وهج القناديل (رواية)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد غالمي
    عضو الملتقى
    • 22-10-2008
    • 64

    وهج القناديل (رواية)

    دب العياء في جسم الفتى وألح عليه النوم الذي ظل يداعب أجفانه منذ وطأت قدماه درج الحافلة. استوى على المقعد الخلفي جهة اليمين مما يلي النافذة، ودس رأسه بين ذراعيه المتشابكتين معتمدا على ظهر المقعد أمامه. بدا وكأنه في سبات عميق من دون أن يأبه لأزيز المحرك المتواصل ولا لهذه الحرارة المفرطة التي تكاد تخنق الأنفاس، أنفاس كتل من البشر أضناهم طول الرحلة فأخذ منهم التعب كل مأخذ، وغسل صبيب العرق وجوههم وأعناقهم. ساد المكان صمت رهيب كصمت المقابر كسره صوت محتد ندَ عن رضيع في حضن امرأة، ما فتئت رغم سطوة الحر تهدهده في رفق وتلقمه حلمة ثديها محاولة تهدئته وإجبار خاطره. لم يجد ذلك فتيلا، توالى صياح الرضيع دون انقطاع حتى ضج منه شيخ قابع في مقعد خلف المرأة يسار الحافلة. بدا الانزعاج مرسوما على جبهته المربدة، انتفض من مكانه مستشيطا غضبا معتمدا على كتف شاب يجاوره فسدد إلى ظهر المرأة لكزة مدوية ثم طفق يلوح بيمناه في عصبية لاغطا بلهجة مغربية ملتوية: "أطبقي بكفك على فمه أو القي به من النافذة فتريحينا من صخبه المزعج!" كذلك قصف المرأة بنيران لسانه البغيض واستوى على مقعده وفرائصه ترتجف من هرم لائكا بصوت مبحوح: "الويل لهذا المغرب السائب.. سبع وثلاثون سنة من عمر هذه الحضارة التي ما فتئت تطرق أبوابهم بلا جدوى.. وحوش قذرون.." طن هذا القذف في أذن الفتى طنينا كاد يمزق طبلتها ويخترق جدارها. كان في ذروة أحلامه محلقا في أجواء تلك الربوع التي ودعها بجسمه دون روحه، وكيف لا وقد نسج على بساطها أحلى لياليه، وفضاؤها الذي يعبق بأريج الذكريات لا يزال يداعب خواطره ويستفز جوارحه. فمن معين تلك الربوع نهل ومن زلال منابعها ابتلت عروقه، ولم تكن المتاعب التي تقاذفته رياحها الهوجاء لتثنيه عن عزمه أو تفل من شعاع ضميره، بل ظل صامدا قوي الشكيمة جلدا صلب العزيمة. ما يزال يجتر ذكرياته بتلذذ لولا زعيق هذا الخنزير الأجلف الذي آذى منه السمع على حين غرة لينكأ بتوجهه العنصري البغيض جراحا لم تندمل. لقد فطن لمصدر الصوت وصاحبه وأدرك بما جبل عليه من سرعة بديهة وسلامة حس ما يرمي إليه ذلك الشيخ الناقم الذي حقن المرأة بسم لسانه. رفع الفتى رأسه من بين ذراعيه وأداره يسرة صوب الرجل فرمقه بنظرات وشت بما يعتمل في صدره من حيرة وغضب. طرق خاطره فصل من حديث الذكريات مع ميسيو ريز أستاذ الرياضيات بثانوية المولى إدريس حيث درس الفتى . وعلى الرغم من سلاطة لسان المدرس لم يكن الفتى الوسيم يتوانى في استفزازه بشجاعة استفزازا جر عليه جملة من متاعب.. راح يجتر جانبا من هذه الخواطر بقلب حسير ونفس جريحة وعيناه الطافحتان بشرارة الغضب لم تبرحا الشيخ الغاضب ولا لسانه كف عن تأنيبه في صمت: "أنت وميسيو ريز من فصيلة واحدة.. كلاكما فرع من شجرة خبيثة، ولئن شق اجتثاثها من تحت الأرض فمناشيرنا جاهزة في درب صفيفح بفاس وحومة سيدي بوكيل بقصبة تادلة لفصلها من الساق" ثم التفت صوب أم الرضيع: لا عليك أيتها المسكينة، فلن تغفر وداعتك وضعفك لهذا الوحش جبروته وركوب رأسه" ثم ابتلع ريقه ومدد رأسه إلى خلف متنهدا في أسف عميق. كان الشاب الجالس يمين الشيخ يتابع حركات الفتى ويتفرس في عينيه الشاخصتين بكثير من الاهتمام وكأنه يستطلع ما تنطق به حالهما من انفعال يتأجج في النفس كاللظى. لقد ظل يساير أطوار الحادث الذي استهدف المرأة ولم يحرك ساكنا ولا أبدى امتعاضا حين رأى الحمامة تذل وتهان بغير جريرة. كان جل همه أن يجيل بصره بين المرأة المنكل بها وبين الفتى يتجرع زعاف ما عاين وسمع، وأكثر ما هاله من أمره ذلك التنهد الصاعد من الأعماق كحمم بركان، وسرعان ما افتر فوه عن ابتسامة تحمل أكثر من معنى حين رآه يستسلم لغفوة ألمت به. وبعد هنيهة انفرجت عينا الفتى على إيقاع يد تربت على كتفه فارتسم على وجهه بعض الانفعال وهو يحملق في الرجل المنتصب أمامه كالسارية، وكانت الحافلة قد توقفت عند مشارف مدينة خنيفرة لطارئ. قال الرجل وقد اعتمد بيمناه على ركيزة من حديد:
    ـ معذرة سيدي إذا كنت قد عكرت عليك الصفو بالإجهاز على أحلامك وإيقاف لذيذ نومك..
    لم يطمئن الفتى للرجل يختال في بزة زرقاء ازدانت بأزرار ونياشين نحاسية، ومن حزامه الجلدي يتدلى مسدس لف في غشاء. كان في حدود الثلاثين من عمره، طويل في غير إفراط، ذا جسم ضامر تضيء في وجهه عينان خضراوان. لم يعرف الفتى أي تيار جارف ألقى به في غياهب عالم من الأوهام، ولكن سرعان ما جنح بخياله هاتكا حجب تلك الأوهام، محلقا في أجواء أنفس الذكريات، فراح يستعيد أطوار آخر نشاط له في جامع القرويين توج به زادا نفيسا ما يزال مختزنا في وجدانه، تذكر مشاركته بالأمس في التجمع الاحتجاجي الذي نظمه أساتذة القرويين وطلبتهم إحياء للذكرى السادسة لإبعاد ثلة من رموز الوطنية وإجلائهم عن وطنهم. وتذكر كيف كان في مقدمة السيل العارم مرفوعا على سواعد المحتجين الذين ارتفعت حناجرهم بالتهليل والتكبير. والحق إن اليوم كان مشهودا جسد فيه حضوره كل مقومات الشخصية الفذة التي صقلت مواهبها في رحاب ثانوية مولى إدريس وجامعة القرويين. انتابه هاجس سرى في جسمه كالتيار لما استحضر جملة من الشعارات المناوئة لسلطة الحماية القائمة، وكان لا يتورع في ترديدها غير مبال بالعيون المنبثة هنالك، بيد أن ما جبل عليه من جرأة وتحد وما عهد فيه من رباطة جأش، كل ذلك أملى عليه أن يتمالك نفسه في مثل هذه الظروف الحساسة. نفض عن كاهله غبار الأوهام وما أوحت به من معاناة في الأقبية المعتمة ومكاتب الاستنطاق، واستبعد أن يكون مستهدفا فرد على موقظه ومزعج أحلامه:
    ـ كيف يتسنى للنوم أن يطيب والأحلام أن تلذ داخل هذا الحمام الساخن؟ أما أحرجك العرق يغسل وجهك وسائر بدنك؟
    صدرت عن الرجل ابتسامة تمج سخرية وتقطر استعلاء، إذ لمس في كلام الفتى بعض التحدي لسلطته والتطاول على شخصه، لكنه لم يجد من عزاء يعيد إليه اعتباره سوى أن رد في لهجة مستخفة تضمر سخطا وتبرما:
    ـ على أي فهذه بلادكم وأنت مواليها.. حرارة ملهبة صيفا وبرد قارص شتاء..
    تعمد الفتى أن يجاريه فأجاب على التو مصعدا من لهجته:
    ـ ومن أرغمكم على البقاء فيها يا هذا؟ نحن هنا وأنتم هنالك فيما وراء البحر! أليس البحر يحجز بيننا وبينكم؟
    لم يستطب الضابط هذه الجرأة الموسومة بالتحدي لأنها روعت نفسه كالصاعقة، ورام التظاهر بشيء من الهدوء تخالطه استهانة فطلب منه ما يثبت هويته من وثائق...
    كان الفتى في شغل شاغل غير عابئ بالضابط يتفحص الوثيقتين، إذ سرعان ما سرح ببصره عبر زجاج النافذة يتملى في رحاب هذا العالم الرحب الذي لا تحده العين؛ فهذه النجود تجللها أشجار البلوط ونبات الحلفاء والسدر، وهذه الوهاد المحصنة بعواتي الصخور انبثت فيها الآجام التي اتخذت منها الأسد عرانين تأوي إليها، وجعلت منها الذئاب والثعالب جحورا تهرع إليها. سكنت الحركة وساد منطق الهدوء حتى الطيور التي كانت تصدح في أول النهار احتمت في أوكارها اتقاء حمَارة القيظ، ولم يعد يسمع من الأصوات إلا أزيز بعض الحشرات الذي يزداد حدة كلما احتد الهجير. ظل الفتى في أوج التملي بروعة ها المشهد يغمر سائر وجدانه حين بادر الضابط مستفسرا عما يعنيه الاسم المثبت على ظهر بطاقة التعريف! أدار الفتى رأسه على مهل صوب الرجل في استهانة دلت عليها حركات عينيه الشاخصتين المستفسرتين في رزانة كأنما يقول له: لم أفهم قصدك! ثم خاطبه متسائلا:
    ـ لم تجشم نفسك عناء البحث عن طبيعة الاسم؟
    أجاب ساخرا
    ـ لأنه بدا لي غريبا وغير مألوف في أوساطكم كأحمد والعربي!
    أبدى الفتى انشراحا ورد مستنكرا:
    ـ وما وجه الغرابة في "بدر" ألا يعني ذلك الكوكب الذي يشع بنوره في هذه الأرجاء فيبدد ظلمات الليالي الداجية؟ (وهو يشير ببنانه إلى ما وراء النافذة)
    قال الدركي وهو يلامس شاربه الكث:
    ـ اسمك يعني القمر إذن؟ (ثم واصل وعيناه تجوسان في الوثيقة الثانية) لو تفضلت بفك هذه الرموز المستعصية!
    أجاب بدر من دون مبالاة بالرجل يعيد إليه الوثيقة:
    ـ إنها شهادة تقدير من إدارة القرويين!
    ندت عن الضابط ابتسامة باهتة لم تنفرج لها شفتاه وقال:
    ـ وما شأنك أنت والقرويين؟ ألست طالبا بثانوية مولاي إدريس كما هو مثبت على ظهر بطاقتك؟ على أي لم تتعب نفسك وتحملها ما لا يطاق؟
    ـ كيف ينال مني التعب في تلك الأجواء التي تسخو وتجود؟
    وتساءل الضابط باستغراب:
    ـ تسخو وتجود؟ بماذا؟
    ـ بما تمدنا به من الطاقة! إن بدرا ليستمد نوره من فضاء تلك الأعتاب التي يجد فيها الجريح ما يضمد جروحه ويخفف أوصابه ومتاعبه..
    عاد الوسواس يدغدغ ما بين جوانحه حين حلق بخياله إلى الوراء، فذكر كيف كان يناوش بعض زملائه التلاميذ من الفرنسيين أو بعضا من الأطر الإدارية العاملة في المؤسسة، فتراه يلح في استفزاز مشاعرهم وإثارة حفيظتهم بدعاباته المشربة بسخرية لاذعة، قال لأحدهم مرة: " لم تركتم بلادكم ونزلتم في أرضنا كالجراد؟ كيف سيكون موقفكم لو داهمنا نحن بيوتكم وصرنا أوصياء على مأكلكم ومشربكم وضابطين حركاتكم وسكناتكم؟ فهل يرضيك هذا يا سليل الغرباء؟" وذكر كيف أثار هذا الاستفزاز عواصف من الاعتراض والتنديد حركت في نفوس بعض المندسين في صفوف الطلبة كل نوازع الشر، فكانت السعاية وتعاقبت المتاعب باحتداد الفتنة، سواء في مكتب المدير عين الحاكم والكومسير أوفي مخفر البوليس. تساءل بدر في خاطره وهو شارد يختلس النظر إلى الضابط: هل يروم هذا المخلوق إيذائي ؟ وإلا فما شأنه بالقرويين؟ وإلى ماذا يرمي بسؤاله هذا الذي يعدم براءة "لم تتعب نفسك وتحملها ما لا يطاق؟" لا لا أعتقد أنه يضمر لي مكروها أو يبيت شرا، ولو كان الأمر كذلك لما توانى في الانقضاض علي وإخراجي مهانا مقرنا في الأصفاد. والحق إن بدرا لم يكن في غفلة عن تبعات مواقفه، إذ كان ذلك الهاجس يروع فؤاده ولا يبرح عقله أينما حل وارتحل، ولكن أخوف ما يخافه أن يؤذي أمه في مشاعرها إذا ما وقعت الواقعة، فيؤنبه آنئذ ضميره على ما استهان به من وصاياها الثلاث، تلك التي كانت تشيعه بها كلما حزم حقيبته وتأهب للسفر ميمما شطر عاصمة المغرب العلمية: (احذر الانزلاق في مهاوي الرذيلة والسير في مسالك الموت!.. اهتم بدروسك وجانب رفقة السوء ..) وسرعان ما انقشعت غيوم الأوهام وعاد إلى الذهن صفاؤه وإلى النفس انشراحها، فاستطرد قائلا وهو الذي أخذ على نفسه وعدا بألا يندحر أمام هذه النماذج البشرية:
    ـ وهل الانتماء إلى القرويين والنهل من منابعه جريمة؟ اللهمَ إن كان ذلك بندا من بنود شريعتكم!
    ندت عن الرجل ابتسامة افتر لها فوه واقترب من الفتى كأنما يريد أن يسر له أمرا فقال بصوت خفيض "كفاك منابع مولاي إدريس التي تسقيك الماء الزلال وأرح نفسك من منابع البلادة وبؤر الدجل!" في هذه الأثناء تراجع الضابط إلى الوراء بعد أن سلم الفتى وثيقتيه، وجعل يلوح بسبابته فيما يشبه التحذير "رد بالك يا قمر! ثم نكص على عقبيه. مافتئ بدر يشيع الرجل بنظراته احتقارا، وحاول أن يهضم ما لهج به ولم ينهضم فاكتفى بأن مقته في نفسه ثم أسند رأسه إلى خلف وهو كظيم. وقبل أن يغمض عينيه تفاجأ بالشاب الذي كان جالسا يسار الشيخ الأحدب ينتقل إلى المقعد الشاغر بجنبه ويملأه بدون استئذان مخاطبا إياه:
    ـ كيف اختارك القدر وسلط عليك ببغاوين نغصا عليك الرحلة؟
    اتسعت عينا بدر دهشة ولاح فيهما انزعاج مشوب بإنكار كأنما يقول للشاب المتطفل "خلت أنني انتهيت من أمر ببغاوين فحط بجانبي ببغاء ثالث.. لعنة الله عليكم جميعا أبناء عيسى المتمردين!
    بات بدر مترددا في أن يبقي الباب موصدا في وجه محدثه تلافيا لعواقب محتملة وإراحة للضمير أو يفسح له المجال ليصول كسابقيه؟ راح يسائل نفسه وعيناه شاخصتان في سقف الحافلة: وما أدرانا في أمر هذا الشاب الذي آثر الجلوس إلى جانبي؟ ومن عساه يكون؟ ثعبان؟! فليكن.. ولساني ميزاني نزولا عند رغبة أمي.. فكلما طاب الحديث وتشنج رسمت له حدودا ما أجدر ألا يجنح وراءها، واللبيب من عرف قدره... جزاك الله خيرا ـ سيدي أحمد الفاسي ـ لقد علمتنا أصول الحكمة والتعقل وغرست في نفوسنا فلسفة الحذر، أنت الذي لا تفتأ تردد على مسامعنا قول الشاعر:
    من استنام إلى الأشرار نام وفي ** قميصه منهم صل وثعبــــــان
    ثم التفت جهة محدثه واستفسر فيما يشبه الاستنكار:
    ـ هل أشفى الببغاء الأول غليلك؟
    تنفس الشاب الصعداء بعد أن بلغ قصده في استدراج الفتى إلى الحديث فرد كمن فكت عقدة لسانه بعد خرس:
    ـ صراحة لم ترضني شطحاته.. لقد حز في نفسي تصرفه الأرعن في حق امرأة مسالمة! ثم استطرد كالمتسائل: ولكن ما العمل؟ الرجل طاعن في السن ولا يتمالك نفسه من ارتعاش.. (قال ذلك وهم بفتح كتاب وضعه على ركبتيه)
    آثر بدر نهج هذا النوع من الحوار ليتسنى له بعد ذلك أن يجس النبض ويسبر الأغوار مجنبا نفسه مغبة الانسياق مع كل تيار جارف قد يلقي به في مزالق التهلكة، هو في غنى عنها اللحظة، ولكن إلى حين.. إلى حين تعلق وصية الأم.. حين يفرض مبدأ "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" نفسه، ثم التفت إليه بعينين شبه زائغتين وقد اكتفى بأن ردد في خاطره.."يعلم الله ما تنطوي عليه نفسك وما يتحرك في وعاء دماغك". كان الشاب منهمكا في تصفح كتابه حين داهمه بدر بسؤال ثان:
    ـ وما رأيك في الببغاء الثاني؟
    رفع الشاب رأسه مبقيا على سبابته تفصل بين دفتي الكتاب وأجاب:
    (يتبع)
    التعديل الأخير تم بواسطة محمد غالمي; الساعة 22-01-2010, 21:00.
    محمد غالمي ـ روائي
  • محمد غالمي
    عضو الملتقى
    • 22-10-2008
    • 64

