الزنزرخت

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حارث عبد الرحمن يوسف
    عضو الملتقى
    • 23-02-2010
    • 344

    الزنزرخت

    كنت صغيرا .....
    لم أتجاوز السابعة عندما ارتبطت بعلاقة خاصة جدا مع شجرة الزنزرخت التي عاشت أمام بيت جدّتي الذي تميز لي برائحة تختلف عن غيره من البيوت في القرية وكأن الطين الذي بني منه كان يتعرّق كما يتعرق الفلاح في الحقل
    كنت واثقاً أن الزنزرخت و جدتي الأكبر (جدّة أبي) هما السبب بتميز رائحة بيتنا عن غيره
    سحرني الزنزرخت فقد فهمت بفضله الجمال وأصبحت أقارن غيره من الأشجار به ,حتّى اقتنغت أن الزنزرخت هو الجمال ولربما خلاء طفولتي من الألعاب جعله يحتل مساحة كبيرة في إدراكي لدرجة أنني اخترعت طقوساً للتفاهم مع هذه اللعبة العملاقة فلقد كانت تبدو لي حينها بحجم نصف السماء التي لاتنتهي
    كنت أتسلل إلى سطح البيت سراً , لكي لا تراني إحدى جدّتي فتنهرني خوفاً على التين المجفف لأنهن لم يكن يفهمن ما الذي يأخذني لأجلس ساعات هناك ....
    كنت ألاعب الزنزرخت الجميل
    كنت أراقب حركات أوراقه وأتساءل إن كان هو الذي يخلق الريح وأحياننا يتلاعب بها فيجعلها نسائماً وأحيانا يحرّك أوراقه بسرعة وكأن أغصانه تحاول التصفيق , لقد كنت على ثقة أن الزنزرخت يلعب ويمل ويتعب ويرتاح
    حتى يتكلم ولكني لا أفهم لغته !!
    كنت أراقب الثغرات بين أوراقه في حالة السكون وفي حالة الهيجان كنت مسحوراً بهذا الرسم وبجمال هذا الشكل الكلّي لمجموع هذه الثغرات
    ليختفي الزنزرخت و كل الأحداث التي يقوم بها ويظهر أمام عيني رسم متكامل من النور السماوي , هو الخلفية التي أراها من السماء وراء الزنزرخت
    كان هذا الرسم ما يسحرني فهو أجمل من الزنزرخت نفسه بل اكتشفت حينها أنه هو الأساس و الزنزرخت بأوراقه وحياته كلها وجد لأجل هذا الرسم فالرسم هو الهدف الذي يحيا الزنزرخت لأجله
    بحثت في القرية عن أشجار أخرى من الزنزرخت فلم أجد سوى ثلاثة
    وقمت بمقارنة الرسم السماوي وراء كل منها فكان كل منها يشابه الآخر
    كان الرسم شبيهاً بأوراق الزنزرخت
    قارنت خلفية الزنزرخت بخلفية التين و الزيتون و السنديان و غيره من الأشجار في حارتنا ولم أجد ما أعجبني كالخلفية التي اكتشفتها على سطح بيت الطين الذي غرس رائحته في أنفي حتى هذه اللحظة كما غرس بي أبي اسمي
    و الآن و بعد أربعين سنه , أرى الزنزرخت يساعدني على الإجابة على العديد من الأسئلة التي ما زلت أطرحها ليجيب عليها العالم المحيط بي أنّه لم يفارقني حتى اليوم وهو يرافقني دائما حتى عندما لا تكون أحداثه حيّة في ذاكرتي ولكن الرسم أصبح وشماً على قشرة دماغي .
    وما هي لعبة الرسم و الأحداث إلا علاقة الروح والنفس
    فما سحرني بطفولتي هو الروح و الشعور بوجودها في كل ما يتحرك ويسكن !!
    سحر الروح يخلق السعادة بالأحداث
    و السعادة التي نراها لا تفارق الأطفال في مسيرة نموهم سببها سحر الروح الذي يفتح لهم أبواب الإدراك فكلما عقولهم فهمت شيئاً جديدا
    تملأ الروح نفوسهم بالسعاده .
    فالسعادة الحقيقية هي السعادة الناتجة عن الفهم
    التعديل الأخير تم بواسطة حارث عبد الرحمن يوسف; الساعة 01-03-2010, 20:39.
  • سهير الشريم
    زهرة تشرين
    • 21-11-2009
    • 2142

