معاناة الشعر وأشواقه في " معراج لسماء تحترق "
• للشاعرة تُقي المرسي
• بقلم أحمد رشاد حسانين
• تعريفُُ بالديوان :

• " معراج لسماء تحترق " ، هو الديوان الأول للشاعرة تقي المرسي والصادر عن دار سندباد للنشر والإعلام عام 2009م.
• والديوان يقع في حوالي تسعين صفحة من القطع المتوسط ، وأول ما يلفت النظر إليه في هيئة ومحتوياته الخارجية ، هو تلك المنتجات النصية التي تقدم للديوان وتمهد لتجربته الشعرية ، وتعكس في تقديمها ما حظى به الديوان من مخطط ذهني وشعوري ، يترجم جهدا ملموسا في الترتيب والتنسيق مع حسن تنضيد للقصائد وما تندرج تحته من عناوين جانبية . وكل هذا يقدم لنا منتجات نصية هي جزء لا يتجزأ من النص الكلي ، وهذه المنتجات تتكون من :
• غلاف ، عنوان ، إهداء ، مفتتحان ، وتفصيلها علي النحو التالي :
• غلاف الديوان :
• ويغلبُ عليه اللونان الأصفر والأخضر ، يتصدر منتصفه جسم فتاة ترتدي ثوبا شفافا ، ورأس الفتاة بملامحها لا تظهر ، بل تغطيها ألسنة النيران تماما وتمتد هذه الألسنة إلى منتصف الجسد ، وأمام جسد الفتاة الذي يحترق تبدو حواليها أجساد أخرى تحتويها النيران ولون النيران ليس الأحمر المعهود ولكنه أصفر داكن .
• العنوان :
• ] معراج لسماء تحترق [
• الإهداء :
• وتهديه الشاعرة إلي : قناديل الروح .. رفيق العمر .. حبات الفؤاد والملاحظ في الإهداء أن التقدير والاحتفاء فيه ، يجمع بين الروحي المعنوي ( قناديل الروح ) ، والمادي الحميم ( حبات القلب ) ، والاثنان هما أجمل ما في الكائن الإنساني الحي .
• وأزعم أن تأخير جملة – رفيق العمر- يجعل الإهداء أكثر تشويقا للقارئ والمتلقي .
• المفتتحان :
• الأول ، تقول فيه :
• أسميَك شدو الرباب الحزين وبوح القرنفل والياسمين أسميك طلا ونخلا وظلا يجوب الفيافي كنهري حنين أسميك وردا وشجوا ووجدا نسبت مجازا لماء وطين 1
• والمفتتح يفيض عذوبة ورقة وعطرا ، وكأنه سلسال ينساب بردا وخيرا وسلاما ، وبغض النظر عمن تهدي إليه الشاعرة الديوان ، فإن وصف شدو الرباب بالحزين ، غير موفق وسط هذا الأفق العذب البهيج .
• أما المفتتح الآخر ، فتقول فيه :
• حين يكون الحزن كثيفا أفتح بابا في عتمة عينيك فأرى مدنا ... وسقوفا ودعها الأزرق شجرا مسلوب الخضرة وطنا يزحف في ثوب القهر وأنا طائر ... لا يعرف إلا الهجرة ! 1
• وربما يهيئ لنا من معطيات البنية السطحية للمفتتح ، أن دلالته قد تكون في حالة مقابلة مع مشاعر البهجة والجمال في المفتتح الأول ، إلا أن بنيته العميقة وبقليل من التأمل – تؤكد مشاعر التلاحم والتعاطف والحميمية مع المهدى إليه ، في كل ظروفه وتقلبات أحواله .
• محاولة للولوج :
• وعودة إلي عنوان الديوان ومع دلالاته المعُجمية واللغوية ( معراج السماء تحترق ) . جاء في المعجم الوجيز في مادة ( عرج ) :
• ( عرج ) في السًُلم وعليه عروجا : ارتفع وعلا ، و( المعراج ) المصعد والسلم وأيضا ما عَرجَ عليه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء ، و( العروج ) مصدر ( عرج ) والمعراج ( اسم آلة ) علي وزن مفعال وهو الأداة التي يُعرج عليها .
