معاناة الشعر وأشواقه في " معراج لسماء تحترق "

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • تقى المرسي
    عضو الملتقى
    • 13-06-2007
    • 195

    معاناة الشعر وأشواقه في " معراج لسماء تحترق "

    معاناة الشعر وأشواقه في " معراج لسماء تحترق "

    • للشاعرة تُقي المرسي
    • بقلم أحمد رشاد حسانين

    • تعريفُُ بالديوان :


    • " معراج لسماء تحترق " ، هو الديوان الأول للشاعرة تقي المرسي والصادر عن دار سندباد للنشر والإعلام عام 2009م.
    • والديوان يقع في حوالي تسعين صفحة من القطع المتوسط ، وأول ما يلفت النظر إليه في هيئة ومحتوياته الخارجية ، هو تلك المنتجات النصية التي تقدم للديوان وتمهد لتجربته الشعرية ، وتعكس في تقديمها ما حظى به الديوان من مخطط ذهني وشعوري ، يترجم جهدا ملموسا في الترتيب والتنسيق مع حسن تنضيد للقصائد وما تندرج تحته من عناوين جانبية . وكل هذا يقدم لنا منتجات نصية هي جزء لا يتجزأ من النص الكلي ، وهذه المنتجات تتكون من :
    • غلاف ، عنوان ، إهداء ، مفتتحان ، وتفصيلها علي النحو التالي :
    • غلاف الديوان :
    • ويغلبُ عليه اللونان الأصفر والأخضر ، يتصدر منتصفه جسم فتاة ترتدي ثوبا شفافا ، ورأس الفتاة بملامحها لا تظهر ، بل تغطيها ألسنة النيران تماما وتمتد هذه الألسنة إلى منتصف الجسد ، وأمام جسد الفتاة الذي يحترق تبدو حواليها أجساد أخرى تحتويها النيران ولون النيران ليس الأحمر المعهود ولكنه أصفر داكن .
    • العنوان :
    • ] معراج لسماء تحترق [
    • الإهداء :
    • وتهديه الشاعرة إلي : قناديل الروح .. رفيق العمر .. حبات الفؤاد والملاحظ في الإهداء أن التقدير والاحتفاء فيه ، يجمع بين الروحي المعنوي ( قناديل الروح ) ، والمادي الحميم ( حبات القلب ) ، والاثنان هما أجمل ما في الكائن الإنساني الحي .
    • وأزعم أن تأخير جملة – رفيق العمر- يجعل الإهداء أكثر تشويقا للقارئ والمتلقي .
    • المفتتحان :
    • الأول ، تقول فيه :
    • أسميَك شدو الرباب الحزين وبوح القرنفل والياسمين أسميك طلا ونخلا وظلا يجوب الفيافي كنهري حنين أسميك وردا وشجوا ووجدا نسبت مجازا لماء وطين 1
    • والمفتتح يفيض عذوبة ورقة وعطرا ، وكأنه سلسال ينساب بردا وخيرا وسلاما ، وبغض النظر عمن تهدي إليه الشاعرة الديوان ، فإن وصف شدو الرباب بالحزين ، غير موفق وسط هذا الأفق العذب البهيج .
    • أما المفتتح الآخر ، فتقول فيه :
    • حين يكون الحزن كثيفا أفتح بابا في عتمة عينيك فأرى مدنا ... وسقوفا ودعها الأزرق شجرا مسلوب الخضرة وطنا يزحف في ثوب القهر وأنا طائر ... لا يعرف إلا الهجرة ! 1
    • وربما يهيئ لنا من معطيات البنية السطحية للمفتتح ، أن دلالته قد تكون في حالة مقابلة مع مشاعر البهجة والجمال في المفتتح الأول ، إلا أن بنيته العميقة وبقليل من التأمل – تؤكد مشاعر التلاحم والتعاطف والحميمية مع المهدى إليه ، في كل ظروفه وتقلبات أحواله .

