـ كا لمجتمع العربي الإسلامي ـ مخالف لمجتمعها ولا في ضوء تصور آخر مخالف لتصورها للمطلق . قد لا أتصور انهيار المطلق في مجتمعنا العربي الإسلامي حتى في المستقبل البعيد . لكن في الثقافة الغربية هذا ممكن ـ وقد حصل ـ وحققت أفكار نيتشه اتنتشارا واسعا في مرحلته .
        فيما يخص دور العقيدة أؤكد أنني لا أناقش الفلسفة الوجودية ـ وهي فلسفة إلحادية في طبيعنها ـ ولا أسسها ، وإنما أناقش الحداثة العربية التي تبنتها كمرجعية فلسفية لها . أما العقيدة فليست موضوع نقاش بالنسبة لهذه الفلسفة في حدود علمي إلا عند كيركجارد وهو صاحب مقولة : (الحقيقة تزداد كلما نقص اليقين الموضوعي) فالحقيقة عنده مرتبطة بالإيمان ، والإيمان لا يمكن برهنته باليقين الموضوعي ، بل لا يمكن البرهنة عليه ، وإنما هو حقيقة ذاتية فردانية مطلقة غير قابلة للنقاش ولا للبرهنة ، فإما أن تؤمن أو لا تؤمن . و إذا آمنت إيمانا حقيقيا فإيمانك هو الحقيقة المطلقة التي يمكن أن تضحي بكل شيء في سبيلها ، أما اليقين الموضوعي فلا يمكن الوصول به إلى الحقيقة المطلقة .
        خلاصة القول قد نرفض الفلسفة الوجودية كخلفية للحداثة العربية ، وقد نرجع سبب فشل الحداثة العربية هو هذه الخلفية . أما مناقشة الفلسفة الوجودية فهذا أمر يحتاج إلى مختصين في الحقل الفلسفة وملمين بتفاصيلها وسياقاتها
        تحياتي
        التعديل الأخير تم بواسطة علي المتقي; الساعة 27-12-2009, 19:20.
        [frame="1 98"][align=center]أحبتي : أخاف من كل الناس ، وأنتم لا أخافكم، فالمجيئ إليكم متعه، والبحث عنكم فتنة ولذه، ولقاؤكم فرحة تعاش ولا تقال.[/align][/frame]
        مدونتي ترحب بمن يطرق أبوابها:
        http://moutaki.jeeran.com/

        تعليق

        • علي المتقي
          عضو الملتقى
          • 10-01-2009
          • 602

          #19
          الأستاذ الفاضل محمد جابري السلام عليكم :
          1 ـ الفلسفة لم تأت يوما لتزاحم العقيدة في مكانها إن لم تأت لتفسرها و تؤولها وتقرأها . فالفلسفة في عمومها نظرة إنسانية إلى الكون و بناؤه في أنساق . هذه النظرة ليست نظرة أحادية ، بل تتعدد بتعدد زوايا النظر ، والأهم فيها أن كل نظرة لا تلغي النظرات الأخرى بل تغنيها . و العقيدة أيضا نظرة إلى الكون وتفسير له نؤمن بها ونعتقد أنها النظرة السليمة نحن المتدينين يهودا ونصارى ومسلمين ما دامت الديانات الثلاثة مصدرها واحد .وعندما نقرأ الفلسفات الأخرى لا نقرأها باعتبارها التصور الصحيح ، وإنما باعتبارها تعكس تصور أناس للكون وللحياة وللموت ، وإجابة على معضلات كيانية عاناها المجتمع الذي أنتجها .
          ماذا تريد منا أن نفعل ـ الأستاذ جابري ـ هل نهجر الفلسفة ولا نقرأها ؟ هل نبني دروسنا على إعلان القطائع مع العالم ونعيش في جزيرة ونرفض ما هو خارج حدودها، لأنه يتعارض مع تصور عقيدتنا ؟ لا بد من قراءة الفلسفة ومعرفتها معرفة عميقة قبل اتخاذ موقف منها ؟ والاستفادة من تحليلها المنطقي للظواهر دون أن يعني ذلك الإيمان بكل ما تقوله . إنها وجهة نظر لا تلزم أحدا إلا أولئك الذين آمنوا بها وتسلحوا بها لتفسير العالم . ولو شاء الله لجعلنا أمة واحدة ، ولكن حكمته أبت إلا التعدد في التصورات و الأفكار وفي الفلسفات أيضا ، فلنقرأ كل ما نجده أمامنا ولنعرضه على عقولنا ونستفيد مما يمكن الاستفادة منه .إننا نقرأ الفلسفات القديمة بأساطيرها وخرافاتها ، وغايتنا المعرفة في ذاتها ولذاتها ، نعرف كيف يفكر أجدادنا ، وكيف واجهوا معضلاتهم الكيانية .
          2 ـ لم أقل في يوم من الأيام أن كل ما يدعو إليه الفكر الغربي خير كله وما ينتجه مجتمعنا شر كله ، إن الغرب ينتج و يعرف بإنتاجه ويملك من وسائل الإعلام ما يستطيع به أن يرفع فكره إلى أعلى عليين وينزل بغيره إلى الدرك الأسفل ، لكن والحمد لله لنا عقل ولنا عقيدة نغربل به ما نقرأ فنستفيد بما يمكن أن يمكث في الأرض ونرمي بالزبد ليذهب جفاء .
          وعندما قرأنا الحداثة وتعرفنا على فكرها لم نطبل لها ،وإنما وضعناها على مشرحة النقد فصفقنا لإيجابياتها و انتقدنا أخطاءها وسقطاتها ، وقومنا تجربتها ووضعناها في المكانة التي نعتقد أنها تستحقها كتجربة من تجارب النهضة العربية التي لم يقدر لها أن تتحقق لا بالمشروع السلفي ولا بالمشروع القومي ولا بالمشروع الواقعي ولا بالمشروع الحداثي .
          التعديل الأخير تم بواسطة علي المتقي; الساعة 27-12-2009, 19:23.
          [frame="1 98"][align=center]أحبتي : أخاف من كل الناس ، وأنتم لا أخافكم، فالمجيئ إليكم متعه، والبحث عنكم فتنة ولذه، ولقاؤكم فرحة تعاش ولا تقال.[/align][/frame]
          مدونتي ترحب بمن يطرق أبوابها:
          http://moutaki.jeeran.com/

