شرعت في الكتابة ثمّ توقّفت وكأنّ القلم يعلن عصيانه لي.احتبست الكلمات داخلي.بدا المخاض عسيرا،شقّ معه خروج ما في الأعماق على سطح الورق.
قاومت الوجع.الصّورة ساكنة في وجداني لكنّ تشكيلها يثيرني.لم تغادرني بل هي تحيا داخلي.مرّت سنة بأكملها لكنّني أرى ذلك اليوم قريبا جدّا،يتمثّله وجداني وذاكرتي...
"لا تتأخّري ماما أرجوك.أنا في انتظارك وفي انتظار أن تعودي رفقة أنس"
"لا تقلق حبيبي غدا أعود غدا إن شاء اللّه.انتبه إلى نفسك"
لاذ الصّغير بالصّمت وفرحة الانتظار مرسومة على شفتيه بعد أن ودّع أمّه.لم يطل ترقّبه.من الغد حلّت أنس بين أحضان عائلتها.
يتمرّد عليّ قلمي مجدّدا.تعسر ولادة الكلمة.
"عندما داهمها المخاض توجّهت إلى المستشفى الخاصّ في هدوئها المعتاد ورقّتها اللاّمتناهية .نسمة خفيفة تدغدغ دون أن تؤذي.
كانت الولادة طبيعيّة.خرجت الحياة من رحمها في صورة مولودة جميلة"هكذا أخبرتني أمّها لاحقا.
كنّا ننتظر أن يُزَفّ إلينا هذا الخبرالجميل.باشرت العمل من الغد كالمعتاد وحالما دخلت المعهد وجدت السّكون رهيبا على غير العادة.اعترضتني وجوه واجمة لفتت انتباهي فأحسست بالضّيق وكلّما خطوت خطوة نحو قاعة الأساتذة زاد إحساسي بالاختناق.
وصلت.لم أر غير فيض من الدّموع يبلّل وجوه الموجودين.لم أع في بادئ الأمر شيئا .اضطربت.ارتعش كامل جسدي.لم أستطع من وقع الصّدمة أن أتبيّن صورتها التي علّقت داخل القاعة مع خبر نعيها.لم نقو على الحركة أنا وغيري من الأساتذة والإداريين.
فاجأنا رحيلها.مزّق أفئدتنا وأدمى قلوبنا.ماتت جيهان لتتفتّح زهرة جميلة رأيتها بعد أسبوعين من ولادتها في أحضان جدّتها .
"فارقت فلذة كبدي الحياة بعد أربع ساعات تقريبا من من ولادة الصّغيرة أنس.كنت أنتظر خارج غرفة التّوليد على أحرّ من الجمر لكن...أخبرني الطّبيب لاحقا أنّها رأتها وقبّلتها قبل أن تتعكّر صحّتها وتفارق الحياة".
اختنقت الأمّ .ذرفت الدّمع بغزارة "أفتقد دفئها وحنانها.أفتقد زيارتها لنا وإطلالتها المستمرّة علينا.نفتقدها جميعا.يفتقدها ابنها البكر أسامة الذي لم يتجاوز الخامسة من العمر.يسألني باستمرار عنها:متى تعود؟متى تعود؟ ألم تقولي إنّها في الجنّة؟ متى تعود؟"
ازداد اختناقها.خذلتها الكلمات مثلما يخذلني الآن قلمي فيشعرني بالعجز عن تشكيل ملامح الصّورة الكامنة في وجداني.
تهيّج الذكرى أحزاني.أذكر كيف قاومت ضعفي وتماسكت لأودّعها الوداع الأخير.دخلت الغرفة بمعيّة طالباتها اللاّئي أتين إلى موكب عزاء مدرّستهنّ المحبوبة.
كان الأمر شاقّا لكنّنا تحاملنا على أنفسنا ودخلنا.رأيناها مسجّاة في هدوء أبديّ...
هي الحياة تحتضن أعمارنا لبعض الوقت ثمّ تسلمنا لنهاياتنا.تسعدنا بالمولود وتؤذينا بالمفقود.لكنّ إيماننا يبدّد بعض وحشتنا.
سقيا لقبرك جيهان.لم تغادرينا وقد أورثت الحياةَ نبتتين يافعتين ترتويان من مائها.
اليوم مرّت سنة على وفاتك لكنّك نابضة في قلوبنا.
يئنّ القلم جيهان.تتعثّر خطواته.يلوذ بالصّمت...لكنّ القلب يخفق لذكراك.