    • محاولة للولوج :
    • وعودة إلي عنوان الديوان ومع دلالاته المعُجمية واللغوية ( معراج السماء تحترق ) . جاء في المعجم الوجيز في مادة ( عرج ) :
    • ( عرج ) في السًُلم وعليه عروجا : ارتفع وعلا ، و( المعراج ) المصعد والسلم وأيضا ما عَرجَ عليه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء ، و( العروج ) مصدر ( عرج ) والمعراج ( اسم آلة ) علي وزن مفعال وهو الأداة التي يُعرج عليها .
    • ( لسماء ) ، ( السماءُ ) ، ما يقابل الأرض ، وكل ما علاك وأظلك والجمع : سماءات وسماوات .
    • ( تحترق ) : جاء في مختار الصحاح في مادة ( حَرق ) ، ( الحَرَق ) : بفتحتين ، النار ، وهو أيضا ( احتراق ) و ( أحرقة ) بالنار و( حرقه ) تشديد للكثرة و ( تحرّق ) الشئ بالنار ( احترق ) والاسم منه ( الحرُقة ) و( الحريق ) .
    • ويُلاحظ في العنوان – ما حُمٌل به من دلالة العلو والسمو المتصلة بمادتي ( عرج ) و( سمو ) ، ثم دلالة أخري مغايرة لطبيعة غايات السمو وهي : الحرق ، والحريق ، والاحتراق ، وهو ما يعني توظيف الدلالة التراثية لحادث الإسراء والمعراج ، وذلك بنقلها من إطارها الديني والروحي العام إلى حدود التجربة الذاتية ، فهو إذن عروج ومعراج من نوع خاص يتصل بطبيعة التجربة وذاتيتها .
    • وملاحظة أخرى :
    • وهي أن العنوان ، وهو المؤشر الإعلامي للنص الكلي ، مركب من جملة اسمية تتكون من :
    • خبر نكرة لمبتدأ محذوف .
    • يليه جار ومجرور نكرة وهما ( موصوف ) .
    • ثم جملة فعلية ( صفة ) في محل جر .
    • وإن جاز لنا أن نؤول للمبتدأ المحذوف ، لقلنا :
    • " هذا معراجُُ لسماء تحترق "
    • واسم الإشارة يفيد الحضور والمثول ، وحذفه إنما كان لحضوره هذا ومثوله المعلوم ، وهو يعود علي التجربة / الديوان ، وكأني بالشاعرة تقول :
    • تجربتي معراج لسماء تحترق ، أو ديواني معراج لسماء تحترق ، أو شعري معراج لسماء تحترق .
    • أي أنها وبداية بعتبات الديوان الأول ، تلج بنا تخوم التجربة / الديوان ونحن نتهيأ ونستعد ، فالعروج والترقي ليس بالأمر الهين اليسير ، وإنما هو أمر ذو شأن عسير والمتطلب لرياضات شاقة ، خاصة إذا كان عروجا غايته الاحتراق . وتوضيحا للأمر ، فإن الاحتراق إنما هو احتراق مجازى يتعلق بالنفسي والمعنوي .
    • بعد هذه التهيئة ، نكون قراء ومتلقين ، إزاء ميدان عمليات العروج ، وهو ميدان تؤلفه ست وعشرون قصيدة ، ثم قصيدة أخيرة ، السابعة والعشرون وجاءت " خاتمة " ومشهدا أخيرا بعد عمليات العروج والاحتراق . وقد نضدت الشاعرة القصائد الخمس الأولى تحت عنوان " طقوس ما قبل الاحتراق " ، أما بقية القصائد والبالغة إحدى وعشرون ، فقد نضدتها تحت عنوان " طقوس الاحتراق " وهو نوع من التنظيم والتصنيف المرحلي من جهة ، وينطوي من جهة أخري علي إيحاءات وأجواء من القدسية ؛ إذ أننا بصدد الولوج إلي ساحة الشعر ( وفق تأويلنا لعنوان الديوان ) ، والساحة هنا يثري قدسيتها كونها للعروج والترقي . والدخول إليها ليس بالدخول المجاني العشوائي وإنما هو دخول في حاجة إلي إجراءات وطقوس ، وهي أشبه بطقوس يمارسها الناسك الداخل إلي معبده .
    • إن ساحة الشعر وحرمته لهي من ساحات الخلود ، وإن مركب الشعر لصعب ، وإن مرتقاه لعسير ، ووجب أن يكون تلقيه علي درجة من التهيؤ والحضور ، تتناسب مع ما في تعاطيه وإبداعه ، من احتراق ومعاناة وما في صياغاته ، من مكابدات تراكيبا ومجازا وإيقاعات.
    • إجراءات و" طقوس ما قبل الاحتراق " :
    • وقصائد هذا القسم الأول وضعت الشاعرة لها عنوانا جانبيا تصنيفيا وهو " نثريات " وذلك بالرغم من شعرية قصائده البادية وتراكيبه الصوتية الواضحة . فهل ثمة علاقة بين موضوع القصائد العام " طقوس ما قبل الاحتراق " ونوعية قالبها الشعري الذي ارتضته الشاعرة بوصفة " نثريات " ؟ .

