(الجزء الأول)
باتت المنتديات والملتقيات الأدبية والثقافية المنتشرة على صفحات الإنترنت محل اهتمام الكثير من رواد هذا العالم الإلكتروني الزاخر الذي يكتظ بكل جديدٍ ملفت، من جاد المواقع وهازلها.
بل إن هذه المواقع صارت تتنافس فيما بينها لتتفرد وتتميز سواء بالمادة المطروحة أو بطريقة طرحها وخلق المواضيع التي تهم المشتركين والزوار لضمان أكبر قدر ممكن من التفاعل، الذي تحقق من خلاله أهدافها المادية والفكرية على حدٍ سواء.
ومما لاشك فيه أن لا سبيل إلى هذا إلا بحصد أكبر عدد ممكن من المشتركين والزوار، وبترغيب الأعضاء الفعالين والموهوبين بنشر إبداعاتهم الفكرية، أو بتشجيعهم من خلال اعتماد أفكارهم التي يقترحونها لتفعيل المكان وتنشيطه وزيادة احتمال إقبال المنتسبين إليه، وكذلك بالتعاون من خلال تكليفهم بمهام إدارية وإشرافية لابد منه لتكاتف الجهود والظهور بشكل متكامل، فأساس هذه المواقع قائم على التعاون والجهد المكثف المستمر من خلال العمل الطوعي للأعضاء المبدعين والنشطين.
ويحرص الكثيرون على الانضمام لأكثر من تجمع أدبي بُغية الانتشار السريع وبحثا عن النجومية، وقد يغفلون هنا عن أمرٍ في غاية الأهمية وهو أن الشهرة سلاح ذو حدين، فليس الجميع يشتهرون تلك الشهرة الايجابية ويعرفهم الآخرون من خلال إبداعاتهم المتميزة، فقد تعرف بعض الأسماء وتشتهر بصفات لا علاقة لها بالأدب والإبداع، ولعل هذه النوعية تعتمد سياسة (خالف تعرف).
وبالتأكيد هناك اختلاف يفرض نفسه بقوة حين يكون قائما على الخلق والابتكار معتمدا على أسس منطقية تخاطب عقل المتلقي باحترام، وليس ذلك الاختلاف العقيم الذي يشعل النقاش حول فكرة مبتورة سرعان ما تنتهي بفشل أكيد.
فائدتها حقيقة أم وهم؟
تمثل هذه المواقع منهلا علميا زاخرا لمن تتاح له الفرصة للإفادة الحقيقة منها، وليس معنى إتاحة الفرصة في المشاركة والنشر أن كل من يشارك هو على الخط الصحيح، إذا لم يكن باحثا حقيقيا عن التطور، الذي يكون ثمرة للنقد الموضوعي البعيد عن المجاملة والإسراف في المدح، أو النقد الذي يخطه قلم حاقد يعمد إلى تحطيم نفسية المبدع، خاصة ألا رقيب هنا إلا الضمير، فلن يكون المعارضون كُثر، وإن وجدوا قد لا يتوفر بينهم من يتحلي بالحجة والأسلوب المنطقي السوي في الحوار، وهذا لا يجعل النتائج دائما في صالح الحقيقة، خاصة إذا كان الطرف الآخر (المهاجم) يجيد فن الجدل للجدل، ولكن هذا لا ينفي أن تكرار الحدث يقوّم السلوك ويطور أسلوب التعاطي مع القضايا المطروحة، مما يجعل الأمر أكثر سهولة مع الوقت.
وفي سؤال عن النقد ومدى جدواه وفعاليته في المنتديات الأدبية يقول الأديب والقاص الفلسطيني ياسر مصطفى حمّاد: (الحقيقة أن العقول ما زالت لا تقبل مبدأ النقد ولا تقبل مبدأ أن كل كاتب هو بالأصل طالب علم وعليه أن يتعلم من كل كاتب، إن كان لغويا كبيرا أو متعلما فتي؟ وهذا يجعل أقسام النقد بالمنتديات أشبه بالطفل اليتيم الذي يعيش في عائلة لا ترغب بوجوده بين أفرادها، وهذا يقلل من شأن التفاعل معها والإفادة منها بالشكل المطلوب.
وأيضا من الأسباب التي تؤدي إلى فتور أقسام النقد غياب المتخصصين في نقد الأدب، فهم يعزفون عن هذا القسم، ولا يجدون أنفسهم فيه على الإطلاق لأنه يفتقر للتفاعل المشجع، لكن هذا لا يمنع أن هناك منتديات ومواقع أدبية متخصصة في الأدب والثقافة لا تساوم على ثقافتها والأدب الموجود فيها ونرى الأعضاء على مستوى عال من الوعي والإدراك ونجد أيضا المناقشات الأدبية الغنية، والتي تستحق بالفعل القراءة والاطلاع، لكن مع الأسف هي قليلة جدا.
ولعل من أهم المشكلات النقدية التي قد تواجه المبدع غياب اللغة الحميمة بين الناقد والمبدع، وميل الخطاب النقدي إلى الجفاف والصرامة وإغفاله لسن المبدع، أو كونه في بدايات مشواره الحلم، ولأن العمل الأدبي هو في الحقيقة خلاصة روح المبدع حتى وإن قل مستواه، فإن التعرض له بقسوة لأمر يؤلمه بالتأكيد، حين يشعر أنه فشل رغم صدقه، وأن هذا الآخر (الناقد) لم يفهم ما حاول هو التعبير عنه بشفافية كاملة، فلا يرسخ في ذهنه إلا أن النقد (غول) مهمته الحقيقية أن يحطم ويدمر كل ما في طريقه، وأنه لا يرى إلا سلبا، وهذا هو الوجه الآخر الذي لا يقل خطورة عن مقابله القائم على الثناء المسرف والمجاملة.
وفي ظل غياب الأسلوب النقدي الصحيح نجد الكثير من الأحلام الموؤدة، التي كان من الممكن أن ترى النور، ويكون لها شأن حقيقي لو حظيت بالنقد المناسب، ومن هنا تتجلى حقيقة الرسالة السامية للنقد، وأنه كما يبني يهدم، وهواة اليوم سيتذكرون كل التفاصيل عندما يُصبح لهم شأن كبير مستقبلا، كما أن مدعي الدراية والعلم بالنقد ومداخله مهما علت رتبتهم العلمية كأن يكون بدرجة دكتور مثلا، فلا قيمة لفكره النقدي إن لم يبني ويقدم العون للآخرين.
http://www.elaphye.net/details.asp?id=2686&catid=64
يتبع...
تعليق