و ما كنت ظلا !!
منذ أيام .. و أنا تائه .. أين اختفت .. أي طريق تسللت .. أتراها ضاقت بي .. أنا .. أنا ظلها .. ؟!!!
هل أصابها مكروه ؟!! أصرخ .. و لا من مجيب .. أترجى .. أتوسل هذه الظلال المعربدة والهائمة من حولي .. ولا من مجيب .. لا!
دائرة كبيرة أصنع.. متسعة هى.. بشموع ممتدة أحيطها.. أغرسها ظلالا .. ثم بعود ثقاب .. أشعلها جميعا .. أدبدب ..بين فراشات و هوام تدنو.. تحول المكان لمدينة خرافية .. زفيف ورفيف و طنين و هسيس .. تلون الكون ، ونشر خيوطا من زبرجد وعقيق .. بين دموع نوازف أرقص.. أكون ماردا عملاقا .. ومن الدائرة أغادر.. أراقب الظلال .. كثيرة هى .. متطاولة كغابة استوائية ..ربما بينها كانت .. لا أجد لها شبيها .. أطفىء خطا مستقيما .. أعبره .. أنام فيه .. أراقب اللهب وهو يتهالك ضحكا منى ، و قد نهشت هيكلي خيوط الضوء ، وعبرتنى .. كأنى مصلوب بها .. أين أنت ؟! أطيح بالدائرة ..بكل الظلال .. أعبرها .. ثم أسويها .. و أحتضن تراب الأرض .. و أنا مشحون بطاقة عجيبة .. من نور يتوهج .. أضاء عتمات أوردتي .. أشم فيه رائحة أنفاسها !!
أتراها تحللت منى .. و ظلا غيري اصطفت.. مستحيل تفعل .. لن تستطيع لو أرادت ..نعم ..ولو أرادت..كيف تصطنع ظلا غير ظلها .. إلا إن كانت غويا ؟!! أمامي تعرت .. و قاسمتها الرقص .. و الفرح .. والحزن .. والركض .ضرب من محال ، أن عنى تتخلى .. فهي ليست ممن يعبرون ظلهم ، و عن بدائل يبحثون!!
كم أحبها أنا .. كل شيء فيها أعشق.. وجهها .. عينيها .. شعرها المسترسل .. شفتيها .. عودها .. حديثها .. غضبها .. فرحها .. كل ما يأتي منها !!
من اللف تعبت.. تعبت حد الموت .. ما عادت لي عينان لترى .. كثيرا بكيت .. هاهو ظل يقترب منى .. يحتك بي .. صارخا يلطمنى .. يغيظني .. بله يركلني .. وهو يتابع سيدته :" ياأبله ..كيف ضيعت صاحبتك ..أكيد أنت أبله ؟!!".
:" حقا .. كيف .. كبف ؟!!.
آن أن أعاود البحث .. كثيرا اشتقتها.. على الحركة غير قادر.. عاجز تماما .. فلأتحامل على نفسي .. هيا .. الآن .. ممعن أنت في وجعك .. ممنوع من أية راحة .. لابد تعرف .. تتأكد أولا .. أنها بخير حال .. نعم .. هيا أيها الظل الكسول المريض .. كان يجب أن تكون مثلها جميلا .. فتيا .. قويا .. هيا وهذا النواح فض.. عنها فتش كل الدروب .. فى أوجه العابرات حدق.. واحدة .. واحدة .. حتى تدركها .. و تصل إليها .. اسأل الطير .. الحيوان .. الشجر .. البحر .. عنها لا تبتعد .. لا تتوقف !!
ظل خاطف مربى:" هل أدلك على طريق أصوب للوصول ؟!".
:" ليتك تفعل .. ليتك سيدي ".
:" من نقطة الابتداء .. أين بدأت .. وكان لك وجود ؟!!".
:" هناك ..نعم ..عند مشارف نافذتها .. كانت معها بدايتي ".
:" هيه .. مالك تنسى بسرعة .. هيا .. أيها المأفون ".
:"يا ربى..لكن الطريق طويل ..طويل ومضني ..مضني !! ".
:" لو كنت مكانك محبوبا ومطلوبا ، لركبت الريح .. و الموج .. و الطير .. وكنت هناك ".