• ( لسماء ) ، ( السماءُ ) ، ما يقابل الأرض ، وكل ما علاك وأظلك والجمع : سماءات وسماوات .
• ( تحترق ) : جاء في مختار الصحاح في مادة ( حَرق ) ، ( الحَرَق ) : بفتحتين ، النار ، وهو أيضا ( احتراق ) و ( أحرقة ) بالنار و( حرقه ) تشديد للكثرة و ( تحرّق ) الشئ بالنار ( احترق ) والاسم منه ( الحرُقة ) و( الحريق ) .
• ويُلاحظ في العنوان – ما حُمٌل به من دلالة العلو والسمو المتصلة بمادتي ( عرج ) و( سمو ) ، ثم دلالة أخري مغايرة لطبيعة غايات السمو وهي : الحرق ، والحريق ، والاحتراق ، وهو ما يعني توظيف الدلالة التراثية لحادث الإسراء والمعراج ، وذلك بنقلها من إطارها الديني والروحي العام إلى حدود التجربة الذاتية ، فهو إذن عروج ومعراج من نوع خاص يتصل بطبيعة التجربة وذاتيتها .
• وملاحظة أخرى :
• وهي أن العنوان ، وهو المؤشر الإعلامي للنص الكلي ، مركب من جملة اسمية تتكون من :
• خبر نكرة لمبتدأ محذوف .
• يليه جار ومجرور نكرة وهما ( موصوف ) .
• ثم جملة فعلية ( صفة ) في محل جر .
• وإن جاز لنا أن نؤول للمبتدأ المحذوف ، لقلنا :
• " هذا معراجُُ لسماء تحترق "
• واسم الإشارة يفيد الحضور والمثول ، وحذفه إنما كان لحضوره هذا ومثوله المعلوم ، وهو يعود علي التجربة / الديوان ، وكأني بالشاعرة تقول :
• تجربتي معراج لسماء تحترق ، أو ديواني معراج لسماء تحترق ، أو شعري معراج لسماء تحترق .
• أي أنها وبداية بعتبات الديوان الأول ، تلج بنا تخوم التجربة / الديوان ونحن نتهيأ ونستعد ، فالعروج والترقي ليس بالأمر الهين اليسير ، وإنما هو أمر ذو شأن عسير والمتطلب لرياضات شاقة ، خاصة إذا كان عروجا غايته الاحتراق . وتوضيحا للأمر ، فإن الاحتراق إنما هو احتراق مجازى يتعلق بالنفسي والمعنوي .
• بعد هذه التهيئة ، نكون قراء ومتلقين ، إزاء ميدان عمليات العروج ، وهو ميدان تؤلفه ست وعشرون قصيدة ، ثم قصيدة أخيرة ، السابعة والعشرون وجاءت " خاتمة " ومشهدا أخيرا بعد عمليات العروج والاحتراق . وقد نضدت الشاعرة القصائد الخمس الأولى تحت عنوان " طقوس ما قبل الاحتراق " ، أما بقية القصائد والبالغة إحدى وعشرون ، فقد نضدتها تحت عنوان " طقوس الاحتراق " وهو نوع من التنظيم والتصنيف المرحلي من جهة ، وينطوي من جهة أخري علي إيحاءات وأجواء من القدسية ؛ إذ أننا بصدد الولوج إلي ساحة الشعر ( وفق تأويلنا لعنوان الديوان ) ، والساحة هنا يثري قدسيتها كونها للعروج والترقي . والدخول إليها ليس بالدخول المجاني العشوائي وإنما هو دخول في حاجة إلي إجراءات وطقوس ، وهي أشبه بطقوس يمارسها الناسك الداخل إلي معبده .
• إن ساحة الشعر وحرمته لهي من ساحات الخلود ، وإن مركب الشعر لصعب ، وإن مرتقاه لعسير ، ووجب أن يكون تلقيه علي درجة من التهيؤ والحضور ، تتناسب مع ما في تعاطيه وإبداعه ، من احتراق ومعاناة وما في صياغاته ، من مكابدات تراكيبا ومجازا وإيقاعات.