    #2
    ـ لا أخفي عنك سرا فقد كان الضابط فضوليا بعض الوقت، لكن سداد رأيك وصلابة موقفك وأنت تقرع الحجة بالحجة أهزأ من شطحاته وأكثر عبثا بها.. فما أخطأ السبيل من أسماك بدرا!
    لم يجد الفتى من فائدة في التعليق على هذا الإطراء الموضوع في حكم المشبوه، فتوجه إلى جليسه مستفسرا بعد أن أثنى على نبل عواطفه كما يقتضي أدب الحديث:
    ـ وما اسم حضرتك أنت؟
    ـ أنا فيليب كوستي طالب في ليسي ليوطي في كازا!
    ـ أنت تقيم إذن في مدينة الدار البيضاء؟
    ـ لا، حاليا نقيم في تادلة.. ولكن لا أبرح الدار البيضاء إلا لماما لما لدي فيها من مآرب!
    وحين سأله بدر عن طبيعة المآرب اغتنمها الآخر مناسبة فتحدث بإسهاب عن نشاطه في الحزب الشيوعي وارتباطه بنقابة الاتحاد العام للنقابات الموحدة بالمغرب.. وازداد بدر يقينا وهو يختلس النظر إلى الكتاب الذي يضعه فيليب على ركبتيه فيقرأ على الغلاف"نقد الاقتصاد السياسي لكارل ماركس. بيد أن اسم تادلة الذي جرى على لسانه بعثر كل أوراقه، وكان له وقع خاص في نفسه. وفي لهفة انتفضت لها جوارحه، كمن تفاجئه بكسرة خبز وهو في ذروة السغب والظمأ، ردد متسائلا في همس وهو يتفرس في محاوره بعينين منزعجتين:
    ـ تادلة؟ ألست من أقرباء السيد كوستي بائع قطع الغيار في الكانتنات؟
    رد فيليب مزهوا:
    ـ إنه أبي! فهل تعرفه يا هذا؟ (وأومأ ببنانه صوب الشيخ الناقم) وذاك الرجل غريمك يقيم هو الآخر في تادلة، ألم تسمع به هناك؟ إنه يدعى السيد باطيش صاحب ماكينة الدوم في "زمكيل"!
    اشمأز بدر من ذكر الغريم فلم يعره اهتماما ثم أجاب برزانة مشوبة بالحذر:
    ـ ومن في تادلة جميعها لا يعرف السيد كوستي التاجر والمقاول وصاحب الضيعة الحمراء..؟!
    وقاطعه فيليب معددا بعض ممتلكات أبيه: ولنا كذلك ضيعات في آيت علي ومجاط ، أما الضيعة الحمراء فهي مقر سكنانا..
    لازم الفتى بعض الصمت ساخرا من لسان محاوره المتعالي، وأشاح بوجهه صوب النافذة عن يمينه كأنما يروم تعليق الحديث والتلميح إلى الرغبة عنه، أدرك ذلك فيليب وتنبه إليه بحكم فراسته فآثر تكسير الصمت ليعيد إلى نفسه الاطمئنان ويجنبها مذلة الصد، فقال:
    ـ آن لك أن تأخذ قسطا من الراحة، فالرحلة متعبة والحديث لا ينتهي..
    جعل بدر يسبح ببصره في هذا الفضاء المترامي ونسائم الأصيل المحملة بأريج الحقول تنساب غبر زجاج النافذة فتداعب أنفه وسائر حواسه. ابتهج من ظلال الأدواح السامقة، والتلال الشامخة تبسط أرديتها السمراء هنا وهناك حتى لامست الصخور الصلدة الناتئة وأطفأت وهجها. ولاحت صوادح الطير سابحة في الأجواء كأنما تعبر عن فرحة أسير فك عقاله.. ما تزال الراحلة تجد في سيرها وقد اجتازت عوائق المنعرجات، وبدا الطريق مستويا تحاصره ضيعات المعمرين من كل اتجاه؛ فهذه ضيعة المعمر لوفراني التي لا يحدها النظر وقد انتصب منزلها ذو السقف القرميدي الأحمر وسط مزارع القمح والحنطة، وتلك جهة اليمين ضيعة "شارل" وقد بدت في شساعتها كبحر تسبح في أعاليه آلة حصاد تلتهم السنابل التهاما ولا يظهر منها سوى مقصورتها المربعة ، وهذا القطيع من البقر الهولندي الحلوب منبثا في الأرجاء يلس التبن والقش وبقايا الجذوع هادئا مطمئنا.. ما فتئ بدر يتملى عبر الزجاج في فردوسه شبه المفقود، فيعوج بنظراته على حقل يانع محاذ للطريق الرئيسي وقد اشتغلت في مركزه وجنباته رشاشات المياه، والمعمرة سالينا تتجول في أنحاء روضها العطر على صهوة حصانها. تفاجأ الركاب بالسائق يكبح جماح الحافلة على حين غرة فاسحا المجال لفلاحة مسنة تجوز الطريق، ما تزال تهرول وراء أتانها المحملة يقلل ماء مجلوب من بئر نائية.. ظل بدر مشدودا إليها عبر النافذة المشرعة، حتى إذا انحرفت جهة كوخ منتصب هناك في الأحراش عند قدم الجبل رجع إلى وضعه العادي، وضحك من ثقل الهمِ حتى اغرورقت عيناه!! في هذه اللحظة استفاق فيليب على سعلة كثغاء شاة مبحوحة ندت عن الشيخ باطيش، رفع عينيه إلى ما وراء النوافذ وهتف بغير إرادة مخاطبا بدرا السكران بغير سكر: ها هي ذي ضيعتنا! وذاك منزلنا، أنظر.. حول بدر بصره إلى حيث أشار الآخر وكانت نظراته تعكس كل معاني الخزي والنقمة، فماذا يرى؟ إقامة الضيعة الحمراء رابضة هناك ولا يكاد يرى منها إلا بعض نوافذها المشرعة وسقفها المزدان بالأجور الأحمر وسط لفيف من أشجار الليمون والزيتون والتفاح والتوت والإجاص، والكل تحصن بسياج من سوامق الصفصاف والسنديان المنتصبة في شموخ كأنها المردة..