          تعليق

          • علي المتقي
            عضو الملتقى
            • 10-01-2009
            • 602

            #20
            الفاضل خالد ساحلي : سعيد يتقويمك للمقال ، غير أني أختلف معكم حول موقف المجتمع العربي الإسلامي من الفلسفة ، فقد تلقى المجتمع العربي الفلسفة اليونانية وأضاف إليها و أبدع . وإذا كان هناك اليوم من يرفضها ، فهناك من يجعل منها العلم الأول و الأخير ، لكن مشكلتنا كيف نترجمها إلى سؤال مجتمعي يساعدنا في بناء مجتمع يواكب تطور العصر ويفعل فيه . تحياتي
            التعديل الأخير تم بواسطة علي المتقي; الساعة 27-12-2009, 19:25.
            [frame="1 98"][align=center]أحبتي : أخاف من كل الناس ، وأنتم لا أخافكم، فالمجيئ إليكم متعه، والبحث عنكم فتنة ولذه، ولقاؤكم فرحة تعاش ولا تقال.[/align][/frame]
            مدونتي ترحب بمن يطرق أبوابها:
            http://moutaki.jeeran.com/

            تعليق

            • علي المتقي
              عضو الملتقى
              • 10-01-2009
              • 602

              #21
              الفاضل د عبد الحميد: السلام عليكم وبعد : أثار ردكم على المقال أسئلة متعددة ومتنوعة . لذا اسمح لي أن أقسم ردي إلى ردود حسب ما يسمح به وقتي .
              فيما يخص العنوان ، ترى أنه يوحي بأنني سأناقش الحداثة العربية وبعد ذلك أكشف عن خلفياتها الفلسفية . والواقع أن العنوان لا يوحي بذلك ، فالخلفيات خبر لمبتدإ محذوف تقديره هذه ، وضمير الإشارة هذا الذي يعود على الخلفيات الفلسفية هو الذي يحدد مجال الخطاب ، أي أن الدراسة تتوخى الكشف عن الخلفيات الفلسفية للحداثة العربية ، وكيف انتقلت مقولاتها إلى الشعر العربي , ولو أردت مناقشة الحداثة لكان العنوان بالصيغة الآتية : الحداثة العربية و خلفياتها الفلسفية ..
              2 ـ الملاحظة الثانية صائبة فقد اختزلت الحداثة العربية في الشعر العربي مع العلم أن الحداثة العربية حداثة أشمل وأوسع من الشعر ، إذ يمكن الحديث عن حداثة الفكر و حداثة الاقتصاد وحداثة المجتمع ، لكن الاتجاه الدي أطلق على نفسه الاتجاه الحداثي في الخمسينيات من القرن الماضي اشتغل على الشعر ولا شيء غير الشعر ، لذا انصب اهتمامي على الشعر . ولإزالة الالتباس أقترح تعديل العنوان ليصبح : الخلفيات الفلسفية للحداثة الشعرية العربية.
              وقد اخترت تجمع شعر دون غيره من التجمعات لأنه هو الوحيد الذي أطلق على نفسه اسم : الاتجاه الحداثي ، ونظر للحداثة و أبدع في إطارها ، كما أنه الاتجاه العربي الأكثر ارتباطا بالحداثة الغربية .
              3 ـ لقد استمد الاتجاه الحداثي تصوره ومفهومه للشعر فعلا من اتجاهات متعددة منها ماهو فلسفي ويتجسد في الفلسفة الوجودية أساسا ، ومنها ماهو شعري ، إذ عاد إلى الاتجاهات الشعرية الحداثية الغربية وإلى كتاباتها النظرية فقد كان لبودلير ورامبو وروني شار وبول فاليري ... وغيرهم الاثر الكبير في بناء التصور الحداثي ،دون أن ننسى كتاب سوزان بيرنار قصيدة النثر من بودلير إلى أيامنا فمن روني شار مثلا اقتبسوا مقولة : الكشف عن عالم يظل في حاجة إلى الكشف . وقد ركزت على الفلسفة الوجودية لأنني حصرت موضوعي في الخلفيات الفلسفية دون الشعرية .
              يتبع
              [frame="1 98"][align=center]أحبتي : أخاف من كل الناس ، وأنتم لا أخافكم، فالمجيئ إليكم متعه، والبحث عنكم فتنة ولذه، ولقاؤكم فرحة تعاش ولا تقال.[/align][/frame]
              مدونتي ترحب بمن يطرق أبوابها:
              http://moutaki.jeeran.com/

              تعليق

              • علي المتقي
                عضو الملتقى
                • 10-01-2009
                • 602

