خربشـات فـي الذاكـرة نُقٍشَـت .....

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • سلوى فريمان
    محظور
    • 18-10-2007
    • 864

    خربشـات فـي الذاكـرة نُقٍشَـت .....

    مساء أمس، و حول طاولة المطبخ المُطِل على حديقة بيتنا الخلفية كانت المناقشة دائرة عن مرض النسيان بين اثنتين من صديقاتي..."سيلفيا" التي ما يزال بينها و بين سن الرابعة و الخمسين أسبوعين، كانت تخبرنا عما تعانيه من ضعف ذاكرتها مؤخرا،ً موجهة اللوم إلى المأكولات المليئة بالمواد الكيمائية التي (على حد تعبيرها) تفتك (ببطىء) بالخلايا الدماغية مما يجعلها لا تذكر ما فعلته ليلة أمس أو ماذا ستفعله غداً.... و بإنفعال و جدية، أقسمت مئة "يمين عظيم" بأنها لن تتناول بعد الآن سوى الخضار المزروعة بمساعدة المواد "العُضْوية" الطبيعية.... و بنفس الإنفعال و الجدية، مدت يدها إلى صحن الحلويات أمامها و إنتقت أكبر قطعة لتأكلها في لقمتين سريعتين... متذمرة من كثرة حلاوتها، صَبَّتْ لنفسها فنجان من الشاي المحلى بملعقتين (لا أقل) من السكر، و شربته دفعة واحدة.

    "منى" التي تصغرها بخمسة أعوام...نظرت إليها و الغمزة الشقية تتراقص في عينيها...و أجابتها : لا تقلقي عزيزتي، بإستطاعتك الإعتماد علي، سأطرق باب بيتك بعد أسبوعين مع قالب الكاتو و أربعين شمعة و أذكرك ...

    بعد فتور الضحكات المرحة تنهدت "سيلفيا" و بصوت يسكنه الحنين، و شوق العودة إلى زمن كانت تأفف فيه من أيام كانت تمر كدهر بين العيد و العيد لميلادها، بدأت تستعيد ذكريات كانت مجرد أحداث صغيرة و متفرقة هنا و هناك آنذاك.

    عبر نافذة المطبخ تسلل إلى أسماعنا نغمات تغريد جماعي لجوقة من العصافير - قبل الإستقرار في أعشاشها الدافئة - مودعة الشمس المنحسرة أمام جحافل الليل، إستعداداً لإستقبال صباحاً جديداً يُعيد الشمس إلى عرشها.....


    ما أن رقدت الطيور حتى عاد صوت سيلفيا المليء بالمشاعر المتضاربة ما بين الشوق و التمني يملأ آذاننا الفضولية . كانت تتكلم عنه... بضحكة طرية و دافئة أعلمتنا بأن ألقابه كانت كثيرة و متنوعة و لكن اللقب المفضل لدى نساء الحارة التي كانت تسكن بها ، كان أدونيس و رشدي أباظة...معـاً.


    """"كان يأتي لزيارتنا معظم أيام الأسبوع...
    على شرفة منزلنا حيث كانت والدتي تجلس كل صباح في أيام الصيف مع ركوة قهوة صغيرة (كفاية لثلاثة فناجين) و سيجارتين قبل البدء بالأعمال المنزلية و الطبيخ ، كنت أجلس معها و بيدي فنجان من الشاي أو من السحلب، لأن القهوة و السجائر هي "للكبار فقط". كانت (رحمها الله) تدخن سيكارة واحدة مع فنجان واحد من القهوة بمتعة واضحة و هي تراقب أهالي الحارة ماضون في أعمالهم . أحيانا،ً كانت تتبادل الكلام مع جارتنا المتربعة على كنبتها في شرفة البناية المقابلة و الحديث كان دائماً عن الطعام: ماذا ستطبخين اليوم؟؟ لحمة الكبة التي أشتريتها من "يونس" اللحام منذ يومين لم تكن طازجة و "سيسمع مني بكل تأكيد".. و متى سنبدأ بسلق القمح و تقطير ماء الزهر و إلى آخره من أولويات كانت تُشْغل رؤوس ربات البيوت الفخورات بمهارتهن في البيت و في السوق.
    كل ذلك و أنا في حالة طرش متعمدة، أراقب الطريق منتظرة زيارته.