• إجراءات و" طقوس ما قبل الاحتراق " :
• وقصائد هذا القسم الأول وضعت الشاعرة لها عنوانا جانبيا تصنيفيا وهو " نثريات " وذلك بالرغم من شعرية قصائده البادية وتراكيبه الصوتية الواضحة . فهل ثمة علاقة بين موضوع القصائد العام " طقوس ما قبل الاحتراق " ونوعية قالبها الشعري الذي ارتضته الشاعرة بوصفة " نثريات " ؟ .
• إن قسم الطقوس يضم القصائد الآتية :
• اختزال ، قطاف الشجن ، ومضات ، ملتقي الحزنين ، رحيل المرايا وقد أشرنا إلي أن ممارسة الطقوس ومزاولة التهيؤ ، إنما هي مرحلة ما قبل الاحتراق والمكابدة ، وبالتالي لا تصل في انصهارها ومعاناتها إلي مستوي مرحلة " الاحتراق " نفسها لا كما ولا كيفا ، وبالتالي فقد اقتصرت علي هذه القصائد النثرية الخمس ، في حين أن قصائد القسم الثاني أشد معاناة وأطول امتدادا وبذلك نفسر كثرتها وارتقاء شعريتها المنصهرة بالمعاناة .
• وإن ما يؤيد محدودية مرحلة ما قبل الاحتراق ، دلالات عناوينها الداخلية فهي ( اختزال ، ومضات ، مرايا الرحيل ، حزنان ) ، وإنها دلالات أكثر سرعة وأقل معاناة .
• وتأتي قصيدة " اختزال " لحثا مكثفا مختزلا لفضاء واسع من الحزن . تقول الشاعر في مقطع القصيدة الأول :
• رحلة الفقد ما زالت تحتوى سفني أعبرها من الوريد إلي الوريد وأعلق أمنيتي في أعلي النبض تتصاعد أنواء الهزيمة والتخاذل فأتسلق أشرعة الوهم 1
• إن الشاعرة تمارس طقوس ما قبل الاحتراق في سفن احتواها الفقد وسط أنواء من الخيبة والهزيمة ، وإذا حاولت أن تنجو من الأنواء وتسلقت الأشرعة ، فلن تجد إلا الوهم والخداع .
• وهكذا تتوالى الألفاظ ونتاج التراكيب في حقول من الألم والخوف والوجع الذي لا يشفيه " الصبر والملح " ، وتتضافر التشبيهات والصور الاستعارية معمقة لتلك الحقول ، محلقة بها في فضاء الحزن ؛ فللبحر " طقوس " من الرهبة والخوف " و" الخيانات أسواط تجلد الذاكرة " وزمننا " زمن المنذورين للوجع و الانكسار " ، وتأتي لفظه " المنذورين " موفقة في تعميق حالة المعاناة والألم ، فوجعنا ليس مؤقتا أو مرحليا و إنما كأنه نذر مكتوب وقدر مصاحب .
• أما قصيدة " قطاف الشجن " فتأتي في شكل أربع دفعات شعرية مرقمة هي : شباك ، نهر الخوف ، صوت ، أمل . والشباك مفتوح في انتظار أمل لا يأتي ، أما دفقة " نهر الخوف " فهي أشد وطأة وأثقل حملا . فالوطن ناء وضفافه تتشقق قهرا ، والحزن مغروس في جذوع النخل ، واختصارا فالوطن " نرتديه قيظا وخريفا وموتا عميقا " .
• أما مقطوعات قصيدة " ومضات " وهي خمس ، فإنها تومُض بين بريقين ؛ بريقُ الألم وهو أكثر حضورا وبريق الأمل وهو أقل التماعا .
• ويبقي الليل وصوتك يُشعلان وحدتي بانتظارك فأسُمًيك حلما ... وأغفوا !!! 1
• أما القصيدة الرابعة " ملتقى الحزنين " فيبدو عنواُنها مستوح باستلهام أثرين ؛ أولهما : أثر قرآني وهو قوله تعالي " حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا " ، والثاني : أثر بيئي من وحي منطقة " اللسان " في رأس البر ، حيث تنتمي الشاعرة لمحافظة دمياط .