                #22
                علاقة الشعر بالفلسفة
                الاتجاه الحداثي الشعري العربي اتجاه له كتاباته النظرية و بياناته التنظيرية . وكل هذه الكتابات تؤسس لتصور شعري يتوخى الارتقاء بالشعر العربي إلى مستوى العالمية المتحققة في آداب الغرب اللبرالي ذي القيم الكونية ، وكلها كتابات تنبني على المقولات الفلسفية الأربعة التي تبنتها الفلسفة الوجودية . وقد حصر التجمع موضوع الشعر في المعضلات الكيانية الوجودية الكبرى التي جاءت الفلسفة الوجودية للإجابة عليها. ويكفي العودة إلى تنظيرات يوسف الخال زعيم التجمع لتأكيد هذا الحضور لهذه المقولات
                فقد حدد الخال أسسا عشرة تمكن الشاعر العربي ـ إذا ما التزم بها ـ من كتابة أدب حديث عالمي الصفة، وهي:
                .1 : التعبير عن التجربة الحياتية على حقيقتها كما يعيها الشاعر بجميع كيانه، أو بعقله وقلبه معا.
                .2 : استخدام الصورة الحية من وصفية أو ذهنية حيث استخدم الشاعر القديم التشبيه والاستعارة والتجريد اللفظي والفذلكة البيانية. فليس لدى الشاعر كالصور القائمة في التاريخ أو في الحياة حولنا، وما يتبعها من تداع نفسي يتحدى المنطق ويحطم القوالب التقليدية.
                .3 : إبدال التعابير والمفردات القديمة التي استنزفت حيويتها بتعابير ومفردات جديدة مستمدة من صميم التجربة ومن حياة الشعب.
                .4 : تطوير الإيقاع الشعري العربي وصقله على ضوء المضامين الجديدة، فليس للأوزان التقليدية أية قداسة.
                .5 : الاعتماد في بناء القصيدة على وحدة التجربة والجو العاطفي العام لا على التتابع العقلي والتسلسل المنطقي.
                .6 : الإنسان في ألمه وفرحه، خطيئته وتوبته، حريته وعبوديته، حضارته وعظمته، حياته وموته، هو الموضوع الأول والأخير. كل تجربة لا يتوسطها الإنسان المعاصر هي تجربة سخيفة مصطنعة لا يأبه لها الشاعر الخالد العظيم.
                .7 : وعي التراث الروحي والعقلي العربي وفهمه على حقيقته، وإعلان هذه الحقيقة وتقييمها كما هي من دون خوف أو مسايرة أو تردد.
                .8 : الغوص في أعماق التراث الروحي والعقلي الإنساني، وفهمه ... والتفاعل معه.
                .9 : الإفادة من التجارب الشعرية التي حققها أدباء العالم. فعلى الشاعر الحديث ألا يقع في خطر الانكماشية كما وقع الشعراء العرب قديما بالنسبة للأدب الإغريقي.
                .10 : الامتزاج بروح الشعب لا بالطبيعة، فالشعب مورد حياة لا تنضب، أما الطبيعة فحالة آنية زائلة.
                و أركز على الأساس السادس الذي يحصر الشعر في المعضلات الكيانية .
                وقد سار كل الشعراء الذين انضموا للتجمع على هذا النهج ولم تكن مجلة شعر لتنشر شعرا لا بصب في نهجها . ويكفي العودة إلى النقد المواكب لهذه القصائد لنرى مدى حضور العلاقة بين الفلسفة والسعر في الكشف عما يقلق الإنسان كإنسان
                يتبع
                [frame="1 98"][align=center]أحبتي : أخاف من كل الناس ، وأنتم لا أخافكم، فالمجيئ إليكم متعه، والبحث عنكم فتنة ولذه، ولقاؤكم فرحة تعاش ولا تقال.[/align][/frame]
                مدونتي ترحب بمن يطرق أبوابها:
                http://moutaki.jeeran.com/

                تعليق

                • د. م. عبد الحميد مظهر
                  ملّاح
                  • 11-10-2008
                  • 2318

                  #23
                  الأستاذ الفاضل د. على المتقي

                  فى انتطار باقى التوضيحات و لكن لى تعليق على ما ذكرته...


                  المشاركة الأصلية بواسطة علي المتقي مشاهدة المشاركة
                  الفاضل د عبد الحميد: السلام عليكم وبعد : أثار ردكم على المقال أسئلة متعددة ومتنوعة . لذا اسمح لي أن أقسم ردي إلى ردود حسب ما يسمح به وقتي .
                  فيما يخص العنوان ، ترى أنه يوحي بأنني سأناقش الحداثة العربية وبعد ذلك أكشف عن خلفياتها الفلسفية . والواقع أن العنوان لا يوحي بذلك ، فالخلفيات خبر لمبتدإ محذوف تقديره هذه ، وضمير الإشارة هذا الذي يعود على الخلفيات الفلسفية هو الذي يحدد مجال الخطاب ، أي أن الدراسة تتوخى الكشف عن الخلفيات الفلسفية للحداثة العربية ، وكيف انتقلت مقولاتها إلى الشعر العربي , ولو أردت مناقشة الحداثة لكان العنوان بالصيغة الآتية : الحداثة العربية و خلفياتها الفلسفية ..

                  يتبع

                  و لكن بعد ان تكمل ما بدأت

                  وتحياتى

                  تعليق

                  • علي المتقي
                    عضو الملتقى
                    • 10-01-2009
                    • 602

                    #24
                    التشكيك في قدرة العلم على إسعاد الإنسان :
                    الفلسفة الأوروبية ليست فلسفة واحدة ذا ت اتجاه واحد و إنما ذات اتجاهات متعددة . ولم أقل في المقال إن أوروبا تخلت عن العلم ، وإنما بدأت تظهر اتجاهات تشكك في قدرة العلم على إسعاد البشرية ، و الفلسفة الوضعية التي كان لها الأثر الكبير على علمنة الأدب ومناهج الدراسات الأدبية ازدهرت في النصف الأول من القرن التاسع عشر .ومع بداية الربع الأخير من القرن التاسع عشر ظهرت كتابات تنادي بخصوصيات الإنسان وصفاته المميزة ، وهذه الكتابات ليست صيحة خيالية في واد و إنما إجابة على أسئلة ملحة يطرحها المجتمع ، والمراجع التي تتحدث عن تراجع لاهتمام بالوضعية والاهتمام بالفلسفة التي تهتم بالإنسان ليست بالقليلة.
                    يتبع
                    [frame="1 98"][align=center]أحبتي : أخاف من كل الناس ، وأنتم لا أخافكم، فالمجيئ إليكم متعه، والبحث عنكم فتنة ولذه، ولقاؤكم فرحة تعاش ولا تقال.[/align][/frame]
                    مدونتي ترحب بمن يطرق أبوابها:
                    http://moutaki.jeeran.com/