    وجه بصره نحو محدثه ونطق في صمت مرير: تلك مزرعة لوفراني تحاذيها ضيعة شارل وحقل المعمرة سالينا، وهذه مزرعتكم وهذا مغناكم، فقد رأيت! وبآيت علي ومجاط ضيعات لكم وقد سمعت، ولكن مالي ألفاك كالحمار يحمل أسفارا؟ وإلا فما رأي ماركس وكتابه ذاك؟ وما قول نقابتكم في هذا الجشع السافر؟ (لنا هذا وهذه وتلك وهذا..) ومن أين لكم هذا؟ عجيب والله أمركم، وأغرب ما فيه لغزكم المحير! ثم تحرر من بحر خواطره وخرق حجاب وجومه مستفسرا:
    ـ ولم لا تختزل الطريق وتستأذن السائق بالنزول؟
    قال فيليب:
    ـ بل أفضل أن أزور والدي أولا فنطمئن على بعضنا كما اعتدنا، وفي المساء نروح إلى الضيعة على متن سيارتنا الخاصة..
    قال ذلك ولاح في عينيه اهتمام كأنما تعبران عن رغبة ملحة، ثم ما لبث أن تحرر لسانه من أسر التردد فاستطرد مفتعلا ابتسامة: وددت لو أتشرف بمقابلتك يوما فنواصل الحديث ونتبادل الرأي والمشورة.. أسعدني الجلوس إلى جانبك والاستئناس برجاحة عقلك وصريح قولك، أنا الذي لم أتخذ من بني جلدتي خلا ولا ندا، ولكن الصدفة خير من ألف ميعاد، فهل تمانع في أن نضرب موعدا للقاء؟
    لم يكن بدر يتوقع هذا الطلب وإن آنس من الشاب قربا لاعتبارات استخلصها وهو يجس النبض ، فانتهى بألا خطر منه يحدق، وأغلب الظن أن انتماءه النقابي وكتاب "نقد الاقتصاد السياسي لكارل ماركس الذي لا يفتأ يقلب صفحاته من حين لآخر، وأباه الشهير بالسيد كوستي في قلب حي الكانتنات، كل ذلك قمين بجعل فيليب في منأى عن الشبهات.. كان بدر يستعيد هذه الهواجس حين جذبته المساكن والبنايات متناثرات، الأمر الذي ملك عليه نفسه وجوارحه فعجل في الرد من دون حسم:
    ـ سوف نبث في الأمر ونقرر حين نصل..
    أحس بدر بلذة عارمة انفعلت لها نفسه وخفق فؤاده حين لاح أمام ناظريه وجه الحياة النائمة وراء نهر أم الربيع المنساب، شعر بشوق جرفه نحو دنياه الفسيحة الأرجاء، نحو منشأ الصبا بأفراحه وأتراحه وملتقى آله وأخدانه. كانت سطوح الدور ـ كما يعاينها جميع الركاب ـ متلاصقة والدروب ضيقة تستقيم وتنحرف ثم تعلو وتنخفض وهي تعزف نغمتها الرتيبة وتجتر طقوسها المعهودة وتكتوي بلظى عزلتها. وفيما وراء ذلك السور العتيق ـ سور القصبة الإسماعيلية ـ بدا حي الكانتنات في كامل أبهته وأوج نخوته، شوارعه الرحبة تمتد في نظام متناسق وقد اصطفت على جنباتها سامقات النخيل فأضفت باخضرار جريدها حلة زاهية على المكان. وتلك المغاني كما تلوح من وراء الزجاج تكللها تيجان من قرميد أحمر وأخضر وتحفها أسوار من إسمنت تدلى منها اللبلاب والياسمين، وبين هذا وذاك لاحت مئذنة شاهقة في قلب المدينة، وغير بعيد عنها مئذنتان أثريتان قامتا بين أسوار القصبة الإسماعيلية.
    غير بعيد عن متجر السيد كوستي بائع قطع الغيار وقف بدر وفيليب ـ وكانت الحافلة قد وصلت نقطة النهاية بعد لأي ـ واندمجا في حديث ثنائي. كان فيليب يتكلم والبشاشة تعلو محياه، وقد بدا بقامته المائلة إلى قصر ممتلئ الجسم بض اليدين، ازدان وجهه الأبيض بعينين عسليتين وأنف قرمزي، ولحيته السوداء المشذبة بعناية تغطي سائر الوجه ولم يبد أثر لشفتيه اللتين غرقتا في شعر اللحية الكثيفة والشارب الكث، وآية ذلك كله شعر أسود ناعم انسدل حتى وارى قذاله. وأما بدر فقد أسند ظهره إلى عمود كهربائي وشبك ذراعيه إلى صدره وحقيبته الجلدية بين ساقيه. كان زيه حقا مواتيا بشرته المائلة إلى سمرة، إذ أخذ يرفل في قميص صيفي أبيض شفاف أبانت فرجته عن شعيرات تناثرت في صدره، وسروال أزرق داكن وحداء أسود لامع. كان شعره الفاحم متموجا لصلابة شعيراته وقد مشطه إلى خلف فلاح من الوجه الحالم عينان سوداوان اتسعت حدقتاهما. كان الجو في هذه اللحظة لطيفا تتخلله من حين لآخر نسائم ساخنة تندر بليلة ليلاء، وجعل الظل يزحف رويدا رويدا حتى كاد يغطي واجهات المتاجر والمخابز والحانات وصالونات الحلاقة والخياطة وأبراج الكنيسة منذرا بالغروب. قال فيليب وقد ارتسمت على وجهه سمات الاطمئنان:
    ـ اتفقنا إذن، سوف نلتقي يوم الأحد في بار مدام جورج!
    اضطرب بدر فعلا لهذا الموعد أول الأمر اضطرابا شديدا حتى كاد يلغيه، فهو لم يعتد أصلا الدخول إلى البارات، لذلك اضطرب خاطره لا رغبة عن الموعد وصاحبه بل أراد أن يبقى كل تواصل لمحض الصدف، ولكن لأمر ما رد وهو يمد يده مودعا:
    ـ فليكن بعد غد السبت..
    **تحرك بدر في بطء يقطع الشارع الطويل حتى انتهى عند مقر قيادة الحاكم "لاكومب". جد في مشيه وهو يعبر الطريق الإسفلتي الترب إلى حي سيدي بوكيل.. صادف في طريقه وجوها كثيرة من معارفه وجيرانه في الحي، وأبرزهم الحسين الدباغ يقود دراجته العتيقة ويحمل على مؤخرتها ما أعد من جلود غنم مدبوغة، وعرضها على بعض زبائنه النصارى في حي الكانتنات. وصل الفتى إلى زنيقة اليهود وانعطف عن يسار أفضى به إلى ساحة السوق، وكانت فسيحة ترباء شبه فارغة إلا من حلقة شعبية أمها سكان الحي والأحياء المجاورة لتزجية الوقت. كانت الحركة والنشاط يحتدان في الساحة طيلة يوم الإثنين فيكتظ السوق عن آخره بما يعرض في كل أنحائه من ضروب السلع، تغزوه جحافل البدو الرحل من القرى والدواوير المجاورة لبيع سمن أو زرع أو شاة، ومن ثم ابتياع ما يكفي لمدة أسبوع من سكر وشاي وشموع، ولا يهدأ فيه تيار السابلة إلا قبيل الغروب. اصطفت في جنبات الساحة المستطيلة خربات من قصدير وحوانيت أعدت أصلا كمتاجر للتبضع، وفي الجانب الآخر أقيم المسجد الأعظم تعلوه صومعته السامقة المشرفة على سطوح دور حي سيدي بوكيل والزرايب وأكواخ حي المرس ومغاني الكانتنات الأنيقة. حول بدر بصره إلى ما وراء ساحة السوق غربا مجيلا إياه في الأزقة الضيقة ودروبها الملتوية التربى، وهذه البيوت المتلاصقة في غير نظام وقد تناسلت كالجراد وتفطرت بعض حيطانها المشرفة على الوادي، وبين الحي والوادي جثا ضريح سيدي بوكيل أبيض كالحمامة، تعلوه قبة مستديرة تطل على النهر وقد ازدان قطرها بثلاث كويرات نحاسية شدت إلى بعضها في هيئة عمودية. لم تلبث عينا الفتى أن استقرتا في ساحة العنطيز، تلك الضفة التي فوق رمالها عبث وتسلى ولها، وفي أغوار النهر المنساب سبح وغطس ومن على قمة تلك الحصيدة أو الربوة الشاهقة قفز فأثارت حركاته البهلوانية، قبل أن ينغمس في أعماق النهر، إعجاب خلانه ورفاق طفولته.. ومن كمثل "دينا" اليهودية الوديعة والجارة بالجنب، حاز السبق في الإعجاب؟ تذكر وهو يتملى في هذه المعالم الخالدة ما تجرعه من مرارة في سبيل دينا!
    ** وهذا الغاب الملتف بأشجار الصفصاف يجذب بصره جذبا فيثير فيه إحساسا كادت نفسه تنفطر من جراء إيلامه.."يا إلهي، هل أنت محاسب مخلوقك الضعيف على كبوات صباه وأفراسه؟" ومهما يكن فقد أثار منظر الغاب في نفسه ذكريات ما فتئت تربض في وعيه الباطن كالبركان لا يلبث يثور مهما طال به الرقاد.. حلقت حوله أطياف الأيام الخوالي وذكر فيما ذكر يوم شخص دور العريس بينما تقمصت دينا دور العروس، وكيف شيعه أترابه الشياطين في زفة انطلقت من جنب الوادي إلى ضريح سيدي بوكيل، وأطلقوا حناجرهم على السجية بغناء طفولي برئ وأهازيج شعبية من موروث حيهم ـ حي سيدي بوكيل طبعا ـ ثم انتصبوا وراء السور مشغلين آذانهم، حتى إذا خلا الجو لسلطان زمانه انقض على فريسته مجسدا دوره الرجولي في عبث الصبيان، وكاد يصيب الهدف لولا صياح الصبية المحتد ومقاومتها الشديدة. والحق إن هذه الزلة كلفته أبهظ الأثمان؛ إذ ما نزل عليه من العقاب في بيت أبويه كان أفدح وأفظع، على جسده الذي زخرفه السوط حينا وبطنه الذي بات على الطوى آونة إلا من كسرة خبز وجرعة ماء لا تبل غلة، وقد ألقي به في المربط فكان رابع البغلين والحمار وراء حائط ربضت خلفه النعاج. وإن ينس فلن ينسى غداة ألقى به أبوه في جوف"الطارمة" مخزن الحبوب فقضى يومه في ظلمة كجوف كهف حتى كادت رائحة الشعير الحائل تخنق أنفاسه، وأما الحشرات السارحة في كثبان القمح فلم تشفع له هي الأخرى زلته، إذ أذاقته فنونا من اللسع قضت مضجعه.. ولم يمض غير شهر على حادث دينا حتى عاود عبثه الطفولي، وكان الضحية هذه المرة حيزون ولد رحمة اليهودية الشقيق الأصغر لدينا، فقد اختلى وصحبه به في ساحة العنطيز وأصروا على ختانه كما زين لهم خيالهم القاصر، فنزعوا تبانه وباشر بدر مهمته مجسدا دور خالي إسماعيل الحلاق، بيد أن هذا الأخير كان يستعمل مقصا كبيرا من القصدير السميك كلما استدعي لختان صبية الحي، بينما استعمل بدر قطعة من حديد صدئة أحدثت جرحا غائرا في قلفة اليهودي فولى إلى بيت دويه ينزف دما...واستعاد من الذكريات ما كانت في إبانها مضحكة مسلية وأمست مع مر الزمان مخجلة مبكية، ذكر وهو سيد الفرقة وزعيمها بلا منازع يوم كان يشرف على طابور العصر كما كان يسميه، يحافظ على نظام جنوده، من صفوة رفاقه وخلانه، ويحرص على كبح جماح كل متنطع خرق الحدود فيه.. فهذا عمر ينتظر دوره على أحر من الجمر فتراه مشرئبا بعنقه نحو باب خربة كانت مأوى للعنطيز الأحمق فهجرها، حتى إذا لاح له شبح يهم بالخروج تقدم في رغبة جامحة، فانجحر من دون أن يمهل المسكينة حتى تسترد أنفاسها! كان الله في عونك يا حمارة عمي بوشتى!.. غير أن بدرا الذي أبت نفسه خوض غمار اللعبة القذرة ما لبث يتألم وهو يستعيد المهمة التي أناط نفسه بها وتجشم أتعابها من دون أن يعي تبعاتها. ألم يكن حريصا على ضبط نظام الطابور؟ ألم يتصدى يوما لحميدو الكسلان الذي ركب رأسه عصر يوم وتعجل دوره متجاوزا "حقوق" الرقاب المتلهفة؟ بلى وقد حدث هذا وكان، ولكن كان يا ما كان في قديم الزمان وسالف الدهر والأوان.. وقف بدر يتملى شاخص البصر إلى الضفة الأخرى للوادي وقرص الشمس ينغرس في الأفق البعيد رويدا .. كان بعض صغار الفرنسيين يحجون إلى الربوة كل يوم أحد على دراجاتهم أو صهوات خيولهم من مساكنهم المحيطة ببناية السد، فيصطفون جنبا إلى جنب يتسلون بصيد السمك وفي أيديهم قصبات الخيزران، وآخرون آثروا القنص فصوبوا بنادقهم إلى الأرانب الراتعة في البراري المحاذية.. لم يكن أبناء حي سيدي بوكيل في الضفة المقابلة يأبهون للباسهم الأنيق، ولا تثيرهم وسائل
    محمد غالمي ـ روائي