النّص إلى روح جيهان التي ماتت في مثل هذا اليوم بعد ولادة ابنتها أنس(12-3-2009)
قاومت الوجع.الصّورة ساكنة في وجداني لكنّ تشكيلها يثيرني.لم تغادرني بل هي تحيا داخلي.مرّت سنة بأكملها لكنّني أرى ذلك اليوم قريبا جدّا،يتمثّله وجداني وذاكرتي...
"لا تتأخّري ماما أرجوك.أنا في انتظارك وفي انتظار أن تعودي رفقة أنس"
"لا تقلق حبيبي غدا أعود غدا إن شاء اللّه.انتبه إلى نفسك"
لاذ الصّغير بالصّمت وفرحة الانتظار مرسومة على شفتيه بعد أن ودّع أمّه.لم يطل ترقّبه.من الغد حلّت أنس بين أحضان عائلتها.
يتمرّد عليّ قلمي مجدّدا.تعسر ولادة الكلمة.
"عندما داهمها المخاض توجّهت إلى المستشفى الخاصّ في هدوئها المعتاد ورقّتها اللاّمتناهية .نسمة خفيفة تدغدغ دون أن تؤذي.
كانت الولادة طبيعيّة.خرجت الحياة من رحمها في صورة مولودة جميلة"هكذا أخبرتني أمّها لاحقا.
كنّا ننتظر أن يُزَفّ إلينا هذا الخبرالجميل.باشرت العمل من الغد كالمعتاد وحالما دخلت المعهد وجدت السّكون رهيبا على غير العادة.اعترضتني وجوه واجمة لفتت انتباهي فأحسست بالضّيق وكلّما خطوت خطوة نحو قاعة الأساتذة زاد إحساسي بالاختناق.
وصلت.لم أر غير فيض من الدّموع يبلّل وجوه الموجودين.لم أع في بادئ الأمر شيئا .اضطربت.ارتعش كامل جسدي.لم أستطع من وقع الصّدمة أن أتبيّن صورتها التي علّقت داخل القاعة مع خبر نعيها.لم نقو على الحركة أنا وغيري من الأساتذة والإداريين.
فاجأنا رحيلها.مزّق أفئدتنا وأدمى قلوبنا.ماتت جيهان لتتفتّح زهرة جميلة رأيتها بعد أسبوعين من ولادتها في أحضان جدّتها .
"فارقت فلذة كبدي الحياة بعد أربع ساعات تقريبا من من ولادة الصّغيرة أنس.كنت أنتظر خارج غرفة التّوليد على أحرّ من الجمر لكن...أخبرني الطّبيب لاحقا أنّها رأتها وقبّلتها قبل أن تتعكّر صحّتها وتفارق الحياة".
اختنقت الأمّ .ذرفت الدّمع بغزارة "أفتقد دفئها وحنانها.أفتقد زيارتها لنا وإطلالتها المستمرّة علينا.نفتقدها جميعا.يفتقدها ابنها البكر أسامة الذي لم يتجاوز الخامسة من العمر.يسألني باستمرار عنها:متى تعود؟متى تعود؟ ألم تقولي إنّها في الجنّة؟ متى تعود؟"
ازداد اختناقها.خذلتها الكلمات مثلما يخذلني الآن قلمي فيشعرني بالعجز عن تشكيل ملامح الصّورة الكامنة في وجداني.
تهيّج الذكرى أحزاني.أذكر كيف قاومت ضعفي وتماسكت لأودّعها الوداع الأخير.دخلت الغرفة بمعيّة طالباتها اللاّئي أتين إلى موكب عزاء مدرّستهنّ المحبوبة.
كان الأمر شاقّا لكنّنا تحاملنا على أنفسنا ودخلنا.رأيناها مسجّاة في هدوء أبديّ...
هي الحياة تحتضن أعمارنا لبعض الوقت ثمّ تسلمنا لنهاياتنا.تسعدنا بالمولود وتؤذينا بالمفقود.لكنّ إيماننا يبدّد بعض وحشتنا.
سقيا لقبرك جيهان.لم تغادرينا وقد أورثت الحياةَ نبتتين يافعتين ترتويان من مائها.
اليوم مرّت سنة على وفاتك لكنّك نابضة في قلوبنا.
يئنّ القلم جيهان.تتعثّر خطواته.يلوذ بالصّمت...لكنّ القلب يخفق لذكراك.
النّص إلى روح جيهان التي ماتت في مثل هذا اليوم بعد ولادة ابنتها أنس(12-3-2009)
تعليق