                    تعليق

                    • علي المتقي
                      عضو الملتقى
                      • 10-01-2009
                      • 602

                      #25
                      هل الشعر الحداثى يتعرض لكل هذه القضايا؟ وهل هناك دراسات مفصلة للشعر الحداثى لمعرفة الموضوعات التى طرحها؟
                      هذه القضايا الأربعة هي أساس الشعر الحداثي الذي نشرته مجلة شعر . فالإنسان و معضلاته الكيانية ( الألم و الأمل و القلق و الموت و الحياة و الخير و الشر ) هي موضوع الشعر الأول و الأخير و إذا عدنا إلى المجلة وتتبعنا القصائد التي نشرها الشعراء : أرواد يا أميرة الوهم و أغاني مهيار الدمشقي ، البئر المهجورة و الكركدن وحيوانات الغابة ,,, كلها نصوص تتمحور حول موضوع الإنسان بما هو إنسان .
                      أما الحقيقة المطلقة فهي حقيقة ذاتية فردانية وكل شعر لا يعبر عن التجربة الذاتية كما يعيشها الشاعر بعقله وقلبه لا يمكن أن يوصف بأنه حداثي .
                      أما أسبقية الوجود على الماهية ، فتجسدت في لاحقية الشكل ، فالقصيدة الحداثية لا شكل لها قبل وجودها وقد تعددت وتنوعت معها بلاغة الأشكال و يكفي تتبع الأشكال الجديدة التي تولدت مع هذه القصيدة للتأكد من ذلك كما هو الأمر مع قصيدة النثر و قصيدة المربعات ( اسماعيل) و القصيدة الكاليكرافية و الكتابة ...
                      وهناك دراسات كثيرة تعالج هذه القضايا منها كتابات الكاتب السوري محمد جمال باروت وكتابات الباحث المغربي حسن مخافي ،ولي كتاب في الموضوع حول القصيدة العربية المعاصرة بين هاجس التنظير وهاجس التجريب وكتابات خالدة سعيد وكمال أبو ديب ...
                      التعديل الأخير تم بواسطة علي المتقي; الساعة 25-12-2009, 05:24.
                      [frame="1 98"][align=center]أحبتي : أخاف من كل الناس ، وأنتم لا أخافكم، فالمجيئ إليكم متعه، والبحث عنكم فتنة ولذه، ولقاؤكم فرحة تعاش ولا تقال.[/align][/frame]
                      مدونتي ترحب بمن يطرق أبوابها:
                      http://moutaki.jeeran.com/

                      تعليق

                      • علي المتقي
                        عضو الملتقى
                        • 10-01-2009
                        • 602

                        #26
                        الآن عودة للحداثة ، وهنا تعريف للحداثة بعيدا عن فلسفة الوجود و هى الخروج عن المعايير المألوفة والقواعد لكتابة الشعر.
                        أخي عبد الحميد لا أوافقك الرأي في أن ما ورد هنا تعريف للحداثة بعيدا عن فلسفة الوجود ، و إنما في ضوئها وصميم فلسفتها. فالوجودية تدعو إلى أسبقية الوجود على الماهية ، وكتابة نص الشعري لا على مثال بلغة غير مألوفة وشكل لاحق للوجود تطبيق عملي لهذه المقولة ، فالقصيدة الحداثية لا شكل لها قبل كتابتها .
                        هل تأثر كل الشعراء بما ساد الفكر الأوروبي في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ؟ بالتأكيد هناك تأثير و لا أعرف شاعرا غربيا كبيرا من شعراء المرحلة لم يتأثر بهذه المقولات فالسورياليون و الدادائيون و الرمزيون تأثروا بالجو العام التي أشاعته الفلسفة الوجودية . وكتاب عقل الحداثة لمالكم برادبري وجيمس ماكفارلن مرجع أساس في موضوع العلاقة بين الفلسفة و الأدب . تحياتي و احتراماتي
                        التعديل الأخير تم بواسطة علي المتقي; الساعة 26-12-2009, 05:39.
                        [frame="1 98"][align=center]أحبتي : أخاف من كل الناس ، وأنتم لا أخافكم، فالمجيئ إليكم متعه، والبحث عنكم فتنة ولذه، ولقاؤكم فرحة تعاش ولا تقال.[/align][/frame]
                        مدونتي ترحب بمن يطرق أبوابها:
                        http://moutaki.jeeran.com/

                        تعليق

                        • علي المتقي
                          عضو الملتقى
                          • 10-01-2009
                          • 602