    تعليق

    • عائده محمد نادر
      عضو الملتقى
      • 18-10-2008
      • 12843

      #3
      الزميل القدير
      محمد غالمي
      أرجو من زميلي أن تجزأ النص كي يتسنى للزملاء والزميلات قراءته
      الرواية عادة تكون طويلة ولهذا تصعب القراءة لأن الوقت الذي يلزم كثير
      قسم الرواية لأجزاء معقولة الطول كي نستطيع الولوج لعالمها
      كبر الخط قليلا فهو متعب للعين
      أشكرك كثيرا لو فعلت ذلك كي ننصف نصك وأتمنى عليك أن تدخل على نصوص الزملاء وتقرأ لهم أيضا كي يتعرفوا عليك وتتعرف عليهم
      تحياتي ومودتي لك
      الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

      تعليق

      • محمد غالمي
        عضو الملتقى
        • 22-10-2008
        • 64

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة عائده محمد نادر مشاهدة المشاركة
        الزميل القدير
        محمد غالمي
        أرجو من زميلي أن تجزأ النص كي يتسنى للزملاء والزميلات قراءته
        الرواية عادة تكون طويلة ولهذا تصعب القراءة لأن الوقت الذي يلزم كثير
        قسم الرواية لأجزاء معقولة الطول كي نستطيع الولوج لعالمها
        كبر الخط قليلا فهو متعب للعين
        أشكرك كثيرا لو فعلت ذلك كي ننصف نصك وأتمنى عليك أن تدخل على نصوص الزملاء وتقرأ لهم أيضا كي يتعرفوا عليك وتتعرف عليهم
        تحياتي ومودتي لك
        الأخت الكريمة عائدة.. عمت مساء
        بداية أشكر لك تقديرك لحرصي على تقديم هذا العمل الإبداعي المتواضع، وكلي أمل أن ينال رضا القارئ المحترم..
        فماذا تقصدين أختي بأجزاء معقولة؟ علما بأن الجزء أو الفصل بالغ الطول، وعرضه دفعة واحدة يقتضي الفصل بين الأجزاء بمدة زمنية معقولة حتى يتسنى للقارئ الكريم حيازة النطباع شامل على الفضاء النصي..
        لذلك فقد آثرت أن أقدم هذا العمل في حلقات متتالية، بحيث لا يتجاوز الموضوع حدود صفحة أو صفحتين، وفي رأيي أن هذه الوسيلة ستمكن القارئ من القبض على زمام الحدث.. وهذا مجرد رأي.. هل يكون الخط أكبر مما هو عليه أم العكس؟
        وإذ أعتبر نفسي حديث عهد بالملتقى فإني لن أدخر جهدا في التواصل مع الإخوة أعضاء هذه الملتقى الإشعاعي النبيل..
        تحياتي وتقديري
        محمد غالمي
        التعديل الأخير تم بواسطة محمد غالمي; الساعة 24-01-2010, 21:10.
        محمد غالمي ـ روائي

