سالم جبران استفز اوراق حلمي
وايضا الحلم تعتريه كبوة .. إلا أنه يستفز فجأة ، يستيقظ ، يتماهى مع قصيدة ليست ككل القصائد.
هي قصيدة أحد شعراء المقاومة سالم جبران :
" كان ليل النكبة الأسود لا اشعاع فيه / غير اشعاع القنابل / وهي تنصب على رأس قرّى / ليست تقاتل ! / ولماذا يا بلادي ؟ / قالت الأعين ، في رعب / ولم تفهم تفاصيل القضية / من خلال القلق المشبوب ، قالت ... / ثم ألقينا " البنانير " على الأرض الشقية / ورجعنا للبيوت .. "
انه عام 48 نكبة فلسطين . المقطع الأول من قصيدة القاها الشاعر في ايار2008 في عكا ، ندوة عن النكبة بدعوة من مؤسسة الأسوار .
طريقة إلقائه كانت تفصح عن مدى تأثره ألمه وغضبه المكبوت ، تثب الحروف من أعماقه حارة تجأر الى مسامات وجداننا ونسغنا . ربما تأثرت أكثر من غيري بهذه القصيدة ، كوني وسالم جبران أصلا من هذه البيئة الجميلة ، قرية البقيعة الجليلية . لقد أعادني الى مرحلة الطفولة ، الى أحلامنا البريئة تطارد الفراشات في " الحواكير " ، وتركب أجنحة الطيور ، أعادني الى لعبة
" البنانير " في الحارة ساحة العين ، الى شجرة التوت القديمة تفرش علينا ظلها الوارف ايام القيظ ، وكلما عطشنا نغب من النبع ونعود الى لعبتنا .
في هذه البقعة تحديدا شهد سالم جبران الحدث الأسود . التشريد الفعلي الى لبنان وغيرها ، وحالة الإستعداد للترحيل القسري وما يرافقها من توتر وقلق . وهنا تبرز شخصية الطفل الفلسطيني كأصدق ما تكون حسا ولغة ، فيسأل بانتظار أجوبة :
" ولماذا يا أبي ؟ / أترى لبنان حلو كبلادي ؟ / أترى فيه حواكير جميلة / بينها ترتاح أحلام الطفولة / أترى فيه صغار ، كبلادي ، يا ابي ؟ / اترى فيه .. طعام ؟!! / .......... لا كلام ! / دمعتْ عين أبي ، اول مره / كان كالفولاذ ، طول العمر / والدمع بعين الحُر جمرة ! "
النموذج التالي يعكس إحساس الانسان بقيمة الأشياء العزيزة بعد فقدانها . طفل يوشك أن ينتزع من بيته وبيئته ، ومن نبعه الذي يبدو حزينا وكئيبا هو الآخر؛ حضور الظاهرة الإحيائية ، إحياء الجمادات :
" هذا البيت يا أماه / ما كان عزيزا أي يوم / فلماذا يا ترى صار عزيزا وجميلا ؟ / أيها النبع الذي جاد ، بلا من ، على طول السنين / من ترى يشرب من مائك ، بعد اليوم / من أيها النبع الحزين " .
على مستوى الإنفعالات النفسية ضمن الجو المأساوي العام ، لا أتصور نصا شعريا محكما بهذه الدرجة . كذلك لا أتصوّر نداء أكثر فجيعة وألما من المقطع الرابع من القصيدة :
" اسكتوا ... صوت ينادي ! / منْ تراهْ ؟ ! / ـــ أنصتوا ، بالله ، حين . / ـــ انه صوت " أبي راضي " الحزين / هيهيا عيسى تعالْ . / اترك الماء .. اترك الصبّة / اترك كل شيء .. وتعال !/ ألف صوت كان من فوق السطوح / يتعالى مثقل النبرات ، مخنوقا ، جريح / أيها الراعي وراء التل ، أترك / حيثما كان ، القطيع / أترى ان ضاع مأساة / وكل الشعب في الأرض يضيع ؟ / أيها الفلاح ، لن ينفعكم " قش الجباب " / فعلى الأفق ضياع / وعلى الأفق اغتراب / سوف تبقى الأرض ، هذا العام ، بورا / وستبقى ألف عام .. " .
انه التشظي في أعنف صورته ، احباط كامل أمام بشاعة الجريمة ، تداعت كل الاشياء ، استحالت الى ملامح تختزل صدى الزلزال وطعم الإقتلاع . لم يبق للحياة معنى في هذه الأرض ، لكن ظل الصوت " النداء " يحكي قصة التمزق والضياع ، اني اسمعه الآن طازجا قويا متجددا ، ينداح صعدا وعمقا ، وسيسمعه الجيل القادم وما بعد بعد .. " هيهيا عيسى تعال / اترك كل شيء وتعال " .
هذه القصيدة كتبت سنة 1964 . حقيقة لم توقظني في شعر المقاومة قصيدة كهذه معبأة حتى النخاع ، وعصية على الإندثار حتى بعد ألف عام .