                          #27
                          أخي عبد الحميد : هذا تصور مجموعة من الشعراء للشعر في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي أختم به ردي على تدخلك الثري. و يتضح من خلال تصوراتهم مدى تأثرهم بالفلسفة الوجودية على الرغم من اختلاف مشاربهم الأيديلوجية :
                          1 ـ مفهوم الشعر عند صلاح عبد الصبور
                          يرى هذا الشاعر متأثرا بالفلسفات الميتافيزيقية عامة، والوجودية منها بشكل خاص أن "الوجود هو المعطى الأول للإنسان" ، وهو مهدد بالعدم . وبين الوجود والعدم، بين منبع النهر ومصبه، يعيش هذا الإنسان حياة مليئة بالشرور والآلام " خالية من الحرية إلا تحت مستوى الضرورة" ، الشيء الذي يحول الأرض إلى جحيم، وحياة الإنسان إلى عذاب. وقد سعى الإنسان منذ القديم إلى إعطاء معنى لحياته متوسلا بالدين وبالفلسفة والفن "فالنبي والشاعر والفيلسوف ـ إذن ـ أصوات شرعية، وشرعيتها تشمل كل ألوان الحياة الإنسانية بغية تنظيمها وتخليصها من فوضاها وتنافرها. ومجال رؤيتهم هو الظاهرة الإنسانية في زمانها الذي هو الديمومة، وفي مكانها الذي هو الكون، وفي حركتها التي هي التاريخ" .
                          إن الظواهر الإنسانية التي تحدث عنها صلاح عبد الصبور ليست ظواهر مجردة، لا ولا هي مستقاة من واقع آخر غير واقعه المصري الذي يعيشه يوميا بانتصاراته وانكساراته، ويرفض عكس ذلك . يقول :" لو سألت أحدهم وهو آمن مبتهج النفس ـ لماذا أنت واقعي؟ ـ لأجاب : لأن المسرح للأدب الواقعي ... وأنا أحب التمثيل. ولو سألته: هل استبصرت بكفاح العامة في سبيل امتلاك الحياة؟ قال: وما حاجتي وقد قرأت لفلان وفلان ...
                          ،، أما نحن ، فقد ألقينا بقلوبنا في المعركة، معركة أحباب الحياة، وثملنا بانتصاراتها وبكينا انكسارها. وكان شعرنا سكرنا وبكاءنا، ولا علينا من النماذج والتقاليد...إننا نتنفس الحياة بشغف ومرارة ونهدم ونبني ونبشر ونجدف، وقد يمسنا الشعر بجناحه فنلتهب" .
                          واضح من هذا القول أن الشاعر والفيلسوف والنبي لا ينظرون إلى الواقع نظرة أحادية، وإنما ينظرون إليه نظرة شمولية كلية يتداخل فيها الذاتي والموضوعي، والواقعي والميتافيزيقي، والحياة والموت، والأمل واليأس ...وهذه النظرة راجعة إلى أن العالم ناقص، وكل من هؤلاء يحمل بين جوانبه شهوة لإصلاحه، لكن الشك والقلق يلازمهم، الشيء الذي يسم حياتهم بالقلق واليأس الأبديين، إلا أنه ليس يأسا أو قلقا تشاؤميا، إنه يأس ناتج عن إحساس بالمسؤولية ووعي بها .
                          وقد سعت كل الديانات القديمة، أرضية كانت أم سماوية، وكذا الفلسفات المادية والمثالية إلى البحث عن حل لهذه المعضلة الوجودية. وقد تبنى صلاح عبد الصبور في المرحلة الأولى من حياته الفنية موقفا ماديا محضا، ـ وهي المرحلة التي تهمنا في هذا البحث ـ فأنكر وجود الله متأثرا بصرخة نيتشه الإلحادية المرعبة، ورأى في المادية الجدلية موقفا فكريا متماسكا قادرا على تحقيق الكمال في المجتمع. إلا أن تواتر الأحداث العالمية في الستينيات خصوصا في أوربا الشرقية، وصعود خروتشوف إلى السلطة، وفضحه لكل جرائم الستالينية، حطم أسطورة الشيوعية والمادية والواقعية في فكر صلاح. فرفض هذا الموقف، كما رفض كل علاقة ميكانيكية بين الفن والواقع لأنها تؤدي إلى أخطاء جمالية فادحة تتلخص في
                          ـ استخدام مفهوم الانحطاط الشامل في النقد الماركسي وهو مفهوم لا يراعي الاستقلال النسبي للأبنية الفوقية.
                          ـ اختزال الفن في بعده الأيديولوجي، وتهميش خصوصياته الفنية.
                          ـ عدم مراعاة خصوصيات المعرفة بوصفها معرفة نوعية بموضوعها ولغتها.
                          وقد وجد هذا الشاعر الحائر بعد تخليه عن الماركسية في الدين إجابة مقنعة متأثرا في ذلك بكيركجارد، فأصبح يرى جدوى الحياة في العودة بالإنسان إلى نقائه وصفائه الأول، أي العودة به إلى الله نقيا كما صدر عنه. ولن يتأتى له ذلك إلا بتحقيق ثلاث فضائل إنسانية كبرى عانى صلاح كثيرا من غيابها في حياته ومجتمعه هي: الصدق والحرية والعدالة .
                          وللوصول إلى هذه الحقيقة الإنسانية والتعبير عنها ونقلها إلى الآخرين يمر الشاعر كالمتصوف بمراحل ثلاث :
                          ـ مرحلة الوارد: وهي مرحلة إشراقية يقتنص فيها الذهن خاطرة أو رؤيا فتستغرق قلبه كليا.
                          ـ مرحلة الفعل الذي يلي الوارد وينبع منه، ويتحقق بالتأمل والتحديق في الذات الممتلئة بالرؤى والمعارف والخواطر قصد اكتشاف الحقيقة والتعبير عنها برموز لغوية.
                          ـ مرحلة العودة، وهي مرحلـة يعود فيهــا الإنسان إلى ذاتـه ليعيـد قـراءة ما اكتشف وما فعل. وهي مرحلة وعي كامل تتشكل فيه القصيدة تشكيلا فنيا. .
                          واضح من هذا التصور أن الموقف المادي والموقف الديني الصوفي ما هما إلا إجابتان ضمن إجابات ممكنة لنفس السؤال الوجودي المستنبط من الواقع المعيش الذي عاشه صلاح عبد الصبور. فالواقع المصري ومن خلاله الواقع الإنساني لم يتغير، لذلك لم تتغير الأسئلة التي يثيرها. وما يمكن أن يتغير مرات متعددة، هو نظرتنا إلى هذا الواقع وما نقترحه من حلول لإشكالاته وإجابات على أسئلته.
                          2 ـ مفهوم الشعر عند يوسف الخال
                          أشار يوسف الخال إلى ضرورة ربط الشعر بالتجربة الحياتية على حقيقتها كما يعيها الشاعر بعقله وقلبه معا. فالإنسان بإحساساته وعواطفه هو الموضوع الأول والأخير لكل تجربة شعرية.
                          إن هذا الرأي يختزل مبدأ أساسيا من مبادئ مجلة شعر استقته من الفلسفة الوجودية، وتجمع كل الدراسات والحوارات على أهميته. فمنذ العدد الأول من هذه المجلة، ركزت الافتتاحية ـ وهي قول مختار لأرشبالد مكليش ـ على العلاقة بين الشعر والحياة، واعتبرت الشعر وسيلة لمعرفة من نوع ما: معرفة الإنسان لذاته، واختباره لحياته اختبارا حيا وحقيقيا. هذه المعرفة الذاتية والاختبار الحقيقي اللذان يعدان محور الفلسفة الوجودية وحدهما يسمحان للشاعر بوصفه إنسانا أن يحيا حياته الخاصة به لا حياة من سبقه. وقد فصلت مجموعة من الدراسات النظرية والتطبيقية في الأعداد اللاحقة هذه المقولات، وسنحاول توضيحها كما فهمت في مجلة شعر.
                          إن التجربة هي كل ما يتملك الإنسان من إحساسات وعواطف ومشاعر وأفكار في صراعه مع رتابة الحياة وميكانيكيتها. أما التجربة الشعرية، فهي القدرة على نقل هذه الإحساسات والمشاعر والأفكار إلى مستوى المطلق. إنها" تجربة كيانية يدخل فيها الشاعر باب الخلود"[1] ، وذلك بكشف النقاب عما يقلقه بوصفه إنسانا لا بوصفه فردا يعيش في زمان ومكان محددين. ومصدر هذه الأحاسيس والمشاعر هو وضعية الإنسان الوجودية، إذ يوجد بين عالمين: عالم مزيف يعيش فيه ولا ينتمي إليه، وعالم حقيقي ينتمي إليه لكن لا يصل إليه. ومهمة الشاعر اكتشاف هذا الوجود الحق، فتتولد لديه مشاعر الفرح، فرح الكشف والنفاذ إلى عالم الغيب الكامن وراء المرئيات، كما تتولد لديه مشاعر القلق لأنه لا يستطيع اللحاق به. وكل شعر لا يعبر عن هذه الأحاسيس، في نظر تجمع شعر، لا يعتبر شعرا حديثا.
                          هذا التصور لمفهوم الشعر وطبيعته سينتج عنه بالضرورة تصور جديد لوظيفته، فالتركيز على التجربة الفردية المعيشة سيحرر الشاعر من أي التزام اجتماعي. يقول بسترناك ـ وهو أحد مصادر شعراء مجلة شعر ـ:" إن مهمة الأديب لا أن يخدم السلطات الزمنية من شيوعية أو رأسمالية أو سواهما، بل أن يصغي إلى صوت الحياة الحي، أن يشهد للخير ولكل ما هو حق وجميل"[3]. ذلك أن غاية الفن القصوى هي خلق صورة للإنسان تكون أعظم من الإنسان، وأن يسعى نحو ما يسميه نيتشه "بالإنسان الأعلى". ولا يختلف رأي يوسف الخال ومن معه عن هذا الرأي، إذ يرى أن شعارات القومية والثورة والاستقلال والكرامة صارت معبودا حقيقيا نحلل من أجله كل حرام، فنضطهد الإنسان ونسلبه حريته واعدينه بأننا إنما نعمل ذلك لبناء مستقبل أفضل.
                          وقد خصصت المجلة عددا خاصا لمساندة نضالات الشعب الجزائري، فانتقدت معظم ما كتب حول الثورة الجزائرية من شعر لأنه ظل شعر مناسبات وخطابة، ولم يرتق به أصحابه إلى مستوى التجربة الإنسانية المجردة من كل زمن ومكان. ذلك أن موضوع الشعر كما يراه يوسف الخال هو الإنسان أولا وأخيرا. وبهذا التصور مفهوما وطبيعة ووظيفة يرتبط الشعر بالتجربة الحياتية والشخصانية، ويتجاوز الرؤية إلى الرؤيا.
                          3 ـ مفهوم الشعر عند أدونيس