        تعليق

        • عائده محمد نادر
          عضو الملتقى
          • 18-10-2008
          • 12843

          #5
          الزميل القدير
          محمد غالمي
          هلا وغلا بك بيننا
          قصدت أن تجعل الجزء أصغر من هذا كي لايجد القاريء نفسه أمام صفحات طويلة وربما يؤجل القراءة وبعدها ينسى ولايأخذ النص مداه وحقه
          أنت تعرف الأنترنت وسرعة العصر ومتطلباته والرواية تحتاج لوقت طويل جدا لهذا أرى أن تجزء النص لأقل من هذا وإن أحببت أساعدك فلامانع عندي مطلقا
          أنا مع التجزئة ولست ضدها لأنها ستتيح للنص فرصة أكبر للقراءة أما بالنسبة للخط فأنه صغير في الجزء الأول ويتعب العين كبره قليلا
          تحياتي لك
          الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

          تعليق

          • محمد غالمي
            عضو الملتقى
            • 22-10-2008
            • 64

            #6
            ترفيههم الحديثة بقدر ما أثارهم وأحرجهم ما انطبع في نفوسهم من كون أولئك مجرد غرباء سقطوا بالمظلات وجاءوا ليسرقوا منهم الضفة والوادي، ذلك ما أشعرهم بدونية ممضة أكلت قلوبهم ونغصت عليهم سويعات اللهو والعبث، لذلك لم يلفوا من وسيلة يثأرون بها لأنفسهم سوى أن يعكروا على الدخيل صفة المتعة ويسلبوهم لذة الصيد والقنص.. أذن فيهم الزعيم بدر بصفارته العاجية فتركوا ما هم فيه من غطس في الماء وتراشق بالرمال وصيد العصافير، وأمسك كل واحد بحجرة تنفيذا للأوامر ثم جعلوا يقذفون بها قذفة رجل واحد إلى عرض المياه القريبة من الربوة فينزعج السمك ويفر، وتضيق صدور النصارى شماتة وغيظا ولم يتورعوا بدافع عصبية مقيتة جبلوا عليها في إثارة حفيظة أبناء الحي، فجعلوا يرددون جميعا في لهجة محلية ملتوية أدرك الآخرون رسالتها: " يا أولاد الزبالة.. يا وكالين النخالة وشرابين الغسالة" وفاضت نفس مراهق نصراني آخر حنقا فصوب بندقيته إلى الجمع بالضفة المقابلة وتصيب رصاصة طائشة يد أعز خلان بدر فتتسبب في بتر إصبعه، وينتفض باقي الرفاق كالعصافير المذعورة فيولون من الباغي فرارا بجلودهم صوب ضريح سيدي بوكيل يحتمون به.. دمعت عينا بدر فأوقف هذا الشريط وهو يسرح ببصره في عرض مياه النهر، ولم يبق للشمس في هذه اللحظة من أثر سوى تلك الأشعة الدامية التي تلوح في الآفاق النائية وقد عفرت بأديمها الوردي أديم الغيوم البيض ولبس الكون رداء أسمر.. بدت له الربوة والضفة والوادي ومن خلفه الضريح والحي وسائر الأهالي ليثا معطوب الساق من عضة ذئب غدار، وبدون شعور همس في خشوع.. لا تحزن أيها السقيم فسوف ينمو شعرك ويكبر وتعافى الساق وتجبر.. ولست في ريب من مناعتك فهي وحدها كفيلة برأب الصدع، وحينئذ ستتربع على عرش العرين شامخا مهاب الجانب.. سوف تكسر بنابك من غلوا جناحيك وتبقر بطون من راموا إذلالك، أنت الذي تأبى الإذلال وتأنف العيش دون ذرى الجبال.. فلا عاش رعديد آثر تركيعك واستباح إهانتك. في هذه اللحظة أتاه شخص من خلف فأوقف تيار أحلامه إذ أطبق على سائر رأسه بساعديه وغشي على بصره بكفيه، أخذ بدر يمرر أنامله على ظهر الكفين المطبقتين حتى إذا لامس الأصابع قاده خنصر مبتور إلى تحديد هوية صاحبه، إذ ليس في معارفه وأهله من بتر أصبعه سوى ولد المخزني فصاح على التو وقد أسعفه حدسه: عرفتك! أنت؟ حسام؟ على وجه السرعة أزال حسام يديه عن وجه بدر وشرع في عناقه وتقبيله مرددا في نفس الوقت: طابت عودتك.. والله لقد وطأت الحي أهلا .. ثم انطلقا متشابكي الأيدي نحو الدرب وهما يجوزان ساحة السوق عرضا. والحق إن بدرا كان لحسام خلا حميما وصديقا طيبا عزيزا، وظل على مودته حريصا، لم يحل يوما اختلافهما في الطبع دون تجدر أواصر الصداقة بينهما، تلك الصداقة التي نسجت تلابيبها في مدرسة النصارى المختلطة بالجهة الخلفية لساحة السوق، التحما وهما غلامان يافعان حتى استويا شابين ناضجين. كانا يسيران وقد توازى قدهما حتى ليخالهما الناظر توأمين، عطفا نحو رأس الدرب وحسام ممسك بحقيبة صديقه غير أن منظرا مفاجئا شدهما وأثار فيهما غريزة حب الاستطلاع..
            *** لم يغب سر هذا المشهد عن بال بدر، درى كنهه ولزم مكانه هادئا رزينا شابك الذراعين إلى صدره مرسلا من عينيه نظرات ساخرة، في حين راح حسام يشرئب بعنقه مهتما حتى هوت الحقيبة من يده واندفع خطوة إلى الأمام كمن يتأهب للكر لولا أن أمسك بدر بتلابيب قميصه الأصفر.. كن ثلاث بنات يسرن في خيلاء، رافلات في فساتين حريرية شفافة انحصرت عند الركبتين وراوحت بين أزرق وأحمر وأسود. كانت طلعتهن البهية تنم حقا عن رفاه ونعمة، تتقدمهن فتاة تجد في المشي مهرولة بنعلين مرقعين كشفا عن قدمين متشققتين من خلف، وقد دلت ملاءتها الرثة التي لفت جسما شبه نحيف أنها لا تمت بصلة لعالمهن المتميز. لا ريب في أن وجهتهن كانت أول بيت قائم يسار الدرب غير بعيد عن حانوت خالي إسماعيل الحلاق وخالي سلمان السفناج. ما يزال بدر وصاحبه يتعقبان بأعينهما خطواتهن في اهتمام.. وصدقت الفراسة ولم تجانب الظنون صوابا، طرقت قائدتهن الباب ودلفن تباعا.. ضحك بدر في نفسه وهمس بازدراء لصق أذن مرافقه التائه: غريب أمر هذا الزمان الأعرج! أمسى بيت الوزانية محجا للمسلمة والنصرانية واليهودية! والحق إن حسام لا يعرف من أمر الوزانية فتيلا، وإن كان يراها جالسة فوق عتبة الدار من حين لآخر كلما يمم شطر الدرب، تكالبت عليه الظنون وانتابته الوساوس فبادر مستفسرا:
            ـ ومن تكون الوزانية هذه؟ أليست خياطة، وهؤلاء الفتيات في عداد زبائنها؟
            كان بدر ينتظر أن يثير حسام موضوع من اهتزت لرؤيتها جوانحه ، ولكن لا شيء من ذلك حصل ربما أجفل الملسوع متعمدا لسبب خفي.. حسام ـ كعهد صديقه به ـ فتى وسيم ثائر ولا شيء يطفئ لظى ثورته سوى أن يرى سهام عينيه تخرق صدور عذارى الدخيل.. حسام خبير في إغراق أشباه نادين في لجة من هوى خادع واهم، ولكن يبقى لذات الفستان الأسود رأي آخر، فرد متهكما:
            ـ لم يجد هؤلاء سوى الوزانية تفصل وتخيط! ما أغرب ظنونك! وهل تعرف من أمر الزائرات شيئا؟
            والحق يقال إن حسام كان يعرف أن من بين الحسناوات واحدة انتفضت لها جوارحه وخفق فؤاده حين مد عنقه يستطلع وكبح بدر زمام اندفاعه، وقال هامسا في أذنه: ذات الفستان الأحمر هي نادين بنت ماريوس صاحب البار، وليست ذات الفستان الأزرق سوى مونيكا بنت الحزان في زنيقة اليهود، (وأضاف وهو ينظر إلى عيني صديقه ليرى ما سيتركه القول الفصل في نفسه وعلى سحنته من الأثر) ولعل من تزهو في ثوبها الأسود الشفاف هي أحلام بنت الفتاك ترجمان الحاكم لاكومب!
            كان لذكر أحلام وقع كالسهم في نفس حسام فابتلع ريقه ودارى دهشته وتساءل:
            ـ وما الداعي لمجيئهن إلى دار الوزانية؟
            لم تخف على بدر خافية على الرغم من غيابه عن الدرب طيلة أيام الدراسة، كانت أخبار حسام وأحلام ودقائق خصوصياتهما، فضلا عن حربه الضروس على بنات الدخيل من فصيلة نادين، جميعها تأتيه عبر البريد من الدار البيضاء إلى فاس، إذ بها يتسلى ليلا من عناء تحصيله وفيها يجد عزاء لغربته. أدرك بحدسه أن انفعال صديقه من ذكر أحلام يخفي أمرا عجبا، فعجل بالرد ساخرا مشفقا:
            ـ وهل جئن لشيء غير قراءة الطالع؟
            قال حسام وعيناه لم تحيدا عن الباب حيث يتوارى الهدف الموجع:
            ـ قراءة الطالع؟ الوزانية إذن قارئة فنجان؟
            ـ بل فناجين وأكف ورمال وما يشتهي المظلوم والمجنون والمغبون.. يا للعجب أنت بمنزلة واحد من أبناء الدرب ولم تفقه من أمر المرأة سرا!
            كان حسام فعلا مدمنا على زيارة الدرب منذ ارتبط ببدر واتخذه صديقا حميما، كان يجد في مجلسه اطمئنانا وفي قربه أنسا وكلما ضاقت أنفاسه أو توترت أعصابه طار إلى رفيق دربه يسأل الحلول ويلتمس العزاء وينشد السلوى. إنه ملاذه الذي إليه يهرع وظله الذي به يتفيأ، وهو الحبيب إلى قلبه المطلع على خزائن نفسه وخبايا مكنونه ماعدا سرا يضمر آلاما مبرحة؛ آلام الخلع الكامنة في النفس كالجمرة. أليس حسام خليع أحلام وطريد جنانها؟ حقا سقطت في شراكه واقتنصها كما اقتنص أخوات لها من قبل ولبت نداء عواطفه، وازدادت الألفة تماسكا والعواطف التهابا لما وجدا نفسيهما غريبين يلتمسان المعرفة بإحدى ثانويات الدار البيضاء، بيد أن نزقه وطيشه غيرا وجهة المركب وأمسى من يومه مكتويا بلسعات الهجر..
            عاد حسام يحمل الحقيبة التي سقطت أرضا حين باغته المشهد وسأل:
            التعديل الأخير تم بواسطة محمد غالمي; الساعة 25-01-2010, 19:19.
            محمد غالمي ـ روائي