• وهي إذ تبحر وسط أمواج من أحزان الوطن وآلامه ، تأتي مشاعرها هذه ، لتصيغ ملامح عالمها الوجداني الذي يحيل مُلتقي البحر والنهر إلي مكان للحزن والوجع . تقول القصيدة :
• في ملتقى البحر والنهر يدورُ الحزنُ يزرع شوك المنافي نسلا في جذوع الراحلين 1
• وتتوالي مفردات " معجم البحر " في القصيدة وقد وظفتها الشاعرة لإتمام مشهد الألم والمعاناة بإطاره المحزن ، فالهم " يمشط جدائل الموج " و" الغيمات تشتعل ، والوجع مسافر " والوطن " هاجرته المواسم " والأغنيات سُرقت من " فم الريح " وصوت الصغار " انطفأت نجماته " ، وأخيرا ، " ليس في الأفق مرسى ولا منتهى " .
• ثم تأتي ثلاثة أسطر من الفراغات الكتابية التي تمتدد معها حالة المجهول والعدم ، بل حالةٌ التيه والضباب .
• وفي تراكيب القصيدة صور وتعبيرات ، تتألق بالجدة وحضور الإيحاء مثل قول الشاعرة :
• مَن أغمض الشمس وأطفأ النجمات في صوت الصغار؟ 1
• أو التعبير الاستعاري التشخيصي الممتد في قولها :
• " يدور الحزن يزرع شوك المنافي يمشط بالهم جدائل الموج ... " 1
• وتعلن قصيدة " رحيل المرايا " عن انتهاء طقوس ما قبل الاحتراق ، وتأتي القصيدةٌ مٌشبعة بروح درامية متنامية ، ومما يزيدها وقعا وتأثيرا ، خاتمتها المٌسدلة علي مشهد حزين . فالمرايا التي كانت تحيط بالشاعرة وتتوقع أن تري فيها جمالها وبريق فتنتها ، ياللعجب ، تهشمت! :
• وخبت الجميلة ٌ بين الحطام ! وهناك وجدت كل المرايا في ذبول تسعى للرحيل تهالكت في القلب غصة ودعتها لم تعد المرايا ترضيني !! 1
يتبع >>>
• للشاعرة تُقي المرسي
• بقلم أحمد رشاد حسانين
• تعريفُُ بالديوان :

• " معراج لسماء تحترق " ، هو الديوان الأول للشاعرة تقي المرسي والصادر عن دار سندباد للنشر والإعلام عام 2009م.
• والديوان يقع في حوالي تسعين صفحة من القطع المتوسط ، وأول ما يلفت النظر إليه في هيئة ومحتوياته الخارجية ، هو تلك المنتجات النصية التي تقدم للديوان وتمهد لتجربته الشعرية ، وتعكس في تقديمها ما حظى به الديوان من مخطط ذهني وشعوري ، يترجم جهدا ملموسا في الترتيب والتنسيق مع حسن تنضيد للقصائد وما تندرج تحته من عناوين جانبية . وكل هذا يقدم لنا منتجات نصية هي جزء لا يتجزأ من النص الكلي ، وهذه المنتجات تتكون من :
• غلاف ، عنوان ، إهداء ، مفتتحان ، وتفصيلها علي النحو التالي :
• غلاف الديوان :
• ويغلبُ عليه اللونان الأصفر والأخضر ، يتصدر منتصفه جسم فتاة ترتدي ثوبا شفافا ، ورأس الفتاة بملامحها لا تظهر ، بل تغطيها ألسنة النيران تماما وتمتد هذه الألسنة إلى منتصف الجسد ، وأمام جسد الفتاة الذي يحترق تبدو حواليها أجساد أخرى تحتويها النيران ولون النيران ليس الأحمر المعهود ولكنه أصفر داكن .
• العنوان :
• ] معراج لسماء تحترق [
• الإهداء :
• وتهديه الشاعرة إلي : قناديل الروح .. رفيق العمر .. حبات الفؤاد والملاحظ في الإهداء أن التقدير والاحتفاء فيه ، يجمع بين الروحي المعنوي ( قناديل الروح ) ، والمادي الحميم ( حبات القلب ) ، والاثنان هما أجمل ما في الكائن الإنساني الحي .