    • إن قسم الطقوس يضم القصائد الآتية :
    • اختزال ، قطاف الشجن ، ومضات ، ملتقي الحزنين ، رحيل المرايا وقد أشرنا إلي أن ممارسة الطقوس ومزاولة التهيؤ ، إنما هي مرحلة ما قبل الاحتراق والمكابدة ، وبالتالي لا تصل في انصهارها ومعاناتها إلي مستوي مرحلة " الاحتراق " نفسها لا كما ولا كيفا ، وبالتالي فقد اقتصرت علي هذه القصائد النثرية الخمس ، في حين أن قصائد القسم الثاني أشد معاناة وأطول امتدادا وبذلك نفسر كثرتها وارتقاء شعريتها المنصهرة بالمعاناة .
    • وإن ما يؤيد محدودية مرحلة ما قبل الاحتراق ، دلالات عناوينها الداخلية فهي ( اختزال ، ومضات ، مرايا الرحيل ، حزنان ) ، وإنها دلالات أكثر سرعة وأقل معاناة .
    • وتأتي قصيدة " اختزال " لحثا مكثفا مختزلا لفضاء واسع من الحزن . تقول الشاعر في مقطع القصيدة الأول :
    • رحلة الفقد ما زالت تحتوى سفني أعبرها من الوريد إلي الوريد وأعلق أمنيتي في أعلي النبض تتصاعد أنواء الهزيمة والتخاذل فأتسلق أشرعة الوهم 1
    • إن الشاعرة تمارس طقوس ما قبل الاحتراق في سفن احتواها الفقد وسط أنواء من الخيبة والهزيمة ، وإذا حاولت أن تنجو من الأنواء وتسلقت الأشرعة ، فلن تجد إلا الوهم والخداع .
    • وهكذا تتوالى الألفاظ ونتاج التراكيب في حقول من الألم والخوف والوجع الذي لا يشفيه " الصبر والملح " ، وتتضافر التشبيهات والصور الاستعارية معمقة لتلك الحقول ، محلقة بها في فضاء الحزن ؛ فللبحر " طقوس " من الرهبة والخوف " و" الخيانات أسواط تجلد الذاكرة " وزمننا " زمن المنذورين للوجع و الانكسار " ، وتأتي لفظه " المنذورين " موفقة في تعميق حالة المعاناة والألم ، فوجعنا ليس مؤقتا أو مرحليا و إنما كأنه نذر مكتوب وقدر مصاحب .
    • أما قصيدة " قطاف الشجن " فتأتي في شكل أربع دفعات شعرية مرقمة هي : شباك ، نهر الخوف ، صوت ، أمل . والشباك مفتوح في انتظار أمل لا يأتي ، أما دفقة " نهر الخوف " فهي أشد وطأة وأثقل حملا . فالوطن ناء وضفافه تتشقق قهرا ، والحزن مغروس في جذوع النخل ، واختصارا فالوطن " نرتديه قيظا وخريفا وموتا عميقا " .
    • أما مقطوعات قصيدة " ومضات " وهي خمس ، فإنها تومُض بين بريقين ؛ بريقُ الألم وهو أكثر حضورا وبريق الأمل وهو أقل التماعا .
    • ويبقي الليل وصوتك يُشعلان وحدتي بانتظارك فأسُمًيك حلما ... وأغفوا !!! 1