                          الشعر رؤيا : والرؤيا كما يراها أدونيس ذات بعدين : بعد روحي ميتافيزيقي، وبعد إنساني كوني. هي ذات بعد روحي ميتافيزيقي لأنها تصدر عن تجربة شخصية وفريدة في تفاعلها مع الواقع. فالشاعر الحداثي لا يعنى بالواقع الخارجي، وإنما يغيب الأحداث بتفتيتها وإعادة بنائها وفق معايير ذاتية شخصية خارجة أي نسق عقلاني منطقي. وبذلك ، يمكن الكشف عن عالم يظل في حاجة إلى الكشف. وللوصول إلى هذا المستوى من العرفان ينبغي التشويش على الحواس وتعطيلها وتجاوز معايير المعرفة المشتركة، والاعتماد كليا على الحدس والتخييل في اكتشاف الخفي والمجهول. والتخييل عند أدونيس مرادف للرؤيا، يقول: "وأعني بالتخييل القوة الرؤياوية التي تستشف ما وراء الواقع فيما تحتضن الواقع، أي القوة التي تطل على الغيب وتعانقه فيما تنغرس في الحضور. تصبح القصيدة جسرا يربط بين الحاضر والمستقبل، الزمن والأبدية، الواقع وما وراء الواقع، الأرض والسماء". ولأن الشعر يستكشف المجهول، ويستطلع المستقبل، فقد قرن بالنبوة والكهانة والحلم، لأنها كالشعر تصدر عن حساسية ميتافيزيقية تحس الواقع الخارجي إحساسا كشفيا.
                          أما البعد الإنساني الكوني فيتجسد في الارتقاء بالحدث الواقعي الجزئي إلى مستوى الإنساني الكلي، وذلك عبر تنقيحه من كل ما هو ظرفي وطارئ، وتحريره من قيود الزمان والمكان، والتركيز على الجوهري والخالد فيه، وتحويله إلى وجود رمزي صرف. من هنا ، فالشعر الحداثي يجمع بين الرؤيا الفردية المتميزة ، وبين الموضوع الكوني الإنساني .
                          والقول برؤياوية الشعر الحداثي ينتج عنه القول بلازمكانية الحداثة. فعلى مستوى المكان نفى أدونيس التعارض بين الشرق والغرب، " ففي الأصل ـ يقول أدونيس ـ لا غرب لا شرق، في الأصل، الإنسان سائلا باحثا، بدأ السؤال والبحث وجودا ومصيرا في حوض المتوسط الشرقي، ومن ضمنه سومر/ بابل ، ثم أصبح نظاما فكريا ومشروع أجوبة متكاملة وشاملة في أثينا". في هذا الإطار، وبهذا التصور، يجيز أدونيس للشعرية العربية أن تأخذ إبداعات الغرب الحضارية، لكن بخصوصيات شرقية. أما على مستوى الزمان، فيرى أدونيس أن الزمنية ليست إلا وهما من أوهام الحداثة. فالشعر لا يكتسب حداثته بالضرورة من مجرد زمنيته، وإنما الحداثة خصيصة تكمن في بنيته ذاتها. من هنا، وجد الحداثة في شعر امرئ القيس وأبي نواس وأبي تمام ...
                          ولكي يتخلص الشاعر من الزمان والمكان والحادثة، يجب أن يتخلص من العقل وأدواته، أي من الرؤية ليرتقي بشعره إلى الرؤيا، إذ بالرؤيا يستطيع النفاذ إلى الحقيقة الباطنية، فيكشف عما تخبئه المرئيات من معان وأشكال، فيقتنصها ويكشف نقاب الحس عنها.