    #2
    الكاتب القدير / حارث عبد الرحمن يوسف

    جميلة تلك الذكريات المنخوتة على تلك الشجرة التي رافقتك حتى كبرت
    احيانا كثيرة تنشا علاقة بيننا وبين محيطنا من الأشياء .. وخصوصا الشجر
    العالي بالسماء والراسخ بالارض
    يمثل حياة الانسان بتفرعاته وصموده واخضراره وخريفه
    نحدثه فيهفهف بورق اهتزاز وكأنه يسترق السمع
    يصف بورقه
    يعشق مثلنا
    بيئتنا .. يرافقنا من طفولتنا الى عجزنا
    ويبقى حتى يودعنا..
    تبدو خاطرتك تلك أقرب الى الفلسفة منها الى الخاطرة
    ولنق خاطرة فلسفية
    تألقت بنثر ما تريد أن يفوح عطره
    حيث جال الحرف بتمعن بين مواضع الروح
    تحياتي

    كنت هنااا وزهر

    تعليق

    • حارث عبد الرحمن يوسف
      عضو الملتقى
      • 23-02-2010
      • 344

      #3
      السلام والمحبة لك زهرة تشرين!
      أنت على حق وأضيف على ذلك أن تلك المرحومة (الشجرة) علمتني الكثير لا بل كلّ ما أفعله اليوم تطور من أحاديثها لي فهي معلمي الأول وصاحب الفضل في حصولي على ملايين الأجوبه لمليارات الأسئله
      ولك مني شكري وإعجابي الشديد بروحك الرقيقه

      تعليق

      • مصطفى شرقاوي
        أديب وكاتب
        • 09-05-2009
        • 2499

        #4
        كلنا هذا الطفل يا أستاذ ....... من منا لا يفرح عند حل عويصه ويزداد سروره سرور بل ويرى من ثقب الظل نور إذا ما اهتدى إلى فكره أو نجح في حل مسأله صعبه تعِب في حلها الرفقاء , ولكن ما يزيد البهجةِ بهجه أن يكون الفكر والتأمل خصوصياً لا يشترك فيه أحد , لما نجد الطقوس التي تتراءى أمامنا بتفسيرات متعدده ومتجدده يجبرنا العقل أن نستسلم لسر الإله في خلق الكون من سماء وأرض وأشجار وطيور .............................

        تعليق

        • د. توفيق حلمي
          أديب وكاتب
          • 16-05-2007
          • 864

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة حارث عبد الرحمن يوسف مشاهدة المشاركة
          فالسعادة الحقيقية هي السعادة الناتجة عن الفهم
          ذلك هو بيت القصيد
          أحسنت وأبدعت أيها الكاتب القدير / حارث عبد الرحمن يوسف
          نص يداعب الشجن ويدفع للفكر والتفاعل
          تقدير واحترام

          تعليق

          • حارث عبد الرحمن يوسف
            عضو الملتقى
            • 23-02-2010
            • 344

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة مصطفى شرقاوي مشاهدة المشاركة
            كلنا هذا الطفل يا أستاذ ....... من منا لا يفرح عند حل عويصه ويزداد سروره سرور بل ويرى من ثقب الظل نور إذا ما اهتدى إلى فكره أو نجح في حل مسأله صعبه تعِب في حلها الرفقاء , ولكن ما يزيد البهجةِ بهجه أن يكون الفكر والتأمل خصوصياً لا يشترك فيه أحد , لما نجد الطقوس التي تتراءى أمامنا بتفسيرات متعدده ومتجدده يجبرنا العقل أن نستسلم لسر الإله في خلق الكون من سماء وأرض وأشجار وطيور .............................
            أخي العزيز مصطفى :
            معك في كل كلمه ما عدا (يجبرنا العقل أن نستسلم لسر الإله .......)
            فأنا مؤمن أن الله لا يريد لعقولنا الإستسلام بل على العكس كل عقل يبحث ويسأل في سر خلق الكون هو العقل الحيّ الذي حصل على عناية الله وكلّما بحثنا أكثر اقتربنا أكثر وكلّما اقتربنا أكثر حصلنا على حبّ الله أكثر وترجمة حب الله هي السعادة الناتجة عن الإقتراب

            تعليق

            • حارث عبد الرحمن يوسف
              عضو الملتقى
              • 23-02-2010
              • 344

              #7
              سلمْتَ د.توفيق

              تعليق

              يعمل...
              X