    • أما القصيدة الرابعة " ملتقى الحزنين " فيبدو عنواُنها مستوح باستلهام أثرين ؛ أولهما : أثر قرآني وهو قوله تعالي " حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا " ، والثاني : أثر بيئي من وحي منطقة " اللسان " في رأس البر ، حيث تنتمي الشاعرة لمحافظة دمياط .
    • وهي إذ تبحر وسط أمواج من أحزان الوطن وآلامه ، تأتي مشاعرها هذه ، لتصيغ ملامح عالمها الوجداني الذي يحيل مُلتقي البحر والنهر إلي مكان للحزن والوجع . تقول القصيدة :
    • في ملتقى البحر والنهر يدورُ الحزنُ يزرع شوك المنافي نسلا في جذوع الراحلين 1
    • وتتوالي مفردات " معجم البحر " في القصيدة وقد وظفتها الشاعرة لإتمام مشهد الألم والمعاناة بإطاره المحزن ، فالهم " يمشط جدائل الموج " و" الغيمات تشتعل ، والوجع مسافر " والوطن " هاجرته المواسم " والأغنيات سُرقت من " فم الريح " وصوت الصغار " انطفأت نجماته " ، وأخيرا ، " ليس في الأفق مرسى ولا منتهى " .
    • ثم تأتي ثلاثة أسطر من الفراغات الكتابية التي تمتدد معها حالة المجهول والعدم ، بل حالةٌ التيه والضباب .
    • وفي تراكيب القصيدة صور وتعبيرات ، تتألق بالجدة وحضور الإيحاء مثل قول الشاعرة :
    • مَن أغمض الشمس وأطفأ النجمات في صوت الصغار؟ 1
    • أو التعبير الاستعاري التشخيصي الممتد في قولها :
    • " يدور الحزن يزرع شوك المنافي يمشط بالهم جدائل الموج ... " 1
    • وتعلن قصيدة " رحيل المرايا " عن انتهاء طقوس ما قبل الاحتراق ، وتأتي القصيدةٌ مٌشبعة بروح درامية متنامية ، ومما يزيدها وقعا وتأثيرا ، خاتمتها المٌسدلة علي مشهد حزين . فالمرايا التي كانت تحيط بالشاعرة وتتوقع أن تري فيها جمالها وبريق فتنتها ، ياللعجب ، تهشمت! :
    • وخبت الجميلة ٌ بين الحطام ! وهناك وجدت كل المرايا في ذبول تسعى للرحيل تهالكت في القلب غصة ودعتها لم تعد المرايا ترضيني !! 1
    يتبع >>>
    التعديل الأخير تم بواسطة تقى المرسي; الساعة 30-03-2010, 20:08.
    [B][B][SIZE=5]
    يا فجر شقشقْ وبانْ وافتحْ بيبانْ الضيّ
    يكفيكْ غيابْ وعتابْ دا الجرح فينا حيّ
    واكتبْ على الأبوابْ...الظلم مهما طالْ
    والحق سيفه مالْ.... فالعدل يومه جيّ[/SIZE][/B][/B]
  • تقى المرسي
    عضو الملتقى
    • 13-06-2007
    • 195