• وأزعم أن تأخير جملة – رفيق العمر- يجعل الإهداء أكثر تشويقا للقارئ والمتلقي .
• المفتتحان :
• الأول ، تقول فيه :
• أسميَك شدو الرباب الحزين وبوح القرنفل والياسمين أسميك طلا ونخلا وظلا يجوب الفيافي كنهري حنين أسميك وردا وشجوا ووجدا نسبت مجازا لماء وطين 1
• والمفتتح يفيض عذوبة ورقة وعطرا ، وكأنه سلسال ينساب بردا وخيرا وسلاما ، وبغض النظر عمن تهدي إليه الشاعرة الديوان ، فإن وصف شدو الرباب بالحزين ، غير موفق وسط هذا الأفق العذب البهيج .
• أما المفتتح الآخر ، فتقول فيه :
• حين يكون الحزن كثيفا أفتح بابا في عتمة عينيك فأرى مدنا ... وسقوفا ودعها الأزرق شجرا مسلوب الخضرة وطنا يزحف في ثوب القهر وأنا طائر ... لا يعرف إلا الهجرة ! 1
• وربما يهيئ لنا من معطيات البنية السطحية للمفتتح ، أن دلالته قد تكون في حالة مقابلة مع مشاعر البهجة والجمال في المفتتح الأول ، إلا أن بنيته العميقة وبقليل من التأمل – تؤكد مشاعر التلاحم والتعاطف والحميمية مع المهدى إليه ، في كل ظروفه وتقلبات أحواله .
• محاولة للولوج :
• وعودة إلي عنوان الديوان ومع دلالاته المعُجمية واللغوية ( معراج السماء تحترق ) . جاء في المعجم الوجيز في مادة ( عرج ) :
• ( عرج ) في السًُلم وعليه عروجا : ارتفع وعلا ، و( المعراج ) المصعد والسلم وأيضا ما عَرجَ عليه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء ، و( العروج ) مصدر ( عرج ) والمعراج ( اسم آلة ) علي وزن مفعال وهو الأداة التي يُعرج عليها .
• ( لسماء ) ، ( السماءُ ) ، ما يقابل الأرض ، وكل ما علاك وأظلك والجمع : سماءات وسماوات .
• ( تحترق ) : جاء في مختار الصحاح في مادة ( حَرق ) ، ( الحَرَق ) : بفتحتين ، النار ، وهو أيضا ( احتراق ) و ( أحرقة ) بالنار و( حرقه ) تشديد للكثرة و ( تحرّق ) الشئ بالنار ( احترق ) والاسم منه ( الحرُقة ) و( الحريق ) .
• ويُلاحظ في العنوان – ما حُمٌل به من دلالة العلو والسمو المتصلة بمادتي ( عرج ) و( سمو ) ، ثم دلالة أخري مغايرة لطبيعة غايات السمو وهي : الحرق ، والحريق ، والاحتراق ، وهو ما يعني توظيف الدلالة التراثية لحادث الإسراء والمعراج ، وذلك بنقلها من إطارها الديني والروحي العام إلى حدود التجربة الذاتية ، فهو إذن عروج ومعراج من نوع خاص يتصل بطبيعة التجربة وذاتيتها .
• وملاحظة أخرى :
• وهي أن العنوان ، وهو المؤشر الإعلامي للنص الكلي ، مركب من جملة اسمية تتكون من :
• خبر نكرة لمبتدأ محذوف .
• يليه جار ومجرور نكرة وهما ( موصوف ) .
• ثم جملة فعلية ( صفة ) في محل جر .
• وإن جاز لنا أن نؤول للمبتدأ المحذوف ، لقلنا :
• " هذا معراجُُ لسماء تحترق "
• واسم الإشارة يفيد الحضور والمثول ، وحذفه إنما كان لحضوره هذا ومثوله المعلوم ، وهو يعود علي التجربة / الديوان ، وكأني بالشاعرة تقول :
• تجربتي معراج لسماء تحترق ، أو ديواني معراج لسماء تحترق ، أو شعري معراج لسماء تحترق .