            تعليق

            • محمد غالمي
              عضو الملتقى
              • 22-10-2008
              • 64

              #7
              ـ ومن تكون الرابعة التي كانت تتقدمهن؟:
              ـ إنها فطوش بنت الحوات..
              وفي اندهاش تساءل حسام:
              ـ أخت عمر؟
              أجاب بدر في حسرة:
              ـ فعلا هي بحدها وحذافيرها.. ألا قاتل الله الفقر..
              استأنف الشابان مشوارهما صوب الدرب بيد أن حيرة حسام وما يعتمل في صدره من الاضطراب أوعزا إليه أن يختلس نظرة إلى باب الوزانية.. تأكد لبدر أن مرافقه أسكره الهول فخاطبه في هدوء يطبعه الجد والرزانة:
              ـ سوف أنتظرك مساء الليلة بدارنا.. سوف نتناول وجبة العشاء والرفاق سويا..
              وتسلم بدر حقيبته وصافح صديقه مودعا فواصل السير نحو الدار في خطى وئيدة وأذان المغرب يغمر الأجواء.. كان يجيل النظر في البيوت المبلطة بالجير الأبيض وقد تلاصقت جدرانها القائمة في خط متواز مع الحائط المشرف على الروضة التي امتلأت عن آخرها بالقبور..
              أمسى الدرب في هذه اللحظة خاليا إلا من صبية يركضون عابثين ويلاحق بعضهم البعض، وعند نهاية السور انتصب شخصان يتحادثان تارة ويستطلعان آونة مترقبين في اهتمام.. وما إن وصل بدر إلى بيت دويه وهمَ بالطرق على الباب حتى أخذت السواعد تلوح من بعيد، ولكن دون جدوى، واضطر أحد الواقفين لرفع صوته بالنداء.. تأكد بدر من مصدر النداء وهوية المهتمين فنكص على عقبيه ملبيا ..
              هتف أحدهما مغتبطا مادا ذراعيه لاحتضان الضيف الرفيق:
              ـ يا سبحان الله! لقد تنبأت لمقدمك وأخبرت هذا الواقف بجانبي.. سله ينبئك يا بدر(والتفت إلى زميله ) لماذا أنت صامت يا عصام؟ أما قلت لك إنني ظللت طوال اليوم أمط شفتي وأغرس فيهما أسناني؟ (وحول وجهه إلى الضيف الرفيق وأفرج عن ساعديه استعدادا لعناقه فصاح).. والله يا بدر لقد خيم علي هول حضور الغائب...
              رد عصام وهو يتأهب بدوره لتحية صديقه العائد:
              ـ إي والله لحق.. لقد صدقت فراستك يا غالي!
              وجعل الشمل يلتئم من جديد، وليس غريبا أن تدمع العيون ويطفح التأثر في الوجوه من حرارة اللقاء.. حقا تباينت الأفكار واختلفت الطباع ولكن اندمجت المشاعر واتحدت الأفئدة فكانت مجمعا للمحبة والصفاء. توجه الفقيه الغالي إلى بدر وخاطبه بلهجة لا تخلو من عتاب:
              ـ لو عرفت ما خلق غيابك في الدرب من طفرة وفي الأفئدة من شوق لأشفقت من حالنا ولو ببريد يريح خواطرنا (واستطرد في استنكار هزلي) هل أنساك فينا رفاق فاس يا فاسي؟
              وأضاف عصام في لهجة لا تعدم تعريضا وقد التفت إلى الغالي كأنما يذكره: ورفاق الدار البيضاء يا هذا!
              رد بدر وقد بدا في ضحكته كالمستعطف:
              محمد غالمي ـ روائي

              تعليق

              • محمد غالمي
                عضو الملتقى
                • 22-10-2008
                • 64

                #8
                ـ معاذ الله يا عمي يا غالي.. لو عرفت أنت كذلك حدة الظرف العصيب الذي حتَم علي الغياب لبكيت لحالي (والتفت إلى الآخر مزيحا الغطاء عن تعريضه) لا يا عصام لا تسئ الظن بحسام وأحلام فكلاهما يسبح في بحر الهم والوهم..
                لم يكن غياب بدر عن مدينته ودربه ومجمع رفقته يتعدى الشهر، بيد أن ظروفا سياسية وعلمية فرضت عليه حالة الاستثناء وقيدت رحلته إلى دويه ومنبته.. وحمد الله في النهاية أن توج الغيبة بما أحرز من توفيق في مساره الدراسي؛ عاد الفتى متوجا بشهادة الباكالوريا من ثانوية مولاي إدريس بفاس وشهادة تقدير من إدارة القرويين.. وعلم عصام والغالي بالخبر السعيد فتوالى العناق والتقبيل عربونا للمحبة والتقدير.. وما يزال الفقيه الغالي يردد.. هنيئا لنا جميعا يا بدر.. إنه لفوز مظفر وشرف لنا جميعا.. فلا تؤجل حفل النجاح..
                ابتسم بدر وقال في أدب: ستبدأ مراسيم الحفل من ليلتنا هذه.. أنتما مدعوان لحفل عشاء بدارنا.. اتصلا بالأخ عمر..
                واستأذن بالانصراف فانصرف مذكرا بموعد اللقاء.. ولدى وصوله عتبة الدار صادف أمامه مايير زوج رحمة اليهودية يبرح منزله بعدما جدب وراءه الباب، فتبادلا التحية مشفوعة بعناق حار..
                قامت غرفة بدر في الواجهة الشرقية على سطح دار دويه ولا يفصلها عن نهاية الدرب سوى دار رحمة اليهودية، والداران كلتاهما تشرفان على روضة الأموات المنسية. عسعس الليل وغشي الدرب وما يحيط به ظلام دامس تكسره أضواء النجوم المزهرة في السماء، ولاح الضوء خافتا من النافذتين المشرعتين على الطريق الفاصل بين الدار وسور الروضة. في هذه اللحظة أقبل الصحاب جميعا فصعدوا الدرج إلى الغرفة في أمان ماعدا واحدا مرق إلى فناء الدار ليجابه ظلمة حالكة لم يهتد معها إلى عتبة المصعد المفضي إلى السطح، فقبع في مكانه درءا لخطر زلة أو اصطدام، وجرى لسانه في صوت مهموس بما تيسر من كتاب الله الحكيم.. وسرعان ما انفرجت الأزمة وخفت المحنة بإقبال سادس الرفاق متأخرا كالعادة وأنتشل الفقيه من جوف الظلام. فرشت أرض الغرفة الفسيحة بحصائر من أصيل الدوم، وعلى جنباتها بسطت الزرابي المزركشة والوسائد الصوفية، وعلى المائدة المستديرة في الوسط وضع طبق محاط بشرائح الخبز. وعلى طاولة في إحدى الزوايا صفت ضروب من الكتب وصنوف من المجلات. إنها مأوى بدر ومقر إقامته بلا جدال، أعدت له بعيدا عن إقامة الأسرة وإسطبل البهائم في الطابق السفلي، لا يلجها أبوه ولا أمه إلا بعد استئذان وبالأحرى أخته صغيرة الأسرة ووحيدتها. إنها ملتقى الأنداد وملاذهم الذي إليه يهرعون إذا عز الملاذ، كانت جلساتهم تطفح بسديد الرأي وعبثه وحلو النكتة وسافلها، وجرت العادة بأن تفتح الجلسات بما يقدم من شهي الطعام. إنها عادة متأصلة في سائر الدار، دأبت عليها السيدة حليمة أم بدر حتى اشتهرت في أوساط جيرانها ومعارفها بالسيدة الكريمة المؤمنة؛ لا تبخل على طارق باب أو مستجد عابر سبيل بما تيسر من عطائها وما ملكت يمينها، حتى رحمة اليهودية الجارة بالجنب تصلها العطايا مدرارا، وما أكثر العطايا من قمح إبان حصده ودرسه ولبن بعد دره . ولا غرابة إذا اعترف رفاق بدر بأنهم مدينون للسيدة الكريمة، مدينون لليد التي تسخو وتجود واللسان الحلو الذي يوقع في آذانهم أنغاما تنبع عطفا وأمومة.. وانهمك الصحاب في تناول ما قدم من طعام، فقال عمر وهو آخذ في مضغ اللحم بشراهة جرت عليه الأنظار ساخرة:
                ـ عجبت ولله لرجل يلتهم اللحم والبطاطس ولم يستطع الاهتداء إلى العتبة المؤدية إلى ساحة الغنيمة هذه!
                فطن الفقيه الغالي لهذا التعريض المكشوف ورد في أدب:
                ـ كثر الله خيرك وزاد من أمثالك..
                وتمادى عمر في التحرش على سبيل الإثارة فلغط:
                ـ أنا صاحب الفضل عليك ومخرجك من الظلام إلى النور..!
                واكتفى الفقيه بأن ردد في صوت مهموس: أعود بالله من الشيطان الرجيم وحسبي الله ونعم الوكيل..
                محمد غالمي ـ روائي

                تعليق

                • دريسي مولاي عبد الرحمان
                  أديب وكاتب
                  • 23-08-2008
                  • 1049

                  #9
                  القدير محمد غالمي...مساء الخير
                  لي عودة الى فصول هذه الرواية التي سأتابع صفحاتها في الأسبوع القادم...
                  تقبل مروري.