    #2
    تابع :
    • معاناة الشعر وأشواقه في " معراج لسماء تحترق "

    • للشاعرة تُقي المرسي
    • بقلم أحمد رشاد حسانين


    • " طقوس الاحتراق " :
    • وتفتتح الشاعرة قصائد هذا القسم بقصيدة " أرمم وجه النهار " ، وتبدو الشاعرة في القصيدة في مشهد وصفت نفسها فيه بأنها " قد علقتها غيمة للغياب " علي شٌرفة " غافلتها العيون " علي مدخل مدن واهنة ، وقد سكنها " نهر حزن " . وهنا ومع مثل هذا المشهد المشعر بالخواء والخراب ، تتحرق أشواقها تنشد بصيصا من أمل ، وتهفو روحها الظمأى لقطرة تبلل قيظ الروح ، لذا تتوالى الأساليب الإنشائية في آخر القصيدة ، ملحة بغرض التمني والرجاء :
    • فهل للبلاد طقوسٌ ترممٌ وجه النهار؟ تبلل أرواحنا اللينة ؟ وتمسح دمعتنا المزمنة ! وهل للجداول أن تستعيد اخضرارا مضى ... في ذبول ... طوته رحى قسوة خائنة لعل الفصول التي أخطأتنا تعود بأحلامنا الممكنة ! تعود بأحلامنا الآمنة ! 1
    • وإذا كانت مفردات الشاعرة وتراكيبها قد نجحت في كثير من قصائد الديوان ووفقت في التعبير عن الحالة تواصلها مع المتلقي ، إلا أننا نلاحظ في المقطع السابق بعض المواضع كانت في حاجة إلي المزيد من الدقة ، مثل قولها " تبلل أرواحنا اللينة " ، والمفترض أن لفظة " تبلل " ، تؤدي وظيفتها الدلالية بمزيد من الفاعلية إذا جاءت في سياق مقابل من المعاني كالظمأ مثلا أو العطش أو الصدى ، أما " اللينة " فلا تحقق هذه الفاعلية . وفي قولها " تمسح دمعتنا المزمنة " كان الأوفق في هذا السياق ، أن تستخدم صيغة الجمع وذلك تعبيرا عن الغزارة والكثرة ، فتقول " دموعنا " أو " أدمعنا " .
    • أما قولها " طوته رحى قسوة خائنة " ، فلفظ خائنة قد تبدو ظلاله هنا غير ملائمة للرحى وقسوتها وكان يمكن أن يوافقها لفظ " الطاحنة " . وتختتم الشاعرة القصيدة بتكرار لتمن ، يفيد التوكيد في قولها :
    • تعود بأحلامنا الممكنة ! تعود بأحلامنا الآمنة ! 1
    • ووصف " الأحلام " في السطر المكرر بقولها " الآمنة " قد لا يضيف جديدا للأحلام ، وربما كان تكرار السطر بنفس ألفاظه أوفق وأجدى وذلك للتأكيد علي إمكانية تحقيق الأحلام . ضف إلى ذلك أن ثمة إحساس قد يخالج وجدان المتلقي بأن لفظ الآمنة مجلوب لمجرد الإيقاع .
    • وفي قصيدتي " حكايا الحريق " و " لماذا ... ؟ " ، تجسد الشاعرة وطنها " أما " في الأولى و"حبيبا " في الثانية ، وهي تسأله وقد احتواها الألم كما احتوت النيران جسد فتاة الغلاف ... تقول :
    • سألتُ وأنت احتراق السؤال وأنت الشديدُ البعيدُ المنال وأنت السحيقُ ........................... لماذا ... ؟ لماذا ... ؟ أنادي أصمٌ فشاب ندائي 1
    • ولا رد
    - يا سيد الصمت - 1
    • آت ! 1
    • وتأكيد أداة الاستفهام " لماذا " بالتكرار ، يضاعف مشاعر المرارة والخيبة المُحبطة التي ينوء بها القلب ويكتوي بها الوجدان ، كما أن الجملة الاعتراضية – يا سيد الصمت – أدت دورا موفقا مُثريا ومعمقا للحالة الشعورية .
    • وتتوالي قصائد الاحتراق هذا الاحتراق الأليم التي كانت مصدره ، عذاب الوطن وكانت جمرات شرره ونيرانه ، متقدة من معاناته وشقائه .
    • وتتردد معاني الحريق ودلالات الإحراق ومشتقاتهما وما يتصل بهذه المادة من مشتقات ونواتج أكثر من ثلاثين مرة ، فتحن في " طقوس الاحتراق " بإزاء : جمرة ، جمر ، جمار ، جمرات ، حرائق ، احتراق ، إحراق ، نار قيظ ، وقدة ، لهيب – وهج – رماد ... إلخ ، مما يؤكد تعدد وتنوع صور شقاء الوطن ومشاهد آلامه وانعكاس ذلك علي الذات الشاعرة ، إلا أن الذات الشاعرة تبدو أقل صمودا وتجلدا ، فهذه الابتلاءات وتلك المحن تتطلب المزيد من التحمل والصلابة والعناد ، وكان مفترضا أن تتجاوز بموقفها الشعري موقف الإدانة والشكوى وتتعداه إلى الرفض والمقاومة ، فالوطن في أشد الحاجة إلي الحفز وإعادة الروح .