• أي أنها وبداية بعتبات الديوان الأول ، تلج بنا تخوم التجربة / الديوان ونحن نتهيأ ونستعد ، فالعروج والترقي ليس بالأمر الهين اليسير ، وإنما هو أمر ذو شأن عسير والمتطلب لرياضات شاقة ، خاصة إذا كان عروجا غايته الاحتراق . وتوضيحا للأمر ، فإن الاحتراق إنما هو احتراق مجازى يتعلق بالنفسي والمعنوي .
• بعد هذه التهيئة ، نكون قراء ومتلقين ، إزاء ميدان عمليات العروج ، وهو ميدان تؤلفه ست وعشرون قصيدة ، ثم قصيدة أخيرة ، السابعة والعشرون وجاءت " خاتمة " ومشهدا أخيرا بعد عمليات العروج والاحتراق . وقد نضدت الشاعرة القصائد الخمس الأولى تحت عنوان " طقوس ما قبل الاحتراق " ، أما بقية القصائد والبالغة إحدى وعشرون ، فقد نضدتها تحت عنوان " طقوس الاحتراق " وهو نوع من التنظيم والتصنيف المرحلي من جهة ، وينطوي من جهة أخري علي إيحاءات وأجواء من القدسية ؛ إذ أننا بصدد الولوج إلي ساحة الشعر ( وفق تأويلنا لعنوان الديوان ) ، والساحة هنا يثري قدسيتها كونها للعروج والترقي . والدخول إليها ليس بالدخول المجاني العشوائي وإنما هو دخول في حاجة إلي إجراءات وطقوس ، وهي أشبه بطقوس يمارسها الناسك الداخل إلي معبده .
• إن ساحة الشعر وحرمته لهي من ساحات الخلود ، وإن مركب الشعر لصعب ، وإن مرتقاه لعسير ، ووجب أن يكون تلقيه علي درجة من التهيؤ والحضور ، تتناسب مع ما في تعاطيه وإبداعه ، من احتراق ومعاناة وما في صياغاته ، من مكابدات تراكيبا ومجازا وإيقاعات.
• إجراءات و" طقوس ما قبل الاحتراق " :
• وقصائد هذا القسم الأول وضعت الشاعرة لها عنوانا جانبيا تصنيفيا وهو " نثريات " وذلك بالرغم من شعرية قصائده البادية وتراكيبه الصوتية الواضحة . فهل ثمة علاقة بين موضوع القصائد العام " طقوس ما قبل الاحتراق " ونوعية قالبها الشعري الذي ارتضته الشاعرة بوصفة " نثريات " ؟ .
• إن قسم الطقوس يضم القصائد الآتية :
• اختزال ، قطاف الشجن ، ومضات ، ملتقي الحزنين ، رحيل المرايا وقد أشرنا إلي أن ممارسة الطقوس ومزاولة التهيؤ ، إنما هي مرحلة ما قبل الاحتراق والمكابدة ، وبالتالي لا تصل في انصهارها ومعاناتها إلي مستوي مرحلة " الاحتراق " نفسها لا كما ولا كيفا ، وبالتالي فقد اقتصرت علي هذه القصائد النثرية الخمس ، في حين أن قصائد القسم الثاني أشد معاناة وأطول امتدادا وبذلك نفسر كثرتها وارتقاء شعريتها المنصهرة بالمعاناة .
• وإن ما يؤيد محدودية مرحلة ما قبل الاحتراق ، دلالات عناوينها الداخلية فهي ( اختزال ، ومضات ، مرايا الرحيل ، حزنان ) ، وإنها دلالات أكثر سرعة وأقل معاناة .
• وتأتي قصيدة " اختزال " لحثا مكثفا مختزلا لفضاء واسع من الحزن . تقول الشاعر في مقطع القصيدة الأول :
• رحلة الفقد ما زالت تحتوى سفني أعبرها من الوريد إلي الوريد وأعلق أمنيتي في أعلي النبض تتصاعد أنواء الهزيمة والتخاذل فأتسلق أشرعة الوهم 1
• إن الشاعرة تمارس طقوس ما قبل الاحتراق في سفن احتواها الفقد وسط أنواء من الخيبة والهزيمة ، وإذا حاولت أن تنجو من الأنواء وتسلقت الأشرعة ، فلن تجد إلا الوهم والخداع .