                  تعليق

                  • محمد غالمي
                    عضو الملتقى
                    • 22-10-2008
                    • 64

                    #10
                    الأستاذ الكريم دريسي مولاي عبد الرحمان.. تحية طيبة مباركة..
                    سعدت بإطلالتك في رحاب هذا العمل الروائي.. وكلي أمل بأن تروقك أحداث المتن وتنال رضاك..
                    تقديري وعرفاني..
                    محمد غالمي
                    محمد غالمي ـ روائي

                    تعليق

                    • محمد غالمي
                      عضو الملتقى
                      • 22-10-2008
                      • 64

                      #11
                      ألقى عمر بعظم بعد أن عراه عن آخر وامتص ما بجوفه، وانقض كالهر على عنقود من عنب أسود فراح يزدرد حباته في لهفة ونهم ثم قال:
                      ـ يعلم الله ما خلفه فراقك من ألم في نفوسنا.. يا ما أعمانا الشوق لغيابك يا أخي بدر!
                      جعل حميدو الحلاق يدس يده في طبق الفواكه، والتفت إلى بدر بوجه شاحب وفم اتسع فضاهى فم ضفدعة بعدما تحرر من وجومه الذي فرضه الطبق الدسم وقال ساخرا كأنما يرد على غريمه:
                      ـ هل في نفسك ألم الفراق أم ألم الجوع الذي ظل يفتك بأمعائك؟ وهل حقا أعماك شوق بدر أم شوق اللحم الذي تفترسه بلا هوادة؟
                      لم يجد عمر من بد سوى أن يدفع عن نفسه الإهانة، فرد وقد تناثر العنب من فمه شظايا:
                      ـ بورك فيك يا بن الخيمة الكبيرة، خيمة الخدم والحشم! خير لك أن تغلق فمك.. أما قلت لك مرارا إنه لا أحد مطلع على قهرتكم سواي؟ وهل تنكر أنكم تصبحون في كوخكم الحقير على القهوة الكحلاء وخبز الشعير؟ أما شكوت إلي مرارا وقلت إن العدس والباذنجان ألهبا أمعاءك؟.. أرحنا من نتانة فمك لا أراحك الله، وعوض الباذنجان وتين النصارى باللحم والعنب..
                      كاد عصام وحسام ينفجران من الضحك ما خلا بدرا الذي انشغل والفقيه الغالي في حديث ثنائي، ولم يعرا اهتماما للسجال المعهود بين عمر وحميدو على الدوام.. في هذه الأثناء اربد وجه بدر وارتسمت على أجفانه سمات الجد والوقار كأنما يؤذن بإيقاف اللجاج الهازل. كان ذلك فرصة للسيد الغالي كي يسمع صوته، فتوجه إلى المتبارزين عن يمينه والمتفرجين عن يساره، وقد ضرب كفا بأخرى حتى كادت طاقيته البيضاء تسقط لولا أن أرجعها بمنشة من الدوم ما فتئ يطرد بها الحر، فقال:
                      ـ وحدوا الله يا إخوة واسمعوا أتابكم الله: "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات" فردد الحاضرون "صدق الله العظيم" .. أخونا بدر عاد اليوم مظفرا من عاصمة العلم!.. فما أجدرنا اللحظة بأن نعوضه تعب السفر بلذيذ السمر.. إنه والله لأشد حماسا ولهفة لسماع ما جد من أحوال حينا! أعفوه ـ عفاكم الله ـ من الإحراج بهجين الكلام وسافل اللجاج، ورددوا معي "اللهم أدم عليه موفور العز والظفر واجعل فوزه وشاحا يزين صدورنا.. وهذه النعمة التي شملنا بها ـ والفضل للسيدة الكريمة ـ جعلها اللهم حسنات تمطر أجداده الراقدين هناك في الروضة الجارة.." والفقيه حين يرفع أكفه بالدعاء يغمض عينيه ويبدو كمن يتهيأ للبكاء، فيجعله ذلك عرضة للتفكه والتندر. وصدرت أولى ردود الفعل الاستهجاني من عمر، لقد أثاره هذا المظهر فأوحى إليه عالمه الخاص أن يندمج في ضحك مهموس وعيناه الذابلتان لا تبرحان الفقيه.. وأما حميدو فقد أسند مرفقه على وسادة واضعا كفه على خذه ومدد ساقيه النحيلتين حتى لامستا رجلي عصام، فقال:
                      ـ لشد ما برع لسانك في ترنيم الأدعيات يا شيخنا! (والتفت إلى عصام وحسام مومئا إلى عمر في غمز مكشوف).. وباسم هذا المسكين المحروم زد لسان فقيهنا ترنيما حلوا عذبا حتى تبقى النعم في بطوننا دافقة..
                      كف عمر عن ضحكه ولم يتأخر في صد الهجوم فخاطب غريمه:
                      ـ أما كفاك ما لكت من لحم طير وغنم؟ لم يبق لك ما تطمع فيه سوى لحوم البغال الجاثية في المربط أسفل.. لا ريب في أن الجان الذي أصابك بمسه قاطن في مطبخكم! أنت صريع المطبخ إذن! ( وحول عينيه ناحية القوم وهتف ملء حنجرته.. أغيثوا الرجل واحملوه على وجه السرعة إلى الفقيه المجنون بالزرايب ليصرعه.. وإذا اقتضى الحال فإلى بويا عمر مارستان المجانين التقليدي في قلعة السراغنة.. انظروا إلى الجوعان يهذي بلا حسيب ولا رقيب كلما انتابته نوبة من مس الجوع..
                      محمد غالمي ـ روائي

                      تعليق

                      • محمد غالمي
                        عضو الملتقى
                        • 22-10-2008
                        • 64