    كنت به فخورة و معجبة . طويل القامة ، رياضي الساعدين ، أسمر الوجه كسنبلة القمح في أواخر أيلول ، وبركتين من العسل الحادق تركتهما نحلة أضلت طريقها إلى قرص العسل تحت جبهة ملكية ...... كم أحببـت عينيـه.
    لم يكن يتمتع بأنف مستقيم و أعتقد أن ذلك كان مقصوداً من خالقه، فصفة الجمال لم تكن صفة يرغبها و بأنفه المعقوف قليلاً كنت أرى شموخ نسر على قمة جبل حاضن فراخه برقة الحب.

    كانت زيارته تتواكب دائماً مع زيارات متعددة من معظم نساء حارتنا. واحدة منهن كانت تأتي دائماً و بيدها طبق من الحلويات أو المعجنات الشهية، فهي مشهورة بجودة الطهي و تنويعه في شارعنا...أذكر بسمتها و بهجتها عندما يتقبل منها (في حالات نادرة) قطعة من الفطائر، و لم أكن أفهم تأفف والدتي مما كانت تسميه: "قلة الحياء في نساء هذا الجيل"، و كانت تُظهر إمتعاضها بوضوح يقابله تجاهل متعمد من "نساء هذا الجيل". أما هو فقد كان دائماً جاداً و دائماً مستفسراً و متسائلاً عن إحتياجاتنا و دائماً كريماً تماماً كالنسر الشامخ مع فراخه.

    كان دائماً عميقاً في أحاديثه معنا (نحن الأولاد) مع الحفاظ على روح الدعابة التي كان يتحلى بها. لم نكن نخشاه وإنما خشينا خيبته بنا.

    والدتي... جالسة في شرفة منزلنا مع ركوة قهوة تكفي لثلاثة فناجين و سيجارتين... كانت دائماً بإنتظاره.. عندما ترى قامته تملأ رأس الحارة يضمحل في بصرها كل من فيها . كنت أرى الفخر و الإعتزاز يتربعان في عينيها..... و تسارع إلى "سكب" فنجان القهوة قبل جلوسه على الكرسي و الذي ما أن ينتهي من شربه حتى تسارع بإملائه ثانية و تقدمه إليه مع السيجارة "المنتظرة"... و يتقبلها منها شاكراً لأنه كان يعلم أن ذلك يفرحها... لقد جاء شقيقها لزيارتها... و نساء الحارة؟؟؟ إلى جهنم، كانت تقول، لا يستأهلن حتى قلامة ظفره..."""



    و[SIZE="5"] توقفت سيلفيا عن الكلام . في عينيها، رأينا عمق ما كان يجيش في صدرها.
    زمن بريء و رابط من الماضي يتفاعل مع الحاضر و يؤثر على مستقبل لا تزال أيامه في رحلة التكوين.

    رحلت والدة "سيلفيا" إلى جوار خالقها و هي تُعَرف عن نفسها: إسمي .... .....، شقيقة ...... !

    لقد كانت فخورة بـه .... و ما تزال........................[/
    SIZE]
  • راضية العرفاوي
    عضو أساسي
    • 11-08-2007
    • 783

    #2


    المبدعة جيهان فيومى

    ما أروع ما نثرته هنا ، وجدتني أبحر مذ أول الحرف الذي عكس صورة مرض الـAlzheimer لدى "سيلفيا".
    لعله كان مفتتح التحدي، تحدّي الذاكرة حين تداعت مع أصوات العصافير المطلة من نافذة المطبخ ..
    تحديها قبل أن تغيب ، قبل أن لا تشرق من جديد فتحمل معها نحو المغيب كل شيء جميل..