• وهكذا تتوالى الألفاظ ونتاج التراكيب في حقول من الألم والخوف والوجع الذي لا يشفيه " الصبر والملح " ، وتتضافر التشبيهات والصور الاستعارية معمقة لتلك الحقول ، محلقة بها في فضاء الحزن ؛ فللبحر " طقوس " من الرهبة والخوف " و" الخيانات أسواط تجلد الذاكرة " وزمننا " زمن المنذورين للوجع و الانكسار " ، وتأتي لفظه " المنذورين " موفقة في تعميق حالة المعاناة والألم ، فوجعنا ليس مؤقتا أو مرحليا و إنما كأنه نذر مكتوب وقدر مصاحب .
• أما قصيدة " قطاف الشجن " فتأتي في شكل أربع دفعات شعرية مرقمة هي : شباك ، نهر الخوف ، صوت ، أمل . والشباك مفتوح في انتظار أمل لا يأتي ، أما دفقة " نهر الخوف " فهي أشد وطأة وأثقل حملا . فالوطن ناء وضفافه تتشقق قهرا ، والحزن مغروس في جذوع النخل ، واختصارا فالوطن " نرتديه قيظا وخريفا وموتا عميقا " .
• أما مقطوعات قصيدة " ومضات " وهي خمس ، فإنها تومُض بين بريقين ؛ بريقُ الألم وهو أكثر حضورا وبريق الأمل وهو أقل التماعا .
• ويبقي الليل وصوتك يُشعلان وحدتي بانتظارك فأسُمًيك حلما ... وأغفوا !!! 1
• أما القصيدة الرابعة " ملتقى الحزنين " فيبدو عنواُنها مستوح باستلهام أثرين ؛ أولهما : أثر قرآني وهو قوله تعالي " حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا " ، والثاني : أثر بيئي من وحي منطقة " اللسان " في رأس البر ، حيث تنتمي الشاعرة لمحافظة دمياط .
• وهي إذ تبحر وسط أمواج من أحزان الوطن وآلامه ، تأتي مشاعرها هذه ، لتصيغ ملامح عالمها الوجداني الذي يحيل مُلتقي البحر والنهر إلي مكان للحزن والوجع . تقول القصيدة :
• في ملتقى البحر والنهر يدورُ الحزنُ يزرع شوك المنافي نسلا في جذوع الراحلين 1
• وتتوالي مفردات " معجم البحر " في القصيدة وقد وظفتها الشاعرة لإتمام مشهد الألم والمعاناة بإطاره المحزن ، فالهم " يمشط جدائل الموج " و" الغيمات تشتعل ، والوجع مسافر " والوطن " هاجرته المواسم " والأغنيات سُرقت من " فم الريح " وصوت الصغار " انطفأت نجماته " ، وأخيرا ، " ليس في الأفق مرسى ولا منتهى " .
• ثم تأتي ثلاثة أسطر من الفراغات الكتابية التي تمتدد معها حالة المجهول والعدم ، بل حالةٌ التيه والضباب .
• وفي تراكيب القصيدة صور وتعبيرات ، تتألق بالجدة وحضور الإيحاء مثل قول الشاعرة :
• مَن أغمض الشمس وأطفأ النجمات في صوت الصغار؟ 1
• أو التعبير الاستعاري التشخيصي الممتد في قولها :
• " يدور الحزن يزرع شوك المنافي يمشط بالهم جدائل الموج ... " 1
• وتعلن قصيدة " رحيل المرايا " عن انتهاء طقوس ما قبل الاحتراق ، وتأتي القصيدةٌ مٌشبعة بروح درامية متنامية ، ومما يزيدها وقعا وتأثيرا ، خاتمتها المٌسدلة علي مشهد حزين . فالمرايا التي كانت تحيط بالشاعرة وتتوقع أن تري فيها جمالها وبريق فتنتها ، ياللعجب ، تهشمت! :
• وخبت الجميلة ٌ بين الحطام ! وهناك وجدت كل المرايا في ذبول تسعى للرحيل تهالكت في القلب غصة ودعتها لم تعد المرايا ترضيني !! 1
يتبع >>>
تعليق