                          4 ـ مفهوم الشعر عند عبد الوهاب البياتي : يرى عبد الوهاب البياتي الشعر تجربة وجودية اجتماعية تستهدف خلق توافق بين الواقع الإنساني وبين أحلامه وطموحاته. فالواقع الوجودي موسوم باللامعنى والفوضى والعبثية، والواقع الاجتماعي سمته الشر والظلم الاجتماعي. والشعر بطبيعته تمرد ضد هذه السمات، وبحث إبداعي عن نظام للفوضى الأبدية وسلاح لمواجهة الشر والظلم.وي الوظيفة نفسها التي يحملها الفيلسوف والنبي .
                          يستمد البياتي هذا التصور من تجربتين مختلفتين: التجربة الوجودية التي ترى الوجود عبثا وغثيانا، وتبحث عن وسيلة تجعل له معنى، وتخرج الإنسان من حالته العبثية إلى حالة الإنسان الواعي بمصيره، والمصمم على مواجهته. ثم التجربة الواقعية كما تجلت في أشعار أودن ونيرودا وإلوارد وناظم حكمت ولوركا وألكسندر بلوك وماياكوفسكي، وهي تجربة تتوخى إعادة بناء الواقع وخلقه في صورة جديدة.
                          وقد ساهم الواقع الاجتماعي المزري الذي تعيشه الجماهير العراقية، وعاشه الشاعر معها، في ضمور الدافع الوجودي والميتافيزيقي، وهيمنة الدافع الاجتماعي والسياسي. فقد رفض البياتي كل التجارب الشعرية " المشحونة بالهلوسة الصوفية وادعاء الاستبصار"، ووصفها بالزيف لأنها تنبني على " حدس غير علمي مستمد من الخيبة والنظرة المثالية، والقراءات والأوهام والخيالات والأمراض النفسية والعصبية"، كما أنها تهمل الحاضر، وتستشرف مستقبلا لن يأتي. ويدعو في المقابل إلى "الفهم الموضوعي للتناقضات التي تسود قانون الحياة، وفهم اكتشاف منطق حركة التاريخ والتفاعل مع أحداث العصر" دون أن يفهم من ذلك إيمانه بالانعكاس المرآوي للواقع في الشعر. فالشاعر كالثوري يهدف إلى خلق إنسان جديد وإبداع واقع جديد. والفرق بينهما في أن الشاعر لا مستقر له، فهو جوّاب يواصل السفر والرحلة إلى ما لا نهاية، في حين أن الثوري يتوقف لتعمير ما حرره.