    تأتي "سيلفيا" لتعلن عن ذاك الزمن الجميل الذي عاشته ، وتلك الصورة التي لم يمحها بعد "الـزهايمر" صورة الخال / شقيق والدتها
    أو أدونيس،رشدي أباظة زمانه ،زمانها


    ليبارك الرب نبض مدادك
    ورد وتقدير



    [font=Simplified Arabic][color=#0033CC]
    [size=4]الياسمينة بقيت بيضاء لأن الياسمينة لم تنحنِ
    فالذي لاينحني لايتلوّث
    والذي لايتلوّن تنحني أمامه كل الأشياء
    [size=3]عمر الفرا[/size][/size]
    [/color][/font]

    تعليق

    • عبد الرحيم محمود
      عضو الملتقى
      • 19-06-2007
      • 7086

      #3
      جيهان الرائعة

      كم هو جميل ما تكتبين بصرف النظر عن اخطاء الاملاء والقواعد
      فأنت تكتبين فكرا ناضجا تماما ، الطبيعة توحي بالكثير لك
      وهذا يجعلني اخمن أنك تعيشين في بيئة جميلة تتاثرين وتؤثرين بها
      كم تعجبني كتاباتك
      نثرت حروفي بياض الورق
      فذاب فؤادي وفيك احترق
      فأنت الحنان وأنت الأمان
      وأنت السعادة فوق الشفق​

      تعليق

      • د. جمال مرسي
        شاعر و مؤسس قناديل الفكر و الأدب
        • 16-05-2007
        • 4938

        #4
        جيهان فيومي
        أسعد الله صباحك
        نثرت ما هو للقصة منه للخاطرة و استرجعت ذكريات سيلفيا بطريقة الفلاش باك فكان السرد جيدا رغم بعض الأخطاء كما أشار أخي عبد الرحيم منها مثلا :
        إستعداداً لإستقبال صباحاً جديداً يُعيد الشمس إلى عرشها.....
        و الصحيح : إستعداداً لإستقبال صباحٍ جديدٍ يُعيد ....

        ثم أرجو أن تعيدي النظر حول هذه الجزئية
        لم يكن يتمتع بأنف مستقيم و أعتقد أن ذلك كان مقصوداً من خالقه،
        فالله عز و جل لم يخلق شيئا عبثاً .. و أعتبر هذه الجزئية توقعك في محظور شرعي
        فيجب الانتباه لذلك .

        شكرا لك و تقبلي التحية
        sigpic

        تعليق

        • سلوى فريمان
          محظور
          • 18-10-2007
          • 864

          #5
          طفـلٌ يعـود إلـى مدرستـه .... رجـلاً

          [align=center]فـي دفتـر ذكرياتـه كتـبَ .....[/align]


          "لقد أسرَّني و اللـه حسن إستقبالهم لعودة شخصي البسيط في عرينهم الجليل ذو المجلس المهيب و أسرَّني أن أرى خربشة طفولتي منشورة بذلك الشكل الجميل .

          أن أرى الكلمات مطلية بتلك الألوان الفتانة ، بعث الدموع بالوثوب فرحاً إلي مقلتيَّ، مما ذكرني بأيام الطفولة حين أفقت في فجر يوم طال إنتظاره بعد شهر من طول الصيام ، لأجد جلابية العيد تبصبص بالألوان و الخيوط الذهبية البراقة و نظراً لقلة السنين في عمري فرحت بها فرحاً كبيراً أعمى بصيرتي عن فرحة أختي بجلابيتها الراقصة - هي ايضاً - تحت بصيص الألوان و الخيوط الذهبية البراقة.

          لعل ما جعل نور الألوان لقلاقاً و مبصبصاً هو رجرجـة اللآلـيء المالحـة فـي جفنـيَّ.


          خرجنا نحتفل بالعيد أختي و أنا ، طفلين صغيرين ، توأمين صغيرين لا نختلف بشيء و لا نتمايز بشيء . و لو من العقال الذي تـوَّج رأسي و المنديل الذي كَنَّـرَ وجهها لمضينا في فرحتنا فتاتين فرحتين في جلابيتين مزركشتين بألوان الزهر.




          هل أخبرتكم بأن الفرح أغاب ببصيرتي فإختلطت الألوان؟؟؟؟

          في ذلك العرين الجليل كان لإستقبالهم في القلب خلجات و خفقات أكثر طراوة من خيوط الذهب المتلوف بالزهر ، و أوسع حكاية من فرحة الطفولة في يوم العيد".

          تعليق

          يعمل...
          X