    • وإذا كانت الحقول اللغوية لمادتي " الأمل " و " الحلم " قد ترددت كثيرا فإنها تأتي في إطار التمني وليست في مجال الرفض والإصرار . إن حالة الإحباط والشعور العميق بخيبة الأمل كانت كبيرة وبدا ظلام اليأس مهيمنا ، حاضرا . ويتم إحصاء أكثر من ستة وأربعين موضعا تعبر عن التشوق أملا والانعتاق تطلعا ، تعبر عنها مفردات مثل : السماء ، القمر ، النور ، الروح ، الطيف ، الظل ، الندى ، النخل ، القمام ، النهر ، الوصال ، الشجر ، المطر ، الصبح ... إلخ ، مما يعبر عن أشواق عارمة وفي نفس الوقت سيطرة شعور بالعجز عن الفعل والحركة في وطن وصفته الشاعرة بأنه ( سيد الصمت) .
    • وتنقل من القصائد المكتواة بلظى نيران الوطن إلي قصائد وجدانية ذاتية تدور في إطار تجارب الذات الشاعرة وعواطفها ، مثل : حنين ، قدر ، يلومون شعري ، الليل وطيفك ، عشرون عاما ، أنشودة الوجع ، وتختتم هذه القصائد بالقصيدة الأخيرة " خاتمة " لتكون ستارا يسُدل علي مشاهد الألم والوحدة والفقد ، سواء على مستوى تداعيات هموم الوطن أو على مستوى دوائر الذاتية الخاصة وفي هذه الخاتمة تقول :
    • في العام الماضي كنا اثنين وكان لنا ظل واحد في هذا العام صرت 1
    • و
    • ح
    • ى
    • د
    • ا
    • تتبعني بقايا ظلين 1
    • وتوزيع الشاعرة حروف لفظ " وحيدا " في خط رأسي ، ما يعني امتداد هذه الوحدة وقسوتها ، ومثل هذا الشكل الطباعي للأحرف ، رأيناه في القصيدة قبلها بعنوان " أنشودة الوجع " ، وتكررت هذه الظاهرة أيضا في قصيدة " جمر السؤال" و" في شرق الليل " ويكاد يكون الموقف الشعري في هذه المجموعة من القصائد الذاتية الخالصة موقفا رومانسيا أسيفا مفعما بحزن تنشره إيحاءات الألفاظ وأجواء القصائد الدامعة فنجد ألفاظ مثل : بؤسي - أدماني – مأتمي ... إلخ ، ويتصل بهذه التوجه الرومانسي كثرة تشخيصات الشاعرة للطبيعة ومفرداتها وتوظيف هذه المفردات ، تعميقا للمعطى الوجداني وترسيخا لأجوائه الحزينة . وتبدو الشاعرة عبر رحلة قصائدها في الديوان واعية بتراثها الشعري قديمة وجديدة ، وذلك باستدعاء مقولات شعرية شهيرة ، ضمنتها بعض قصائد أو انطوت علي معانيها بغية تأكيد حضور الفكرة وتكثيف العاطفة ، مثل قولها :
    • رويدك لا يخدعنك ابتسامي ... فتحت الرماد ، لهيب تباكي
    • وفيه تأثر بقول أبي القاسم الشابي :
    • حذاري فتحت الرماد اللهيب
    • ومن يبذر الشوك يجن الجراح
    • ومثل معارضتها لقصيدة الحصر القيرواني " يا ليل الصب . متى غده ؟ " بقصيدتها " الليل وطيفك " وفيها تقول :
    • الليلُ وطيفٌك أنشده
    • باليت الليلة موعدُه
    • ما بال الفكر يمانعُنى
    • والجفن يطول تسهده
    • وفي موضع آخر تقول الشاعرة :
    • لا تعذلوا الطير الحزين بشدوه
    • إن جاء رقصا ساحة الإعدام
    • وفيه متأثرة بقول الشاعر:
    • لا تحسبن رقصي بينكم طربا
    • كالطير يرقص مذبوحا من الألم
    • وأخيرا ، فقد طبع الحس الرومانسي الشفيف ، لغة الشاعرة فجاءت الألفاظ كسائر معجم الرومانسية سهلة ، عذبه ، شفيفة ، وأحيانا محلقة . وتراكيب الشاعرة وعلاقات ألفاظها النحوية تنبئ عن حساسية واهتمام بسلامة اللغة ، وبالرغم من كون هذا الديوان هو التجربة الطباعية الأولى للشاعرة المتواجدة بحضور في العديد من المواقع الإلكترونية الأدبية ، إلا أنها تجربة تنبئ وتعلن عن صوت واعد ننتظر منه المزيد من الإيقاعات الجميلة والشدو البديع تقدمه بلغتها الشعرية الموحية ومجازاتها ذات الجدة والطرافة .

    • أحمد رشاد حسانين
    • بورسعيـد مارس 2010
    [B][B][SIZE=5]
    يا فجر شقشقْ وبانْ وافتحْ بيبانْ الضيّ
    يكفيكْ غيابْ وعتابْ دا الجرح فينا حيّ
    واكتبْ على الأبوابْ...الظلم مهما طالْ
    والحق سيفه مالْ.... فالعدل يومه جيّ[/SIZE][/B][/B]

    تعليق

    يعمل...
    X