                        #12
                        كاد عصام يختنق من شدة الضحك فغير مجرى الحديث الهزلي العابث وتساءل مستنكرا كأنما يرد على الفقيه الغالي:
                        ـ ماذا جد في حينا غير المآسي المطردة نمسي عليها ونصبح ونتجرع كؤوسها المرة زعافا!
                        تدخل عمر وكان في هذه اللحظة مكبا على لوحة من خشب يقص عليها مخدر الحشيش ويهرسه فيحيله دقيقا، وقد عكس ضوء الفانوس الشاحب وجهه العريض المنتفخ الخدين، فأضاف:
                        ـ فعلا لا جديد يذكر إلا ما كان من موت أحمد الخضار شنقا في غياب أهله! ووادي أم الربيع الذي ابتلع روسي ولد الباترون باطيش..
                        تغيرت ملامح بدر لدى سماعه اسم "باطيش" وتساءل مستقصيا عن الحادث الأول:
                        ـ ولم فعل أحمد الخضار في نفسه هذه الفعلة النكراء؟ أب لستة ينتحر؟ يا لفداحة الأمر ويا لهول المأساة!
                        قال عمي الغالي والمنشة تتحرك في قبضة يده:
                        ـ إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور...
                        ولم يتأخر عمر في التعقيب فاستطرد:
                        ـ شاع في درب سيدي بوكيل بأن فضله ورأس ماله أقبرا في بيت رابحة أم السنان القوادة في حي بو ذراع.. ولما عجز عن دفع الضائقة عمل عساسا في حي الكانتنات، بيد أنه طرد قبل أن ينهي أسبوعا، إذ ضبطه مبارك الشرطي نائما أكثر من مرة.. لجأ إلى مكينة الدوم يسأل عملا، لكن الباترون باطيش رده على أعقابه لتقدمه في السن.. وحصل ما حصل!..
                        استوى عصام في جلسته وقد شعر بوخز الإبر يجرح مشاعره، وأخذ العبوس ينتشر كالغيم الداكن على صفحة وجهه فقال:
                        ـ كل ما عرفناه من المآسي طيلة غيابك يهون يا بدر، وليس أهون منه ما تجرعناه، إنه أقوى من أن تحتمله الضمائر الحية اليقظة!
                        ردد بدر في خاطره مستغربا "أقوى من أن تحتمله الضمائر الحية!" فكر في أن يطلب من حسام تدوين كل النقط الحساسة التي أثيرت ـ وما تزال تثار ـ في محضر خاص لتدرج في جدول أعمال لاحق، بيد أنه تريث مرجئا ذلك إلى نهاية الجلسة، فتساءل والاهتمام باد على محياه:
                        ـ أية مصيبة تجرعتم في غيابي يا عصام؟
                        ـ بل مصائب قوم يا بدر!
                        كان عصام عصر ذلك اليوم الصيفي القائظ عائدا إلى بيت أهله بعد فترة استجمام بالوادي، فأثاره مشاهد غريبة عطلت حركة رجليه ولبد في مكانه يتابع أطوار مشهد لا يخلو من مسحة تراجيدية.. طوابير من أشباح إنسية انتظم فيها الرجال والنساء والعجائز من ساكنة بوذراع والزرايب وسيدي بوكيل ودوار المرس.. يحملون الأقداح والقدور في انتظار نصيبهم من الحساء أو الرغيف والأرز والسكر.. وزحف إلى عين المكان جيوش من البدو على ظهور بغالهم وأتنهم. كانوا أشد لهفة لانتشال بعض الفتات من حق مغصوب سحق الجفاف في قراهم الزرع والضرع. واستطرد عصام وقد رفع رأسه إلى بدر الهائم.. كانت الطوابير كمائن لاصطياد من يعتبرهم الحاكم مارقين وساخني الرؤوس. خمسة رؤوس تلقفتهم يد الشرطي سرحان من فعل وشاية المدعو علاف النادل بقهوة الجبلي وحادة القوادة بحي الزرايب.. اقتيد الضحايا إلى مقر الحاكم وسلموا إلى حلاق خاص سارع إلى جز شعرهم بشفرات غير حادة ودهن رؤوسهم الصلعاء بمادة القطران، ومن تم قام سرحان والشيخ عزام بتطويفهم في حي الكانتنات ثم اقتيدوا بعد ذلك إلى زنازين انفرادية بالسجن المحلي.. وزاد في إيذاء مشاعري منظر رجل ضبط مندسا في الصف يبغي مضاعفة نصيبه من المؤونة إلا أن يدا سوداء هوت على عنقه كالحدأة وانتشلته من الطابور في جذبة هوى على إثرها أرضا وهوت عليه أقدام سرحان وعزام بالرفس واللكم.. بعيد هذه الصولة توجه الشرطي في زهو وخيلاء إلى من لا يزالون ينتظرون أدوارهم، وكان عددهم يزيد عن الثلاثين تم تصنيفهم في زمرة المغضوب عليهم بوشاية من علاف. وسرحان الشرطي طويل القامة، ذا جسم نحيل وسحنة سوداء تبرق فيها عينان لاحت منهما شرارة من نار، وكشف فمه عن أسنان متهالكة نخر جلها السوس، فقال بلهجة عنيفة "خبروا يا كلاب هل هذي وجوهكم أم أقنعة استعرتموها؟ كيف سولت لكم نفوسكم الخبيثة التي سينخرها السرطان، أن تعصوا أوامر السيد لاكومب ولي أمركم المطاع وخادم فرنسا المطيع؟ ما سر امتناعكم عن رعاية خنازير الحاكم والسهر على إطعامها وتنظيفها؟ هل نسيتم خير فرنسا يا وجوه الشر؟ (وصاح ملء عقيرته والقائد وزبانيته يميدون برؤوسهم مزهوين)..أجل، فرنسا التي خذلتم ممثلها وجئتم مطأطئي الرؤوس تسألون من أرزاقها ما تملئون به بطونكم الضامرة! أين نخوتكم التي أبنتم عنها حين امتنعتم عن المشاركة في أشغال إزالة الحجارة من ضيعات القائد صالح والترجمان الفتاك وتشجيرها؟ لم دستم على تلك النخوة البلهاء وجئتم تتوسلون من فرنسا الطعام بلا حياء؟ فرنسا يا قوم نضب ما على موائدها من العلف.. وأيسر ما تكفرون به عن عصيانكم أن تردوا الاعتبار لسيادة الحاكم والقائد والترجمان، والشروع من الآن في إنجاز ما يوكل إليكم من الأشغال إلى أجل غير مسمى.. واقتيد القوم إلى مقر الحاكم، ومن ثم شحنوا كما تشحن الماشية في عربة تجرها البغال تحت لفح الحر..
                        لم يكن حسام غائبا عن سيناريو حدث مماثل نسجت خيوطه على مرأى منه، ولعب فيه سرحان دوره الجنوني المعتاد، فأوحى إليه الحشيش المقصوص، والذي كان عمر من حين لآخر يزوده به، بأن يعيد أطوار المشهد الرهيب كما عاينه، فتحرر من ربقة صمته وقال:
                        ـ ما روعني وأنا بصدد الخروج من حديقة مغنى الحاكم، سوى منظر سرحان الشرطي وقد أطبق بكلتا يديه على عنق غلام يافع ثم أوقعه أرضا بركلة عنيفة وشرع في رفسه بلا هوادة!.. وعرفت فيما بعد بواسطة أبي، أن الغلام المنكل به لم يفر لحظة رؤيته الشرطي سرحان يجوب الشارع في جولة روتينية على متن دراجته الهوائية..!
                        بدت سمات الانزعاج ترخي ظلالها على وجه بدر وتوجه إلى عصام مخاطبا:
                        ـ وماذا حصل للرجل الذي ضبط مندسا في الصف بعد التنكيل به؟
                        أجاب عصام متأسفا:
                        ـ حمل مباشرة على ظهر حمار إلى مستوصف النصارى بالقصبة.. إنه عمي سلمان السفناج في الحي!
                        راح بدر يتساءل في أسى مكين ونبرة مؤلمة مستعيدا مرددا في ذات الوقت ما جاء على لسان سرحان: "أين نخوتكم التي أبنتم عنها؟ لم دستم تلك النخوة العوجاء وجئتم بلا حياء تتوسلون الطعام من فرنسا؟" وابتسم ابتسامة من أثقل الهم قلبه، وتضاعف إحساسه بالألم الباطني كالمنشار يحسك أمعاءه، فأضاف كأنما يقر بواقع مخزي: كل ذلك العذاب المهين لإزالة الحجارة من ضيعات القائد صالح والترجمان الفتاك، وإطعام خنازير الحاكم وتنظيف مرابطها..! (واستطرد والرفاق ينصتون مهتمين إلا عمر الذي انشغل بالحشيش المقصوص يزيل ما علق به
                        محمد غالمي ـ روائي

                        تعليق

                        • عائده محمد نادر
                          عضو الملتقى
                          • 18-10-2008
                          • 12843

                          #13
                          وما رأيك في الببغاء الثاني؟رفع الشاب رأسه مبقيا على سبابته تفصل بين دفتي الكتاب وأجاب:
                          (يتبع)

                          الزميل القدير
                          محمد غالمي
                          هنا وصلت
                          السرد كان سريعا وشيقا
                          سأتابع العمل رويدا رويدا
                          أرجو أن تتابع نصوص الزملاء وتشاركهم رؤيتك حول نصوصهم وكي يتعرفوا عليك أيضا فهذا من شأنه خلق ألفة ومعرفة
                          لاتنشر الأجزاء الباقية سريعا كي يتسنى لي متابعة القصة وكي لاتبتعد الأجزاء عني فقط لاتتعجل
                          تحياتي ومودتي لك
                          ملكة القص الروائي واضحة عندك جدا
                          تحياتي ومودتي
                          الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

                          تعليق

                          • عائده محمد نادر
                            عضو الملتقى
                            • 18-10-2008
                            • 12843

                            #14
                            الزميل القدير
                            محمد غالمي
                            وصلت إلى هنا
                            القنص فصوبوا بنادقهم إلى الأرانب الراتعة في البراري المحاذية.. لم يكن أبناء حي سيدي بوكيل في الضفة المقابلة يأبهون للباسهم الأنيق، ولا تثيرهم وسائل
                            السرد أكثر من شيق لحد اللحظة
                            القصة لو بقيت على هذا المنوال ستكون أكثر من رائعة
                            لاتنشر أي جزء آخر حتى أنتهي من الأجزاء كلها كي أبقى متابعة لك
                            سقط سهوا منك وأنا متأكدة لأني عرفت امكانيتك القوية
                            على التوالي
                            غبر- عبر
                            يقلل ماء- هل قصدك بقلل ماء
                            أنظر- إنظر
                            بالأجور- بالآجور
                            بعد لأي - مامحلها وما القصد منها
                            وحداء- وحذاء
                            تندر - تنذر
                            أبيض- أبيضا
                            ستكون تحفة روائية بحق
                            تحياتي ومودتي لك
                            الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

                            تعليق

                            • محمد غالمي
                              عضو الملتقى
                              • 22-10-2008
                              • 64

                              #15
                              المشاركة الأصلية بواسطة عائده محمد نادر مشاهدة المشاركة
                              الزميل القدير
                              محمد غالمي
                              وصلت إلى هنا
                              القنص فصوبوا بنادقهم إلى الأرانب الراتعة في البراري المحاذية.. لم يكن أبناء حي سيدي بوكيل في الضفة المقابلة يأبهون للباسهم الأنيق، ولا تثيرهم وسائل
                              السرد أكثر من شيق لحد اللحظة
                              القصة لو بقيت على هذا المنوال ستكون أكثر من رائعة
                              لاتنشر أي جزء آخر حتى أنتهي من الأجزاء كلها كي أبقى متابعة لك
                              سقط سهوا منك وأنا متأكدة لأني عرفت امكانيتك القوية
                              على التوالي
                              غبر- عبر
                              يقلل ماء- هل قصدك بقلل ماء
                              أنظر- إنظر
                              بالأجور- بالآجور
                              بعد لأي - مامحلها وما القصد منها
                              وحداء- وحذاء
                              تندر - تنذر
                              أبيض- أبيضا
                              ستكون تحفة روائية بحق
                              تحياتي ومودتي لك
                              الأخت الكريمة عائدة.. لكم أنا معتز بما تولينه من اهتمام لهذا العمل الروائي المتواضع، وسوف أتريث في نشر ما يلي من الحلقات حتى يتسنى لك المواكبة الرزينة والجادة..
                              وفيما يتعلق بملاحظاتك المتعلقة ببعض الهفوات اللغوية، فكلها في الصميم وإن كنت موقنا بأنها سقطت سهوا، إذ قصرت في مراجعة النص لمشاغل عدة.
                              بعد لأي: بعد شدة وعنت
                              قال زهير بن أبي سلمى:
                              فلأيا بلأي قد حملنا وليدنا</span> *** على ظهر محبوك ظماء مفاصله
                              لك كل التقدير
                              محمد غالمي
                              محمد غالمي ـ روائي

                              تعليق

                              يعمل...
                              X