ووجدتني أخلفه ، وقد اشتط عقلي .. تعملق ، في حجم كرة أرضية أصبح ، تدور فيه رحى تواريخ قديمة .. كان الفراعين ملوكا وسحرة .. يرفعون صولجاناتهم في بأس .. هاهو أحدهم .. يلقيه .. يرتطم بالأرض فإذا هو رخ .. صوته يهز أركان المعمورة .. و هو يزفزف بجناحيه ، بينما يعتليه الفرعون ، و يحلق به .. شعرت أنى لم أكن يوما ضعيفا .. و لا متخاذلا .. في الهواء هومت.. طرت .. طرت عاليا .. ركبت ريحا و بحرا .. صوتها يناديني .. تصك أذني خفقات قلبها.. حنانها يدفئني .. حتى هناك أصبحت .. قرب نافذتها .. عبورا لن أستطيع إلا بها .. صرخت .. دبدبت .. بكيت أنا .. صوتها يأتي ضعيفا من الداخل.. واهنا .. يا ربى .. إنها مريضة .. تعانى .. آه .. آه .. أنا و ما أملك فدى آهتك .. أنا .. فأنا لا أساوى شيئا دونك .. أنا .. من فتحات النافذة الضيقة أبص.. يا الله ..تتوسد فراشها ..صوتها يمزقني .. يقتلني .. نار يعلو سعيرها .. تمتد .. تسحقني .. ما العمل إذن .. ؟ هل أظل معلقا هنا.. دون أن تشعر .. إنى هنا على نفس خط وجعها ؟ أتجه إلى الله .. أتوسله .. تحت عرشه أركع.. يارب .. أنا فداها .. خذني منى و أقل عثرتها .. أبكى بلا حيلة .. و ما يملك ظل .. ما يملك ؟!! لا أريد أن أكون ظلا .. أنا .. حقيقة أكون .. نعم .. لن أظل ظلا .. لن أستمر .. أنا .. هاهي تصحو .. وجها شاحبا ترفع.. أكاد أتحلل .. نتفا أتفكك .. تعالى .. قومي سيدتي .. كأنها تسمعني .. تبارح فراشها .. كأنها تشعر بالاختناق .. تتأرجح .. تكاد تقعى .. تنهار .. تتماسك .. تحيط رأسها بكفيها..تصرخ وجعا .. تدنو من النافذة .. منى .. أنا هنا سيدتي .. معك أنا .. أنا هو .. اقتربي ..لا تتوقفي سيدتي .. تفتح بيد ضعيفة النافذة .. نصبح وجها لوجه .
:" من .. أنت .. متى وصلت هنا .. متى ؟!!".
:" أنا .. هنا منذ قديم ".
:" أنت .. كم ناديت عليك .. و دائما ما كنت تقول مسافات .. سفر .. و تدمغ حديثك بحيلولة ما ".
:" و ها أنا سيدتي .. معك هنا ".
لم أستطع صبرا .. تجاوزت النافذة .. بين ذراعي لملمتها بحنان .. و أثقلتها تقبيلا .. و هي تكاد تصرخ ألما .. يا ربى .. لن أتوه عنك .. لن .:" أخيرا .. أخيرا .. أكان لا بد أمرض ... أكان .......عليك ......؟!!".
:" لا .. كنت دائما معك .. لم أفارقك .. كنت ظلك .. كنت ظلك .. ألم تشعري بي .. سيدتي .. ألم..... ؟!!".
:" مستحيل .. مستحيل ؟!!".
:" المستحيل ألا أكون هنا .. ألا أكون ظلا ".
فجأة اكتشف أنى لست وحدي .. كانت النافذة بالظلال تختلج .. يا ربى .. من هؤلاء .. من أين أتت .. من أين هي ؟!!
ودارت بي الأرض .. في رحابة الهواء هومت كورقة.. و الظلال تطاردني .. و تحاول تمزيقي .. كانت أنيابها مشهرة .. قاسية ، و قاتل لهاثها .. قاتل .. له رائحة نتنة .. مناديا الفرعون صرخت.. في لمح البصر أتى..كأنه يخترق أحشائي .. من بين ضلوعي يخرج.. على ظهر الرخ معه حملني.. طرق رأسي بعصاه .. تهت عن نفسي .. ما عدت أرى .. ما عدت .. هزني بقوة .. أز جسدي .. هتف بصوت رخامي :" لست ظلا من الآن .. أنت أنا .. بشرا تكون .. قويا .. فيك ما أحمل من بأس .. هيا .. و إياك و هذه الترهات .. لست ظلا ".
و أوقعني .. و هو يقهقه بغطرسة .. بينما أدور في دوامة .. و ألف عبر متاهات الفضاء .. و داخلي قوة لم أحسها من قبل .. أدرت بها اتجاهي .. نعم .. وجهتي حددت .. نافذتها هدفي .. و فورا كنت هناك .. بكل الظلال أطحت.. حولتها إلى أوراق خريفية .. كل أشباحها مزقت.. و خطوت داخل غرفتها .. كانت ما تزال تتوجع .. انحنيت عليها .. و بيدي تلمست وجهها .. صحت .. حدقت في وجهي .. تهللت .. استوت واقفة .. تخلصت من تعبها .. مرضها .. :" هكذا أردتك .. هكذا دائما .. ضمني بقوة ".
تعليق