                          5 ـ مفهوم الشعر عند نزارقباني
                          توسل نزار قباني بصورة الرقص والمشي لتمييز الشعر من النثر، فشبه الشعر بالرقص، والعلاقة بينهما علاقة بين فن وآخر. إنها عيش حالة كونية تتعطل فيها الحواس، ويتداخل فيها الشعور واللاشعور، والإرادة واللاإرادة ، والمعقول واللامعقول، والحلم واليقظة، بعيدا عن أي تصنع أو كلفة أو مراعاة لمشاعر الآخر ـ متفرجا كان أم قارئا ـ أو لأخلاقياته .
                          وكما أن الراقص لا يقيس خطواته، فكذلك الشاعر لا يفكر في ما يكتب، إنه كالراقص يؤدي "رقصة متوحشة يتخطى فيها الراقص جسده، ويتجاوز الإيقاع المرسوم ليصبح هو نفسه إيقاعا".
                          نستشف من هذه الصورة لماهية الشعر مجموعة من الخصائص نوجزها في:
                          * الشعر تجربة حية وفردية لا تعيد نفسها ولا تقبل التكرار.
                          * إنها مقصودة لذاتها.
                          * مرتبطة بذات الشاعر وانفعالاته الواعية واللاواعية.
                          * هذه التجربة تفرض شكلها وطرائق تعبيرها.
                          أتمنى أن أكون قد وفقت في نقل ما أريد قوله من خلال هذه التدخلات التي لم يسعفني وقتي لأعطيها ما تستحقه من اهتمام.
                          ولكم الكلمة مع تحياتي واحتراماتي
                          التعديل الأخير تم بواسطة علي المتقي; الساعة 27-12-2009, 15:04.
                          [frame="1 98"][align=center]أحبتي : أخاف من كل الناس ، وأنتم لا أخافكم، فالمجيئ إليكم متعه، والبحث عنكم فتنة ولذه، ولقاؤكم فرحة تعاش ولا تقال.[/align][/frame]
                          مدونتي ترحب بمن يطرق أبوابها:
                          http://moutaki.jeeran.com/

                          تعليق

                          • علي المتقي
                            عضو الملتقى
                            • 10-01-2009
                            • 602

                            #28
                            الفاضل المحترم السيد خالد ساحلي : بالإضافة إلى ما سبقت الإشارة إليه أضيف أن الثقافة العربية الإسلامية لم تكن في أوج ازدهارها ثقافة رواية فحسب ، بل كانت أيضا ثقافة دراية . وكان للفلسفة حضور متميز فيها . وأسماء مثل الكندي والفارابي و ابن سينا و ابن رشد ليست أسماء مجهولة في الثقافة الغربية . وقد قسم المفكر المغربي محمد عابد الجابري الثقافة العربية في دراسته لبنية العقل العربي إلى أقسام ثلاثة يشكل التفكير الفلسفي أحد ها وهي : البيان والبرهان والعرفان .
                            تحياتي الخالصة . .
                            التعديل الأخير تم بواسطة علي المتقي; الساعة 27-12-2009, 19:26.
                            [frame="1 98"][align=center]أحبتي : أخاف من كل الناس ، وأنتم لا أخافكم، فالمجيئ إليكم متعه، والبحث عنكم فتنة ولذه، ولقاؤكم فرحة تعاش ولا تقال.[/align][/frame]
                            مدونتي ترحب بمن يطرق أبوابها:
                            http://moutaki.jeeran.com/

                            تعليق

                            • علي المتقي
                              عضو الملتقى
                              • 10-01-2009
                              • 602

                              #29
                              الفاضلة المحترمة منجية بن صالح :وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته :

                              الدعوة إلى الحداثة ليست بالضرورة دعوة إلى الإلحاد وتجريد المجتمع من عقيدته . قد يكون ذلك اتجاها من اتجاهاتها ، لكن ليس الإلحاد ركنا من أركانها لا تكون الحداثة حداثة إلا به . قد أفهم الحداثة فهما مغايرا يتطابق وطبيعة مجتمعنا العربي الإسلامي ، ويختلف عن فهم الغرب لها وفهم أدونيس نفسه لها . وهذا من حقي ، ولا يمكن لأي كان أن يفرض علي تصورا جاهزا ويأمرني باتباعه إذا أردت أن أكون حداثيا .

                              الحداثة كما أفهمها هي الإيمان بثبات العقيدة المجسدة في كتاب الله وسنة نبيه ، وتاريخانية فهم وتفسير العقيدة . فالنص القرآني حمال أوجه ، ولي أسئلتي المعاصرة الملحة التي أبحث لها عن أجوبة ، وليس بالضرورة أن أجد جوابي عن هذه الأسئلة في كتابات السلف الصالح ، فلي الحق في قراءة كتاب الله وسنة نبيه في ضوء أسئلة عصرنا دون أن يتناقض تفسيري وفهمي مع المبادئ الكبرى التي لا يقوم الإسلام إلا بها . وما كان الإسلام ليقول بالاجتهاد ويحث عليه، ويدعو إلى العلم ويؤجر المخطئ المجتهد لو لم يرد لنا أن نتجدد ونتطور بتطور عصرنا . ولن يتحقق لنا ذلك إذا جعلنا من أنفسنا ومن علمنا جزيرة مغلقة مكتملة لا علاقة لها بما يجري خارج حدودها .
                              إن الاطلاع على آراء الآخر و اجتهاداته ، والاستفادة مما يفيد ولا يضر أمر محبذ وغير مرفوض .ومن يحرم النظر في الفلسفة الغربية (كتب الحكمة) لأن بعضا ممن نظر فيها دعا إلى الإلحاد كمن يمنع العطشان من شرب الماء لأن قوما شربوه فأشرقوا ـ على حد تعبير ابن رشد فيما أعتقد.ـ
                              تحياتي الخالصة ومعذرة عن التأخر في الرد.
                              [frame="1 98"][align=center]أحبتي : أخاف من كل الناس ، وأنتم لا أخافكم، فالمجيئ إليكم متعه، والبحث عنكم فتنة ولذه، ولقاؤكم فرحة تعاش ولا تقال.[/align][/frame]
                              مدونتي ترحب بمن يطرق أبوابها:
                              http://moutaki.jeeran.com/

                              تعليق

                              • ريمه الخاني
                                مستشار أدبي
                                • 16-05-2007
                                • 4807

                                #30
                                السلام عليكم
                                أمر بموضوعكم القوي ولي عودة لاحقا , لقراءة الردود ,وأظن مبدئيا انه فكرة صائبة أريد بها باطلا ...
                                تحية ومرور سريع.

                                تعليق

                                يعمل...
                                X