وايضا الحلم تعتريه كبوة .. إلا أنه يستفز فجأة ، يستيقظ ، يتماهى مع قصيدة ليست ككل القصائد.
هي قصيدة أحد شعراء المقاومة سالم جبران :
" كان ليل النكبة الأسود لا اشعاع فيه / غير اشعاع القنابل / وهي تنصب على رأس قرّى / ليست تقاتل ! / ولماذا يا بلادي ؟ / قالت الأعين ، في رعب / ولم تفهم تفاصيل القضية / من خلال القلق المشبوب ، قالت ... / ثم ألقينا " البنانير " على الأرض الشقية / ورجعنا للبيوت .. "
انه عام 48 نكبة فلسطين . المقطع الأول من قصيدة القاها الشاعر في ايار2008 في عكا ، ندوة عن النكبة بدعوة من مؤسسة الأسوار .
طريقة إلقائه كانت تفصح عن مدى تأثره ألمه وغضبه المكبوت ، تثب الحروف من أعماقه حارة تجأر الى مسامات وجداننا ونسغنا . ربما تأثرت أكثر من غيري بهذه القصيدة ، كوني وسالم جبران أصلا من هذه البيئة الجميلة ، قرية البقيعة الجليلية . لقد أعادني الى مرحلة الطفولة ، الى أحلامنا البريئة تطارد الفراشات في " الحواكير " ، وتركب أجنحة الطيور ، أعادني الى لعبة
" البنانير " في الحارة ساحة العين ، الى شجرة التوت القديمة تفرش علينا ظلها الوارف ايام القيظ ، وكلما عطشنا نغب من النبع ونعود الى لعبتنا .
في هذه البقعة تحديدا شهد سالم جبران الحدث الأسود . التشريد الفعلي الى لبنان وغيرها ، وحالة الإستعداد للترحيل القسري وما يرافقها من توتر وقلق . وهنا تبرز شخصية الطفل الفلسطيني كأصدق ما تكون حسا ولغة ، فيسأل بانتظار أجوبة :
" ولماذا يا أبي ؟ / أترى لبنان حلو كبلادي ؟ / أترى فيه حواكير جميلة / بينها ترتاح أحلام الطفولة / أترى فيه صغار ، كبلادي ، يا ابي ؟ / اترى فيه .. طعام ؟!! / .......... لا كلام ! / دمعتْ عين أبي ، اول مره / كان كالفولاذ ، طول العمر / والدمع بعين الحُر جمرة ! "
النموذج التالي يعكس إحساس الانسان بقيمة الأشياء العزيزة بعد فقدانها . طفل يوشك أن ينتزع من بيته وبيئته ، ومن نبعه الذي يبدو حزينا وكئيبا هو الآخر؛ حضور الظاهرة الإحيائية ، إحياء الجمادات :
" هذا البيت يا أماه / ما كان عزيزا أي يوم / فلماذا يا ترى صار عزيزا وجميلا ؟ / أيها النبع الذي جاد ، بلا من ، على طول السنين / من ترى يشرب من مائك ، بعد اليوم / من أيها النبع الحزين " .
على مستوى الإنفعالات النفسية ضمن الجو المأساوي العام ، لا أتصور نصا شعريا محكما بهذه الدرجة . كذلك لا أتصوّر نداء أكثر فجيعة وألما من المقطع الرابع من القصيدة :
" اسكتوا ... صوت ينادي ! / منْ تراهْ ؟ ! / ـــ أنصتوا ، بالله ، حين . / ـــ انه صوت " أبي راضي " الحزين / هيهيا عيسى تعالْ . / اترك الماء .. اترك الصبّة / اترك كل شيء .. وتعال !/ ألف صوت كان من فوق السطوح / يتعالى مثقل النبرات ، مخنوقا ، جريح / أيها الراعي وراء التل ، أترك / حيثما كان ، القطيع / أترى ان ضاع مأساة / وكل الشعب في الأرض يضيع ؟ / أيها الفلاح ، لن ينفعكم " قش الجباب " / فعلى الأفق ضياع / وعلى الأفق اغتراب / سوف تبقى الأرض ، هذا العام ، بورا / وستبقى ألف عام .. " .
انه التشظي في أعنف صورته ، احباط كامل أمام بشاعة الجريمة ، تداعت كل الاشياء ، استحالت الى ملامح تختزل صدى الزلزال وطعم الإقتلاع . لم يبق للحياة معنى في هذه الأرض ، لكن ظل الصوت " النداء " يحكي قصة التمزق والضياع ، اني اسمعه الآن طازجا قويا متجددا ، ينداح صعدا وعمقا ، وسيسمعه الجيل القادم وما بعد بعد .. " هيهيا عيسى تعال / اترك كل شيء وتعال " .
هذه القصيدة كتبت سنة 1964 . حقيقة لم توقظني في شعر المقاومة قصيدة كهذه معبأة حتى النخاع ، وعصية على الإندثار حتى بعد ألف عام .
تعليق