هل رأيت رجلا أحسن الظن بمن هاجمه فأحبه حتى أكثر من الذي دافع عنه؟ هو الحلاج !
,وهو في طريقه إلى الذبح يدعو مولاه أن يغفر لمن أفتى بتكفيره وقتله من علماء بغداد والشام ومصر ! ونفذ الحكم ومثل بجسده فقطعت أوصاله ثم جمعت وأحرقت وذرّي رمادها في نهر دجلة
هو مدخل يا ادريسي يفتح قريحة الكلام ويعيد إلى الذاكرة برودة المكان والزمان ، فهناك الحلاج ودجلة وبغداد وأستاذه الشيخ جنيد وحركة الطواسين ووحدة الوجود الصوفية ونفيها للشر باعتباره اللاشئ أو العدم مقابل الوجود الذي هو الخير
قصة الحلاج هذه تعيدنا أيضا إلى أدب الأسطورة الجميل حيث الزير سالم وعنترة والأساطير البابلية والسومرية المقدسة لان قصة حياة وممات وسجن وكرامات الحلاج وأستاذه التي قاربت الإعجاز حسب النقل والتأويل والمبالغة تحولت إلى سيرة شعبية اقرب إلى الأسطورة المقدسة لكنها تبقى في واقع الحال سيرة إنسانية قبل أن تكون دينية تحمل رمز التحدي والتغيير ، لها أدبياتها وخصوصياتها ومريديها كنموذج للصمود لأنها عقيدة أحرار العالم التي لا يهزها خوف ولا جزع ولا موت تجسد الثبات على المبدأ كدرس تطبيقي عملي يمكن الاقتداء به ، فكر الحلاج يمكن التعبير عنه على انه صراع أخلاقي ومعرفي يتراوح ما بين جهل الرعاع لمفاهيمه وقيمه ( الإنسان عدو ما يجهل ) فيصدقوا ما قيل عنه من كفر فيرجموه ، هو يتفهم تلك الحقيقة لهذا تراه يدعو لهم مولاه أن يغفر لهم أما الصراع الآخر الأشد تعقيدا فهو الصراع المعرفي ، صراع الفكر مقابل السلطة ووعاظ سلاطينها وهم يحولون ذلك الموروث الفكري المعرفي إلى أحكام ملزمة مؤدلجة تعطي الشرعية للحاكم وتسوغ ظلمه ، من هنا جاءت فكرة التغيير عند الحلاج كمفهوم ثوري متمرد حر إنساني
بالعودة إلى رائعة الادريسي والوقوف على مجريات أحداثها وانسيابيتها واعتماده التجديد في الأسلوب والفكرة والطرح والإتقان في السرد والرص والانتقال والتأثير والدهشة مع تلك القفلة الرائعة المحكمة ليعطينا نموذجا جميلا لتكامل القص وتحقق مكوناته لتتكامل وتتحقق بعدها وحدة الارتباط والتناغم مع عالم القارئ وعواطفه وأحاسيسه وفكره ورؤيته للكون والحياة فتمتزج الأحزان والعواطف ويتحقق الفرح والبكاء والتأويل والحكم والتلاشي والأمل والإحباط فالقصة هنا كيان يتفاعل مع ذات المتلقي
شكرا لك أيها الكاتب المتمكن من أدواته والعارف طريقه نحو أدب فياض بفكره ومعانيه وتقنيته
تعليق